• البداية
  • السابق
  • 632 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42917 / تحميل: 5097
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٥

مؤلف:
العربية
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الخامس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد الخامس

الشيخ محمد تقي التّستري


١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الخامس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

المجلد الخامس

الشيخ محمّد تقي التّستري (الشوشتري)

٣

المجلد الخامس

تتمة الفصل الخامس

٣١

الخطبة ( ٣ ) و من خطبة له ع و هي المعروفة بالشقشقية أَمَا وَ اَللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلاَنٌ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ اَلْقُطْبِ مِنَ اَلرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي اَلسَّيْلُ وَ لاَ يَرْقَى إِلَيَّ اَلطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا اَلْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا اَلصَّغِيرُ وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ فَرَأَيْتُ أَنَّ اَلصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَ فِي اَلْعَيْنِ قَذًى وَ فِي اَلْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً حَتَّى مَضَى اَلْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلاَنٍ بَعْدَهُ ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ اَلْأَعْشَى :

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا

وَ يَوْمُ ؟ حَيَّانَ ؟ أَخِي جَابِرِ

فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ

٤

مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا وَ يَخْشُنُ مَسُّهَا وَ يَكْثُرُ اَلْعِثَارُ فِيهَا وَ اَلاِعْتِذَارُ مِنْهَا فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ اَلصَّعْبَةِ إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ وَ إِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ فَمُنِيَ اَلنَّاسُ لَعَمْرُ اَللَّهِ بِخَبْطٍ وَ شِمَاسٍ وَ تَلَوُّنٍ وَ اِعْتِرَاضٍ فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ اَلْمُدَّةِ وَ شِدَّةِ اَلْمِحْنَةِ حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّهِ وَ لِلشُّورَى مَتَى اِعْتَرَضَ اَلرَّيْبُ فِيَّ مَعَ اَلْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ اَلنَّظَائِرِ لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَ مَالَ اَلْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَنٍ إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ اَلْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اَللَّهِ خِضْمَةَ اَلْإِبِلِ نِبْتَةَ اَلرَّبِيعِ إِلَى أَنِ اِنْتَكَثَ فَتْلُهُ وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَ كَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ وَ اَلنَّاسُ كَعُرْفِ اَلضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ اَلْحَسَنَانِ وَ شُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ اَلْغَنَمِ فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ قَسَطَ آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلاَمَ اَللَّهَ حَيْثُ يَقُولُ تِلْكَ اَلدَّارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ اَلْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ١ ١٦ ٢٨ : ٨٣ بَلَى وَ اَللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا وَ لَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ اَلدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا أَمَا وَ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ لَوْ لاَ حُضُورُ اَلْحَاضِرِ وَ قِيَامُ اَلْحُجَّةِ بِوُجُودِ اَلنَّاصِرِ وَ مَا أَخَذَ اَللَّهُ عَلَى اَلْعُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لاَ سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَ لَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ

٥

قالوا : و قام إليه رجل من أهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته فناوله كتابا ، فأقبل ينظر فيه . قال له ابن عباس رضى الله عنه يا أمير المؤمنين لو اطردت خطبتك من حيث أفضيت . فقال : هيهات يا ابن عباس . تلك شقشقة هدرت ثم قرت . قال ابن عباس : فو الله ما أسفت على كلام قطّ كأسفي على هذا الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين عليه السّلام بلغ منه حيث أراد .

قوله : « كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم ، و إن أسلس لها تقحم » : يريد أنّه إذا شدّد عليها في جذب الزمام ، و هي تنازعه رأسها خرم أنفها ، و إن أرخى لها شيئا مع صعوبتها . تقحمت به فلم يملكها . يقال « أشنق الناقة » إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه « و شنقها » أيضا ذكر ذلك ابن السكّيت في « إصلاح المنطق » و إنّما قال « أشنق لها » و لم يقل « أشنقها » لأنّه جعل في مقابل قوله : « أسلس لها » فكأنّه عليه السّلام قال : إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها .

أقول : و رواها الصدوق في ( علل شرائعه ) ، و ( معاني أخباره ) ، و المفيد في كتاب ( إرشاده ) و كتاب ( جمله ) ، و الشيخ الطوسي في ( أماليه ) ، و الراوندي في ( شرحه ) و الطبرسي في ( احتجاجه ) ، و سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) ،

و جمع آخر من العامّة و الخاصّة من المتقدّمين و المتأخرين كابن قبة و أبي القاسم البلخي ، و أبي عمرو الزاهد غلام ثعلب ، و أبي أحمد العسكري و غيرهم ١ .

أما الصدوق . فروى في ( علله ) عن محمّد بن علي ماجيلويه ، عن محمّد

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواها الصدوق في علل الشرائع ١ : ١٥٠ و ١٥٣ ح ١٢ و ١٣ ، و في معاني الأخبار : ٣٦٠ ح ١ ، و المفيد في الارشاد : ١٥٢ ، و في الجمل : ٦٢ ، و ابو علي الطوسي في أماليه ١ : ٣٨٢ ، جزء ١٣ ، و الراوندي في شرحه ١ : ١٣١ و الطبرسي في الاحتجاج ١ : ١٩١ و السبط في التذكرة : ١٢٤ ، و رواها عن ابن قبة ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٢٠٦ ، و غيره و عن البلخي ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٢٠٥ ، و عن أبي عمر و الزاهد الكيندري في شرحه ١ : ١٩٣ ، و غيره ، و عن العسكري الصدوق في علل الشرائع ١ : ١٥٢ ، و معاني الاخبار : ٣٦٢ ، و غيرهم .

٦

بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة عن ابن عباس .

و رواه في ( معانيه ) مثله و زاد إسنادا آخر محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، عن عبد العزيز بن يحيى الجلودي ، عن أحمد بن عمّار بن خالد ، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن عيسى بن راشد ، عن علي بن خزيمة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : « و الله لقد تقمّصها أخو تيم ، و انّه ليعلم أنّ محلي منها محلّ القطب من الرحى ، ينحدر عنه السيل ، و لا يرتقي إليه الطير . فسدلت دونها ثوبا و طويت عنها كشحا ،

و طفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخيّة عمياء . يشيب فيها الصغير ، و يهرم فيها الكبير ، و يكدح فيها مؤمن حتّى يلقى اللّه . فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى . فصبرت و في العين قذى ، و في الحلق شجا . أرى ترائي نهبا ،

حتّى إذا مضى الأوّل لسبيله . عقدها لأخي عدي بعده . فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته . إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، فصيّرها و الله في حوزة خشناء يخشن مسّها ، و يغلظ كلمها ، و يكثر العثار و الاعتذار . فصاحبها كراكب الصعبة ان عنف بها حرن ، و إن سلس بها غسق . فمني الناس بتلوّن و اعتراض ، و بلوا مع هن ، و هنّي . فصبرت على طول المدّة و شدّة المحنة . حتّى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي منهم ، فيا لله لهم و للشورى ، متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن بهذه النظائر . فمال رجل بضبعه ، و أصغى آخر لصهره ، و قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله و متعلفه ، و قام معه بنو أبيه يهضمون مال الله هضم الإبل نبتة الربيع . حتّى أجهز عليه عمله . فما راعني إلاّ و الناس إليّ كعرف الضبع ، قد أنثالوا عليّ من كلّ جانب حتّى لقد و طئ الحسنان ، و شقّ عطافي ، حتىّ إذا نهضت بالأمر نكثت

٧

طائفة ، و فسقت اخرى و مرق آخرون كأنّهم لم يسمعوا قول الله تعالى : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتّقين ١ بلى و اللّه لقد سمعوا ، و لكن أحلولت الدنيا في أعينهم ، و راقهم زبرجها . و الّذي فلق الحبّة و براء النسمة لو لا حضور الحاضر و قيام الحجّة بوجود الناصر ، و ما أخذ الله تعالى على العلماء أن لا يقرّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، و لسقيت آخرها بكأس أوّلها ،

و لألفيت دنياكم أزهد عندي من عفطة عنز قال و ناوله رجل من أهل السواد كتابا . فقطع كلامه و تناول الكتاب . فقلت : لو اطردت مقالتك إلى حيث بلغت .

فقال : هيهات يا ابن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرّت . . . » .

و رواها ( العلل ) أخيرا بالسند الثاني في متنه مثل المتن : « إن أشنق لها خرم و أن أسلس لها تقحم » .

و أمّا المفيد فقال في ( إرشاده ) : روى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس قال : كنت عند أمير المؤمنين عليه السّلام بالرحبة . فذكرت الخلافة و تقدّم من تقدم عليه . فتنفّس الصعداء ثم قال : « أم و اللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة . . . . » و فيه بدل « حتّى مضى الأول إلى بعده » « إلى أن حضره أجله فأدلى بها إلى عمر » و فيه بعد « ضرعيها » الشعر ثم « فصيرها و الله في ناحية خشناء يجفو مسّها و يغلظ كلمها ، صاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم و إن أسلس لها عسف ، يكثر فيها العثار و يقل منها الإعتذار » .

و قال في جملة : فأمّا خطبته عليه السّلام الّتي رواها عبد الله بن عباس فهي أشهر من أن تدلّ عليها لشهرتها ، و هي الّتي يقول عليه السّلام في أوّلها : « و اللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة . . . » .

ــــــــــــــــ

( ١ ) القصص : ٨٣ .

٨

و أما الشيخ ، فروى في ( أماليه ) : عن الحفّار ، عن أبي القاسم الدعبلي ، عن أبيه ، عن أخيه دعبل ، عن محمّد بن سلامة الشامي ، عن زرارة ، عن أبي جعفر محمّد بن علي ، عن ابن عباس ، و عن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه قال : ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : « و اللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة . . . » .

و فيه : « يضيع فيها الصغير و يدبّ فيها الكبير » و فيه : « أرى تراث محمّد صلّى اللّه عليه و آله نهبا إلى أن حضرته الوفاة فأدلى بها إلى عمر » .

و أما الراوندي ، فروى في ( شرحه ) عن أبي نصر الحسن بن محمّد بن إبراهيم ، عن الحاجب أبي الوفاء محمّد بن بديع و أحمد بن عبد الرحمن ، عن الحافظ أبي بكر بن مردويه ، عن الطبراني ، عن أحمد بن علي الأبّار ، عن إسحق بن سعيد أبي سلمة الدمشقي ، عن خليد بن دعلج ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : كنّا مع عليّ عليه السلام بالرحبة . فجرى ذكر الخلافة ، و من تقدّم عليه .

فقال : . . . إلى آخر الخطبة .

و أما الطبرسي ، فقال : روى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس قال : كنت عند أمير المؤمنين عليه السلام بالرحبة فذكرت الخلافة ، و تقدّم من تقدّم عليه فتنفّس الصعداء ثم قال : « أما و الله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة . . . » .

و أما سبط ابن الجوزي ، فقال : أخبرنا بها شيخنا أبو القاسم النفيس الأنباري بإسناده عن ابن عبّاس . قال : لمّا بويع أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة ناداه رجل من الصف ، و هو على المنبر ما الّذي أبطأبك إلى الآن ؟ فقال بديها :

« و الله لقد تقمّصها أخو تيم أو ابن أبي قحافة أو فلان و هو يعلم انّ محلّي منها محل القطب من الرحى . ينحدر عنّي السيل ، و لا يرقى إليّ الطير ، و لكنّي سدلت دونها ثوبا ، و طويت عنها كشحا ، و طفقت امثّل بين أن أصول بيد جذاء ماضية ، أو أصبر على ظلمة طخياء يوضع منها الكبير ، و يدبّ فيها الصغير

٩

( و في رواية ) طفقت أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ، و يشيب فيها الصغير و يكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه . فرأيت الصبر أجدر ، فصبرت و في العين قذى ، و في الحق شجا إلى أن حضرت الأوّل الوفاة ( و في رواية ) فصبرت إلى أن مضى الأوّل لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده و في رواية ( فأدلى بها إلى الثاني ) فيا لله العجب بينا هو يستقيلها في حال حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته فعقدها في ناحية خشناء . يصعب مسّها ،

و يغلظ كلمها ، و يكثر فيها العثار ، و يقلّ منها الاعتذار . فمني الناس بمن عقدها له حتّى مضى لسبيله و في رواية « بينا هو يقتال منها في حياته إذ عقدها لآخر بعد مماته لشدّ ما تشطّر أضرعها في حوزة خشناء . فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم ، و إن أسلس لها تقحّم و في رواية فمنى الناس بخبط و شماس و تكوّر و اعتراض ، فصبرت حتّى إذا مضى لسبيله ، جعلها شورى بين ستّة زعم أنّي أحدهم ، فيا لله و للشورى ، فيم و ممّ و بم و لم يعرض عنّي ، و لكنّي أسففت معهم حين أسفّوا ، و طرت معهم حيث طاروا ، و صبرت لطول المحنة و أنقضاء المدّة إلى أن قام الثالث و في رواية « فيا لله و الشورى متى اعترض الريب فيّ حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر ، فصغا رجل منهم لضغنه ، و مال الآخر لصهره . مع هن و هن إلى أن قام الثالث نافجا حضنيه بين نثيله و معتلفه ، و بنو امية يخضمون مال اللّه خضم الإبل نبت الربيع ، حتّى إذا أجهز عليه عمله ، و أسلمه إلى الهلاك أجله ، و كبت به مطيته فما راعني إلاّ و الناس أرسالا إليّ كعرف الفرس ، و يسألوني البيعة ، و انثالوا عليّ انثيالا ،

حتّى لقد و طئ الحسنان و هما عطفاي و في رواية « و شقّ عطفاي » و هم مجتمعون حولي كربيضة الغنم ، فلمّا نهضت بالأمر ، نكثت طائفة ، و فسقت شرذمة ، و مرقت اخرى ، و قسط قوم ، كأنّهم لم يسمعوا قول اللّه تعالى : تلك

١٠

الدار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتّقين ١ بلى و اللّه لقد سمعوها و وعوها ، و لكن راقتهم دنياهم ، و أعجبهم رونقها ، أما و الّذي فلق الحبّة و برأ النسمة لو لا ما أخذ الله على الأولياء لألقيت حبلها على غاربها ، و لسقيت آخرها بكأس أوّلها و أنشد :

شتان ما يومي على كورها

و يوم حيّان أخي جابر

و في رواية و الّذي فلق الحبة ، و برأ النسمة لو لا حضور الحاضر ،

و قيام الحجّة بوجود الناصر ، و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ، و لا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها و في رواية و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز .

هذا الّذي وقفت عليه من أسانيد العنوان ، و أمّا ما عن رابع عشر ( البحار ) عن بعض مؤلّفات القدماء ، عن القاضي الطبري ، عن سعيد المقدسي ، عن المبارك ، عن خالص بن أبي سعيد ، عن وهب الجمّال ، عن عبد المنعم بن سلمة عن وهب الأسدي عن يونس بن ميسرة ، عن الشيخ المعتمر الرقي رفعه إلى ميثم قال : كنت بين يدي مولاى أمير المؤمنين عليه السّلام إلى أن قال ركب السحابة ، و قال لعمّار اركب معي إلى أن قال في رجوعه بعد ساعة في مسجد الكوفة صعد المنبر ، و أخذ بالخطبة المعروفة بالشقشقية الخ ٢ فهي رواية تخليطية من الغلاة و الحشوية ، و إن تبجّح بها الخوئي ٣ و سرّ بها .

قول المصنّف : « و من خطبة له عليه السّلام » ظاهر خبر ( العلل ) و ( الإرشاد ) و ( الأمالي ) و ( الراوندي ) كونه كلاما في غير خطبة لتضمنها أنّه ذكر الخلافة

ــــــــــــــــ

( ١ ) القصص : ٨٣ .

( ٢ ) رواه المجلسي في بحار الانوار ٥٧ : ٣٤٤ ح ٣٦ .

( ٣ ) شرح الخوئي ١ : ٢٨٥ .

١١

عنده عليه السّلام . فقال هذا الكلام ، لكن الصواب كونه خطبة كما صرّح به في ( المعاني ) و ( الجمل ) كالمصنّف و يشهد له رواية ابن الجوزي من كون ذكر الخلافة عنده عبارة عن أنّه قيل له عليه السّلام : ما الّذي أبطأ بك عن تصدّي الأمر ؟

و كان على المنبر فقال بديها ما قال .

« و هي » : هكذا في ( المصرية ) ، و الكلمة زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ١ .

« المعروفة بالشقشقية » : و في ابن أبي الحديد : « تعرف بالشقشقية » ،

و في ابن ميثم مثل المتن لكن زاد : « و تعرف بالمقمصة » ٢ و نسخته بخطّ المصنّف فإن صحت النسبة فوجهه اشتمال الخطبة على قوله عليه السّلام : « لقد تقمّصها » و يأتي وجه معروفيتها بالشقشقية في آخر الخطبة .

و لبعض خطبه عليه السلام اسم غير هذا أيضا مثل الخطب المعروفة بالأشباح ،

و التوحيد ، و الهداية ، و الملاحم ، و اللؤلؤ ، و الغرّاء ، و القاصعة ، و الافتخار ،

و الدّرة اليتيمة ، و الزهراء ، و الأقاليم ، و الوسيلة ، و الطالوتية ، و القصبية ،

و النخيلة و السليمانية ، و الناطقة ، و الدامغة ، و الفاضحة ، و البالغة ، و المونقة ،

و هي الخالية عن الألف ، و بعضها مذكور في الكتاب و بعضها في غيره .

قوله عليه السّلام : « أما و الله لقد تقمّصها » قال ابن أبي الحديد : الضمير للخلافة ،

و لم يذكرها للعلم بها كقوله سبحانه حتى توارت بالحجاب ٣ .

قلت : لم يراجع أسانيد الخطبة ، و إلاّ فقد عرفت أنّ كلّها اشتمل على أنّه ذكر عنده عليه السلام الخلافة ، و تقدّم من تقدّم عليه فيها . فقال ما قال .

ثم تشبيه الخلافة و السلطنة بقميص يلبس ، أمر معروف . خطب

ــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١ : ٥٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٩ ، مثل المصرية أيضا .

( ٢ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١ : ٥٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٩ ، مثل المصرية أيضا .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٥٠ .

١٢

المنصور بعد قتله لأبي مسلم ، فقال : من نازعنا هذا القميص أجززناه خبئ هذا الغمد و أشار إلى غمد سيفه .

و كما شبّهها عليه السّلام بقميص ، أثبت بعض الشعراء لها سربالا . فقال في المعتز أبن المتوكل :

خلافة كنت حقيقا بها

فضّلك الله بسربالها

« فلان » و بدّله ابن أبي الحديد : بقوله « إبن أبي قحافة » ١ و الصواب : كون النهج بلفظ « فلان » و إن كان أكثر أسانيد الخطبة بلفظ « ابن أبي قحافة » لتصديق ابن ميثم ٢ الّذي نسخته بخطّ المصنّف ، و قد عرفت أنّ الصدوق بدّله في كتابيه بقوله « أخو تيم » ٣ كما عرفت أنّ سبط ابن الجوزي قال في نقله :

« فلان أو ابن أبي قحافة أو أخوتيم » ٤ .

