النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي30%

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 194

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي
  • البداية
  • السابق
  • 194 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49772 / تحميل: 7631
الحجم الحجم الحجم
النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

القسمُ الأوّل

النظامُ العائلي في النظرية الرأسمالية

العائلة في النظرية التوفيقية * نقد النظرية التوفيقية * العائلة في نظرية الصراع الاجتماعي * نقد نظرية الصراع * الشكل العائلي الرأسمالي * معنى التغيّر في المؤسّسة العائلية الرأسمالية * العائلة الرأسمالية الأمريكية * الزواج والطلاق في المجتمع الرأسمالي * مشكلة الإسقاط المتعمّد ( الإجهاض ) * هفوات النظام العائلي الرأسمالي.

٢١

٢٢

العائلةُ في النظرية التوفيقية

تجزم النظرية التوفيقية بأنّ الحياة الإنسانية حياة حيوانية، وأنّ البشر ليسوا حيوانات من الناحية البيولوجية فحسب، بل إنّهم حيوانات اجتماعية أيضاً (١) ، ولذلك فلابدّ للمؤسّسة العائلية من القيام بدور فعّال في حفظ المجتمع الإنساني؛ لأنّ أيّ محاولة لفهم الدور الإنساني للمؤسّسة العائلية، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الوظائف الاجتماعية التي تقوم بها العائلة لخدمة النظام الاجتماعي، على صعيد تنظيم الحياة الخاصة بين الرجل والمرأة، ورفد المجتمع بالأفراد المنتجين، وإحياء الحياة الاجتماعية، وحماية الأفراد المنتمين للعائلة الواحدة ورعايتهم من الناحية العاطفية والاقتصادية.

فجميع المجتمعات الإنسانية - حسب النظرية التوفيقية - لا تسمح للأفراد بإنشاء علاقات خاصة بين الرجال والنساء، دون ضوابط عرفية متفق عليها، بل القاعدة: أنّ المجتمع الإنساني لا ينظر للسلوك الجنسي باعتباره مسألة خاصة بالفرد، وإنّما يسلّط عَيناً فاحصة على هذه الممارسات الغريزية بين الجنسين ويرصدها رصداً تاماً.

فالنظام الاجتماعي إذاً، يُقدّم إطاراً أُسرياً ينظّم بموجبه العلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى، ويحدّد من خلاله نوعية الأفراد المتزاوجين من حيث العمر والدخل والكفاءة، ويضع الشروط المناسبة لذلك.

____________________

١ - ( روبرت ميرتون ): النظرية الاجتماعية والتركيب الاجتماعي، نيويورك، المطبعة الحرّة، ١٩٦٨ م.

٢٣

وترى النظرية التوفيقية: بأنّ المجتمع لا يستطيع أن يقوم بمهامه الحيوية، ما لم يُنشئ نظاماً خاصاً لتعويض الخسائر الاجتماعية التي تحصل نتيجة موت الأفراد، ولولا النظام العائلي لانقرضت البشرية والحياة الإنسانية على وجه هذا الكوكب. فالعائلة ترفد المجتمع بالأفراد المنتجين جيلاً بعد جيل، حيث تُقدّم هذه العائلة المستقرة، المتكوّنة من أب وأم، للنظام الاجتماعي أفضل الخدمات الاجتماعية وأهمّها، وهي: سدّ الأدوار الشاغرة التي يتركها الأفراد حين مغادرتهم الحياة الدنيا خلال الموت.

وعلى هذا الأساس، تقوم العائلة بحماية أفرادها ورعايتهم بتقديم شتّى الأعمال الخَدمية لهم: كالملجأ، والمطعم، والدفء، والحنان، والعناية الشخصية والعاطفية، فهي توفر لهم الأجواء التي تسدّ حاجاتهم الأساسية في الخلود إلى الراحة والاطمئنان للمستقبل، وشحن طاقاتهم العملية، فيكونوا بعدئذٍ أهلاً للعمل والإنتاج.

ولا شك أنّ النظام العائلي مبني على أساس أنّ الفرد المنتِج في العائلة الواحدة هو المسؤول عن الآخرين، الذين لا يستطيعون القيام بعمل منتج بسبب السن أو المرض أو العجز الطبيعي، ضمن إطار نفس العائلة.

وبطبيعة الحال، فإنّ العائلة - حسب رأي النظرية التوفيقية - تُساهم في تحقيق طموح الإنسان في التفوّق والنجاح عن طريق الاختلاط الاجتماعي، فالإنسان كائن اجتماعي بالطبع، ومنذ الولادة يسعى في أجواء الحُب والحنان من قِبل الأبوين إلى الانغمار بالنشاطات الاجتماعية، فيتعلّم اللغة، والقيَم، والدين، والعادات الاجتماعية التي يقرّها النظام الاجتماعي.

ومع أنّ المؤسّسة الدينية والتعليمية تُساهم في إنشاء الفرد، إلاّ أنّ المؤسّسة العائلية هي القاعدة التي ينطلق منها الإنسان في بناء حياته الاجتماعية والاقتصادية.

٢٤

وعلى ضوء ذلك: تُقدّم العائلة لأفرادها مقعداً اجتماعياً متميزاً، يتناسب أساساً مع منزلة العائلة الاجتماعي وثروتها، فالأفراد جميعاً يُنسبون إلى عوائلهم من الناحية العرقية، والدينية، والمذهبية، والاقتصادية، والطبقية الاجتماعية بمعنى: أنّ هوية الفرد المذهبية والعرقية تحدّدها العائلة التي ينتمي إليها أكثر ممّا يحدّدها الفرد لنفسه، وبالتالي فإنّ لهذه الهوية تأثيراً حاسماً على احتلال الأفراد لأدوارهم الاجتماعية لاحقاً.

وأهمّ حاجة تُشبعها المؤسّسة العائلية في الفرد هي: الحاجة العاطفية ، فالحُب والحنان والعطف من مصادر الاستقرار النفسي، وإشباع هذه الحاجات العاطفية لا يتم إلاّ ضمن جدران العائلة، التي تَعتبرها النظرية التوفيقية جنّة من الجنان الطبيعية في هذا العالَم المتوحش (١) .

____________________

١ - ( كريستوفر لاش ). جنّة في عالَم لا قلب له: العائلة في حصار، نيويورك، الكتب الأساسية، ١٩٧٧ م.

٢٥

نقدُ النظرية التوفيقية

وقد ركّزت النظرية التوفيقية في معالجتها لدور المؤسّسة العائلية في حفظ المجتمع الإنساني، على الوظائف الاجتماعية التي تقوم بها تلك المؤسّسة، دون أن تكترث لدراسة دور الرجل والمرأة في إدارة النظام العائلي، وتحليل علاقتهما الزوجية ضمن حدود العرف الاجتماعي، فلم تستطع النظرية أن تُقدّم تصوّراً عاماً حول واجبات الزوجين وحقوقهما، ومسؤوليتهما الشرعية أو القانونية تجاه بعضهما البعض أولاً، وتجاه اليافعين في نظامهما العائلي ثانياً، ولم تتطرّق النظرية أيضاً إلى حقوق الأفراد المنتسبين إلى العائلة الواحدة في الإرث والنفقة والتملّك، ولم تتناول شكل العلاقة الزوجية، ودور الطاعة أو النفقة في تحديد الغريزية بين الرجل والمرأة.

ولو كانت النظرية صادقة ودقيقة في تحليلها، فلماذا إذاً تجاهلت تحليل ظاهرة العنف في العائلة الرأسمالية، مقابل الحُب والحنان في العائلة المثالية التي تزعم بوجودها في كل المجتمعات الإنسانية وبضمنها المجتمع الرأسمالي؟ مع علم النظرية مسبقاً بأنّ الجرائم الواقعة بين أفراد العائلة الواحدة - خصوصاً بين الزوج والزوجة - تُشكّل أكثر من عُشر إجمالي الجرائم الجنائية السنوية في الولايات المتحدة مثلاً (١) ، فإذا كانت العائلة مصدراً للحُب والحنان، فكيف تُفسّر النظرية التوفيقية حوادث الاعتداء

____________________

١ - ( روبرت ) الانفصال الزوجي: نيويورك، الكتب الأساسية، ١٩٧٥ م.

