آداب الاسرة في الإسلام

آداب الاسرة في الإسلام37%

آداب الاسرة في الإسلام مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 142

آداب الاسرة في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 142 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59616 / تحميل: 7986
الحجم الحجم الحجم
آداب الاسرة في الإسلام

آداب الاسرة في الإسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

فقالت: فخبّرني عن شيء منه فقال: ليس لها أن تصوم إلاّ بإذنه - يعني تطوعاً - ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه، وعليها أن تطّيّب بأطيب طيبها، وتلبس أحسن ثيابها، وتزيّن بأحسن زينتها، وتعرض نفسها عليه غدوةً وعشية، وأكثر من ذلك حقوقه عليها) (١) .

ويستحب لها كما يقول الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (.. إظهار العشق له بالخِلابة، والهيئة الحسنة لها في عينه) (٢) .

وفي رواية جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إنّ لي زوجةً إذا دخلت تلقّتني، وإذا خرجت شيّعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمّك، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفّل به غيرك، وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (بشّرها بالجنة، وقل لها: إنّك عاملة من عمّال الله، ولك في كلِّ يوم أجر سبعين شهيداً).

وفي رواية: (إنّ لله عزَّ وجلَّ عمّالاً، وهذه من عمّاله، لها نصف أجر الشهيد) (٣) .

ويحرم على الزوجة أن تعمل ما يسخط زوجها ويؤلمه، في ما يتعلق بالحقوق العائدة إليه، كإدخال بيته مَن يكرهه، أو سوء خُلقها معه، أو إسماعه الكلمات المثيرة وغير اللائقة.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها، لم يُقبل منها

____________________

(١) الكافي ٥: ٥٠٨.

(٢) تحف العقول: ٢٣٩.

(٣) مكارم الأخلاق: ٢٠٠.

٦١

صرفاً، ولا عدلاً، ولا حسنةً من عملها حتى ترضيه) (١) .

وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حقّ، لم تُقبل منها صلاة حتى يرضى عنها، وأيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها، لم تُقبل منها صلاة حتى تغتسل من طيبها، كغُسلها من جنابتها) (٢) .

ويحرم على الزوجة أن تهجر زوجها دون مبرّر شرعي (٣) ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة، حُشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون، في الدَرك الأسفل من النار، إلاّ أن تتوب وترجع) (٤) .

ومن أجل الحيلولة دون تمادي الزوجة غير المطيعة في ارتكاب الممارسات الخاطئة، التي تخلق أجواء التوتر في الأُسرة، جعل الإسلام للزوج حق استخدام العقوبات المؤدّبة لها، إذا لم ينفع معها الوعظ والإرشاد، وتندرج العقوبة من الأخف أَوّلاً ثمّ الأشد ثانياً، حسب حال المرأة، ومقدار نشوزها، وإعراضها، وعدم طاعتها، بعد بذل النصيحة والموعظة، قال الله تعالى: ( ... وَاللاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً... ) (٥) .

____________________

(١) مكارم الأخلاق: ٢٠٢.

(٢) الكافي ٥: ٥٠٧.

(٣) جواهر الكلام ٣١: ٢٠١. ومنهاج الصالحين، المعاملات: ١٠٣.

(٤) مكارم الأخلاق: ٢٠٢.

(٥) سورة النساء: ٤ / ٣٤.

٦٢

فتجوز له العقوبة إذا منعته من نفسها، وتسلّطت عليه بالقول أو الفعل، فيبدأ بوعظها وتخويفها من الله تعالى، فإن أثّر ذلك وإلاّ هجرها بالإعراض عنها في مدخله، ومخرجه، ومبيته، من غير إخلال بما يحفظ حياتها من غذاء ولباس، فإن أثّر ذلك وإلاّ ضربها ضرباً غير مبرّح، وإن خرجت من منزله بغير إذنه أو بإذنه وامتنعت عن الرجوع إليه فله ردّها، وإن أبت فله تأديبها بالإعراض عنها وقطع الإنفاق (١) .

وأكّدت الروايات على مراعاة حق الزوج، واتّباع الأساليب الشيّقة في إدامة أواصر الحبّ والوِئام، وخلق أجواء الانسجام والمعاشرة الحسنة داخل الأُسرة، فجعل الإمام الباقر (عليه السلام) حُسن التبعّل جهاداً للمرأة فقال (عليه السلام): (جهاد المرأة حُسن التبعّل) (٢) .

ولأهمية مراعاة هذا الحق، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا تؤدي المرأة حقّ الله عزَّ وجلَّ، حتى تؤدي حقّ زوجها) (٣) .

وذكر (صلى الله عليه وآله وسلم) طاعة الزوج في سياق ذكره لسائر العبادات والطاعات، التي توجب دخول الجنة، حيث قال: (إذا صلّت المرأة خَمسها، وصامت شهرها، وأحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، فلتدخل من أيّ أبواب الجنة شاءت) (٤) .

ووضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأهل بيته (عليهم السلام) منهجاً في العلاقات بين

____________________

(١) الكافي في الفقه: ٢٩٤.

(٢) مَن لا يحضره الفقيه ٣: ٢٧٨.

(٣) مكارم الأخلاق: ٢١٥.

(٤) مكارم الأخلاق: ٢٠١.

٦٣

الزوجين، يعصم الحياة الزوجية من التصدّع والاضطراب، فأكّد على الزوجة أن لا تكلّف زوجها مالا يطيق في أمر النفقة، وهو أمر يسبّب كثيراً من المتاعب في الحياة الزوجية، ويضرّ بصفوها وانسجامها.

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته ما لا يطيق، لا يقبل الله منها صرفاً، ولا عدلاً، إلاّ أن تتوب، وترجع، وتطلب منه طاقته) (١) .

وحثّ (صلى الله عليه وآله وسلم) المرأة على إصلاح شؤون البيت، واستقبال الزوج بأحسن استقبال فقال: (حقّ الرجل على المرأة إنارة السراج، وإصلاح الطعام، وأن تستقبله عند باب بيتها فترحّب به، وأن تقدّم إليه الطشت والمنديل...) (٢) .

ويستحب للزوجة أن تكسب رضا الزوج وتنال مودته، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (خير نسائكم التي إن غضبت أو أُغضبت قالت لزوجها: يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتى ترضى عني) (٣) .

وجعل الإمام محمد الباقر (عليه السلام) رضا الزوج على زوجته شفيعاً لها عند الله تعالى، فقال: (لا شفيع للمرأة أنجح عند ربّها من رضا زوجها، ولمّا ماتت فاطمة (عليها السلام)، قام عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: اللهمّ إنّي راضٍ عن ابنت نبيك، اللهمّ إنّها قد أوحشت فآنسها) (٤) .

____________________

(١) مكارم الأخلاق: ٢٠٢.

(٢) مكارم الأخلاق: ٢١٥.

(٣) مكارم الأخلاق: ٢٠٠.

(٤) بحار الأنوار ١٠٣: ٢٥٧.

