آداب الاسرة في الإسلام

آداب الاسرة في الإسلام25%

آداب الاسرة في الإسلام مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 142

آداب الاسرة في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 142 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59637 / تحميل: 7987
الحجم الحجم الحجم
آداب الاسرة في الإسلام

آداب الاسرة في الإسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الفصل الرابع

الخلافات الزوجية

الخلافات بين الزوجين تخلق في الأسرة أُجواءً متوترة ومتشنجة، تهدّد استقرارها وتماسكها، وقد تؤدي إلى انفصام العلاقة الزوجية، وتهديم أركان الأُسرة، وهي عامل قلق لجميع أفراد الأُسرة بما فيهم الأطفال، ولها تأثيراتها السلبية على المجتمع أيضاً؛ لأنّ الخلافات الدائمة تزرع القلق في النفوس، والاضطراب في التفكير والسلوك، فتكثر التعقيدات والاضطرابات النفسية في أوساط المنحدرين من أُسر مفكّكة؛ بسبب كثرة الخلافات والتشنّجات، فتنعدم فيهم الثقة بالنفس وبالمجتمع؛ لذا حثّ الإسلام على إنهاء الخلافات الزوجية، وإعادة التماسك الأُسري، قال تعالى: ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ... ) (١) .

وأمر القرآن الكريم الزوج بالمعاشرة بالمعروف فقال: ( ... وَعَاشِرُوهُنَّ

____________________

(١) النساء: ٤ / ١٢٨.

٨١

بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) (١) .

وحذّر الإسلام من الطلاق، وإنهاء العلاقة الزوجية، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (ما من شيء ممّا أحلّه الله عزَّ وجلَّ أبغض إليه من الطلاق، وإنّ الله يبغض المِطلاق الذوّاق) (٢) .

وقال (عليه السلام): (إنّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ البيت الذي فيه العرس، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شيءٍ أبغض إلى الله عزَّ وجلَّ من الطلاق) (٣) .

وإذا لم تنفع جميع محاولات الإصلاح، وإعادة العلاقات إلى مجاريها، وإذا لم تتوقف المشاكل والتوترات إلاّ بالطلاق، فقد يكون الطلاق سعادةً لكلا الزوجين، ومع ذلك فقد منح الإسلام الفرصة للعودة إلى التماسك الأُسري، فأعطى للزوج حق العودة أثناء العدّة دون عقد جديد، وبعد العدّة بعقد جديد، وجعل له حق العودة بعد الطلاق الأَوّل والثاني، وفيما يلي نستعرض المواقف والمظاهر المتعلّقة بالخلافات الزوجية.

الشِّقاق والنشوز:

إذا حدث الشقاق، وضع الإسلام أُسساً وقواعد موضوعية لإنهائه في مهده، أو التخفيف من وطأته على كلا الزوجين، فإذا كانت الزوجة هي المسبّبة للشقاق والنشوز، بعدم طاعتها للزوج وعدم احترامه، فللزوج حق

____________________

(١) النساء: ٤ / ١٩.

(٢) الكافي ٦: ٥٤.

(٣) الكافي ٦: ٥٤.

٨٢

استخدام بعض الأساليب كالوعظ أَوّلاً، والهجران ثانياً، والضرب الرقيق أخيراً (١) .

قال تعالى: ( ... وَاللاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيرًا ) (٢) .

ثمّ تأتي المرحلة الثانية، وهي مرحلة السعي في المصالحة، ببعث حَكم من أهل الزوج، وحَكم من أهل الزوجة، كما جاء في قوله تعالى: ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ) (٣) .

وينبغي على الحَكمين مراجعة الزوج والزوجة قبل بدء التشاور، فإن جعلا إليهما الإصلاح والطلاق، أنفذوا ما رأياه صلاحاً من غير مراجعة، وإن رأيا التفريق بينهما بطلاق أو خُلع، لا يحق لهما إمضاء ذلك إلاّ بعد مراجعة الزوجين (٤) .

قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (ليس للحَكَمين أن يفرّقا حتى يستأمرا الرجل والمرأة، ويشترطا عليهما إن شئنا جمعنا، وإن شئنا فرّقنا، فإن جمعا فجائز، وإن فرّقا فجائز) (٥) .

____________________

(١) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ٣٣٣. وجواهر الكلام ٣١: ٢٠٢ وما بعدها.

(٢) سورة النساء: ٤ / ٣٤.

(٣) سورة النساء: ٤ / ٣٥.

(٤) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ٣٣٣. وجواهر الكلام ٣١: ٢١٠، ٢١٥.

(٥) تهذيب الأحكام ٨: ١٠٣.

٨٣

ويجوز للحاكم الشرعي أن يبعث الحَكَمين من غير أهلهما (١) .

ومهما اتفق الحكمان فلا يجوز الفصل بين الزوجين في حال غياب أحدهما (٢) .

وإن كان أحد الزوجين مغلوباً على عقله بطل حكم الشقاق (٣) .

وفي جميع مراحل عمل الحَكَمين يستحبُّ لهما الإصلاح إن أمكن ذلك؛ لعموم أدلة بغض الطلاق وكراهيته من قِبل الله تعالى.

ومن الأفضل اختيار الحَكَمين على أساس العلم، والتقوى، والكفاءة في مواجهة الأمور، والقدرة على استيعاب المواقف المتشنّجة، والصبر عليها، وأن يقولا الحقّ ولو على أنفسهما.

وينبغي على الحَكَمين أن يمنحا الفرص المتاحة؛ لإعادة مسار العلاقات الزوجية إلى حالتها قبل الشقاق والنشوز، وإن طالت مدة الإصلاح والمفاوضات المتقابلة.

الإيلاء:

الإيلاء: هو حلف الزوج على أن لا يطأ زوجته (٤) .

والإيلاء مظهر من مظاهر الانحراف عن الفطرة، وهو مقدمة من مقدمات التنافر والتدابر بين الزوجين.

____________________

(١) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ٣٣٣.

(٢) المصدر السابق نفسه.

(٣) المصدر السابق نفسه.

(٤) المبسوط ٥: ١١٤.

٨٤

وليس أمام الزوجة إزاء هذه الحالة إلاّ أحد خيارين؛ إمّا الصبر على ذلك؛ حفاظاً على كيان الأُسرة من التفكّك، وإمّا اللجوء إلى الحاكم الشرعي، فإن رفعت خصومتها إليه أنظر الحاكم زوجها أربعة أشهر؛ لمراجعة نفسه في ذلك، فإن أبى الرجوع والطلاق جميعاً، حبسه الحاكم وضيّق عليه في المطعم والمشرب، حتى يفيء إلى أمر الله تعالى بالرجوع إلى معاشرة زوجته أو طلاقها (١) .

قال تعالى: ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) .

وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته، ولا يمسّها، ولا يجمع رأسه ورأسها، فهو في سِعة ما لم تمضِ الأربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة أشهر وقف، فإمّا أن يفيء فيمسّها، وإمّا أن يعزم على الطلاق فيخلّي عنها، حتى إذا حاضت وتطهّرت من حيضها طلّقها تطليقةً قبل أن يجامعها بشهادة عدلينِ، ثمّ هو أحقّ برجعتها ما لم تمضِ الثلاثة الأقراء) (٣) .

