النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي0%

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 194

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور زهير الأعرجي
تصنيف: الصفحات: 194
المشاهدات: 46376
تحميل: 6689

توضيحات:

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 194 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46376 / تحميل: 6689
الحجم الحجم الحجم
النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أحكامُ النسب في الشريعة

ولمّا كان النسب من أهمّ أُسس تثبيت النظام الاجتماعي، لتعلّقه بالأبوّة، والبنوّة، والزوجية، والأرحام، والولاية، والنفقة، والإرث، كان الاهتمام به من قِبل رسالة السماء أمراً طبيعياً وضرورياً، فيُلحق المولود على الصعيد الشرعي، بسبب الفراش لا مجرّد العقد؛ لقوله (ص): ( الولد للفراش، وللعاهر الحجر ) (1) ، والمراد بالفراش: هو افتراش الزوجة، والحديث المروي عن رسول الله (ص) الآنف الذكر بيان لقوله تعالى: ( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) (2) .

وقد تسالمَ الفقهاء على قاعدة ( إمكان الإلحاق ) المذكورة سابقاً، وظاهرها: أنّه كلّ ما أمكنَ أن يلحق الولد بالزوج يجب أن يُلحق به في ظاهر الشرع، فلا يحتاج الحاكم الشرعي في قضائه بلحوق الولد إلى إثبات، وذكروا أنّ من شروط الإلحاق:

أولاً: أن يُدخله، ويُنزل في داخل الفرج.

ثانياً: أن لا يحصل الدخول، ولكن يُريق ماءه على الفرج، كما جاء في الرواية أنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، فقال: إنّ امرأتي هذه حامل، وهي جارية حَدثة، عذراء، وحامل في تسعة أشهر، ولا أعلم إلاّ خيراً، وأنا شيخ كبير ما اقترعتها، وإنّها لعلى حالها؟ فقال له علي (ع):

____________________

1 - الكافي: ج 7، ص 163.

2 - البقرة: 187.

١٢١

( نشدتُك الله هل كنت تهريق على فرجها؟ ) (1) ، وفي رواية أخرى عن أمير المؤمنين (ع): ( إنّ للمرأة سمّين: سمّ البول وسمّ المحيض، فلعلّ الشيخ كان ينال منها، فسالَ ماؤه في سمّ المحيض فحملت منه، فاسألوا الرجل عن ذلك، فسُئل، فقال: قد كنتُ أُنزل الماء في قُبلها من غير وصول إليها بالافتضاض، فقال أمير المؤمنين: الحمل له، والولد له ) (2) .

ثالثاً: أن يلتقي الختانان كلياً أو جزئياً ولكن لا يتمّ الإنزال، حيث ( يمكن التولّد من الرجل بالدخول، وإن لم يُنزل، ولعلّه لتحرّك نطفة المرأة، واكتسابها العلوق من نطفة الرجل في محلّها، أو غير ذلك من الحِكَم التي لا يحيط بها إلاّ ربّ العزّة، ولذا أُطلق أنّ الولد للفراش المراد به الافتراش فعلاً ) (3) .

رابعاً: أن يمضي ستة أشهر من حين الإنزال داخلاً أو خارجاً، وهي أقلّ الحمل؛ لقوله تعالى: ( وَحَملُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهراً ) (4) ، وقوله: ( وَفِصالُهُ في عامَينِ ) (5) ، فيتعيّن أن تكون أقلّ المدّة ستة أشهر.

ودلّت الروايات المروية عن أهل البيت (ع): أنّ أكثر ما تحمله المرأة من حمل، تسعة أشهر على الأشهر، و ( قيل: عشرة أشهر، وهو حسن يعضده الوجدان في كثير، وقيل: سنة، وهو متروك ) (6) .

____________________

1 - قرب الإسناد: ص 70.

2 - الإرشاد للشيخ المفيد: ص 112.

3 - الجواهر: ج 31، ص 223.

4 - الأحقاف: 15.

5 - لقمان: 14.

6 - شرائع الإسلام: ج 2، ص 340.

١٢٢

فقد ( روى ابن حكيم عن الإمام (ع) أنّه قال في المطلّقة يطلّقها زوجها فتقول: أنا حُبلى، فتمكث سنة؟ قال الإمام: ( إن جاءت به لأكثر من سنة لم تُصدّق، ولو ساعة واحدة في دعواها ) (1) .

خامساً: ويُلحق المولود بالزوج أيضاً بسبب وطء الشبهة أيضاً، وهو: أن يطأ الرجل امرأة تحرم عليه مع جهله بالتحريم، ويقسّم الفقهاء الشبهة إلى قسمين:

الأول: شبهة العقد مع الوطء، وهو: أن يعقد على امرأة ثمّ يتبيّن فساد العقد لسبب من الأسباب الموجبة للفساد.

