عقائد الإمامية

عقائد الإمامية22%

عقائد الإمامية مؤلف:
الناشر: محمّد رضا المظفر
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 176

عقائد الإمامية
  • البداية
  • السابق
  • 176 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52890 / تحميل: 6201
الحجم الحجم الحجم
عقائد الإمامية

عقائد الإمامية

مؤلف:
الناشر: محمّد رضا المظفر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

٣٠ - عقيدتنا في عدد الاَئمّة

ونعتقد: أنّ الاَئمّة الذين لهم صفة الامامة الحقّة، هم مرجعنا في الاَحكام الشرعية، المنصوص عليهم بالامامة اثنا عشر إماماً، نصّ عليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جميعاً بأسمائهم(١) ثمّ نصّ المتقدّم منهم على من بعده، على النحو الآتي:

____________________

(١) انظر إكمال الدين: ٢٥٠ - ٢٥٦ ح١ - ٤، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام : ١/٤١ - ٥١ ح٢ - ١٦، امالي الطوسي: ١/٢٩١ ح٥٦٦/ ١٣، فرائد السمطين: ٢/١٣٢ ح٤٣١ و١٣٦ ح٤٣٥ و٣١٣ ح٥٦٤.

وقد ورد في روايات كثيرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نقلها المحدثون من أبناء العامة قال فيها النبي بأنّ الخلفاء من بعده اثنا عشر خليفة، وأنّهم كلهم من قريش. فمنها ما نقله جابر بن سمرة حيث قال: «كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعته يقول: بعدي اثنا عشر خليفة، ثم أخفى صوته، فقلت لاَبي: ما الذي أخفى صوته؟ قال: قال: كلّهم من بني هاشم». وغير هذه الرواية الكثير الكثير.

انظر: مسند أحمد: ٥/٨٩ و٩٠ و٩٢، مستدرك الحاكم: ٤/٥٠١، مجمع الزوائد: ٥/١٩٠، كنز العمال: ٦/٢٠١ و٢٠٦، صحيح البخاري: ٩/١٠١، صحيح مسلم: ٢/١٩٢، تاريخ الخلفاء: ١٠، سنن الترمذي: ٢/٣٥، ينابيع المودة: ٤٤٤. وغيرها كثير.

١٠١

ت

الكنية

الاسم

اللقب

سنة الولادة

سنة الوفاة

١

أبوالحسن

علي بن أبي طالب

المرتضى

٢٣ق. ه

٤٠ ه

٢

أبو محمد

الحسن بن علي

الزكي

٢ ه

٥٠ ه

٣

أبو عبدالله

الحسين بن علي

سيد الشهداء

٣ ه

٦١ ه

٤

أبو محمد

علي بن الحسين

زين العابدين

٣٨ ه

٩٥ ه

٥

أبو جعفر

محمد بن علي

الباقر

٥٧ ه

١١٤ ه

٦

أبو عبدالله

جعفر بن محمد

الصادق

٨٣ ه

١٤٨ ه

٧

أبو ابراهيم

موسى بن جعفر

الكاظم

١٢٨ ه

١٨٣ ه

٨

أبو الحسن

علي بن موسى

الرضا

١٤٨ ه

٢٠٣ ه

٩

أبو جعفر

محمد بن علي

الجواد

١٩٥ ه

٢٢٠ ه

١٠

أبو الحسن

علي بن محمد

الهادي

٢١٢ ه

٢٥٤ه

١١

أبو محمد

الحسن بن علي

العسكري

٢٣٢ ه

٢٦٠ ه

١٢

أبو القاسم

محمد بن الحسن

المهدي

٢٥٦ ه

....

وهو الحجة في عصرنا، الغائب المنتظر، عجل الله فرجه، وسهل مخرجه؛ ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

١٠٢

٣١ - عقيدتنا في المهديّ

إنّ البشارة بظهور المهديّ من ولد فاطمة في آخر الزمان - ليملأ الاَرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً - ثابتة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتواتر، وسجَّلها المسلمون جميعاً فيما رووه من الحديث عنه على اختلاف مشاربهم(١) . وليست هي بالفكرة المستحدَثة عند الشيعة دفع إليها انتشار الظلم والجور، فحلموا بظهور من يطهِّر الاَرض من رجس الظلم، كما يريد أن يصوّرها بعض المغالطين غير المنصفين(٢) .

ولولا ثبوت فكرة المهدي عن النبي على وجه عرفها جميع المسلمين، وتشبَّعت في نفوسهم واعتقدوها لما كان يتمكّن مدّعو المهدية في القرون الاَولى - كالكيسانية(٣) والعباسيين، وجملة من العلويين وغيرهم - من خدعة الناس، واستغلال هذه العقيدة فيهم طلباً للملك والسلطان، فجعلوا

____________________

(١) انظر الغيبة للطوسي: ١٨٧/١٤٨، العمدة لابن البطريق: ٤٣٣ ح٩٠٩ و٤٣٦ ح٩٢٠. إثبات الهداة: ٣/٥٠٤ ح٣٠٣ - ٣٠٤، سنن أبي داود: ٤/١٠٧ ح٤٢٨٤، سنن ابن ماجه: ٢/١٣٦٨ ح٤٠٨٦، وكافة أحاديث الباب ٣٤ من كتاب الفتن، مستدرك الحاكم: ٤/٥٥٧، المعجم الكبير للطبراني: ٢٣/٢٦٧ ح٥٦٦، كفاية الطالب: ٤٨٦، كنز العمال: ١٤/٢٦٤ ح٣٨٦٦٢، سنن الترمذي: ٤/٥٠٥، البيان في اخبار صاحب الزمان: ٤٧٩، الحاوي للفتاوي: ٢/٥٨، البرهان في علامات المهديعليه‌السلام : ٩٤.

(٢) ولعل من هؤلاء المغالطين الدكتور رونلدسون الذي يقول: (إنّ من المحتمل جدّاً أنّ الفشل الظاهر الذي أصاب المملكة الاسلامية في توطيد أركان العدل والتساوي على زمن دولة الاَمويين - ٤١ إلى ١٣٢ ه- - كان من الاسباب لظهور فكرة المهدي آخر الزمان). راجع: عقيدة الشيعة: ٢٣١.

(٣) الكيسانية: فرقة أجتمعت على القول بإمامة محمد بن الحنفية. وقال بعضهم: إنّ محمد بن

=

١٠٣

ادعا هم المهدية الكاذبة طريقاً للتأثير على العامة، وبسط نفوذهم عليهم.

ونحن مع ايماننا بصحة الدين الاسلامي، وأنه خاتمة الأديان الإلهية، ولا نترقب ديناُ آخر لإصلاح البشر، ومع ما نشاهد من انتشار الظلم،

____________________

=

الحنفية هو الامام بعد أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ لاَنّ الامام علياًعليه‌السلام دفع إليه الراية يوم الجمل وقال له:

اطعنهم طعن أبيك تحمدِ

لا خير في الحرب إذا لم تزبد

وقال آخرون منهم: إنّ الامام بعد عليعليه‌السلام كان الحسن ثم الحسينعليهما‌السلام ثم صار هو الامام بعد ذهاب الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة قبل واقعة كربلاء.

وزعم قوم منهم بأنّ محمد بن الحنفية حي لم يمت وهو المهدي المنتظر وهذا هو ما أشار إليه المصنّف هنا.

وذهب آخرون إلى الاقرار بموته وأنّ الامام بعده علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام .

ومنهم من قال برجوع الامامة بعده إلى أبي هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية، واختلف هؤلاء بالامامة بعده، فمنهم من نقلها إلى محمد بن علي بن عبدالله، ومنهم من زعم أنّ الامامة بعده صارت إلى بيان بن سمعان، وزعموا أنّ روح الله كانت في أبي هاشم ثمّ انتقلت إلى بيان هذا.

وقيل: إنّما سمّوا بالكيسانية لاَنّ المختار بن أبي عبيد الثقفي كان رئيسهم، وكان يلقب ب- «كيسان»؛ لاَنّ صاحب شرطته (أبو عمرة) كان اسمه كيسان وكان أفرط في الفعل والقول والقتل من المختار.

هذا على أنّ اعتقاد الامامية - وهو الرأي الراجح عندهم - أنّ المختار كان ذو عقيدة صحيحة، وكان يدعو إلى امامة الامام السجّاد علي بن الحسينعليه‌السلام ، وقد ورد مدحه على لسان الامام السجادعليه‌السلام ، وكذا ابنه الامام الباقرعليه‌السلام ، وكذا ولده الامام الصادقعليه‌السلام . كما وتواتر الثناء عليه والذب عنه عند علماء الشيعة ولم يغمزه إلاّ شذاذ منهم. وما نُبز به المختار من القذائف فهو مفتعل عليه وضعه أعداؤه تشويهاً لسمعته؛ لاَنّه هو الذي قام بأخذ الثأر للاِمام الحسينعليه‌السلام وقتل الذين قاموا بقتله هو وأهل بيته في واقعة كربلاء المفجعة، وقد قام علماء الامامية وغيرهم بتأليف كتب مخصوصة في حياة المختار وسيرته وأعماله. راجع: الملل والنحل: ١/١٣١، الفرق بين الفرق: ٣٨، فرق الشيعة: ٢٣.

١٠٤

واستشراء الفساد في العالم على وجه لا تجد للعدل والصلاح موضع قدم في الممالك المعمورة، ومع ما نرى من انكفاء المسلمين أنفسهم عن دينهم، وتعطيل أحكامه وقوانينه في جميع الممالك الاسلامية، وعدم التزامهم بواحد من الاَلف من أحكام الاسلام، نحن مع كل ذلك لا بدَّ أن ننتظر الفرج بعودة الدين الاسلامي إلى قوّته وتمكينه من إصلاح هذا العالم المنغمس بغطرسة الظلم والفساد.

ثمّ لا يمكن أن يعود الدين الاسلامي إلى قوَّته وسيطرته على البشر عامة(١) ، وهو على ما هو عليه اليوم وقبل اليوم من اختلاف معتنقيه في قوانينه وأحكامه وفي افكارهم عنه، وهم على ما هم عليه اليوم وقبل اليوم من البدع والتحريفات في قوانينه والضلالات في ادّعاءاتهم.

نعم، لا يمكن أن يعود الدين إلى قوّته إلاّ إذا ظهر على رأسه مصلح عظيم، يجمع الكلمة، ويرد عن الدين تحريف المبطلين، ويُبطل ما أُلصق به من البدع والضلالات بعناية ربّانية وبلطف إلهي؛ ليجعل منه شخصاً هادياً مهدياً، له هذه المنزلة العظمى، والرئاسةالعامّة، والقدرة الخارقة؛ ليملأ الاَرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

والخلاصة؛ أنّ طبيعة الوضع الفاسد في البشر البالغة الغاية في الفساد والظلم - مع الايمان بصحّة هذا الدين، وأنّه الخاتمة للاَديان - يقتضي انتظار هذا المصلح المهدي لانقاذ العالم ممّا هو فيه.

