بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٥

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 632

  • البداية
  • السابق
  • 632 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40651 / تحميل: 4426
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 5

مؤلف:
العربية

خيل فما شعر ابن الزبير إلاّ و الرايات تخفق على رأسه إلى أن قال و خطب ابن الزبير . فقال : قد بايعني الناس ، و لم يتخلّف إلاّ هذا الغلام يعني ابن الحنفية و الموعد بيني و بينه أن تغرب الشمس . ثمّ اضرم داره عليه نارا .

فدخل ابن العباس عليه و قال : إنّي لا آمنه عليك فبايعه . فقال له ابن الحنفية « سيمنعه عنّي حجاب قويّ » فجعل ابن عبّاس ينظر إلى الشمس و يفكّر في كلام ابن الحنفية ، و قد كادت الشمس أن تغرب . فوافاهم الجدلي في الخيل ١ .

و قد نقل ابن أبي الحديد في ما مرّ إخباره عليه السّلام بعدم نيل ابن الزبير خلافة تامة و كونه مصلوب قريش ، و لم يذكر إخباره عليه السّلام بقتله في مكّة و خراب الكعبة بواسطته . ففي ( تاريخ الطبري ) قال ابن سليم و ابن المشمعل الأسديان : خرجنا حاجّين من الكوفة حتّى قدمنا مكّة : فدخلنا يوم التروية فإذا نحن بالحسين عليه السّلام و ابن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى في ما بين الحجر و الباب . فتقرّبنا منهما . فسمعنا ابن الزبير و هو يقول للحسين عليه السّلام :

إن شئت أن تقيم أقمت فوليت هذا الأمر فآزرناك و ساعدناك و نصحنا لك و بايعناك . فقال له الحسين عليه السّلام : إنّ أبي حدّثني أنّ بها كبشا يستحل حرمتها . فما أحبّ أن أكون أنا ذلك الكبش ٢ .

و لم يذكر ابن أبي الحديد أيضا في ما أخبر عليه السّلام به من حال أهل بيته زيد الشهيد فروى أبو الفرج في ( مقاتله ) مسندا عنه عليه السّلام قال : يخرج بظهر الكوفة رجل يقال له زيد في ابّهة . . . ٣ .

و لم يذكر في ما أخبر عليه السّلام به من حال الرجال أبا مسلم مبيد بني اميّة

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٧٦ و ٧٧ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢٨٨ ، لسنة ٦٠ .

( ٣ ) مقاتل الطالبيين : ٨٨ .

٤٠١

و مؤسّس الدولة العباسيّة ، فروى الأعمش كما في ( مناقب السروي ) أنّ أهل الشام لمّا هزموا ميمنة عليّ عليه السّلام قال ثلاث مرّات : « يا أبا مسلم خذهم » فقال الأشتر ، أو ليس أبو مسلم معهم . فقال عليه السّلام : لست اريد الخولاني ، و إنّما اريد رجلا يخرج في آخر الزمان من المشرق يهلك اللّه به أهل الشام ، و يسلب عن بني اميتة ملكهم ١ .

و لم يذكر إخباره عليه السّلام ببناء بغداد كما رواه الخطيب و غيره ٢ ، و ببناء المعتصم سامرا و اتّخاذه جنده من الترك ، و تركه العرب كما في خطبته المعروفة بالزهراء ٣ ، لكن عرفت أنّ ابن أبي الحديد أراد الإجمال حيث قال :

و كم له من الإخبار عن الغيوب الجارية هذا المجري ممّا لو أردنا استقصاءه لكسرنا له كراريس .

و قد أخبر عليه السّلام ببناء الحلّة و ببانيه سيف الدولة ، و بعلماء الشيعة علىّ بن طاووس و غيره . نقل المجلسي عن خط الجباعى عن الشهيد عن خط العلاّمة عن خط والده قال : وجدت رقعة عليها مكتوب بخط عتيق ما صورته « بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما أخبرنا به الشيخ الأجل أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي إملاء من لفظه عند نزوله بالحلّة السيفية و قد وردها حاجّا سنة ( ٥٧٤ ) و رأيته يلتفت يمنة و يسرة ، فسألته عن سبب ذلك قال : إنّني لأعلم أنّ لمدينتكم هذه فضلا جزيلا .

قلت : و ما هو ؟

ــــــــــــــــ

( ١ ) مناقب السروي ٢ : ٢٦٢ .

( ٢ ) رواه الخطيب في تاريخ بغددا ١ : ٣٨ و ٣٩ ، و السروي في مناقبه ٢ : ٢٦٤ لكن رواه الخطيب عن علي ( ع ) عن النبيّ ( ص ) .

( ٣ ) ليس هذا في الخطبة الزهراء التي رواها ابن عبد ربه في العقد ٤ : ١٤٢ و غيره بل روى السروي في مناقبه ٢ : ٢٧٤ قطعة من الخطبة الزهراء ثم روى بعده هذا الكلام .

٤٠٢

قال : أخبرني أبي ، عن أبيه ، عن جعفر بن قولويه ، عن محمّد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم القمي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن الأصبغ بن نباتة . قال : صحبت أمير المؤمنين عليه السّلام عند وروده إلى صفّين ، و قد وقف على تلّ ثمّ أومأ إلى أجمة ما بين بابل و تل عرير و قال « مدينة و أيّ مدينة » .

فقلت له : يا مولاي أراك تذكر مدينة ، أكان هاهنا مدينة و انمحت آثارها ؟ فقال : « لا و لكن ستكون مدينة يقال لها : الحلّة السيفية يمدّنها رجل من بني أسد يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على اللّه لأبرّ قسمه » ١ .

و قد أخبر عليه السّلام بهدم الكعبة . فعن ( غريب الحديث و الفائق ) : قال عليّ عليه السّلام : أكثروا الطواف بهذا البيت . فكأنّي برجل من الحبشة أصلع أصمع جالس عليه و هو يهدم ٢ .

