آداب الاسرة في الإسلام

آداب الاسرة في الإسلام37%

آداب الاسرة في الإسلام مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 142

آداب الاسرة في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 142 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59632 / تحميل: 7987
الحجم الحجم الحجم
آداب الاسرة في الإسلام

آداب الاسرة في الإسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

صلى الله عليه وسلم يقول: « يكون اثنا عشر أميراً »، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: « كلّهم من قريش»(1) .

وفي صحيح مسلم: «ولا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»(2) .

وفي مسند أحمد بسنده عن مسروق قال: « كنا جلوساً عند عبدالله بن مسعود وهو يقرأ القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن! هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم يملك هذه الاُمّة من خليفة؟ فقال عبدالله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اثني عشر كعدة نقباء بني إسرائيل »(3) .

ويستفاد من هذه الاَحاديث أُمور، وهي:

1 - إن عدد الاُمراء أو الخلفاء لايتجاوز الاثني عشر وكلّهم من قريش بلا خلاف. وهذا العدد ينطبق تماماً مع ماتعتقده الشيعة بعدد الاَئمة وهم كلّهم من قريش.

قد يقال: ان التعبير بـ (الامراء أو الخلفاء) لاينطبق مع واقع الاَئمة عليهم السلام، والجواب واضح جداً؛ لاَنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أراد بذلك الاِمرة والاستخلاف باستحقاق، وحاشاه أن يقصد بذلك معاوية ويزيد ومروان وأمثالهم الذين لعبوا ما شاؤوا بمقدرات الاُمّة.

بل المراد بالخليفة هو من يستمد سلطته من الشارع المقدس،

____________

(1) صحيح البخاري 4: 164 كتاب الاحكام باب الاستخلاف، وأخرجه الصدوق عن جابر بن سمرة أيضاً في كمال الدين 1: 272/19، والخصال 2: 469 و 475.

(2) صحيح مسلم 2: 119 كتاب الامارة، باب الناس تبع لقريش، أخرجه من تسعة طرق.

(3) مسند أحمد 5: 90 و93 و97 و100 و106 و107، وأخرجه الصدوق عن ابن مسعود في كمال الدين 1: 270/16.

٨١

ولاينافي ذلك ذهاب السلطنة منهم في واقعها الخارجي لتسلط الآخرين عليهم.

ولهذا جاء في (عون المعبود في شرح سنن أبي داود) ما نصه: «قال التوربشتي: السبيل في هذا الحديث ومايتعقبه في هذا المعنى أنه يحمل على المقسطين منهم، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة ولايلزم أن يكونوا على الولاء، وان قدّر أنّهم على الولاء، فإنّ المراد منه المسمّون بها على المجاز، كذا في المرقاة»(1) .

2 - إنّ هؤلاء الاثني عشر معنيّون بالنص كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل، قال تعالى:( وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ) (2) .

3 - إن هذه الاَحاديث تفترض عدم خلو الزمان من الاثني عشر جميعاً، وأنه لابدّ من وجود أحدهم ما بقي الدين إلى أن تقوم الساعة.

وقد أخرج مسلم في صحيحه وبنفس الباب ما هو صريح جداً بهذا، إذ ورد فيه: «لايزال هذا الاَمر في قريش ما بقي من الناس اثنان».(3) .

وهو كما ترى ينطبق تمام الانطباق على ما تقوله الشيعة بأنّ الاِمام الثاني عشر (المهدي) حيّ كسائر الاَحياء، وأنه لابدّ من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً على وفق ما بشر به جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

وغير خاف على أحد أن أهل السنة لم يتّفقوا قطّ على تسمية الاثني عشر حتى إنّ بعضهم اضطر إلى إدخال يزيد بن معاوية ومروان وعبد الملك ونحوهم وصولاً إلى عمر بن عبد العزيز لاَجل اكتمال نصاب الاثني

____________

(1) عون المعبود 11: 262 شرح الحديث 4259.

(2) المائدة: 5/12.

(3) صحيح مسلم 2: 121.

٨٢

عشر(1) !!

وهو بلا أدنى شكّ تفسير خاطئ غير منسجم مع نصّ الحديث. إذ يلزم منه خلو جميع العصور بعد عصر عمر بن عبد العزيز من الخليفة بينما المفروض أنّ الدين لايزال قائماً بوجودهم إلى قيام الساعة.

إنّ أحاديث الخلفاء اثنا عشر تبقى بلا تفسير لو تخلّينا عن حملها على هذا المعنى، لبداهة ان السلطنة الظاهرية قد تولاّها من قريش أضعاف العدد المنصوص عليه في هذه الاَحاديث فضلاً عن انقراضهم أجمع وعدم النصّ على أحد منهم - أُمويين أو عباسيين - باتفاق المسلمين.

وبهذا الصدد يقول القندوزي الحنفي: (قال بعض المحققين: إنَّ الاَحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم أنّ مراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديثه هذا، الاَئمة اثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لايمكن ان يُحْمَل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر، ولايمكن أن نحمله على الملوك الاُمويّة لزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم؛ لاَن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « كلّهم من بني هاشم »، في رواية عبد الملك، عن جابر، وإخفاء صوته صلى الله عليه وآله وسلم في هذا القول يرجّح هذه الرواية: لاَنهم لايُحسنون خلافة بني هاشم. ولايمكن أن يحمل على الملوك العباسية؛ لزيادتهم على العدد المذكور، ولقلة رعايتهم...

ويؤيد هذا المعنى - أي: أن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاَئمة الاثنا عشر من أهل

____________

(1) أُنظر اقوالهم في كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي 1: 13 - 15 من القسم الاَول، وتفسير ابن كثير 2: 34 عند تفسير الآية 12 من سورة المائدة، وشرح العقيدة الطحاوية 2: 736، وشرح الحافظ ابن القيم على سنن أبي داود 11: 263 شرح الحديث 4259، والحاوي للفتاوى 2: 85.

٨٣

بيته - ويرجّحه حديث الثقلين »(1) .

ولايخفى أنّ حديث: (الخلفاء اثنا عشر) قد سبق التسلسل التاريخي للاَئمة الاثني عشر وضبط في كتب الصحاح وغيرها قبل تكامل الواقع الاِمامي، فهو ليس انعكاساً لواقع وإنّما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لاينطق عن الهوى، فقال: «الخلفاء بعدي اثنا عشر» ليكون ذلك شاهداً ومصدقاً لهذا الواقع المبتدئ بأمير المؤمنين علي والمنتهي بالامام المهدي عليهم السلام وهو التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث(2) .

فالصحيح إذن أن يعتبر الحديث من دلائل النبوّة في صدقها عن الاِخبار بالمغيّبات، أمّا محاولات تطبيقه على من عرفوا بنفاقهم وجرائمهم وسفكهم للدماء من الاُمويين والعباسيين وغيرهم فهو يخالف الحديث مفهوماً ومنطوقاً على الرغم مما في ذلك من إساءة بالغة إلى مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ يعني ذلك انه أخبر ببقاء الدين إلى زمان عمر بن عبد العزيز مثلاً، لا إلى ان تقوم الساعة!!

النص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام يوضح المراد

بالخلفاء الاثني عشر:

لاَجل متابعة الاَدلة الاُخرى التي توضح المراد بحديث: (الخلفاء اثنا عشر)، وتُعيِّن لنا شخص الاِمام المهدي باسمه ونسبه وحسبه؛ لابدّ من التذكير قبل ذلك بأمرٍ هو في غاية الاَهمية، بحيث لو تدّبره المنصف، وأمعن النظر فيه لما بقيت هناك أدنى غشاوة على عينيه، ولاكتفى

____________

(1) ينابيع المودة 3: 105 باب 77 في تحقيق حديث بعدي اثنا عشر خليفة.

(2) بحث حول المهدي/الشهيد محمد باقر الصدر: 54 - 55.

٨٤

بالمقاييس السابقة التي تركها لنا النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم لمعرفة امام الزمان في كل عصر وجيل، ولم يطلب بعدها أي دليل آخر.

وأعني بهذا الاَمر تاريخنا الاسلامي الذي تعاقبت عليه منذ البدء أنظمة اتفقت على اقصاء عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن السلطة اقصاءً تامّاً، فضلاً عما اقترفته تلك الانظمة - الاُموية والعباسية - من الاُمور الفادحة بحق الذرية الطاهرة.