ولاَجل ذلك آمنت بهذا الانتظار جميع الفرق المسلمة، بل الاَمم من غير المسلمين، غير أنّ الفرق بين الاِمامية وغيرها هو أنّ الامامية تعتقد أنّ

____________________

(١) لكي يتحقق قوله تعالى - وقوله الحق - :( هُوَ الّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِره عَلَى الْدِّين كُلِّهِ ) التوبة ٩: ٣٣ والفتح ٤٨: ٢٨ والصف ٦١: ٩.

١٠٥

هذا المصلح المهدي هو شخص معيَّن معروف ولد سنة ٢٥٦ هجرية ولا يزال حياً؛ هو ابن الحسن العسكري واسمه (محمد)، وذلك بما ثبت عن النبي وآل البيت من الوعد به(١) ، وما تواتر عندنا من ولادته واحتجاجه.

ولا يجوز أن تنقطع الاِمامة وتحول في عصر من العصور(٢) وإن كان الامام مخفياً؛ ليظهر في اليوم الموعود به من الله تعالى، الذي هو من الاَسرار الاِلهية التي لا يعلم بها إلا هو تعالى.

ولا يخلو من أن تكون حياته وبقاؤه هذه المدّة الطويلة معجزة جعلها الله تعالى له، وليست هي بأعظم من معجزة أن يكون إماماً للخلق وهو ابن خمس سنين يوم رحل والده إلى الرفيق الاَعلى(٣) ، ولا هي باعظم من معجزة

____________________

(١) حيث تواترت الروايات والاَخبار عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الاَئمةعليهم‌السلام بظهور المهدي من ولد فاطمة، وانه سيملأ الاَرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً كما مر سابقاً.

وقد ذكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر ما نصه: (إنّ فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الاَفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الاَعظم عموماً، وفي روايات أئمة أهل البيت خصوصاً، وأكّدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشك، ولقد اُحصي أربعمائة حديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من طرق إخواننا أهل السنة، كما اُحصي مجموع الاَخبار الواردة في الامام المهدي من طرق الشيعة والسنة فكان أكثر من ستة آلاف رواية. هذا رقم احصائي كبير لا يتوفّر نظيره في كثير من قضايا الاسلام البديهية التي لا شك فيها لمسلم عادة). بحث حول المهدي: ٦٣.

(٢) لما مرّ سابقاً من أنّ الاَرض لا تخلو عن حجة.

(٣) فقد ورد في الروايات الكثيرة أنّ الامام العسكريعليه‌السلام توفّي في عام ٢٦٠، وكان عمر الامام المهدي عندها خمس سنين وقام بأعباء الامامة.

ويدلّ على ذلك ما ورد من رواية أبي الاَديان، الذي كان يخدم الامام العسكريعليه‌السلام فأرسله الامام عند مرضهعليه‌السلام لينقل بعض الكتب إلى المدائن، وقال له: إنّك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل في اليوم الخامس عشر إلى سر من رأى فتسمع

=

١٠٦

عيسى إذ كلَّم الناس في المهد صبياً، وبعث في الناس نبياً(١) .

وطول الحياة أكثر من العمر الطبيعي - أو الذي يتخيّل أنّه العمر الطبيعي - لا يمنع منها فن الطب ولا يحيلها، غير أنّ الطب بعد لم يتوصّل إلى ما يمكّنه من تعمير حياة الانسان، وإذا عجز عنه الطب فانّ الله تعالى قادر على كلّ شيء، وقد وقع فعلاً تعمير نوح(٢) ، وبقاء عيسى(٣) عليهما

____________________

=

الواعية. فسأله أبو الاَديان حينها عن الامام بعده فقالعليه‌السلام له إنّه الذي يطالبك بجواباتي ويصلي عليَّ ويخبرك بما في الهميان الذي معك. ثمّ تحقّق كل الذي قاله الامامعليه‌السلام ، ورجع أبو الاَديان فكان الذي طالبه بالجوابات هو الامام المهدي، وهو الذي صلّى على أبيهعليه‌السلام - بعد أن أبعد عمّه - ثم أخبر أبا الاديان بما في الهميان الذي معه، كما اخبر جماعة آخرين بما عندهم من أُمور لم يطّلع عليها أحد غيرهم. وكان عمره إذ ذاك خمس سنين.

راجع: إكمال الدين وإتمام النعمة: ٢/ ٤٧٦، بحار الأنوار: ٥٠/ ٣٣٢ ح ٤. وراجع أيضاً: تاريخ الغيبة الصغرى: ٢٨٢ وما بعدها.

(١) اشارة إلى قوله تعالى في عيسى بن مريمعليه‌السلام وهو يحكي قصته، حيث قال بنو اسرائيل لمريم حين أتت به تحمله:( يَأُخْتَ هرونَ مَا كَانَ أَبوُكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغيِّاً* فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ في المْهدِ صَبِيّاً* قَالَ إِنَّي عَبْدُاللهِ ءاتانِي الكِتبَ وَجَعَلَنِي نَبيّاَ ) مريم ١٩: ٢٨ - ٣٠.

(٢) حيث قال تعالى في نوحعليه‌السلام :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلاّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الْطُّوفَانُ وَهُمْ ظَلِموُنَ ) العنكبوت ٢٩: ١٤. ومن الثابت أنّ هذه الفترة - الف سنة إلاّ خمسين عاماً - هي فقط فترة بقائه في قومه يعظهم، أما عمره فقد قيل: إنّه على أقل التقديرات ألف وستمائة سنة، وقيل أكثر.. إلى ثلاث آلاف سنة.

راجع: تفسير الكشاف: ٣/٢٠٠، تفسير ابن كثير: ٣/٤١٨، زاد المسير لابن الجوزي: ٦/٢٦١.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى:( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْن مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبوُهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الّذِينَ اخْتَلَفوُا فِيهِ لَفِي شَكٍ مِنْهُ مَا لَهُمْ بهِ مِنْ عِلْم إِلاّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَمَا قَتلُوهُ يَقِيناً* بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِليْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاَ حَكِيماً ) النساء ٤: ١٥٧ - ١٥٨. وهذا من الامور المسلّمة القطعية عند كافّة المسلمين؛ حيث أنّه لو تسرّب الشك إلى هذا الامر

=

١٠٧

السلام كما أخبر عنهما القرآن الكريم... ولو شك الشاك فيما أخبر به القرآن فعلى الاسلام السلام.

ومن العجب أن يتساءل المسلم عن إِمكان ذلك وهو يدّعي الايمان بالكتاب العزيز!!

وممّا يجدر أن نذكره في هذا الصدد، ونذكِّر أنفسنا به أنّه ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ المهدي أن يقف المسلمون مكتوفي الاَيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والاَخذ بأحكامه، والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

بل المسلم أبداً مكلَّف بالعمل بما أُنزل من الاَحكام الشرعية، وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة، وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ما تمكَّن من ذلك وبلغت إليه قدرته «كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته»(١) .

فلا يجوز له التأخّر عن واجباته بمجرد الانتظار للمصلح المهدي، والمبشّر الهادي؛ فإنّ هذا لا يسقط تكليفاً، ولا يؤجِّل عملاً، ولا يجعل الناسَ هملاً كالسوائم.

____________________

=

القرآني القطعي هذا يعني الشك بالقرآن بأجمعه( أَفَتُؤمِنُونَ بِبَعْضِ الكتَبِ وَتَكْفُرون ببعَضٍ ) البقرة ٢: ٨٥. وإلى هذا أشار المصنّف بقوله: (ولو شك الشاك فيما أخبر به القرآن فعلى الاسلام السلام). وعلى هذا الاساس فإنّ المسلم بعد أن آمن بكل هذا وسلّم به فلا موجب للعجب من إمكان بقاء الاِمام كل هذه المدة الزمنية وهذا العمر الطويل - الذي لا يخلو من كونه معجزة بأمر الله تعالى - الذي منحه الله تعالى للامام ليدخره إلى اليوم الموعود.

(١) انظر: جامع الاَحاديث للقمي: ٢١، جامع الاَخبار: ٣٢٧ ح٩١٩، صحيح البخاري: ٢/٦ و٣/١٩٦، مسند احمد: ٢/٥، سنن البيهقي: ٦/٢٨٧، عوالي اللآلي: ١/١٢٩ ح٣ و٣٦٤ ح٥١.

١٠٨

٣٢ - عقيدتنا في الرجعة

إنّ الذي تذهب إليه الامامية - أخذاً بما جاء عن آل البيتعليهم‌السلام - أنّ الله تعالى يعيد قوماً من الاَموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعزّ فريقاً ويذلّ فريقاً آخر، ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمّد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام(١) .

ولا يرجع إلاّ من علت درجته في الايمان، أو مَن بلغ الغاية من الفساد، ثمّ يصيرون بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يستحقّونه من الثواب أو العقاب، كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمنّي هؤلاء المرتَجَعينَ - الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله - أن يخرجوا ثالثاً لعلّهم يصلحون:( قَالوا رَبَّنا أَمتَّنا اثَنَتينِ وَأحيَيتَنَا اثنَتَيِن فَاعتَرَفنَا بِذُنُوبِنَا فَهَل إلى خُرُوجٍ مِن سَبيلٍ ) (٢) .

نعم، قد جاء القرآن الكريم بوقوع الرجعة إلى الدنيا، وتظافرت بها الاَخبار عن بيت العصمة، والاِمامية بأجمعها عليه إلاّ قليلون منهم تأوَّلوا ما ورد في الرجعة بأنّ معناها رجوع الدولة والأمر والنهي إلى آل البيت بظهور الامام المنتظر، من دون رجوع أعيان الاَشخاص وإحياء الموتى(٣) .

____________________

(١) اُنظر: بحار الاَنوار: ٥٣/٣٩ - ١٤٣ باب الرجعة.

(٢) الغافر٤٠: ١١.

(٣) وللمزيد من الاطّلاع والتوضيح راجع كتاب حق اليقين في معرفة اصول الدين/ الجزء الثاني. فقد ذكر فيه الآيات والروايات الدالّة على الرجعة، والآراء فيها، وهل تتم الرجعة لجميع الناس أم لمن محض الايمان محضاً ومن محض الكفر محضاً. وغيره من المصادر والكتب.

١٠٩

والقول بالرجعة يعد عند أهل السنَّة من المستنكرات التي يستقبح الاعتقاد بها، وكان المؤلِّفون منهم في رجال الحديث يعدّون الاعتقاد بالرجعة من الطعون في الراوي والشناعات عليه التي تستوجب رفض روايته وطرحها، ويبدو أنّهم يعدّونها بمنزلة الكفر والشرك بل أشنع، فكان هذا الاعتقاد من أكبر ما تُنبز به الشيعة الامامية، ويشنَّع به عليهم.

ولا شكّ في أنّ هذا من نوع التهويلات التي تتّخذها الطوائف الاسلامية - فيما غبر - ذريعة لطعن بعضها في بعض، والدعاية ضده. ولا نرى في الواقع ما يبرّر هذا التهويل؛ لاَنّ الاعتقاد بالرجعة لا يخدش في عقيدة التوحيد، ولا في عقيدة النبوّة، بل يؤكد صحّةالعقيدتين؛ إذ الرجعة دليل القدرة البالغة لله تعالى كالبعث والنشر، وهي من الاَُمور الخارقة للعادة التي تصلح أن تكون معجزة لنبينا محمد وآل بيته صلى الله عليه وعليهم، وهي عيناً معجزة إحياء الموتى التي كانت للمسيحعليه‌السلام ، بل أبلغ هنا؛ لاَنها بعد أن يصبح الاَموات رميماً( قَالَ مَنْ يُحيي العِظمَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُل يُحييهَا الَّذِي أَنشأَهَا أَوَّلَ مَرةٍ وَهُو بِكُلِّ خَلقٍ عَليِمٌ ) (١) .