اللِّعان:

إذا قذف الرجل زوجته الحرّة بالفجور، وادّعى أنّه رأى معها رجلاً يطأها، فإن لم يأتِ بشهود أربعة، لاعَنَ الزوجة (٤) .

____________________

(١) المقنعة: ٥٢٣.

(٢) سورة البقرة: ٢ / ٢٢٦ - ٢٢٧.

(٣) تهذيب الأحكام ٨: ٣.

(٤) المقنعة: ٥٤١.

٨٥

والذي يوجب اللِّعان أن يقول: رأيتكِ تزنين، ويضيف الفاحشة منها إلى مشاهدته، أو ينفي ولداً أو حملاً (١) .

أمّا إذا قال لها: يا زانية، ولم يدّعِ المشاهدة، فلا لِعان بينهما، وإنّما يكون الزوج قاذفاً (٢) .

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لا يكون لِعان حتى يزعم أنّه قد عاينَ) (٣) .

وصيغة الملاعنة كما ورد في القرآن الكريم: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) (٤) .

فيقول له الحاكم قُل: (أشهدُ بالله إنّي لمَن الصادقين، فيمَن ذكرته عن هذه المرأة من الفجور).

ويكرّر ذلك أربع مرّات، فإن رجع عن قوله، جلده حدّ المفتري ثمانين جلدةً، وردّ امرأته عليه.

وإن أصرّ على ما ادّعاه، قال له قل: (إنّ لعنة الله عليَّ ان كنت من الكاذبين).

____________________

(١) الانتصار: ٣٣٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) تهذيب الأحكام ٨: ١٨٦.

(٤) سورة النور: ٢٤ / ٦ - ٩.

٨٦

ويقول الحاكم لزوجته قولي: (أشهدُ بالله إنّه لمَن الكاذبين فيما رماني به) وتكرّر القول أربع مرات.

وتقول في الخامسة: (إنّ غضب الله عليَّ إن كان من الصادقين).

فإذا قالت الزوجة ذلك، فرَّق الحاكم بينهما، ولم تحلّ له أبداً، وقضت منه العدّة منذ تمام لِعانها له (١) .

أمّا إذا كانت الزوجة خرساء، فرّق بينهما، وأقيم عليه الحدّ، ولا تحلّ له أبداً، ولا لِعان بينهما (٢) .

الطلاق:

الطلاق: من حيث الأحكام الشرعية على أربعة أنواع (٣) .

الأَوّل: الطلاق الواجب، وهو الطلاق الناتج عن الإيلاء - كما تقدّم -.

الثاني: الطلاق المستحبّ، وهو طلاق الزوج زوجته حال الشقاق والحال بينهما غير عامرة، ولا يقوم كلّ واحد منهما بحق صاحبه.

الثالث: الطلاق المحظور، وهو طلاق الزوج زوجته في أحد موضعين:

١ - طلاق الحائض المدخول بها، ولم يغب عنها زوجها.

٢ - طلاق الخارجة من المحيض بعد مواقعة زوجها لها في ذلك الطهر، قبل أن يستبين حملها.

____________________

(١) المقنعة: ٥٤١.

(٢) الانتصار: ٣٣١.

(٣) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ٣١٩.

٨٧

الرابع: الطلاق المكروه، وهو طلاق الزوج زوجته والحال عامرة بينهما، ويقوم كلّ منهما بحقّ صاحبه.

شروط الطلاق:

لا يقع الطلاق إلاّ باللفظ، وهو قول الزوج: أنتِ طالق، ولا يقع بقوله: فارقتكِ وسرّحتكِ، أو بقوله: اعتدّي، وحبلكِ على غاربكِ (١) .

ولا يقع الطلاق في الحيض (٢) ، وإنّما يقع في طُهر لم يجامعها فيه.

ولا يقع الطلاق إلاّ بشهادة مُسلمَين عدلينِ (٣) .

ومَن كان غائباً عن زوجته، فليس يحتاج في طلاقها إلى ما يحتاج إليه الحاضر من الاستبراء، لكنّه لابدّ له من الإشهاد، فإذا أشهد رجلين من المسلمينَ على طلاقه لها، وقع بها الطلاق سواء كانت طاهراً أو حائضاً، ومَن أراد أن يطلّق زوجته غير المدخول بها، طلّقها في أيّ وقت شاء بمحضرٍ من رجلين مسلمَينِ عدلين، ولم ينتظر بها طهراً (٤) .

ولا يقع الطلاق إن كان مشروطاً (٥) كأن يقول: أنتِ طالق إن دخلتِ الدار.

____________________

(١) الانتصار: ٣٠٠.

(٢) الانتصار: ٣٠٦.

(٣) المقنعة: ٥٢٥.

(٤) المقنعة: ٥٢٦ - ٥٢٧.

(٥) الكافي في الفقه: ٣٠٥.

٨٨

شروط المطلِّق (١) :

يشترط في صحة الطلاق بعدما تقدّم، عدّة أمور، أهمّها:

١ - كون المطلِّق ممّن يصح تصرّفه، وهو العاقل البالغ، فلا يصحّ طلاق المجنون والسكران والصبي.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (ليس طلاق السكران بشيء) (٢) .

٢ - أن لا يكون الزوج مكرهاً على الطلاق، فلابدّ من اختياره هو.

عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (لو أنَّ رجلاً مسلماً مرّ بقوم ليسوا بسلطان فقهروه، حتى يتخوّف على نفسه أن يعتق، أو يطلّق ففعل، فلم يكن عليه شيء) (٣) .

٣ - أن يكون قاصداً للطلاق.

قال الإمام الباقر (عليه السلام): (لا طلاق إلاّ لمَن أراد الطلاق) (٤) .

٤ - أن يكون تلفّظه بصريح القول دون الكناية.

عن زرارة قال: قلتُ لأبي جعفر (عليه السلام): رجل كتب بطلاق امرأته ثمّ بدا له فمحاه، قال: (ليس ذلك بطلاق حتى يتكلّم به) (٥) .

وتجوز الوكالة في الطلاق، فقد سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن رجل جعل

____________________

(١) الكافي في الفقه: ٣٠٥ - ٣٠٦. وجواهر الكلام ٣٢: ٨ وما بعدها. والصراط القويم: ٢٢١.

(٢) الكافي ٦: ١٢٦.

(٣) الكافي ٦: ١٢٧.

(٤) تهذيب الأحكام ٨: ٥١.

(٥) الكافي ٦: ٦٤.

٨٩

أمر امرأته إلى رجل، فقال: اشهدوا أنّي جعلت أمر فلانة إلى فلان، أيجوز ذلك للرجل؟

فقال: (نعم) (١) .

طلاق السُنّة:

طلاق السُنّة هو الطلاق المستوفي للشروط المتقدمة، من كون المطلِّق عاقلاً، مميّزاً، مالكاً أمره، غير مكره ولا غضبان، ولا فاقد العقل، وأن يكون الطلاق واقعاً في طهر لم يواقع زوجته فيه، وأن يكون التلفّظ بصريح القول، وأن يكون الطلاق مطلقاً غير مشروط، وأن يتمّ بحضور شاهدين عدلينِ في مجلس واحد (٢) .