٢٦

الجسدية التي تقع بين الزوجين في النظام العائلي الرأسمالي، والتي قُدّرت في العقد الأخير من القرن العشرين بأكثر من سبعة ملايين حادث سنوياً تقع ضمن ستين مليون عائلة (١) ؟

ومع أنّ النظرية التوفيقية تُقدّم تحليلاً جدّياً لدور العائلة في النظام الاجتماعي، إلاّ أنّها تفشل في تكوين صورة شاملة عن النظام القانوني الذي ينظّم شؤون العائلة الداخلية، ويضعها أمام مسؤوليتها الاجتماعية الكبيرة.

____________________

١ - ( روبرت أمري ) وآخرون. الطلاق، الأطفال، والسياسة الاجتماعية: فصل علمي في كتاب ( السياسة الاجتماعية والأبحاث الخاصة بنمو الطفل ) تحرير: هارولد ستيفنسن والبرتا سيغل، شيكاغو، مطبعة شيكاغو، ١٩٨٤ م.

٢٧

العائلةُ في نظرية الصراع الاجتماعي

ولا تنكر نظرية الصراع الاجتماعي أهمية دور المؤسّسة العائلية في انجاز الوظائف المناطة بها اجتماعياً، إلاّ أنّ النظرية تؤكد على أنّ المؤسّسة العائلية هي أول مؤسّسة اضطهادية يختبرها الفرد في حياته الاجتماعية، حيث تمثل سيطرة الرجل على المرأة في النظام العائلي، أخطر الأمثلة التي تقدّمها نظرية الصراع وتُدينها من الأساس، وإلى ذلك يشير ( أنجلز ) في كتابه ( أصل العائلة، الملكية الخاصة، والجولة ) قائلاً:

( إنّ الزواج يمثل نموذجاً راقياً للعداوات التي ظهرت في التاريخ، حيث إنّ نمو وازدهار مجموعة معيّنة يتم على حساب مأساة واضطهاد مجموعة أخرى،... إنّ العلاقة بين الزوج والزوجة هي مثال نموذجي لِما يحصل لاحقاً من اضطهاد بين الطبقة الرأسمالية والطبقة العمّالية ) (١) .

____________________

١ - ( فريدريك أنجلز ) ص: ٣٠، طبع سنة ١٨٨٤ م.

٢٨

نقدُ نظرية الصراع

ولا شكّ أنّ نظرية الصراع الاجتماعي تنطلق في تحليلها لوضع المرأة في المؤسّسة العائلية، من معاينة المجتمع الأوروبي الغربي في عصر الثورة الصناعية ونشوء النظرية الرأسمالية، وامتدادات ذلك إلى المجتمع الأمريكي الشمالي، وهو تحليل يعكس صدق النظرية في تشخيصها جزءاً مهماً من المشكلة الاجتماعية الأُسرية في النظام الرأسمالي.

فلحدّ الستينيات من القرن العشرين، لم تكن المرأة في النظام الأمريكي والأوروبي قادرة من الناحية القانونية، على المشاركة في إنشاء أيّ عقد من العقود التجارية دون إذن زوجها، وفي النصف من القرن نفسه وصلت حالة العنف بين الزوج والزوجة في المجتمع الأمريكي إلى درجة، بحيث وضِعت المؤسّسة العائلية على قمّة المؤسّسات الاجتماعية الأمريكية التي تمارس العنف والإجرام (١) .

فجرائم القتل بين الأزواج تمثل - كما ذكرنا سابقاً - عُشر إجمالي الجرائم الجنائية السنوية، وفي كلّ عام يحاول أكثر من سبعة ملايين زوج أو زوجة إنزال الأذى بالآخر، قتلاً كان، أو ضرباً مُبرحاً، أو جرحاً بليغاً، ويحاول أكثر من مليوني طفل سنوياً الاعتداء على أمثالهم بسلاح ناري أو نحوه بنيّةٍ وتصميم مسبق للقتل، وفي كلّ عام يهرب أكثر من مليوني مراهق من بيوتهم بسبب الاعتداءات الخُلقية عليهم من قِبل آبائهم، وأكثر المشاكل الزوجية انتشاراً في المجتمع الرأسمالي الأمريكي اليوم هو: الاعتداء الجسدي بين الأزواج مع النيّة المسبقة بإنزال الأذى بالآخر.

____________________

١ - ( ميشيل كوردن ). العائلة الأمريكية من زاوية اجتماعية - تاريخية: نيويورك، سانت مارتن، ١٩٨٣ م.

٢٩

وهذا الوضع الأُسري في حضارة تدّعي لنفسها الكمال، قد رسّخ أفكار نظرية الصراع الاجتماعي في أذهان المُحدَثين من معتنقي هذه النظرية، وجَعَلهم أكثر تحمّساً في الدفاع عن مقولة ( فريدريك أنجلز ) حول الاضطهاد الأُسري، الذي يؤدي لاحقاً إلى الاضطهاد الاجتماعي.

ولكنّ تفسير نظرية الصراع وربطها الاضطهاد الأسري بالاضطهاد الاجتماعي، هو عرض للمشكلة الاجتماعية دون تقديم حلّ بديل يعالج مشكلة الاضطهاد المزعوم، فإذا كان الصراع الطبقي مستمراً في جميع أطوار تطوّر المجتمع الإنساني، كما تزعم نظرية الصراع، فكيف تستطيع تلك النظرية تصوير شكل العلاقة الزوجية في كلّ مرحلة من مراحل الصراع الاجتماعي؟

فهل أنّ المرحلة التاريخية السابقة التي أباحت للزوج الرأسمالي اضطهاد زوجته البروليتارية، تُبيح للزوجة الرأسمالية اضطهاد زوجها البروليتاري؟ وإذا كانت الثقافة الماركسية في مرحلة الصراع الاجتماعي تجيز للبروليتاريا سحق الطبقة الرأسمالية، فهل يجوز سحق العائلة القائمة على أساس الفهم الرأسمالي؟ بل أين حدود التعامل - حسب نظرية الصراع - في العلاقات الخاصة بين الزوج والزوجة؟ ومَن الذي يحدّد القانون الذي يسمح للزوجين بالاشتراك في الحياة الزوجية السعيدة دون ظلم واضطهاد؟

إنّ نظرية الصراع الاجتماعي تقصر عن تحديد دور الزوجين في التعامل الإنساني، وتعجز عن تشخيص مسؤوليتهما المتبادلة في إشباع حاجاتهما الغريزية ضمن الحدود الطبيعية، وتعجز أيضاً عن تحديد مسؤولية الأبوين تجاه القاصرين من الأبناء والبنات، والعاجزين من بقية

٣٠

أفراد الأسرة كالأجداد والجدات، ولم تتطرّق النظرية أيضاً إلى الولاية الشرعية أو القانونية لأحد الأبوين، ولا إلى دور الوصي في حالة وفاة كِلا الأبوين أو أحدهما.

وبالجملة: فإنّ رأي نظرية الصراع المتعلّق بالفكرة القائلة بأنّ الزواج يمثل نموذجاً للعداوات التي ظهرت في التاريخ، لا يعكس الواقع الحقيقي للنظام الأُسري الإنساني، بل يمثل جزءاً من واقع النظام الأُسري الأوروبي في القرون الماضية وامتداده إلى القرن الحالي، بل إنّ نظرية الصراع لم تُقدّم حلاً للمشكلة الأُسرية، إنّما كان من أهداف روّادها بالأصل: ربط المشكلة الأُسرية بمظالم النظام الرأسمالي ضدّ الطبقة العاملة.

٣١

الشكلُ العائلي الرأسمالي

وتختلف أشكال العلاقات الاجتماعية فيما يتعلّق بالزواج والعائلة والنَسب من مجتمع لآخر، فلكل مجتمع على الأغلب شفرة أخلاقية تشير إلى منع التزاوج بين أفراد العائلة الواحدة، كحرمة التزاوج بين الأخوة والأخوات والأبناء والأمهات مثلاً.

ففي المجتمع الرأسمالي يُحرّم النظام القضائي على الفرد التزوّج من: الأم، والجدّة، والبنت، والأخت، والعمّة، والخالة، وبنت الأخ، وبنت الأخت، وفي تسع وعشرين ولاية من الولايات المتحدة يُحرّم القانون الزواج بين أبناء وبنات الأعمام ويعتبره غشياناً للمحارم (١) .