والثاني: شبهة الوطء من غير عقد، وهي نادراً ما تقع، ومعناها: أن يطأ امرأة من غير أن يكون بينهما عقد صحيح أو فاسد، بل يقاربها باعتقاد الحِل، ثمّ يتبيّن العكس: كوطء المجنون، والسكران، والنائم لامرأة أجنبية، ويُلحق ولد الشبهة إلحاقاً شرعياً بأبيه.

وذهبَ أكثر الفقهاء إلى أنّه ( لو تزوج امرأة لظنّه أنّها خالية، أو لظنّه موت الزوج، أو طلاقه، فبانَ أنّه لم يمت ولم يُطلّق، رُدّت على الأول بعد الاعتداد من الثاني، واختصّ الثاني بالأولاد مع الشرائط، سواء استندت في ذلك إلى حُكم حاكم، أو شهادة شهود، أو إخبار مُخبر ) (2) .

وادّعاء الجهل بالتحريم يُقبل من المدّعي حتماً، فإذا قاربَ امرأة تحرم عليه وادّعى جهله بالتحريم، يُقبل قوله بلا بيّنة أو يمين، وكذلك يُقبل ادّعاء المرأة بالاشتباه بلا بيّنة أو يمين؛ لأنّ الحدود تُدرأ بالشبهات.

واللقيط الذي يضمّه الفرد الملتقِط إليه، ويكفله مع سائر عياله، لا يُلحق بالملتقِط نَسباً، ولا يكون الالتقاط سبباً للتوارث.

وكذلك التبنّي وهو: نسبة ولد معروف النَسب إلى نفسه، فلا يكون سبباً لفسخ النسب الأصلي أو

____________________

1 - المسالك: كتاب النكاح.

2 - شرائع الإسلام: ج 2، ص 343.

١٢٣

سبباً من أسباب الإرث؛ لقوله تعالى: ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لآبَائِهِم هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ) (1) .

بمعنى: أنّ ( ما جعلَ الله مَن تدّعونَهُ ولداً [ بالتبنّي ]، وهو ثابت النسب من غيركم، ولداً لكم، إنّ قولكم: الدعي ابن الرجل، شيء تقولونه بألسنتكم لا حقيقة له عند الله تعالى، والله يقول الحقّ الذي يلزم اعتقاده حقيقة، وهو أنّ الزوجة لا تصير بالظهار أمّاً، والدعي لا يصير بالتبنّي ابناً، ادعوهم لآبائهم الذين ولَدوهم، وانسبوهم إليهم، أو إلى مَن ولِدوا على فراشهم، هو أقسط عند الله، أي أعدل عند الله قولاً وحكماً ) (2) .

____________________

1 - الأحزاب: 4 - 5.

2 - مجمع البيان: ج 8، ص 131.

١٢٤

الإقرارُ بالنسب

ومعنى الإقرار شرعاً: الاعتراف بحقّ ثابت، سواء كان لله كالإقرار بما يوجب الحدود والتعزيرات، أو للناس كالعين، أو المنفعة، أو القصاص، و ( الأصل في شرعية [ الإقرار ] بعد الإجماع من المسلمين، أو الضرورة، السنّة المقطوع بها ) (1)؛ لقوله تعالى: ( أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا ) (2) ، وقوله (ص): ( إقرار العقلاء على أنفسهم جائز [ أي نافذ ] ) (3) ، وقوله (ع): ( لا أُجيز شهادة الفاسق إلاّ على نفسه ) (4) .

ويستند الإقرار عموماً على أربعة أُسس:

الأول: الصيغة لفظاً أو فعلاً، وهي موكولة للعرف ولا شك أنّ ( إيكال الإقرار إلى العرف أولى من التعرّض لتحديده؛ فإنّه [ هو ] الذي يميّز بين أفراده، حتى أنّه في القضية الواحدة يجعل قائلها مدّعياً من جهة، ومُقرّاً من جهة أخرى ) (5) .

و ( لمّا كان الغرض من الإقرار الإخبار عمّا في الذمّة، أو في العهدة، فإنّه لا يختصّ بلفظ معيّن، بل كل ما دلّ على المراد ) (6) .

و يُشترط في صيغة الإقرار: التنجيز، وعدم التعليق ؛ لأنّ التنجيز إخبار عن حقّ ثابت، والتعليق إخبار عن أنّ الحقّ لم يثبت بعد.

____________________

1 - الجواهر: ج 35، ص 3.

2 - آل عمران: 81.

3 - الوسائل: ج 16، ص 133.

4 - الكافي: ج 7، ص 395.

5 - الجواهر: ج 35، ص 7.

6 - المسالك: كتاب الإقرار.

١٢٥

الثاني: المُقِرّ، ويشترط فيه العقل والبلوغ، فـ ( لا يُقبل إقرار [ الصبي ] عند علمائنا، حتى لو أذِن له الولي، وحتى لو كان مراهقاً ومميزاً؛ لأنّه مسلوب العبارة إقراراً وإنشاءً ) (1) ، ويُشترط: القصد، والاختيار، والعلم بمدلول الإقرار.