ومن البداهة ان يعزّ النص على الاَئمة الاثني عشر في الكتب المؤلَّفة بوحيٍ من الحكّام وفي ظل تلك الانظمة التي اجتاحت آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأوشكت ان تبيد أولاد البتول عليهم السلام، حين ضرّجت رمضاء كربلاء بدم خامس أصحاب الكساء صلوات الله عليه وسلم.

ومن غير المعقول ان يدين الظالم نفسه فيسمح برواية كون المهدي هو التاسع من أولاد الحسين عليه السلام، أو أن المقصود بالخلفاء الاثني عشر هم أئمة الشيعة الاثني عشر، اللّهم إلاّ ما خرج من تلك الروايات عن رقابته، ورُوي بعيداً عن مسامعه. وعلى الرغم من هذا الحصار فان ما ظهر منها انتشر كضوء النهار.

ولايصحّ في الاَفهام شيءٌ

إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ

وهذا مما لاينبغي اغفاله، ونحن نستعرض باختصار بعض الاحاديث المبينة لمعنى (الخلفاء اثنا عشر).

1 - في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: نقلاً عن كتاب المناقب للخوارزمي الحنفي بسنده عن الاِمام الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جاء فيه التصريح باسماء الاَئمة الاثني عشر واحداً بعد واحد ابتداءً بأمير المؤمنين علي بن ابي طالب وانتهاءً بالامام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليهم السلام.

٨٥

قال القندوزي بعد روايته: «وأخرجه الحمويني»(1) أي: صاحب فرائد السمطين الجويني الحمويني الشافعي.

2 - وفي الينابيع أيضاً تحت عنوان: (في بيان الاَئمة الاثني عشر باسمائهم). أورد عن فرائد السمطين بسنده عن ابن عباس حديثين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذكر الاَئمة باسمائهم، وأولهم علي وآخرهم المهدي عليهم السلام(2) ، ونفس الشيء تجده في باب (في ذكر خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أوصيائه عليهم السلام )(3) .

3 - وفيه أيضاً، عن جابر بن عبدالله الانصاري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ياجابر إنَّ أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي، أوّلهم علي ثم الحسن، ثم الحسين...» ثم ذكر الاَئمة التسعة من أولاد الحسين باسمائهم ابتداءً بعلي بن الحسين وانتهاءً بالامام المهدي بن الحسن العسكري عليهم السلام(4) .

4 - وفي كمال الدين: «حدثنا الحسين بن أحمد بن ادريس رضي الله عنه، قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن محمد بن عيسى؛ وابراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبدالله الانصاري قال: دخلتُ على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه اسماء الاَوصياء، فعددت اثني عشر اسماً آخرهم القائم، ثلاث منهم محمد، وأربعة منهم علي صلوات الله عليهم»(5) .

ورواه من طريق آخر عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار، عن أبيه، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب إلى آخر

____________

(1) ينابيع المودة 3: 161 ب 93.

(2) ينابيع المودة 3: 99.

(3) ينابيع المودة 3: 212 باب 93.

(4) ينابيع المودة 3: 170 باب 94.

(5) كمال الدين 1: 313/4 باب 28.

٨٦

السند المتقدم.

وقد يقال: ان السند غير حجة من وجهين:

الاَول: إنَّ الحسين بن أحمد بن ادريس في السند الاول، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار في السند الثاني لم يوثقا.

قلتُ: هما من مشايخ الاجازة، ولم يذكر الصدوق أحدهما في جميع كتبه إلاّ مترضياً عليه، ومن البداهة ان لايقال للفاسق (رضي الله عنه) بل يقال ذلك للرجل الجليل، ولو تنزلنا بعدم دلالة هذا اللفظ على الوثاقة، فإنّه من البعيد كل البعد ان يتفق كل منهما على الكذب على أبيه؛ لانهما رويا الحديث عن أبويهما.

ومما يدل على صدقهما ان الكليني أخرج الحديث بسند صحيح عن أبي الجارود وابتدأ السند بوالد شيخ الصدوق محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر بن عبدالله الانصاري(1) ، والمشايخ الثلاثة الاُوَل في هذا السند من أجلاء المحدثين وثقاتهم المشهورين بالاتفاق.

الثاني: إنَّ أبا الجارود قد طعن عليه فالسند ليس بحجة.

والجواب: إنّ أبا الجارود تابعي، ومن أين للتابعي أن يعلم بأنّ في اسماء الاَوصياء عليهم السلام ثلاثة باسم محمد، وأربعة باسم علي؟! وهذا هو المنطبق مع الواقع، وقد مات أبو الجارود قبل اتمام هذا الواقع بعشرات السنين، على أنّ الشيخ المفيد قد وثقه في رسالته العددية(2) .

____________

(1) أُصول الكافي 1: 532/ح 9 باب 126.

(2) سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد/جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية (الرسالة العددية) - طبع بيروت - 9: 25، فقد جعله في عداد فقهاء أصحاب الاِمام الباقر عليه السلام، ومن الاَعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والاحكام الذين لايطعن عليهم ولاطريق الى ذم واحد منهم، على حد تعبيره رحمه الله.

٨٧

هذا، والصدوق أخرج حديث اللوح في أول الباب بهذا السند قال: «حدثني أبي، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما، قالا: حدثنا سعد بن عبدالله، وعبدالله بن جعفر الحميري جميعاً، عن ابي الحسن صالح بن حماد والحسن بن طريف، عن بكر بن صالح.

وحدثنا أبي، ومحمد بن موسى المتوكل، ومحمد بن علي ماجيلويه، وأحمد بن علي بن ابراهيم، والحسن بن ابراهيم بن ناتانة، وأحمد بن زياد الهمداني رضي الله عنهم قالوا: حدثنا علي بن ابراهيم، عن أبيه ابراهيم بن هاشم، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام.. الحديث».

والسندان صحيحان إلى بكر بن صالح الذي ضُعِّف. ولايضر ضعفه هنا لاَنّه من غير المعقول ان يخبر الرجل الضعيف عن شيء قبل أوانه ثم يتحقق ذلك الشيء على طبق ما أخبر به، ثم لايكون المخبر - بعد ذلك - صادقاً، فالرجل روى عن الاِمام موسى بن جعفر عليه السلام فمن أين له ان يعلم بأولاده وصولاً إلى المهدي عليه السلام؟! وهو كما يبدو من طبقته لم يدرك الاَئمة (الهادي والعسكري والمهدي عليهم السلام )، ويدلك على هذا إنّ من مشايخ الحسن بن طريف الراوي عن بكر بن صالح في السند الاول، هو ابن أبي عمير(ت/217 هـ)، ومن في طبقته.

5 - ما في كفاية الاَثر في النص على الاَئمة الاثني عشر للخزاز - من أعلام القرن الرابع الهجري -: فقد خصص كتابه كلّه في الاَحاديث الواردة في النص على الاَئمة الاثني عشر باسمائهم، ولامجال لنقل رواياته، ولكن لابأس بنقل ما جاء في مقدمة الكتاب، قال: «وابتدئ بذكر الروايات في النصوص عليهم عليهم السلام من جهة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعروفين مثل: عبدالله بن عباس، وعبدالله بن مسعود، وأبي سعيد

٨٨

الخدري، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وجابر بن سمرة، وجابر ابن عبدالله، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وعمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأبي أُمامة، وواثلة بن الاَسقع، وأبي أيوب الاَنصاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن أُسيد، وعمران بن الحصين، وسعد بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وأبي قتادة الاَنصاري، وعلي بن أبي طالب، وابنيه: الحسن والحسين عليهم السلام.

ومن النساء: أُم سلمة، وعائشة، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم أعقبه بذكر الاَخبار التي وردت عن الاَئمة صلوات الله عليهم ما يوافق حديث الصحابة في النصوص على الاَئمة ونص كل واحد منهم على الذي بعده؛ ليعلموا - إن انصفوا - ويدينوا به، ولايكونوا كما قال الله سبحانه:( فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) (2) » الجاثية: 17.

6 - وأخرج في كمال الدين: عن محمد بن علي بن ماجيلويه، ومحمد بن موسى بن المتوكل، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد ابن الحسن الصفار.