و لنتكلّم على كلّ من الثلاثة : أمّا فلان . فقالوا : فلان و فلانة يكنّى بهما عن الآدمييّن قال تعالى : و يوم يعضّ الظالم على يديه إلى يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا ٥ و الفلان و الفلانة يكنّى بهما عن غير الآدميّين . صرّح بذلك ابن السكّيت و غيره ٦ .

و أمّا « إبن أبي قحافة » فكان أبو قحافة في قريش خاملا من حيث الشخص و من حيث العشيرة . ففي أنساب البلاذري لمّا غز النبي صلّى اللّه عليه و آله الطائف رأى قبر أبي أحية مشرفا . فقال أبو بكر : لعن اللّه صاحب هذا القبر ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٥٠ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٩ .

( ٣ ) العلل ١ : ١٥٠ ، و المعاني : ٣٦١

( ٤ ) التذكرة : ١٢٤ .

( ٥ ) الفرقان : ٢٧ .

( ٦ ) نقله عنه و عن غيره ابن منظور في لسان العرب ١٣ : ٣٢٤ ، مادة ( ظن ) .

١٣

فإنّه كان ممّن يحادّ اللّه و رسوله . فقال إبناه عمر و أبان ( و كانا من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ) : لعن اللّه أبا قحافة . فإنّه لا يقري الضيف ، و لا يدفع الضيم ١ .

و في ( طرائف ابن طاووس ) عن ( مثالب ابن الكلبي ) : كان أبو قحافة ،

و سفيان بن عبد العزيز يناديان على طعام عبد اللّه بن جدعان . قال أمية بن أبي الصلت في رثاء ابن جدعان :

له داع بمكّة مشمعلّ

و آخر فوق دارته ينادي

قال : المراد بالمشمعلّ سفيان ذاك و بقوله « و آخر » أبو قحافة ٢ .

و قال الإسكافي في ( نقض عثمانيته ) : كان أبو قحافة أجيرا لابن جدعان على مائدته يطرد عنها الذبان ٣ .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : أسلم أبو قحافة يوم فتح مكّة و أتى به إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و كأن رأسه ثغامة ( أي نبت جبلي يبيض إذا يبس يقال له بالفارسية درمنه اسبيد ) فأمرهم أن يغيّروه و بايعه ٤ .

و رواه الإسكافي في نقض عثمانيته و زاد إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا رآه نفر منه و قال : غيّروا هذا فخضبوه ثم جاءوا به مرّة اخرى فأسلم ٥ .

و من الغريب أنّ الجاحظ الصليب الوجه في ( الجعل ) قال : أقبل أبو بكر في الفتح بأبيه ، و هو يومئذ شيخ مكفوف له غديرتان حتّى هجم به على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال له : أتيتك بأبي . فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : « هلاّ تركت الشيخ في

ــــــــــــــــ

( ١ ) أنساب الاشراف ١ : ١٤٢ .

( ٢ ) الطرائف ٢ : ٤٠٦ ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٢٧٨ ، شرح الخطبة ١٩٠ .

( ٤ ) المعارف : ١٦٧ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٥ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٢٧٧ ، شرح الخطبة ١٩٠ .

١٤

رحله حتّى آتيه ، ثم مسح يده على صدره ، و دعاه إلى الإسلام . . . » ١ .

هب أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان كالامراء الدنيوية ، هل كان أبو قحافة ذا شرف دنيوي حتىّ يأتيه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله .

و أما كونه أخاتيم . ففي ( المروج ) قال المدائنى : رئى بالبصرة رجل مصطلم الأذن فسئل عن قصّته . فذكر أنّه خرج يوم الجمل ينظر إلى القتلى .

فنظر إلى رجل منهم يخفض رأسه و يرفعه و هو يقول :

لقد أوردتنا حومة الموت أمّنا

فلم ننصرف إلاّ و نحن رواء

أطعنا بني تيم لشقوة جدّنا

و ما تيم إلاّ أعبد و إماء

فقلت : سبحان اللّه أتقول هذا عند الموت . قل : لا إله إلاّ الله . فقال : يا ابن اللخناء إيّاى تأمر بالجزع عند الموت . فولّيت عنه متعجبّا . فصاح بي أدن منّي لقّنّى الشهادة . فصرت إليه . فلمّا قربت منه استدناني ثم التقم اذني فذهب بها ،

فجعلت ألعنه و أدعو عليه . فقال : إذا صرت إلى أمّك فقالت : من فعل بك هذا . فقل :

عمير بن الأهلب الضبي مخدوع المرأة التّي أرادت أن تكون أمير المؤمنين ٢ .

و في ( دلائل الإعجاز ) : و روى أنّ سودة أنشدت

« عدي و تيم تبتغي من

تحالف »

و جرى بينهنّ كلام في هذا المعنى . فأخبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فدخل عليهنّ ،

و قال : « يا ويلكنّ ليس في عديّكنّ ، و لا تيمكنّ قيل هذا ، و إنّما قيل هذا في عديّ تميم و تيم تميم ٣ .

قلت : الظاهر أنّ سودة عرّضت بهما تمثّلا بالبيت ، و هما أيضا علمتا أنّها

ــــــــــــــــ

( ١ ) أخرج الحديث أحمد في مسنده ٣ : ١٦٠ ، و الحاكم في المستدرك ٣ : ٢٤٤ و ٢٤٥ ، و ابن حبّان في صحيحه ، و عنه الاصابة ٢ : ٤٦١ ، و ابن هشام في السيرة ٤ : ٣٥ ، و أبو عوانة في مسنده و ابن النجار في تاريخه و عبد الرزاق في جامعه ، و عنهم منتخب كنز العمال ٥ : ٢٣٩ .

( ٢ ) مروج الذهب ٢ : ٣٧٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) دلائل الاعجاز : ١٧ .

١٥

تمثّلت به تعريضا ، و إنّما أراد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم قطع نزاعهن .

و في ( أمثال الكرماني ) : قال المفضل : أوّل من قال « البلاء موكّل بالمنطق » أبو بكر قال ابن عباس : قال عليّ عليه السّلام : لمّا أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج و أنا معه و أبو بكر ، فدفعنا إلى مجلس .

فتقدّم أبو بكر ، و كان نسّابة . فقال : ممّن القوم ؟ قالوا : من ربيعة . فقال : أمن هامتها أم لهازمها ؟ قالوا : من هامتها العظمى . قال : فأيها أنتم ؟ قالوا : ذهل الأكبر . قال : أفمنكم عوف الّذي يقال له « الاحرّ بوادي عوف » ؟ قالوا : لا . قال :

أفمنكم بسطام ذو اللواء و منتهى الأحياء ؟ قالوا : لا . قال : أفمنكم جسّاس بن مرّة حامي الذمار و مانع الجار ؟ قالوا : لا . قال : أفنكم الحوفزان قاتل الملوك ،

و سالبها أنفسها ؟ قالوا : لا . قال : أفمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة ؟

قالوا : لا . قال : أ فأنتم أخوال الملوك من كندة ؟ قالوا : لا . قال : فلستم ذهل الأكبر أنتم ذهل الأصغر . فقام إليه غلام قد بقل وجهه يقال له دغفل فقال :

إنّ على سائلنا أن نسأله

و العب‏ء لا تعرفه أو تحمله

يا هذا إنّك سألتنا فلم نكتمك شيئا . فمن الرجل ؟ قال : من قريش ، قال :

بخ بخ أهل الشرف و الرياسة . فمن أيّ قريش ؟ قال : من تيم بن مرّة ، قال :

أمكنت و الله الرامي من صفاء الثغرة . أفمنكم قصيّ الّذي جمع القبائل من فهر و كان يدعى مجمّعا ؟ قال : لا . قال : أفمنكم هاشم الّذي هشم الثريد لقومه ، و رجال مكّة مسنتون عجاف ؟ قال : لا . قال : أفمنكم شيبة الحمد مطعم طير السماء الّذي كان وجهه قمرا مضيئا يضي‏ء ليل الظلام الداجي ؟

قال : لا . قال : أفمن المفيضين بالناس أنت ؟ قال : لا . قال : أفمن أهل الندوة أنت ؟ قال : لا . قال : أفمن أهل السقاية أنت ؟ قال : لا و اجتذب أبو بكر زمام ناقته ، و رجع . فقال : دغفل « صادف درء السيل درء يصدعه » أما و اللّه

١٦

لو ثبت لأخبرتك أنّك من زمعات قريش .

قلت : و ما قاله المفضل من أن أبا بكر أوّل من قال ذاك المثل ، ليس كذلك .

فروي أن الأصل فيه عبيد بن شربة الجرهمي في الجاهلية ، و انما تمثّل به أبو بكر لمّا أراد إظهار إطّلاعه بالأنساب عند دغفل فأخزاه .

و لم يكن في تيم شريف إلاّ ابن جدعان الّذي مرّ انّ أبا قحافة كان ينادي على طعامه ، و يطرد الذباب عن مائدته ، و مع ذلك كان كسب ابن جدعان من بعث جواريه للزنا ، و بيع أولادهن كما صرّح به ابن قتيبة في ( معارفه ) ١ .

و في ( أمثال الكرماني ) أيضا : ارتدّ الأشعث بن قيس الكندي في جملة أهل الردّة . فأتى به أبا بكر أسيرا . فأطلقه ، و زوّجه اخته فروة رغبة منه في شرفه فخرج من عند أبي بكر ، و دخل السوق ، فاخترط سيفه . ثم لم تلقه ذات أربع إلاّ عرقبها من بعير و فرس و بقر ، و مضى فدخل دارا من دور الأنصار .

