بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٥

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 632

  • البداية
  • السابق
  • 632 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40654 / تحميل: 4426
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 5

مؤلف:
العربية

وَ اِنْتَظَرْنَا بِمَالِهِ وُفُورَهُ أقول : إنّما نقلنا الثاني هنا مع عدم تضمنه إخبارا منه عليه السّلام عن المستقبل لكونه مربوطا بالأوّل مع أنّه عليه السّلام أخبر بعدم رجوع مصقلة كما سترى ، و إن لم يذكر في العنوان .

و العنوان الأوّل جمع من المصنّف بين كلامه عليه السّلام مع الرجل الّذي قال و كتابه عليه السّلام إلى زياد بن خصفة كما ستعرف ، و الأوّل إلى قوله عليه السّلام « مخلّ عنهم » و إنّما جمع لكون كلّ من الكلامين في اولئك القوم ، و زاد في كتابه الإخبار عنهم بأنّ جمعا منهم يقتلون و جمعا يؤسرون كما ترى ، و هو من آيات إمامته عليه السّلام أيضا . روى العنوان الأوّل الطبري و الثاني هو و المسعودي ١ .

قول المصنّف « و قد أرسل رجلا من أصحابه » الرجل هو فقيم بن عبد اللّه الأزدي .

« يعلم له علم أحوال قوم » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( يعلم له علم قوم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٢ .

« من جند الكوفة » هم ثلاثمأة رجل من بني ناجية ، و رأسهم الخرّيت بن راشد ، و أصلهم من البصرة .

« و قد همّوا » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) و لكن في ( الخطية و ابن ميثم ) : « همّوا » ٣ .

« باللحاق بالخوارج ، و كانوا على خوف منه عليه السّلام فلمّا عاد إليه الرجل »

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٨٨ و ٩٣ و ١٠٠ ، سنة ٣٨ ، و مروج الذهب ٢ : ٤٠٨ .

( ٢ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٠٨ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧٩ ، مثل المصرية أيضا .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٠٨ ، لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧٩ ، مثل المصرية .

٤٨١

ليس في نسخة ( ابن ميثم ) « إليه الرجل » ١ .

« قال له : أمنوا » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) و لكن في ( الخطية و ابن ميثم ) : « أ أمنوا » ٢ .

« فقطنوا » أي : أقاموا .

« أم جبنوا فظعنوا » أي : ارتحلوا .

« فقال الرجل » و ليس في ( ابن ميثم ) : « الرجل » ٣ .

« بل ظعنوا يا أمير المؤمنين فقال عليه السّلام : بعدا لهم كما بعدت ثمود » قال تعالى : ألا بعدا لثمود ٤ ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ٥ .

« أما لو اشرعت الأسنّة إليهم » في ( الصحاح ) : « اشرعت الرمح قبله أي :

سددته ، قال :

و ليست بتاركة محرما

و لو حف بالاسل الشرع ٦

« و صبّت السيوف » كناية عن تواترها ، و الأصل فيه قوله تعالى : فصبّ عليهم ربّك سوط عذاب ٧ .

« على هاماتهم » جمع الهامة بتخفيف الميم أي : الرأس .

« لقد ندموا على ما كان منهم » من فراقه ، و الخروج عليه .

« إنّ الشيطان اليوم قد استفلّهم » في ( الصحاح ) : فللت الجيش هزمته ، و الفلّ

ــــــــــــــــ

( ١ ) في نسختنا من شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧٩ ، مثل المصرية .

( ٢ ) بل في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٠٨ ، « أ أمنوا » و في شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧٩ ، مثل المصرية .

( ٣ ) في نسختنا من شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧٩ ، مثل المصرية .

( ٤ ) هود : ٦٥ .

( ٥ ) هود : ٩٥ .

( ٦ ) صحاح اللغة ٣ : ١٢٤٦ ، مادة ( شرع ) .

( ٧ ) الفجر : ١٣ .

٤٨٢
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الخامس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بالكسر الأرض الّتي لم تمطر ، يقال أفللنا أي : صرنا في فلّ من الأرض . . . ١ و لا مناسبة لواحد منهما و إن اختار ابن أبي الحديد الثاني و ابن ميثم الأوّل ٢ .

و يحتمل أن يكون مصحّف استفالهم . يقال رجل فال أي : ضعيف الرأي مخطئ الفراسة ، و بدّلته رواية الطبري بقوله : « قد استهواهم و أضلّهم » و قال ابن أبي الحديد و يروي « من استفزّهم » أي : استخفّهم ٣ .

« و هو غدا متبرى منهم » كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلمّا كفر قال إنّي برى‏ء منك ٤ و إذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم و قال لا غالب لكم اليوم من الناس و إنّي جار لكم فلّما تراءت الفئتان نكص على عقبيه و قال إنّي بري‏ء منكم إنّي أرى ما لا ترون ٥ .

« و متخلّ عنهم » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( و مخلّ عنهم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٦ .

و في ( تاريخ الطبري ) : قال عبد اللّه بن فقيم : كان الخرّيت بن راشد مع ثلاثمئة رجل من بني ناجية مقيمين مع عليّ عليه السّلام بالكوفة قدموا معه من البصرة و كانوا قد خرجوا إليه يوم الجمل ، و شهدوا معه صفّين و النهروان فجاء في ثلاثين راكبا من أصحابه يسير بينهم إلى عليّ عليه السّلام حتّى قام بين يديه فقال له : و اللّه لا اطيع أمرك و لا اصلّي خلفك ، و إنّي غدا لمفارقك و ذلك بعد تحكيم الحكمين فقال له عليّ عليه السّلام ثكلتك امّك إذن تعصي ربّك ، و تنكث

ــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٥ : ١٧٩٣ ، مادة ( خلل ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٠٨ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٠٨ .

( ٤ ) الحشر : ١٦ .