٦٤

ومن أجل التغلّب على المشاكل المعكّرة لصفو المودّة والوِئام، يستحب للزوجة أن تصبر على أذى الزوج، فلا تقابل الأذى بالأذى والإساءة بالإساءة؛ لأنّ ذلك من شأنه أن يغمر أجواء الأُسرة بالتوترات الدائمة، والمشاكل التي لا تنقضي، والصبر هو الأسلوب القادر على إيصال العلاقات إلى الانسجام التام، بعودة الزوج إلى سلوكه المنطقي الهادئ، فلا يبقى له مبرّر للإصرار على سلوكه غير المقبول، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغَيرته) (١) .

ومن آثار مراعاة الزوجة لحقوق الزوج في الوسط الأُسري، أن تصبح له مكانة محترمة في نفوس أبنائه، فيحفظون له مقامه، ويؤدّون له حق القيمومة فيطيعون أوامره، ويستجيبون لإرشاداته ونصائحه، فتسير العملية التربوية سيراً متكاملاً، ويعمّ الاستقرار والطمأنينة جوّ الأُسرة بأكمله، وتنتهي جميع ألوان وأنواع المشاحنات والتوترات المحتملة.

ثانياً: حقوق الزوجة:

وضع الإسلام حقوقاً للزوجة يجب على الزوج تنفيذها وأداءها، وهي ضرورية؛ لإشاعة الاستقرار والاطمئنان في أجواء الأُسرة، وإنهاء أسباب المنافرة والتدابر قبل وقوعها.

ومن حقوق الزوجة على زوجها: حق النفقة، حيث جعله الله تعالى من الحقوق التي يتوقف عليها حقّ القيمومة للرجل، كما جاء في قوله تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا

____________________

(١) مَن لا يحضره الفقيه ٣: ٢٧٧.

٦٥

مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) (١) .

فيجب على الزوج الإنفاق على زوجته، وشدّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على هذا الواجب، حتى جعل المقصّر في أدائه ملعوناً، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ملعون ملعون مَن يضيّع مَن يعول) (٢) .

والنفقة الواجبة هي الإطعام، والكسوة للشتاء والصيف، وما تحتاج إليه من الزينة حسب يسار الزوج (٣) .

والضابط في النفقة القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام، وأداء، وكسوة، وفراش، وغطاء، وإسكان، وإخدام، وآلات تحتاج إليها لشربها، وطبخها، وتنظيفها (٤) .

ويقدّم الإطعام والإكساء على غيره من أنواع النفقة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (حقّ المرأة على زوجها أن يسدَّ جوعتها، وأن يستر عورتها، ولا يقبّح لها وجهاً، فإذا فعل ذلك أدّى والله حقّها) (٥) .

والنفقة هي ملك شخصي للزوجة، فلو دفع لها الزوج نفقتها ليوم، أو أسبوع، أو شهر، وانقضت المدة، ولم تصرفها على نفسها بأن أنفقت من غيرها، أو أنفق عليها أحد بقيت ملكاً لها (٦) .

____________________

(١) النساء ٤: ٣٤.

(٢) عدّة الداعي / أحمد بن فهد الحلي: ٧٢ - مكتبة الوجداني قم.

(٣) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ٢٨٥.

(٤) مهذّب الأحكام ٢٥: ٢٩٨. والصراط القويم: ٢١٥.

(٥) عدّة الداعي: ٨١.

(٦) مهذّب الأحكام ٢٥: ٣٠٥.

٦٦

ولو مضت أيام ولم ينفق الزوج عليها، اشتغلت ذمته بنفقة تلك المدة، سواء طالبته بها أو سكتت عنها (١) .

ولضرورة هذا الحق جعل الإسلام للحاكم الشرعي - وهو الفقيه العادل - صلاحية إجبار الزوج على النفقة، فإن امتنع كان له حق التفريق بينهما (٢) ، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (إذا أنفق الرجل على امرأته ما يقيم ظهرها مع الكسوة، وإلاّ فرّق بينهما) (٣) .

ولا تسقط النفقة حتى في حال الطلاق، فما دامت المطلّقة في عدّتها فعلى الزوج الإنفاق عليها، وتسقط نفقتها في حال الطلاق الثالث، قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (إنَّ المطلّقة ثلاثاً ليس لها نفقة على زوجها، إنّما هي للتي لزوجها عليها رجعة) (٤) ، إلاّ الحامل فإنّها تستحقُّ النفقة بعد الطلاق الثالث (٥) .

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا طلّق الرجل المرأة وهي حبلى، أنفق عليها حتى تضع..) (٦) .

وتسقط النفقة في حال عدم التمكين للزوج، ولا تسقط إن كان عدم التمكين لعذر شرعي أو عقلي، من حيض، أو إحرام، أو اعتكاف، واجب، أو

____________________

(١) مهذّب الأحكام ٢٥: ٣٠٤.

(٢) مهذّب الأحكام ٢٥: ٣٠٥.

(٣) وسائل الشيعة ٢١: ٥١٢.

(٤) الكافي ٦: ١٠٤.

(٥) المقنعة: ٥٣١.

(٦) الكافي ٦: ١٠٣.

٦٧

مرض (١) .

وتسقط النفقة إن خرجت بدون إذن زوجها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أيّما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها، فلا نفقة لها حتى ترجع) (٢) .

وحثّ الإسلام على اتخاذ التدابير الموضوعية؛ للحيلولة دون وقوع التدابر والتقاطع، فدعا إلى توثيق روابط المودّة والمحبة، وأمر بالعشرة بالمعروف، قال الله تعالى: ( ... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) (٣) .

ومن مصاديق العشرة بالمعروف حُسن الصحبة، قال الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في وصيته لمحمد بن الحنفية: (إنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارِها على كلِّ حال، وأَحسن الصحبة لها، فيصفو عيشك) (٤) .

ومن حقها أن يتعامل زوجها معها بحسن الخلق، وهو أحد العوامل التي تُعمّق المودة والرحمة والحب داخل الأُسرة، قال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة؛ ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها واستعماله، استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها..) (٥) .

____________________

(١) مهذّب الأحكام ٢٥: ٢٩٢.

(٢) الكافي ٥: ٥١٤.

(٣) سورة النساء: ٤ / ١٩.

(٤) مكارم الأخلاق: ٢١٨.

(٥) تحف العقول: ٢٣٩.

٦٨

ومن حقها الإكرام، والرِفق بها، وإحاطتها بالرحمة والمؤانسة، قال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (وأمّا حقُّ رعيتك بمِلك النكاح، فأن تعلم أنّ الله جعلها سكناً، ومستراحاً، وأُنساً، وواقيةً، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يُحسن صُحبة نعمة الله، ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقك عليها أغلظ، وطاعتك بها ألزم، فيما أحبّت وكرهت ما لم تكن معصيةً، فإنّ لها حقّ الرحمة والمؤانسة، وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابدّ من قضائها..) (١) .

وقد ركّز أهل البيت (عليهم السلام) على جملة من التوصيات؛ من أجل إدامة علاقات الحب والمودّة داخل الأُسرة، وهي حق للزوجة على زوجها.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (خيّركم خيّركم لنسائه، وأنا خيّركم لنسائي) (٢) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (مَن اتخذ زوجةً فليكرمها) (٣) .

وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته) (٤) .

وجاءت توصيات جبرئيل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مؤكدّة لحق الزوجة قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أوصاني جبرئيل (عليه السلام) بالمرأة، حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها،

____________________

(١) تحف العقول: ١٨٨.

(٢) مَن لا يحضره الفقيه ٣: ٢٨١.

(٣) مستدرك الوسائل / النوري ٢: ٥٥٠.

(٤) مَن لا يحضره الفقيه ٣: ٢٨١.

٦٩

إلاّ من فاحشة مبيّنة) (١) .

ونهى (صلى الله عليه وآله وسلم) عن استخدام القسوة مع المرأة، وجعل من حق الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها، ففي جوابه على سؤال خولة بنت الأسود حول حق المرأة قال: (حقكِ عليه أن يُطعمك ممّا يأكل، ويكسوكِ ممّا يلبس، ولا يلطم ولا يصيح في وجهكِ) (٢) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (خير الرجال من أُمّتي الذين لا يتطاولون على أهليهم، ويحنّون عليهم، ولا يظلمونهم) (٣) .

ومن أجل تحجيم نطاق المشاكل والاضطرابات الأُسريّة، يستحسن الصبر على إساءة الزوجة؛ لأنّ ردّ الإساءة بالإساءة أو بالعقوبة يوسّع دائرة الخلافات، والتشنّجات، ويزيد المشاكل تعقيداً، فيستحب الصبر على إساءة الزوجة قولاً كانت أم فعلاً، قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (مَن احتمل من امرأته ولو كلمةً واحدة، أعتق الله رقبته من النار، وأوجب له الجنّة) (٤) .

وحثّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الزوج، على الصبر على سوء أخلاق الزوجة، فقال: (مَن صبر على سوء خلق امرأته، أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيوب على بلائه) (٥) .

ولقد ورد في سيرته (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّه كان يصبر على أذى زوجاته، وغضبهنّ

____________________

(١) مَن لا يحضره الفقيه ٣: ٢٧٨.

(٢) مكارم الأخلاق: ٢١٨.

(٣) مكارم الأخلاق: ٢١٦ - ٢١٧.

(٤) مكارم الأخلاق: ٢١٦.

(٥) مكارم الأخلاق: ٢١٣.

٧٠

عليه، وهجرهنّ إيّاه، فحري بنا أن نقتدي بسيرة سيّد البشر (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لكي نتجنّب كثيراً من حالات التصدّع والتفكك في حياتنا الزوجية، ونحافظ على سلامة العلاقات داخل محيط الأُسرة.

عن عمر بن الخطاب قال: غضبت على امرأتي يوماً، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر من ذلك! فو الله إنّ أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل (١) .

وقال عمر لحفصة ابنته: أتغضب إحداكنّ على النبي (صلى الله عليه وآله) اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم (٢) .

وكانت سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، مثالاً لسيرة جدهم المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، في كل مفردات العقيدة والسلوك، وهكذا كانت في مسألة الصبر على أذى الزوجة؛ لأجل تقويم سلوكها وإصلاحها، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: (كانت لأبي (عليه السلام) امرأة، وكانت تؤذيه، وكان يغفر لها) (٣) .

ومن حقوق الزوجة حق المضاجعة، فإذا حرمها الزوج من ذلك - كما هو الحال في الإيلاء، بأن يحلف أن لا يجامع زوجته - فللزوجة حق الخيار، إن شاءت صبرت عليه أبداً، وإن شاءت خاصمته إلى الحاكم الشرعي، حيث يمهله لمدّة أربعة أشهر؛ ليراجع نفسه، ويعود إلى مراعاة حقها، أو يطلّقها، فإن أبى كليهما حبسه الحاكم، وضيّق عليه في المطعم

____________________

(١) الدر المنثور ٦: ٢٤٣.

(٢) المعجم الكبير ٢٣: ٢٠٩.

(٣) مَن لا يحضره الفقيه ٣: ٢٧٩.

٧١

والمشرب؛ حتى يرجع إلى زوجته، أو يطلّقها (١) .

وإذا تزوجت من رجل على أنّه سليم، فظهر أنه عنّين انتظرت به سَنة، فإن استطاع مجامعتها فتبقى على زوجيتها، وإن لم يستطع كان لها الخيار، فإن اختارت المقام معه على أنّه عنّين لم يكن لها بعد ذلك خيار (٢) .

ولا يجوز إجبار المرأة على الزواج من رجل غير راغبة فيه - كما تقدّم -.

وإن كان للرجل زوجتان، فيجب عليه العدل بينهما (٣) .

ووضع الإسلام حدوداً في العلاقات الزوجية، فلا يجوز للزوج أن يقذف زوجته، فلو قذفها جُلد الحدّ (٤) .

ثالثاً: حقوق الوالدَينِ:

للوالدينِ الدور الأساسي في بناء الأُسرة، والحفاظ على كيانها ابتداءً وإدامةً، وهما مسؤولان عن تنشئة الجيل، طبقاً لموازين المنهج الإسلامي؛ لذا حدّد الإسلام أُسس العلاقة بين الوالدينِ والأبناء، طبقاً للحقوق والواجبات المترتّبة على أفراد الأُسرة تجاه بعضهم البعض، فقد قرن الله تعالى في كتابه الكريم وجوب برّ الوالدين والإحسان إليهما بوجوب عبادته، وحرّم جميع ألوان الإساءة إليهما صغيرها وكبيرها، فقال تعالى: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ

____________________

(١) المقنعة: ٥٢٣.

(٢) المقنعة: ٥٢٠.

(٣) المقنعة: ٥١٦.

(٤) المقنعة: ٥٤١.

٧٢

الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ) (١) .

وأمر بالإحسان إليهما، والرحمة بهما، والاستسلام لهما، فقال تعالى: ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) (٢) .

وقرن الله تعالى الشكر لهما بالشكر له، فقال: ( ... أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) (٣) .

وأمر تعالى بصحبة الوالدينِ بالمعروف، فقال: ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا... ) (٤) .

وتجب طاعة الأبناء للوالدينِ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (... ووالديك فأطعهما، وبرهما حيّين كانا أو ميتين، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل، فإنّ ذلك من الإيمان) (٥) .

وقرن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) بر الوالدين بالصلاة والجهاد، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت: أي الأعمال أفضل؟ قال: (الصلاة لوقتها، وبرّ الوالدين، والجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ) (٦) .

ومن حقوق الوالد على وَلده، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يسمّيه

____________________

(١) سورة الإسراء: ١٧ / ٢٣.

(٢) سورة الإسراء: ١٧ / ٢٤.

(٣) سورة لقمان: ٣١ / ١٤.

(٤) سورة لقمان: ٣١ / ١٥.

(٥) الكافي ٢: ١٥٨، كتاب الإيمان والكفر، باب البر بالوالدينِ.

(٦) الكافي ٢: ١٥٨ / ٤.