سُئل الإمام الرضا (عليه السلام) عن طلاق السُنّة، فقال: (يطلّقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشهادة عدلينِ، كما قال الله عزَّ وجلَّ في كتابه، فإن خالف ذلك رُدّ إلى كتاب الله) (٣) .

طلاق البِدعة:

وهو الطلاق غير المستوفي للشروط، كطلاق الحائض، أو طلاق الطاهرة من الحيض بعد مواقعتها في طهرها، وكالطلاق المعلّق بشرط، وإيقاع الطلاق ثلاثاً بلفظة واحدة (٤) .

____________________

(١) الكافي ٦: ١٢٩.

(٢) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ٣٢٠ - ٣٢١. وجواهر الكلام ٣٢: ١١٧.

(٣) تهذيب الأحكام ٨: ٤٩.

(٤) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ٣٢٢. وجواهر الكلام ٣٢: ١١٦. والصراط القويم: ٢٢٣.

٩٠

عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن رجل طلق امرأته وهي حائض، فقال: (الطلاق لغير السُنّة باطل) (١) .

وقال الإمام الرضا (عليه السلام): (طلّق عبد الله بن عمر امرأته ثلاثاً، فجعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واحدةً، وردّها إلى الكتاب والسُنّة) (٢) .

ومن طلاق البِدعة، الطلاق بغير شهود، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (مَن طلَّق بغير شهود فليس بشيء) (٣) .

الخُلع:

إذا كرهت الزوجة زوجها وآثرت فراقه، وظهر ذلك جلياً في عصيانها لأمره ومخالفتها لقوله، وعدم الاستجابة للمضاجعة، فيجوز له حينئذٍ أن يلتمس على طلاقها ما شاء من المال والمتاع والعقار، أو التنازل عن مهرها، فإن أجابته إلى ذلك، قال لها: قد خلعتك على كذا وكذا درهماً أو ديناراً، فإذا قال لها ذلك بمحضر شاهدينِ مسلمينِ عدلينِ، وهي طاهر من الحيض طهراً لم يواقعها فيه، فقد بانت منه، وليس له عليها رجعة، ولها أن تعقد على نفسها لمَن شاءت بعد خروجها من عدّتها، فإن اختارت الرجوع إليه واختار هو ذلك، جاز لها الرجوع إلى النكاح بعقد جديد ومهر جديد (٤) .

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لا يحلّ خُلعها حتى تقول لزوجها: والله لا أبرّ

____________________

(١) تهذيب الأحكام ٨: ٤٧.

(٢) تهذيب الأحكام ٨: ٥٥.

(٣) تهذيب الأحكام ٨: ٤٨.

(٤) المقنعة: ٥٢٨ - ٥٢٩. والصراط القويم: ٢٢٨.

٩١

لك قسماً، ولا أُطيع لك أمراً، ولا اغتسل لك من جنابة، ولأوطئنّ فراشَك مَن تكرهه، ولأُوذننّ عليك بغير إذنك، وقد كان الناس يرخّصون فيما دون هذا، فإذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلّ له ما أخذ منها، وكانت عنده على تطليقتين باقيتين، وكان الخُلع تطليقةً) (١) .

المباراة:

إذا كره الزوج زوجته وكرهت الزوجة زوجها، وظهر ذلك منهما بأفعالهما، وعلم كلّ واحدٍ منهما ذلك من صاحبه، فتختار الزوجة حينئذٍ الفراق، فتقول لزوجها: أنا كارهة لك، فأنت أيضاً كذلك، فخلِّ سبيلي، فيقول لها: لك عليَّ دين فاتركيه حتى أُخلّي سبيلك، أو يقول لها: قد أخذتِ مني كذا وكذا فردّيه عليّ أو بعضه، لأُخلّي سبيلك، فتجيبه إلى ذلك فيطلّقها.

ولا يجوز له إذا كان كارهاً لها أن يأخذ منها على الطلاق أكثر ممّا أعطاها.

ولا رجعة لها إلاّ بعقدٍ جديدٍ ومهرٍ جديد، ويشترط في هذا الطلاق حضور شاهدينِ عدلينِ وبقية الشروط (٢) ، وليس لها نفقة في عدّتها (٣) .

الفسخ:

للزوج حق فسخ العقد إن كانت الزوجة مصابة بالبرص، والجذام،

____________________

(١) تهذيب الأحكام ٨: ٩٥.

(٢) المقنعة: ٥٢٩ - ٥٣٠.

(٣) المقنعة: ٥٣١.

٩٢

والعرج، والعمى، والرَّتق، أو كونها مفضاةً.

وللزوجة حق فسخ العقد إن كان الزوج مصاباً بالعُنّة والجبّ - أي مقطوع الذَكر - وبالسلّ، والخصاء على وجه لا يمكنه من الجماع.

والعيب المذكور يؤثّر في الفسخ إن كان تدليساً لا يعلمه الزوج أو الزوجة قبل العقد، أمّا إذا كان يعلمه، أو علمه بعد العقد ورضي به، فلا يحقّ الفسخ بعد ذلك (١) .

ومَن تزوج امرأةً على أنّها بكر فوجدها ثيّباً، لم يكن له ردّها، ولم يجز له قذفها بفجور؛ لأنّ العُذرة قد تزول بأسباب أُخرى (٢) .

وإذا جُنّ الزوج، وكان يعقل مع جنونه أوقات الصلاة، لم يكن للمرأة خيار مع ذلك، وإن كان لا يعقل أوقات الصلاة، كانت بالخيار (٣) في البقاء معه أو الفسخ.

المفقود عنها زوجها:

إذا غاب الزوج عن زوجته غيبةً لم تعرف فيها خبره، وكان له وليّ ينفق عليها، أو كان في يدها مال له تنفق منه على نفسها، كانت في حباله إلى أن تعرف له موتاً، أو طلاقاً، أو ردّة عن الإسلام.

وإن لم يكن له وليّ ينفق عليها، ولا مال في يدها تنفق منه، واختارت الحكم في ذلك، رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي، ليبحث عن خبره في

____________________

(١) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ٣١١. وجواهر الكلام ٣٠: ٣١٨، ٣٢٠.

(٢) المقنعة: ٥١٩.

(٣) المقنعة: ٥٢٠. وجواهر الكلام ٣٠: ٣٢١.

٩٣

الأمصار، وانتظرت أربع سنين، فإن عرفت له خبراً من حياة، ألزمه الحاكم النفقة عليها أو الفراق، وإن لم تعلم له خبراً، اعتدّت عدّة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، وتزوّجت إن شاءت.

وإن جاء زوجها وهي في العدّة، أو قد قضتها ولم تتزوج، كان أحقّ بها من غير عقد.

وإن جاء وقد خرجت من العدّة وتزوجت، لم يكن له عليها سبيل (١) .

أحكام الرجعة:

للزوج حقّ الرجوع بعد الطلاق، إن كانت زوجته في عدّتها، ويصحّ الرجوع بشرطين:

الأَوّل: أن تكون المطلّقة مدخولاً بها.

الثاني: أن لا يكون الطلاق بائناً.

والطلاق البائن: هو كل طلاق لا يكون للزوج المراجعة فيه، إلاّ بعقدٍ جديدٍ ومهرٍ مستأنف، أو بعد أن تنكح زوجاً غيره (٢) .