( ٥ ) الانفال : ٤٨ .

( ٦ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٠٨ ، لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ٣٧٩ ، مثل المصرية أيضا .

٤٨٣

عهدك ، و لا تضرّ إلاّ نفسك . خبّرني لم تفعل ذلك ؟ قال : لأنك حكّمت في الكتاب ،

و ضعفت عن الحق إذ جدّ الجدّ ، و ركنت إلى القوم الّذين ظلموا أنفسهم فأنا عليك زار و عليهم ناقم ، و لكم جميعا مبائن . فقال له عليّ عليه السّلام : « هلم ادارسك الكتاب و اناظرك في السنن ، و افاتحك امورا من الحق أنا أعلم بها منك . فعلّك تعرف ما أنت له منكر الآن ، و تستبصر ما أنت عنه الآن جاهل » قال : فإنّي عائد إليك قال « لا يستهوينك الشيطان ، و لا يستخفّنك الجهل ، و اللّه لئن استرشدتني و استنصحتني و قبلت منّي لأهدينّك سبيل الرشاد » فخرج من عنده إلى أن قال قال عليه السّلام لي : « دعه فإن عرف الحقّ و أقبل إليه عرفنا ذلك ،

و قبلنا منه ، و ان أبي طلبناه » . فقلت و لم لا تأخذه الآن و تستوثق منه و تحبسه .

فقال : إنّا لو فعلنا ذلك بكلّ من نتّهمه من الناس ملأنا سجننا منهم ، و لا أرى الحبس و العقوبة حتّى يظهروا لنا الخلاف إلى أن قال مسرّا إذهب الى منزل الرجل . فأعلمني ما فعل فانّه كلّ يوم لم يكن يأتيني فيه إلاّ قبل هذه الساعة .

فأتيت إلى منزله فإذا ليس منهم ديّار ، فدعوت على أبواب دور اخرى كان فيها طائفة من أصحابه فإذا ليس فيها داع ، و لا مجيب . فرجعت . فقال لي حين رآني :

« وطنوا فأمنوا أم جبنوا فظعنوا » فقلت : بل ظعنوا و اعلنوا . فقال : « قد فعلوها بعدا لهم كما بعدت ثمود . أما لو قد اشرعت لهم الأسنة ، و صبّت على هامهم السيوف لقد ندموا . إنّ الشيطان اليوم قد استهواهم و أضلّهم ، و هو غدا متبرّئ منهم ، و مخلّ عنهم » فقام إليه زياد بن خصفة . فقال : إنّه لو لم يكن من مضرّة هؤلاء إلاّ فراقهم إيّانا لم يعظم فقدهم . فنأسى ، فإنّهم قلّما يزيدون في عددنا لو أقاموا معنا ، و قلّما ينقصون من عددنا بخروجهم عنّا ، و لكنّا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة كثيرة ممّن يقدمون عليه من أهل طاعتك ، فاذن في اتّباعهم حتّى أردّهم إليك إلى أن قال قال عليه السّلام : و سأكتب إلى عمّالي فيهم . فكتب نسخة واحدة . فأخرجها إلى العمّال : « أمّا بعد ، فإنّ رجالا خرجوا هرّابا و نظنّهم

٤٨٤

وجّهوا نحو بلاد البصرة فسل عنهم أهل بلادك و اجعل عليهم العيون في كلّ ناحية من أرضك و اكتب إليّ بما ينتهي إليك عنهم » .

و عن عبد اللّه بن وال التيمي قال : و اللّه إنّي لعند أمير المؤمنين عليه السّلام إذ جاءه فيج بيده كتاب من قبل قرظة بن كعب الأنصاري أنّ خيلا مرّت بنا من قبل الكوفة متوجّهة نحو نفر ، و أنّ رجلا من دهاقين أسفل الفرات يقال له زإذان فروخ أقبل من قبل أخواله . فعرضوا له فقالوا : أمسلم أنت أم كافر ؟ فقال : بل مسلم . قالوا : فما قولك في عليّ ؟ قال : أمير المؤمنين ،

و سيّد البشر . فقالوا له : كفرت . ثمّ حملت عليه عصابة منهم فقطّعوه ،

و وجدوا معه رجلا من أهل الذمّة . فقالوا : ما أنت ؟ قال : من أهل الذمّة .

قالوا : أمّا هذا فلا سبيل عليه . فكتب عليه السّلام إليه « أمّا بعد . فقد فهمت ما ذكرت من أمر العصابة الّتي مرّت بك فقتلت البرّ المسلم ، و أمن عندهم المخالف الكافر . إنّ اولئك قوم استهواهم الشيطان . فضلّوا و كانوا كالّذين حسبوا أن لا تكون فتنة فعموا و صمّوا فأسمع و أبصر يوم يختبر أعمالهم » ١ .

« فحسبهم بخروجهم من الهدى و ارتكاسهم في الضلال و العمى » في ( الصحاح ) : « و اللّه أركسهم بما كسبوا أي : ردّهم إلى كفرهم . و ارتكس فلان في أمر أي : قد نجا منه » ٢ .

« و صدّهم عن الحقّ و جماحهم » أي : إسراعهم من قوله تعالى : لولّوا إليه و هم يجمحون ٣ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٨٦ ٨٩ ، سنة ٣٨ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) صحاح اللغة ٢ : ٩٣٣ ، مادة ( ركس ) .

( ٣ ) التوبة : ٥٧ .

٤٨٥

« في التيه » في ( الصحاح ) : تاه في الأرض أي : ذهب متحيّرا ، و التيه المفازة يتاه فيها ١ .