وعن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أبي طالب عبدالله بن الصلت القمي، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: « كنتُ أنا وأبو بصير، ومحمد بن عمران مولى أبي جعفر عليه السلام في منزلٍ بمكة، فقال محمد بن عمران: سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: « نحن اثنا عشر مهدياً ». فقال له أبو بصير: تالله لقد سمعتُ ذلك من أبي عبدالله عليه السلام؟ فحلف مرة أو مرتين انه سمع ذلك منه، فقال أبو بصير: لكني سمعته من أبي جعفر عليه السلام »(2) .

____________

(1) كفاية الاَثر/الخزاز: 8 - 9 من المقدمة..

(2) كمال الدين 2: 335/6 وذيل الحديث نفسه أيضاً.

٨٩

وأخرجه الكليني عن محمد بن يحيى، وأحمد بن محمد، عن محمد بن الحسين، عن أبي طالب، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران بتمام ألفاظه(1) .

وهو كما ترى ليس في سنده من يُتأمل في وثاقته فجميعهم من ثقات الرواة وإنْ وُجد في سند الصدوق ممدوح فقد كان إلى جنبه الثقة المأمون، وفيه كفاية على بيان المراد من حديث: (الخلفاء اثنا عشر).

7 - وفي الكافي بسند صحيح جداً: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: « أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه الحسن بن علي عليه السلام وهو متكئ على يد سلمان...» وفيه ذكر الاَئمة الاثني عشر جميعاً عليهم السلام ابتداءً بعلي عليه السلام وانتهاءً بالمهدي بن الحسن العسكري عليهما السلام(2) .

قال الكليني: «وحدثني محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن أبي هاشم مثله سواء. قال محمد بن يحيى: فقلتُ لمحمد بن الحسن: يا أبا جعفر، وددتُ ان هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبدالله! قال، فقال: لقد حدثني قبل الحيرة بعشر سنين»(3) .

والمراد بالحيرة هنا: غيبة الاِمام المهدي عليه السلام في سنة 260 هـ، وهي

____________

(1) أُصول الكافي 1: 534 - 535/20 باب 126. وقد عدّه المجلسي في مرآة العقول 6: 235 حديثاً مجهولاً!

وهو اشتباه قطعاً، لتوفر النص على وثاقة رجال سند الكافي جميعاً من قبل الشيخ والنجاشي وجميع من تأخر عنهما. والظاهر انه اشتبه بمحمد بن عمران مولى أبي جعفرعليه السلام الذي لم يرد نص في توثيقه، وهو لايضر وجوده لوجود الثقة معه واحراز سماع الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام من جهة أبي بصير فأي ضير في ان يُسمع الحديث من الصادق عليه السلام أيضاً.

(2) أُصول الكافي 1: 525/1 باب 126.

(3) أُصول الكافي 1: 526/2 باب 126.

٩٠

السنة التي توفي فيها الاِمام العسكري، وما قاله محمد بن يحيى لايوجب طعناً على أحمد بن أبي عبدالله البرقي؛ لثقته بالاتفاق، فكأن محمد بن يحيى تمنى أن يكون من حدّث شيخه الصفار بهذا الحديث قد مات في حياة الاِمام العسكري أو الاِمام الهادي عليهما السلام وليس البرقي الذي عاش إلى سنة 274هـ، أو 280 هـ، على قول آخر؛ لاَن الاِخبار عن شيء قبل وقوعه، وتحقق ذلك الشيء على طبق الخبر يعد من الاعجاز الذي لايحتاج في قوة ثبوته إلى شهرة الخبر بتعدد رواته، اذ لامجال لتكذيبه بأي حال من الاحوال وان لم يروَ إلاّ بسند واحد.

فجاء الجواب من الصفار بأنّ ما رواه الثقة الجليل البرقي كان قبل وقوع الغيبة بعشر سنين.

ولا يخفى على أحد بان المخبر - الذي لم يوثق - عن شيء قبل وقوعه، لايشترط في قبول قوله أكثر من موافقته للشروط المنصوص عليها في قبول الخبر الضعيف، أو تحققه على طبق خبره؛ لاَنه كاشف عن صدقه، حتى وان لم توثقه كتب الرجال(1) .

ومثال هذا ما رواه الكليني والصدوق بسند صحيح، عن أبان بن عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن عبدالله بن جعفر الطيار، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جاء فيه النص على الاِمام عليٍّ وبعده ابنه الحسن، ثم ابنه الحسين، ثم علي بن الحسين، ثمّ محمد الباقر عليهم السلام ثمّ، قال: «ثم تكملة اثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين»(2) .

____________

(1) وأما مع توفر وثاقة المخبر فلا يشترط ذلك بالاتفاق؛ إذ المفروض صدقه، وليس بعد الصدق إلاّ مطابقة الخبر للواقع كمسألة نزول عيسى وظهور المهدي وفتنة الدجال ونحوها، وان لم يتحقق شيء منها بعد.

(2) أُصول الكافي 1: 529/4 باب 126، وكمال الدين 1: 270/15 باب 24، والخصال 2: 477/41 من أبواب الاثني عشر.

٩١

فضعف أبان بن أبي عياش لايضر هنا لاِخباره عن واقع قد تحقق على طبق ما أخبر بعد سنين من وفاته، وفي كمال الدين للصدوق روايات كثيرة من هذا الطراز، ولكن من لاخبرة له قد جعلها ساقطة عن الاعتبار لضعفها سنداً في زعمه!! على الرغم من انحصار الضعف بالرواة الذين ماتوا قبل اكتمال التسلسل التاريخي للاَئمة الاثني عشر بأزمان بعيدة.

وينطبق هذا الاعجاز على غالبية أخبار غيبة الاِمام الثاني عشر عليه السلام كما شهد بذلك الصدوق، فقال: «إنَّ الاَئمة عليهم السلام قد اخبروا بغيبته عليه السلام ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم، واستحفظ في الصحف ودوّن في الكتب المؤلفة من قبل ان تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر، فليس أحد من أتباع الاَئمة عليهم السلام إلاّ وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنفاته، وهي الكتب التي تعرف بالاُصول مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد عليهم السلام من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين، وقد اخرجت ما حضرني من الاخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب في مواضعها.

فلا يخلو حال هؤلاء الاتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة، فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها، وهذا محال عند أهل اللُّب والتحصيل. أو أن يكونوا أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق لهم الاَمر كما ذكروا، وتحقق كما وضعوا من كذبهم! على بعد ديارهم، واختلاف آرائهم، وتباين أقطارهم ومحالهم. وهذا أيضاً محال كسبيل الوجه الاَوّل، فلم يبقَ في ذلك إلاّ أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم وألّفوه في أُصولهم وبذلك وشبهه فلج الحقّ وزهق الباطل، إن الباطل كان

٩٢

زهوقا»(1) انتهى.

ولايخفى أنّ الاُصول التي أشار لها الصدوق متواترة النسبة إلى اصحابها عنده، كتواتر نسبة كمال الدين إلى الصدوق عندنا، وهذا يعني أنّ اخبار الغيبة حتى مع فرض انحصار الضعف بسندها ابتداءً فهو لايقدح بصحتها بعد نقلها من تلك الكتب مباشرة، وعلى الرغم من ذلك فسوف لن نحتج باخبار الشيعة الامامية إلاّ بما صح سنده مطلقاً إلى الاِمام عليه السلام، أو إلى من أخبر بالواقع الاِمامي قبل اكتمال تسلسله التاريخي وإنْ لم تعرف وثاقته.

المهدي من أولاد الحسين، وأنه التاسع من ولده عليهم السلام:

إنَّ هذه النتيجة وان ثبتت فيما تقدم إلاّ انه لابدّ من تأكيدها في هذا البحث ببعض النصوص التي احتج بها بعض أعلام أهل السنة أولاً، وباليسير الصحيح عند الشيعة روماً للاختصار، وهي:

1 - الحديث المروي عن سلمان الفارسي، وأبي سعيد الخدري، وأبي أيّوب الانصاري، وابن عباس، وعلي الهلالي - بألفاظ مختلفة - عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: «يا فاطمة إنّا أهل بيت اعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الاَولين ولايدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت - إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم - ومنا مهدي الاُمّة الذي يصلي عيسى خلفه، ثم ضرب على منكب الحسين عليه السلام فقال: من هذا مهدي الاُمّة»(2) .

____________

(1) كمال الدين 1: 19 من مقدمة المصنّف.