والبائن سبعة أقسام:

١ - طلاق مَن لم يدخل بها.

٢ - طلاق مَن لم تبلغ المحيض ولا مثلها.

٣ - طلاق الآيسة من المحيض.

____________________

(١) المقنعة: ٥٣٧.

(٢) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ٣٢٩. والصراط القويم: ٢٢٣.

٩٤

٤ - طلاق المختلعة.

٥ - الطلاق بعد المباراة.

٦ - الطلاق الثالث.

وفي مقابل الطلاق البائن هناك الطلاق الرجعي، وهو كل طلاق يكون للزوج حق المراجعة بغير تجديد للعقد.

وهنالك نوعان من المراجعة:

١ - المراجعة القولية: كقوله: راجعتها، ارتجعت، رددت، أمسكت، تزوجت، نكحت.

٢ - المراجعة الفعلية: كالوطء، القُبلة، اللمس بشهوة، إنكار الطلاق (١) .

عن محمد بن مسلم، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجعة بغير جماع، تكون رجعةً؟ قال: (نعم) (٢) .

عدّة المطلّقة:

تعتدّ الزوجة المطلّقة مدة ثلاثة أطهار إن كانت ممّن تحيض، وإن لم تكن تحيض لمرض أو عارض اعتدّت بثلاثة أشهر.

وإذا تجاوزت خمسين سنة وارتفع عنها الحيض، فلا عدّة عليها، ولا عدّة على القرشية إن تجاوزت الستين.

____________________

(١) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ٣٣٠.

(٢) تهذيب الأحكام ٨: ٤٥.

٩٥

وإن كانت حاملاً، فعدّتها أن تضع حملها، ولو وضعته بعد الطلاق بساعة واحدة أو أقلّ (١) .

وإن مضت ثلاثة أشهر، ولم تضع الحمل بانت من مطلّقها، ولكن لا يجوز لها الزواج إلاّ بعد وضع الحمل (٢) .

ولا عدّة على غير المدخول بها (٣) .

وإذا طلّق الغائب زوجته، ثمّ ورد الخبر عليها بذلك، فعدّتها تكون من يوم طلاقها، فإذا ورد الخبر عليها بعد أن حاضت ثلاث حيضات، فقد خرجت من عدّتها، ولا عدّة عليها بعد ذلك (٤) .

وقد بيّن تعالى مدة العدّة في الأوضاع المختلفة في سورة الطلاق.

أحكام العدة:

يجب على المعتدّة في الطلاق الرجعي ملازمة منزل زوجها، ولا تخرج منه إلاّ بإذنه، ولا يجوز له إخراجها من منزله إلاّ أن تؤذيه، أو تأتي في منزله ما يوجب الحدّ، فيخرجها لإقامة الحدّ ويردّها إليه.

ولا يجوز لها المبيت إلاّ في منزله.

ويجوز لها استخدام الزينة في أثناء العدّة (٥) .

____________________

(١) المقنعة: ٥٣٢. والصراط القويم: ٢٢٦.

(٢) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ٣٢٥.

(٣) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ٣٢٤.

(٤) المقنعة: ٥٣٥.

(٥) الكافي في الفقه: ٣١٢.

٩٦

قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ... ) (١) .

ويجب على الزوج المطلِّق أن ينفق عليها ما دامت في عدّتها منه (٢) .

ومَن طلّق زوجته المدخول بها، لم يجز له العقد على أُختها حتى تنتهي العدّة (٣) .

ومَن كان عنده أربع زوجات فطلّق واحدة منهنَّ، لا يجوز له العقد على امرأة أُخرى حتى تخرج المطلّقة من عدّتها (٤) .

والأحكام الواردة في العدّة لو طبقت كما أرادتها الشريعة الإسلامية، فإنّها تخلق فرصاً جديدة للمصالحة والعودة إلى الحياة الزوجية، فمجرد وجود المطلّقة في منزل مطلِّقها، وسكنها معه ثلاثة أشهر عامل مساعد في إمكان العودة، وإعادة النظر في استئناف حياة جديدة، وتجاوز مشاكل وتعقيدات الماضي، وإذا كان للمطلّقة بنين وبنات فستكون إعادة العلاقة الزوجية أيسر وأسهل.

عدّة الوفاة:

يجب على مَن مات زوجها العدّة، وهي أربعة أشهر وعشرة أيام، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ

____________________

(١) سورة الطلاق: ٦٥ / ١.

(٢) المقنعة: ٥٣٣.

(٣) المقنعة: ٥٣٦ - ٥٣٧.

(٤) المقنعة: ٥٣٦.

٩٧

وَعَشراً... ) (١) .

ويجب على المرأة إضافةً إلى العدّة أن تحتدّ.

والحِداد: هو امتناعها من الزينة بالكحل والامتشاط والخِضاب، ولبس المصبوغ والمنقوش، وما جرى مجرى ذلك من ضروب الزينة (٢) ، وتمتنع من الطيب كلّه (٣) .

ويجوز لها المبيت حيث شاءت (٤) في منزلها أو في منزل آخر.

ويبدأ الحِداد والعدّة من يوم بلغها خبر موت زوجها، وإن كان متوفى منذ مدة طويلة، قال الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): (المتوفى عنها زوجها تعتدّ حين يبلغها؛ لأنّها تريد أن تحتدّ له) (٥) .

وما دامت المرأة ملتزمةً بالحِداد، فلها الحق في زيارة الناس وأداء الحج، روي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في المتوفى عنها زوجها، أتحجّ وتشهد الحقوق؟ قال: (نعم) (٦) .

ويجوز للرجل التعريض لها بالخطبة أثناء عدّتها وحدادها، ولا يجوز له التصريح بالخطبة (٧) كما تقدّم.

____________________

(١) سورة البقرة: ٢ / ٢٣٤.

(٢) الانتصار: ٣٤٥. والصراط القويم: ٢٢٦.

(٣) المقنعة: ٥٣٥.

(٤) الكافي في الفقه: ٣١٣.

(٥) تهذيب الأحكام ٨: ١٦٣.

(٦) الكافي ٦: ١١٦.

(٧) المبسوط ٤: ٢١٧.

٩٨

قال تعالى: ( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) (١) .

____________________

(١) سورة البقرة: ٢ / ٢٣٥.

٩٩

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

أيسر حقّ منها: أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك.

ومنها: أن تجتنب سخطه، وتتّبع مرضاته، وتطيع أمره.

ومنها: أن لا تشبع ويجوع، ولا تروى ويظمأ، ولا تلبس ويعرى.

ومنها: أن تبرّ قسمه، وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته، وإذا علمت أنَّ له حاجةً تبادره إلى قضائها، ولا تلجئه أن يسألكها، ولكن تبادره مبادرةً، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته، وولايته بولايتك) (1) .

وفي رواية أُخرى ذَكر (عليه السلام) جملةً من الحقوق فقال: (إنَّ من حقّ المؤمن على المؤمن: المودّة له في صدره، والمواساة له في ماله، والخَلف له في أهله، والنُصرة له على مَن ظلمه، وإن كان نافلةً في المسلمين وكان غائباً أخذ له بنصيبه، وإذا مات الزيارة في قبره، وأن لا يظلمه، وأن لا يغشّه، وأن لا يخونه، وأن لا يخذله، وأن لا يكذب عليه، وأن لا يقول له أفّ..) (2) .