فصار الناس حشد إلى أبي بكر . فقالوا : هذا الأشعث قد ارتدّ ثانية . فبعث أبو بكر إليه فأشرف إلى السطح ، و قال : يا أهل المدينة إنّي غريب في بلدكم . و قد أولمت بما عرقبت . فليأكل كلّ انسان ما وجد وليغد عليّ كلّ من كان له قبلي حقّ ، فلم يبق دار من دور المدينة إلاّ دخلها من ذلك اللحم ، و لا رئي أشبه بيوم الأضحى من ذاك اليوم ، فضرب أهل المدينة به المثل فقالوا : أو لم من الأشعث ٢ . و قال الأصبغ بن حرملة الليثي متسخّطا لهذه المصاهرة مخاطبا أبا بكر :

أتيت بكندي قد ارتدّ و انتهى

إلى غاية من نكث ميثاقه كفرا

فكان ثواب النكث إحياء نفسه

و كان ثواب الكفر تزويجه البكرا

ــــــــــــــــ

( ١ ) المعارف : ٥٧٦ .

( ٢ ) انظر ايضا : الاصابة لابن حجر ١ : ٥١ .

١٧

و لو أنّه يأبى عليك نكاحها

و تزويجها منه لأمهرته مهرا

و لو أنّه رام الزيادة مثلها

لأنكحته عشرا و أتبعته عشرا

فقل لأبي بكر لقد شنت بعدها

قريشا و أخملت النباهة و الذكرا

أما كان في تيم بن مرّة واحد

تزوّجه لو لا أردت به الفخرا

و لو كان لمّا أن أتاك قتلته

لأحرزتها ذكرا و قدّمتها ذخرا

فأضحى يرى ما قد فعلت فريضة

عليك فلا حمدا حويت و لا أجرا

و في ( موفقيات الزبير بن بكار ) و قد نقله ابن أبي الحديد في شرح قوله : « و اعتبروا بحال ولد إسماعيل » أنّ أبا بكر قال في الجاهلية لقيس بن عاصم المنقري : ما حملك على أن و أدت ؟ قال : مخافة أن يخلف عليهنّ مثلك ١ .

و في ( نقض عثمانية الاسكافي ) : روى الواقدي و غيره : أنّ عائشة رأت رجلا من العرب خفيف العارضين ، معروق الخدّين . غائر العينين . أجنى لا يمسك إزاره فقالت : ما رأيت أشبه بأبي بكر من هذا قال الاسكافي بعد نقل الرواية ردّا لقول الجاحظ : « كان لأبي بكر وجه عتيق » « فلا نراها دلّت على شي‏ء من الجمال في صفته » ٢ .

و حيث انّ البكر الفتيّ من الإبل و به كني أبو بكر قال أبو سفيان لمّا بويع أبو بكر : يا بني عبد مناف ، أرضيتم أن يلي عليكم أبو فصيل الرذل ابن الرذل ؟ ٣ .

و كانت هوازن تسمّيه ذا الجلال . فلمّا أتاهم بيعته قالوا : لا نبايع ذا

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٢٤٣ ، شرح الخطبة ١٩٠ .

( ٢ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٢٧٦ ، شرح الخطبة ١٩٠ .

( ٣ ) روى هذا المعنى عن أبي سفيان ، الجوهري في السقيفة : ٣٨ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٤٤٩ ، سنة ١١ ، و غيرهما .

١٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الخامس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

الجلال و إنّما سمّوه بذلك لأنّه كان له كساء فدكي يحله عنه إذا ركب و يلبسه إذا نزل .

و لكسائه ذاك سمّاه أهل نجد ذا العباءة . ففي ( سيرة ابن هشام ) : لمّا أتاهم بيعة أبي بكر قالوا : أ نحن نبايع ذا العباءة ؟ قال : كان أبو بكر في غزوة ذات السلاسل الّتي أمّر عليه و على صاحبه عمرو بن العاص عليه عباءة له فدكية يبسطها إذا نزل و يلبسها إذا ركب ، ثمّ يشكّها عليه بخلال له ١ . و في ( شعراء ابن قتيبة ) : قال الحطيئة :

أطعنا رسول الله إذا كان حاضرا

فيالهفتي ما بال دين أبي بكر

أ يورثها بكرا إذا مات بعده

و تلك و بيت الله قاصمة الظهر ٢

و في ( ادباء الحموي ) قال الناشي : قال لي الراضي : أنشدني من شعرك في بني هاشم فأنشدته :

بني العباس إنّ لكم دماء

أراقتها اميّة بالذحول

فليس بها شمي من يوالي

اميّة و اللعين أبا زبيل

فقال : ما بينك و بين أبي زبيل ، فقلت : أمير المؤمنين أعلم . فابتسم ٣ .

و في ( بلدانه ) في عنوان حضر موت قال حارثة بن سراقة :

أطعنا رسول اللّه ما دام بيننا

فيا قوم ما شأني و شأن أبي بكر

أ يورثها بكرا إذا مات بعده

فتلك لعمر اللّه قاصمة الظهر ٤

و روى محمّد بن محمّد بن النعمان في ( أماليه ) أنّ أبا قحافة لما سمع أنّ ابنه ولي الأمر قال : أرضيت بذلك بنو المغيرة و بنو عبد شمس ؟ قالوا : نعم .

ــــــــــــــــ

( ١ ) سيرة ابن هشام ٤ : ٢٠٠ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) الشعر و الشعراء : ١١٠ .

( ٣ ) معجم الادباء ١٣ : ٢٨٤ .

( ٤ ) معجم البلدان ٢ : ٢٧١ .

١٩

قال : أ ينكرون النبوّة و يقرّون بالخلافة إن هذا لشي‏ء يراد ١ ؟ و في خطبة أمير المؤمنين عليه السّلام الطالوتية المروية في روضة الكافي قال عليه السّلام : لو أنّ لي رجالا ينصحون لله و لرسوله ( و كان عليه السلام مرّ على ثلاثين شاة ) بعدد هذه الشياه لأزلت أبن آكلة الذّباب عن ملكه ٢ .

و في كتاب سليم بن قيس قال أمير المؤمنين عليه السلام لعمر : يا ابن صهاك أليس لنا فيها حق ، و هي لك ، و لابن آكلة الذباب ؟ فقال عمر : إنّ العامّة رضوا بصاحبي و لم يرضوا بك فما ذنبي ؟ فقال عليه السّلام : و لكنّ الله و رسوله لم يرضيا إلاّ بي ٣ .

قال ابن أبي الحديد : اسم أبي بكر القديم عبد الكعبة . فسمّاه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عبد الله و اختلفوا في عتيق . فقيل : كان اسمه في الجاهلية ، و قيل : بل سمّاه به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ٤ .

قلت : أهل بيته أعرف به سئل عبد الرحمن بن القاسم بن محمّد بن أبي بكر عن اسمه . فقال : إسمه عتيق . كان بنو أبي قحافة معتق و عتق و عتيق .

« و إنّه ليعلم أنّ محلّي منها » أي : من الخلافة بعد مشاهدته مقاماته و سماعه من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله استخلافه .

« محلّ القطب من الرحى » قال الجوهري : « يجوز في قطب الرحى ضمّ القاف و فتحها و كسرها » ٥ ، و قال ابن دريد : « قطب الرحى : الحديدة

ــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي المفيد : ٦٠ ح ٧ ، المجلس ١٠ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) الكافي ٨ : ٣٣ ح ٥ .

( ٣ ) كتاب سليم : ٩١ ، و النقل بتلخيص .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٥٢ .

( ٥ ) صحاح اللغة ١ : ٢٠٤ ، مادة ( قطب ) .

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

المبحث ألأول: ضرورة وجود المنقذ

إنّ من أعظم منن الله تبارك وتعالى على خلقه هو الأخذ بأيديهم الى درجات الكمال التي رسمها لهم فاطرُ السموات والأرض ومدبّرها، فهو لا ولن يترك خلقه سداً ولو ليوم واحد أو للحظة واحدة، وهذا واضح لايخفى على كلّ ذي عقل؛ فقد إبتدأ سبحانه وتعالى بلطفه مسيرةً طويلةً، ورسم خطّاً مقدّساً منيراً يستطيع أن يلمسه ويتفحّصه جميع البشر بشكل مباشر ويسيرون عليه وتثبت عليه أقدامهم، وذلك من خلال إرسال الأنبياء والرسل والكتب السماويّة المقدّسة ونصب أعلام الهدى الرّبّانيين منذ الفجر الأول للإنسانية وعلى كرّ الدهور والأيام والى يومنا هذا.

وبفيضه ورأفته ورحمته سدّد أحباءه وأولياءه وأهل الكرامة عليه بالأدلّة الدامغة والبراهين الساطعة والمعجزات الباهرة،ووقف معهم بمقامه الشامخ المنيف في خندق واحد يدافعُ عنهم ويذبُّ عنهم الأعداء، وشدّ أزرهم بقوّته القاهرة وملائكته المسوّمين والمردفين، وأخبرهم بأنّه معهم يسمع ويرى، فهزم بجنده القليلين المستضعفين جيوش الشرّ والمستكبرين الذين كانوا يفوقونهم بالعدّة والعدد وبحشودهم المليونيّة لأنّهم لم يزالوا ملوك الأرض وأسباب الدنيا بأيديهم، فقد هاجم فرعون بكليمه موسى (ع) فانتصر عليه وأكذب ربوبيّته وقتله، وهاجم نمرود بخليله إبراهيم (ع) وفضحه وأخزاه ودمّره، وزحف على جالوت وطواغيته بقائد جيشه الظافر طالوت (ع) فأراح البلاد والعباد من جبروته وغطرسته...الخ.

٨١

وهكذا دواليك فهذا ديدنُهُ وخُلُقه، وهكذا هي سنَنُهُ الربانيّه عزّ وجلّ التي ليس لها تبديل وليس لها تحويل وهي جارية في كلّ عصر وزمان. وقد أثبت ذلك بشكل قاطع في القرآن الكريم حيث قال عزّ من قائل:

-( فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَ‌أَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ‌ هُنَالِكَ الْكَافِرُ‌ونَ ) .(1)

-( سُنَّةَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا ) (2) .