٧٣

باسمه، ولا يمشي بين يديه، ولا يجلس قبله، ولا يستسبّ له) (١) .

ومعنى (لا يستسبّ له) أي لا يفعل ما يصير سبباً لسبّ الناس له.

وقدّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) برّ الوالدة على برّ الوالد؛ لأنّها أكثر منه في تحمّل العناء من أجل الأولاد، في الحمل، والولادة، والرضاع، عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، قال: (جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله، مَن أبرُّ؟ قال: أُمّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: أُمّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: أُمّك، قال ثمّ مَن؟ قال: أباك) (٢) .

وكانت سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائمةً على تكريم مَن يبرّ والديه، فقد أتته أُخته من الرضاعة، فلمّا نظر إليها سرَّ بها، وبسط ملحفته لها فأجلسها عليها، ثمّ أقبل يحدّثها ويضحك في وجهها، ثمّ قامت وذهبت وجاء أخوها، فلم يصنع به ما صنع بها، فقيل له: يا رسول الله، صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجل؟! فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (لأنّها كانت أبرَّ بوالديها منه) (٣) .

وقدّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طاعة الوالدين على الجهاد، ففي رواية جاءه رجل وقال: يا رسول الله، إنّ لي والدَينِ كبيرينِ، يزعمان أنّهما يأنسان بي ويكرهان خروجي؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (فقرّ مع والديك، فوالذي نفسي بيده لأُنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سَنة) (٤) .

وورد في الحديث أنّه يجب برّ الوالدين وإن كانا فاجرين، قال الإمام

____________________

(١) الكافي ٢: ١٥٩ / ٥.

(٢) الكافي ٢: ١٥٩ - ١٦٠ / ٩.

(٣) الكافي ٢: ١٦١ / ١٢.

(٤) الكافي ٢: ١٦٠ / ١٠.

٧٤

محمد الباقر (عليه السلام): (ثلاث لم يجعل الله عزَّ وجلَّ لأحد فيهنَّ رخصة: أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر، وبرّ الوالدينِ برّين كانا أو فاجرين) (١) .

وفي الآية المتقدمة ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلاّ برحمة ورقّة، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما، ولا يدك فوق أيديهما، ولا تقدَّم قدّامهما) (٢) .

وبرّ الوالدين لا يقتصر على حال حياتهما، بل يشملهما حال الحياة وحال الممات، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (ما يمنع الرجل منكم أن يبرَّ والديه حيّين وميّتين، يصلي عنهما، ويتصدّق عنهما، ويحجّ عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما، وله مثل ذلك، فيزيده الله عزَّ وجلَّ ببرّه وصلته خيراً كثيراً) (٣) .

ويجب على الولد الأكبر أن يقضي عن والده ما فاته من صلاة وصوم (٤) ، أمّا بقية الأولاد فلا يجب عليهما القضاء عن والدهم، بل يستحب للرواية المتقدمة.

وحرّم الإسلام عقوق الوالدين بجميع ألوانه ومراتبه، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (مَن أحزن والديه فقد عقّهما) (٥) .

____________________

(١) الكافي ٢: ١٦٢ / ١٥.

(٢) الكافي ٢: ١٥٨ / ١.

(٣) الكافي ٢: ١٥٩ / ٧.

(٤) منهاج الصالحين / السيد السيستاني، العبادات: ٢٤٨، ٣٣٨.

(٥) بحار الأنوار ٧٤: ٧٢، كتاب العشرة، باب برّ الوالدين / ٥٣.

٧٥

وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: (أدنى العقوق أُفّ، ولو علم الله عزَّ وجلَّ شيئاً أهون منه لنهى عنه) (١) .

وقال (عليه السلام): (... ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحدّ النظر إليهما) (٢) .

وقال (عليه السلام): (مَن نظر إلى أبويه نظر ماقتٍ وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة) (٣) .

وعقوق الوالدينِ من الكبائر التي تستلزم دخول النار، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (عقوق الوالدينِ من الكبائر؛ لأنّ الله عزَّ وجلَّ جعل العاقّ عصياً شقياً) (٤) .

ولا يقتصر وجوب البرّ وحرمة العقوق، على الجوانب المعنوية والروحية، بل يتعداها إلى الجوانب المادية، فتجب النفقة عليهما إن كانا معسرين (٥) .

وتجب رعاية الوالدين رعايةً صحية، عن إبراهيم بن شعيب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ أبي قد كبُر جداً وضعُف، فنحن نحمله إذا أراد الحاجة؟ فقال: (إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل، ولقّمه بيدك، فإنّه

____________________

(١) الكافي ٢: ٣٤٨ كتاب الإيمان والكفر، باب العقوق.

(٢) الكافي ٢: ٣٤٩.

(٣) الكافي ٢: ٣٤٩.

(٤) بحار الأنوار ٧٤: ٧٤.

(٥) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ٢٨٦.

٧٦

جُنّة لك غداً) (١) .

وخلاصة القول:

يجب طاعة الوالدينِ في جميع ما يأمران به، إلاّ المعصية أو ما يترتب عليه مفسدة فلا تجب طاعتهما.

ومع جميع الظروف يجب على الأبناء إحراز رضا الوالدينِ بأيّ أُسلوب شرعي إن أمكن؛ لأنّ رضاهما مقروناً برضا الله تعالى، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (رضا الله مع رضا الوالدينِ، وسخط الله مع سخط الوالدينِ) (٢) .

وبرّ الوالدين بطاعتهما والإحسان إليهما، كفيل بإشاعة الودّ والحبّ والوِئام في أجواء الأُسرة، وبالتالي إلى تحكيم بنائها، وإنهاء جميع عوامل الاضطراب والتخلخل الطارئ عليها، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بالالتزام بالحقوق والواجبات المترتبة على أفرادها.

رابعاً: حقوق الأبناء:

للأبناء حقوق على الوالدين، وقد لخصّها الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) بالقول: (وأمّا حق وَلدك، فإنّك تعلم أنّه منك، ومضاف إليك، في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته به من حُسن الأدب، والدلالة على ربّه عزَّ وجلَّ، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل مَن يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه) (٣) .

____________________

(١) الكافي ٢: ١٦٢.

(٢) بحار الأنوار ٧٤: ٨٠.

(٣) بحار الأنوار ٧٤: ٦.

٧٧

ومن حقّ الأبناء على الآباء الإحسان إليهم، وتعليمهم، وتأديبهم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (رحم الله عبداً أعان وَلده على برّه بالإحسان إليه، والتآلف له، وتعليمه، وتأديبه) (١) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (رحم الله مَن أعان وَلده على برّه... يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه ولا يخرق به) (٢) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أكرموا أولادكم، وأحسنوا آدابهم) (٣) .

وتترتب على الوالدينِ جملة من الحقوق، ينبغي مراعاتها من أجل؛ إعداد الأبناء إعداداً فكرياً، وعاطفياً، وسلوكياً، منسجماً مع المنهج الإلهي في الحياة، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بإشباع حاجات الأبناء الأساسية، كالحاجة إلى الإيمان بالغيب، والحاجة إلى الأمان، وتوكيد الذات والمكانة بالمحبة والتقدير، والحاجة إلى التربية الصالحة.