الثالث: المُقرّ له، ويشترط أن تكون عنده أهلية لثبوت الحقّ له، وقد اتفق الفقهاء على صحة الإقرار للحمل إذا ولِد الجنين حياً بعد ستة أشهر، أو أكثر من انعقاد النطفة، فيحصل العلم حينئذٍ بتخلّق الجنين عند صدور الإقرار، حيث يترتّب على الإقرار آثار الميراث والوصية.

الرابع: المُقرّ به، ويشترط فيه أن يكون في طبيعة الاستحقاق كالزوجية، أو ما يوجب الحدّ، أو دين مثلاً، وأن يكون الشيء المُقَرُّ به في يد المقِرِّ و تصرّفه.

هذا كلّه فيما يتعلّق بالإقرار عموماً، أمّا الإقرار بالنسب فإنّ أغلب الفقهاء يصنّفونه إلى نوعين:

الأول: الإقرار ببنوّة الصغير، ويُشترط في ثبوت نسب الصغير بالإقرار: أن يكون بين المولود والمقِرّ تفاوت معقول في السن كالتفاوت العرفي الحاصل بين الأب وابنه، وأن يكون الصغير مجهول النسب، فلا يُقبل الإقرار ببنوّة صغير منسوب إلى فرد آخر من الأفراد، وأن لا ينازِع المُقرّ في إقراره بنوّة الصغير منازع آخر، وإلاّ حُكم بالولد لصاحب البيّنة، ومع عدمها يُقرع بينهما.

وقد وردت روايات صحيحة عن أئمة أهل البيت (ع) بهذا الخصوص، فقد جاء عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: ( إذا أقرّ الرجل بالولد ساعة لم يُنفَ عنه أبداً ) (2) .

وورد أيضاً أنّه (ع) سُئِل عن المرأة تُسبى من أرضها، ومعها

____________________

1 - التذكرة للعلاّمة الحلّي: كتاب الإقرار.

2 - التهذيب: ج 8، ص183.

١٢٦

الولد الصغير، فتقول: هو ابني، والرجل يُسبى فيلقى أخاه فيقول: أخي، وليس لهم بيّنة إلاّ قولهم؟ فقال الإمام: ( ما يقول الناس فيهم عندكم؟ قلت: لا يورثونهم؛ لأنّه لم يكن لهم على ولادتهم بيّنة وإنّما هي ولادة الشرك، فقال (ع): سبحان الله! إذا جاءت بابنها أو ابنتها، ولم تزل مُقرّة به، وإذا عرفَ أخاه، وكان ذلك في صحّة منهما، ولم يزالا مُقرّين بذلك ورثَ بعضهم من بعض ) (1) .

والثاني: الإقرار ببنوّة الكبير، فتُلاحَظ نفس الشروط السابقة المذكورة في الإقرار ببنوّة الصغير، ويضاف إليها أنّه إذا أُنكرَ الكبير لم يثبت النسب بينهما إلاّ بعد أن يقيم المقرّ البيّنة، وإذا تصادق البالغان على ثبوت النسب ثبتَ النسب بينهما إلى الأبد.

ويجوز الإقرار بنسب الميت، فإذا مات شخص مجهول النسب وادّعى شخص آخر ببنوّته ولم ينازعه في ذلك أحد، وكان احتمال البنوّة قائماً للمقِرّ، ثبتَ نسبه للمقِر، وذكر الفقهاء أنّه: ( لا يُعتبر تصديق الصغير ذكراً كان أو أنثى، والمجنون والميت، بل يثبت نسبهم إلى المقِر بمجرّد إقراره؛ لأنّ التصديق إنّما يُعتبر مع إمكانه وهو ممتنع منهما، وكذا الميّت مطلقاً ) (2) .

____________________

1 - معاني الأخبار: ص 273.

2 - شرح اللمعة للشهيد الثاني: ج 6، ص 423.

١٢٧

النفقةُ الشرعية

ولمّا كانت النفقة المالية ضرورية في ثبات واستقرار العائلة في النظام الاجتماعي، كان لابدّ للزوج من تحمّل مسؤولية الإنفاق؛ لأنّه هو المسؤول شرعاً عن العمل خارج البيت، وهو المسؤول شرعاً عن الإنفاق على الزوجة للمعاوضة وعلى الأولاد والأبوين للقرابة.

ولا شك أنّ هذا النظام المالي يساهم في استقرار شخصيات الأطفال، ويساعد على كفاية الأجداد على الصعيد المالي والاجتماعي، ويساعد على التأكيد على دور الأمومة أيضاً.