و قد أخبر عليه السّلام بسفيان الثوري . فروى الكشّي في عنوان سفيان الثوري دخول جمع من أهل حديث البصرة على الصادق عليه السّلام و تحديث رجل منهم ،

عن سفيان عن جعفر يعني الصادق عليه السّلام بمفتريات . فقال الصادق عليه السّلام له :

إنّ عليّا عليه السّلام لمّا أراد الخروج من البصرة لعنها ، و قال : فيك الداء الدويّ كلام القدر الّذي فيه الفرية على اللّه ، و استحلالهم الكذب علينا ٣ .

و قد أخبر عليه السّلام بتزلزل أمر بني اميّة تارة بكونه بعد هشام . ففي ( نسب قريش للزبير بن بكار ) في عنوان عاصم بن المنذر ، روى عاصم عن ابن الزبير أنّه سمع علي بن أبي طالب يقول : هلاك بني اميّة على رجل أحول منهم ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٦٠ : ٢٢٢ ح ٥٥ .

( ٢ ) رواه عنهما السروى في مناقبه ٢ : ٢٥٨ .

( ٣ ) اختيار معرفة الرجال : ٣٩٧ و النقل بتلخيص .

٤٠٣

و هشام كان أحول ١ .

و اخرى بكونه بعد سنة مئة بقيام دعاة العباسيّين . فروى المنهال عن نعيم بن دجاجة قال : قال أبو مسعود لعليّ عليه السّلام : سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول : لا يأتي على الناس سنة مئة و على الأرض عين تطرف . فقال عليه السّلام له ، غلطت في أوّل ظنّك و هل الرخاء إلاّ بعد المئة ٢ .

و في اخباره عليه السّلام المنامية ما في ( نشوار المحاضرة للتنوخي ) : حدّثني أبو الحسين المنجّم الصوفي في عضد الدولة ثمّ حدّثني عضد الدولة و أبو الحسين حاضر و قد مضت سنون على حديث أبي الحسين ، و لم أكن حدّثته و لا غيره فقال عضد الدولة : اعتللت علّة صعبة أيس منها الطبيب ، و أيست من نفسي و كان تحويل سنتي تلك في النجوم رديّا نحسا موحشا ثمّ زادت العلّة علي . فأمرت أن يحجب الناس كلّهم ، و لا يدخل عليّ أحد إلاّ حاجب النوبة ،

و حتّى منعت الطبيب . فأقمت كذلك أيّاما ثلاثة أو أربعة و أنا أبكي في خلوتي على نفسي إذ جاء حاجب النوبة فقال : أبو الحسين الصوفي يطلب الوصول ،

و قد اجتهدنا به في الانصراف . فما فعل و قال عندي بشارة .

فقلت : بصوت ضعيف يريف أن يقول لي : بلغ الكوكب الفرني ، و يمخرق عليّ من هذا القبيل ما يزيد به ألمي فلينصرف . فخرج الحاجب ، و رجع و قال :

إمّا أن يكون أبو الحسين جنّ أو معه أمر عظيم . فإنّه قال : قل له لو أمرت بضرب عنقي ما أنصرفت ، و و اللّه ما اكلّمك في معنى النجوم بكلمة واحدة .

فقلت : ادخله فلمّا دخل قال : أنت و اللّه في عافية و اليوم تبرأ رأيت في منامي أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام و الناس يهرعون إليه يسألونه المسائل

ــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في النسخة المطبوعة من نسب قريش .

( ٢ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٣٦٢ ، شرح الخطبة ٥٧ ، و النقل بتلخيص .

٤٠٤

فتقدّمت أنا و قلت : أنا رجل غريب ، و تعلّقت بحبّ هذا الأمير الّذي أنا معه ، و قد بلغ إلى اليأس من العلّة الّتي أصابته فادع اللّه له بالعافية .

فقال : تعني فنا خسرو بن الحسين بن بويه ؟ فقلت : نعم .

فقال : قل له : أنسيت ما أخبرتك به امّك في المنام الّذي رأته و هي حامل بك ألست قد أخبرتها بمدّة عمرك و أنّك ستعتلّ إذا بلغت كذا و كذا سنة علّة تيأس منها الأطباء ثمّ تبرأ منها ، و أنت تصلح من هذه العلّة غدا و يتزايد صلاحك إلى أن تركب و تعاود عاداتك كلّها في يوم كذا ، و كذا يوما و لا قطع عليك قبل الأجل الّذي أخبرتك به امّك عنّي .

قال : و قد كنت نسيت أنّ امّي قالت لي إنّها رأت في المنام أنّي إذا بلغت هذه السنة اعتللت هذه العلّة . فحين سمعت الكلام من أبي الحسين ذكرت و حدثت لي في نفسي قوّة لم تكن قبل إلى أن قال :

و عادت عاداتي في اليوم الّذي قال أبو الحسين . ثمّ قال : ما فاتني في نفسي من هذا المنام إلاّ شي‏ء كنت أشتهي أن يكون فيه ، و شي‏ء كنت أشتهي ألاّ يكون فيه : أمّا الّذي أشتهي ألاّ يكون فهو عليه السّلام وقف على أنّي أملك حلب ، و لو كان عنده أنّي أملك شيئا ممّا يجاوز حلبا لقاله . فأخاف أن يكون هذا غاية حدّي من تلك الناحية حتّى لمّا جاءني الخبر بأنّ سيف الدولة قد أخذ لي الدعوة بحلب ذكرت المنام فتنغّص عليّ لأجل هذا الاعتقاد ، و أمّا الّذي كنت أشتهي أن يكون فيه فهو أن أعلم من هذا الّذي يملك من ولدي .

قال التنوخي : و بقي عضد الدولة بعد هذا سنين و ما تجاوزت دعوته حلب ١ .