والقاعدة في التزاوج في المجتمع الصناعي: أنّ قضية الزواج والمعاشرة بين الرجال والنساء قضية شخصية مبنية على أساس الحُب الرومانتيكي، فللفرد مطلق الخيار في البحث عن شريكة لحياته، عن طريق الإعجاب المتبادل بينهما، وعلى ضوء ذلك، فإنّ روّاد النظرية الرأسمالية يُدينون الزواج المبني على أساس اقتصادي، كما يحصل غالباً في المجتمعات الريفية ويوصِمونه بالتخلّف والبدائية، ولكنّهم يتجاهلون تناقض فكرتهم التي تدعو من جانب إلى التنافس الاقتصادي في الإنتاج وجمع الثروة، ومن جانب آخر إلى إهمال الجانب الاقتصادي الذي تدرّه المؤسّسة العائلية عن طريق التزاوج!

____________________

١ - ( ميشيل غوردن ). العائلة الأمريكية: الماضي، الحاضر، والمستقبل. نيويورك: راندوم هاوس، ١٩٧٨ م.

٣٢

وتتهم النظرية الاجتماعية الرأسمالية التزاوج في المجتمعات غير الصناعية بالقصور والعجز عن تحريك العواطف الإنسانية؛ لأنّ ذلك اللون من التزاوج لا يتولّد نتيجة علاقة حُب بين الرجل والمرأة قبل الزواج، بل إنّه ينشأ بسبب التقاليد والأعراف الاجتماعية.

ولذلك، فإنّ زواجاً بهذا الشكل لن يُنتج حُباً متبادلاً بين الزوجين بعد الزواج أيضاً، ولكنّ التزاوج المنعقد بين الأفراد في المجتمع الرأسمالي - حسب زعمها - غالباً ما يُبنى على الحُب؛ لأنّ هذا المجتمع أكثر تطوّراً من الناحية الاجتماعية والفكرية من المجتمعات غير الصناعية، ولذلك فإنّ الزواج في المجتمع الرأسمالي أكثر نجاحاً من الزواج في المجتمعات غير الرأسمالية.

ويرد على هذا الرأي: أنّه لو كان هذا الزعم صحيحاً، فلماذا إذاً يعيش المجتمع الصناعي الرأسمالي اليوم أشدّ أزماته العائلية؟ فكيف تُفسِّر النظرية الاجتماعية الرأسمالية انتهاء نصف عدد الحالات الزوجية في الولايات المتحدة إلى الطلاق (١) ؟ فلو كان الحُب والإعجاب الأساس في التزاوج، فكيف يُفسّر انتهاء ذلك الزواج الرومانتيكي بالانفصال ثمّ الطلاق؟ ألا يناقض هذا الانفصال والطلاق قواعد الزوجية السعيدة والحياة العائلية الطبيعية؟

ويزعم روّاد النظرية الاجتماعية الرأسمالية أيضاً: أنّ من أعظم خصائص النظام العائلي الرأسمالي هو: إقرار النظام بحرمة تعدّد الزوجات، أي أنّه لا يجوز للفرد التزوّج بأكثر من امرأة في نفس الفترة، وهذا الزعم يتناسب مع الفكرة الرأسمالية التي تؤكد على دور الفرد في الحياة الاجتماعية والإنتاجية؛ لأنّ إباحة تعدّد الزوجات يناقض مفهوم ( المذهب الفردي ) الذي تنادي به النظرية الرأسمالية، وتعتبره سرّ نجاحها الاقتصادي.

____________________________

١ - ( وليام غود ). العائلة: انجلوود كليفز، نيوجرسي، برنستون - هول ١٩٨٢ م.

٣٣

ولكنّ هذه النظرية تتجاهل الأزمات الاجتماعية التي تمرّ بها الإنسانية بعد الحروب الطاحنة مثلاً، وما يترتّب عليها من خسائر عظيمة في عدد الرجال، فيكون نظام تعدّد الزوجات من أفضل الأنظمة الاجتماعية التي تساعد على إعادة بناء الأُسر المحطّمة بعد الحرب.

وليس الإسلام الدين الوحيد الذي يجيز تعدّد الزوجات، بل إنّ اليهودية وبعض المذاهب النصرانية تجيز تعدّد الزوجات أيضاً، وأهمّ المذاهب النصرانية التي تؤمن بتعدّد الزوجات هو: مذهب المورمن النصراني المتمركز في ولاية يوتا الأمريكية، الذي يبيح تعدّد الزوجات دون حدود.

وهذا التعارض بين النظرية الاجتماعية الرأسمالية والنظرية اليهودية النصرانية في فكرة تعدّد الزوجات، ليس الأول ولا الأخير؛ لأنّ النظريتين متعارضتان أيضاً في قضية التغشّي بين الرجل والمرأة قبل الزواج، فالنصرانية تؤكد على ضرورة عذرية المرأة قبل الزواج تأسياً بمريم العذراء ( ع )، بينما تدعو النظرية الاجتماعية الرأسمالية إلى احترام حرّية الفرد في إنشاء علاقات خاصة مع الجنس الآخر، وهذا الصراع بين العذرية والحرّية الغريزية يعكس التناقض الفلسفي، بخصوص دور المؤسّسة العائلية، بين الفكرة الدينية والمذهب الرأسمالي.

ولا شك أنّ اتساع وتفصيل دقة النظام العائلي وشموله لجزئيات عديدة ومعقّدة، لا يشجّع أيّ نظرية وضعية على الخوض في غمار مناقشة الدور الاجتماعي للعائلة، وليست النظرية الرأسمالية استثناء من هذه القاعدة، فهي تفتقد الصورة الواضحة والمنهاج الدقيق الذي يعالج مشاكل المجتمع الرأسمالي الزوجية المتمثلة بالأسئلة التالية:

٣٤

أيهما أحقّ بالولاية القانونية العائلية، الزوج أم الزوجة؟ وأيهما أفضل للنظام الاجتماعي، نظام تعدّد الزوجات أم نظام الزواج المتعدّد؟ وأيهما أفضل للنظام الاجتماعي، زواج الأقارب أم زواج الأباعد؟ وأيهما أكثر اقتصاداً للأزواج الجُدد، السكن مع عوائلهم أم إنشاء وحدات سكنية جديدة بهم؟ وأيهما أولى بالميراث، الأحفاد من جانب الأم أو الأحفاد من طرف الأب؟ وأيهما أفضل وأكثر إنتاجاً للمجتمع الإنساني، العوائل النووية الصغيرة أو العوائل الممتدة الكبيرة التي تضمّ - إضافة إلى الزوجين - الأجداد والأولاد وأحفادهما؟

وهذا الفشل في الإجابة على هذه الأسئلة المهمة على الصعيد الاجتماعي، يُعطي للعقيدة الدينية تفوّقاً واضحاً على العقائد الوضعية في التعامل مع القضايا العائلية.

٣٥

معنى التغيّر في المؤسّسة العائلية الرأسمالية

ولم يكن التأثير الذي أحدَثته الفكرة الرأسمالية في القرن الثامن عشر منحصراً بالجانب الاقتصادي من المجتمع الأوروبي، بل تعدّى بشكل مباشر إلى المؤسّسة العائلية بكل تشكيلاتها الاجتماعية، فكان من أهمّ التأثيرات التي عصفت بالمؤسّسة العائلية الرأسمالية هو: تغيّر ولاء الأفراد تجاه بعضهم البعض؛ حيث أصبحَ الأفراد يحصرون جُلّ اهتماماتهم العملية على تحقيق رغباتهم الشخصية، دون الاكتراث لمسؤولياتهم الاجتماعية تجاه عوائلهم الكبيرة وأقاربهم وأرحامهم، وهذا التغيّر في الولاء أفرزَ نتائج لها تَبعات خطيرة على الحياة العائلية، تُصوّرها كتابة ( بتي يوربيرك ) في كتاب ( دور الغريزة الجنسية في التغيّر الاجتماعي ) :

( يبحث الأفراد عن فُرص للعمل حتى لو كان ذلك البحث يكلّفهم كسر العلاقات الأُسرية مع أرحامهم، النساء المتزوجات من الطبقة المتوسطة والعليا يذهبن للعمل حتى مع معارضة أزواجهن، وبعد ذلك يتركن زواجهنّ المليء بالتعاسة، وأحياناً يتركن أطفالهنّ مع أزواجهنّ ويذهبن للبحث عن حياة جديدة فيها عمل وظيفي، الأزواج يتركون زوجاتهم اللاتي بذلن حياتهنّ كربّات للبيوت، ووجود الأطفال لا يردع الزوجين عن التفكير بالطلاق،... والابن الأكبر لا يترك الجامعة لمساعدة أبويه أو إخوته المحتاجين، بل يتركهم وحاجاتهم ويذهب لتأسيس

٣٦

مستقبله بعيداً عن العائلة، الشباب يختارون حياة زوجية أو حياة منحرفة حتى لو عارض الأبوان ذلك ) (١) .