في ( تاريخ الطبري ) : عن أبي سعيد العقيلي قال : كتب عليّ عليه السّلام إلى زياد بن خصفة : أمّا بعد فقد بلغني كتابك ، و فهمت ما ذكرت من الناجي و إخوانه الّذين طبع اللّه على قلوبهم ، و زيّن لهم الشيطان أعمالهم فهم يعمهون و يحسبون أنّهم يحسنون صنعا ، و وصفت ما بلغ بك و بهم الأمر . فأمّا أنت و أصحابك فاللّه ، سعيكم ، و على اللّه تعالى جزاؤكم . فأبشر بثواب من اللّه خير من الدنيا الّتي يقتل الجّهال أنفسهم عليها . فإنّ ما عندكم ينفد ، و ما عند اللّه باق و ليجزيّن الّذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ، و أمّا عدوّكم الّذين لقيتموهم فحسبهم بخروجهم من الهدى إلى الضلال و ارتكاسهم فيه ،

و ردّهم الحقّ ، و لجاجهم في الفتنة ، فذرهم و ما يفترون ، و دعهم في طغيانهم يعمهون . فتسمع و تبصر كأنّك بهم عن قليل بين أسير و قتيل ٢ .

و فيه : لمّا بلغ عليّا عليه السّلام مصاب بني ناجية ، و قتل صاحبهم قال : « هوت أمّه ما كان أنقص عقله ، و أجرأه على ربّه فإنّه جاءني مرّة . فقال لي : في أصحابك رجال قد حسبت أن يفارقوك فما ترى فيهم ؟ فقلت له : إنّي لا آخذ على التهمة ، و لا اعاقب على الظنّ ، و لا اقاتل إلاّ من قاتلني و ناصبني و أظهر لي العداوة ، و لست مقاتله حتّى أدعوه و اعذر إليه . فإن تاب و رجع إلينا قبلنا منه و هو أخونا ، و إن أبي إلاّ الاعتزام على حربنا ، استعنّا عليه اللّه و ناجزناه . فكفّ عنّي ما شاء اللّه ثمّ جاءني مرّة اخرى . فقال لي : قد حسبت أن يفسد عليك عبد اللّه بن وهب الراسبي ، و زيد ابن حصين . إنّي سمعتهما يذكرانك بأشياء لو

ــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٢٢٩ ، مادة ( تيه ) .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٩٣ ، سنة ٣٨ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٨٦

سمعتها لم تفارقهما حتّى تقتلهما أو توثقهما . فلا يفارقاك من حبك أبدا ، فقلت :

إني مستشيرك فيهما فماذا تأمرني . قال : آمرك أن تدعو بهما فتضرب رقابهما . فعلمت أنه لا ورع و لا عاقل ١ .

و فيه : كتب علي عليه السّلام إلى معقل بن قيس بعد ذكر قتله سبعين من ناجية ، و ثلثمئة من العلوج من أصحاب الخرّيت في جبال رامهرمز ، و فرار الخرّيت إلى أسياف البحر :

أمّا بعد فالحمد للّه على تأييد أوليائه ، و خذلان أعدائه جزاك اللّه و المسلمين خيرا . فقد أحسنتم البلاء ، و قضيتم ما عليكم ، و سل عن أخي بني ناجية . فإن بلغك أنّه قد استقرّ ببلد من البلدان فسر إليه حتّى تقتله أو تنفيه ،

فإنّه لن يزال للمسلمين عدوّا و للقاسطين وليّا ما بقي ٢ .

و فيه : قرأ معقل كتابا من علي عليه السّلام عليهم « من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى من يقرأ عليه كتابي هذا من المؤمنين ، و المسلمين ، و النصارى و المرتدين . سلام على من اتّبع الهدى ، و آمن بالله و رسوله ، و كتابه و البعث بعد الموت ، و أوفى بعهد اللّه ، و لم يكن من الخائنين .

أمّا بعد فإنّي أدعوكم إلى كتاب اللّه ، و سنّة نبيّه ، و العمل بالحق ، و بما أمر اللّه في الكتاب . فمن رجع إلى أهله منكم ، و كفّ يده و اعتزل هذا الهالك المحارب الّذي جاء يحارب اللّه و رسوله و المسلمين ، و سعى في الأرض فسادا ، فله الأمان على ماله و دمه ، و من تابعه على حربنا ، و الخروج من طاعتنا استعنّا باللّه عليه ، و جعلنا اللّه بيننا و بينه ، و كفى باللّه نصيرا » .

قال : و أخرج معقل راية أمان فنصبها و قال : من أتاها من الناس فهو آمن

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٠١ ، سنة ٣٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٩٦ ، سنة ٣٨ .

٤٨٧

إلاّ الخرّيت و أصحابه الّذين حاربونا و بدؤونا أوّل مرّة . فتفرّق عن الخرّيت جلّ من كان معه من غير قومه ، و عبّى معقل أصحابه فجعل على ميمنته يزيد بن المغفل الأزدي ، و على ميسرته المنجاب بن راشد الضبي . ثمّ زحف بهم نحو الخرّيت و حضر معه قومه ، مسلموهم و نصاراهم ، و مانع الصدقة منهم ،

و بعث معقل إلى الميمنة و الميسرة : إذا حملت فاحملوا بأجمعكم . فحركّ رايته و هزّها ، ثمّ حمل أصحابه ، و بصر النعمان بن صهبان الراسبي بالخرّيت .

فحمل عليه فطعنه فصرعه عن دابته . ثمّ نزل و قد جرحه فأثخنه فاختلفا ضربتين فقتله النعمان ، و قتل معه في المعركة سبعون ، و ما بقي ذهبوا يمينا و شمالا ، و بعث معقل ، الخيل إلى رجالهم ، فسبى من أدرك منهم . فسبى رجالا كثيرا و نساء و صبيانا . فمن كان منهم مسلما خلاّه و أخذ بيعته و ترك له عياله ، و من ارتدّ عرض عليه الاسلام فرجع ، خلّى سبيله و سبيل عياله ١ .