و في ( مروج المسعودي ) : رأى المعتضد في النوم و هو في سجن أبيه

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنه ابن طاووس في خرج المهموم : ١٩٨ ٢٠١ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٠٥

كأن شيخا جالسا على دجلة يمدّ يده إلى ماء دجلة فيصير في يده و تجفّ دجلة ثمّ يردّه من يده . فتعود دجلة كما كانت . قال : فسألت عنه . فقيل لي : هذا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام . قال : فقمت و سلّمت عليه . فقال لي : يا أحمد إنّ هذا الأمر صائر إليك . فلا تتعرّض لولدي و لا تؤذهم . فقلت : السمع و الطاعة لأمير المؤمنين عليه السّلام .

قال المسعودي : لمّا ورد مال من محمّد بن زيد من بلاد طبرستان ليفرّق في آل أبي طالب سرّا ، و غمز بذلك إلى المعتضد ، أحضر الرجل الّذي كان يحمل المال إليهم . فأنكر عليه إخفاء ذلك ، و أمره بإظهاره ، و قرّب آل أبي طالب ١ .

و في ( كامل الجزري ) بعد ذكر القبض على الطائع و إعادة القادر و كان في البطيحة من قبل بهاء الدولة حكى هبة اللّه بن عيسى كاتب مهذب الدولة صاحب البطيحة أنّي كنت احضر القادر كلّ اسبوع مرّتين . فيكر مني فدخلت عليه يوما . فلم أرمنه ما ألفته من إكرامه ، و رأيته تأهّب تأهّبا لم تجر به عادته .

فسألته عن السبب فقال : رأيت البارحة في منامي كأنّ نهركم هذا قد اتّسع .

فصار مثل دجلة دفعات . فسرت على حافّته متعجّبا منه ، و رأيت قنطرة عظيمة إذ رأيت شخصا قد تأمّلني من ذلك الجانب . فقال : أتريد أن تعبر ؟ قلت : نعم .

فمدّ يده حتّى وصلت إليّ فأخذوني و عبّرني ، فهالني فعله . فقلت : من أنت ؟ قال :

عليّ بن أبي طالب ، و هذا الأمر صائر إليك ، و يطول عمرك فيه . فأحسن إلى ولدي و شيعتي .

قال هبة اللّه . فما انتهى القادر إلى هذا القول حتّى سمعنا صياح الملاّحين الواردين لإصعاده ليتولّى الخلافة ، فخاطبته بالإمرة ، و كان في عزله سنتين

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٤ : ١٨١ .

٤٠٦

و أحد عشر شهرا ١ .

« و لو قد فقدتموني و نزلت بكم كرائه الأمور » و من الأمثال « معضلة و لا أبا حسن » ٢ .

و روى ( الأمالي ) عن زرّ بن حبيش قال : مرّ عليّ عليه السّلام على بغلة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم و سلمان في ملأ فقال سلمان : ألا تقومون تأخذون بحجزته تسألونه ؟ فو الّذي فلق الحبة ، و برأ النسمة لا يخبركم بسرّ نبيّكم أحد غيره و إنّه لعالم الأرض ، و زرها ، و إليه تسكن ، و لو فقد تموه لفقدتم العلم و أنكرتم الناس ٣ .

« و حوازب الخطوب » أي : شدائد الامور .

« لأطرق » أي أرخى عينيه ينظر إلى الأرض ، و لم يتكلّم .

« كثير من السائلين » لتحيّره من يسأل .

« و فشل » أي : جبن .

« كثير من المسؤولين » إنّما قال عليه السّلام كثير من المسؤولين لأنّ المراد باقي الناس غير أهل بيته ، و أما أهل بيته فهم مثله .

روى أبو الفرج الإصبهاني في ( مقاتله ) بأسانيد متعدّدة عن فضل بن عبد الرحمن الهاشمي و ابن داجة ، و عبد الأعلى بن أعين ، و محمّد بن أبي الكرام الجعفري ، و عبد اللّه بن يحيى ، و عبد اللّه بن محمّد بن عمر بن عليّ قال : و قد دخل حديث بعضهم في بعض أنّ جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء و فيهم إبراهيم الإمام ، و أبو جعفر المنصور ، و صالح بن عليّ ، و عبد اللّه بن

ــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير ٩ : ٨١ ، سنة ٣٨١ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) هذا كلام معاوية اورده ابن الأثير في النهاية ٣ : ٢٥٤ ، مادة ( عضل ) ، و غيره و روى مضمونه عن عمر أيضا .

( ٣ ) أمالي المفيد : ١٣٨ ح ٢ ، المجلس ١٧ .

٤٠٧
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الخامس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

الحسن ، و ابناه محمّد ، و إبراهيم ، و محمّد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان فقال صالح بن عليّ : قد علمتم أنّكم الّذين يمدّ الناسّ إليهم أعينهم ، و قد جمعكم اللّه في هذا الموضع . فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إيّاها من أنفسكم . و تواثقوا على ذلك حتّى يفتح اللّه و هو خير الفاتحين .

فقال عبد اللّه بن الحسن : قد علمتم أنّ ابني هذا هو المهدي فهلمّوا فلنبايعه .

و قال أبو جعفر المنصور : و اللّه لقد علمتم ما الناس إلى أحد أميل أعناقا و لا أسرع اجابه إلى هذا الفتى يعني محمّد بن عبد اللّه .

فقالوا : و اللّه صدقت إنّ هذا لهو الّذي نعلم . فبايعوا محمّدا جميعا ،

و مسحوا على يده إلى أن قال و جاء جعفر بن محمّد عليه السّلام فاوسع له عبد اللّه بن الحسن إلى جنبه ، و تكلّم عبد اللّه بمثل كلامه .