وأمّا من طعن في الرجعة باعتبار أنّها من التناسخ الباطل، فلاَنّه لم يفرّق بين معنى التناسخ وبين المعاد الجسماني، والرجعة من نوع المعاد الجسماني؛ فإنّ معنى التناسخ هو انتقال النفس من بدن إلى بدن آخر منفصل عن الاَول، وليس كذلك معنى المعاد الجسماني؛ فإنّ معناه رجوع نفس البدن الاَول بمشخّصاته النفسية، فكذلك الرجعة.

وإذا كانت الرجعة تناسخاً فإنّ إحياء الموتى على يد عيسى عليه

____________________

(١) يس ٣٦: ٧٨ - ٧٩.

١١٠

السلام كان تناسخاً، وإذا كانت الرجعة تناسخاً كان البعث والمعاد الجسماني تناسخاً.

إِذن، لم يبق إلاّ أن يُناقش في الرجعة من جهتين:

الاَولى: أنّه مستحيلة الوقوع.

الثانية: كذب الاَحاديث الواردة فيها.

وعلى تقدير صحة المناقشتين، فانّه لا يعتبر الاعتقاد بها بهذه الدرجة من الشناعة التي هوَّلها خصوم الشيعة.

وكم من معتقدات لباقي طوائف المسلمين هي من الاَمور المستحيلة، أو التي لم يثبت فيها نص صحيح، ولكنّها لم توجب تكفيراً وخروجاً عن الاسلام، ولذلك أمثلة كثيرة، منها: الاعتقاد بجواز سهو النبي أو عصيانه(١) ، ومنها الاعتقاد بقدم القرآن(٢) ، ومنها: القول بالوعيد(٣) ، ومنها: الاعتقاد بأنّ النبي لم ينص على خليفة من بعده.

على أنّ هاتين المناقشتين لا أساس لهما من الصحّة؛ أمّا أنّ الرجعة مستحيلة فقد قلنا إنّها من نوع البعث والمعاد الجسماني، غير أنّها بعث موقوت في الدنيا، والدليل على إمكان البعث دليل على إمكانها، ولا سبب لاستغرابها إِلا أنّها أمر غير معهود لنا فيما ألفناه في حياتنا الدنيا، ولا نعرف

____________________

(١) راجع صحيح البخاري: ٢/٦٨، صحيح مسلم: ١/٣٩٩ ح٨٥ و٨٦ و٨٧ و٨٩، سنن الترمذي: ٢/٢٣٥ ح٣٩١ - ٣٩٥، سنن أبي داود: ١/٢٦٤ ح١٠٠٨ - ١٠٢٣.

(٢) راجع: شرح المقاصد: ٤/١٤٣ - ١٤٦، وفيه إشارة إلى قول الحنابلة والحشوية بقدم القرآن، بل قول بعضهم بأنّ الجلدة والغلاف أزليّان، وكذا الاشارة إلى مناظرة أبي حنيفة وأبي يوسف التي دامت ستة أشهر وأنتهت بالاتفاق بينهم على القول بأنّ من قال بخلق القرآن فهو كافر.

(٣) راجع: شرح المقاصد: ٥/١٢٥، مذاهب الاسلاميين: ٦٢.

١١١

من أسبابها أو موانعها ما يقرِّبها إلى اعترافنا أو يبعدها، وخيال الانسان لا يسهل عليه أن يتقبَّل تصديق ما لم يألفه، وذلك كمن يستغرب البعث فيقول( مَن يُحييِ العظمَ وَهِيَّ رَمِيمٌ ) فيقال له:( يُحييهَا الّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرةٍ وَهُوَ بِكلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ ) (١) .

نعم، في مثل ذلك ممّا لا دليل عقلي لنا على نفيه أو إثباته، أو نتخيّل عدم وجود الدليل، يلزمنا الرضوخ إلى النصوص الدينية التي هي من مصدر الوحي الاِلهي، وقد ورد في القرآن الكريم ما يثبت وقوع الرجعة إلى الدنيا لبعض الاَموات، كمعجزة عيسىعليه‌السلام في إحياء الموتى( وَأُبرئ الاَكمَهَ وَالاَبَرصَ وأُحيى المَوتَى بإذنِ اللهِ ) (٢) .

وكقوله تعالى( أَنَّى يُحيِي هَذِهِ اللهُ بَعدَ مَوتِها فأَمَاتَهُ اللهُ مائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعثَهُ ) (٣) .

والآية المتقدِّمة( قالُوا رَبَّنا أمتَّنا اثنتَينِ... ) (٤) ؛ فإنّه لا يستقيم معنى هذه الآية بغير الرجوع إلى الدنيا بعد الموت، وإِن تكلَّف بعض المفسِّرين في تأويلها بما لا يروي الغليل، ولا يحقّق معنى الآية(٥) .

وأمّا المناقشة الثانية - وهي دعوى أنّ الحديث فيها موضوع - فإنّه لا وجه لها؛ لاَنّ الرجعة من الامور الضرورية فيما جاء عن آل البيت من الاَخبار المتواترة.

____________________

(١) يس ٣٦: ٧٨ - ٧٩.

(٢) آل عمران ٣: ٤٩.

(٣) البقرة ٢: ٢٥٩.

(٤) غافر ٤٠: ١١.

(٥) راجع: مجمع البيان: ٤/٥١٦. فقد نقل قسماً من هذه التفسيرات التي أوردها بعض المفسرين لهذه الآية.

١١٢

وبعد هذا، أفلا تعجب من كتاب شهير يدَّعي المعرفة مثل أحمد أمين في كتابه «فجر الاسلام» إذ يقول: «فاليهودية ظهرت في التشيّع بالقول بالرجعة»!(١) فأنا أقول له على مدّعاه: فاليهودية أيضاً ظهرت في القرآن بالرجعة، كما تقدّم ذكر القرآن لها في الآيات المتقدّمة.

ونزيده فنقول: والحقيقة أنّه لا بدَّ أن تظهر اليهودية والنصرانية في كثير من المعتقدات والاَحكام الاسلامية؛ لاَنّ النبي الاَكرم جاء مصدِّقاً لما بين يديه من الشرائع السماوية(٢) ، وإن نسخ بعض أحكامها، فظهور اليهودية أو النصرانية في بعض المعتقدات الاسلامية ليس عيباً في الاسلام، على تقدير أنّ الرجعة من الآراء اليهودية كما يدّعيه هذا الكاتب.

وعلى كلّ حال، فالرجعة ليست من الاَصول التي يجب الاعتقاد بها والنظر فيها، وإنّما اعتقادنا بها كان تبعاً للآثار الصحيحة الواردة عن آل البيتعليهم‌السلام الذين ندين بعصمتهم من الكذب، وهي من الاَمور الغيبية التي أخبروا عنها، ولا يمتنع وقوعها.

____________________

(١) فجر الاِسلام: ص ٣٣. على أنّ أحمد أمين لم يقتصر في كتابه هذا على مقولته هذه، بل زاد فيها الكثير من الكلام الذي لا أساس له ولا مستند. ولمزيد من الاطّلاع راجع كتاب أصل الشيعة واصولها: ص ١٤٠ وفيه ذكر هذه المقالات وبعض من الرد المختصر عليها.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى مخاطباً نبيه الكريم محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله :( نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتَبَ بِالْحَقِّ مُصدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التّوْريةَ والاَنْجِيلَ ) آل عمران ٣: ٣. وغيرها من الآيات الكريمة الكثيرة الدالة على أنّ النبي الاَكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن جاءا مصدقان لمن سبق من الاَنبياء وشرائعهم الحقّة، سوى ما ورد من الاحكام الناسخة التي كان يتدين بها أتباعهم قبل نزول الشريعة السمحة السهلة.

١١٣

٣٣ - عقيدتنا في التقيّة

روي عن صادق آل البيتعليه‌السلام في الاَثر الصحيح:

«التقيّة ديني ودين آبائي»(١) ، و«من لا تقيّة له لا دين له»(٢) .

وكذلك هي، لقد كانت شعاراً لآل البيتعليهم‌السلام ؛ دفعاً للضرر عنهم وعن أتباعهم، وحقناً لدمائهم، واستصلاحاً لحال المسلمين، وجمعاً لكلمتهم، ولمّاً لشعثهم(٣) .

وما زالت سمة تُعرف بها الاِمامية دون غيرها من الطوائف والاُمم، وكلّ انسان إذا أحسَّ بالخطر على نفسه أو ماله بسبب نشر معتقده أوالتظاهر به لا بدَّ أن يتكتَّم ويتّقي في مواضع الخطر، وهذا أمر تقضيه فطرة العقول.

____________________

(١) الكافي: ٢/١٧٤ ح١٢، مختصر بصائر الدرجات: ١٠١، المحاسن: ١/٣٩٧ ح٨٩٠.

(٢) الكافي: ٢/١٧٢ ح٢، الفقه المنسوب للامام الرضاعليه‌السلام : ٣٣٨.

(٣) التقية: هي كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين والدنيا. وهي من الامور التي يشنّع بعض الناس ويزدري على الشيعة بقولهم بها؛ جهلاً منهم بمعناها وبموقعها وحقيقة مغزاها، ولو تثبتوا في الاَمر وتريّثوا وصبروا وتبصّروا لعرفوا أنّ التقية لا تختص بالشيعة ولم ينفردوا بها، بل هي من ضروري العقل، وعليه جبلّة الطباع وغرائز البشر رائدها العلم، وقائدها العقل ولا تنفك عنهما قيد شعرة؛ إذ أنّ كل انسان مجبول على الدفاع عن نفسه والمحافظة على حياته.

راجع: تصحيح الاعتقاد من مصنفات الشيخ المفيد: ٥/١٣٧، أصل الشيعة وأصولها: ٣١٥، ولمزيد من الاطلاع راجع: واقع التقية عند المذاهب والفرق الاسلامية من غير الشيعة الامامية - للسيد ثامر العميدي، وفيه إيضاح على أنّ التقية والقول بها لا يختص فقط بالشيعة الامامية.

١١٤

ومن المعلوم أنّ الامامية وأئمّتهم لاقوا من ضروب المحن، وصنوف الضيق على حرياتهم في جميع العهود ما لم تلاقه أيّة طائفة أو أُمَّة أُخرى(١) فاضطرّوا في أكثر عهودهم إلى استعمال التقيّة بمكاتمة المخالفين لهم، وترك مظاهرتهم، وستر اعتقاداتهم وأعمالهم المختصة بهم عنهم؛ لما كان يعقب ذلك من الضرر في الدين والدنيا. ولهذا السببُ امتازوا بالتقية وعُرفوا بها دون سواهم.

وللتقيّة أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر مذكورة في ابوابها في كتب العلماء الفقهية.