قوله عليه السّلام في كتابه إلى زياد بن خصفة بعد ما مرّ من المصنّف : « كأنّك بهم عن قليل بين أسير و قتيل » قد عرفت أنه من إخباره عن المستقبل الّذي لا يعلم بالحدس و التخمين ، بل من تعليم ربّ العالمين .

هذا ، و من أحسن ما انشئ في قتل العدو و أسره ، قول إبراهيم بن العبّاس : و قسم اللّه عدوّه أقساما ثلاثة ، روحا معجّلة إلى عذاب اللّه ، و رأسا منقولة إلى دار خلافة اللّه ، إستنزلوه من معقل إلى عقال ، و بدّلوه آجالا ، و قديما غذت العصبيته أبناءها فحلبت عليهم درّها مرضعة ، و ركبت بهم مخاطرها موضعة ، حتّى إذا وثقوا فأمنوا ، و ركبوا فاطمأنّوا ، و أمتدّ رضاع ، و آن فطام .

فجرت مكان لبنها دما ، و اعقبتهم من حلو غذائها مرا ، و نقلتهم من عزّ إلى ذلّ ،

و من فرحة إلى ترحة ، و من مسرّة إلى حسرة ، قتلا و أسرا ، و غلبة و قسرا ، و قلّ

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٩٧ و ٩٨ ، سنة ٣٨ ، و النقل بتلخيص .

٤٨٨

من أوضع في الفتنة مرهجا ، و اقتحم لهبها مؤجّجا . إلاّ استلحمته آخذة بمخنقه ، و موهنة بالحق كيده ، حتّى جعلته لعاجله جزرا ، و لآجله حطبا ،

و للحق موعظة ، و عن الباطل مزجرة ، اولئك لهم خزي في الدنيا ، و لعذاب الآخرة أشدّ و ما اللّه بظلاّم للعبيد .

« قول المصنّف : و من كلام له عليه السّلام لمّا هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية » و كما أخبر عليه السّلام بأنّ بني ناجية الّذين خرجوا مع الخرّيت يؤول أمرهم إلى قتل و أسر ، و صار كما قال عليه السّلام . إستأذنه عليه السّلام قوم مصقلة الكتاب إليه برجوعه . فأذن لهم و أخبرهم أنه لا يرجع حتّى يموت . فصار كما قال عليه السّلام .

ففي ( خلفاء ابن قتيبة ) : ذكروا أنّه قام إلى علي عليه السّلام وجوه بكر بن وائل فقالوا : إنّ نعيما أخا مصقلة يستحي منك بما صنع مصقلة ، و قد أتانا اليقين أنّه لا يمنع مصقلة من الرجوع إليك إلاّ الحياء ، و لم يبسط منذ فارقنا لسانه ، و لا يده . فلو كتبنا إليه كتابا ، و بعثنا من قبلنا . فانّا نستحي أن يكون فارقنا مثل مصقلة من أهل العراق إلى معاوية . فقال علي عليه السّلام : اكتبوا . فكتبوا : أما بعد فقد علمنا أنّك لم تلحق بمعاوية رضى بدينه ، و لا رغبة في دنياه ، و لم يعطفك عن علي عليه السّلام طعن فيه ، و لا رغبة عنه ، و لكن توسطت أمرا . فقويت فيه الظن ،

و أضعفت فيه الرجاء . فكان أولاهما عندك أن قلت أفوز بالمال ، و ألحق بمعاوية ، و لعمرنا ما أستبدلت الشام بالعراق ، و لا السكاسك بربيعة ، و لا معاوية بعليّ عليه السّلام ، و لا اصبت دنيا تهنأ بها ، و لا حظّا تحسد عليه ، و إنّ أقرب ما يكون مع اللّه أبعد ما يكون مع معاوية . فارجع إلى مصرك . فقد اغتفر لك أمير المؤمنين عليه السّلام الذنب ، و احتمل الثقل .

و اعلم أنّ رجعتك اليوم خير منها غدا ، و كانت أمس خيرا منها اليوم ،

و إن كان عليك حياء من الرجوع إلى الحقّ . فما أنت فيه أعظم . فقبّح اللّه أمرا ليس فيه دنيا و لا آخرة .

٤٨٩

فكتب مصقلة إليهم : جاءني كتابكم و إنّي أخبركم أنّ من لم ينفعه القليل لم ينفعه الكثير ، و قد علمتم الأمر الّذي قطعني من عليّ ، و أضافني إلى معاوية و قد علمت أني لو رجعت إلى عليّ و إليكم لكان ذنبي مغفورا ، و لكنّي أذنبت إلى معاوية . فلو رجعت إلى عليّ أحدثت عيبا و أحييت عارا ، و كنت بين لائمين أوّلهما خيانة ، و آخرهما غدر ، و لكنّي اقيم بالشام . فان غلب معاوية فداري العراق ، و إن غلب عليّ فداري أرض الروم . فأمّا الهوى فإليكم طائر ، و كانت فرقتي عليّا على بعض العذر أحبّ إليّ من فرقتي معاوية و لا عذر لي . فرجع الرسول بالكتاب . فأقرأه عليّا . فقال : كفّوا عن صاحبكم فليس براجع حتّى يموت ١ .

و في ( بلدان البلاذري ) : ولّى معاوية مصقلة طبرستان و جميع أهلها حرب و ضمّ إليه عشرة آلاف و يقال عشرين ألفا فكاده العدو و أروه الهيبة له حتّى توغّل بمن معه في البلاد . فلمّا جاوزوا المضائق ، أخذها العدوّ عليهم ،

و هدّوا الصخور من الجبال على رؤوسهم . فهلك ذلك الجيش أجمع ، و هلك مصقلة فضرب الناس به المثل فقالوا « حتّى يرجع مصقلة من طبرستان » ٢ .