فقال جعفر عليه السّلام : لا تفعلوا فإنّ هذا الأمر لم يأت بعد ، و إن كنت ترى يا عبد اللّه أنّ ابنك هذا هو المهدي . فليس به ، و لا هذا أوانه ، و إن كنت إنّما تريد أن تخرج غضبا للّه و لتأمر بالمعروف ، و تنهى عن المنكر . فإنّا و اللّه لا ندعك و أنت شيخنا ، و نبايع ابنك في هذا الأمر . فغضب عبد اللّه ، و قال : لقد علمت خلاف ما تقول ، و اللّه ما اطلعك اللّه على غيبه و لكنه يحملك على هذا ، الحسد لابني .

فقال : و اللّه ما ذاك يحملني ، و لكن هذا و ضرب بيده على ظهر السفاح و إخوته و أبناؤهم ، دونكم و ضرب بيده على كتف عبد اللّه و قال : إنّها و اللّه ما هي إليك ، و لا إلى ابنيك ، و لكنّها لهم ، و إنّ ابنيك لمقتولان ثمّ نهض و توكّأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري . فقال : أرأيت صاحب الرداء الأصفر يعني أبا جعفر المنصور و اللّه يقتل محمّدا . قال عبد العزيز : قلت :

أيقتل محمّدا ؟ فقال : نعم . فقلت : في نفسي حسده و ربّ الكعبة ، ثمّ و اللّه ما

٤٠٨

خرجت من الدنيا حتّى رأيته .

قال : فلمّا قال جعفر ذلك نهض القوم و افترقوا ، و تبعه عبد الصمد و المنصور فقالا له : أتقول هذا . قال : نعم أقوله و اللّه و أعلمه ١ .

و روى مسندا عن عليّ بن إسماعيل بن صالح بن ميثم أنّ عيسى بن موسى العباسي و هو الّذي قتل محمّدا و إبراهيم من قبل المنصور ، و كان ولىّ العهد بعده من السفاح فجعله المنصور بعد ابنه المهدي و خلعه رأسا لمّا قدم قال جعفر بن محمّد عليه السّلام : أهو هو ؟ قيل : من تعني يا أبا عبد اللّه ؟ قال :

المتلعّب بدمائنا ، و اللّه لا يخلأ منها بشي‏ء .

و عن الرومي قال : أرسلني جعفر بن محمّد أنظر ما يصنعون . فجئته فأخبرته أنّ محمّدا قتل ، و أنّ عيسى بن موسى قبض على عين أبي زياد .

فابلس طويلا . ثمّ قال : ما يدعو عيسى إلى أن يسي‏ء بنا ، و يقطع أرحامنا . فو اللّه لا يذوق هو و لا ولده منها شيئا أبدا ٢ .

و في ( الأخبار الطوال للدينوري ) قال الأصمعي : دخلت على الرشيد و كنت غبت عنه حولين بالبصرة فاومأ إليّ بالجلوس قريبا منه فجلست في خفّ الناس ثمّ قال : أتحبّ أن ترى محمّدا و عبد اللّه إلى أن قال كيف بكم إذا ظهر تعاديهما و بدا تباغضهما ، و وقع بأسهما بينهما حتّى تسفك الدماء ، و يودّ كثير من الأحياء أنّهم كانوا موتى ، فقلت للرشيد : هذا شي‏ء قضى به المنجّمون عند مولدهما أو شي‏ء أثرته العلماء في أمرهما ؟ قال : بل شي‏ء أثرته العلماء عن الأوصياء عن الأنبياء في أمرهما . قالوا : فكان المأمون يقول في خلافته : كان الشريد سمع جميع ما جرى بيننا من موسى بن

ــــــــــــــــ

( ١ ) مقاتل الطالبيين : ١٧١ ١٧٣ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) رواهما أبو الفرج في المقاتل : ١٨٤ .

٤٠٩

جعفر عليه السّلام فلذلك قال ما قال ١ .

و روى النعماني أنّ عليّا عليه السّلام دخل المسجد الحرام يوما و معه الحسن عليه السّلام إذ جاء رجل حسن الهيئة . فسلّم عليه عليه السّلام و قال : أسألك عن ثلاث قال : سل عمّا بدالك :

فقال : أخبرني عن الإنسان إذا نام أين يذهب روحه ، و عن الرجل كيف يذكر و ينسى ، و عن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام و الأخوال . فالتفت عليه السّلام إلى الحسن عليه السّلام و قال : أجبه يا أبا محمّد .

فقال له : أمّا ما سألت عن الروح . فإنّ الروح معلّقة بالريح ، و الريح معلّقة بالهواء إلى وقت ما يتحرّك صاحبها لليقظة فإن أذن اللّه تعالى بردّ تلك الروح على ذلك البدن جذبت تلك الروح الريح ، و جذبت الريح الهواء فأستكنت في بدن صاحبها ، و إلاّ جذب الهواء الريح ، و جذبت الريح الروح . فلا تردّ على صاحبها إلى وقت بعثه ٢ .

« و ذلك إذا قلّصت » أي : ارتفعت .

« حربكم و شمّرت عن ساق » أي : خفّت . في ( خلفاء ابن قتيبة ) : لمّا أخبر علي عليه السّلام الناس بغلبة أهل الشام عليهم قالوا : قد علمنا يا أمير المؤمنين أنّ قولك كله و جميع لفظك يكون حقّا أترى معاوية يكون علينا أميرا ؟ فقال : لا تكرهون إمرة معاوية فإن إمرته سلم و عافية . فلو قد مات رأيتم الرؤوس تندر عن كهولها كأنّها الحنظل و عدا كان مفعولا ٣ .

« و ضاقت الدنيا عليكم ضيقا تستطيلون معه » هكذا في ( المصرية ) و كلمة

ــــــــــــــــ

( ١ ) الأخبار الطوال : ٣٨٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) أخرجه النعماني في الغيبة : ٣٩ و الكليني في الكافي ١ : ٥٢٥ ح ١ ، و البرقي في المحاسن : ٣٣٢ ح ٩٩ ، و غيرهم و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) الامامة و السياسة ١ : ١٥٢ .