وليست هي بواجبة على كلّ حال، بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الاَحوال، كما إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للاسلام، وجهاد في سبيله؛ فإنّه عند ذلك يستهان بالاَموال، ولا تعزّ النفوس.

وقد تحرم التقيّة في الاَعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة(٢) ، أو رواجاً للباطل، أو فساداً في الدين، أو ضرراً بالغاً على المسلمين بإضلالهم، أو إفشاء الظلم والجور فيهم.

وعلى كلّ حال، ليس معنى التقيّة عند الامامية أنّها تجعل منهم جمعية

____________________

(١) ولزيادة التوضيح والتعرف على ما أصاب الشيعة على مرّ العصور راجع كتاب: الشيعة والحاكمون. للشيخ محمد جواد مغنية، ففيه من الايضاح ما يمكن أن يصوّر الوضع المأساوي الذي عاشته الشيعة في فترات تأريخهم العصيبة.

(٢) حيث ورد عن الامام الباقرعليه‌السلام الحديث التالي:

عن محمد بن مسلم، عنهعليه‌السلام : «إنّما جعل التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية».

وسائل الشيعة: ١١/٤٨٣ ح١.

١١٥

سرّية لغاية الهدم والتخريب، كما يريد أن يصورها بعض أعدائهم غير المتورّعين في إدراك الاُمور على وجهها، ولا يكلِّفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا(١) .

كما أنّه ليس معناها أنها تجعل الدين وأحكامه سرّاً من الاَسرار لا يجوز أن يذاع لمن لا يدين به، كيف وكتب الامامية ومؤلَّفاتهم فيما يخص الفقه والاَحكام ومباحث الكلام والمعتقدات قد ملاَت الخافقين، وتجاوزت الحد الذي ينتظر من أيّة أُمَّة تدين بدينها؟!

بلى، إنّ عقيدتنا في التقيّة قد استغلّها من أراد التشنيع على الامامية، فجعلوها من جملة المطاعن فيهم، وكأنّهم كان لا يشفى غليلهم إلاّ أن تقدَّم رقابهم إلى السيوف لاستئصالهم عن آخرهم في تلك العصور التي يكفي فيها أن يقال هذا رجل شيعي ليلاقي حتفه على يد أعداء آل البيت من الاَمويين والعباسيين، بله العثمانيين.

وإذا كان طعن من اراد أن يطعن يستند إلى زعم عدم مشروعيتها من ناحية دينية، فإنّا نقول له:

أولاً: إنّنا متبعون لاَئمتناعليهم‌السلام ونحن نهتدي بهداهم، وهم أمرونا بها، وفرضوها علينا وقت الحاجة، وهي عندهم من الدين، وقد

____________________

(١) راجع الكوثري في تعليقه على كتاب الاسفراييني «التبصير في الدين»، فانه يذكر بأن الذين اتّخذوا التشيع ستاراً لتحقيق أغراضهم في تشويه معالم الاسلام: (اتّخذوا التلفّع بالتشيّع وسيلة لحشد حشود وتأليف جمعيات سرية وجعلوا التشيّع ستاراً لما يريدون أن يبثّوه بين الامة من الرذيلة!!).

الاسفراييني: التبصير في الدين: ١٨٥ - تعليق الكوثري.

وراجع أيضاً: نشأة الاَشعرية وتطورّها: ٨٧ - ٨٨.

١١٦

سمعت قول الصادقعليه‌السلام : «من لا تقيّة له لا دين له»(١) .

وثانياً: قد ورد تشريعها في نفس القرآن الكريم، ذلك قوله تعالى:( إلاَّ مَنْ أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطْمَئِنٌ بالاِيمن ) (٢) وقد نزلت هذه الآية في عمّار بن ياسر الذي التجأ إلى التظاهر بالكفر خوفاً من أعداء الاسلام(٣) .

وقوله تعالى:( إلاَّ أَنْ تَتَّقوُا مِنْهُم تُقةً ) (٤) .

وقوله تعالى:( وَقَالَ رَجُلٌ مؤُمِنٌ مِن ءَالِ فِرعَونَ يَكتُمُ إيمنَهُ ) (٥) .

____________________

(١) تقدم في صفحة ١١٧، فراجع.

(٢) النحل ١٦: ١٠٦.

(٣) راجع: التبيان في تفسير القرآن: ٦/٤٢٨، مجمع البيان في تفسير القرآن: ٣/٣٨٧، جامع البيان: ١٤/١٢٢، التفسير الكبير: ١٩/١٢٠، الكامل في التاريخ: ٢/٦٠.

(٤) آل عمران ٣: ٢٨.

(٥) غافر٤٠: ٢٨.

١١٧

الفصل الرابع

ما أدّب به آل البيت شيعتهم

تمهيد

عقيدتنا في الدعاء

أدعية الصحيفة السجّاديّة

عقيدتنا في زيارة القبور

عقيدتنا في معنى التشيّع عند آل البيتعليهم‌السلام

عقيدتنا في الجور والظلم

عقيدتنا في التعاون مع الظالمين

عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة

عقيدتنا الدعوة إلى الوحدة الاسلامية

عقيدتنا حق المسلم على المسلم

١١٨

تمهيد:

إنّ الاَئمّة من آل البيتعليهم‌السلام علموا من ذي قبل أنّ دولتهم لن تعود إليهم في حياتهم، وأنّهم وشيعتهم سيبقون تحت سلطان غيرهم ممّن يرى ضرورة مكافحتهم بجميع وسائل العنف والشدّة.

فكان من الطبيعي - من جهة - أن يتّخذوا التكّتم «التقيّة» ديناً وديدناً لهم ولاَتباعهم، ما دامت التقيّة تحقن من دمائهم، ولا تسيء إلى الآخرين ولا إلى الدين، ليستطيعوا البقاء في هذا الخضم العجّاج بالفتن، والثائر على آل البيت بالاِحن.

وكان من اللازم بمقتضى امامتهم - من جهة اُخرى - أن ينصرفوا إلى تلقين أتباعهم أحكام الشريعة الاسلامية، وإلى توجيههم توجيهاً دينيّاً صالحاً، وإلى أن يسلكوا بهم مسلكاً اجتماعياً مفيداً؛ ليكونوا مثال المسلم الصحيح العادل.

وطريقة آل البيت في التعليم لا تحيط بها هذه الرسالة، وكتب الحديث الضخمة متكفلة بما نشروه من تلك المعارف الدينية، غير أنّه لا بأس أن نشير هنا إلى بعض ما يشبه أن يدخل في باب العقائد فيما يتعلَّق بتأديبهم لشيعتهم بالآداب التي تسلك بهم المسلك الاجتماعي المفيد، وتقرِّبهم زلفى إلى الله تعالى، وتطهِّر صدورهم من درن الآثام والرذائل، وتجعل منهم عدولاً صادقين.

وقد تقدّم الكلام في التقيّة التي هي من تلك الآداب المفيدة اجتماعياً لهم، ونحن ذاكرون هنا بعض ما يعنُّ لنا من هذه الآداب.

١١٩

٣٤ - عقيدتنا في الدعاء

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الدعاء سلاح المؤمن، وعمود الدين، ونور السموات والاَرض»(١) وكذلك هو، أصبح من خصائص الشيعة التي امتازوا بها، وقد ألّفوا في فضله وآدابه، وفي الاَدعية المأثورة عن آل البيت ما يبلغ عشرات الكتب؛ من مطوّلة ومختصرة، وقد اُودع في هذه الكتب ما كان يهدف إليه النبي وآل بيته صلى الله عليهم وسلّم من الحث على الدعاء، والترغيب فيه، حتى جاء عنهم: «أفضل العبادة الدعاء»(٢) و«أحب الاَعمال إلى الله عزّ وجّل في الاَرض الدعاء»(٣) .

بل ورد عنهم: «إن الدعاء يردّ القضاء والبلاء»(٤) وأنّه «شفاء من كل داء»(٥) .

وقد ورد أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان رجلاً دعّاءً(٦) أي كثير الدعاء، وكذلك ينبغي أن يكون وهو سيِّد الموحِّدين، وإمام الالهيين.

وقد جاءت أدعيته كخطبه آية من آيات البلاغة العربية، كدعاء كميل ابن زياد المشهور(٧) ، وقد تضمَّنت من المعارف الالهية، والتوجيهات الدينية

____________________

(١) الكافي: ٢/٣٣٩ ح١.

(٢) الكافي: ٢/٣٣٨ضمن الحديث ١.

(٣) الكافي: ٢/٣٣٩ ح٨.

(٤) انظر: الكافي: ٢/٣٤١ ح١- ٨.

(٥) الكافي: ٢/٣٤١ ح١.

(٦) الكافي: ٢/٣٣٩ ذيل الحديث ٨.

(٧) أي الدعاء الذي علمه أمير المؤمنينعليه‌السلام لكميل بن زياد النخعيرحمه‌الله . وهو

=

١٢٠

ما يصلح أن تكون منهجاً رفيعاً للمسلم الصحيح.

وفي الحقيقة، إنّ الاَدعية الواردة عن النبي وآل بيته عليهم الصلاة والسلام خير منهج للمسلم إذا تدبَّرها؛ تبعث في نفسه قوّة الايمان والعقيدة، وروح التضحية في سبيل الحق، وتعرِّفه سرَّ العبادة، ولذّة مناجاة الله تعالى والانقطاع إليه، وتلقِّنه ما يجب على الانسان أن يعلمه لدينه، وما يقرِّبه إلى الله تعالى زلفى، ويبعده عن المفاسد والاَهواء والبدع الباطلة.

وبالاختصار؛ إنّ هذه الاَدعية قد أُودعت فيها خلاصة المعارف الدينية من الناحية الخلقية والتهذيبية للنفوس، ومن ناحية العقيدة الاسلامية، بل هي من أهم مصادر الآراء الفلسفية، والمباحث العلمية في الالهيات والاخلاقيات.

ولو استطاع الناس - وما كلهم بمستطيعين - أن يهتدوا بهذا الهدى الذي تثيره هذه الاَدعية في مضامينها العالية، لما كنت تجد من هذه المفاسد - المثقلة بها الارض - أثراً، ولحلَّقت هذه النفوس المكبَّلة بالشرور في سماء الحق حرّة طليقة، ولكن أنّى للبشر أن يصغي إلى كلمة المصلحين والدعاة إلى الحق، وقد كشف عنهم قوله تعالى:( إنَّ النَّفسَ لاَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) (١) ( وَمَا أكَثرُ النَّاسِ وَلَو حَرَصتَ بمُؤمِنينَ ) (٢) .

____________________

=

الدعاء المسمى بدعاء الخضرعليه‌السلام ، وسمي بدعاء كميل لاَنّ كميل بن زياد - الذي هو من خواص الامام أمير المؤمنين وخواص الامام الحسنعليه‌السلام - هو الذي رواه عن الاِمام عليعليه‌السلام ، وقال أنّه كان يدعو به ساجداً في ليلة النصف من شعبان. ويستحب قراءة هذا الدعاء في كل ليلة جمعة، أو في الشهر مرة، أو في السنة مرة، أو في العمر مرة.

راجع: مصباح المجتهد: ٨٤٤، المصباح للكفعمي: ٢/ ٢٨٢.

(١) يوسف ١٢: ٥٣.