فقد أجمعَ الفقهاء على وجوب نفقة الزوجة الدائمة على زوجها، حتى لو كانت على درجة من الثراء والغنى؛ للنص الحكيم: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) (1) ، و ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (2) ، ( المولود له ) يعني الزوج، وضمير ( هنّ ) يعود على الزوجات.

ويفسّر ذلك حديث الإمام (ع) في حقّ المرأة على زوجها: ( [ أن ] يُشبعها ويكسوها ) (3) ، وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عزّ وجل: ( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ) (4) ، قال: ( إذا أنفقَ الرجل على امرأته ما يقيم ظهرها مع الكسوة، وإلاّ فُرّق بينهما ) (5) .

____________________

1 - النساء: 33.

2 - البقرة: 232.

3 - الكافي: ج 2، ص 61.

4 - الطلاق: 7.

5 - تفسير العيّاشي: ج 1، ص 117.

١٢٨

وذهب أكثر الفقهاء إلى أنّ مجرّد وقوع العقد لا يوجب النفقة، بل لابدّ من ثبوت الطاعة والتمكين، والاستحاضة والحيض يمنعان من الفراش، ولكن لا تسقط النفقة بهما، ( بلا خلاف أجده فيه، بل وفي كل ما امتنع الاستمتاع فيه لعذرٍ شرعي أو عقلي؛ للأصل وعموم أدلّة الإنفاق ) (1) .

وإذا سافرت الزوجة بإذن زوجها فهل تسقط النفقة؟ قال الفقهاء: لا تسقط، أمّا إذا كان السفر بدون إذن الزوج يُنظر، فإن كان لواجب فلها النفقة؛ للمأثور من قوله (ع): ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )، وإن كان لغير ذلك تسقط نفقتها.

وتثبت النفقة للمعتدّة من طلاق رجعي، حاملاً كانت أم حائلاً، وكذلك تثبت للمعتدّة من طلاق بائن إذا كانت حاملاً فحسب، كما ورد في كلام الباري عزّ وجل: ( وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (2) .

أمّا المعتدّة عدّة الوفاة، فلا نفقة لها حاملاً كانت أم لا، فقد ( وردَ بعدم الإنفاق عليها أربع روايات معتبرات الإسناد... وعلى ذلك سائر المتأخّرين، وهو الأقوى ) (3) ، والمروي عن الإمام الصادق سؤال زرارة بن أعين عن المرأة المتوفّى عنها زوجها، هل لها نفقة؟ قال: ( لا ) (4) ، والظاهر أنّ الإرث المفترَض استحقاقه لها يُغني عن تلك النفقة.

وأوكلَ الشرع تحديد النفقة الشرعية للزوجة إلى العرف الاجتماعي، مع مراعاة الدخل المادي للزوج، كما ورد في النص القرآني الشريف: ( لِيُنفِق ذُو سعَةٍ مِن سعَتِهِ، وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزقَهُ فَليُنفِق مِمّا آتاهُ

____________________

1 - الجواهر: ج 31، ص 312.

2 - الطلاق: 6.

3 - المسالك: باب النفقة.

4 - الكافي: ج 2، ص 116.

١٢٩

الله وَلا يُكَلِّفُ اللهُ نَفساً إلاّ ما آتاها سَيَجعَلُ اللهُ بَعدَ عُسرٍ يُسراً ) (1) ، وقوله أيضاً: ( أسكِنُوهُنّ مِن حَيث سَكنتُم مِن وُجدِكُم ) (2) ، وقوله في الإشارة إلى حقهّا في السكن مع زوجها باستقلال: ( وَعاشِرُوهُنَّ بِالمَعرُوفِ ) (3) ، ( وَلا تُضارَوهُنَّ لِتُضَيَّقُوا عَلَيهنّ ) (4)

والمتعارف بين الناس: أنّ النفقة تشمل المأكل، والملبس، والمسكن، والعلاج، ونفقة الحمل والوضع، بل كل ما يتعلّق بالحياة الاجتماعية الطبيعية التي يقرّها العرف العقلائي.

ومع أنّ أكثر الفقهاء قالوا بعدم ضمان الزوج النفقة المستقبلية لزوجته؛ لأنّه من باب ضمان ما لا يَجب، وهو غير جائز، إلاّ أنّ البعض الآخر قال: بأنّ لها الحقّ بطلب الضمان فـ( يجوز ضمان النفقة الماضية للزوجة؛ لأنّها دَينٌ على الزوج، وكذا نفقة اليوم الحاضر لها، وأمّا النفقة المستقبلية فلا يجوز ضمانها عندهم؛ لأنّه من ضمان ما لم يجب، ولكن لا يبعد صحّته لكفاية وجود المقتضي وهو الزوجية، ولا دليل على عدم صحة ضمان ما لم يجب بعد ثبوت المقتضي من نص أو إجماع، وإن اشتهرَ في الألسُن، بل في جملة من الموارد حَكموا بصحته ) (5) .