« و كان قد ابتاع سبي بني ناجية » في ( الأعاني ) و ناجية امّهم بنت جرم بن أبان و هو علاف ، و هو أوّل من اتّخذ الرحال العلافيه . فنسبت إليه ، و اسمها ليلي سمّيت ناجية لأنّها سارت في مفازة معه . فعطشت فاستسقته . فقال لها :

الماء بين يديك و هو يريها السراب حتّى جاءت الماء . فشربت و سمّيت ناجية ٣ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) الامامة و السياسة ١ : ٨٧ ٨٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) فتوح البلدان للبلاذري : ٣٣٠ .

( ٣ ) الأغاني ١٠ : ٢٠٥ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٩٠

و في عليّ بن الجهم الناجي : يدّعون أنّهم من سامة بن لؤي بن غالب ،

و تدفعهم قريش عن ذلك ، و تسمّيهم بني ناجية ينسبون إلى امّهم ناجية إمرأة سامة بن لوى و كان سامة في ما يقال خرج إلى ناجية البحرين مغاضبا لأخيه كعب بن لؤي في مماظّة كانت بينهما . فطأطأت ناقته رأسها إلى الأرض لتأخذ شيئا من العشب . فعلق بمشفرها أفعى فعطفته على قتبها فحكّته به . فدبّ الأفعي على القتب حتّى نهش ساق سامة فقتله ، و كانت معه امرأته ناجية . فتزوجت رجلا من أهل البحرين . فولدت منه الحرث ، و مات أبوه ، و هو صغير . فلمّا ترعرع طمعت امّه في أن تلحقه بقريش . فأخبرته أنه ابن سامة بن لؤي . فرحل من البحرين إلى كعب بن لؤي ، و أخبره أنّه ابن أخيه سامة بن لؤي . فعرف كعب امّه ، و ظنّه صادقا في دعواه ، و مكث عنده مدّة حتّى قدم مكّة ركب من أهل البحرين فرأوا الحرث . فسلّموا عليه ، و حادثوه ساعة فقال لهم كعب : من أين تعرفونه ؟ قالوا له : هذا ابن رجل من أهل بلدنا يقال له فلان و شرحوا له خبره فنفاه كعب و نفى امّه . فرجعا إلى البحرين فكانا هناك ، و تزوّج الحرث و أعقب ، و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم عمّي سامة لم يعقب .

ثمّ نقل عن ابن الكلبي كون الحرث بن سامة ، و أنّ ناجية لم تكن امّه بل أمّ أخيه غالب ، و أنّ الحرث خلف عليها بعد أبيه سامة ، و هلك و لم يعقب . قال و مثله الهيثم بن عدي : و إنّما بنو ناجية انتموا إلى الحرث بن سامة باطلا ١ .

و في ( أنساب البلاذري ) عن هشام بن محمّد الكلبي عن أبيه عن عدّة عن عليّ عليه السّلام قال : سامة حق ، أمّا العقب فليس له ، و قال قوم : كان لناجية ولد من غير سامة ، و كان سامة متبنّيا له . فنسب إليه . فالعقب لذلك الولد ٢ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني ١٠ : ٢٠٣ ٢٠٥ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) انساب الاشراف للبلاذري ١ : ٤٦ ٤٧ .

٤٩١

و قال ابن أبي الحديد : و في ( الأغاني ) في مروان بن أبي حفصة : عليّ بن الجهم خطب امرأة من قريش . فلم يزوّجوه ، و بلغ المتوكّل ذلك . فسأل عن السبب فحدّث بقصّة بني سامة بن لؤي ، و أنّ أبا بكر و عمر لم يدخلاهم في قريش ، و أنّ عثمان أدخلهم فيها ، و أنّ عليّا عليه السّلام أخرجهم منها . فارتدّوا ، و أنّه قتل من ارتدّ منهم ، و سبى بقيتهم . فباعهم من مصقلة بن هبيرة . فضحك المتوكّل ، و بعث إلى علي بن الجهم . فأحضره ، و أخبره بما قال القوم ، و كان فيهم مروان بن أبي حفصة و كان المتوكّل يغريه بعلي بن الجهم و هجائه فقال :

إنّ جهما حين تنسبه

ليس من عجم و لا عرب

لجّ في شتمي بلا سبب

سارق للشعر و النسب

من اناس يدّعون أبا

ماله في الناس من عقب

فغضب عليّ بن الجهم ، و لم يجبه لأنه كان يستحقره فأومأ إليه المتوكّل أن يزيده فقال :

أ ءنتم يا ابن جهم من قريش

و قد باعوكم ممّن يزيد

أترجو أن تكاثرنا جهارا

بأصلكم و قد بيع الجدود ؟

و لمّا أخذ بنو ناجية يوم الجمل بخطام جمل عايشة قالت لهم : صبرا فإنّى أعرف فيكم شمائل قريش ١ .

و في ( مروج المسعودي ) أبي كثير من الناس كون بني ناجية من ولد سامة و قالوا : إنّ سامة ما أعقب . قال عليّ بن محمّد بن جعفر العلوي في من انتمى إلى سامة بن لؤي :

و سامة منّا فأمّا بنوه

فأمرهم عندنا مظلم

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٦٣ ٢٦٤ .

٤٩٢

اناس أتونا بأنسابهم

خرافة مضطجع يحلم

و قلنا لهم مثل قول الوصي

و كلّ أقاويله محكم

إذا ما سئلت فلم تدرما

تقول ، فقل : ربّنا أعلم

و لست ترى أحدا منهم إلاّ منحرفا عن عليّ عليه السّلام ، و بلغ من انحراف علي بن الجهم الناجي أنه كان يلعن أباه . فسئل عن ذلك . فقال بتسميته إيّاي عليّا ١ .