(٢) يوسف ١٢: ١٠٣.

١٢١

نعم، إنّ ركيزة السوء في الانسان اغتراره بنفسه، وتجاهله لمساوئه، ومغالطته لنفسه في أنّه يحسن صنعاً فيما اتّخذ من عمل، فيظلم ويتعدّى، ويكذب ويراوغ، ويطاوع شهواته ما شاء له هواه، ومع ذلك يخادع نفسه أنّه لم يفعل إلاّ ما ينبغي أن يفعل، أو يغضّ بصره متعمداً عن قبيح ما يصنع، ويستصغر خطيئته في عينه.

وهذه الاَدعية المأثورة التي تُستمدّ من منبع الوحي تجاهد أن تحمل الانسان على الاختلاء بنفسه، والتجرّد إلى الله تعالى، لتلقّنه الاعتراف بالخطأ، وأنّه المذنب الذي يجب عليه الانقطاع إلى الله تعالى لطلب التوبة والمغفرة، ولتلمّسه مواقع الغرور والاجترام في نفسه، ومثل أن يقول الداعي من دعاء كميل بن زياد:

« إلهي ومَولاي! أجْريتَ عليَّ حُكماً اتَّبعتُ فيهِ هوى نفسِي، وَلمْ أحتَرسْ فيهِ منْ تَزْيينِ عدوِّي، فغرَّني بِما أهوى، وَأسعدهُ على ذلكَ القضاءُ، فتجاوزتُ بما جرى عليَّ منْ ذلك بعضَ حدودِكَ، وخالفتُ بعضَ أوامرِكَ »(١) .

ولا شك أنّ مثل هذا الاعتراف في الخلوة أسهل على الانسان من الاعتراف علانية مع الناس، وإن كان من أشق أحوال النفس أيضاً، وإن كان بينه وبين نفسه في خلواته، ولو تم ذلك للانسان فله شأن كبير في تخفيف غلواء نفسه الشريرة، وترويضها على طلب الخير.

ومن يريد تهذيب نفسه لا بدَّ أن يصنع لها هذه الخلوة، والتفكير فيها بحرية لمحاسبتها، وخير طريق لهذه الخلوة والمحاسبة أن يواظب على قراءة هذه الاَدعية المأثورة التي تصل بمضامينها إلى أغوار النفس؛ مثل أن يقرأ في

____________________

(١) مصباح المتهجد: ٨٤٤ - دعاء كميل بن زياد.

١٢٢

دعاء أبي حمزة الثمالي(١) رضوان الله تعالى عليه:

« أيْ ربِّ! جلّلني بسترِكَ، واعفُ عنْ توبيخِي بكرم وجهِكَ! ».

فتأمّل كلمة «جلّلني..»؛ فإنّ فيها ما يثير في النفس رغبتها في كتم ما تنطوي عليه من المساوئ ؛ ليتنبّه الانسان إلى هذه الدخيلة فيها، ويستدرجه إلى أن يعترف بذلك حين يقرأ بعد ذلك:

« فلو اطّلعَ اليومَ على ذنبِي غيرُكَ ما فعلتُه، ولو خفتُ تعجيلَ العقوبةِ لاجْتنبتُه ».

وهذا الاعتراف بدخيلة النفس، وانتباهه إلى الحرص على كتمان ما عنده من المساوئ يستثيران الرغبة في طلب العفو والمغفرة من الله تعالى؛ لئلاّ يُفتضح عند الناس لو أراد الله أن يعاقبه في الدنيا أو الآخرة على أفعاله، فيلتذ الانسان ساعتئذٍ بمناجاة السر، وينقطع إلى الله تعالى، ويحمده أنّه حلم عنه وعفا عنه بعد المقدرة فلم يفضحه؛ إذ يقول في الدعاء بعدما تقدّم:

« فَلكَ الحمدُ على حلمِكَ بعدَ علمِكَ، وعلى عفوِكَ بعدَ قُدرتِكَ »

ثمّ يوحي الدعاء إلى النفس سبيل الاعتذار عمّا فرط منها على أساس ذلك الحلم والعفو منه تعالى؛ لئلاّ تنقطع الصلة بين العبد وربّه، ولتلقين العبد أنّ عصيانه ليس لنكران الله واستهانة بأوامره؛ إذ يقول:

« ويحملُني ويجرِّئني على معصيَتكَ حلمُكَ عنّي، ويدعوني إلى قلّةِ الحياءِ سترُكَ عليَّ، ويسرِّعني إلى التوثُّبِ على محارمِكَ معرفَتِي بسَعِة

____________________

(١) وهو الدعاء الذي رواه ابو حمزة الثمالي عن الامام زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام ، حيث قال: إنّه كان يصلي عامّة الليل في شهر رمضان فإذا كان السحر دعا بهذا الدعاء.

مصباح المتهجد: ٥٨٢، المصباح للكفعمي: ٢/٣٤٥.

١٢٣

رحمتِكَ وعظيمِ عفوِكَ ».

وعلى أمثال هذا النمط تنهج الاَدعية في مناجاة السرّ؛ لتهذيب النفس، وترويضها على الطاعات، وترك المعاصي.

ولا تسمح الرسالة هذه بتكثير النماذج من هذا النوع، وما أكثرها.

ويعجبني أن أورد بعض النماذج من الاَدعية الواردة باسلوب الاحتجاج مع الله تعالى لطلب العفو والمغفرة، مثل ما تقرأ في دعاء كميل بن زياد:

« وليتَ شِعري يا سيّدِي ومولايَ، أتسلِّطُ النارَ على وجوهٍ خرَّتْ لعظمتِكَ ساجدةً، وعلى ألسُنٍ نطقتْ بتوحيدِكَ صادَقةً، وبشكرِكَ مادِحةً، وعلى قلوبٍ اعترفَتْ بالهيّتِك محقِّقةً، وعلى ضمائِرَ حوتْ مِنَ العلمِ بكَ حتّى صارتْ خاشعَةً، وعلى جوارحَ سعَتْ إلى أوطانِ تعبُّدِكَ طائعةً، وأشارتْ باستغفارِكَ مذعنةً؟! ما هكذا الظنُّ بكَ، ولا اُخبرنَا بفضلِكَ ».

كرّر قراءة هذه الفقرات، وتأمِّل في لطف هذا الاحتجاج وبلاغته وسحر بيانه؛ فهو في الوقت الذي يوحي للنفس الاعتراف بتقصيرها وعبودّيتها، يلقِّنها عدم اليأس من رحمة الله تعالى وكرمه، ثم يكلِّم النفس بابن عم الكلام، ومن طرف خفي؛ لتلقينها واجباتها العليا؛ إذ يفرض فيها أنّها قد قامت بهذه الواجبات كاملة، ثمّ يعلِّمها أنّ الانسان بعمل هذه الواجبات يستحق التفضل من ألله بالمغفرة، وهذا ما يشوِّق المرء إلى أن يرجع إلى نفسه فيعمل ما يجب أن يعمله إن كان لم يؤدّ تلك الواجبات.

ثمّ تقرأ اسلوباً آخر من الاحتجاج من نفس الدعاء:

« فهبنِي يا إلهي وسيِّدي وربِّي صبرْتُ على عذابِكَ فكيفَ أصبرُ على فراقِكَ! وهبْني يا إلهي صبرْتُ على حرِّ نارِكَ فكيفَ أصبرُ عن النظرِ إلى كرامَتِكَ! ».

وهذا تلقين للنفس بضرورة الالتذاذ بقرب الله تعالى، ومشاهدة كرامته

١٢٤

وقدرته؛ حبّاً له، وشوقاً إلى ما عنده، وبأنّ هذا الالتذاذ ينبغي أن يبلغ من الدرجة على وجه يكون تأثير تركه على النفس أعظم من العذاب وحرّ النار، فلو فرض أنّ الانسان تمكَّن من أن يصبر على حر النار فإنّه لا يتمكَّن من الصبر على هذا الترك، كما تُفهمنا هذه الفقرات أنّ هذا الحب والالتذاذ بالقرب من المحبوب المعبود خير شفيع للمذنب عند الله لاَن يعفو ويصفح عنه.

ولا يخفى لطف هذا النوع من التعجُّب والتملُّق إلى الكريم الحليم قابل التوب وغافر الذنب.

ولا بأس في أن نختم بحثنا هذا بإيراد دعاء مختصر جامع لمكارم الاَخلاق، ولما ينبغي لكلّ عضو من الانسان وكلّ صنف منه أن يكون عليه من الصفات المحمودة:

« اللّهُمَّ ارزُقنا توفيقَ الطاعةِ، وبعدَ المعصيةِ، وصدقَ النيِّةِ، وعرفانَ الحرمةِ.

وأكرِمْنا بالهدَى والاستقامِة، وسدِّد ألسنتَنا بالصواب والحكمة، واملاَ قلوبنا بالعلم والمعرفة، وطهِّر بطوننا من الحرام والشبهةِ، واكفُفْ أيديَنا عنْ الظلم والسرقِة، واغضضْ أبصارَنا عنْ الفجورِ والخيانةِ، واسدُدْ أسماعَنا عنْ اللغوِ والغيبةِ.

وتفضِّلْ على علمائِنا بالزهدِ والنصيحةِ، وعلى المتعلِّمينَ بالجُهدِ والرغبةِ، وعلى المستمعينَ بالاتِّباع والموعظةِ.

وعلى مرضَى المسلمينَ بالشفاءِ والراحةِ، وعلى موتاهُمْ بالرأفةِ والرحمةِ.

وعلى مشايخِنا بالوقارِ والسكينةِ، وعلى الشباب بالاِنابةِ والتوبةِ، وعلى النساءِ بالحياءِ والعفَّةِ، وعلى الاَغْنياءِ بالتواضُعِ والسعَةِ، وعلى

١٢٥

الفقراءِ بالصبرِ والقناعةِ.

وعلى الغزاةِ بالنصرِ والغلبةِ، وعلى الاُسَراءِ بالخلاصِ والراحَةِ، وعلى الاُمَراءِ بالعدلِ والشفقَةِ، وعلى الرعيّةِ بالاِنصافِ وحسنِ السيرةِ.

وباركْ للحجَّاجِ والزوَّارِ في الزادِ والنفقةِ، واقضِ ما أوجبْتَ عليهِمْ منَ الحجِّ والعمرةِ.

بفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحَمَ الراحمينَ »(١) .

وإنّي لموص اخواني القرّاء ألاّ تفوتهم الاستفادة من تلاوة هذه الاَدعية، بشرط التدبُّر في معانيها ومراميها، وإحضار القلب والاِقبال والتوجه إلى الله بخشوع وخضوع، وقراءتها كأنّها من إنشائه للتعبير بها عن نفسه، مع اتّباع الآداب التي ذكرت لها من طريقة آل البيت؛ فإنّ قراءتها بلا توجّه من القلب صرف لقلقة في اللسان، لا تزيد الانسان معرفة، ولا تقرِّبه زلفى، ولا تكشف له مكروباً، ولا يُستجاب معه له دعاء.

«إن الله عزّ وجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثمّ استيقن بالاجابة»(٢) .

____________________

(١) البلد الاَمين: ٣٤٩.

(٢) الكافي: ٢/٣٤٣ ح١.