(2) أخرجه الدارقطني كما في البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي: 501 - 502 باب 9، والفصول المهمة/لابن الصباغ المالكي: 295 - 296 فصل/120، وفضائل الصحابة للسمعاني على ما في ينابيع المودة: 49 باب 94، وقد صرّح في معجم أحاديث الاِمام المهدي عليه السلام 1: 145/77 بكثرة طرق هذا الحديث وانها ربما بلغت نحو مجلد.

٩٣

2 - في عقد الدرر للمقدسي الشافعي: روى خبراً عن علي عليه السلام جاء فيه: إنّ المهدي «من ولد الحسين، ألا فمن تولى غيره لعنه الله»(1) .

وقد أورده المقدسي محتجاً به فقال: «ونختم هذا الفصل بشيء من كلام الاِمام علي هازم الاَبطال فيما تضمنه من الاَهوال الشديدة والاُمور الصعاب وخروج الاِمام المهدي مفرج الكروب، ومفرق الاَحزاب» ثم ذكر الحديث.

3 - وفي عقد الدرر: أيضاً عن جابر بن يزيد، عن الاِمام الباقر عليه السلام في حديث طويل جاء فيه: «والمهدي ياجابر رجل من ولد الحسين»(2) .

4 - وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي في شرح قول الاِمام علي عليه السلام: « وبنا تُختم لا بكم ». قال: «اشارة الى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان، وأكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة عليها السلام، وأصحابنا المعتزلة لاينكرونه، وقد صرحوا بذكره في كتبهم، واعترف به شيوخهم - إلى أن قال - وروى قاضي القضاة رحمه الله تعالى عن كافي الكفاة أبي القاسم اسماعيل بن عباد رحمه الله باسناد متصل بعلي عليه السلام، إنّه ذكر المهدي وقال: إنّه من ولد الحسين عليه السلام، وذكر حِليتَه فقال: رجل أجلى الجبين، اقنى الاَنف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، أبلج الثنايا، بفخذه اليمنى شامة.

وذكر هذا الحديث بعينه عبدالله بن قتيبة في كتاب غريب الحديث»(3) انتهى.

5 - وفي ينابيع المودة عن مناقب الخوارزمي: بسنده عن

____________

(1) عقد الدرر: 132 باب 4 فصل 2.

(2) عقد الدرر: 126 باب 4 فصل 2.

(3) شرح نهج البلاغة/ابن أبي الحديد 1: 281 - 282 شرح الخطبة رقم/16.

٩٤

الحسين عليه السلام قال: «دخلت على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاجلسني على فخذه وقال لي: إنّ الله اختار من صلبك ياحسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم، وكلهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء»(1) .

6 - وفي الينابيع عن مناقب الخوارزمي أيضاً، بسنده عن سلمان قال: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنّ الحسين بن علي على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه، وهو يقول: أنت سيد ابن سيد، أخو سيد، أنت إمام ابن إمام أخو إمام، أنت حجة أبو حجة، وأنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم»(2) .

وحديث سلمان رضي الله عنه رواه الصدوق في كتاب الخصال بسند في غاية الصحة، قال: «حدثنا ابي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن عبدالله بن مسكان، عن أبان بن تغلب، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي رحمه الله قال: دخلتُ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واذا الحسين على فخذيه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه وهو يقول: أنت سيد ابن سيد، أنت امام ابن امام أبو الاَئمة، أنت حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم»(3) .

7 - وفي اُصول الكافي: عن علي بن ابراهيم، عن أبيه ابراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم»(4) .

ورواه الصدوق، عن أبيه، عن علي بن ابراهيم كما في الكافي سنداً

____________

(1) ينابيع المودة 3: 168 باب 94.

(2) ينابيع المودة 3: 167 باب 94.

(3) الخصال 2: 475/38 أبواب الاثني عشر، وكمال الدين 1: 262/9 باب 24.

(4) أُصول الكافي 1: 533/15 باب 126.

٩٥

ومتناً(1) .

وليس في واحد من رجال السند من يُشك في جلالته، أو يُرتاب في نقله.

8 - وفي الينابيع عن فرائد السمطين للحمويني الجويني الشافعي: بسنده عن الاَصبغ بن نباته، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون»(2) .

المهدي هو محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام

سوف نذكر تحت هذا العنوان بعض النصوص التي لا تقبل تأويلاً لدلالتها على شخص الاِمام المهدي والاَخبار بغيبته قبل وقوعها، وهي:هي:هي:

1 - ما رواه الصدوق بسند صحيح، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن أيّوب بن نوح قال: «قلت للرضا عليه السلام: انا لنرجو ان تكون صاحب هذا الامر، وان يرّده الله عزّ وجل اليك من غير سيف، فقد بويع لك، وضربت الدراهم باسمك، فقال عليه السلام: ما منا أحد اختلفت اليه الكتب، وسُئل عن المسائل، وأشارت إليه الاَصابع، وحُملت إليه الاَموال، إلاّ أُغتيل أو مات على فراشه، حتى يبعث الله عزّ وجل لهذا الامر رجلاً خفي المولد والمنشأ وغير خفي في نسبه»(3) .

وفي هذا الحديث اشارة إلى ما أحاط ولادة الاِمام المهدي عليه السلام من

____________

(1) الخصال 2: 480/50 أبواب الاثني عشر.

(2) ينابيع المودة 3: 162 باب 94، ورواه في 2: 83 في المودة العاشرة، تحت عنوان (في عدد الاَئمة وان المهدي منهم عليهم السلام).

(3) كمال الدين 2: 370/1 باب 35.

٩٦

أُمور لايعلمها إلاّ خاصة أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام؛ ولهذا جاء في الخبر الصحيح: « إنّ المهدي هو من يقول الناس: لم يولد بعد »!

فقد روى الصدوق بسند صحيح جداً قال: «حدثنا ابي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، قال: حدثنا الحسن بن موسى الخشّاب، عن العباس بن عامر القصباني، قال: سمعتُ أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام يقول: صاحب هذا الامر من يقول الناس: لم يولد بعد»(1) .

2 - ما رواه المقدسي الشافعي في عقد الدرر عن الباقر عليه السلام: «يكون هذا الاَمر في أصغرنا سناً»(2) . وفيه اشارة إلى الاِمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام.

3 - ما رواه الكليني بسند صحيح: عن علي بن ابراهيم، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير الصيرفي قال: «سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن في صاحب هذا الامر شبهاً من يوسف عليه السلام - إلى أن قال - فما تنكر هذه الاُمّة أن يفعل الله جل وعز بحجته كما فعل بيوسف، أنْ يمشي في اسواقهم، ويطأ بسطهم حتى يأذن الله في ذلك كما أذن ليوسف، قالوا: أَإِنك لاَنت يوسف؟ قال: أنا يوسف»(3) .

4 - في ينابيع المودة: عن الاِمام الرضا عليه السلام: «الخلف الصالح من ولد الحسن بن علي العسكري هو صاحب الزمان وهو المهدي سلام الله عليهم».

وقد صرّح القندوزي في الينابيع بوجود هذا الحديث في كتاب

____________

(1) كمال الدين 2: 360/2 باب 34، وأخرجه من طرق أُخرى أيضاً في نفس الباب.

(2) عقد الدرر: 188 باب 6.

(3) أُصول الكافي 1: 336/4 باب 80.

٩٧

الاَربعين لاَبي نعيم الاصبهاني(1) .

5 - وفيه: عن الاِمام الرضا عليه السلام: «إنَّ الاِمام من بعدي ابني محمد، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره فيملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وأمّا متى يقوم؟ فإخبار عن الوقت، لقد حدثني أبي، عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: مثله كمثل الساعة لاتأتيكم إلاّ بغتة»(2) .

6 - وفي اُصول الكافي بسند صحيح: عن علي بن ابراهيم، عن الحسن ابن موسى الخشاب، عن عبدالله بن موسى، عن عبدالله بن بكير، عن زرارة قال: سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: « إنّ للغلام غيبة قبل أن يقوم قال، قلت: وَلِمَ؟ قال: يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - ثم قال: يا زرارة، وهو المنتظر الذي يشك في ولادته منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل [ أي مات أبوه وهو حمل في بطن أُمه ]، ومنهم من يقول أنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين. وهو المنتظر غير أنَّ الله عز وجل يحب أنْ يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة.. الخ»(3) .