ويمكن تحديد أهم حقوق الأبناء بما يلي:

١ - ينبغي على كلِّ من الوالدين اختيار شريك الحياة على أساس الإيمان، والتديّن، والصلاح، والسلامة من العيوب العقلية كالجنون والحمق؛ لأنّ ذلك يؤثّر على تنشئة الجيل وسلامته.

وينبغي الاهتمام بالصحة الجسدية والنفسية للأُمّ أثناء الحمل؛ لكي يخرج الأبناء إلى الدنيا وهم يتمتّعون بالصحة الجسدية والنفسية؛

____________________

(١) مستدرك الوسائل ٢: ٦٢٦.

(٢) الكافي ٦: ٥٠.

(٣) مستدرك الوسائل ٢: ٦٢٥.

٧٨

لانعكاسها عليهم أثناء الحمل.

٢ - يستحب تسمية الأبناء بأحسن الأسماء، ورعاية الأُمّ رعايةً صالحة، وتوفير حاجاتها اللازمة؛ للتفرّغ إلى رعاية الأبناء في مهدهم، ويجب على الوالد إشباع حاجات الوليد من الرضاعة، وذلك بالاعتماد على حليب الأُمّ، أو اختيار المرضعة الصالحة، وإشباع حاجاته المادية والمعنوية في فترة الحضانة.

٣ - يجب على الوالدينِ تعليم الطفل معرفة الله تعالى، وتعميق الإيمان في قلبه وجوارحه، وتعليمه سائر أصول الدين؛ ليترعرع على الإيمان بالله، وبرسوله، وبالأئمة (عليهم السلام)، وبيوم القيامة، ليكون الإيمان عوناً له في تهذيب نفسه في الحاضر والمستقبل.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن) (١) .

ويجب تربية الأطفال على طاعة الوالدين.

٤ - ويجب الإحسان إلى الأبناء في هذه المرحلة وتكريمهم؛ من أجل تعميق أواصر الحبّ بينهم وبين الوالدينِ، وذلك ضروري في كمالهم اللغوي، والعقلي، والعاطفي، والاجتماعي، فالطفل يقلّد مَن يحبّه، ويتقبّل التعليمات والنصائح والأوامر ممّن يحبّه.

والمنهج الإسلامي في التعامل مع الأبناء، يؤكّد على التوازن بين اللين والشدة في التربية، ويؤكّد على العدالة بين الأطفال في الحبّ والتقدير

____________________

(١) كنز العمال ١٦: ٤٥٦ /٤٥٤٠٩.

٧٩

وفي العطاء، وإشباع الحاجات؛ لكي يترعرعوا متحابين متآزرين، لا عداء بينهم، ولا شَحناء، ولا تقاطع، ولا تدابر.

ويجب على الوالدين وقاية الأبناء من الانحراف الجنسي، والانحراف السلوكي، وتنمية عواطفهم اتجاه الأعمال الصالحة، وتوجيهها توجيهاً سليماً، يقوم على أساس المنهج الإسلامي في التربية والسلوك.

ويجب الاهتمام بالطفل اليتيم، ورعايته رعايةً حسنة؛ لكي يكون رجلاً صالحاً في المستقبل.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

البصرة والآخر الكوفة! فقال : لاها الله! إذن يحلم الأديم ، ويستشري الفساد ، وتنتقص على البلاد من أقطارها ، والله إني لا آمنهما وهما عندي بالمدينة ، فكيف آمنهما وقد وليتهما العراقين [ الكوفة والبصرة ] اذهب إليهما فقل : أيها الشيخان احذرا من سطوة الله ونقمته ، ولا تبغيا للمسلمين غائلة وكيدا ، وقد سمعتما قول الله تعالى( تِلْكَ الدّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) .

فقام محمد بن طلحة فأتاهما ولم يعد إليه ، وتأخر عنه أياماً ، ثم جاءاه فاستأذناه في الخروج إلى مكة للعمرة ، فأذن لهما بعد أن أحلفهما ألا ينقضا بيعته ولا يغدرا به ولا يشقا عصا المسلمين ، ولا يوقعا الفرقة بينهم ، وأن يعودا بعد العمرة إلى بيوتهما بالمدينة فحلفا على ذلك كله ثم خرجا ففعلا ما فعلا.

هكذا يتضح لنا ما كان من أمر الرجلين وكيف كان الامامعليه‌السلام يعي هذه المسائل ، وإنما حملهم للانقلاب عليه هو رعايته لحقوق الله تعالى وعدم التفريط فيها ، ورعايته للحقوق الإلاهية رعاية تامة لا يثنيه في ذلك صحبة ، او قرابة ، فما كان من الاثنين بعد أن نفذ صبرهما من طول الانتظار أن يعلنا الخروج على الامام عليعليه‌السلام ويؤلف في ذلك المؤرخون قصصاً خيالية تصف الامام علي بذلك المتجبر الذي يحاول

__________________

١ ـ القصص : ٨٣.

١٢١

فرض امره بقوة السيف ، في حين كان الإمامعليه‌السلام لا يحب سفك الدماء وكان يحب معالجة الأشياء بالرحمة ، والعقل ، وعدم التسرع في استعمال السيف وقد قالعليه‌السلام :

« يا أهل الكوفة ، أنتم لقيتم ملوك العجم ففضضتم جموعهم ، وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة ، فإن يرجعوا بذاك الذي نريده ، وإن أبوا داويناهم بالرفق حتى يبدؤونا بالظلم ، ولم ندع أمراً فيه صلاح إلاّ آثرنا على مافيه الفساد إن شاء الله تعالى.

وهذا السلوك المثالي في الاصلاح الذي كان يتمثّل به الإمام عليعليه‌السلام تجسد أيام الملاقات في واقعة الجمل حيث روى أبو محنف ، قال :

« لما تزاحف الناس يوم الجمل التقوا ، قال عليعليه‌السلام لأصحابه لا يرمين رجل منكم بسهم ، ولا يطعن أحدكم فيهم برمح ، حتى أحدث إليكم وحتى يبدؤوكم بالقتال وبالقتل ، فرمى أصحاب الجمل عسكر عليعليه‌السلام بالنبل رميا شديداً متتابعاً فضج إليه أصحابه ، وقالوا عقرتنا سهامهم يا أمير المؤمنين وجيء برجل إليه ، وإنه لفي فسطاط له صغير ، فقيل له : هذا فلان قد قتل فقال : اللهم اشهد ، ثم قال اعذروا إلى القوم ، فأتي برجل آخر فقيل وهذا قد قتل : فقال : اللهم اشهد ، اعذروا إلى القوم ، ثم أقبل عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وهو من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يحمل أخاه عبد الرحمن بن بديل ، قد أصابه سهم فقتله فوضعه بين يدي عليعليه‌السلام ، وقال يا أمير المؤمنين هذا أخي قد

١٢٢

قتل ، فعند ذلك استرجع عليعليه‌السلام ودعا بدرع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات الفضول فلبسها(١) .