-( سُنَّةَ اللَّـهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا ) (3) .

-( فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَحْوِيلًا ) (4) .

ثمّ إنّه تبارك وتعالى في كلّ تلك الأحداث الكبيرة وغيرها من الأحداث المروّعة والمريرة والمنعطفات الخطيرة، نراه يوطّد هذا الخطّ المبارك بشكل يدهش الألباب ويحيّر الأفكار ويلفت الأنظار على طول مسير الحياة الإنسانية بالتسديد الغيبي والنصرة والإنارة والتبيين...، حتى صار هذا السراط الإلهيّ المستقيم صلباً منيعاً وذا جذور عميقة ثابتة يصعب على كلّ الظالمين محوه ودثره أو إزالته أوتجاهله، ولكنّهم وبحسب سجايا الإنحطاط والدّناءة التي تغمرهم يحاولون في كلّ عصرٍ وزمانٍ الإلتفاف عليه لتمويه أفعالهم القبيحة لفترة من الزمن وذلك لنيل مآربهم الخسيسة.

____________________

(1) غافر: 85.

(2) الفتح:23.

(3) الأحزاب: 62.

(4) فاطر: 43.

٨٢

هذا وقد آلى الله سبحانه وتعالى على نفسه المقدّسة ووعد المؤمنين من عباده وعداً حتميّاً، وعهد اليهم عهداً قطعيّاً، وكتب ذلك على نفسه المقدّسه، وبيّنه لعموم البشريّة عندما أثبته في كتبه المقدّسة وبشّر به على لسان أنبياءه ورسله (ع)؛ بأنّه لابدّ من أن يظهر دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون، وينصرَ أولياءه وعباده المستضعفين ويجعلهم أئمّة ويجعلهم الوارثين(1) ، وأنّه يدّخر لذلك خليفته الأعظم وهو المصلح في آخر الزمان الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً وينتقم به لدماء الأنبياء والرسل والشهداء والمظلومين، ويدرك به ثأرَهُ المقدَّس، ويقيم به أحكامه وشرائعه، ويغدق به نعماءه، ولكي يُريَ جميع البشر وغيرهم من عوالم خلقه الأُخرى فَرَجَهُ الأعظم وكيف يكون حكمه تبارك وتعالى(2) بواسطة وليّه وممثله الشرعي وقوانينه الربوبيّة الرائعة التي مارآها البشر ولاغيرهم يوماً ما قطُّ على وجه هذا الكوكب الذي مرَّ بكلّ أنواع الجور والظلم وسفك الدماء والمحن والمآسي...الخ.

هذا وقد أخبر عزّ وجلّ أنبياءه ورسله مراراً وتكراراً، وأثبت ذلك في كتبه المنزلة بأنّه سيستفحل الشر في آخر الزمان(3) حتى يورق ويثمر القتله

____________________

(1) انظر: الطُّورُ المهدوي، ص94-96 في موضوع: قاعدة النصر الحتمي للمؤمنين.

(2) انظر: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص119- 127، في موضوع: ملكوت الله عند السيد المسيح، يعني حكم الله في آخر الزمان وحتميته ووقت حدوثه وشرحه ومصاديقه...الخ.

(3) انظر: ماقبل نهاية التأريخ، ص108 وما بعدها في موضوع: نموذج الإنحراف البشري قبل الظهور.

٨٣

والجزّارين والسفاحين والمتشيطنيين العفنيين والجاحدين والمشركين والكافرين،حتى يظهرالتغيُّرُ الفساد في البرّ والبحر وفي كلّ مكان(1) ، وأنَّهُ سيكون هناكَ تصادماً عنيفاً مع الشريعة الإسلامية المقدَّسة والأُمة المؤمنة من جانب وقوى الكفر والإستكبار العالمي(2) ؛ فيستغيث الأنبياء والرسل والأولياء والقديسون والشهداء إستغاثةَ الغريق ببارئهم(3) ليُدرِكَ ثأرهم ويأخُذَ بحقّهم ولينقذ أتباعهم المؤمنين المستضعفين الذين لازالوا يبادون ويُطهّرَ الأرض التي ملئوها ظلماً وجوراً بواسطة رجل الله المقدس الموعود فيملأها عدلاً وقسطاً.(4)

ووعد أنّه سينتقم من اولئك المجرمين جمياً، إنتقاماً مرعباً مخيفاً، ليس له مثيل ولم يكن لهُ نظير بواسطة وليّه وخليفته المنتقم من الظالمين ومصلح الكون ومنقذ المستضعفين ومنقذ المنكوبين وأمل المحرومين، فمن تشرَّفَ برُؤيةِ وجهه المبارك كان كمن رأى وجوه جميع الأنبياء والأوصياء لأنّه وريثهم الشرعي ومكمل بنيانهم الذي أسّسوا، ومن سمعه كان كمن سمع

____________________

(1) للمزيد، انظر: جولةٌ في حكومة الإمام المهدي (ع)، ص 37-51.

(2) انظر: ماقبل نهاية التأريخ، ص 153، وما بعدها في موضوع: (التصادم مع الشريعة الإسلامية والأمة المؤمنة من قبل النظام العالمي).

(3) كما سيمرُّ بنا في الفصل الثالث في موضوع: (دعاء الأنبياء لمنقذ العالم).

(4) للمزيد، انظر: الطُّورُ المهدوي، ص 25 ومابعدها في موضوع: (البعد الكوني للمهدوية)، وص 179، ومابعدها في موضوع: (حتمية الطور المهدوي...الخ).

٨٤

جميع الرسل والمقدّسين فهو لسانهم الصادق في الآخرين، ومن صلىّ خلفَهُ، يكون قد صلى خلف (رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم لأنه خليفتهُ.(1)

ويحكم بحكم داود (ع) ولايحتاجُ الى بيّنةٍٍٍ أو شهود، بل يلهمهُ اللهُ تعالى فيحكم بعلمهِ(2) ...الخ.

ويجدرُ بنا أن نبيِّنَ هنا شيئاً من العقائد التي يؤمنُ بها البشر في هذا الصدد:

اولاً: العقائدُ العامّةُ لجميع البشر بمنقذ العالم وحتميّة مجيء يومه الموعود

إنّ امرَ منقذ العالم المنتَظر، وقوة ظهوره، وشدّة نوره، قد إخترق جميع العوالم عبر الدهور ولم يقف عند حدٍّ وأمدٍ أبداً! لذا نجد ان جميع البشر(3) على وجه الارض سواء كانوا من اهل الديانات السماوية او من اهل المذاهب والفلسفات بما فيها الوثنية والالحادية وغيرهم، يلهجون بذكر المصلح والمنقذ لسكان العالم.(4)

____________________

(1) الهداية، ص 42-45. الغيبة للنعماني: 75 ضمن ح 9 عن سليم بن قيس: 2/707 عن شيخ من نسل حواري عيسى بن مريم (عليه السلام)، والاعتقادات: 95، وكمال الدين: 1/251 ضمن ح 1، وص 280 ح 27 عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وص 331 ضمن ح 16 عن الباقر (عليه السلام)، وص 345 ضمن ج 31 عن الصادق (عليه السلام)، والغيبة للطوسي: 116، وكفاية الأثر: 80، وص 99 عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثله. كمال الدين: 1/284 ح 36 عن رسول صلى الله عليه وآله وسلم، وص 527 ضمن ح 1 عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وص 332 ح 17 عن الباقر (عليه السلام)، وكفاية الأثر: 225 عن الحسن بن علي (عليه السلام) نحوه. البيان في أخبار صاحب الزمان:ص109، ص110، وص112، وص 113، وص 117، وص 124، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي:ص 191، وص292، وص 293، والعرف الوردي في أخبار المهدي: 64، وص 78، وص 81، وص 86. والبرهان في علامات مهدي آخر الزمان (عليه السلام): 158 ح 1، وص 160 ح 7 وح8 و ح 9 نحوه، وص 176 مثله. انظر صحيح مسلم: 1/94، وص 95، وشرح سنن ابن ماجة: 2/514، ومسند ابن حنبل: 3/345، وص 367، وص 384، و ج 4/217.

(2) قال الصادقُ (ع): «إذا قامَ قائمُ آل محمد (ص) حكمَ بين الناسِ بحكم داود، ولايحتاجُ الى بيّنةٍ، يلهمهُ الله تعالى فيحكم بعلمه». روضة الواعظين، ص 266. بصائر الدرجات، ج5، ص 259.

(3) انظر: المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة،ص 192 وما بعدها في موضوع: (عقائد الأمم في المهدي (ع)). المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص 20، تحت عنوان: (فكرة المخلص المنتظر).

(4) انظر: المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة،ص 191 وما بعدها في موضوع: (عقائد الأمم في المهدي (ع)).

٨٥

وقد كان للفطرة الإنسانية دورٌ كبيرٌ في ترسيخ هذه العقيدة وغرسها في النفوس، وأنَّ الله تباركَ وتعالى لم يقطع أملَ الإنسانية في كلّ عصرٍ من العصور، وهو نوعٌ من التربية الرَّبّانيَّة لعموم البشر ولطفٌ محضٌ، وقد عبَّر عن هذه الحقيقة أَحدُ أعاظم العلماء يقوله:

(... ليسَ المهدي(1) تجسيداً لعقيدةٍ إسلاميةٍ ذات طابعٍ دينيٍّ فحسب، بل هو عنوانٌ لطموحٍ اتَّجهت اليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغةٍ لإلهامٍ فطري...) الخ.(2)

وعلى سبيل المثال، فإنّ أصحاب الديانة(البرهمية ) يعتقدون بمخلص الانسان(3) ، ويعتقد البوذيّون بـ (المولود الوحيد ومخلّص العالم )(4) ، وهو: المنتظر عندهم وهو (بوذا الخامس)(5) ، واما العقيدة(المانويّة ) فانها ترى ان المسيح اختفى وسيعود في المستقبل(6) ... وما الى ذلك.