ومن الحقوق أن يناصح المؤمن غيره من المؤمنين، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه) (3) .

ومن الحقوق: صدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وحُسن الخُلق، والقُرب من الناس، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أقربكم مني غداً في

____________________

(1) الكافي 2: 169.

(2) الكافي 2: 171.

(3) الكافي 2: 208.

١٢١

الموقف أصدقكم للحديث، وآداكم للأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس) (1) .

ومن الحقوق تحكيم الأواصر المشتركة في العلاقات، والتعامل من خلال الأُفق الواسع الذي يجمع الجميع في أُطر ونقاط مشتركة، ونبذ جميع الأواصر الضيّقة، فحرّم الإسلام التعصّب للعشيرة أو القومية، ودعا إلى إزالة جميع المظاهر التي تؤدّي إلى التعصّب المقيت، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليس منّا مَن دعا إلى عصبية، وليس منّا مَن قاتل على عصبية، وليس منّا مَن مات على عصبية) (2) .

ومن أهم الحقوق إصلاح ذات البين؛ لأنّه يؤدي إلى علاج كثير من الممارسات السلبية، التي تفكّك أواصر الإخاء، وتستأصل الوِئام في أجوائه، لذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام) (3) .

حقوق المجتمع في رسالة الحقوق:

وضع الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) في رسالة الحقوق منهجاً متكاملاً، في خصوص الحقوق الاجتماعية المترتبة على الفرد، باعتباره جزءً من الأُسرة ومن المجتمع، وممّا ورد في قوله (عليه السلام): (وأمّا حق أهل ملّتك عامة: فإضمار السلامة، ونشر جناح الرحمة، والرِّفق بمسيئهم، وتألّفهم، واستصلاحهم، وشكر محسنهم إلى نفسه واليك، فإنّ إحسانه إلى نفسه

____________________

(1) تحف العقول: 32.

(2) كنز العمال 3: 510 / 7657.

(3) ثواب الأعمال: 178.

١٢٢

إحسانه إليك، إذا كفّ عنك أذاه وكفاك مؤونته، وحبس عنك نفسه، فعمّهم جميعاً بدعوتك، وانصرهم جميعاً بنصرتك.

وأنزلهم جميعاً منك منازلهم؛ كبيرهم بمنزلة الوالد، وصغيرهم بمنزلة الولد، وأوسطهم بمنزلة الأخ، فمَن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة، وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه.

وأمّا حق أهل الذمّة، فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قِبل الله، وتفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده، وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم وأُجبروا عليه، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك، فيما جرى بينك وبينهم من معاملة، وليكن بينك وبين ظلمهم، من رعاية ذمة الله، والوفاء بعهده، وعهد رسوله، حائل، فإنّه بلغنا أنّه قال: مَن ظلم معاهداً كنت خصمه) (1) .

الآثار الايجابية لمراعاة حقوق المجتمع:

فيما يلي نستعرض بعض الروايات التي وردت في ثواب مَن راعى حقوق أفراد المجتمع.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مَن ردّ عن عِرض أخيه المسلم وجبت له الجنة البتة) (2) .

وقال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (مَن كفّ عن أعراض الناس كفّ الله عنه عذاب يوم القيامة، ومَن كفّ غضبه عن الناس أقاله الله نفسه يوم

____________________

(1) تحف العقول: 195 - 196.

(2) ثواب الأعمال / الصدوق: 175، مكتبة الصدوق، طهران 1391 هـ.

١٢٣

القيامة) (1) .

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (أربع مَن كنّ فيه بنى الله له بيتاً في الجنّة: مَن آوى اليتيم، ورحم الضعيف، وأشفق على والديه، ورفق بمملوكه) (2) .

وقال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (مَن أطعمَ مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومَن سقى مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، ومَن كسا مؤمناً كساه الله من الثياب الخضر) (3) .

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (البرّ والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة سوء) (4) .

ولمراعاة الحقوق الاجتماعية مزيد من الآثار الايجابية، التي تنعكس على الفرد والأسرة والمجتمع في دار الدنيا والآخرة، وردت في كتب الحديث، سيّما في كتاب (ثواب الأعمال) للشيخ الصدوق، لا مجال لذكرها جميعاً في هذا المختصر.

____________________

(1) ثواب الأعمال: 161.

(2) ثواب الأعمال: 161.

(3) ثواب الأعمال: 164.

(4) ثواب الأعمال: 169.

١٢٤

الفصل السادس

أحكام العلاقة بين الجنسينِ

سنكرّس البحث في هذا الفصل عن أحكام العلاقات بين الرجل والمرأة، والتي ينبغي أن تكون منسجمةً مع أُسس وقواعد المنهج الإسلامي، الذي رسم لها هدفاً بيّناً، وحدّد لها طريقاً معلوماً، فلم يتركها للنزوة العارضة والرغبة الغامضة، والفلتة التي لا تستند إلى موازين ثابتة، بل أراد لها أن تكون على مستوى الأمانة العظيمة التي أناطها الله تعالى ببني الإنسان، فقد جعلها علاقة سكن للنفس، وطمأنينة للروح، وراحة للجسد، ثمّ ستراً، وإحصاناً، وصيانةً، ثمّ مزرعةً للنسل، وامتداداً للحب والودّ.

فقد تعامل مع الجنسينِ على أساس الفطرة، مراعياً الحاجات المادية والروحية، بلا إفراط ولا تفريط، فحرّم جميع مظاهر وألوان العلاقات المخالفة للنزاهة والعفّة، والمؤدية إلى الانحراف والانزلاق والشذوذ؛ لكي يأخذ الجنسان نصيبهما في إصلاح النفس والأُسرة والمجتمع.

وقد جعلنا هذا الفصل ضمن آداب الأُسرة؛ لأنّ الغالب في عصرنا

١٢٥

الحاضر ابتلاء الأُسر بمثل هذه الأحكام.

أحكام النظر:

النظر إلى الجنس الآخر من قِبل أحد الجنسين تترتب عليه آثار عملية عديدة، ومواقف سلوكية متباينة، قد تؤدي إلى إثارة الشهوة والوقوع في الفتنة.

قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوةَ، وكفى بها لصاحبها فتنة) (1) .

والنظر يؤدّي في أغلب الأحيان إلى الوقوع في شباك إبليس، فتعقب صاحبها الندامة والحسرة، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرةً طويلة) (2) .

والنظر قد يكون مقصوداً وبشهوة فيكون إحدى مقدمات الزنا، قال الإمامان محمد الباقر وجعفر الصادق (عليهما السلام): (ما من أحد إلاّ وهو يصيب حظّاً من الزنا، فزنا العينين النظر، وزنا الفم القُبلة، وزنا اليدين اللّمس، صدّق الفرج ذلك أم كذّب) (3) .