و في ( الأغاني ) : سمع أبو العيناء عليّ بن الجهم يوما يطعن على أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له : أنا أدري لم تطعن عليه . فقال له : أتعني قصّة بيعة أهلي من مصقلة ؟ قال : لا أنت أوضع من ذلك ، و لكن لأنّه قتل الفاعل فعل قوم لوط و المفعول به و أنت اسفلهما . و فيه يقول البحتري :

إذا ما حصلّت عليا قريش

فلا في العير أنت و لا النّفير

و لو أعطاك ربّك ما تمنّى

لزاد الخلق في عظم الايور

علام هجوت مجتهدا عليّا

بما لفّقت من كذب و زور ؟

أما لك في استك الوجعاء شغل

يكفّك عن أذى أهل القبور ؟

و أدخلهم الزبير بن بكار في قريش لمخالفة فعل أمير المؤمنين عليه السّلام لإجماعهم على بغضه حسب المشهور من مذهب الزبير . . . ٢ .

قلت : و سبقه في ذلك عمّه مصعب الزبيري ، و لابدّ أنّهما قلّدا خالة جدهما عائشة باشتراك بغضهم له عليه السّلام مثل بني ناجيه . قال مصعب في ( نسب قريشه ) : عبد البيت بن الحارث بن سامة ، هم الّذين قتلهم عليّ ، و كان رئيسهم الخرّيت ٣ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٤٠٧ ٧٠٨ ، و النقل بتصرف .

( ٢ ) الاغاني ١ : ٢٠٥ ٢٠٦ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) نسبت قريش : ٤٤٠ .

٤٩٣

هذا و في ( البيان ) مرّ ابن أبي علقمة الموسوس بمجلس بني ناجية فكبا حماره لوجهه . فضحكوا منه . فقال : ما يضحككم ؟ رأى وجوه قريش فسجد ١ .

« من عامل أمير المؤمنين عليه السّلام » يعني أمير جنده معقل بن قيس و إلاّ فمصقلة كان عامله عليه السّلام على أردشير خرّه .

ففي ( تاريخ الطبري ) : أقبل معقل ببني ناجيه حتّى مرّ بهم على مصقلة بن هبيرة الشيباني و هو عامل عليّ عليه السّلام على أردشير خره و هم خمسمئة انسان . فبكى النساء و الصبيان ، و صاح الرجال : يا أبا الفضل يا حامي الرجال و فكّاك العناة امنن علينا فاشترنا . فقال مصقلة : اقسم باللّه لأتصدقنّ عليهم إنّ اللّه يجزي المتصدّقين . فبلغها عنه معقل . فقال : و اللّه لو أعلم أنه قاله توجعا لهم و إزراء عليكم لضربت عنقه ، و لو كان في ذلك تفاني تميم و بكر بن وائل .

ثمّ إنّ مصقلة بعث ذهل بن الحارث الذهلي إلى معقل . فقال له : بعني بني ناجية . فقال : نعم أبيعهم بألف ألف . و دفعهم إليه و قال له : عجّل بالمال إلى أمير المؤمنين عليه السّلام . فقال : أنا باعث الآن بصدر ، ثمّ أبعث بصدر آخر كذلك ، حتّى لا يبقى منه شي‏ء ، و أقبل معقل إلى علي عليه السّلام و أخبره بما كان منه في ذلك . فقال له : أحسنت ، و أصبت ، و انتظر على مصقلة أن يبعث إليه بالمال ، و بلغ عليّا عليه السّلام أنّ مصقلة خلّى سبيل الاساري ، و لم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشي‏ء . فقال عليه السّلام : « ما أظن مصقلة إلاّ قد تحمّل حمالة إلاّ أراكم سترونه عن قريب ملبّدا » .

ثمّ إنّه عليه السّلام كتب إليه : « أما بعد فإنّ من أعظم الخيانة خيانة الامّة ، و أعظم الغشّ على أهل المصر غشّ الإمام ، و عندك من حقّ المسلمين خمسمئة ألف .

ــــــــــــــــ

( ١ ) البيان و التبيين للجاحظ ٣ : ٣٣٣ .

٤٩٤

فابعث بها إليّ ساعة يأتيك رسولي ، و إلاّ فأقبل حين تنظر في كتابي فإنّي قد تقدمت إلى رسولي إليك لا يدعك أن تقيم ساعة واحدة بعد قدومه عليك إلاّ أن تبعث بالمال » و كان الرسول أبا جرّة الحنفي فقال له أبو جرّة : إبعث بالمال الساعة ، و إلاّ فاشخص إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فلمّا قرأ كتابه أقبل حتّى نزل البصرة إلى أن قال ثمّ أقبل حتّى أتى عليّا عليه السّلام فأقرّه أيّاما ثمّ سأله المال . فأدّى إليه مئتي ألف ثمّ إنّه عجز فلم يقدر عليه .

و قال ذهل بن الحرث : دعاني مصلقة إلى رحله . فقدّم عشاؤه . فطعمنا منه ثمّ قال : و اللّه إنّ أمير المؤمنين يسألني ، و لا أقدر عليه . فقلت له : و اللّه لو شئت ما مضت عليك جمعة حتّى تجمع جميع المال . فقال : و اللّه ما كنت لأحمّلها قومي ، و لا أطلب فيها إلى أحد ثمّ قال : أما و اللّه لو أنّ ابن هند هو طالبي بها أو ابن عفّان لتركها لي ، أ لم تر إلى ابن عفان حيث أطعم الأشعث من خراج آذربيجان مأة ألف في كلّ سنة .