7 - وفي اُصول الكافي: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: « للقائم غيبتان: احداهما قصيرة، والاُخرى طويلة، والغيبة الاُولى لايعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة شيعته، والاُخرى لايعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه»(4) .

____________

(1) ينابيع المودة 3: 166 باب 94.

(2) ينابيع المودة 3: 115 - 116 باب 80 مصرحاً بنقله عن فرائد السمطين للحمويني الشافعي.

(3) أُصول الكافي 1: 337/5 باب 80، وانظر كمال الدين 2: 342/24 باب 33 و2: 346/32 ب 33 بسند آخر، والاول أجود.

(4) أُصول الكافي 1: 340/19 باب 80.

٩٨

وهذا الخبر لاريب في صدوره عن الاِمام الصادق عليه السلام لوثاقة رواته جميعاً، ودلالته على الاِمام المهدي بن الحسن العسكري أبين من ضوء الشمس في رائعة النهار.

8 - وفي كمال الدين بسند صحيح: «حدثنا أبي رضي الله عنه، حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن أيّوب بن نوح، عن محمد بن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن زرارة قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فقلت له: ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟ قال: يتمسكون بالاَمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم»(1)

9 - وفي اُصول الكافي: عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، قال: سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول: « إن بلغكم عن صاحب هذا الامر غيبة فلا تنكروها»(2) .

أقول: لم يغب من الاَئمة الاثني عشر عليهم السلام سوى المهدي بالاتفاق، وهو لم يكن مولوداً في زمان صدور هذا الحديث، ولهذا جاء التأكيد فيه على غيبته بعد ولادته.

وقد أخرجه الكليني بسندين معتبرين لاشائبة فيهما أصلاً باتفاق علماء الشيعة أجمع.

10 - وفي كمال الدين: «حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما؛ قالا: حدثنا سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر الحميري وأحمد بن ادريس؛ قالوا: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن عبد الجبار، وعبدالله بن عامر بن سعد

____________

(1) كمال الدين 2: 350/44 باب 33.

(2) أُصول الكافي 1: 338/10 باب 80، وأخرجه في نفس الباب من طريق صحيح عن عدة من اصحابنا، عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن محمد بن مسلم 1: 340/15.

٩٩

الاشعري، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمد بن المساور، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: إيّاكم والتنويه، أما والله لَيَغيبنَّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولتمحصنّ حتى يقال: مات أو هلك بأي وادٍ سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، ولاينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الاِيمان وأيّده بروح منه...»(1)

ورجال الحديث قبل محمد بن المساور كلّهم من أجلاء الرواة وثقاتهم بلا خلاف، وأما محمد بن مساور فقد مات سنة ( 183 هـ ) وحاله غير معلوم، وفي وثاقة المفضل كلام، ولكن الحديث شاهد صدق على امانتهما في نقله لما فيه من إخبار معجز تحقق بعد وفاة ابن المساور بسبعة وسبعين عاماً لوقوع الغيبة فعلاً في سنة (260 هـ).

وقد أخرجه الكليني بسند صحيح إلى محمد بن المساور، عن المفضل أيضاً(2) ، ومما يقطع بصدوره الاحاديث الكثيرة جداً عن أهل البيت بهذا المعنى:

كصحيح عبدالله بن سنان الذي رواه الصدوق عن أبيه ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن الحسن بن محبوب، عن حماد بن عيسى، عن اسحاق بن جرير، عن عبدالله بن سنان قال: «دخلت انا وأبي على أبي عبدالله عليه السلام فقال: فكيف انتم اذا صرتم في حال لا ترون فيها امام هدىً ولا علماً يرى..»(3) .

____________

(1) كمال الدين 2: 347/35 باب 33.

(2) أُصول الكافي 1: 336/3 باب 80.

(3) كمال الدين 2: 348/40 باب 33.

١٠٠

الفصل الخامس

الأُسرة والمجتمع

الأسرة هي اللبنة الأُولى لتكوين المجتمع، وهي الخلية التي تقوم بتنشئة العنصر الإنساني، وتشكيل دعائم البناء الاجتماعي، وهي نقطة البدء المؤثرة في جميع مرافق المجتمع، وفي جميع مراحل حياته إيجاباً وسلباً، ولهذا أبدى الإسلام عنايةً خاصة بالأُسرة، فوضع القواعد الأساسية في تنظيمها وضبط شؤونها، من حيث علاقات أفرادها في داخلها، وعلاقاتهم مع المجتمع الكبير الذي يعيشون فيه.

وقد عني الفصل السابق بموضوع العلاقات بين أفراد الأُسرة الواحدة، فيما يختص هذا الفصل ببحث علاقات الأُسرة بالمجتمع الذي تبحث فيه.

وقد تطرّقنا إلى هذه المواضيع؛ لابتلاء غالب الأُسر بأحكامٍ من هذا القبيل، ولأنّ الأُسرة وحدة اجتماعية لا تنفصل عن المجتمع بشكل أو بآخر.

١٠١

وعلى هذا الصعيد تتصدر في المنهاج الإسلامي ثلاثة عناوين بارزة، وهي: صلة الأرحام، وحقوق الجيران، وحقوق المجتمع.

أَوّلاً: صلة الأرحام

من السُنن الإلهية المودعة في فطرة الإنسان، هي الارتباط الروحي والعاطفي بأرحامه وأقاربه، وهي سُنّة ثابتة يكاد يتساوى فيها أبناء البشر، فالحب المودع في القلب هو العُلقة الروحية المهيمنة على علاقات الإنسان بأقاربه، وهو قد يتفاوت تبعاً للقرب والبعد النسبي إلاّ أنّه لا يتخلّف بالكلية.

ولقد راعى الإسلام هذه الرابطة، ودعا إلى تعميقها في الواقع، وتحويلها إلى مَعلَم منظور، وظاهرة واقعية تترجم فيه الرابطة الروحية إلى حركة سلوكية وعمل ميداني.

فانظر كيف قرنَ تعالى بين التقوى وصلة الأرحام، فقال: ( ... وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (١) .

وذكر صلة القربى في سياق أوامره بالعدل والإحسان، فقال: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (٢) .

وبالإضافة إلى الصلة الروحية دعا إلى الصلة المادية، وجعلها مصداقاً للبرّ، فقال تعالى: ( ... وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ... وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى

____________________

(١) سورة النساء: ٤ / ١.

(٢) سورة النحل: ١٦ / ٩٠.

١٠٢

وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (١) .

وجعل قطيعة الرحم سبباً للعنة الإلهية فقال: ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) (٢) .

صلة الأرحام في الأحاديث الشريفة:

لقد دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأهل البيت (عليهم السلام)، إلى صلة الأرحام في جميع الأحوال، وأن تُقابل القطيعة بالصلة؛ حفاظاً على الأواصر والعلاقات، وترسيخاً لمبادئ الحب والتعاون والوِئام.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ الرحِم معلّقة بالعرش، وليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل مَن الذي إذا انقطعت رحِمه وصلها) (٣) .

وقال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: أوصاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أصل رحمي وإن أدبَرَت (٤) .

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (صلوا أرحامكم وإن قطعوكم) (٥) .

____________________

(١) سورة البقرة: ٢ / ١٧٧.

(٢) سورة محمد: ٤٧ / ٢٢ - ٢٣.

(٣) جامع الأخبار / السبزواري: ٢٨٧ - مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) - قم - ١٤١٤ هـ ط١.

(٤) الخصال / الصدوق ٢: ٣٤٥ / ١٢ - جماعة المدرّسين - قم - ١٤٠٣ هـ.

(٥) بحار الأنوار ٧٤: ٩٢.

١٠٣

وممّا جاء في فضل صلة الأرحام في الحديث الشريف، أنّها خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة، وأنّها أعجل الخير ثواباً، وأنها أحبّ الخُطى التي تقرّب العبد إلى الله زلفى، وتزيد في إيمانه.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أَلا أدلّكم على خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ مَن عفا عمَّن ظلمه، ووصل مَن قطعه، وأعطى مَن حرمه) (١) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أعجل الخير ثواباً صلة الرحِم، وأسرع الشر عقاباً البغي) (٢) .