١٢٦

٣٥ - أدعية الصحيفة السجّادية

بعد واقعة الطف المحزنة(١) وتملُّك بني أُميّة ناصية أمر الاَمَّة الاسلامية - فأوغلوا في الاستبداد، وولغوا في الدماء، واستهتروا في تعاليم الدين - بقي الامام زين العابدين، وسيِّد الساجدينعليه‌السلام جليس داره محزوناً ثاكلاً، وجليس بيته لا يقربه أحد، ولا يستطيع أن يفضي إلى الناس بما يجب عليهم، وما ينبغي لهم(٢) .

____________________

(١) وهي الواقعة التي استشهد فيها الامام أبو عبدالله الحسين بن عليعليهما‌السلام في العاشر من محرم الحرام من عام ٦١ ه-، مع صفوة من أهل بيته وأصحابه في طف كربلاء بالعراق، ولم يبق منهم سوى الامام السجاد علي بن الحسينعليهما‌السلام ، وكانت هذه الحادثة من أفجع ما وقع في صدر التأريخ الاسلامي وأمضّها تأثيراً في تأريخ الاَمة، وقد تجسدت فيها أروع الامثلة للدفاع عن العقيدة والتضحية من أجل المبدأ، وتناول المؤرخون أخبارها بشكل مستفيض، وأما ما قيل فيها من غرر الشعر وروائعه فقد ملاَت الكتب والدواوين الشعرية الخاصة بها.

(٢) لقد تجسدت في حياة أئمة أهل البيتعليهم‌السلام صفحات مشرّفة من تأريخ الامة الاسلامية؛ نظراً للدور القيادي الذي اضطلعوا به، ولم تكن محصّلة الاَعمال الجليلة لكل إمام منهم - صلوات الله عليهم - إلاّ في ضوء سيرة مثلى وحلقات ذهبية تكمل إحدها الاَخرى؛ فهم من نور واحد.

وقد حاول البعض الكتابة في حياة الامام السجاد علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام وحصرها في جانب نشاطه العبادي، والحياة الروحية، وتحجيم دوره الاجتماعي والجهادي، بعد إيمانهم بأنّ رسالة الاَئمة الاَطهارعليهم‌السلام قد انكفأت عن الواقع بمصرع سيد الشهداء الحسين بن عليعليه‌السلام .

وقد استدلّوا على ذلك بما اُثر عن الامام السجاد من صحيفته المشهورة في الدعاء (زبور آل محمّد) ورسالته في الحقوق. في الوقت الذي نجد أنّهعليه‌السلام بالاِضافة إلى دوره

=

١٢٧

فاضطرّ أن يتّخذ من أسلوب الدعاء - الذي قلنا إنّه أحد الطرق التعليمية لتهذيب النفوس - ذريعة لنشر تعاليم القرآن، وآداب الاسلام، وطريقة آل البيت، ولتلقين الناس روحية الدين والزهد، وما يجب من تهذيب النفوس والاَخلاق.

وهذه طريقة مبتكرة له في التلقين، ولا تحوم حولها شبهة المطاردين له، ولا تقوم بها عليه الحجّة لهم، فلذلك أكثر من هذه الاَدعية البليغة، وقد جمعت بعضها« الصحيفة السجادية » التي سميت ب- « زبور آل محمّد »، وجاءت في اسلوبها ومراميها في أعلى أساليب الاَدب العربي، وفي أسمى مرامي الدين الحنيف، وأدق اسرار التوحيد والنبوّة، وأصح طريقة لتعليم الاَخلاق المحمدية، والآداب الاسلامية.

وكانت في مختلف الموضوعات التربوية الدينية، فهي تعليم للدين والاَخلاق في أُسلوب الدعاء، أو دعاء في اسلوب تعليم للدين والاَخلاق، وهي بحقّ - بعد القرآن، ونهج البلاغة - من أعلى أساليب البيان العربي، وأرقى المناهل الفلسفية في الاِلهيات والاَخلاقيات:

فمنها ما يعلّمك كيف تمجِّد الله وتقدّسه، وتحمده وتشكره، وتتوب

____________________

=

التعليمي في تربية الطليعة المؤمنة الواعية، وبناء الجماعة الصالحة فقد دلّت الدراسات الدقيقة أنّه (قام بدور سياسي فعّال، وكان له تنظيم وتخطيط دقيق يمكن اعتباره من أذكى الخطط السياسية المتاحة لمثل تلك الظروف.. ممّا يدل على انّ الجهاد السياسي الذي قام به الامام السجادعليه‌السلام من أجل تنفيذ خططه يعدّ من أدق أشكال العمل السياسي وانجحها).

وقد افاض العلامة المحقق الحجة السيد محمد رضا الحسيني الجلالي في دراسته الموسومة «جهاد الامام السجادعليه‌السلام » - والذي صدر أخيراً - ما يفتح الطريق على الدارسين مجدداً لبحث موقف الامام زين العابدينعليه‌السلام في ضوء ما يصحح الرؤية السابقة.

١٢٨

إليه(١) .

ومنها ما يعلِّمك كيف تناجيه، وتخلو به بسرّك، وتنقطع إليه(٢) .

ومنها ما يبسط لك معنى الصلاة على نبيّه ورسله وصفوته من خلقه، وكيفيتها(٣) .

ومنها ما يفهمك ما ينبغي أن تبرّ به والديك(٤) .

ومنها ما يشرح لك حقوق الوالد على ولده، أو حقوق الولد على والده، أو حقوق الجيران، أو حقوق الاَرحام، أو حقوق المسلمين عامّة، أو حقوق الفقراء على الاَغنياء وبالعكس(٥) .

ومنها [ما] ينبّهك على ما يجب ازاء الديون للناس عليك، وما ينبغي أن تعمله في الشؤون الاقتصادية والمالية، وما ينبغي أن تعامل به أقرانك وأصدقاءك وكافّة الناس، ومن تستعملهم في مصالحك(٦) .

ومنها ما يجمع لك بين جميع مكارم الاَخلاق، ويصلح أن يكون منهاجاً كاملاً لعلم الاَخلاق(٧) .

ومنها ما يعلّمك كيف تصبر على المكاره والحوادث، وكيف تلاقي

____________________

(١) الصحيفة السجادية: الدعاء (٢): من دعائهعليه‌السلام في التحميد لله عزّ وجّل والثناء عليه.

(٢) لاحظ دعاءهعليه‌السلام في التضرع والاستكانة (٥١). وغيره من الاَدعية الكثير، ففيها مناجاة واضحة وتضرع وتذلل لله تعالى.

(٣) لاحظ الدعاء (٢): الصلاة على محمّد وآله، والدعاء (٣): الصلاة على حملة العرش، والدعاء (٤): الصلاة على مصدّقي الرسل.

(٤) لاحظ الدعاء (٢٤): دعاؤه لاَبويه.

(٥) لاحظ الاَدعية (٢٤، ٢٥، ٢٦): دعاؤه لاَبويه، ودعاؤه لولده، ودعاؤه لجيرانه.

(٦) لاحظ: الدعاء (٣٠): دعاؤه في المعونة على قضاء الدين.

(٧) لاحظ: الدعاء (٢٠): دعاؤه في مكارم الاَخلاق.

١٢٩

حالات المرض والصحّة(١) .

ومنها ما يشرح لك واجبات الجيوش الاسلامية، وواجبات الناس معهم(٢) ... إلى غير ذلك ممّا تقتضيه الاَخلاق المحمَّدية، والشريعة الاِلهية، وكلّ ذلك باسلوب الدعاء وحده.

والظاهرة التي تطغو على أدعية الامام عدّة أُمور:

الاَول:

التعريف بالله تعالى وعظمته وقدرته، وبيان توحيده وتنزيهه بأدق التعبيرات العلمية، وذلك يتكرّر في كلّ دعاء بمختلف الاَساليب، مثل ما تقرأ في الدعاء الاَوّل: «الحمدُ للهِ الاَوَّلِ بلا أوَّلٍ كانَ قبلَهُ، والآخِرُ بلا آخِرٍ يكونُ بعدهُ، الّذي قَصُرتْ عنْ رؤيِتِه أبصارُ الناظِرينَ، وعَجَزَتْ عنْ نعْتِهِ أوهامُ الواصِفينَ. ابتدَعَ بقدرتِهِ الخلقَ ابتداعاً، واخترعَهُمْ على مشيئتِهِ اختِراعاً»(٣)

فتقرأ دقيق معنى الاول والآخر، وتنزُّه الله تعالى عن أن يحيط به بصر أو وهم، ودقيق معنى الخلق والتكوّين.

ثمّ تقرأ اسلوباً آخر في بيان قدرته تعالى وتدبيره في الدعاء ٦:

« الحمدُ للهِ الَّذي خَلقَ الليلَ والنهارَ بقوَّتِهِ، وميَّز بينهَما بقدرتِهِ، وجعَلَ لكلٍّ منهُما حدّاً محدوداً، يُولجُ كلَّ واحدٍ منهما فِي صاحِبه، ويولجُ صاحبَهُ فيهِ، بتقديرٍ منهُ للعبادِ فيما يَغذوهُمْ بِهِ، ويُنشئُهمْ عليهِ، فخلقَ لهمْ الليلَ ليسكُنوا فيهِ من حركاتِ التعبِ ونهضاتِ النصبِ، وجعلَهُ لباساً ليلبسُوا مِنْ

____________________

(١) لاحظ: الدعاء (١٥): دعاؤه عند المرض.

(٢) لاحظ: الدعاء (٢٧): دعاؤه لاَهل الثغور.

(٣) الدعاء (١): التحميد لله عزّ وجّل.

١٣٠

راحَتِهِ ومقامِهِ، فيكونُ ذلكَ لهُمْ جمَاماً وقوَّةً؛ ولِينالُوا بهٍ لذَةً وشهوةً »(١) . إلى آخر ما يذكر من فوائد خلق النهار والليل، وما ينبغي أن يشكره الانسان من هذه النعم.

وتقرأ اسلوباً آخر في بيان أنّ جميع الاَمور بيده تعالى في الدعاء ٧:

« يَا مَنْ تُحَلُّ بهِ عُقدُ المكارِهِ، وَيا منْ يُفثأُ بهِ حدُّ الشدائِدِ، وَيا مَنْ يُلتمَسُ منْهُ المخَرجُ إلى روح الفرَجِ، ذلَّتْ لقدرتِكَ الصعابُ، وتسبَّبَتْ بلطفِكَ الاَسبابُ، وجرَى بقُدرَتِكَ القضاءُ، ومضَتْ على إرادَتِكَ الاَشياءُ، فهي بمشيئَتِكَ دونَ قولِكَ مؤتمرةٌ، وبإرادتِكَ دونَ نهيكَ منزجرةٌ »(٢) .

الثاني:

بيان فضل الله تعالى على العبد، وعجز العبد عن أداء حقّه مهما بالغ في الطاعة والعبادة، والانقطاع إليه تعالى، كما تقرأ في الدعاء ٣٧:

« اللّهمَّ إنّ أحداً لا يبلُغُ مِنْ شكرِكَ غايةً إلاّ حصَل عليهِ من إحسانِكَ ما يُلزِمُهُ شُكراً، ولا يبلُغُ مبلَغاً من طاعَتِكَ وإنْ اجتهَدَ إلاّ كانَ مقصِّراً دونَ استحقاقِكَ بفضِلكَ، فأشْكَرُ عبادِكَ عاجزٌ عن شكرِكَ، وأعبدُهُمْ مقصِّرٌ عنْ طاعَتِكَ »(٣) .