ولأجل الحفاظ على المجتمع من الانحراف، والابتذال، والسقوط، دعا الإسلام المؤمنين والمؤمنات إلى غض البصر، وتجنّب النظر إلى الجنس الآخر، قال تعالى: ( قُلْ لِلمؤمِنينَ يَغُضُّوا من أبصَارِهِم ويَحفظُوا فُرُوجَهم

____________________

(1) مَن لا يحضره الفقيه / الصدوق 4: 18 / 4970، جماعة المدرّسين، ط2، قم 1404 هـ.

(2) الكافي / الكليني 5: 559، دار الكتب الإسلامية، طهران 1403 هـ.

(3) الكافي 5: 559.

١٢٦

ذلكَ أزكَى لَهُم إنَّ اللهَ خَبيرٌ بما يَصنَعُونَ * وَقُل لِلمؤمِناتِ يَغْضُضْنَ مِن أَبصارِهِنَّ ويَحفظنَّ فُرُوجَهُنَّ ولا يُبدِينَ زِينتَهُنَّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنها وليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ على جيُوبهِنَّ... ) (1) .

وفي هذه الآية أمر الله تعالى الجنسينِ بغض البصر، وأمر المرأة بالحجاب بتغطية رأسها ورقبتها، وحفظ مواضع الزينة إلاّ ما ظهر منها كالوجه والكفينِ (2) .

أمّا إظهار الزينة بنفسها فحرام، ولكن المقصود هو مواضع الزينة عند أغلب المفسّرين.

عن مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفراً (عليه السلام)، وسُئل عمّا تظهر المرأة من زينتها، قال: (الوجه والكفيّن) (3) .

والنظر الجائز هو النظرة الأُولى، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا تُتبع النظرة النظرة، فليس لك إلاّ أَوّل نظرة) (4) .

والجمع بين الأدلة في جواز النظر وحرمته، يقيّد بجواز النظرة الأُولى غير المقصودة وغير المتعمدة.

ومعاودة النظر حرام (ولا ينظر الرجل إلى المرأة الأجنبية إلاّ مرةً من غير معاودة...) (5) .

____________________

(1) سورة النور: 24 / 30 - 31.

(2) مجمع البيان / الطبرسي 4: 138، مطبعة العرفان، صيدا 1355 هـ. وجواهر الكلام 29: 75.

(3) الكافي 5: 522.

(4) وسائل الشيعة 20: 193.

(5) اللمعة الدمشقية / محمد مكي العاملي: 183، دار الناصر، ط1، طهران 1406 هـ. وجامع المقاصد 12: 32.

١٢٧

وإنّه لا خلاف في (تحريم نظر المرأة إلى الأجنبي أعمى كان أو مبصراً) (1) .

والنظرة الأُولى مهما كانت أسبابها ودوافعها مقيّدة بعدم التلذّذ والريبة، كأن تقع مصادفةً، أو لضرورة، أو غير ذلك، فالنظرة بتلذّذ وريبة حرام (2) .

المستثنى في جواز النظر إلى غير الوجه والكفين:

هنالك مستثنيات لحرمة النظر يجوز فيها النظر لأشخاص معيّنين مطلقاً، ولحالات ومواقف معيّنة، وجميع هذا الجواز مقيّد بعدم التلذّذ والريبة إلاّ في (الزوجين) (3) .

أَوّلاً: استثناء بعض الأشخاص:

جوّزت الآية المتقدمة لبعض الأشخاص النظر إلى الجنس الآخر كما جاء في قوله تعالى: ( ... وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ) (4) .

تقدم أنّ المراد هو موضع الزينة وليست الزينة نفسها، وموضع الزينة هو الوجه والكفان، فيجوز لأشخاص معيّنين النظر إلى أكثر من الوجه

____________________

(1) الحدائق الناضرة / يوسف البحراني 23: 65. وجامع المقاصد 12: 41 - 42.

(2) المقنعة: 521. والحدائق الناضرة 23: 61.

(3) الحدائق الناضرة 23: 61.

(4) سورة النور: 24 / 31.

١٢٨

والكفيّن، كالشعر وباقي أجزاء الجسد عدا العورة، وهم:

1 - الزوج والأب وأبو الزوج.

2 - الابن وابن الزوج من زوجة ثانية.

3 - الأخ وأبناء الأخ وأبناء الأخت.

ويجوز للرجل النظر إلى زوجته وأُمّه، وأمّ زوجته وبنته، وبنت زوجته من زوج ثانٍ، وأُخته وبنات أخيه وبنات أخته، أي يجوز النظر إلى مطلق المحارم (1) ، وبمعنى آخر لا يتوجب على المذكورات لبس القناع، وتغطية الرأس، وعدم وجوب الحجاب مخصوص بما ذكرته الآية الشريفة.

أمّا ما تعارف عليه عند البعض، وهو عدم الحجاب من أخ الزوج، أو زوج الخالة، أو زوج العمة، أو ابن العم، وابن الخال، ومَن بدرجتهما، أو عدم تحجّب أخت الزوجة، أو زوجة ابن الأخ، أو زوجة ابن الأخت، فهذا لا جواز له؛ لأنّ هذه الأصناف ليست من المحارم، وعدم وجوب الحجاب مخصوص بالمحارم فقط.

ويحرم على المرأة المسلمة أن تتجرّد أمام اليهودية، أو النصرانية، أو المجوسية، إلاّ إذا كانت أَمَةً، أي مملوكةً (2) .

ويجوز تعمّد النظر دون ريبة من قِبل (أولي الإربة)، وهو كما قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (الأحمق الذي لا يأتي النساء) (3) ، وليس له حاجة

____________________

(1) الحدائق الناضرة 23: 61. وجامع المقاصد 12: 33.

(2) مجمع البيان 4: 183.

(3) مجمع البيان 4: 138.

١٢٩

جنسية في النساء.

ويجوز النظر للأطفال الذين لم يعرفوا عورات النساء، ولم يقووا عليها؛ لعدم شهوتهم، وكذلك جواز التبرّج أمامهم، قال الإمام الرضا (عليه السلام): (لا تغطّي المرأة رأسها من الغلام حتى يبلغ) (1) .

ويجوز إدامة النظر إلى البنت الصغيرة، والعجوز المسنّة (2) دون تلذّذ وريبة.

ثانياً: استثناء بعض النساء من غير المحارم:

إنّ علة تحريم النظر الدائم والمتواصل، هو منع مقدمات وأسباب الانحراف، والأمر بعدم النظر موجّه للرجل والمرأة على حدٍّ سواء، ولكنّ الإسلام استثنى بعض النساء، وجوّز النظر إليهنّ دون تلذّذ؛ مراعاةً للأمر الواقع.

فجوّز النظر إلى وجوه وأيدي وشعور نساء أهل الكتاب وأهل الذمة (3) .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهنّ وأيديهنّ) (4) .

ويجوز النظر إلى كلِّ متبرّجة غير متقيّدة بالحجاب الإسلامي، ويجوز النظر غير المتعمّد إلى المجنونة.

____________________

(1) الكافي 5: 533. وجامع المقاصد 12: 33.

(2) الحدائق الناضرة 23: 64.

(3) المقنعة: 521. وجامع المقاصد 12: 31.

(4) الكافي 5: 524.

١٣٠

قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة، والأعراب، وأهل السواد، والعُلُوج لأنّهم إذا نُهوا لا ينتهون).