هذا كلّه في حالة قدرة الزوج على الإنفاق، أمّا ( إذا تجدّد عجز الزوج عن النفقة ففي تسلّط الزوجة على الفسخ قولان: أحدهما، وبه قال ابن الجنيد: أنّ لها الخيار؛ لقول الإمام الصادق (ع): ( إذا أنفقَ عليها ما يقيم حياتها مع كسوة، وإلاّ فُرّق بينهما )،

____________________

1 - الطلاق: 7.

2 - الطلاق: 5.

3 - النساء: 19.

4 - النساء: 6.

5 - العروة الوثقى: ج 2، ص 604.

١٣٠

ولقوله تعالى: ( فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) ، والإمساك بلا نفقة خلاف المعروف فيتعيّن التسريح، فإذا تعذّر صدوره من الزوج فسخَ الحاكم؛ لأنّه ولي ) (1) .

والنشوز يحجب النفقة، إلاّ أنّه يكفي في حالة النزاع في الدلالة على إطاعتها له، أن يقيم البيّنة على أنّها سكنت في البيت الذي أسكنها فيه.

ولا يُقتصر وجوب الإنفاق على الزوجة فحسب، بل يجب على الآباء نفقة الأبناء، وإن نزلوا ذكوراً وإناثاً، و على الأبناء نفقة الآباء وإن علوا ذكوراً وإناثاً.

وعلى ذلك: فإنّ النفاق محدّد شرعاً بالوالدين والولد والزوجة، فـ( تجب نفقة الأصول والفروع، حتى لو كان الأصل فاسقاً أو كافراً بلا خلاف؛ لإطلاق الأدلّة [ الخاصة بنفقة القريب ]، خصوصاً في الوالدين المأمور بمصاحبتهما بالمعروف مع كفرهما ) (2) ؛ لقوله تعالى: ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) (3) .

وأجمعَ الفقهاء أيضاً على أنّ القادر على العمل والاكتساب في العائلة لا يستحق النفقة؛ بدليل نصّ شريف عن رسول الله (ص): ( لا تحلّ الصدقة لغني ولا لذي مِرّة سوي ولا لمحترِف قوي ) (4) ؛ لأنّ ( النفقة معونة على سدّ الخلّة والمكتسِب قادر كالغني، ولذا مُنع من الزكاة والكفّارة المشروطة بالفقر ) (5) .

____________________

1 - المسالك للشهيد الثاني: ج 1 باب الزواج مسألة الكفاءة.

2 - الجواهر: ج 31، ص 372.

3 - لقمان: 15.

4 - معاني الأخبار: ص 76.

5 - الجواهر: ج 31، ص 371.

١٣١

وحُدّدت النفقة بسدّ الحاجات الأساسية من: الطعام، والكسوة، والسكن، كنا ذكرنا ذلك سابقاً، واستُثني منها التزويج فلا يجب على الأب أن يزوِّج ابنه، ولا يجب على الابن تزويج أبيه؛ لأنّ التزويج ليس من النفقة الواجبة.

وفَرّق الفقهاء بين نفقة الزوجة، ونفقة القريب، حيث ( إنّ الغرض من نفقة القريب مواساته وسدّ خلّته، فوجوبها لدفع الخلّة، لا لعوض، فإذا أخلّ بها أثِمَ، ولم تستقرّ في الذمّة، فلا يجب قضاؤها، كما لو أخلّ بقضاء حاجة المحتاج الذي تجب عليه إعانته، بخلاف نفقة الزوجة فإنّها تجب عِوض الاستمتاع، فكانت كالمعاوضة المالية، فإذا يؤدها استقرّت في ذمّته، ووجبَ قضاؤها ) (1) .

وفي الحالات الاستثنائية التي يعجز فيها الفرد عن عيال أقاربه، وهم: الزوجة، والأبوان، والأولاد؛ فإنّ عليه أن يبتدئ بنفسه قبل كل الناس؛ لأنّها مقدَّمة على جميع الحقوق من الديون، ( بلا خلاف ولا إشكال؛ لأهمية النفس عند الشارع ) (2) ، فإن فضُل من المال شيء ابتدأ بزوجته؛ لأنّ نَفَقتها تثبت عن طريق المعاوضة لا عن طريق الحاجة، وإن فضُل شيء آخر، وُزِّعَ على الأقارب بالسويّة دون تفضيل والد على ولد.

وتجب نفقة الولد على الأب، فإن فُقد أو كان معسراً، فعلى الجدّ من جهة الأب، وإن فُقد أو كان معسراً فعلى الأمّ، ثمّ على أبيها وأمّها وأمّ الأب بالتساوي.

وبالإجمال: فلابدّ من مراعاة الترتيب الأقرب فالأقرب، عدا حالة واحدة وهي: تقديم الأب والجدّ على الأم.

____________________

1 - المسالك: باب النفقة الشرعية.

2 - الجواهر: ج 31، ص 365.