وقال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (ما من خطوة أحبّ إلى الله عزَّ وجلَّ من خطوتين: خطوة يسدّ بها المؤمن صفّاً في سبيل الله، وخطوة إلى ذي رحِم قاطع) (٣) .

وقال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): (صلة الأرحام وحُسن الخُلق زيادة في الإيمان) (٤) .

ولقد رتّب الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) حقوق الأرحام تبعاً لدرجات القُرب النسبي، فيجب صلة الأقرب فالأقرب، فقال: (وحقوق رحِمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحِم في القرابة، فأوجبها عليك حقّ أُمّك، ثمّ حقّ أبيك، ثمّ حقّ وَلدك، ثمّ حقّ أخيك، ثمّ الأقرب فالأقرب، والأَوّل

____________________

(١) جامع الأخبار: ٢٨٧.

(٢) جامع الأخبار: ٢٩٠.

(٣) الخصال ١: ٥٠ / ٦٠.

(٤) جامع الأخبار: ٢٩٠.

١٠٤

فالأَوّل) (١) .

وتتجلّى مظاهر الصلة بالاحترام والتقدير، والزيارات المستمرة، وتفقّد أوضاعهم الروحية والمادية، وتوفير مستلزمات العيش الكريم لهم، وكفّ الأذى عنهم.

ولقد دعا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إلى تفقّد أحوال الأرحام المادية وإشباعها، فقال: (أَلا لا يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ، يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لا يَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ، وَلا يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ، وَمَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ، فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَتُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ، وَمَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِهِ الْمَوَدَّةَ) (٢) .

وأدنى الصلة هي الصلة بالسلام، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (صلوا أرحامكم ولو بالسلام) (٣) .

وأدنى الصلة المادية هي الإسقاء، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (صلْ رحِمك ولو بشربة ماء...) (٤) .

ومن مصاديق صلة الأرحام كفّ الأذى عنهم، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (عظّموا كباركم، وصلوا أرحامكم، وليس تصلونهم بشيء أفضل من كفّ الأذى عنهم) (٥) .

____________________

(١) تحف العقول: ١٨٣.

(٢) نهج البلاغة: ٦٥، الخطبة: ٢٣، تحقيق صبحي الصالح.

(٣) تحف العقول: ٤٠.

(٤) بحار الأنوار ٧٤: ٨٨.

(٥) الكافي ٢: ١٦٥.

١٠٥

قطيعة الأرحام في الأحاديث الشريفة:

الإسلام دين التآزر والتعاون والوئام؛ لذا حرّم جميع الممارسات التي تؤدي إلى التقاطع والتدابر؛ لأنّها تؤدي إلى تفكيك أواصر المجتمع، وخلخلة صفوفه، فحرّم قطيعة الرحم، وجعلها موجبةً لدخول النار، والحرمان من الجنّة.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، ومدمن سحر، وقاطع رحِم) (١) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (اثنان لا ينظر الله إليهما يوم القيامة: قاطع رحِم، وجار السوء) (٢) .

وقطيعة الرحِم موجبة للحرمان من البركات الإلهية، كنزول الملائكة وقبول الأعمال.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحِم) (٣) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ أعمال بني آدم تعرض كلّ عشية خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحِم) (٤) .

وقطيعة الرحِم من الذنوب التي تعجّل الفناء، قال الإمام الصادق (عليه السلام):

____________________

(١) الخصال ١: ١٧٩ / ٢٤٣.

(٢) كنز العمال ٣: ٣٦٧ / ٦٩٧٥.

(٣) كنز العمال ٣: ٣٦٧ / ٦٩٧٤.

(٤) كنز العمال ٣: ٣٧٠ / ٦٩٩١.

١٠٦

(الذنوب التي تعجّل الفناء قطيعة الرحِم) (١) .

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتخوّف على المسلمين من قطيعتهم لأرحامهم، وكان يقول: (إنّي أخاف عليكم استخفافاً بالدِّين، ومنع الحكم، وقطيعة الرحِم، وأن تتّخذوا القرآن مزامير، تقدّمون أحدكم وليس بأفضلكم في الدِّين) (٢) .

ومقابلة القطيعة بالقطيعة ظاهرة سلبية في العلاقات، وهي موجبة لعدم رضا الله تعالى عن الجميع، ففي رواية أنّ رجلاً أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله، أهل بيتي أبوا إلاّ توثّباً عليَّ، وقطيعةً لي، وشتيمةً، فأرفضهم؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذن يرفضكم الله جميعاً) قال: كيف أصنع؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (تصل مَن قطعك، وتعطي مَن حرمك، وتعفو عمَّن ظلمك، فإنّك إذا فعلت ذلك، كان لك من الله عليهم ظهير) (٣) .

الآثار الروحية والمادية لصلة الأرحام وقطيعتها:

لصلة الأرحام آثار ايجابية في الحياة الإنسانية بجميع مقوماتها، الروحية، والخُلقية، والمادية، قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (صلة الأرحام تزكّي الأعمال، وتنمّي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسّر الحساب، وتنسئ في الأجل) (٤) .

وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (صلة الأرحام تُحسّن الخُلق، وتسمّح

____________________

(١) بحار الأنوار ٧٤: ٩٤.

(٢) عيون أخبار الرضا / الشيخ الصدوق ٢: ٤٢.

(٣) الكافي ٢: ١٥٠.

(٤) الكافي ٢: ١٥٠.

١٠٧

الكف، وتطيّب النفس، وتزيد في الرزق، وتنسئ في الأجل) (١) .

وصلة الرحم تزيد في العمر، وقد دلّت الروايات على ذلك، وأثبتت التجارب الاجتماعية ذلك من خلال دراسة الواقع، فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (ما نعلم شيئاً يزيد في العمر إلاّ صلة الرحم، حتى أنّ الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولاً للرحم، فيزيد الله في عمره ثلاثين سَنةً فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سَنةً، ويكون أجله ثلاثاً وثلاثين سَنةً، فيكون قاطعاً للرحم فينقصه الله ثلاثين سَنةً، ويجعل أجله إلى ثلاث سنين) (٢) .

والواصل لأرحامه يكون محل احترام وتقدير من قِبلهم، ومن قبل المجتمع، وهو أقدر من غيره على التعايش مع سائر الناس؛ لقدرته على إقامة العلاقات الحسنة، ويمكنه أن يؤدي دوره الاجتماعي على أحسن وجه، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأداء مسؤوليته في البناء المدني والحضاري باعتباره عنصر مرغوب فيه، وبعكسه القاطع لرحمه، فإنّه يفقد تأثيره في المجتمع؛ لعدم الوثوق بنواياه وممارساته العملية.

ثانياً: حقوق الجيران

لرابطة الجوار دور كبير في حركة المجتمع التكاملية، فهي تأتي في المرتبة الثانية من بعد رابطة الأرحام؛ إذ للجوار تأثير متبادل على سير الأُسرة، فهو المحيط الاجتماعي المصغّر الذي تعيش فيه الأُسرة،

____________________

(١) الكافي ٢: ١٥١.

(٢) الكافي ٢: ١٥٢ - ١٥٣.

١٠٨

وتنعكس عليها مظاهره وممارساته التربوية والسلوكية، ولهذا نجد أنّ المنهج الإسلامي أبدى فيه عنايةً خاصة، فقد قرن القرآن الكريم عبادة الله تعالى، والإحسان إلى الوالدين، والأرحام، بالإحسان إلى الجار كما في قوله تعالى: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ.... ) (١) .

فقد رسم القرآن الكريم منهجاً موضوعياً في العلاقات الاجتماعية، يجمعه الإحسان إلى أفراد المجتمع وخصوصاً المرتبطين برابطة الجوار.

وحق الجوار لا يُنظر فيه إلى الانتماء العقائدي والمذهبي، بل هو شامل لمطلق الإنسان مسلماً كان أم غير مسلم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الجيران ثلاثة: فمنهم مَن له ثلاثة حقوق: حق الجِوار، وحق الإسلام، وحق القرابة، ومنهم مَن له حقّان: حق الإسلام، وحق الجِوار، ومنهم مَن له حق واحد: الكافر له حق الجِوار) (٢) .

الوصايا الشريفة:

أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته بمراعاة حق الجِوار، والسعي إلى تحقيقه في الواقع، وركّز على ذلك باعتباره من وصايا الله تعالى له، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (مازال جبرئيل (عليه السلام) يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورّثه) (٣) .