وهذه الحياة الجديدة - التي أفرَزتها التجربة الرأسمالية - غيّرت النظرة الإنسانية في المجتمع الصناعي تجاه الزواج والأسرة، فالعوائل الكبيرة التي كان يرأسها جدّ الأسرة تحوّلت إلى عوائل صغيرة تضمّ الأب والأُمّ وطفليهما، ونظام تعدّد الزوجات استُبدل بنظام الزوجة الواحدة، والبيوت الكبيرة التي كانت تضم بين جدرانها عوائل متعدّدة استُبدلت بوحدات سكنية تضم عوائل صغيرة، والتزاوج بين الأقارب استُبدل بالتزاوج عن طريق العمل والمؤسّسات التعليمية.

وأصبحت القاعدة في الزواج في المجتمع الرأسمالي: الميول نحو الاختيار الشخصي القائم على الإعجاب، والكفاءة، والثقافة، والجمال، وبذلك انحسرَ العامل الاقتصادي الذي كان محور التزاوج في المجتمع الريفي الأوربي.

وتبدُّلُ الشكل العائلي في المجتمع الرأسمالي من العصر الزراعي إلى العصر الصناعي، لهُ عوامله الخاصة التي جعلت فكرة التغيير سبباً أساسياً حسماً في تثبيت أُسس النظام الاقتصادي الرأسمالي، ولولا ضعف الأسرة الكبيرة وانفراط عَقدها لمَا نجح النظام الرأسمالي في تنويع وزيادة الإنتاج، فالأُسر الصغيرة أيسر للانتقال الجغرافي من منطقة إلى أخرى حسبما يقتضيه العمل في حقول الإنتاج، والعامل في المجتمع الرأسمالي ينتقل حيثما وجدَ عملاً مناسباً يهيئ له عيشة رغيدة، فإذا كان ذلك العامل مرتبطاً بأسرة كبيرة، أصبحَ ارتباطه عائقاً في التكسّب، ولذلك مالَت الكفّة الاجتماعية نحو

____________________

١ - ( بتي يوربيرك ). دور الغريزة الجنسية في التغيّر الاجتماعي: نيويورك، وايلي،١٩٧٤ م. ص ٥٣.

٣٧

إنشاء العوائل الصغيرة القادرة على الانتقال الجغرافي بيسر؛ بحثاً عن ظروف أنسَب للعمل.

وطالما كان المجتمع الرأسمالي يوفر فُرصاً أكبر للعمّال لتطوير شخصياتهم، وفرصاً أكبر للنجاح والصعود إلى الطبقات الاجتماعية العليا، فإنّ الأفراد الطامحين للصعود الاجتماعي لا يلزمون أنفسهم بالالتزام بالقيَم والتقاليد التي تفرضها عليهم الأُسر الكبيرة؛ لأنّ الأسرة الكبيرة المتكوّنة من أجيال متعدّدة تحترم لوناً معيّناً من القيَم الاجتماعية الصارمة.

ولكنّ الحركة الاجتماعية التي تنقل الفرد من طبقة إلى طبقة أعلى، تحمل في طيّاتها قيَماً تختلف عن قيَم الطبقة الأخرى نحو العلم والتحصيل والأخلاق والمورد المالي، والأصل في الفكرة التي تعتنقها النظرية الرأسمالية هو: إنّ الدرب الأساس نحو الصعود الاجتماعي إلى طبقة اقتصادية أرقى من الطبقة الأولى للفرد، لا يتم إلاّ عن طريق تحطيم الأواصر الاجتماعية مع العائلة الكبيرة.

وعندما بدأ النظام الرأسمالي بتقديم شتّى الخدمات الاجتماعية التي كانت العوائل الكبيرة تُقدّمها لأفرادها، بدأت الحاجة إلى استمرار وجود تلك العوائل الصغيرة تنتفي تدريجياً، حسب زعم النظرية الرأسمالية، فالنظام الرأسمالي يُقدّم لأفراد العوائل الصغيرة: الخدمات التعليمية، والطبّية، وإعانة العَجزة، ورعاية الأطفال، وكوبونات الطعام للمحتاجين.

وإذا كان النظام الرأسمالي يُقدّم كلّ هذه الخدمات، فما هو الداعي في الاعتماد على الأقارب أو الأرحام بخصوص المساعدات المالية وقت الأزمات؟ وما هو اللزوم في عيش الزوجين مع آبائهما إذا كانت الحاجة المالية والأخلاقية منتفية؟

٣٨

وهذا التوجّه نحو تغيّر الولاء من العشيرة والأقارب إلى الدولة والنظام، ساهمَ في إنشاء وانتشار العوائل الصغيرة القائمة على قاعدة ( الزوجين وأطفالهما ) فقط، وبذلك تَحقّق حلم النظام الرأسمالي بزيادة الإنتاج الصناعي عن طريق تحطيم الأواصر العائلية في العشيرة والعائلة الكبيرة، واستبدالها بنظام العوائل الصغيرة التي تستطيع الانتقال جغرافياً بسرعة من مكان لآخر حسبما تتطلبه العملية الإنتاجية.

ومن أسباب التبدّل في شكل الأسرة الرأسمالية أيضاً: أنّ الأبناء الذين كانوا في المجتمع الزراعي رصيداً اقتصادياً للعمل والإنتاج، أصبحوا في الأسرة الرأسمالية عبئاً اقتصادياً على الأبوين، فالأبوان مكلّفان بإطعام وكسوة وتعليم أبنائهما من الطفولة وحتى البلوغ وبعد البلوغ، وعندما يصبح الفرد قادراً على التكسّب والاستقلال، يُمسي همّه الأكبر الانفصال عن أبويه لإنشاء أسرة صغيرة جديدة.

وهذا التوجّه العام يفسر سبب ميول الأبوين نحو إنشاء أُسر صغيرة ذات عدد محدود من الأبناء؛ لأنّ كثرة الأبناء ليس لها مردود اقتصادي على الأسرة، فالأبناء المنتجون ينفصلون عن أبويهم بعد بلوغهم ومباشرتهم العمل خارج البيت، وهذا التوجّه الرأسمالي الحديث يناقض الفكرة الكاثوليكية القائلة بحرمة تحديد النسل.

وفوق كل ذلك، فإنّ السبب الرئيسي الحاسم في تبدّل شكل الأسرة الرأسمالية هو: فكرة ( الحرّية الفردية ) ، فالفرد مكلّف بإشباع حاجاته وتحقيق طموحاته الشخصية، وليس مكلّفاً بإشباع حاجات الآخرين.

وهذه ( الفردية ): هي أساس الفكرة الرأسمالية في العمل والإنتاج، فالفرد هو محور كلّ الأفكار والتوجّهات الاجتماعية، بل إنّ كل الخدمات الاجتماعية ينبغي أن تتوجّه - حسب رأي النظرية الرأسمالية - نحو تسهيل حياة ذلك

٣٩

الإنسان وترفيهه، حتى لو كان ذلك على حساب التقاليد والالتزامات الاجتماعية، فإن كانت القضية التي تواجه الفرد قضية مالية، أو عناية صحّية، أو قضية زواج أو طلاق، فذلك الفرد الرأسمالي غالباً ما يَسأل: ( ما هو نفعي وربحي من هذه القضية؟ )، على عكس الفرد في المجتمع غير الرأسمالي الذي يسأل: ( ماذا يتوقّع أرحامي وإخواني منّي أن أعملهُ لهم؟ )، وهذا الفارق في السؤال يعكس الفارق بين المذهب الفردي الذي جاءت به الرأسمالية، والفكرة الجماعية التي كانت سائدة في العالَم قبل مجيء الرأسمالية.

ولا ريب أنّ شكل العائلة الصغيرة - التي هي إحدى ثمار سيطرة النظام الرأسمالي على المقدّرات الاجتماعية - لها مساوئها وعيوبها، فقد كان الفرد في العوائل الكبيرة يستند على دعم عائلته في الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، فوجود العائلة الكبيرة هو مولّد اطمئنان الفرد نحو سدّ حاجاته اقتصادياً وعاطفياً، دون الاضطرار إلى استجداء الآخرين من خارج الحدود العائلية.