١٣٢

الرضاعُ وآثاره الشرعية

وتكمن أهمية الرضاع على الصعيد الشرعي في أمور ثلاثة:

الأول: إنّ لبن الأم أنفع للولد من أيّ لبن آخر.

ثانياً: إنّ الأم المرضِعة لها الحقّ في المطالبة بأجر الرضاع من الزوج، فمعنى العِوض في النكاح الإسلامي يعني: بيع المرأة جسدها للرجل بمبلغ من المال؛ لأنّ العوض في الرضاع إذاً يعني بيع المرأة جسدها لولدها الرضيع، وهو يناقض أصل فكرة المعاوضة التي تُعبّر عن عدالة الإسلام في الحقوق والواجبات ضمن إطار النظام العائلي.

ثالثاً: إنّ إرضاع المرأة لرضيع آخر يختلف عنها على الصعيد البيولوجي ينشر تحريماً للزواج، تماماً كما ينشر الولد النسبي ذلك التحريم.

ويتحقّق مسمّى الارتضاع بامتصاص الرضيع اللبن من ثدي أمّه أو مرضعته، وقد ورد في الروايات ما يحبّب رضاع الطفل من ثدي أمّه، فعن الإمام أمير المؤمنين (ع): ( ما من لبن رضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمّه ) (1) .

ووردَ أيضاً ما يحدّد مدّة الرضاعة، فقد حدّد الشرع مدّة الرضاعة بحولين، وأجاز نقصانها إلى واحد وعشرين شهراً؛ لقوله تعالى: ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِه ) (2) ،

____________________

1 - الكافي: ج 2، ص 92.

2 - البقرة: 233.

١٣٣

وقوله تعالى: ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ) (1) ، فإذا حَملت به تسعة أشهر كما هو الظاهر كانت مدّة الرضاع واحداً وعشرين شهراً.

وللأم الحقّ بالمطالبة بأجور إرضاع ولدها؛ لقوله تعالى: ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (2) .

وعلى أساس ذلك اتفق الفقهاء على: أنّ الأم لا تُجبر على إرضاع ولدها كما ورد في الحديث عنه (ع)، إلاّ إذا تضرّر الطفل من جرّاء ذلك، فيجب عليها - حينئذ - الرضاعة، وإذا كان الأب موسِراً فعليه دفع أجرة الرضاعة، وإذا كان فقيراً فعلى الأم أن تتحمّل مسؤولية ذلك.

وفي حالة تطليقها قبل أن تضع حملها، فعليه الإنفاق حتى تضع، بل لابدّ له من تحمّل أجور الرضاعة بعد ذلك؛ للروايات المروية عن أئمة أهل البيت (ع)، ومنها ما روي عن الإمام جعفر بن محمد (ع): ( المطلّقة الحُبلى يُنفَق عليها حتى تضع حملها، وهي أحقّ بولدها أن تُرضعه بما تقبله امرأة أخرى، يقول الله عزّ وجل: ( لا تُضارُّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَولُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلى الوارِثِ مِثلُ ذلِكَ ) (3) ، لا يضارّ بالصبي ولا يضارّ بأمّه في إرضاعه، وليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين، فإذا أرادا الفصال عن تراضٍ منهما كان حَسناً ) (4) .

ولا شك أنّ الرضاع من غير الأم ينشر تحريماً للزواج، والأصل في ذلك قوله تعالى:

____________________

1 - الأحقاف: 15.

2 - الطلاق: 6.

3 - البقرة: 233.

4 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 167.

١٣٤

( وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ ) (1) ، وما تواتر عن الرسول الكريم (ص): ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) (2) .

ولمّا كان للرضاع الموجب للتحريم تأثير اجتماعي فيما يتعلّق بالأنساب والقضايا الزوجية والإرث، فقد وضعَ الإسلام له شروطاً واجبة، منها:

أولاً: أن يكون اللبن الذي يرضعه الطفل لبناً متكوّناً من امرأة متزوجة زواجاً شرعياً، والمشهور ( إلحاق اللبن الذي [ نتجَ ] عن نكاح الشبهة باللبن الذي [ نتجَ ] عن النكاح الصحيح؛ لأنّ نكاح الشبهة موجِب للنسب، كالنكاح الصحيح، واللبن تابع للنسب ) (3) ، حيث إنّ ( نكاح الشبهة كالنكاح الصحيح أي الوطء بالعقد الصحيح، وفاقاً للأكثر، بل لم نجد فيه خلافاً محقّقاً ) (4) .

واللبن الذي تدرّه المرأة من غير حمل ولا ولادة - حتى لو كانت متزوجة زواجاً شرعياً - لا ينشر الحرمة؛ لقوله (ع) عندما سُئل عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة، فأرضعت ذكراناً وإناثاً، أيحرُم من ذلك ما يحرم من الرضاع؟ قال: ( لا ) (5) .