وأما الزرادشتية: فانَّهم (يترقبون موعوداً في كتبهم، ككتاب أوستا

____________________

(1) الإمام المهدي (ع): هو منقذ العالم في عقائد المسلمين.

(2) بحثٌ حول المهدي، ص 7، وما بعدها. وانظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص 20، تحت عنوان: فكرة المخلص المنتظر: سادت هذه الفكرة ومازالت لدى كلّ الأديان المعروفة، وبشكلٍ خاص الأديان السماوية نتيجةً لإخبار أَصحاب الرسالات السماوية بها...الخ.

(3) ألأسفار المقدسه: ص128-130.

(4) ألأسفار المقدسه: ص 130.

(5) المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص 191، في موضوع: عقائد الأمم في المهدي (ع).

(6) الفرق الاسلاميه: ص30.

٨٦

و زند و رسالة جاماسب و دينيك و زرادشت، وهو الموعود الثالث عندهم ويلقّبونهُ بـ (سوشيانت المنتصر) حيث قالوا:

(إن سوشيانت المزدية بمثابة كريشناي البراهمة، وبوذا الخامس لدى البوذية، والمسيح لدى اليهود، وفارقليط عند العيسوية، وبمنزلة المهدي لدى المسلمين).(1)

وأما الهنود: فقد (ذكروا منقذاً موعوداً في كتبهم، ككتاب (مهابهاراتا) وكتاب (بورانه ها)، وقالوا: (تذهب الأديان جميعاً الى أنه في نهاية كلّ مرحلةٍٍمن مراحل التأريخ يتجهُ البشرُ صوبَ الإنحطاط المعنوي والأخلاقي وحيث يكونون في هبوط فطري وابتعاد عن المبدأ، ويمضون في حركتهم مضيَّ الأحجار الهابطة نحو الأسفل، فلا يمكنهم أنفسهم أن يضعوا نهايةً لهذه الحركة التنازلية والهبوط المعنوي والأخلاقي، إذاً فلابدَّ من يومٍ تظهرُ فيه شخصيةٌ معنويةٌ على مستوىً رفيع تستلهمُ مبدأ الوحي وتنتشلُ العالمَ من ظلمات الجهل والضياع والظلم والجور).(2)

ويعتقدُ اليهود بان المصلح المنتظر في آخر الزمان هو «ايليَّا»، واما المسيحيون فيعتقدون بانه «عيسي بن مريم »(3) . وأنّ (إيليَّا) هذا، وكما يعتقد اليهود هو: نبيٌّ يأتي في آخر الزمان فينصره الله تعالى وينتقم من الظالمين،

____________________

(1) المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص 191.عن دائرة المعارف الفارسية، الجزء الأول، ص1373. انظر: الإمام المهدي في كتب الأُمم السابقة والمسلمين، ص52.

(2) المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص 191.عن شمس المغرب، للحكيمي، ص53. انظر: الإمام المهدي في كتب الأُمم السابقة والمسلمين، ص53-54.

(3) انظر اصول الدين: ص367.

٨٧

هذا وتضجُّ أسفارُ توراتهم وآثارهم بانتظار موعود مخلّصٍ، كما في كتاب: (نبوءة هيلد) و (بشارات العهدين: 7 وما بعدها)، و (دانيال النبيّ) و (النبيّ حجّي) و (النبيّ صفينا) و (النبيّ إشعيا)، وكلّها مطبوعةٌ ضمن الكتاب المقدّس (التوراة).(1)

فأمّا قولهم بأنّه نبيٌّ فهو باطلٌ بسبب ختم النبوّات والرسالات بالنبيّ والرسول الخاتم محمد (ص) ولانبيّ بعده قطعاً؛ ومادامت هذه البشارة صحيحةٌ وثابةٌ فيبقى لها وجهٌ واحدٌ للحقّ والصدق بعد دراسة هذه العبارة والتمعّن فيها.

فلو قارنّا بين اسمي (ايليَّا) و (عليّا) لفُتحَ لنا عالمٌ آخر، فلعلَّ المراد هو البشارة بمجيء عليّ (ع) سواءٌ بمجيئه الأوّل مع النبيّ محمد (ص) أوالثاني وذلك في زمن الرجعة فقد جاءت بذلك الأخبارالشريفة وليس هنا مجال بحثه، ولكن لو رجعنا الى الإنجيل لسهل الأمر أكثر، حيث جاء في الانجيل قوله:

(وهذه شهادةُ يوحنا، حينَ أرسَلَ اليهودُ من أورشليم كهنةً ولاويّينَ؛ ليسألوه: من انت؟ فاعترف، ولم ينكر، وأقرَّ: أني لستُ أنا المسيح. فسألوه: إذن ماذا؟ إيليَّا؟ فقال: لستُ أنا. النبيُّ أنت؟ فأجاب: لا).(2)

فانَّ المراد بايليَّا ليسَ الياساً - كما ربّما يُدّعى - وذلك لانه قد كان قبل

____________________

(1) المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص 191. انظر: الإمام المهدي في كتب الأُمم السابقة والمسلمين، ص55-57.

(2) انجيل يوحنا:الاصحاح الأول، الفقرات (19-21) الأصل العبري.سفر يوحنا، 1: 19-21، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 125.العهد الجديد، سفر يوحنا، الإصحاح 1، الفقرات 19-21، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر.

٨٨

عيسى بقرون، فلا بد أن يكون المقصود به رجلاً يأتي بعد عيسى. وكذلك الحال بالنسبة الى النبي الذي سألوه عنه.

ومن المعلوم انه لم يأت بعد عيسى غير نبينا محمد (صلّي الله عليه وآله وسلم )،واوصيائه (عليهم السلام) فلعل المقصود بالنبي هو محمد (صلي الله عليه وآله وسلم )وبايليَّا وصيّهُ عليّ (عليه السلام).(1)

ويعتقد النصاري: أن المسيح (ع) قُتلَ وصُلبَ ودٌفنَ ثم قام في اليوم الثالث وصعد الى السماء وجلس عن يمين ابيه وهو مستعد للمجيء تارة اخرى للقضاء بين الاموات والاحياء...)(2) .

وأما بشأن عقيدة المسيحيين بكون المنقذ هو عيسى (ع):فمن المعلوم عند جميع فرق المسلمين وهو حقٌّ لاريبَ فيه: اقتران ظهور المهدي المنتظر(عج ) مع نزول عيسى(ع) من السماء، وقد تواترت(3) روايات المسلمين في ذلك، ومن مضامينها:

(ان عيسى ينزل وقد صلى الامام وهو المهدىُّ بالناس، العصر، وقيل: الصبح، فيتأخر فيقدمه عيسى، ويصلى عيسى خلفه. وما نزل عيسى على

____________________

(1) الصحيح من سيرة النبى ألأعظم (ص):ج2 ص220.

(2) الملل والنحل: ج1 ص227 باختصار شديد من ملخص عقيدة النصارى. و أُنظر: المسيح المنتظر ونهاية العالم، ص 158 في موضوع عودة المسيح (ع)، وكذلك تواتر الأحاديث في نزوله، ص 206، والرجاء المبارك لدى النصارى بنزول عيسى (ع) في ص 250، وأنَّ رجوعهُ ونزولهُ حقٌّ يقينٌ حتميٌّ لاشبهةَ فيه كما في: دانيال: 7/ 13، وإنجيل يوحنا: 4/28، وسفر ألأعمال: 1/10-11، ورؤيا يوحنا: 1/7، ورؤيا يوحنا: 22/ 7، ورؤيا يوحنا: 22/12.

(3) وكونها متواترةٌ تواتراً معنويّاً في نزول المسيح (ع)، أُنظر: المسيح المنتظر ونهاية العالم، ص206.

٨٩

مقتضى هذه الأخبار الا بعد نفوذ دعوة الامام واجتماع الناس عليه فيكون مصدقا لدعوة الامام في دعواه، وقوة له وعونا...).(1)

من هنا فقد وقع أتباع معظم الديانات التي سبقت الإسلام،وخاصةً المسيحية منها، في إرباكٍ كبير وخلط واسع بين البشارات الخاصة بـ (منقذ العالم) والبشارات الخاصة بـ (نزول عيسى -ع - من السماء ورجوعه الى الأرض مرةً ثانية)،وذلك لكون مجيئهما وحضورهما في عصر واحد، وبسبب التشابه الكبير بين نصوص البشارات الخاصة بكلّ واحدٍ منهما، وعدم إطّلاعهم على بشارات القرآن والنبيّ الأكرم محمد(ص) وأتباعه الصالحين (رض) بخصوص هذا الأمر، وإعتمادهم كليّاً ووقوفهم على ماقاله السلف والآباء حول تفسير هذه البشارات الواردة في كتبهم المقدسة - وهذا موضوعٌ خصبٌ يطول بحثه وليس هنا محلّه - لذا فقد غابت عنهم حقيقةٌ إلهيّةٌمهمةٌ لطالما نادى بها الدين الإسلاميّ الحنيف عبرَ القرآن الكريم والرسول محمد (ص) والأئمَّة الأطهار من أهل بيته (ع) وصحبه أجمعين؛ إذ يملكُ الأسلامُ في هذا الموضوع صورةً ربّانيّةً مشرقةً وواضحةً لها عمقُها وبعدُها التأريخيّ والعقيديّ، فقد قال الله تباركَ وتعالى في كتابه العزيز:( إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَ‌افِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُ‌كَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ

____________________

(1) العمدة، ص438.