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (والله الله في جيرانكم، فإنّهم وصية نبيكم،

____________________

(١) سورة النساء: ٤ / ٣٦.

(٢) جامع السعادات / النراقي ٢: ٢٦٧.

(٣) بحار الأنوار ٧٤: ٩٤.

١٠٩

مازال يوصي بهم حتى ظنّنا أنّه سيورّثهم) (١) .

وقد كتب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتاباً، بين المهاجرين والأنصار، ومَن لحق بهم من أهل المدينة: (إنّ الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وحرمة الجار على الجار كحرمة أُمّه) (٢) .

وقد جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إكرام الجار من علامات الإيمان فقال: (مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) (٣) .

واستعاذ (صلى الله عليه وآله وسلم) من جار السوء، الذي أطبقت الأنانية على مشاعره ومواقفه فقال: (أعوذ بالله من جار السوء في دار إقامة، تراك عيناه ويرعاك قلبه، إن رآك بخير ساءه، وإن رآك بشر سرّه) (٤) .

حُسن الجِوار:

إنّ حُسن الجِوار من الأوامر الإلهية، كما قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (عليكم بحُسن الجِوار، فإنّ الله عزَّ وجلَّ أمر بذلك) (٥) .

وحُسن الجِوار ليس كفّ الأذى فحسب، وإنّما هو الصبر على الأذى من أجل إدامة العلاقات، وعدم حدوث القطيعة، قال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): (ليس حُسن الجِوار كفّ الأذى، ولكن حُسن الجِوار الصبر

____________________

(١) نهج البلاغة: ٤٢٢، كتاب: ٤٧.

(٢) الكافي ٢: ٦٦٦.

(٣) المحجّة البيضاء ٣: ٤٢٢.

(٤) الكافي ٢: ٦٦٩.

(٥) بحار الأنوار ٧٤: ١٥٠.

١١٠

على الأذى) (١) .

ودعا (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى تفقّد أحوال الجيران، وتفقّد حاجاتهم، فقال: (ما آمن بي مَن بات شبعان وجاره جائع) (٢) .

وحثّ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) على حُسن الجِوار؛ لِما فيه من تأثيرات إيجابية واقعية تعود بالنفع على المحسن لجاره، فقال: (حُسن الجِوار يعمّر الديار، ويزيد في الأعمار) (٣) .

وقد أمر (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً (عليه السلام) وسلمان وأبا ذر والمقداد، أن ينادوا في المسجد بأعلى أصواتهم بأنّه (لا إيمان لمَن لم يأمن جاره بوائقه) ، فنادوا بها ثلاثاً، ثمّ أومأ بيده إلى كلّ أربعين داراً من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله (٤) .

والاعتداء على الجار موجب للحرمان من الجنة، كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: (مَن كان مؤذياً لجاره من غير حقّ، حرمه الله ريح الجنة، ومأواه النار، أَلا وإنّ الله عزَّ وجلَّ يسأل الرجل عن حق جاره، ومَن ضيّع حق جاره فليس منّا) (٥) .

ومَن يطّلع على بيت جاره، ويطلب عوراته يُحشر مع المنافقين يوم القيامة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ومّن اطّلع في بيت جاره فنظر إلى عورة

____________________

(١) تحف العقول: ٣٠٦.

(٢) جامع السعادات ٢: ٢٦٨.

(٣) الكافي ٢: ٦٦٧.

(٤) الكافي ٢: ٦٦٦.

(٥) بحار الأنوار ٧٦: ٣٦٢.

١١١

رجل، أو شَعر امرأة، أو شيء من جسدها، كان حقاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين، الذين كانوا يتبعون عورات الناس في الدنيا، ولا يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله، ويبدي عورته للناس في الآخرة) (١) .

ويحرم الاعتداء على ممتلكات الجار، ومَن اعتدى فالنار مصيره، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ومَن خان جاره شبراً من الأرض، طوّقه الله يوم القيامة إلى سبع أرضين ناراً، حتى يدخله نار جهنّم) (٢) .

وأمر (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتكافل الاجتماعي، والنظر إلى حوائج الجار، والعمل على إشباعها، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ومَن منع الماعون من جاره إذا احتاج إليه، منعه الله فضله يوم القيامة، ووكله إلى نفسه، ومَن وكله الله إلى نفسه هلك، ولا يقبل الله عزَّ وجلَّ له عذراً) (٣) .

حق الجار في رسالة الحقوق:

وضع الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) في رسالة الحقوق منهجاً شاملاً للتعامل مع الجيران، متكاملاً في أُسسه وقواعده، مؤكّداً فيه على تعميق أواصر الأخوة، مجسداً فيه السير طبقاً لمكارم الأخلاق التي بُعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أجل إتمامها، فقال (عليه السلام): (وأمّا حق الجار فحفظه غائباً، وكرامته شاهداً، ونصرته ومعونته في الحالين معاً، لا تتبع له عورة، ولا تبحث له عن سوءة لتعرفها، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلّف، كنت لِما علمت حصناً حصيناً وستراً ستيراً، لو بحثت الأسنة عنه ضميراً لم تتصل إليه لانطوائه عليه.

____________________

(١) بحار الأنوار ٧٦: ٣٦١.

(٢) بحار الأنوار ٧٦: ٣٦١.

(٣) بحار الأنوار ٧٦: ٣٦٣.

١١٢

لا تستمع عليه من حيث لا يعلم، لا تُسلِمه عند شديدة ولا تحسده عند نعمة.

تقبل عثرته، وتغفر زلته، ولا تدّخر حلمك عنه إذا جهل عليك، ولا تخرج أن تكون سلماً له ترد عنه لسان الشتيمة، وتبطل فيه كيد حامل النميمة، وتعاشره معاشرةً كريمة، ولا قوة إلاّ بالله) (١) .

ثالثاً: حقوق المجتمع

الإسلام ليس منهج اعتقاد وإيمان وشعور في القلب فحسب، بل هو منهج حياة إنسانية واقعية، يتحول فيها الاعتقاد والإيمان إلى ممارسة سلوكية في جميع جوانب الحياة؛ لتقوم العلاقات على التراحم والتكافل والتناصح، فتكون الأمانة والسماحة والمودة والإحسان والعدل والنخوة، هي القاعدة الأساسية التي تنبثق منها العلاقات الاجتماعية.

وقد جعل الإسلام كل مسلم مسؤولاً في بيئته الاجتماعية، يمارس دوره الاجتماعي البنّاء من موقعه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) (٢) .

ودعا (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الاهتمام بأمور المسلمين، ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، فقال: (مَن أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم) (٣) .

____________________

(١) تحف العقول: ١٩١.

(٢) جامع الأخبار: ٣٢٧.

(٣) الكافي ٢: ١٦٣.

١١٣

ودعا الإمام الصادق (عليه السلام) إلى الالتصاق والاندكاك بجماعة المسلمين فقال: (مَن فارق جماعة المسلمين قيد شبر، فقد خلع رِبقة الإسلام من عنقه) (١) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (مَثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو منه تداعى سائره بالحمى والسهر) (٢) .

وأمر الإمام الصادق (عليه السلام) بالتواصل، والتراحم، والتعاطف بين المسلمين، وذلك هو أساس العلاقات بينهم، فقال: (تواصلوا وتباروا وتراحموا وتعاطفوا) (٣) .

ودعا الإمام علي (عليه السلام) إلى استخدام الأساليب المؤدّية إلى الأُلفة والمحبة، ونبذ الأساليب المؤدّية إلى التقاطع والتباغض، فقال: (لا تَغضبوا ولا تُغضبوا افشوا السلام وأطيبوا الكلام) (٤) .

والأُسرة بجميع أفرادها مسؤولة عن تعميق، أواصر الود، والمحبة، والوِئام، مع المجتمع الذي تعيش فيه، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بالمداومة على حُسن الخُلق، والمعاشرة الحسنة، وممارسة أعمال الخير والصلاح، وتجنّب جميع ألوان الإساءة والاعتداء في القول والفعل.

ولذا وضع الإسلام منهاجاً متكاملاً في العلاقات، قائماً على أساس مراعاة حقوق أفراد المجتمع، فرداً فرداً وجماعة جماعة، وتتمثّل هذه

____________________

(١) الكافي ١: ٤٠٥.

(٢) المحجّة البيضاء ٣: ٣٥٧.