٤١٠

« معه » زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ١ .

« أيّام البلاء عليكم حتّى يفتح اللّه لبقية الأبرار منكم » روى ( مقاتل أبي الفرج ) بأسانيد عن سفيان بن أبي ليلى قال : أتيت الحسن بن عليّ عليه السّلام حين بايع معاوية إلى أن قال قال الحسن عليه السّلام : أبشر يا سفيان . فإنّى سمعت عليّا عليه السّلام يقول : سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول : يرد عليّ الحوض أهل بيتي ، و من أحبّهم كهاتين ، يعني السبّابتين أو كهاتين يعني السبابة و الوسطى إحداهما تفضل على الاخرى . ابشر يا سفيان فإنّ الدنيا تسع البر و الفاجر حتّى يبعث اللّه إمام الحقّ من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم ٢ .

٤

من الخطبة ( ١٨٧ ) بعد ما مر في الإمامة العامة :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي فَلَأَنَا بِطُرُقِ اَلسَّمَاءِ أَعْلَمُ مِنِّي بِطُرُقِ اَلْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ تَشْغَرَ بِرِجْلِهَا فِتْنَةٌ تَطَأُ فِي خِطَامِهَا وَ تَذْهَبُ بِأَحْلاَمِ قَوْمِهَا أقول : الظاهر أنّ الأصل في العنوان ما رواه المدائني قال : خطب عليّ عليه السّلام فذكر الملاحم فقال : « سلوني قبل أن تفقدوني أما و اللّه لتشعرن الفتنة الصماء برجلها ، و تطأ في خطامها . يالها من فتنة شبّت نارها بالحطب الجزل ، مقبلة من شرق الأرض ، رافعة ذيلها ، داعية ويلها ، بدجلة أو حولها . ذاك إذا استدار الفلك و قلتم مات أو هلك ، بأيّ واد سلك » . فقال قوم تحت منبره « للّه

ــــــــــــــــ

( ١ ) الكلمة مذكورة في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٧٤ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٣٨٨ .

( ٢ ) مقاتل الطالبيين : ٤٤ .

٤١١

أبوه ما أفصحه كاذبا » ١ .

« أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني » قال ابن أبي الحديد : حدّثني من أثق به من أهل العلم حديثا و إن كان فيه بعض الكلمات العامية إلاّ أنّه يتضمّن ظرفا و لطفا ، و يتضمّن أيضا أدبا قال : كان ببغداد في أيّام الناصر لدين اللّه أحمد بن المستضي‏ء باللّه واعظ مشهور بالحذق و معرفة الحديث و الرجال ،

و كان يجتمع تحت منبره خلق عظيم من عوام بغداد و فضلائها ، و كان مشتهرا بذمّ أهل الكلام و خصوصا المعتزلة على قاعدة الحشوية ، و مبغضي أرباب العلوم العقلية . و كان أيضا منحرفا عن الشيعة يرضي العامّة بالميل عليهم . فاتّفق قوم من رؤساء الشيعة على أن يضعوا عليه من يسأله من تحت منبره ، و يخجله فسألوا عمّن ينتدب لهذا . فاشير عليهم بشخص كان ببغداد يعرف بأحمد بن عبد العزيز الكزي و يشتغل بشي‏ء يسير من كلام المعتزلة ،

و يتشيّع و قد شدّ طرفا من الأدب و قد رأيته أنا في آخر عمره ، و الناس يختلفون إليه في تعبير الرؤيا فأحضروه و طلبوا إليه أن يعتمد ذلك فأجابهم ،

و جلس ذلك الواعظ يوما ، و اجتمع الناس عنده على طبقاتهم ، و تكلّم على عادته . فأطال فلمّا مرّ في ذكر صفات الباري تعالى في أثناء الوعظ قام إليه الكزّي . فسأله أسئلة عقليّة على منهاج معتزلي المتكلّمين . فلم يكن للواعظ عنها جواب نظرى . و إنّما دفعه بالخطابة و الجدل ، و سجع الألفاظ ، و قال في آخر كلامه .

أعين المعتزلة حوّل ، و أصواتي في مسامعهم طبول ، و كلامي في أفئدتهم نصول . يا من بالاعتزال يصول ، و يحك كم تحوم و تجول حول من لا تدركه العقول . كم أقول كم أقول ، خلّوا هذا الفضول . فارتجّ المجلس ، و صرخ

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن صفين المدائني ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٥٠ ، شرح الخطبة ٦٩ .

٤١٢

الناس ، و علت الأصوات ، و طاب الواعظ و طرب ، و خرج من هذا الفصل إلى غيره فشطح شطح الصوفية ، و قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، و كرّرها . فقام إليه الكزي .

فقال : يا سيّدي ما سمعنا أنّه قال هذه الكلمة إلاّ عليّ بن أبي طالب و تمام الخبر معلوم .

و أشار الكزي بقوله و تمام الخبر معلوم . إلى قول عليّ عليه السّلام : لا يقولها بعدي إلاّ مدّع . فقال الواعظ : و هو في نشوة طربه ، و أراد إظهار فضله و معرفته برجال الحديث و الرواة : من عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام أهو عليّ بن أبي طالب بن المبارك النيسابوري ؟ أم عليّ بن أبي طالب بن اسحق المروزي ؟ أم علي بن أبي طالب بن عثمان القيرواني ؟ أم عليّ بن أبي طالب بن سليمان الرازي ؟ و عدّ سبعة أو ثمانية من أصحاب الحديث كلّهم يقال له عليّ بن أبي طالب .