أمّا الفرد الرأسمالي، فإنّه لا يملك إلاّ زوجته وقت الأزمات، وإذا كانت الزوجة لا تعمل إلاّ في حدود واجباتها البيتية، فإنّ الأسرة لا تصمد أمام الهزّات الاقتصادية التي تعصف بالفرد المعيل: كالبطالة، وترك العمل، والعجز الصحي، والتقاعد.

بمعنى: أنّ الفرد في الأسرة الكبيرة إذا عجز عن احتلال دوره الطبيعي في النظام الاجتماعي والأُسري، فإنّ بقيّة أفراد الأسرة يساهمون في إشغال ذلك الدور، دون أن يؤثر ذلك على وضع الأسرة اقتصادياً أو اجتماعياً.

أمّا في الأُسر الصغيرة، فإنّ عَجْز أحد الأبوين عن أداء دوره الإنتاجي قد يؤدي إلى تحطيم الأسرة من الناحية الاقتصادية، وتتحقّق نفس النتيجة إذا مات ربّ الأسرة، أو مرض مرضاً مزمناً، فإنّ كلّ ذلك يضع الأسرة الصغيرة في أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أحكامُ الصبي

وليس هناك شك من أنّ الصبيان - وهم براعم المستقبل، وهم المؤهّلون للتكليف الشرعي لاحقاً - يحتاجون أكثر من غيرهم إلى عين تحفظ مصالحهم الشخصية وحقوقهم المادية والأدبية.

وبطبيعة الحال، فإنّ حقوق الصبي والصبية تدخل ضمن الإطار الشرعي الذي جاء به الإسلام، فأمرَ بحفظها رعاية لمصلحتهما وحفظاً لشخصيتهما الاجتماعية حتى يصِلا مرحلة الرشد والبلوغ، وهذه الحقوق تشمل أحكاماً في الولاية والوصاية والعبادات والمعاملات.

أ - الحَجر قبل البلوغ

فقد أقرّ الإسلام شرعية الحَجر، وهو: منع الإنسان من التصرّف في أمواله كلياً أو جزئياً لمختلف الأسباب منها: المرض، والإفلاس، والسفه، والجنون، والصغر، وهو ثابت إجماعاً ونصاً، ومنه قوله تعالى: ( وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) (1) ، وما ورد عن الإمام جعفر بن محمد (ع) في الرواية: ( انقطاع يُتم اليتيم الاحتلام وهو أشدّه، وإن احتلمَ ولم يؤنس منه

____________________

1 - النساء: 5.

١٤١

رشد وكان سفيهاً أو ضعيفاً، فليُمسك عنه وليه ماله ) (1) .

وأجمعَ الفقهاء على: أنّ الصغير ممنوع من التصرّفات المالية حتى يحصل له البلوغ والرشد.

ب - عبادات ومعاملات الصبي

والمشهور بين فقهاء الإمامية: أنّ عبادة الصبي - كأداء الصلاة والصوم والحج - شرعية لا تمرينية؛ لأنّ أدلّة التكاليف غير الملزمة لا مانع من شمولها للصبي، كما قال بعض الفقهاء، باعتبار أنّ العبادة حسنة بذاتها، وأنّ السبب الموجب لشرعيتها هو: إدراك الصبي بأنّه يتقرّب بها إلى الله سبحانه وتعالى.

ومن الواضح أنّ وصية الصبي المميّز وصَدَقته في وجوه الخير جائزة، شرط أن يبلغ عشراً، كما ورد في روايات أئمة أهل البيت (ع)، ومنها رواية عن الإمام جعفر بن محمد (ع): ( إذا بلغَ الغلام عشر سنين جازت وصيته ) (2) ، ورواية أخرى: ( إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز له في ماله ما أعتقَ، أو تصدّق، أو أوصى على حدّ معروف وحقّ فهو جائز ) (3) ، وهو المشهور بين علماء الإمامية.

ولا شك أنّ الصبي يؤدَّب على ما يرتكبه من الكبائر، ويُغرم في ماله ما يُحدِث في مال الغير من تلفٍ أو عيب، باعتبار أنّ الحُكم الوضعي - الذي يتجه نحو صحّة العمل وفساده - يخصّ الصبيان كما يخصّ البالغين.

____________________

1 - التهذيب: ج 2، ص 385.

2 - الكافي: ج 2، ص 242.

3 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 272.

١٤٢

وللصبي جواز التملّك فيما يحوزه من المباحات، وله الحقّ فيما يُحييه من أرض المَوات.

إذاً، فإنّ عبادة الصبي ووصيته وتملّكه جائزة عند الفقهاء، ولكنّ الذي اختُلف فيه هو العقد الذي يعقده الصبي، أهوَ جائز أم لا؟ انقسم فقهاء الإمامية في الإجابة على هذا السؤال إلى فريقين:

الأول: المشهور بينهم أنّ عقد الصبي المميّز باطل حتى مع إذن الولي، عدا ما استُثني من الصدقة والوصية، كما جاء في الرواية عن الإمام (ع) المذكورة آنفاً، وكما ورد أيضاً في رواية أخرى: ( عَمدُ الصبي وخطأه واحد ) (1) ، فـ( إذا جمعنا الأدلّة بعضها إلى بعض، فمقتضاها عدم الاعتبار بما يصدر عن الصبي من الأفعال التي يُعتبر فيها القصد: كإنشاء العقود أصالة ووكالة، والقبض والاقباض، وكلّ التزام على نفسه من ضمان، أو إقرار، أو نذر، أو إيجاز ) (2) .

الثاني: قالوا بجواز معاملة الصبي المميّز وصحّتها مع إذن الولي، فـ( لا يبعد القول بصحّة عقد الصبي إذا كان بإذن الولي، كما اختاره جماعة، منهم المحقّق الأردبيلي، وقَبله فخر المحقّقين في الإيضاح ) (3) .

وقد ( نُسِبَ إلى الشيخ تارة، وبعض الأصحاب أخرى جواز بيعه إذا بلغَ عشراً عاقلاً.. والموجود في كتاب المبسوط روي أنّه إذا بلغ عشر سنين وكان رشيداً، كان جائز التصرّف ) (4) ، و ( إذا جاز عتق الصبي ووصيته بالمعروف وغيرها - كما هو ظاهر الكثير من الروايات - فلا يبعد جواز بيعه وشرائه، وسائر معاملاته

____________________

1 - التهذيب: ج 10، ص 233.

2 - المكاسب للشيخ الأنصاري.

3 - نهج الفقاهة للسيد الحكيم: ص 183.

4 - مفتاح الكرامة كتاب المتاجر: ص 170.

١٤٣

إذا كان بصيراً رشيداً مميّزاً، يعرف نفعه وضرّه في المال، وطريق الحفظ والتصرّف، كما نجده في كثير من الصبيان، فإنّه قد يوجد بينهم مَن هو أعظم في هذه الأمور من آبائهم، فلا مانع أن يوقع الصغير العقد خصوصاً مع إذن الولي، وحضوره بعد تعيين الثمن ) (1) .

ج - الولاية والوصاية

ولا يتم الحَجر إلاّ بوجود ولي أو قيّم يرعى الصبي نيابة عن صاحبه، فتثبت الولاية بالدرجة الأولى للأب والجد في مرتبة واحدة على الصغير، والمجنون المتصل جنونه بالصغر، وإذا فُقدا معاً تكون الولاية لوصي أحدهما، والجد أولى من وصي الأب، وإذا افتُقد الوصي فالولاية للحاكم الشرعي، حيث إنّ ( الولاية ثابتة للأب والجد له من النسب شرعاً، فلا ولاية للأب رضاعاً، ولا لِمن أولده سِفاحاً، وثبوت الولاية لهما بالاشتراك بينهما مورد اتفاق النص والفتوى، وإن اختصّ الأب في أكثر النصوص إلاّ أنّ المراد منه ما يشمل الجد، بل يُقدّم عقده على عقد الأب مع المعارضة.