وبسبب عظم نِعم الله تعالى على العبد التي لا تتناهى يعجز عن شكره، فكيف إذا كان يعصيه مجترئاً، فمهما صنع بعدئذ لا يستطيع أن يكفِّر عن معصية واحدة، وهذا ما تصوّره الفقرات الآتية من الدعاء ١٦:

« يَا إلهي لَوْ بكيْتُ إليكَ حتّى تسقُطَ أشفارُ عينَيّ، وانتحبْتُ حتّى

____________________

(١) الدعاء (٦): دعاؤه عند الصباح والمساء.

(٢) الدعاء (٧): دعاؤه إذا عرضت مهمّةأو نزلت به ملمّة، وعند الكرب.

(٣) الدعاء (٣٧): من دعائه إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر.

١٣١

ينقطعَ صوتِي، وقمْتُ لكَ حتّى تتنشّرَ قدَمايَ، وركعتُ لكَ حتّى ينخلعَ صُلبي، وسجدتُ لكَ حتّى تتفقّأَ حدقتايَ، وأكلتُ ترابَ الاَرضِ طولَ عمرِي، وشربتُ ماءَ الرمادِ آخرَ دهرِي، وذكرتُكَ في خلالِ ذلكَ حتّى يكلَّ لساني، ثمّ لمْ أرفعْ طرفِي إلى آفاقِ السماءِ استحياءً منكَ، ما استوجبتُ بذلكَ محوَ سيِّئةٍ واحدةٍ منْ سيّئاتي »(١)

الثالث:

التعريف بالثواب والعقاب، والجنة والنار، وأنّ ثواب الله تعالى كلّه تفضُّل، وأنّ العبد يستحق العقاب منه بأدنى معصية يجترئ بها، والحجّة عليه فيها لله تعالى.

وجميع الاَدعية السّجادية تلهج بهذه النغمة المؤثّرة؛ للايحاء إلى النفس الخوف من عقابه تعالى، والرجاء في ثوابه، وكلها شواهد على ذلك بأساليبها البليغة المختلفة التي تبعث في قلب المتدبّر الرعب والفزع من الاِقدام على المعصية، مثل ما تقرأ في الدعاء ٤٦:

« حجّتكَ قائمةٌ لا تُدْحضُ، وسلطانكَ ثابتٌ لا يزولُ، فالويلُ الدائمُ لمنْ جنحَ عنكَ، والخيبةُ الخاذلةُ لمنْ خابَ منكَ، والشقاءُ الاَشقى لمنْ اغترَّ بكَ. ما أكثرَ تصرّفَهُ في عذابِكَ، وما أطولَ تردُّدَه في عقابِكَ، وما أبعدَ غايتَه من الفرج، وما أقنطَهُ من سهولَةِ المخرج؛ عدلاً من قضائِكَ لا تجوز فيهِ، وإنصافاً منْ حكمكَ لا تحيفُ عليهِ، فقد ظاهرتَ الحججَ، وأبليت الاَعذارَ.. »(٢) .

____________________

(١) الدعاء (١٦): من دعائهعليه‌السلام إذا استقال من ذنوبه، أو تضرع في طلب العفو عن عيوبه.

(٢) الدعاء (٤٦): من دعائه في يوم الفطر إذا انصرف من صلاته، وفي يوم الجمعة.

١٣٢

ومثل ما تقرأ في الدعاء ٣١:

« اللّهمَّ فارحمْ وحدتِي بينَ يديكَ، ووجيبَ قلبي منْ خشيِتكَ، واضطرابَ أركاني من هيبتكَ؛ فقدْ أقامتْني - يا ربِّ - ذنوبي مقامَ الخِزي بفنائِكَ، فإنْ سكتُّ لمْ ينطقْ عنّي أحدٌ، وإن شفعتُ فلستُ بأهلِ الشفاعةِ »(١) .

ومثل ما تقرأ في الدعاء ٣٩:

« فإنَّكَ إِنْ تكافني بالحقِّ تهلكني، وإلاّ تغَمَّدْني برحمتكَ توبقْني... وأستحمِلك منْ ذنوبي ما قدْ بهظَني حملُهُ، واستعينُ بكَ على ما قدْ فدحني ثقلُه، فصلِّ على محمِّدٍ وآلهِ، وهبْ لِنفسِي على ظلمِها نفسي، ووَكِّلْ رحمتكَ باحتمالِ إصري... »(٢) .

الرابع:

سوق الداعي بهذه الاَدعية الى الترفّع عن مساوئ الاَفعال وخسائس الصفات؛ لتنقية ضميره، وتطهير قلبه، مثل ما تقرأ في الدعاء ٢٠:

« اللّهمَّ وفِّرْ بلطفك نيّتي، وَصَحِّحْ بما عندكَ يقيني، واستصلِحْ بقدرتكَ ما فسدَ منّي...

«اللّهمَّ صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد ومتِّعني بهدىً صالحٍ لا استبدلُ به، وطريقةِ حقٍّ لا أزيغُ عنها، ونيّةِ رشدٍ لا أشكُّ فيها.

اللّهمَّ لا تدعْ خصلةً تُعابُ منّي إلاّ أصلحتَها، ولا عائبةً أؤنَّبُ بها إِلاّ حسَّنتَها، ولا أكرومةً فيَّ ناقصةً إلاّ أتممتَها »(٣) .

____________________

(١) الدعاء (٣١): من دعائه في ذكر التوبة وطلبها.

(٢) الدعاء (٣٩): من دعائه في طلب العفو والرحمة.

(٣) الدعاء (٢٠): من دعائه في مكارم الاَخلاق ومرضي الاَفعال.

١٣٣

الخامس:

الايحاء إلى الداعي بلزوم الترفُّع عن الناس وعدم التذلّل لهم، وألاّ يضع حاجته عند أحد غير الله، وأنّ الطمع بما في أيدي الناس من أخسِّ ما يتّصف به الاِنسان، مثل ما تقرأ في الدعاء ٢٠:

« ولا تفتنِّي بالاستعانةِ بغيركَ إذا اضطررتُ، ولا بالخشوع لسؤالِ غيركَ إذا افتقرتُ، ولا بالتضرُّع إلى منْ دونكَ إذا رهبتُ، فأستحقَّ بذلكَ خذلانَكَ ومنعَكَ واعراضَكَ »(١)

ومثل ما تقرأ في الدعاء ٢٨:

« اللّهمَّ إنّي أخلصتُ بانقطاعي إليكَ(٢) وصرفتُ وجهي عمَّنْ يحتاجُ إلى رفدكَ، وقلبتُ مسألتي عمّنْ لمْ يستغن عن فضلكَ، ورأيتُ أنّ طلبَ المحتاجِ إلى المحتاجِ سفةٌ من رأيهِ، وضلَّةٌ من عقلِهِ »(٣)

ومثل ما تقرأ في الدعاء ١٣:

« فَمنْ حاوَلَ سدّ خلّتِهِ من عندِكَ، ورامَ صرفَ الفقرَ عَنْ نفسِهِ بكَ، فقدْ طلبَ حاجَتَه في مظانِّها، وأتى طلبتَهُ من وجِهها. ومنْ توجَّهَ بحاجتِهِ إلى أحدٍ منْ خلقِكَ، أو جعلَهُ سببَ نُجحِها دونَك، فقدْ تعرَّضَ للحرمانِ، واستحقَّ منكَ(٤) فوتَ الاحسانِ »(٥) .

السادس:

تعليم الناس وجوب مراعاة حقوق الآخرين، ومعاونتهم، والشفقة

____________________

(١) الدعاء (٢٠): من دعائه في مكارم الاَخلاق ومرضي الاَفعال.

(٢) في المصدر: إضافة: «وأقبلت بكلّي عليك».

(٣) الدعاء (٣٩): من دعائهعليه‌السلام في طلب العفو والرحمة.

(٤) في المصدر: «من عندك».

(٥) الدعاء (١٣): من دعائهعليه‌السلام في طلب الحوائج إلى الله.

١٣٤

والرأفة من بعضهم لبعض، والايثار فيما بينهم، تحقيقاً لمعنى الاَخوّة الاسلامية، مثل ما تقرأ في الدعاء ٣٨:

« اللّهمَّ إنّي أعتذرُ إليكَ منْ مظلومٍ ظُلِمَ بحضرتي فَلمْ أنصرْهُ، ومِنْ معروفٍ أُسديَ إليَّ فلمْ أشكْرهُ، ومِنْ مسيءٍ اعتذرَ إليَّ فلمْ أعذرْهُ، ومِنْ ذِي فاقةٍ سألني فلمْ أؤثرْهُ، ومِنْ حقِّ ذي حقٍّ لزمني لمؤمنٍ فلمْ أوفِّرْهُ، ومِنْ عيب مؤمنٍ ظهرَ لي فلمْ أستْرهُ.. »(١) إِنّ هذا الاعتذار من أبدع ما ينبِّه النفس إلى ما ينبغي عمله من هذه الاَخلاق الاِلهية العالية.

وفي الدعاء ٣٩ ما يزيد على ذلك؛ فيعلِّمك كيف يلزمك أن تعفو عمَّن أساء إليك، ويحذِّرك من الانتقام منه، ويسمو بنفسك إلى مقام القدّيسين:

« اللّهمَّ وأيُّما عبدٍ نالَ منِّي ما حظرتَ عليهِ، وانتهكَ منِّي ما حجرتَ عليهِ، فمضَى بظلامتِي ميّتاً، أو حصلتْ لي قِبَلَهُ حَيّاً، فاغفرْ لَهُ ما ألمَّ بهِ منِّي، واعفُ لهُ عمّا أدبرَ بهِ عنِّي، ولا تقفهُ على ما ارتكبَ فيَّ، ولا تكشفهُ عمّا اكتسبَ بي، واجعلْ ما سمحتُ بهِ منَ العفوِ عنهمْ، وتبرَّعتُ من الصدقةِ عليهمْ أزكى صدقاتِ المتصدِّقينَ، وأعلى صِلاتِ المتقرِّبينَ، وعوِّضني منْ عفْوي عنهُمْ عفوَكَ، ومنْ دعائِي لهمْ رحمتَكَ؛ حتّى يسعَدَ كلُّ واحدٍ منّا بفضلِكَ »(٢) .

وما أبدع هذه الفقرة الاَخيرة، وما أجمل وقعها في النفوس الخيِّرة؛ لتنبيهها على لزوم سلامة النيّة مع جميع الناس، وطلب السعادة لكلّ أحد

____________________

(١) الدعاء (٣٨): من دعائهعليه‌السلام في الاعتذار من تبعات العباد، ومن التقصير في حقوقهم، وفي فكاك رقبته من النار.

(٢) الدعاء (٣٩): من دعائهعليه‌السلام في طلب العفو والرحمة.