فقلت له : إنّ هذا لا يرى هذا الرأي لا و اللّه ما هو بباذل شيئا كنت أخذته فما مكث إلاّ ليلة حتّى لحق بمعاوية ، و بلغ ذلك عليّا عليه السّلام فقال : « ما له برّحه اللّه فعل فعل السيّد ، و فرّ فرار العبد ، و خان خيانة الفاجر . أما و اللّه إنّه لو أقام فعجز مازدنا على حبسه . فإن وجدنا له شيئا أخذناه ، و إن لم يقدر على مال تركناه » ثمّ سار إلى داره فنقضها و هدمها ، و كان أخوه نعيم بن هبيرة شيعيا مناصحا لعليّ عليه السّلام و كتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من النصارى من بني تغلب يقال له حلوان : إني كلّمت معاوية فيك فوعدك الإمارة ، و منّاك الكرامة ، فأقبل إليّ ساعة يلقاك رسولي . فأخذه مالك بن كعب الأرحبي . فسرّح به إلى عليّ عليه السّلام فأخذ كتابه . فقرأه . فقطع يد النصراني فمات فكتب نعيم إلى مصقلة :

لا ترمينّ هداك اللّه معترضا

بالظّن منك فما بالي و حلوانا

٤٩٥

ذاك الحريص على ما نال من طمع

و هو البعيد فلا يحزنك إذ خانا

ماذا أردت إلى إرساله سفها

ترجو سقاط امرئ لم يلق و سنانا

عرّضته لعليّ إنّه أسد

يمشي العرنضي من آساد خفّانا

قد كنت في منظر عن ذا و مستمع

تحمي العراق و تدعى خير شيبانا

حتّى تقحّمت أمرا كنت تكرهه

للراكبين له سرّا و إعلانا

لو كنت أدّيت ما للقوم مصطبرا

للحقّ أحييت أحيانا و موتانا

لكن لحقت بأهل الشام ملتمسا

فضل ابن هند و ذاك الرأي أشجانا

فاليوم تقرع سنّ الغرم من ندم

ماذا تقول و قد كان الّذي كانا

أصبحت تبغضك الأحياء قاطبة

لم يرفع اللّه بالبغضاء إنسانا

و رواه ( غارات الثقفي ) ، و زاد على نقل ابن أبي الحديد و قيل لعليّ عليه السّلام حين هرب مصقلة : اردد الّذين سبوا و لم تستوف أثمانهم ، في الرق . فقال : ليس ذلك في القضاء بحق . قد عتقوا إذ أعتقهم الّذي اشتراهم ، و صار مالي دينا على الّذي اشتراهم ١ .

« و اعتقه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب ( و أعتقهم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ .

« فلمّا طالبه بالمال خاس به » أي : غدر به .

« و هرب إلى الشام » و في ( أمثال الكرماني ) : و قال مصقلة لمّا هرب منه عليه السّلام و لحق بمعاوية .

و فارقت خير الناس بعد محمّد

لمال قليل لا محالة ذاهب

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الطبري في تاريخه ٤ : ٩٩ ١٠١ ، سنة ٣٨ ، و الثقفي في الغارات ١ : ٣٦٢ ٣٧٠ ، و عنه ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٢٧١ ، شرح الخطبة ٤٤ .

( ٢ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٦١ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ١١٥ ، مثل المصرية أيضا .

٤٩٦

قوله عليه السّلام « قبح اللّه مصقلة » في ( الصحاح ) : قبّحه اللّه أي : نحّاه عن الخير ١ .

« فعل فعل السادات » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( السادة ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٢ ثمّ فعله فعل السادة بشرائه السبي و عتقهم .

« و فرّ فرار العبيد » لئلاّ يؤدي الثمن .

« فما أنطق مادحه » في شراء السبي و عتقهم . و قال الأخطل في ذلك :

و سل بمصقلة الكبري ما فعلا

بملتف و مفيد لا يمنّ و لا

تهلكه النفس في ما فاته عذلا

إلى أن قال .

و قد فككت عن الأسرى وثاقهم

و ليس يرجون تلجأ و لا دخلا

و قد تنفذتهم من قعر مظلمة

إذا الجبان رأى أمثالها زحلا

فهم فداؤك إذ يبكون كلهم

و لا يرون لهم جاها و لا نفلا

ما في معدّ فتى يغني رباعته

إذا يهمّ بأمر صالح عملا

الخ كما في ديوانه ٣ ، و قال آخر :

و مصلقة الّذي قد باع بيعا

ربيحا يوم ناجية بن سالم

« حتّى أسكته » بفراره . قال عمرو بن معديكرب كما في بيان الجاحظ و غيره :

فلو أنّ قومي أنطقتني رماحهم

نطقت و لكنّ الرماح اجرّت

ــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ١ : ٣٩٣ ، مادة ( قبح ) .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٦١ ، و لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ١١٥ ، مثل المصرية .

( ٣ ) ديوان الاخطل : ١٤٣ و ١٤٥ .

٤٩٧
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الخامس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

قال الجاحظ : أي لم يطعن قومي بالرماح . فاثني عليهم ، و لكنّهم فرّوا فأمسكت كالمجرّ الّذي في فمه جرار أي عود يعرض في فم الفصيل لئلاّ يرتضع ١ .

« و لا صدّق واصفه حتّى بكته » أي : عنّفه . قال بشار في بعضهم :

أثنى عليك ولى حال تكذّبني

في ما أقول فاستحي من الناس

قد قلت إنّ أبا حفص لأكرم من

يمشي فخاصمني في ذلك إفلاسي

هذا ، و قال القطامي في يزيد بن المهلّب :

لعل عيني أن ترى يزيدا

يقود جيشا جحفلا شديدا

تسمع للأرض به وئيدا

ثمّ إنّه سار بعد ذلك إلى العقر حتّى شهد مع مسلمة بن عبد الملك قتال يزيد . فقال يزيد : ما أبعد شعر القطامي من فعله .