وقال (عليه السلام): (والمجنونة والمغلوبة على عقلها، ولا بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها ما لم يتعمد ذلك) (1) .

والنظر الجائز مختصّ بنظر الرجال إلى الأصناف المذكورة من النساء، وأن لا يكون نظر شهوة وتلذّذ، ولا يجوز تعميم الحكم للنساء المسلمات بأن ينظرنَ إلى رجال أهل الكتاب.

ثالثاً: استثناء بعض الحالات:

المحرّم في الشريعة يصبح جائزاً عند الضرورة، فالنظر المتبادل بين الرجل والمرأة - سواء كان متوالياً أو متقطعاً - يكون جائزاً في حال الضرورة (2) .

والضرورة قد تكون حاجةً مخفّفةً، وقد تكون ضرورةً شديدة، وجواز النظر عند الحاجة يكون مختصاً بالنظر إلى الوجه واليدين، والحاجة مثل الشهادة للمرأة أو عليها، فلابدّ من رؤية وجهها ليعرفها (3) .

وجواز النظر للحاكم والقاضي من أجل؛ التعرّف عليها للمثول أمامه، أو الحكم عليها (4) .

____________________

(1) الكافي 5: 524.

(2) اللمعة الدمشقية: 183. وجواهر الكلام 29: 89.

(3) المبسوط 4: 161. والحدائق الناضرة 23: 63.

(4) المبسوط 4: 161.

١٣١

وجواز النظر لمَن أُريد التعامل معها، في بيع، وشراء، وإجارة، وغير ذلك من أنواع المعاملات (1) .

والضرورة تبيح جميع المحظورات حتى النظر إلى جسد المرأة، وأفضل مصداق للضرورة، هو حالات العلاج التي قد تكون على أيدي الرجال في حال الاضطرار، أو عدم وجود المِثل - أي المرأة - التي تقوم بنفس دور الطبيب من الرجال، ويشمل ذلك جميع حالات العلاج وما يتوقف عليه من (فصد، وحجامة، ومعرفة نبض العروق، ونحو ذلك) (2) .

وعند الضرورة يجوز النظر إلى أي موضع لا يمكن العلاج إلاّ بعد الوقوف عليه (3) .

روى أبو حمزة الثمالي، عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، قال: سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها، إمّا كسر، أو جِراح، في مكان لا يصلح النظر إليه، ويكون الرجال أرفق بعلاجه من النساء، أيصلح له أن ينظر إليها؟ قال: (إذا اضطرت إليه فيعالجها إن شاءت) (4) .

وهذا يعني جواز إجراء العمليات الجراحية من قِبل الرجال للنساء، ومنها عملية الولادة حيث يطّلع الطبيب فيها على عورة المرأة، وهذا الجواز مشروط بالضرورة، والضرورة تأتي بعد عجز النساء عن علاج المرأة في الولادة، أو عدم توفّر القابلة من النساء.

____________________

(1) المبسوط 4: 161. والحدائق الناضرة 23: 63. وجامع المقاصد 12: 34.

(2) الحدائق الناضرة 23: 63.

(3) راجع المبسوط 4: 161.

(4) الكافي 5: 534.

١٣٢

والقاعدة الكلية في النظر أنّه (يجوز نظر الرجل إلى مِثله ما خلا العورة، والمرأة إلى مِثلها كذلك، والرجل إلى محارمه ما عدا العورة، كل ذلك مقيّد بعدم التلذّذ والريبة إلاّ في الزوجين) (1) .

وشرط عدم التلذّذ والريبة نافذ الحرمة في جميع الحالات، حتى في النظر إلى المحارم كالأخت والخالة، والعمة وزوجة الأب، وبعكسها في النساء أيضاً، كنظر الأخت والخالة، والعمة وزوجة الأب، إلى مقابلها من الرجال.

ويُكره النظر إلى أدبار النساء من خلف الثياب، وإذا كان هذا النظر مصحوباً بالتلذّذ والريبة فهو حرام.

سُئل الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن هذا النظر فقال: (أَما يخشى الذين ينظرون في أدبار النساء أن يبتلوا بذلك في نسائهم) (2) .

____________________

(1) الحدائق الناضرة 23: 61.

(2) الكافي 5: 520.

١٣٣

أحكام متفرّقة في العلاقات العملية

1 - حكم سماع صوت المرأة الأجنبية:

سماع صوت المرأة الأجنبية جائز من قِبل الرجال، وقد دلّت السيرة على جوازه، فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - كما هو متواتر - كان يسمع صوت النساء، وكنّ يسألنه عن شؤون الدين، وقد اشتهر عن الزهراء (عليها السلام) خطبتها في المسجد النبوي الشريف، ومعارضتها لأبي بكر وعمر في خصوص الخلافة، وفدك (1) .

والمحرّم من السماع هو السماع الموجب للّذة والفتنة (2) .

ولذا حرّم الإسلام على المرأة ترقيق القول، وتليين الكلام بالصورة التي تثير الرجال، أو يكون الكلام بنفسه مؤدياً للإثارة؛ لاحتوائه على معانٍ مثيرة، فلابدّ أن يكون الكلام مستقيماً بريئاً من الريبة موافقاً للدين (3) .

قال تعالى: ( ... فلا تَخْضَعْنَ بالقولِ فَيَطمَعَ الَّذي في قَلبهِ مَرضٌ وقُلنَ قَولاً مَّعرُوفاً ) (4) .

____________________

(1) تاريخ الطبري، أحداث سَنة 11 هـ. والإمامة والسياسة. وتاريخ اليعقوبي. والكامل في التاريخ، أحداث سنة 11 هـ.

(2) الحدائق الناضرة 23: 66 - 67. وجامع المقاصد 12: 43.

(3) مجمع البيان 4: 356.

(4) سورة الأحزاب: 33 / 32.

١٣٤

2 - حكم مصافحة المرأة الأجنبية:

يحرم مصافحة المرأة الأجنبية مباشرةً، ويجوز من وراء الثياب بأن يكون عازلاً بين اليدين، بشرط أن لا يغمز كفّها، فإنّ غمز الكفّ من المحرّمات، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (لا يحلّ للرجل أن يصافح المرأة، إلاّ امرأة يحرم عليه أن يتزوّجها: أخت أو بنت، أو عمة أو خالة، أو ابنة أُخت أو نحوها، فأمّا المرأة التي يحلُّ له أن يتزوجها، فلا يصافحها إلاّ من وراء الثوب ولا يغمز كفّها) (1) .

فالمصافحة حرام بين الرجل والمرأة، ويمكن للإنسان الذي يعيش في أوساط الاختلاط، أو في مجتمعات غير إسلامية أن يصافح من وراء الثياب؛ دفعاً للحرج الذي يواجهه.

3 - حكم الخلوة بالمرأة الأجنبية:

حرّم الإسلام الاختلاء بالمرأة الأجنبية التي يحلُّ له أن يتزوجها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يخلونّ رجل بامرأة، فإنّ ثالثهما الشيطان) (2) .

وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (فيما أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من البيعة على النساء... ولا يقعدنّ مع الرجال في الخلاء) (3) .