١٣٥

حتّى من يظلمه ويعتدي عليه. ومثل هذا كثير في الاَدعية السجادية، وما أكثر ما فيها من هذا النوع من التعاليم السماوية المهذِّبة لنفوس البشر لو كانوا يهتدون.

٣٦ - عقيدتنا في زيارة القبور

وممّا امتازت به الامامية العناية بزيارة القبور - قبور النبي والاَئمّة عليهم الصلاة والسلام - وتشييدها، وإقامة العمارات الضخمة عليها، ولاَجلها يضحُّون بكلّ غال ورخيص، عن إيمان وطيب نفس.

ومردّ كلّ ذلك إلى وصايا الاَئمّة، وحثِّهم شيعتهم على الزيارة، وترغيبهم فيما لها من الثواب الجزيل عند الله تعالى(١) ؛ باعتبار أنّها من أفضل الطاعات والقربات بعد العبادات الواجبة، وباعتبار أنّ هاتيك القبور من خير المواقع لاستجابة الدعاء والانقطاع إلى الله تعالى.

وجعلوها أيضاً من تمام الوفاء بعهود الائمّة؛ إذ «أنّ لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد، وحسن الاَداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم، وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة»(٢) .

وفي زيارة القبور من الفوائد الدينية والاجتماعية ما تستحقّ العناية من أئمتنا؛ فإنّها في الوقت الذي تزيد من رابطة الولاء والمحبة بين الاَئمة وأوليائهم، وتجدّد في النفوس ذكر مآثرهم وأخلاقهم وجهادهم في سبيل

____________________

(١) وللمزيد من الاطّلاع راجع كتاب كامل الزيارات، فقد ورد فيه من الاَحاديث التي تصف ثواب زيارة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والاَئمّةعليهم‌السلام الشيء الكثير.

(٢) من قول الامام الرضاعليه‌السلام . راجع: كامل الزيارات لابن قولويه: ١٢٢ باب ٤٤ ثواب من زار الحسينعليه‌السلام .

واُنظر - كذلك - : الكافي: ٤/٥٦٧ ح٢، من لا يحضره الفقيه: ٢/٥٧٧ ح٣١٦٠، تهذيب الاحكام: ٦/٧٨ ح٣ و:٩٣ ح٢.

١٣٦

الحق، تجمع في مواسمها أشتات المسلمين المتفرِّقين على صعيد واحد؛ ليتعارفوا ويتآلفوا، ثمّ تطبع في قلوبهم روح الانقياد إلى الله تعالى، والانقطاع إليه، وطاعة أوامره، وتلقِّنهم في مضامين عبارات الزيارات البليغة الواردة عن آل البيت حقيقة التوحيد والاعتراف بقدسيّة الاسلام والرسالة المحمّدية، وما يجب على المسلم من الخلق العالي الرصين، والخضوع إلى مدِّبر الكائنات، وشكر آلائه ونعمه، فهي من هذه الجهة تقوم بنفس وظيفة الاَدعية المأثورة التي تقدَّم الكلام عليها.

بل بعضها يشتمل على أبلغ الاَدعية وأسماها، كزيارة (أمين الله) وهي الزيارة المرويّة عن الامام زين العابدينعليه‌السلام حينما زار قبر جدّه أمير المؤمنينعليه‌السلام (١) .

كما تفهم هذه الزيارات المأثورة مواقف الائمّةعليهم‌السلام وتضحياتهم في سبيل نصرة الحق، واعلاء كلمة الدين، وتجرُّدهم لطاعة الله تعالى، وقد وردت بأسلوب عربي جزل، وفصاحة عالية، وعبارات سهلة يفهمها الخاصّة والعامّة، وهي محتوية على أسمى معاني التوحيد ودقائقه، والدعاء والابتهال اليه تعالى.

فهي بحق من أرقى الاَدب الديني بعد القرآن الكريم ونهج البلاغة والاَدعية المأثورة عنهم؛ إذ أودعت فيها خلاصة معارف الاَئمّةعليهم‌السلام فيما يتعلَّق بهذه الشؤون الدينية والتهذيبية.

ثمّ إنّ في آداب الزيارة أيضاً من التعليم والارشاد ما يؤكِّد من تحقيق تلك المعاني الدينية السامية، من نحو رفع معنوية المسلم، وتنمية روح العطف على الفقير، وحمله على حسن العشرة والسلوك، والتحبّب إلى

____________________

(١) راجع: كامل الزيارات: ٣٩ باب ١١ - زيارة قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام .

١٣٧

مخالطة الناس؛ فإنّ من آدابها ما ينبغي أن يصنع قبل البدء بالدخول في المرقد المطهَّر وزيارته.

ومنها ما ينبغي أن يصنع في اثناء الزيارة وفيما بعد الزيارة، ونحن هنا نعرض بعض هذه الآداب؛ للتنبيه على مقاصدها التي قلناها:

من آدابها:

١ - أن يغتسل الزائر قبل الشروع بالزيارة ويتطهَّر(١) وفائدة ذلك فيما نفهمه واضحة، وهي ان ينظِّف الانسان بدنه من الاَوساخ؛ ليقيه من كثير من الاَمراض والاَدواء، ولئلاّ يتأفّف من روائِحه الناس(٢) وأن يطهِّر نفسه من الرذائل.

وقد ورد في المأثور أن يدعو الزائر بعد الانتهاء من الغسل؛ لغرض تنبيهه على تلكم الاَهداف العالية فيقول: « اللّهُمَّ اجعلْ(٣) لِي نوراً وطهوراً، وحِرْزاً كافياً(٤) منْ كلِّ داءٍ وسقَمٍ، ومنْ كلِّ آفةٍ وعاهةٍ، وطهِّرْ بهِ قلبي وجوارِحِي، وعظامِي(٥) ولحمِي ودمِي، وشعرِي وبشري ومخِّي وعظمِي(٦) ، ومَا أقلَّتْ الاَرضُ منِّي، واجْعلْ(٧) لِي شاهِداً يومَ حاجَتي(٨) ، وفقْرِي

____________________

(١) راجع: كامل الزيارات: ١٨٤ الباب ٧٥: من اغتسل في الفرات وزار الحسينعليه‌السلام ، ١٩٨ الباب ٧٩ زيارات الحسين بن عليعليه‌السلام .

(٢) قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «تنظّفوا بالماء من الريح المنتنة وتعهدوا أنفسكم؛ فان الله يبغض من عباده القاذورة الذي يتأفّف من جلس إليه» تحف العقول: ٢٤.

(٣) في المصدر: «اجعله».

(٤) في المصدر: «وكافياً».

(٥) لم ترد (وعظامي) في المصدر.

(٦) في المصدر: «وعظامي وعصبي».

(٧) في المصدر: «فاجعله».

(٨) في المصدر: «يوم القيامة ويوم حاجتي».

١٣٨

وفاقَتِي »(١) .

٢ - أن يلبس أحسن وأنظف ما عنده من الثياب(٢) ؛ فإنّ في الاَناقة في الملبس في المواسم العامّة ما يحبّب الناس بعضهم إلى بعض، ويقرِّب بينهم، ويزيد في عزّة النفوس والشعور بأهميّة الموسم الذي يشترك فيه.

وممّا ينبغي أن نلفت النظر إليه في هذا التعليم أنّه لم يفرض فيه أن يلبس الزائر أحسن الثياب على العموم، بل يلبس أحسن ما يتمكَّن عليه؛ إذ ليس كل أحد يستطيع ذلك، وفيه تضييق على الضعفاء لا تستدعيه الشفقة، فقد جمع هذا الاَدب بين ما ينبغي من الاَناقة، وبين رعاية الفقير وضعيف الحال.

٣ - أن يتطيَّب ما وسعه الطيب، وفائدته كفائدة أدب لبس أحسن الثياب.

٤ - أن يتصدَّق على الفقراء بما يعنَّ له أن يتصَّدق به، ومن المعلوم فائدة التصدُّق في مثل هذه المواسم، فإنّ فيه معاونة المعوزين، وتنمية روح العطف عليهم.

٥ - أن يمشي على سكينة ووقار غاضّاً من بصره(٣) ، وواضح ما في هذا من توقير للحرم والزيارة، وتعظيم للمزور، وتوجّه إلى الله تعالى، وانقطاع إليه، مع ما في ذلك من اجتناب مزاحمة الناس ومضايقتهم في المرور، وعدم إساءة بعضهم إلى بعض.

٦ - أن يكبِّر بقول: «الله أكبر» ويكرّر ذلك ما شاء(٤) ، وقد تُحدَّد في

____________________

(١) كامل الزيارات: ١٨٦ الباب ٧٥ من اغتسل في الفرات وزار الحسينعليه‌السلام .

(٢) لاحظ: كامل الزيارات: ١٣٠ باب ٤٨ ح١، و١٩٨ الباب ٧٩.

(٣) لاحظ: كامل الزيارات: ١٣٠ باب ٤٨ ح١.

(٤) لاحظ: كامل الزيارات: ١٩٩ الباب ٧٩ زيارات الحسين بن عليعليه‌السلام .

١٣٩

بعض الزيارات إلى أن تبلغ المائة(١) وفي ذلك فائدة اشعار النفس بعظمة الله، وأنّه لا شيء أكبر منه، وأنّ الزيارة ليست إلاّ لعبادة الله وتعظيمه وتقديسه في إحياء شعائر الله وتأييد دينه.

٧ - وبعد الفراغ من الزيارة للنبي أو الامام يصلّي ركعتين على الاَقل، تطوّعاً وعبادة لله تعالى؛ ليشكره على توفيقه إياه، ويهدي ثواب الصلاة إلى المزور.

وفي الدعاء المأثور الذي يدعو به الزائر بعد هذه الصلاة ما يفهم الزائر أنّ صلاته وعمله إنّما هو لله وحده، وإنه لا يعبد سواه، وليست الزيارة إلاّ نوع التقرّب إليه تعالى زلفى؛ إذ يقول:

« اللّهمَّ لكَ صلَّيْتُ، ولكَ ركعْتُ، ولَكَ سجدْتُ وحدَكَ لا شريكَ لكَ؛ لاَنّه لا تكون الصلاةُ والركُوعُ والسجودُ إلاّ لَكَ؛ لاَنَّكَ أنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاّ أنْتَ. اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمّدٍ، وتقبَّلْ منِّي زيارَتِي، وأعَطِني سؤلِي، بمحمَّدٍ وآلهِ الطاهرينَ »(٢)

وفي هذا النوع من الاَدب ما يوضّح لمن يريد أن يفهم الحقيقة عن مقاصد الاَئمة وشيعتهم تبعاً لهم في زيارة القبور، وما يلقم المتجاهلين حجراً حينما يزعمون أنّها عندهم من نوع عبادة القبور، والتقرّب إليها، والشرك بالله.

وأغلب الظن أنّ غرض أمثال هؤلاء هو التزهيد فيما يجلب لجماعة الامامية من الفوائد الاجتماعية الدينية في مواسم الزيارات؛ إذ أصبحت شوكة في أعين أعداء آل بيت محمَّد، وإلاّ فما نظنهم يجهلون حقيقة مقاصد

____________________

(١) لاحظ: كامل الزيارات: ٢٢٢ الباب ٧٩ زيارات الحسين بن عليعليه‌السلام .

(٢) المصباح للكفعمي: ٢/١٥٨.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176