وهذا جزء قليل مما كان يتعامل به الامام عليعليه‌السلام الذي حاول ابن كثير وسلفه ابن تيمية أن يصوراه بذلك المتجبر الذي يلزم الناس بالبيعة ويكرههم عليها. ولتجلية بعض الحقائق من شخصية الامام عليعليه‌السلام نبيّن فيما يلي جملة من خصائصهعليه‌السلام .

__________________

١ ـ المصدر السابق : ٩ / ٧٨.

١٢٣

خصائص الإمام عليعليه‌السلام

لم يعرف التاريخ الاسلامي أعظم من الامام عليعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه أبلى في الإسلام بلاءاً حسناً وكان أخاً لرسول الله منذ صغره إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى.

وكانعليه‌السلام أول المسلمين وأول من صلى بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعنهعليه‌السلام قال : « أنا أول من صلى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

وقد بلغت هذه الرواية إلى حد التواتر(٢) .

كما أن الامام عليعليه‌السلام هو أول من صلى بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعنهعليه‌السلام قال : ( أنا عبد الله ، وأخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كاذب ، صليت قبل الناس بسبع سنين )(٣) .

__________________

١ ـ خصائص الإمام علي للنسائي ص ١٥ تحقيق السيد جعفر الحسيني ، ط١ ، ١٤١٩ دار الثقلين ـ قم ، الترمذي في الجامع الصحيح : ٥ / ٦٤٠ و ٦٤٢.

٢ ـ رواه أحمد في مسنده : ١ / ١٤١ ، ٤ / ٣٦٨ ، وابن الأثير في أُسد الغابة : ٤ / ١٧ ، وابن عبد البر في الاستيعاب : ٣ / ٢٣ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ، وابن المغازلي في مناقب عليّ ص ١٤ ، والطبراني في الكبير ٥ / ١٩٨.

٣ ـ سنن ابن ماجة : ١ / ٤٤.

١٢٤

وكان أول العابدين لله بعد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الذي لم يسجد قط لصنم ، فولد موحداً وعاش موحداً حتى لقي الله تعالى وكان أول المسلمين رغم حداثة عمره ، وصغر سنّه ، وكان محطم الأصنام عند فتح مكّة ، فقالعليه‌السلام : ( قال لي رسول الله : احملني لنطرح الأصنام من الكعبة ، فلم أطق حمله ، فحملني ، فلو شئت أن أتناول السماء فعلت )(١) فكان للإمام عليعليه‌السلام بذلك جليل القدر والعظمة.

أما قوته وبلاؤه في الحروب فلا أحد يشك في قدرته وقوته وما فَتْحُ خيبر إلاّ جزء يسير من البطولات الخالدة لهعليه‌السلام فبعد رجوع أبي بكر وعمر مهزومين قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده لأعطي الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ليس بفرار ، يفتح الله على يده ، فأرسل إلى عليعليه‌السلام وهو أرمد فتفل في عينه وقال :

اللهم اكفه أذى الحر والبرد فما وجد حراً بعد ولا برد(٢) .

وللبلاء الحسن والقوة التي أظهرها الإمام عليعليه‌السلام في خيبر وخصوصاً مما تعارف عليه أصحاب السير والتواريخ من حمل الإمام عليعليه‌السلام باباً لا يستطيع عشرة أشخاص حملها ، قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري : ( لولا أن يقول فيك طوائف

__________________

١ ـ إعلام الورى بأعلام الهدى : للطبرسي ١ / ٣٦٢ ، مسند أحمد : ١ / ٨٤ و ١٥١.

٢ ـ انظر : إعلام الورى بأعلام الهدى : ١ / ٣٦٤ ، ومسند أحمد : ١ / ٩٩ و ١٣٣.

١٢٥

من أمتي ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم لقلت فيك اليوم قولا لا تمر بملأ إلاّ أخذوا من تراب رجليك ، ومن فضل طهورك ، فيستشفون به ، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك ، ترثني وأرثك ، وأنك مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي ) وبعد نهاية الحديث خر عليعليه‌السلام ساجداً ثم قال :

( الحمد لله الذي من علي بالإسلام ، وعلمني القرآن ، وحببني إلى خير البرية خاتم النبيين وسيد المرسلين ، إحساناً منه إلي وفضلا منه علي )(١) .

وهذا جزء يسير من بطولاته القتالية في الدفاع عن الإسلام وردّ اعتداء الكافرين ، اين غيره يوم الأحزاب حينما تجابن الكل عن مبارزة عمرو بن عبد ودّ حتى خرج له الامام وهزمه. واين غيره يوم حنين حيث فرَّ الكل فبقي هو ومجموعة من بني هاشم. واين بطولات غيره يوم بدر وهو يردي الوليد بن عتبة قتيلا ويوم أحد وهو يرد عن رسول الله ضربات الكفار. إنها جزء قليل من تاريخ الامام علي الجهادي والذي حاول البعض نسيانه وجعله في طي النسيان.

أما العلم فلا أحد يشك في أعلميتهعليه‌السلام ، وهو القائل ولم يقلها أحد غيره : اسألوني قبل أن تفقدوني ، وكذلك قول عمر بن الخطاب : « ويل لعمر من مسألة ليس لها أبو الحسن » ، ويؤكد هذا الأمر حديث مدينة

__________________

١ ـ المصدر السابق : ٥ / ٣٦٦.

١٢٦

العلم حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما رواه ابن عباس :

( أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها )(١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إن أقضى أمتي علي بن أبي طالب ، وأعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب )(٢) .

وكذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( علي مع الحقّ والحق مع علي يدور الحق معه حيث دار )(٣) .

وأما قرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا ينكرها إلاّ جاحد وما أحاديث الولاية وسد الأبواب والمؤاخاة إلاّ دليل على مميزات هذا الرجل العظيم في الإسلام الذي سعى المؤرخون في تاريخ الإسلام أن يطمسوا هويته لكن أبى التاريخ إلاّ أن يحفظ مكانته رغم تحايلات المؤرخين التي أظهرنا بعضها ، والتي حاولت الحط منه وإصباغ التاريخ بشخصيات عملت السلطة لإبرازهم في التاريخ الاسلامي ، حتى تعطي المشروعية لعملية السلب التي قاموا بها ، مما اضطر العلماء المدافعين عن هذا النموذج المصطنع إلى خلق مجموعة من القوانين لحفظ هذا التاريخ المزيف والتي أثبت التحقيق التاريخي مدى زيفها وبرغماتيتها

__________________

١ ـ فتح الملك العلى بصحة حديث باب مدينة العلم علي للعلامة أحمد بن محمد الصديق الحسني المغربي ص ٣ المطبعة الإسلامية الازهر ـ مصر.

٢ ـ مصباح الهداية في إثبات الولاية ، السيد علي الموسوي البهبهاني : ص ١٥٦.

٣ ـ المصدر السابق ص ١٥٧.

١٢٧

في التعامل مع الأحداث.