فقالم الكزي : و قام من يمين المجلس آخر ، و من يسار المجلس : ثالث و انتدبوا له ، و بذلوا أنفسهم للحميّة و وطّنوها على القتل .

فقال الكزي : يا سيّدي صاحب هذا القول هو عليّ بن أبي طالب زوج فاطمة سيّدة نساء العالمين ، و إن كنت ما عرفته بعد بعينه فهو الشخص الّذي لمّا آخى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم بين الأتباع و الأذناب آخى بينه و بين نفسه ، و أسجل على نفسه على أنّه نظيره ، و مماثله . فهل نقل في جهازكم أنتم من هذا شى‏ء . أو ثبت تحت حبّكم من هذا شى‏ء ؟

فأراد الواعظ أن يكلّمه . فصاح عليه القائم من الجانب الأيمن و قال : يا سيّدي محمّد بن عبد اللّه كثير في الأسماء ، و لكن ليس فيهم من قال له ربّ العزة ما ضلّ صاحبكم و ما غوى . و ما ينطق عن الهوى . إن هو إلاّ وحي

٤١٣

يوحى ١ و كذلك عليّ بن أبي طالب كثير في الأسماء و لكن ليس فيهم من قال له صاحب الشريعة : أنت منّي بمنزله هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي .

فالتفت إليه الواعظ ليكلّمه . فصاح عليه القائم من الجانب الأيسر و قال :

إن كنت لا تعرف عليّا عليه السّلام فأنت معذور .

و إذا خفيت على الفتيّ فعاذر

ألا تراني مقلة عمياء

و اضطرب المجلس و ماج كما يموج البحر ، و افتتن الناس ، و تواثب بعضهم على بعض ، و تكشفت الرؤوس ، و مزقت الثياب ، و نزل الواعظ و احتمل حتّى أدخل دارا اغلقت عليه بابها ، و حضر أعوان السلطان فسكّنوا الفتنة ، و صرفوا الناس إلى منازلهم ، و أنفذ الناصر لدين اللّه في آخر ذاك اليوم .

فأخذ الكزي و الرجلين اللّذين قاما معه فحبسهم أيّاما ليطفى‏ء النائرة . ثمّ أطلقهم ٢ .

و في ( نجوم ابن طاووس ) عن كتاب ابن جمهور القمي بأسانيده أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا صعد المنبر و قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، قام إليه رجل فسأله عن السواد الّذي في القمر . فقال : أعمى سأل عن عمياء . أما سمعت أنّ اللّه عزّ و جلّ يقول : فمحونا آية اللّيل و جعلنا آية النهار مبصرة ٣ .

فالمحو السواد الّذي تراه في القمر . إنّ اللّه تعالى خلق من نور عرشه شمسين ، و أمر جبرائيل . فأمرّ جناحه بالّذي سبق من علمه لمّا أراد أن يكون من اختلاف الليل و النهار و الشمس و القمر . . . ٤ .

و روى ( الخصال ) : أنّه عليه السّلام كان بالكوفة بالجامع ، إذ قام إليه رجل من

ــــــــــــــــ

( ١ ) النجم : ٢ ٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢١٧ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) الأسراء : ١٢ .

( ٤ ) خرج المهموم : ٩٧ .

٤١٤

أهل الشام . فسأله عن مسائل ، و كان في ما سأله أن قال : أخبرني عن ستّة من الأنبياء لهم اسمان . قال عليه السّلام : هم يوشع بن نون و هو ذو الكفل ، و يعقوب و هو إسرائيل و الخضر و هو حلقيا ، و يونس و هو ذو النون ، و عيسى و هو المسيح ،

و محمّد و هو أحمد صلوات اللّه عليهم أجمعين ١ .

و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) : قال ابن عباس في ما روى العوفي عنه شهدت يوما عليّا عليه السّلام و سئل عن الفاتحة . فقال : نزلت من كنز تحت العرش و لو ثنيت لي وسادة لذكرت في فضلها حمل بعير ذكر ، و ليس في القرآن آية إلاّ و أنا أعلم متى نزلت ، و في أيّ شي‏ء نزلت ثمّ انشد :

إذا المشكلات تصدّين لي

كشفت حقائقها بالنظر

و إن برقت في خلال الصواب

عمياء لا يعتريني فكر

مقنّعة بغيوب الامور

وضعت عليها نفيس الدرر

لسانا كشقشقة الأرحبيّ

أو كالحسام إذا ما سطر

و لست بإمعة في الرجال

أسائل هذا و ذا ما الخبر

و لكنّني مدرة الأصغرين

و جلاّب خير و دفّاع شر ٢

« فلأنا بطرق المساء أعلم منّي بطرق الأرض » قال ابن أبي الحديد : المراد ما اختص عليه السّلام به من العلم بمستقبل الامور ، و لا سيّما في الملاحم و الدول ، و قد صدّق هذا القول عنه ما تواتر عنه من الإخبار بالغيوب المتكرّر لا مرّة ، و لا مئة مرّة حتّى زال الشك و الريب في أنّه إخبار عن علم لا على سبيل الاتفاق ، و قيل :

المراد أنا بالأحكام الإلهية أعلم منّي بالامور الدنيوية ، و الأوّل أظهر ٣ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) الخصال ١ : ٣٢٢ ح ٧ .

( ٢ ) تذكرة الخواص : ١٦٨ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢١٧ ، و النقل بتقطيع .

٤١٥

قلت : و أيّا كان المراد دليل على اتّصاله بالمبدأ الأعلى ، و كونه حجّة اللّه على الخلق كالرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم فطرق الأرض و جغرافيتها يمكن أن يعلمها جميع الناس ، و طرق السماء لا يمكن علمها إلاّ لحجج اللّه تعالى كما أنّ العلم بالأحكام الالهيّة على ما هي عليه لا يمكن إلاّ لهم ،

و قد قال عليه السّلام في خطبة : « لا يقع اسم الهجرة على أحد إلاّ بمعرفة الحجّة في الأرض » ١ .