أمّا الولاية للوصي المنصوب من الموصي قيّماً على أطفاله، فهي ثابتة بالنص والإجماع، ولكن بحسب ما هو مجعول له من الموصي من حيث الإطلاق والتقييد، فإن أطلق فلا إشكال في نفوذ ما يتولّى من مصالحهم في حفظ نفوسهم وأموالهم، وأخذ الحقوق الراجعة إليهم، وغير ذلك من: بيع، وإجارة، ومزارعة، ومساقاة ونحو ذلك، كما لا إشكال في المنع عن فعل بعض ما كان للأب جوازه من حيث

____________________

1 - شرح الإرشاد للاردبيلي.

١٤٤

لأبوّة،... ولعلّ من ذلك تزويج الصغير والصغيرة، وإن كان قيّماً ) (1) .

ويُشترط في الولي والوصي: البلوغ، والرشد، والاتحاد في الدين، ويضاف إلى ذلك: شرط العدالة بالنسبة للحاكم الشرعي.

والمدار أن يكون التصرّف في مال القاصر من قِبل الولي أو الوصي على أساس مصلحة القاصر، واتفق الفقهاء على أنّ تصرّفات الولي إذا كانت نفعاً للمولى عليه فإنّها تنفذ، وإذا كانت ضرراً عليه فإنّها لا تنفذ؛ لمنافاتها الغرض الذي من أجله شُرّعت الولاية، كما يُستشعر ذلك من قوله (ص): ( أنت ومالكَ لأبيك... لا نُحب أن يأخذ الأب من مال ابنه إلاّ ما يحتاج إليه ممّا لابدّ منه، إنّ الله لا يُحب المفسدين ).

وللولي أن يتّجر بمال القاصر بأي شكل من الإشكال التي تجرّ ربحاً يصبّ في مصلحة الصبي، وعليه أن ينفق على الصبي بالمعروف دون تقتير أو إسراف، وإن كان الولي فقيراً يحقّ له أن يأكل من مال الصبي بالمعروف، ولا يحقّ له ذلك إن كان غنياً؛ لقوله تعالى: ( وَمَن كانَ غَنِيّاً فَليَستَعفف، وَمَن كانَ فَقيراً فَليَأكُل بِالمَعرُوفِ ) (2) .

ويشترط أيضاً: تعيين الوصي بالذات، وتعيين الموصى به، كما في رواية عمّار بن مروان، قال: قلت لأبي عبد الله (ع): إنّ أبي حضرهُ الموت، فقيل له: أوصِ، فقال: هذا ابني ( يعني عمر )، فما صنع فهو جائز؟ قال أبو عبد الله (ع): ( فقد أوصى أبوك، وأوجز ) (3) .

ويحقّ للأب والجد تزويج الصبي، ولا يحقّ للوصي ذلك، ولا يحقّ للأبوين ولا للحاكم الطلاق عن الصبي؛ لعموم ( الطلاق بيد مَن أخذَ بالساق ).

____________________

1 - بُلغة الفقيه للسيد بحر العلوم.

2 - النساء: 6.

3 - التهذيب: ج 2، ص 399.

١٤٥

وفي الحالات الاستثنائية: كدفع الأذى، أو إنقاذ نفس، يستطيع الولي ( أن يرشي الظالم من مال القاصر لتخليصه وإطلاقه، بل لو طمعَ الظالم في ماله وجب عليه أن يعطيه ما لا يقدر على دفعه إلاّ به ) (1) .

أمّا الوصاية ، ويعبّر عنها بالوصية العهدية أيضاً، فهي: ( ولاية على إخراج حقّ أو استيفائه، أو على طفل، أو مجنون يملك الموصي الولاية عليه بالأصالة كالأب والجد، أو بالواسطة كالوصي المأذون في الإيصاء ) (2) .

والوصاية: إيقاع، ونوع من أنواع الولاية فلا يجوز للوصي، الذي عهده الموصي برعاية أطفاله ووفاء ديونه، بالتنازل عنها والاستقالة منها؛ لأنّها حكم لا يسقط بالإسقاط، ولكن للموصي أن يرجع عن الوصاية ما دام حيّاً، أمّا الوصي فتصبح الوصاية ملزمة له إذا علم بها ولم يردّ، وكذلك إذا تعذّر إبلاغ الموصي الردّ لغيابه أو موته، حيث ورد عن الإمام الصادق (ع): ( إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب، فليس له أن يردّ وصيته؛ لأنّه لو كان شاهداً وأبى أن يقبلها طلبَ غيره ) (3) . ولا تثبت الوصاية إلاّ بشهادة عدلين، ولا تُقبل شهادة النساء منفردات ولا منضمّات، ولا شهادة رجل مع اليمين.

وإذا خان الوصي، فقد انعزل تلقائياً، حيث تبطل جميع تصرّفاته دون تدخّل الحاكم الشرعي؛ لأنّ الوصاية تستدعي الأمانة وحفظ مصلحة الطفل شرعاً، والمشروط عدمٌ عند عدم شرطه، كما يقول الفقهاء.

____________________

1 - مفتاح الكرامة: باب الوصية.

2 - الجواهر: باب الوصية.

3 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 282.

١٤٦

ولا يضمن الوصي إلاّ مع التعدّي والتفريط، حيث ورد أنّ رجلاً أوصى إلى رجل وأمره أن يعتق عنه نسمة بستمئة درهم من ثلثه، فانطلقَ الوصي، وأعطى الستمئة درهم رجلاً يحجّ بها عنه؟ فقال أبو عبد الله (ع): ( يَغرم الوصي ستمئة درهم من ماله، ويجعله فيما أوصى الميّت في عتق نَسَمة ) (1) .

وللوصي أن يأخذ أجرة المِثل من المال الموصى به للطفل، كما جاء في جواب الإمام جعفر بن محمد (ع) عمّن تولّى مال اليتيم، هل له أن يأكل منه؟ قال: ( ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر، فليأكل بقدر ذلك ).

وإذا مات الأب بلا وصية، أو مات الوصي، وكان للميت أطفال، أُرجع النظر في أمرهم إلى الحاكم الشرعي؛ لأنّه ولي مَن لا وليّ له، وإذا تعذّر ذلك قامَ الأُمناء الصالحون من المؤمنين ( على ما هو المشهور بين الفقهاء من ثبوت الولاية لهم على مثل ذلك؛ للنصوص المعتبرة المستفيضة المؤيّدة بما دلّ على الحسبة ) (2) .

د - البلوغ والرشد الشرعي

والبلوغ هو: سنّ التكليف الشرعي للذكر والأنثى، وهو ليس موضوعاً من الموضوعات الشرعية، بل هو من الأمور البيولوجية الطبيعية.

____________________

1 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 277.

2 - الجواهر: باب الوصية.

١٤٧

وقد ذكرَ الفقهاء أنّ من علامات البلوغ: الاحتلام، وهو خروج المني للذكر والأنثى في أيّ سن كان، في اليقظة أو في المنام؛ للنص الحكيم: ( وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا ) (1) ، ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ) (2) ، والمشهور من قول رسول الله (ص): ( رُفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ ) (3) .

ومن علاماته أيضاً: ظهور الشَعر الخشن على العانة، فـ( لا عبرة بالشَعر الضعيف الذي ينبت قبل الخشن، ثمّ يزول، ويعبّر عنه بالزغب، وقيّدوا الشعر بشَعر العانة؛ لعدم اعتبار غيره كشَعر الإبط والشارب واللحية، فلا عبرة بشيء من ذلك عندنا إذ لم يثبت كون ذلك دليلاً على البلوغ، وإن كان الأغلب تأخّرها عنه ) (4) .

أمّا الأنثى بالخصوص، فإنّ دليل بلوغها - إضافة إلى الاحتلام - هو: الحيض والحمل، فـ( لا خلاف كونهما دليلَين على سبق البلوغ، أمّا الحيض فقد علّق الشارع أحكام المكلّف عليه في عدّة أخبار، منها قول الرسول الأعظم (ص): ( لا تُقبل صلاة إلاّ بخمار )، وقوله: ( إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يُرى منها إلاّ هذا )، وأشار إلى الوجه والكفّين، أمّا الحمل فهو مسبوق بالإنزال؛ لأنّ الولد لا يُخلق إلاّ من ماء الرجل وماء المرأة، كما نبّه عليه تعالى بقوله: ( مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ) ، أي: مختلطة من ماء الرجل والمرأة، فهو دليل على سبق البلوغ ) (5) .

وإذا اشتبه البلوغ، فإنّه يُرجع إلى الشارع في معرفة السنّ، حيث ثبتَ

____________________

1 - النور: 59.

2 - النساء: 5.

3 - سفينة البحار للقمّي: ص 530.