والاختلاء يعني الانفراد في مكان خالٍ من الناس، في موضع واحد لا يصله أحد، مع عدم الأمن من الفساد؛ لأنّ الاختلاء يؤدّي إلى إثارة

____________________

(1) الكافي 5: 525. وجامع المقاصد 12: 44.

(2) مستدرك الوسائل 14: 266.

(3) الكافي 5: 519.

١٣٥

الشهوة، وتيسير مقدمات الانحراف، وقد اعتاد البعض على ترك الأخ مع الزوجة، أو ابن الأخ مع زوجة العم، أو ما شابه ذلك، وهو من الأمور التي حرّمتها الشريعة إلاّ في حالات الضرورة القصوى.

4 - حكم مشي المرأة في الطريق:

من الأفضل للمرأة أن لا تمشي وسط الطريق، وإنّما في جانبه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليس للنساءِ من سَرَوات الطريق شيء، ولكنّها تمشي في جانب الحائطِ والطريقِ) (1) .

5 - حكم الدخول على النساء:

أوجب الإسلام الاستئذان في حالة دخول الرجل على المرأة، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدخل الرجال على النساء إلاّ بإذنهنّ).

وفي رواية (أن يدخل داخل على النساء إلاّ بإذن أوليائهنّ) (2) .

فالاستئذان واجب، وهو حق شخصي للمرأة من جهة، وهو يحول عن الوقوع في ما هو حرام على الرجال من جهة أُخرى، فطلب الإذن يتيح للمرأة الفرصة لارتداء حجابها، وبذلك يتجنّب الرجل النظرة المحرّمة.

ويجوز للعبيد المملوكين لمرأة معيّنة أو الأطفال الدخول على المرأة المالكة في أي وقت؛ لأنّ الاستئذان المتكرّر يولّد الحرج في مسألة

____________________

(1) الكافي 5: 518.

(2) الكافي 5: 528.

١٣٦

الخدمة (1) ، واستثنى الإسلام ثلاث أوقات، فلا يباح لهم الدخول إلاّ بعد الاستئذان، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ.... ) (2) .

أمّا إذا بلغ الطفل الحُلُم فيجب عليه الاستئذان عند الدخول، على أيّة امرأة وإن كانت محرّمةً عليه قال تعالى: ( وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا... ) (3) .

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (ومَن بلغ الحُلُم فلا يلج على أُمّه، ولا على أُخته، ولا على خالته، ولا على سوى ذلك، إلاّ بإذن...) (4) .

وقال (عليه السلام): (يستأذن الرجل إذا دخل على أبيه، ولا يستأذن الأب على الابن، ويستأذن الرجل على ابنته وأُخته إذا كانتا متزوجتين) (5) .

فالاستئذان حقّ يجب العمل به؛ لكي لا يفاجأ الداخل المرأة وهي في حالة لم تكن متهيّئةً لاستقباله.

6 - حكم تشبّه الرجال بالنساء وبالعكس:

خلق الله تعالى الإنسان ذكراً وأنثى، ووضع لكل جنس خصوصياته،

____________________

(1) مجمع البيان 4: 154.

(2) سورة النور: 24 / 58.

(3) سورة النور: 24 / 59.

(4) الكافي 5: 529.

(5) الكافي 5: 528.

١٣٧

التي تميّزه عن غيره من الحركة والسكون، ومن الاندفاع نحو ممارسة معيّنة والانكماش عنها؛ ولذا فمن الواجب على الجنسين أن يحافظ كل منهما على خصوصياته المميّزة له، في كلامه وجلوسه ومشيته، ولباسه وعاداته وتقاليده؛ لذا حرّم الإسلام تشبّه أحد الجنسين بالجنس الآخر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء، والمتشبّهات من النساء بالرجال) (1) .

وتشديداً على الحرمة قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أخرجوهم من بيوتكم فإنّهم أقذر شيء) (2) .

وأعراف المجتمع وتقاليده هي التي تشخّص وتحدّد طبيعة التشبّه، وهو قد يختلف من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر.

7 - حكم العلاقة مع الصبيان قبل البلوغ:

وضع الإسلام بعض الأُسس والقواعد السلوكية؛ لوقاية الإنسان من الانحراف، وتهذيب ممارساته عن طريق التمرّن، والتدريب، ومجاهدة النفس؛ لتكون له حصانة من الانزلاق، ولهذا وضع الإسلام أحكام الاستحباب والكراهة لهذا الغرض، فمن المستحسن للإنسان المسلم أن يداوم على المستحبات، ويتجنّب المكروهات وإن كانت جائزةً، ومن هذه المكروهات التي نهى عنها الإسلام، هي تقبيل الصبي من قِبل المرأة، وتقبيل الصبيّة من قِبل الرجل من غير محارمه، فهو مكروه إن كان بدون شهوة، ومحرّم إن كان بشهوة.

____________________

(1) علل الشرائع / الصدوق: 602، دار إحياء التراث العربي، ط2، بيروت 1385 هـ.

(2) علل الشرائع / الصدوق: 602، دار إحياء التراث العربي، ط2، بيروت 1385 هـ.

١٣٨

عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): إنّ بعض بني هاشم دعاه مع جماعة من أهله، فأتى بصبيّة له، فأدناها أهل المجلس جميعاً إليهم، فلمّا دنت منه سأل عن سنّها، فقيل: (خمس سنين، فنحّاها عنه) (1) .

وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (إذا بلغت الجارية ستّ سنين، فلا ينبغي لك أن تقبّلها) (2) .

وقال (عليه السلام): (إذا بلغت الجارية ستّ سنين فلا يقبّلها الغلام، والغلام لا يقبّل المرأة إذا جاز سبع سنين) (3) .

فمن المستحسن عدم تعويد الصبيان على هذه الممارسات؛ لكي لا يشبّوا عليها؛ لأنّهم سوف لا يجدون حرجاً منها عند بلوغهم، وقد أثبت الواقع صحة ذلك، فكثير من الانحرافات عند البلوغ تكون مستشريةً بين النساء أو الرجال، الذين واجهوا مثل هذه الممارسات في مرحلة الصبا.

وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين

____________________

(1) الكافي 5: 533.

(2) تهذيب الأحكام 7: 481. والكافي 5: 533.

(3) وسائل الشيعة 20: 230 / 25502.

١٣٩

الفهرس

مقدمة المركز 5

المقدِّمة 7

الفصل الأَوّل: مقدمات تشكيل الأُسرة 11

معنى الأُسرة: 11

استحباب النكاح وأهميته: 12

كراهية العزوبة: 14

استحباب السعي في النكاح: 15

استحباب الدعاء للنكاح: 16

اختيار الزوجة: 17

اختيار الزوج: 21

الكفاءة في الزوج: 22

الأحكام المتعلّقة بالخطبة: 24

استحباب الخطاب أثناء الخطبة: 25

أحكام خطبة المرأة ذات العِدّة: 26

المهر والصَداق: 27

حكم ما يأخذه الأب: 29

الفصل الثاني: الأحكام العملية لبناء الأُسرة 31

صيغة العقد: 31

الإشهاد في العقد: 32

شروط العقد الذاتية والإضافية: 33

أولياء العقد: 34

المحلّل والمحرّم في النكاح: 35

مراسيم الزواج: 39

١٤٠

141

142