٩٠

ثُمَّ إِلَيَّ مَرْ‌جِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) .(1)

____________________

(1) سورة آل عمران: آية 55، و(متوفيك) هنا: ليس بمعنى، توفّى الله فلاناً: قبض روحه، انظر القاموس الفقهي، د. سعدي أبو حبيب، ص 384، حرف الواو. ولكن هنا بمعنى إني آخذك إليَّ تاماً وافياً لابعيب ولانقص ورافعك الى سمائي أو الى كرامتي...، أو كما قيل بالتقديم والتأخير وأن المعنى: رافعك ومتوفيك... الخ، وسمى رفعه إلى السماء رفعا إليه: تفخيما لأمر السماء يعني: رافعك لموضع لا يكون عليك إلا أمري... كما قال حكاية عن إبراهيم عليه السلام: (اني ذاهب إلى ربي سيهدين) أي إلى حيث أمرني ربي، سمى ذهابه إلى الشام ذهابا إلى ربه... الخ.وللمزيد انظر: كمال الدين، الصدوق، ص225. بحار الأنوار، المجلسي، ج14 ص 250،و ص 335، و ص 336، و ص 338،و ص 344، و ص 516...الخ. تفسير القمي، ج1 ص 103. الكشاف، الزمخشري، ج1 ص342. تفسير جوامع الجامع، الطبرسي، ج1 ص291. ففي بحار الأنوار، العلامة المجلسي:ج 14، ص 343-344:

(إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي) قيل في معناه أقوال: أحدها أن المراد به أني قابضك برفعك من الأرض إلى السماء من غير وفاة بموت عن الحسن وكعب وابن جريح وابن زيد والكلبي وغيرهم، وعلى هذا القول يكون للمتوفي تأويلان: أحدهما: إني رافعك إلي وافياً لم ينالوا منك شيئاً، من قولهم: توفيت كذا واستوفيته، أي أخذته تاماً. والآخر: إني متسلمك، من قولهم: توفيت منك كذا أي تسلمته. وثانيها: إني متوفيك وفاة نوم، ورافعك إليَّ في النوم، عن الربيع، قال: رفعه نائماً، ويدل عليه قوله: (وهو الذي يتوفاكم بالليل) أي ينيمكم، إن النوم أخو الموت، وقوله: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها). وثالثها: إني متوفيك وفاة موت، عن ابن عباس ووهب، قالا: أماته الله ثلاث ساعات. وأما النحويون فيقولون: هو على التقديم والتأخير، أي إني رافعك ومتوفيك، لان الواو لا توجب الترتيب بدلالة قوله: (فكيف كان عذابي ونذر) والنذر قبل العذاب وهذا مروي عن الضحاك. ويدل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: عيسى عليه السلام لم يمت وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة. وقد صح عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟ رواه البخاري ومسلم في الصحيحين، فعلى هذا يكون تقديره: إني قابضك بالموت بعد نزولك من السماء. وقوله: (ورافعك إلي) فيه قولان: أحدهما: أني رافعك إلى سمائي. =

٩١

وجاء في الخبر أيضاً:(... قال تعالى لعيسى: أَرفعُكَ إليَّ ثمَّ أُهبطكَ في آخر الزمان لترى من أُمَّة ذلك النبيّ العجائب، ولتعينهم على اللعين الدَّجال، أُهبطُكَ في وقت الصلاة لتصلّي معهم، إنَّهم أُمَّةٌ مرحومةٌ) .(1)

هذا وقد صرَّحَ عيسى (ع) بأنّه ليسَ هو المنقذ للعالم في آخر الزمان، بل هناك من يأتي ويطلبُ بحقّ الجميع بما فيهم عيسى (ع) نفسه، كما في قوله: (أنا لا أطلُبُ مجداً لي. هناكَ من يطلُبُهُ لي ويحكم).(2) وأمثالُ هذا كثيرٌ لمن تمعَّنَ وتدبَّرَ في الكتب المقدَّسة.

ثمّ (أنَّ المفسّرينَ الإنجيليّينَيقولون: المبشَّر به في هذه الآيات(3) ، لم يولد حتى الآن، ولانعرفُ لها تفسيراً واضحاً، حتى يُولد فنعرف كيف هو وأنّى).(4) بل إنَّ الكثير من سنخ هذه الآيات كما عبَّروا تعتبرُ ألغازاً بالنسبة لهم، ولم يستطيعوا الوقوفَ على تفسيرها لما بيَّنّا ومرَّ آنفاً.

واعتقاد اهل السنة: انه سيظهر في آخر الزمان مهدي يقوم بالسيف وانه: (قد تواترت الاخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى(ص).

____________________

= والآخر أن معناه: رافعك إلى كرامتي، ومطهرك من الذين كفروا، بإخراجك من بينهم فإنهم أرجاس، وقيل: تطهيره منعه من كفر يفعلونه بالقتل الذي كانوا هموا به لان ذلك رجس طهره الله منه... الخ.

(1) كمال الدين وتمام النعمة، ص 160. الجواهر السنية، ص 113. حلية الأبرار، ج 1 ص 169. أمالي الصدوق، ص 160. بحار الأنوار، ج 14 ص 286، وج 16،ص 145 ب 8 ح1، وج 52 ص 181 ب 25 ح 1 آخره. الزام الناصبب، ج 1، ص 160، عن العوالم. اعلام الورى، ج1 ص 60. الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، ص 300. الإيمان والكفر، ص 137.

(2) انجيل يوحنا 8: 50، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 169. المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص 60-68. انجيل يوحنا 8: 50، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر.

(3) والآيات التي عَنَوها هي في: رؤيا يوحنا 2: 26-29. رؤيا يوحنا 12: 1-17. إنجيل متى: 24. انظر: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص103-107.

(4) نفس المصدر: 103-108.

٩٢

بخروجه، وانه من اهل بيته، وانه يملك سبع سنين، وانه يملا الارض عدلاً، وانه يخرج مع عيسى علي نبينا وعليه افضل الصلاة والسلام... وانه يؤمُّ هذه الامة ويصلي عيسى خلفه ).(1)

ويعتقدون أيضاً:

ان المهدي: (من اشراط الساعة وانه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من اهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الاسلامية، ويسمى - المهدي -).(2)

وانهم ليرون في ذلك ما يراه الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة اذ يقول: ان (امر المهدي امر معلوم والاحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة... فهي بحق تدل على ان هذا الشخص الموعود؛ امره ثابت وخروجه حق ).(3)

ولقد لخَّص هذه الحقيقة العالم العراقي السني الشيخ صفاء الدين آل شيخ الحلقة فقال: (واما المهدي المنتظر فقد بلغت الاحاديث الواردة فيه حداً من الكثرة يورث الطمأنينة بان هذا كائن في آخر الزمان، فيعيد للاسلام سلامته وللايمان قوته وللدين نضارته... وهي متواترة بلا شك ولا شبهه، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها، على جميع الاصطلاحات المحررة في الاصول ).(4)

____________________

(1) الصواعق المحرقه:99. أصول الدين: ص383-384.

(2) المهدى والمهدويه:ص110. أصول الدين: ص368

(3) مجلة الجامعه الاسلاميه: العدد 3 ص 161ـ 162، أصول الدين: ص368.

(4) أصول الدين: ص371.

٩٣

وهكذا فان نور الامام المنتظر (عج) قد إخترق افهام العلماء واستقرّ في جوانحهم منذ احقاب بعيدة جداً، فجعلهم يسارعون في تأليف الكتب والرسائل الخاصة به (عج)،انطلاقاً من ايمانهم به وتصحيحاً للاخبار الواردة فيه، لتعرف الاجيال من بعدهم جلية الامر وواقعه كما ورد في التشريع على لسان النبي الاعظم (ص)، وكان من جملة اولئك على سبيل التمثيل لا الحصر:

1 - عباد بن يعقوب الرواجني المتوفي سنة 250 هـ: له كتاب «اخبار المهدي ».

2 - ابو نعيم الاصبهاني المتوفي سنة 430 هـ: له كتاب (اربعين حديثاً في امرالمهدي »(1) ، وكتاب «مناقب المهدي »، وكتاب «نعت المهدي ».(2)

3 - محمد بن يوسف الكنجي الشافعي المتوفي سنة 658 هـ: له كتاب «البيان في اخبار صاحب الزمان » - مطبوع.

4 - يوسف بن يحيي السلمي الشافعي المتوفي سنة 658 هـ: له كتاب «عقد الدررفي اخبار المهدي المنتظر».(3)

5 - ابن قيم الجوزية المتوفي سنة 751 هـ: له كتاب (المهدي )

6 - ابن حجر الهيتمي الشافعي المتوفي سنة 852 هـ: له كتاب «القول المختصر في علامات المهدي المنتظر».(4)

____________________

(1) روى عنه ابن الصباغ المالكى فى الفصول المهمه:275.

(2) روى عنه الحافظ الكنجى الشافعى كثيرا فى كتابه (البيان).

(3) توجد منه نسخه مصوّره بمعهد المخطوطات العربيه بالقاهره.

(4) وردت نصوص منه فى اسعاف الراغبين: 139، وتوجد نسخ مخطوطه منه فى حلب واستانبول... الخ

(5) توجد منه نسخ خطيه فى استانبول.

(6) ذكره مؤلفه فى كتابه (ألأئمه ألأثنى عشر): ص118

(7) من الكتابين نسخ مخطوطه فى استانبول،... وغيرها.

(8) من ألأول نسخه مخطوطه فى الهند، ومن الثاني باستانبول.