(٣) الكافي ٥: ١٧٥.

(٤) تحف العقول: ١٤٠.

١١٤

الحقوق العامّة في:

(حقّ الاعتقاد، وحقّ التفكير وإبداء الرأي، وحق الحياة، وحق الكرامة، وحق الأمن، وحق المساواة، وحق التملك) وتنطلق بقية الحقوق من هذه القواعد الكلية، لتكون مصداقاً لها في الواقع العملي.

والالتزام بالأوامر الإلهية كفيل بإحقاق حقوق المجتمع، ومن الأوامر الإلهية الجامعة لجميع الحقوق قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (١) .

فالتقيّد بهذا الأمر الإلهي يعصم الإنسان من التقصير في حقوق المجتمع، ويدفعه للعمل الجاد الدؤوب لتحقيق حقوق الآخرين، وأداء مسؤوليته على أحسن وجه أراده الله تعالى منه.

حقوق المجتمع في القرآن الكريم:

القرآن الكريم دستور البشرية الخالد، يمتاز بالشمول والإحاطة الكاملة بجميع شؤون الحياة، وقد وضع أُسساً عامة في علاقة الفرد بالمجتمع، ووضع لكلِّ طرف حقوقه وواجباته؛ للنهوض من أجل إتمام مكارم الأخلاق، وإشاعة الود والحب والوئام في ربوع المجتمع الإنساني، وفيما يلي نستعرض جملةً من حقوق المجتمع على الفرد والأُسرة، الخلية الاجتماعية الأُولى، وأهم تلك الحقوق هو التعاون على البر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان قال تعالى: ( وَتَعَاونوا على البرِّ

____________________

(١) سورة النحل: ١٦ / ٩٠.

١١٥

والتَقوى ولا تَعاونُوا على الإثمِ والعُدوانِ ) (١) .

وأمر القرآن الكريم بالإحسان إلى أفراد المجتمع: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.... ) (٢) .

وأقرّ القرآن حق النصرة: ( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ... ) (٣) .

وأمر بالاعتصام بحبل الله وعدم التفرّق: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ) (٤) .

وأمر بالسعي للإصلاح بين المؤمنين: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٥) .

وأمر بالعفو والمسامحة: ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) (٦) .

وأمر بالوفاء بالعقود: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٧) .

____________________

(١) سورة المائدة: ٥ / ٢.

(٢) سورة النساء: ٤ / ٣٦.

(٣) سورة الأنفال: ٨ / ٧٢.

(٤) سورة آل عمران: ٣ / ١٠٣.

(٥) سورة الحجرات: ٤٩ / ١٠.

(٦) سورة الأعراف: ٧ / ١٩٩.

(٧) سورة المائدة: ٥ / ١.

١١٦

وأمر بأداء الأمانة: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) (١) .

وأمر بأداء حق الفقراء والمساكين وابن السبيل، وعدم تبديد الثروة بالتبذير والإسراف: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ) (٢) .

وقال أيضاً: ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) (٣) .

ومن أجل إشاعة مكارم الأخلاق، والسير على النهج القويم، أمر القرآن بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر: ( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) (٤) .

ومن حقوق المجتمع على الفرد، أن يقوم بواجب الإصلاح والتغيير؛ للحفاظ على سلامة المجتمع من الانحراف العقائدي، والاجتماعي، والأخلاقي، وأن يقابل الإساءة والمصائب التي تواجهه بصبر وثبات، فمن وصية لقمان لابنه: ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) (٥) .

ونهى القرآن الكريم عن الاعتداء على الآخرين، بالظلم والقتل، وغصب الأموال والممتلكات، والاعتداء على الأعراض: ( ولا تَعتدُوا إنَّ

____________________

(١) سورة النساء: ٤ / ٥٨.

(٢) سورة الإسراء: ١٧ / ٢٦.

(٣) سورة الذاريات: ٥١ / ١٩.

(٤) سورة العصر: ١٠٣ / ٣.

(٥) سورة لقمان: ٣١ / ١٧.

١١٧

اللهَ لا يُحبُّ المُعتَدينَ ) (١) .

وحرّم الدخول إلى بيوت الآخرين دون إذن منهم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) (٢) .

ونهى عن بخس الناس حقوقهم: ( وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ) (٣) .

وحرّم التعامل الجاف مع الآخرين: ( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا... ) (٤) .

وحرّم جميع الممارسات التي تؤدي إلى قطع الأواصر الاجتماعية، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ... ) (٥) .

وحرّم الظن الآثم، والتجسس على الناس، واغتيابهم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ) (٦) .

وحرّم إشاعة الفاحشة في المجتمع الإسلامي: ( إنَّ الذينَ يُحبُّونَ أنْ

____________________

(١) سورة البقرة: ٢ / ١٩٠.

(٢) سورة النور: ٢٤ / ٢٧.

(٣) سورة هود: ١١ / ٨٥.

(٤) سورة لقمان: ٣١ / ١٨.

(٥) سورة الحجرات: ٤٩ / ١١.

(٦) سورة الحجرات: ٤٩ / ١٢.

١١٨

تَشِيعَ الفَاحِشَةُ في الذينَ آمنُوا لَهُم عذابٌ أليمٌ... ) (١) .

وحرّم ارتكاب الفواحش الظاهرية والباطنية: ( وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) (٢) .

وهكذا يوفّر القرآن في هذه اللائحة الطويلة والعريضة، ما يضمن توفير الحصانة للمجتمع البشري، وهو يضع النظام الدقيق والشامل، من أحكام وقيم أخلاقية؛ ليكون الأمان، والتآلف، والتعايش، والتكافل، معالم أصيلة في الحياة الاجتماعية.

ثمّ تأتي السُنّة الشريفة متمّمة لهذا المنهاج ومفصّلة له:

حقوق المجتمع في الأحاديث الشريفة:

أكدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأهل بيته (عليهم السلام)، على التآزر والتعاون والتواصل والتحابب؛ ليكون الود والوئام والسلام، هو الحاكم في العلاقات الاجتماعية، بين الفرد والمجتمع، وبين الأفراد أنفسهم، فلا يطغى حق الفرد على حق المجتمع، ولا حق المجتمع على حق الفرد، ونهوا عن تبادل النظرة السلبية كحد أدنى في الحقوق المترتبة على الفرد اتجاه المجتمع، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يحل لمسلم أن ينظر إلى أخيه بنظرة تؤذيه) (٣) .

وعدم جواز النظرة السلبية، يعني عدم جواز سائر مظاهر الأذى ومصاديقه، في القول، وفي الممارسة العملية، فلا تجوز الغيبة، ولا البهتان،

____________________

(١) سورة النور: ٢٤ / ١٩.

(٢) سورة الأنعام: ٦ / ١٥١.

(٣) المحجّة البيضاء ٣: ٣٥٩.

١١٩

ولا الاعتداء على أموال الآخرين، وأعراضهم، وأرواحهم، بل يجب صيانة حرماتهم بجميع مظاهرها.

وحثّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على مداراة الآخرين والرِفق بهم، والالتزام بهذه التوصيات من شأنه أن يؤدي إلى مراعاة جميع الحقوق الاجتماعية؛ لانبثاقها منها وتفرّعها عليها، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (مداراة الناس نصف الإيمان، والرِّفق بهم نصف العيش) (١) .

ومن أحب الأعمال إلى الله تعالى، والواقعة في أُفق مراعاة الحقوق الاجتماعية، هي إدخال السرور على المؤمنين، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ أحبّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ إدخال السرور على المؤمنين) (٢) .

وإدخال السرور يتحقّق بإسماعهم الكلمة الطيبة، والقول الجميل، واحترامهم، والتعاون في حلِّ مشاكلهم، ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، وأفراحهم وأحزانهم، والدفاع عن أموالهم وأعراضهم وأنفسهم، ورفع الأذى عنهم، ونصرتهم للقيام بمواجهة أعباء الحياة.

وحدّد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) سبعةً من الحقوق، تكون مصداقاً لإدخال السرور على المؤمنين من أفراد المجتمع الكبير، عن معلّى بن خنيس، عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: ما حقّ المسلم على المسلم؟ قال له: (سبع حقوق واجبات ما منهنَّ حقّ إلاّ وهو عليه واجب، إن ضيّع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه من نصيب...

____________________

(١) الكافي ٢: ١١٧.

(٢) الكافي ٢: ١٨٩.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142