« قبل أن تشغر » أي : ترفع .

« برجلها فتنه تطأ » أي : تضع قدمها .

« في خطامها » أي : زمامها .

« و تذهب بأحلام » أي : عقول .

« قومها » و مراده عليه السّلام بفتنة تطأ في خطامها ، و تذهب بأحلام قومها ،

فتنة بني أميّة و بني العباس بعده عليه السّلام ، و قوله عليه السّلام و قبل أن تشغر . . .

ظرف لقوله عليه السّلام أوّلا « سلوني قبل أن تفقدوني » و قوله عليه السّلام بينهما « فلأنا بطرق السماء أعلم منّي بطرق الأرض » معترضة لبيان وجوب سؤاله ،

و الرجوع إليه .

روى ( مسند أحمد بن حنبل ) عنه عليه السّلام خبر ارتقائه على كتف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلى أن قال قال عليّ عليه السّلام : فنهض بي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم و إنّه ليخيّل إليّ أنّي لو شئت أن أنال افق السماء لنلته إلى أن قال .

قال سعيد بن المسيّب : فلهذا كان عليّ عليه السّلام يقول : « سلوني عن طرق السماوات . فإنّي أعرف بها من طرق الأرضين ، و لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا » .

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الرضي في نهج البلاغة ٢ : ١٢٩ ، ضمن الخطبة ١٨٧ .

٤١٦

قال سعيد بن المسيب : لم يكن أحد من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقولها إلاّ عليّ عليه السّلام ١ .

٥

الخطبة ( ١٧٣ ) وَ اَللَّهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَخْرَجِهِ وَ مَوْلِجِهِ وَ جَمِيعِ شَأْنِهِ لَفَعَلْتُ وَ لَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِيَّ ؟ بِرَسُولِ اَللَّهِ ص ؟ أَلاَ وَ إِنِّي مُفْضِيهِ إِلَى اَلْخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ وَ اَلَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ وَ اِصْطَفَاهُ عَلَى اَلْخَلْقِ مَا أَنْطِقُ إِلاَّ صَادِقاً وَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَ بِمَهْلِكِ مَنْ يَهْلِكُ وَ مَنْجَى مَنْ يَنْجُو وَ مَآلِ هَذَا اَلْأَمْرِ وَ مَا أَبْقَى شَيْئاً يَمُرُّ عَلَى رَأْسِي إِلاَّ أَفْرَغَهُ فِي أُذُنَيَّ وَ أَفْضَى بِهِ إِلَيَّ أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنِّي وَ اَللَّهِ مَا أَحُثُّكُمْ عَلَى طَاعَةٍ إِلاَّ وَ أَسْبِقُكُمْ إِلَيْهَا وَ لاَ أَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَةٍ إِلاَّ وَ أَتَنَاهَى قَبْلَكُمْ عَنْهَا أقول : رواه منذر مع زيادات و قد نقله ابن ميثم عند قوله عليه السّلام : « فتن كقطع اللّيل » ففيه « و الّذي فلق الحبة ، و برأ النسمة لو أشاء لأخبرتكم بخراب العرصات عرصة عرصة و متى تخرب ، و متى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة ، و إنّ عندي من ذلك علما جمّا ، و ان تسألوني تجدوني به عالما لا أخطئ منه علما و لا وافيا . و لقد استودعت علم القرون الاولى و ما هو كائن إلى يوم القيامة ٢ .

« و اللّه لو شئت أن اخبر كل رجل منكم بمخرجه و مولجه » روي أنّ جاثليقا جاء في نفر من النصارى إلى أبي بكر ، و سأله مسائل عجز عنها أبو بكر . فقال

ــــــــــــــــ

( ١ ) هذا سياق السبط في التذكرة : ٢٧ ، و الحديث أخرجه أحمد في مسنده ١ : ٨٤ ، و الحاكم في المستدرك ٢ : ٣٦٦ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٣ : ١٦ ، شرح الخطبة ١٠٠ .

٤١٧

له : كفّ أيّها النصراني ، و إلاّ أبحنا دمك . فقال الجاثليق : أهذا عدل على من جاء مسترشدا طالبا ؟ دلوني على من أسأله عمّا أحتاج إليه . فجاء عليّ عليه السّلام إلى أن قال فقال له الجاثليق : بم بنت أيّها العالم عن الرعية الناقصة ؟ قال عليه السّلام : بما اخبرتك به عن علمي بما كان و ما يكون . قال : فهلمّ شيئا من ذلك أتحقّق به دعواك . فقال عليه السّلام : خرجت أيّها النصراني من مستقرّك مستنكرا لمن قصدت بسؤالك له مضمرا خلاف ما أظهرت من الطلب و الاسترشاد . فأريت في منامك مقامي ، و امرت فيه باتّباعي . قال : صدقت و اللّه ، و أنا أشهد ألاّ إله إلاّ اللّه ،

و أنّ محمّدا رسوله ، و أنّك وصيّه ، و أحق الناس بمقامه . و أسلم الّذين معه أيضا ، فقال عمر له : الحمد لله الّذي هداك غير أنّه يجب أن تعلم أنّ علم النبوّة في أهل بيت صاحبها ، و الأمر بعده لمن رضي به العامة . . . ١ .