و ( لا يُعتبر في نشر الحرمة بقاء المرأة في حبال الرجل قطعاً وإجماعاً، فلو طلّق الزوج، وهي حامل منه، ثمّ وضعت بعد ذلك، أو أرضعت وهي حامل، أو طلّقها وهي مرضع أو مات عنها كذلك فأرضعت ولداً، نشرَ هذا الرضاع الحرمة، كما لو كانت في حباله، بلا خلاف،

____________________

1 - النساء: 23.

2 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 155.

3 - الحدائق: باب الرضاع.

4 - الجواهر: ج 29، ص 266.

5 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 156.

١٣٥

والإجماع على ذلك، ولا فرق بين أن يرتضع في العدّة أو بعدها، ولا بين أن يستمرّ اللبن أو ينقطع ثمّ يعود ) (1) .

ثانياً: امتصاص الرضيع اللبن من ثدي المرضعة مباشرة، حيث ( لابدّ من ارتضاعه من الثدي في قول مشهور، تحقيقاً لمسمّى الارتضاع، فلو وجِر في حلقه، أو وصل إلى جوفه بحقنة، وما شاكلها لم تنتشر الحرمة؛ لعدم صدق الارتضاع، ولخبر زرارة عن الصادق (ع): ( لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضع من ثدي واحد )، وكذا لو مُزج اللبن بغيره، كما لو أُلقي في فم الصبي مائع فرضعَ فامتزج حتى خرجَ عن كونه لبَناً، أمّا إذا لم يخرج اللبن عن الاسم بالامتزاج فيجري عليه حُكم اللبن الذي يوجب التحريم ) (2) .

ثالثاً: استيفاء المرتضِع عدد الرضعات الشرعية قبل أن يكمل الحولين، ولا أثر لرضاعة بعدهما؛ للنص المجيد: ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) (3) ، ولقوله (ص): ( لا رضاع بعد فطام ) (4) ، وقوله (ع): ( الرضاع قبل الحولين قبل أن يُفطم ) (5) .

رابعاً: أن يؤدي الرضاع إلى شدّ العظم وإنبات اللحم، كما في رواية حماد بن عثمان عن الصادق (ع) صحيحاً: ( لا يحرم من الرضاع إلاّ ما أنبتَ اللحم والدم ) (6) ، وجوابه عندما سُئل عمّا يَحرم من الرضاع؟ قال (ع): ( ما أنبتَ اللحم وشدّ العظم، قيل: فيحرم عشر رضعات؟ قال: لا؛ لأنّها لا تُنبت اللحم ولا تشدّ العظم ) (7) .

____________________

1 - الجواهر: ج 29، ص 267.

2 - الجواهر: ج 29، ص 294.

3 - البقرة: 233.

4 - التهذيب: ج 2، ص 204.

5 - الكافي: ج 2، ص 41.

6 - التهذيب: ج 7، ص 312.

7 - الاستبصار: ج 2، ص 195.

١٣٦

وحُدّد الرضاع أيضاً بالعدد والزمن.

أمّا بالنسبة للعدد: فيجب أن يرضع الطفل خمس عشرة رضعة من امرأة واحدة، لا يُفصل بينها رضاع من امرأة أخرى، ولابدّ من التوالي بين الرضعات.

وأمّا الزمن: فهو الرضع من امرأة واحدة يوماً وليلة؛ للرواية عن الإمام محمد الباقر (ع): ( لا يُحرّم الرضاع أقلّ من يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحلٍ واحد، لم يُفصل بينها رضعة امرأة غيرها، فلو أنّ امرأة أرضعت غلاماً، أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وأرضعتهما امرأة أخرى من فحل آخر عشر رضعات، لم يحرم نكاحهما ) (1) .

خامساً: حياة المرضعة عند جميع الرضعات، فلو أرضعته أربع عشرة رضعة ثمّ ماتت لم تثبت الحرمة؛ لانتفاء اسم الارتضاع بعد الموت.

سادساً: أن يكون اللبن لفحل واحد وهو زوج المرضعة، كما جاء في الرواية الآنفة الذكر: (... أو خمس عشرة رضعة من امرأة واحدة من لبن فحل واحد.. ) (2) ، فلو فارقها زوجها وتزوّجت بغيره ولم تتمّ رضعات ذلك الطفل، لم تثبت الحرمة بين المرضعة والرضيع، وكذلك ( لو أرضعت اثنين مثلاً بلبن فحلين الرضاع المحرّم، لم يحرم أحدهما على الآخر على المشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة كادت [ أن ] تكون إجماعاً ) (3) .

و( يعتبر في الرضعات قيود ثلاثة: كمال الرضعة، وامتصاصها من الثدي، وأن لا يفصل بين الرضعات برضاع غير المرضعة.

____________________

1 - التهذيب: ج 2، ص 204.

2 - التهذيب: ج 2، ص 204.