4 - المسالك للشهيد الثاني.

5 - المصدر السابق.

١٤٨

عن أهل البيت (ع) أنّ سن بلوغ الذكر خمس عشرة سنة، وسن بلوغ الأنثى تسع سنين، وهذا هو المشهور، كما ورد في قوله (ع) عندما سُئل: متى يؤخذ الذكر أو الأنثى في الحدود التامة؟ قال: ( إنّ الجارية ليست مثل الغلام، إنّ الجارية إذا تزوجت ودخلَ بها ولها تسع سنين ذهبَ عنها اليُتم، ودُفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع، وأُقيمت عليها الحدود التامة وأُخذت لها وبها، والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع، ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة، أو يحتلم، أو يُشعر، أو ينبت قبل ذلك ) (1) .

ويثبت بلوغ الصبية والصبي بمجرّد إقرارهما عن غير يمين، إذا ادّعيا البلوغ بالاحتلام في وقت يكون من المحتمل بلوغهما فيه، ويثبت رشده أو رشدها: بالاختيار، والتواتر، وشهادة رجُلين عدلين في الذَكر، وشهادة رجل وامرأتين أو أربع نساء في الأثنى، على المشهور.

ومجمل القول: ( إنّ البلوغ من الأمور الطبيعية المعروفة في اللغة والعرف، وليس من الموضوعات الشرعية التي لا تُعلم إلاّ من جهة الشارع، كألفاظ العبادات، بل ذكرَ أهل اللغة ترتيب أحوال الإنسان، وأنّ له في كلّ حال اسماً مخصوصاً في الرجال والنساء من أول الخِلقة إلى حال الشيخوخة...

وعلى كل حال، فلا يخفى على مَن لاحظ كلماتهم: أنّ من المعلوم لغة وعرفاً أنّ الغلام متى احتلمَ بلغَ وأدركَ، وخرج عن حدّ الطفولة أو دخلَ إلى حدّ الرجولة، وكذا الجارية إذا أدركت وأعصرت فإنّها تكون امرأة كغيرها من النساء.

نعم، يُرجع إلى الشرع في مبدأ السن الذي يحصل به البلوغ، مثلاً إذا حصل فيه الاشتباه، بخلاف الاحتلام والحيض والحمل ونحوهما ممّا لا ريبَ

____________________

1 - الكافي: ج 2، ص 292.

١٤٩

في صدق البلوغ معها لغة وعرفاً، ولو للتلازم بينهما ) (1) .

____________________

1 - الجواهر.

١٥٠

الولايةُ في الزواج

ومن نافلة القول أن نذكر استقلال الأنثى البالغة الرشيدة، والذكر البالغ الرشيد في اختيار الشريك المناسب في الزواج، فلا يضع الإسلام عليهما سلطاناً أو ولياً يحدّد من حرّيتهما في اختيار الفرد اللائق في حياتهما الزوجية اللاحقة، ولكن حفظاً لمصلحتهما، شجّع الإسلام إيثار إذْن الولي واختياره على اختيارهما.

فالولاية: سلطة شرعية جعلية للفرد الكامل على المولّى عليه الناقص؛ حفاظاً على مصلحة الناقص، ومن أمثلة هؤلاء: الصغير، والسفيه، والمجنون من الذكور والإناث، فجعل الشارع عليهم الولاية في الزواج، فقد اتفق الفقهاء على أنّ الولي ينفرد بزواج الصغير والمجنون والسفيه، ذكراً كان أم أنثى.

والبالغ الراشد يستقلّ في زواجه ولا ولاية لأحد عليه، وكذلك البالغة الراشدة فلا سلطان لأحد عليها، وإنّها تتزوّج بمَن تشاء دون قيد أو شرط، حيث إنّ ( المشهور في محلّ البحث نقلاً وتحصيلاً بين الفقهاء القدماء والمتأخرين: سقوط الولاية عنها، بل عن الشريف المرتضى في كتاب الانتصار والناصريات الإجماع عليه ) (1) ؛ لأنّ الولاية والاستقلال في التصرّف حقّ لكل إنسان بالغ راشد ذكراً كان أو أنثى.

وقوله تعالى: ( فَانكِحُوا ما طابَ لَكُم مِنَ النِّساءِ مَثنى وَثُلاث وَرُباع ) (2) ، يدلّ على عموم إباحة الزواج و صحته دون الرجوع إلى إذْن الولي إلاّ ما خرجَ بدليل.

و ( المرأة إذا كانت ثيِّباً، مالكة لأمرها، نافذاً أمرها في البيع والشراء والعتق

____________________

1 - الجواهر: كتاب النكاح.

2 - النساء: 3.

١٥١

والهبة في مالها، غير مولّى عليها لفساد عقلها، جازَ لها العقد على نفسها لِمن شاءت من الأكفّاء، سواء كان أبوها حيّاً أو ميّتاً، إلاّ أنّ الأفضل لها مع وجود الأب ألاّ تعقد على نفسها إلاّ برضاه ) (1) .

ويؤكد ذلك العديد من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع)، منها: ( البكرُ التي لها الأب لا تتزوّج إلاّ بإذن أبيها، وإذا كانت مالكة أمرها تزوّجت متى شاءت ) (2) ، وجوابه (ع) عندما سُئل عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ألَها مع أبيها أمر؟ فقال: ( ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب ) (3) ، وفي رواية أخرى: ( إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد، وتُعطي مالها ما شاءت، فإنّ أمرها جائز، تتزوّج إن شاءت بغير إذْن وليّها، وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلاّ بأمر وليها ) (4) ، وقوله: ( تعطي مالها من تشاء ) يعني نفي السفه عنها.

و ( الروايات الدالّة على استقلال البكر معتضدة أو منجبرة بفتوى الأكثر ودعوى الإجماع ) (5) ، ولكن نفي الولاية في زواج البنت لا يستدعي الخروج عن العرف، فـ ( يستحب لها إيثار اختيار وليّها على اختيارها، بل يكره لها الاستبداد، كما أنّه يكره لِمن يريد نكاحها، أن لا يستأذن وليها... بل ينبغي مراعاة الوالدة أيضاً، بل يستحب أن تلقي أمرها إلى أخيها مع عدم الوالد والوالدة؛ لأنّه بمنزلتهما في الشَفَقة ) (6) ، ولكن إذا عَضلها الولي ( وهو: أن لا

____________________

1 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى للشيخ الطوسي: ص 467.

2 - الكافي: ج 2، ص 25.

3 - الوسائل: ج 14، ص 203.

4 - التهذيب: ج 2، ص 221.

5 - المكاسب للشيخ الأنصاري.

6 - الجواهر: كتاب النكاح.

١٥٢

يزوّجها من كفء مع رغبتها، فإنّه يجوز لها أن تُزوّج نفسها ولو كرهاً، إجماعاً ) (1) .

واتفق الفقهاء على: أنّ للأب والجد من طرف الأب تزويج الصغير، ذكراً كان أم أنثى، ولكن ليس لهما الطلاق عن الزوج الصغير، كما يستفاد من قوله (ع) عندما سُئل عن الصبي يتزوّج الصبية، هل يتوارثان؟ فقال: ( إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم ، قال السائل: فهل يجوز طلاق الأب؟ قال الإمام: لا ) (2) .

ولا ولاية للحاكم الشرعي في زواج الصغير ذكراً كان أم أنثى، أمّا في حالة الجنون فإنّ ( ولاية الحاكم تثبت على مَن بلغَ غير رشيد بجنون، ولم يكن له ولي من حيث القرابة، و تجدّد فساد عقله إذا كان النكاح صلاحاً له بلا خلاف أجده فيه، بل الظاهر كونه مجمعاً عليه ) (3) .

____________________

1 - شرائع الإسلام: ج 2، ص 277.

2 - التهذيب: ج 2، ص 223.

3 - الجواهر: كتاب النكاح.

١٥٣

الوصيةُ الشرعية

ومن أجل انتقال الثروة النقدية والعينية من الجيل السابق إلى الجيل اللاحق بشكل منتظم وشرعي، لابدّ من إنشاء الوصية الشرعية، تمليكية كانت أو عهدية، ومقدارها الثلث فقط مع وجود الوارث؛ لأنّ الثلثين الباقيين يوزّعان على الورثة حفظاً لحقوقهم المالية من الضياع، ومع عدم وجود الوارث يجوز إنشاء الوصية بجميع الثروة المالية.