هذا ، و مدح شاعر الحسن بن سهل و ظن الحسن أنّ همّته قصيرة فقال له : إحتكم . فقال : ألف ناقة . فوجم الحسن و لم يمكنه ، و كره أن يفتضح ،

و قال : يا هذا إنّ بلادنا ليست بلاد إبل ، و لكن ما قال امرؤ القيس :

إذا ما لم يكن إبل فمعزى

كأنّ قرون جلّتها العصي

ثمّ أمر يحيى بن خاقان أن يعطيه بكلّ شاة دينارا . هذا ، و لبعضهم :

مدح الفضل نفسه بالفعال

فعلا عن مديحنا بالمقال

أمروني بمدحه قلت كلاّ

كبر الفضل عن مديح الرجال

« و لو أقام لأخذنا ميسوره » من ثلاثمئة ألف بقيت عليه على رواية الطبري ،

و من مئة ألف على رواية المسعودي ٢ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الجاحظ في البيان ١ : ٣٣٧ ، و ابن منظور في لسان العرب ٤ : ١٢٦ ، مادة ( جرّ ) .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٠٠ ، سنة ٣٨ ، و مروج الذهب ٢ : ٤٠٨ .

٤٩٨

« و انتظرنا بماله و فوره » مصدر و فر الشي‏ء أي : كثر . و في ( الصحاح ) قولهم : « توفر و تحمد » يضرب هذا المثل للرجل تعطيه الشي‏ء فيردّه عليك من غير تسخط ١ .

١١

الخطبة ( ١٣ ) و من كلام له ع في ذم أهل ؟ البصرة ؟

كُنْتُمْ جُنْدَ اَلْمَرْأَةِ وَ أَتْبَاعَ اَلْبَهِيمَةِ رَغَا فَأَجَبْتُمْ وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ أَخْلاَقُكُمْ دِقَاقٌ وَ عَهْدُكُمْ شِقَاقٌ وَ دِينُكُمْ نِفَاقٌ وَ مَاؤُكُمْ زُعَاقٌ وَ اَلْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ وَ اَلشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ قَدْ بَعَثَ اَللَّهُ عَلَيْهَا اَلْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَ مِنْ تَحْتِهَا وَ غَرِقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا وَ فِي رِوَايَةٍ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ وَ فِي رِوَايَةٍ كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِلاَدُكُمْ أَنْتَنُ بِلاَدِ اَللَّهِ تُرْبَةً أَقْرَبُهَا مِنَ اَلْمَاءِ وَ أَبْعَدُهَا مِنَ اَلسَّمَاءِ وَ بِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ اَلشَّرِّ اَلْمُحْتَبَسُ فِيهَا بِذَنْبِهِ وَ اَلْخَارِجُ بِعَفْوِ اَللَّهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَرْيَتِكُمْ هَذِهِ قَدْ طَبَّقَهَا اَلْمَاءُ حَتَّى مَا يُرَى مِنْهَا إِلاَّ شُرَفُ اَلْمَسْجِدِ كَأَنَّهُ جُؤْجُؤُ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ الخطبة ( ١٤ ) و من كلام له ع في مثل ذلك :

أَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ اَلْمَاءِ بَعِيدَةٌ مِنَ اَلسَّمَاءِ خَفَّتْ عُقُولُكُمْ وَ سَفِهَتْ حُلُومُكُمْ فَأَنْتُمْ غَرَضٌ لِنَابِلٍ وَ أُكْلَةٌ لِآكِلٍ وَ فَرِيسَةٌ لِصَائِلٍ

ــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٤٧ ، مادة ( وفر ) .

٤٩٩

أقول : رواها أبو حنيفة الدينوري في ( اخبار طواله ) ، و ابن قتيبة في ( عيونه ) و ابن عبد ربه في ( عقده ) ، و سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) ،

و المسعودي في ( مروجه ) و الحموي في ( معجمه ) ، و رواها القمي في ( تفسيره ) ، و المفيد في ( جمله ) . و ابن ميثم في ( شرحه ) .

قال الأوّل : دخل عليّ عليه السّلام البصرة فأتى مسجدها الأعظم و اجتمع الناس إليه . فصعد المنبر . فحمد اللّه و أثنى عليه ، و صلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم ثمّ قال : « أمّا بعد فأنّ اللّه ذو رحمة واسعة ، و عقاب أليم . فما ظنّكم بي يا أهل البصرة جند المرأة ، و أتباع البهيمة . رغا فقاتلتم ، و عقر فانهزمتم . أخلاقكم دقاق و عهدكم شقاق ، و ماؤكم زعاق . أرضكم قريبة من الماء بعيدة من السماء و أيم اللّه ليأتين عليها زمان لا يرى منها إلاّ شرفات مسجدها في البحر ، مثل جؤجؤ السفينة إلى أن قال و شخص عليّ عليه السّلام عن البصرة و استعمل عليها عبد اللّه بن عباس . فلما انتهى إلى المبرد التفت إلى البصرة ثمّ قال : « الحمد لله الّذي أخرجني من شرّ البقاع ترابا ، و أسرعها خرابا ، و أقربها من الماء ، و أبعدها من السماء » ١ .

و قال الثاني : رقى عليّ عليه السّلام في البصرة المنبر . فقال : يا أهل البصرة ، و يا بقايا ثمود . يا أتباع البهيمة ، و يا جند المرأة . رغا فاتّبعتم ، و عقر فانهزمتم ،

دينكم نافق ، و أحلامكم دقاق ، و ماؤكم زعاق . يا أهل البصرة و البصيرة ،

و السبخة و الخريبة . أرضكم أبعد أرض من السماء ، و أقربها من الماء ،

و أسرعها خرابا و غرقا .

و مثله السادس و زاد ألا إني سمعت رسول اللّه عليه السّلام يقول : أما علمت أنّ جبرئيل حمل جميع الأرض على منكبه الأيمن . فأتاني بها ، ألا أني وجدت

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاخبار الطوال : ١٦١ .

٥٠٠