3 - الجواهر: ج 29، ص 303.

١٣٧

وللشيخ [ الطوسي ] في الكمالية، قولان:

أحدهما: المرجع إلى العرف؛ لأنّ كل لفظ أطلقهُ الشارع ولم يعيّن له حدّاً يُرجع فيه إلى العرف.

وثانيهما: أن يروي الطفل ويصدر من قِبل نفسه، فلو تركَ الثدي ثمّ عاودَ فإن كان للتنفّس، أو لالتفات إلى ملاعب، أو الانتقال إلى ثدي آخر، أو الراحة، أو مُنع منه فالكل رضعة، وإن كان للإعراض فالأولى رضعة مستقلّة ) (1) .

وإذا تحقّقت الشروط السابقة أصبحَ الرضيع ابناً للمرضعة ولزوجها المعروف شرعاً بصاحب اللبن، وتترتّب على ذلك نفس أحكام الولد النسبي في انتشار الحرمة، وتصبح أصولهما من الآباء والأجداد أصولاً له، وفروعهما من الأبناء أخوة له.

والخلاصة: أنّ ( موضوع المحرّم بالرضاع هو موضوع المحرّم بالنسب، فنقول: بدل تحريم الأخت من النسب تحريم الأخت من الرضاع والبنت كذلك، وهكذا في حليلة الابن والأب، والجمع بين الأختين وغير ذلك ) (2) .

____________________

1 - التنقيح الرائع: ج 3، ص 47.

2 - الجواهر: باب الرضاع.

١٣٨

الحضانة

ولمّا كان حقّ الطفل في النمو السليم والتكامل الجسدي والعقلي، من القضايا الموضوعية التي ينبغي أن يتحمّلها الأبوان حفظاً للنظام الاجتماعي، لاحظت الشريعة الإسلامية ضرورة رعاية مصلحة الطفل في الحضانة، وأوكلتها للأبوين في حالة استقرار الزواج.

والحضانة: من حَضْن الطير بيضهُ، مبالغة في الاحتياط والمراعاة، وشرعاً رعاية مصلحة هذا الفرد الصغير عن طريق الاعتناء بتربيته، و ( هي بالأنثى أليق منها بالرجل لمزيد شفقتها، وخَلقها المعَدّ لذلك ) (1) .

والمشهور بين الفقهاء: أنّ الحضانة للأم والأب ما لم يقع الطلاق، فإذا وقعَ الطلاق تصبح الأم أحقّ بالذكر حتى يكمل السنتين، وأحقّ بالأنثى حتى تكمل سبع سنين، وإذا تزوّجت الأم قبل ذلك سقطت حضانتها، ولكن لا دليل على هذه الشهرة من ناحية النصوص الشرعية، فقد ( اختلفَ الفقهاء في مستحِقّ الحضانة من الأبوين؛ لاختلاف الأخبار: ففي بعضها أنّ الأم أحقّ بالولد مطلقاً ما لم تتزوج، وفي بعضها أنّها أحقّ به إلى سبع سنين، وفي آخر إلى تسع، وفي بعضها أنّ الأب أحقّ به، وليس في الجميع فرق بين الذكر والأنثى، وليس في الباب خبر صحيح، بل هي بين ضعيف ومرسل وموقوف ) (2) .

ولعلّ الحقّ: أنّ الأمر ينبغي إرجاعه إلى الحاكم الشرعي لتحديد ذلك بعد تعيين مصلحة الطفل.

ويُشترط في الحاضنة أن تكون: حرّة، مسلمة، عاقلة، وغير متزوّجة

____________________

1 - المسالك: باب الحضانة.

2 - المسالك: باب الحضانة.

١٣٩

بعد طلاقها من زوجها الأول، كما ورد في الروايات عن أهل البيت (ع): ( المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوج ) (1) . ويشترط أيضاً: أن تكون على درجة من الوعي والإدراك بمصلحة الطفل، ومع أنّ الحضانة بيد الأم، إلاّ أنّ الولاية الشرعية تبقى بيد الأب حتى مع الطلاق.

وإذا ماتت الأم، انتقلت حضانة الطفل إلى الأب، وإذا مات الأب انتقلت الحضانة إلى الجد من طرف الأب، وإذا فُقد الجد ولم يكن له وصي فالحضانة لأقارب الطفل على ترتيب الميراث.

والحضانة: حقّ موضوعي تستطيع المرأة إسقاطه متى شاءت؛ لأنّه ليس حُكماً، بدليل ( التعليق على مشيئتها والتعبير بالأحقّية، بل ظاهرها كون هذه الأحقّية مثلها في الرضاع، وحينئذٍ لا يكون ذلك واجباً عليها، ولها إسقاطه والمطالبة بأجرته ) (2) .

____________________

1 - الكافي: ج2، ص 93.

2 - الجواهر: ج 31، ص 284.

١٤٠