ونورد هنا كلاماً مختصراً للعلامة أحمد بن محمد بن الصديق الحسيني المغربي وهو يذكر آراء بعض العلماء في تعاملهم مع الأحاديث الواردة في حق عليعليه‌السلام حيث قال :

الذهبي لا ينبغي أن يقبل قوله في الأحاديث الواردة بفضل عليعليه‌السلام فإنه سامحه الله إذا وقع نظره عليها اعترته حدة أتلفت شعوره وغَضَبٌ أذهب وجدانه حتى لا يدري ما يقول وربما سب ولعن من روى فضائل عليعليه‌السلام كما وقع منه في غير موضع من الميزان وطبقات الحفاظ تحت ستارة أن الحديث موضوع ، ولكنه لا يفعل ذلك فيمن يروي لأحاديث موضوعة في مناقب أعدائه(١) .

وهذا رأي عالم عاش في صعيد الأحاديث ودوّن التاريخ ، فترى كيف يمكن أن تكون العقليات المتولدة من خلال ما يروى لها من زيف وأكاذيب ، وما الداعي إلى ذلك؟

__________________

١ ـ فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي ص ٩٨ ـ ٩٩.

١٢٨

١٢٩

الفصل الرابع

قراءة نقدية

نموذج أحمد شلبي

يبدأ العلم المعقول بنقد التقليد الموروث.

رانكه

١٣٠

١٣١

هل استطاعت عملية التأريخ أن تصل إلى النزاهة المتوقعة وإلى تطبيق المناهج التي سنستخلص منها النتيجة الحقيقية ، عبر التخلص من عقدة قداسة الماضي وأصحابه.

إن النهج الذي ننادي به هو المقايسة والمقاربة مع تجريد هذا التاريخ من القداسة المفتعلة حتى نستطيع الوصول إلى المبتغى المنشود ، وبالتالي إلى تاريخ إسلامي ينير لنا طريق الثورة المعرفية والثقافية لاستشراف المستقبل نحو دولة العدل الإلهي المرتقبة.

وكم تحس بالسعادة وأنت تطالع كتاباً تأريخياً وصاحبه يتحدث عن إعادة كتابة التاريخ بطريقة تتجاوز ركام التخلف التاريخي ، وتحاول استخلاص العبر منه ، بحيث تصبح الموضوعية هي المطلب الرئيسي للمؤرخ ويأخذ على من سبقه إغفال هذا الجانب بحيث يرى أن أغلب الباحثين لا يدرسون هذه المشكلة دراسة موضوعية ، بل يتأثرون بأشخاصهم فيدفعهم تأثرهم إلى هذا الجانب او ذاك دون عمق وبدون إحتمال فكر(١) . وهذا ما اصطلحنا عليه بالتوجه السياسي

__________________

١ ـ د. أحمد شلبي ، موسوعة التاريخ الإسلامي : ١ / ٦٤١ ط١٣ مطبعة النهضة المصرية ١٩٨٨.

١٣٢

والايديلوجي للمؤرخ بحيث يصبح ارتباطه بنظام سياسي وبتوجه ايديلوجي هو الطابع الغالب على تحليله للأحداث التاريخية وصياغتها ، وبالتالي كما يرى الدكتور احمد شلبي الخروج من هذه البوتقة المغلقة ، والأهم من ذلك هو تحطيم القداسة المرتبطة بالصحابة على اعتبار أن أهل السنة تراهم أسهل حكماً « عدلوا الصحابة جميعاً وتولوهم واعتقدوا نجاتهم وقليلا ما يحاولون على هذا أو ذاك بالخطأ(١) ، على الرغم من معرفتهم وتيقنهم من المخطئ والمصيب فيؤثرون أن يغمضوا أعينهم. ومنه فإن الضرورة تستدعي إعادة النظر في هذا التاريخ ، للوصول إلى حقيقة الأمر فيضع الأستاذ المحترم السؤال ، هل نستطيع أن ننظر إلى هذه المسألة نظرة موضوعية بصرف النظر عن اشخاصها ، بل مع كامل التقدير والإجلال لماضي كل من هؤلاء الأشخاص؟ أرجو هذا(٢) .

رغبة أكيدة منه لإخراج التاريخ من هذه الأزمة التي أحاطت به منذ عصور ، وإظهاره بوجه يساير التطلعات المستقبلية للامة الإسلامية.

هذه وجهة نظر أحد ابرز المؤرخين في العصر الحديث(٣) ، وله

__________________

١ ـ المصدر السابق.

٢ ـ المصدر السابق ص ٦٤٢.

٣ ـ الدكتور احمد شلبي. مصري حاصل على دكتوراه من جامعة كمبردج في التاريخ له مجموعة مؤلفات أهمها موسوعة التاريخ الإسلامي ، موسوعة الحضارات الإسلامية ، ومقارنة الأديان.

١٣٣

مؤلفات تحظى بأهمية كبيرة في العالم. وأول ما عرفته كان بواسطة كتاب مقارنة الأديان وقد تميز بالدقة والعلمية. لكن هذه النزاهة وهذه المنهجية التي تحدّث عنها هل فعلا جسدت في عملية تدوينه للتاريخ الإسلامي؟

إن مجموعة من النقاط يمكن ملاحظتها خلال قراءة كتاب موسوعة التاريخ الإسلامي. وخصوصاً الجزء الأوّل ، إذ تنم عن الإطار الذي يتحدث منه المؤلف ضارباً بعرض الحائط الموضوعية والعلمية.

١٣٤

١٣٥

التشيّع والفرس

إن أول ما يلاحظ في كتاب موسوعة التاريخ الاسلامي وهو الهجوم اللاذع والشنيع على الفرس ، وليس هنا من باب الدفاع عن قومية معينة ولكن هو استشفاف المخفي من داخل النصوص والذي هو في الأصل هجوم على التشيّع ، وذلك دون دليل منطقي. والأمر الثاني الملاحظ في هذا الكتاب هو الانتقائية في التعامل مع الأحداث التاريخية ، الشيء الذي يصعب معه استخلاص الأسباب وبالتالي النتائج مما جعل نتائجه بعيدة عن واقع الأحداث التاريخية مما أفقد عمليّة التأريخ تناسقها.

لقد جاءت الطبعة ١٣ مفردة في إبراز المخاطر الفارسية على الإسلام وما حكاه هؤلاء الفرس ( الشيعة ) للإسلام ، فهم على زعمه أنّهم قاتلوا عمر وعثمان وعلي ، مع العلم على أن الخليفتين عثمان وعلي لم ينسب أحد قتلهم إلى الفرس إلا دكتورنا المحترم ، وقوله لايستند لأي دليل ، ولكن الواضح أن هذه الرؤية ، وهذه النتيجة التي استخلصها هي من إيحاءات الإتجاه الوهابي الذي ارتبط به كاتبنا ماديا ، فقبيل إخراج هذه الطبعة تلقى دعوة من الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحمان الربيع عميد البحث العلمي بجامعة محمد بن سعود الإسلامية بالمملكة

١٣٦

العربية ، يدعوه فيه لكتابة كتاب لمركز البحوث بالجامعة عن السيرة النبوية ويقول عن هذا العرض : ففرحت بهذه الدعوة وقمت بهذا العمل ما أستطيع من الإجادة ، وقد أدخلت في هذه الطبعة مما رأيت ضرورته(١) .