و في ( مناقب السروي ) عن الأصبغ قال : أمرنا عليّ عليه السّلام بالمسير من الكوفة إلى المدائن . فسرنا يوم الأحد ، و تخلّف عنّا عمرو بن حريث ، و الأشعث ،

و جرير البجلي مع خمسة نفر . فخرجوا إلى مكان بالحيرة يقال له الخورنق ،

و السدير ، و قالوا : إذا كان يوم الجمعة لحقنا عليّا قبل أن يجمع الناس . فصلّينا معه . فبيناهم جلوس ، و هم يتغدّون إذ خرج عليهم ضبّ فاصطادوه فأخذه عمرو ابن حريث فبسط كفّه . فقال : بايعوا . هذا أمير المؤمنين . فبايعه الثمانية ثمّ أفلتوه ، و ارتحلوا و قالوا : إنّ عليّا يزعم أنه يعلم الغيب فقد خلعناه ، و بايعنا مكانه ضبا إلى أن قال بعد ذكر لحوقهم به عليه السّلام و هو على المنبر فقال : « إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه : يوم ندعوا كلّ اناس بإمامهم ٢ و أنا اقسم باللّه ليبعثنّ يوم القيامة ثمانية نفر من هذه الامّة إمامهم ضبّ ، و لو شئت أن

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه أبو علي الطوسي في اماليه ١ : ٢٢٢ جزء ٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الاسراء : ٧١ .

٤١٨

اسمّيهم لفعلت » فتغيّرت ألوانهم . . . ١ .

« و جميع شأنه لفعلت » قال ابن أبي الحديد : أقسم عليه السّلام أنّه لو شاء أن يخبر كلّ واحد منهم أين خرج ، و كيفية خروجه من منزله و أين يلج ، و كيفية و لوجه ،

و جميع شأنه من مطعمه ، و مشربه ، و ما عزم عليه من أفعاله ، و ما أكله ، و ما ادّخره في بيته ، و غير ذلك من شؤونه و أحواله لفعل ، و هذا كقول المسيح عليه السّلام و انبّئكم بما تأكلون و ما تدّخرون في بيوتكم ٢ .

و في ( تاريخ الطبري ) : لمّا خرجت الخوارج من الكوفة أتى عليّا عليه السّلام أصحابه و شيعته . فبايعوه و قالوا : نحن أولياء من و اليت ، و أعداء من عاديت .

فشرط لهم فيه سنة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم فجاءه ربيعة بن أبي شداد الخثعمي و كان شهد معه الجمل و صفين و معه راية خثعم فقال له ( عليّ عليه السّلام ) : بايع على كتاب اللّه و سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم . فقال ربيعة : على سنّة أبي بكر و عمر . قال له عليّ عليه السّلام : و يلك لو أنّ أبابكر و عمر عملا بغير كتاب اللّه و سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لم يكونا على شي‏ء من الحقّ فبايعه . فنظر إليه عليّ عليه السّلام و قال : « أما و اللّه لكأنّي بك ، و قد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت ، و كأنّي بك وطئتك الخيل بحوافرها » .

فقتل يوم النهر مع خوارج البصرة ٣ .

و رواه ( خلفاء ابن قتيبة ) و زاد : قال قبيصة فرأيته يوم النهروان قتيلا قد و طأت الخيل وجهه و شدخت رأسه ، و مثّلت به . فذكرت قول عليّ عليه السّلام ، و قلت :

للّه درّ أبي الحسن ما حرّك شفتيه قط بشي‏ء إلاّ كان كذلك ٤ .

و رواه عن أبي الجهم العدوي و كان معاديا لعليّ عليه السّلام قال :

ــــــــــــــــ

( ١ ) مناقب السروى ٢ : ٢٦١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٨٧ ، و الآية ٤٩ من آل عمران .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٦ سنة ٣٧ .

( ٤ ) الامامة و السياسة ١ : ١٤٦ .

٤١٩

خرجت بكتاب عثمان ، و المصريون قد نزلوا بذي خشب إلى معاوية ،

و قد طويته طيّا لطيفا ، و جعلته في قراب سيفي ، و قد تنكّبت عن الطريق و توخّيت سواد الليل حتّى كنت بجانب الجرف إذا رجل على حمار مستقبلي ، و معه رجلان يمشيان أمامه فإذا هو عليّ بن أبي طالب قد أتى من ناحيه البدو ، فأثبتني و لم اثبته حتّى سمعت كلامه . فقال : أين تريد يا صخر ؟

قلت : البدو فادع الصحابة . قال : فما هذا الّذي في قراب سيفك ؟ قلت : لا تدع مزاحك أبدا ثمّ جزته ١ .

و رووا أنّه ذكر لا سقف بدير الديلم من أرض فارس و قد أتت عليه عشرون و مئة سنة أنّ رجلا يعنونه عليه السّلام قد فسرّ الناقوس . فقال : سيروا بي إليه . فإنّي أجده أنزع بطينا . فلمّا وافاه عليه السّلام قال : قد عرفت صفته في الإنجيل و أنا أشهد أنّه وصيّ ابن عمّه .

فقال عليه السّلام له : جئت لتؤمن أ أزيدك رغبة في إيمانك ؟ قال : نعم . قال عليه السّلام :

إنزع مدرعتك . فأر أصحابك الشامة الّتي بين كتفيك . فقال : أشهد ألاّ إله إلاّ اللّه ،

و أنّ محمّدا عبده و رسوله ، و شهق شهقة . فمات .

فقال عليه السّلام : « عاش في الإسلام قليلا ، و ينعم في جوار اللّه كثيرا » ٢ .

و روى أبو مخنف أنّ عمرو بن اليثربي الّذي قتل يوم الجمل في أصحاب عائشة زيد بن صوحان ، و علباء ، و هند الجملي من أصحابه عليه السّلام :

أسره عمّار بن ياسر ، و جاء به إليه قال له عليه السّلام : أدنني منك اسارّك . فقال عليه السّلام له : أنت متمرّد ، و قد أخبرني النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم بالمتمرّدين ، و ذكرك فيهم . فقال له أما و اللّه لو وصلت إليك لعضضت أنفك منك . فأمر به عليّ عليه السّلام فضربت

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه السروى في مناقبه ٢ : ٢٥٩ .

( ٢ ) رواه السروي في مناقبه ٢ : ٢٦٨ .

٤٢٠