٩٤

7 - جلال الدين السيوطي المتوفي سنة 911 هـ: له كتاب «العرف الوردي في اخبار المهدي» - مبطوع - وكتاب «علامات المهدي».

8 - ابن كمال باشا الحنفي المتوفي سنة 940 هـ: له كتاب «تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان».(1)

9 - محمد بن طولون الدمشقي المتوفي سنة 953 هـ: له كتاب «المهدي الى ما ورد في المهدي».(2)

10 - علي بن حسام الدين المتقي الهندي المتوفي سنة 975 هـ: له كتاب «البرهان في علامات مهدي آخر الزمان »، وكتاب «تلخيص البيان في اخبار مهدي آخرالزمان ».(3)

11 - علي القاري الحنفي المتوفي سنة 1014 هـ: له كتاب: «الرد على من حكم وقضى ان المهدي جاء ومضى»، وكتاب: «المشرب الوردي في اخبار المهدي ».(4)

12 - القاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفي سنة 1250 هـ: له كتاب «التوضيح من تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح ».(5)

13 - مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي المتوفي سنة 1031 هـ: له

____________________

(1) توجد منه نسخ خطيه فى استانبول.

(2) ذكره مؤلفه فى كتابه (ألأئمه ألأثنى عشر): ص118

(3) من الكتابين نسخ مخطوطه فى استانبول،... وغيرها.

(4) من ألأول نسخه مخطوطه فى الهند، ومن الثاني باستانبول.

(5) مجلة الجامعه الاسلاميه: العدد 3 ص131.

٩٥

كتاب «فرائد فوائد الفكر في الامام المهدي المنتظر».(1)

14 - رشيد الراشد التاذفي الحلبي المعاصر: له «تنوير الرجال في ظهور المهدي والدجال »(2) مطبوع.(3)

وما يعتقده أتباع أهل البيت (ع):

أنّ الأرضَ لم تخلو من حجة لله تعالى وهو إمامٌ معصومٌ(4) مفروضُ الطاعةِ، وانه الآن غائبٌ مستور(5) وسيظهَرُ بإذن الله في آخر الزمان ليقيم الحقَّ والعدل واسمه المهدي (عج)(6) .

وهو التاسعُ من وُلد الحسين (ع)المقتول بكربلاء ويرجعُ نَسَبُهُ الى النبيّ محمد (ص) عن طريق ابنته فاطمة الزهراء (ع)(7) .

____________________

(1) توجد منه نسخه خطيّه باستانبول.

(2) انظر: أصول الدين: 372-375.

(3) وذكر الشيخ يوسف محمد عمرو،في كتابه: المسيح الموعود والمهدي النتظر، ص 140-158، ثمانية وستين عالماً من أهل السنة: وافقوا الشيعة على تطهير الأرض بواسطة المهدي (ع) ويذكر أسمائهم، ص152-158.

(4) انظر: الهداية، ص 45، 38، وفي قول الله تعالى:( إِنَّا أَرْ‌سَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرً‌ا وَنَذِيرً‌ا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ‌ ) فاطر: 24.

(5) مستورأو مغمور. انظر النهاية: 3/384.

(6) الهداية، ص 38 -45:وأنه هو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم به عن الله عز وجل باسمه ونسبه، وأنه هو الذي يملأ الأض قسطا وعدلا كما ملئت (جورا وظلما).

(7) الغيبة للطوسي: 164 وفي كفاية الأثر: 261 عن أبي عبد الله عليه السلام: «... إن قائمنا يخرج من صلب الحسن والحسن يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب محمد، ومحمد =

٩٦

وأنه هو الذي يظهر الله عز وجل به دينه على الدين كله ولو كره المشركون(1) .

وأنه هو الذي يفتح الله عز وجل على يديه(2) مشارق الأرض ومغاربها حتى لا يبقى في الأرض مكانٌ إلا ينُادى فيه بالأذان، ويكون الدين كلُّهُ لله.

وأنه هو المهدي الذي (أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه) إذا خرج نزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فصلى خلفه(3) .

ويكون إذا صلى خلفه مصلياً خلفَ (رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم لأنهُ خليفته.(4)

وأنّه قد وُلد بالفعل، ووافقهم على ذلك عدد غير قليل من المسلمين وعلمائهم الكبار؛ وبذلك جاءت الأخبار عن النبيّ وأئمّة أهل البيت (ع) وسنمرُّ على شيء منها بعد ذكر الآيات الكريمة الآتية في هذا المبحث.

وان الامام المهدي (عج ): وُلدَ في سامراء عند الفجر من يوم الخامس

____________________

= يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب ابني هذا - وأشار إلى موسى بن جعفر عليه السلام - وهذا خرج من صلبي نحن اثنا عشر كلنا معصومون مطهرون».

(1) قال الله تبارك وتعالى:( هُوَ الَّذِي أَرْ‌سَلَ رَ‌سُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَ‌هُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِ‌هَ الْمُشْرِ‌كُونَ ) التوبة: 33، انظر الكافي 1/432 ح 91.

(2) (يَدَهُ) ب. قال الله تبارك وتعالى( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّـهِ ) الأنفال: 39. الغيبة للطوسي: 283 نحوه.

(3) قال الله تبارك وتعالى:( وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ... ) النساء: 159. البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي: 113.

(4) الهداية: ص 42 - 45.

٩٧

عشر من شهر شعبان سنة 255 هـ(1) وسماه ابوه محمداً، فكان ذلك مصداقاً للحديث النبوي المعروف:«يواطيء اسمه اسمي» (2) وكنّاهُ ابو القاسم .(3) وقد تسالم على هذه الحقيقة رواةُ الشيعة الامامية وكثيرون غيرهم من طوائف الاسلام الاخرى.(4)

والمسلمون - جيلاً بعد جيل - يروون ذلك ويشهدون بصحته، وكان ممن روى خبر هذه الولادة، بالاضافة الى اجماع الشيعة الامامية عليها - من علماء المسلمين عدد غير قليل من المؤرخين والمؤلفين، ومنهم على سبيل التمثيل:

1 - محمد بن طلحة الشافعي المتوفي سنة 652 هـ(5)

2 - سبط ابن الجوزي المتوفي سنة 554 هـ.(6)

3 - الكنجي الشافعي المتوفي سنة 658 هـ.(7)

4 - ابن خلكان الشافعي المتوفي سنة 681 هـ.(8)

____________________

(1) الارشاد: ج2 ص323.

(2) صحيح الترمذى:2 /270.

(3) تذكرة الخواص:377.

(4) اصول الدين: 399.

(5) مطالب السؤول 2: 79.

(6) تذكرة الخواص: 377.

(7) البيان: 102 - 112.

(8) وفياة الأعيان: 3/316.

٩٨

5 - صلاح الدين الصفدي المتوفي سنة 764 هـ.(1)

6 - ابن حجر الهيتمي الشافعي: المتوفي سنه2 85 هـ.(2)

7 - ابن الصباغ المالكي المتوفي سنة 855 هـ.(3)

8 - ابن طولون الدمشقي المتوفي سنة 953 هـ.(4)

9 - الحسين بن عبد الله السمرقندي المتوفي سنة 1043 هـ تقريبا.(5)

10 - محمد الصبان الشافعي المتوفي سنة 1206 هـ.(6)

11 - سليمان القندوزي الحنفي المتوفي سنة 1294 هـ.(7)

12 - محمد أمين السويدي المتوفي 1246 هـ.(8)

13 - مؤمن الشبلنجي الشافعي المتوفي ق 14 هـ.(9)

14- محيي الدين ابي عبد الله محمد بن علي بن محمد بن عربي، في الفتوحات المكية، وذكر نسب الامام المهدي (عج ) من والده الى رسول الله(ص) في الباب السادس والستين وثلثمائة واطال في ذكره وذكر وقائعه.

____________________

(1) الوفى بالوفيات: 2/336.

(2) الصواعق المحرقه:124.

(3) الفصول المهمه:274

(4) ألأئمه الأثنى عشر:117.

(5) تحفة الطالب: 17/أ (مخطوط بمكتبة الحرم المكى تحت رقم 33/تاريخ /الدهلوى). الصواعق المحرقه:124

(6) اسعاف الراغبين: 140.

(7) ينابيع الموده: 450 - 451.

(8) سبائك الذهب: 78.

(9) نور الأبصار:154.

٩٩

15 - نور الدين عبد الرحمن بن احمد بن قوام الدين الدشتي الجامي الحنفي وقيل الشافعي، صاحب شرح كافية ابن الحاجب المشهور. روى في كتابه (شواهدالنّبوة ) اخباراً جليلة في ولادة المهدي (ع) وبعض معجزاته.

16 - عبد الوهاب بن احمد بن علي الشعراني المصري العارف المشهور في:اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الاكابر في الجزء الثاني، المبحث الخامس والستون...

17 - السيد جمال الدين عطاء الله بن السيد غياث الدين فضل الله ابن السيد عبدالرحمن المحدّث المعروف في روضة الاحباب في سيرة النبي (ص) والآل والاصحاب.

18 - الحافظ محمد بن محمد بن محمود البخاري المعروف بخواجه بارسا الحنفي في فصل الخطاب.

19 - العارف عبد الرحمن من مشايخ الصوفيّة في: مرآة الاسرار.

20 - ابو محمد احمد بن ابراهيم البلاذري في الحديث المسلسل.

21 - ابو محمد عبد الله بن احمد محمد بن الخشاب، المعروف بابن الخشاب في:كتاب تواريخ مواليد الائمة ووفياتهم... وغيرهم.(1)

ثانياً: في القرآن الكريم والروايات الشريفة

أ: في القرآن الكريم

يمكن أن نقسم آيات القرآن الكريم في هذا الموضوع الى أربعةِ أقسام:

____________________

راجع المجالس السنيه: ج5 ص713-742.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632