وبالطبع لم ير من الضروري إلا ما يطعن في الفرس ويبين حسب زعمه كيدهم للإسلام بحيث يقول أن في هذه الطبعة أيضاً إبراز الخطر الذي تدفق على الإسلام والمسلمين من ايران(٢) .

والجدير بالذكر أن هذه الطبعة كانت سنة ١٩٨٨ أي بعد أحداث مكة الشيء الذي يعطيها طابعاً سياسياً ومما يؤكد هذا وهو اعتباره حركة الإمام الخمينيرحمه‌الله إحدى الحركات الهدامة وهي استمرار للحركات الهدامة الفارسية الأصل منذ انطلاقة التاريخ الإسلامي ، بحيث انطلقت مؤامرتهم على نطاق واسع باسم الشعوبية والباطنية ، والزنادقة ، والزنجية ، والقرامطة والدرزية والبابية والبهائية فقتلت الملايين من المسلمين ولا تزال تقتل وتضرب حتى اليوم بصيحة الخميني(٣) .

إذن ترى ما سبب هذا الحقد الفارسي الدفين حسب زعم دكتورنا؟

إن السبب في ذلك هو تحطيم المسلمين للمملكة الساسانية وإخضاعهم للدولة الإسلامية بحيث يرى أن بلاد فارس استسلمت عسكرياً بسرعة

__________________

١ ـ دكتور أحمد شلبي ، موسوعة التاريخ الاسلامي : ص ١٩.

٢ ـ المصدر السابق ص ٢٠.

٣ ـ المصدر السابق ص ٦١٣.

١٣٧

غير متوقعة ولكن قادتها بدأوا يثيرون المتاعب والشبهات والشكوك منذ عهد الفتح إلى الآن في حركات الشعوبية والباطنية والزنادقة ، والزنج والقرامطة ، والدرزية والبابية والبهائية والخمينية(١) .

هل يستطيع العقل أن ينسجم مع هذا السبب الواهي بحيث لو كان الامر بهذا الشكل لكانت كل المناطق التي دخلت إلى الإسلام تحت سيوف الفتح أن تكيد لهذا الإسلام فلا أظن أنّ الشمال الافريقي قد فتح بلسان المسلمين بل بسيوفهم وإخضاعهم للحق عن طريقه ، وما قتل كسيلة البربري لعقبة ابن نافع الفهري إلاّ دليل على المواجهة التي لقيها الفاتحون لهذه المناطق ، إذن لماذا لم يتحدث عن كيدهم للإسلام أم أنّ التوافق الايديلوجي السني أخرجهم من دائرة المكيدين لهذا الدين. وعلى هذا المنطق المعتمد عنده فإن مسلمي الفتح وجب في حقهم الكيد للإسلام لأنهم وجدوا أنفسهم ملزمين بهذا الدين وهم في عقر دارهم ، مما يلزم عليهم التستر وانتظار الفرصة للوقيعة به ، وهذا ماوقع لكن كاتبنا لا يشاطرنا الرأي علما ان يزيد بن معاوية تمثل بأبيات عقب مقتل الإمام الحسين تدل على حنقه من النصر الذي حققه هذا الدين على أجداده خصوصاً في معركة بدر وكتب التاريخ ملئت بهذا الحدث. وثاني شيء ما يمنع الفرس من الرجوع إلى دينهم بعد ضعف الدولة المركزية في بغداد وهذا ما حصل في الاندلس بحيث أن الحانقين فعلا على هذا الدين سرعان ما انقضوا عليه عند ضعف إدارته ،

__________________

١ ـ المصدر السابق ص ٢٧٧.

١٣٨

ولو كان الامر في بلاد فارس كذلك لرجعوا إلى دين آباءهم وتخلصوا منه. ولكنهم بقوا على هذا الدين ، وابرز دليل على ذلك الحركة التصحيحية التي قادها الامام الخمينيرحمه‌الله واحيائه لهذا الموروث التاريخي المقدس وإعادته إلى الحياة بعدما ركن في زوايا المساجد ، فكيف نسميها حركة تخريبية.

وشيء آخر مهم ، حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصريح : « لو كان الإسلام ينال بالثريا لناله رجال من فارس ». فأين كاتبنا من هذا الحديث. وهنا أمرين فإما صاحبنا على حق فيما وصل إليه والنبي يهجر! وحاشا لله وبهذا تنتزع عنه صفة النبوة وتذهب الرسالة مهب الريح ، او رسول الله صادق وصاحبنا يعيش في الأهاجيس المادية والمذهبية وهذا هو الأكيد فراح يخبط خبط عشواء ..

كما إن المسكوت عنه من خلال نصوص كاتبنا واضح وجلي ، لكنه لم يعبر عنه بطريقة مباشرة فتخفى تحت راية عرقية ، علماً أن المقصود عنده هنا هو التشيع وهذا يتضح جلياً حينما نراه يربط بين الحركات الفارسية واليهودية ويصوّر تنسيقها في الكيد لهذا الدين. بحيث يرى أن المؤامرات فارسية ، وتؤيدها الأصابع اليهودية ثم ثورات خطط لها الفرس واليهود وقادوها ووجهوها(١) ففعلا المعنى واضح وهو التيار السبئي وما فعل في التاريخ؟

__________________

١ ـ د. أحمد شلبي ، موسوعة التاريخ الإسلامية ، ط١٣ ص ٦١٣.

١٣٩

شخصية عبد الله بن سبأ

من الشخصيات التي أعطاها التاريخ حجماً أكبر من حجمها ، شخصية عبدالله بن سبأ ، حتى صار معروفاً بين أوساط المؤرخين بمؤسس السبئية والتي كان يقصد بها وفي غالب الأوقات الأشخاص الموالين لعليعليه‌السلام أو أحد أبنائه أو أحفاده. الشيء الذي أكسبه شخصية محورية في أرتباطه بالتشيع. وأصبح هذا الشخص هو المدخل الرئيسي للهجوم على الشيعة ، وربط حركتهم بالأصول اليهودية.

لكن الأمانة العلمية التي يتطلبها التحقيق التأريخي تلزمنا أن ندرس هذه الشخصية من جميع الجوانب انطلاقاً من وجودها أو عدم وجودها ، وإن كانت موجودة فلابد من معرفة مدى تأثيرها على الصعيد الثقافي والسياسي الاسلامي ، وهل فعلاً كان بالشكل الذي رسمه التاريخ الاسلامي.

ان مسألة عبدالله بن سبأ لم تكن محل اختلاف بين السنة والشيعة فقط بل حتى داخل المنظومة الفكرية الشيعية نفسها ، فقد نفى البعض وجود هذه الشخصية بالإطلاق بأعتبارها إحدى موضوعات سيف بن عمر بأعتباره هو الراوي الذي أورد له الطبري مروياته وبعدها كان

١٤٠

141

142