فالوصية هي: تفويض فرد بتصرّف معيّن بعد موت الولي، وصاغها الفقهاء بأنّها: تمليك عين أو منفعة مضاف إلى ما بعد الموت، وشرعيتها ثابتة بضرورة الدين؛ لقوله تعالى: ( كُتِبَ عَلَيكُم إذا حَضَرَ أَحَدَكُم المَوتُ إِنْ تَرَكَ خَيراً الوَصِيّةُ لِلوالِدَينِ وَالأَقرَبينَ بِالمَعرُوفِ ) (1) ، وقوله (ص): ( مَن لم يحسن عند الموت وصيته، كان نقصاً في مروءته وعقله ) (2) .

وأجمعَ الفقهاء على استحباب الوصية، وعليه يُحمل قوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيكُم ) في الآية السابقة، وتثبت الوصية بشهادة عدلين.

ومن الطبيعي أنّ الوصية الشرعية تقسم إلى قسمين: عهدية، وتمليكية .

فالوصية العهدية: إيقاع يتم بمجرّد الإيجاب ولا يحتاج إلى قبول، كمَن أوصى لآخر برعاية أطفاله ووفاء ديونه أو استيفائها، فيجب - عندئذ - تنفيذها دون الرجوع إلى الحاكم الشرعي.

والوصية التمليكية: كالعقد، حيث تحتاج إلى إيجاب وقبول، كمَن أوصى بمالٍ لشخص معيّن.

____________________

1 - البقرة: 180.

2 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 267.

١٥٤

وتتحقّق الوصية بشكليها، بوجود الإرادة المعبّر عنها بالقول أو الفعل، حيث ( يجوز أن يكون القبول فعلاً دالاً على الرضا بالإيجاب بلا خلاف ) (1) .

ولمّا كان للوصية آثار مالية ومعنوية على الأفراد في النظام الاجتماعي، فقد حرّمَ الإسلام لِمن سمعَ محتوى تلك الوصية تبديلها أو تغييرها بأيّ شكل من الإشكال؛ للنص الحكيم: ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (2) .

ولكن يجوز للوصي الرجوع عن وصيته ما دام حياً حتى لو كانت تمليكاً لشخص معيّن؛ للروايات المروية عن أهل البيت (ع)، ومنها: ( لصاحب الوصية أن يرجع فيها، ويُحدث في وصيته ما دام حياً ) (3) ، ( للرجل أن يغيّر وصيته، فيَعتِق مَن كان أمرَ بملكه، ويملك مَن كان أمرَ بعتقه، ويعطي مَن كان حَرَمه، ويَحرم مَن كان أعطاه ما لم يمُت ) (4) .

ويُشترط في الموصي: أن يكون أهلاً للتصرّفات المالية، ولا تصحّ من غيره، كالصغير غير المميّز والمجنون إذ لا إدراك لهما، والمكرَه لعدم وجود الإرادة، والسفيه لحرمانه شرعاً من التصرّفات المالية، وذهب المشهور إلى أنّ الصبي المميّز إذا أتمّ العشرة من عمره جازت وصيته بالخير والمعروف، كما ذكرنا ذلك آنفاً.

ويشترط في الموصى له: الوجود حين إنشاء الوصية فلا تصح الوصية لمعدوم؛ لأنّ الوصية تمليك منفعة لفرد موجود واقعاً.

____________________

1 - الجواهر: باب الوصية.

2 - البقرة: 181.

3 - التهذيب: ج 2، ص 387.

4 - الكافي: ج 2، ص 237.

١٥٥

وتصح الوصية للحمل في بطنها على شرط وجوده حين الإنشاء، أو الكتابة، وإذا تبيّن أنّ الحمل كان توأماً، ذكراً وأنثى، قُسّم الموصى به بينهما بالسوية؛ لأنّ حكم الوصية يختلف عن حكم الميراث.

وتصح الوصية لأهل الذمّة، وهم: أفراد أهل الكتاب ممّن يدفعون الجزية للمسلمين؛ لقوله تعالى: ( لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (1) .

وذهب جماعة من الفقهاء إلى جواز الوصية للحربي؛ لقوله (ع): ( أعطِ [ الوصية ] لِمن أُوصيَ له، وإن كان يهودياً أو نصرانياً، إنّ الله يقول: ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) ) (2) ، و ( دعوى عدم قابلية الحربي للمِلك واضحة العدم، فالأقوى الجواز مطلقاً من غير فرق بين الحربي وغيره ) (3) .

ولا شك أنّ الوصية تُخرج من أصل التركة إذا كانت واجباً مالياً: كالوصية بديون الناس، أو ديون الله: كالزكاة، والخُمس، وردّ المظالم، والكفّارات.

وقد اتفق الفقهاء على أنّها تخرج من الأصل إذا لم يعيّن إخراجها من الثلث؛ لقوله تعالى: ( مِن بَعدِ وَصِيَّة تُوصُونَ بِها أو دَين ) (4) ، وللرواية الواردة عن الإمام جعفر بن محمد (ع) عندما سُئل عن رجل فرّط في إخراج زكاته في حياته، فلمّا حضرتهُ الوفاة حسبَ جميع ما فرّط فيه ممّا لزمه من الزكاة، ثمّ أوصى أن يُخرج ذلك فيُدفع إلى مَن يجب له؟ فقال (ع):

____________________

1 - الممتحنة: 8.

2 - الوسائل: ج 13، ص 417.

3 - الجواهر: باب الوصية.

4 - النساء: 11.

١٥٦

( جائز، يُخرج ذلك من جميع المال؛ إنّما هو بمنزلة الديون لو كان عليه، ليس للورثة شيء، حتى يؤدّى ما أوصى به من الزكاة ) (1) .

وتُخرج الوصية من أصل التركة أيضاً إذا كان واجباً مالياً وبدنياً كالحج، ودليله رواية عن الإمام الصادق (ع)، فقد سُئل عن رجل توفي، وأوصى أن يُحجّ عنه؟ قال: ( إن كان صرورة فمِن جميع المال، وإن كان تطوّعاً فمِن ثلثه ) (2) .

أمّا إذا كانت الوصية في الواجب البدني كالصوم والصلاة، فالمشهور أنّها تُخرج من الثلث إن أوصى بها، ولا يجب إخراجها إن لم يوصِ بها؛ لأنّ قضاء ما فاته من الصوم والصلاة واجبة على الولد الأكبر.

وإذا كان الموصى به على وجه التبرّع فحسب، أي ليس واجباً، فالوصية تنفذ بمقدار الثلث فقط، مع وجود الوارث؛ للرواية المروّية عن رسول الله (ص) عندما سأله أحدهم: ( أنا ذو مال، ولا يرثني إلاّ ابنة لي، أفأتصدّق بثلثَي مالي؟ قال الرسول: ( لا، قال الرجل: فالشطر؟ قال الرسول: لا، قال الرجل: فالثلث؟ قال الرسول: الثلث، والثلث كثير؛ إنّك إن تذر ورَثَتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون الناس )، ومع عدم وجود الوارث فإنّه يستطيع أن ( يوصي بماله حيث شاء في المسلمين، والمساكين، وابن السبيل ) (3) .

____________________

1 - التهذيب: ج 2، ص 381.

2 - التهذيب: ج 2، ص 397.

3 - التهذيب: ج 2، ص 386.

١٥٧

أحكامُ الإرث

وبطبيعة الحال، فإنّ للأفراد المُنضوين تحت سقف واحد - والمنضمّين لعائلة واحدة - حقّاً مالياً في النفقة والإرث.

والإرث: يمثل شكلاً من أشكال الثروة المالية المتداولة بين الأجيال المتعاقبة بحدود العلاقة النسبية والسببية، وقد حدّدها الإسلام بصورة دقيقة من أجل الحفاظ على حقوق الأفراد في النظام الاجتماعي، مُشعراً بأنّ المال مجرّد وسيلة عملية لتسهيل إشباع حاجات الأفراد على اختلاف أعمارهم وأجناسهم في المجتمع الإنساني، فإذا مات الفرد وانتفت حاجاته الاجتماعية تعيّن توزيع المال الذي تركه على الأفراد الذين خلّفهم في العائلة المنتسب إليها.

فالإرث: ما هو إلاّ عملية انتقال تركة الميت الحقوقية إلى ورثته المقرّرين شرعاً، والتركة: اسم للأشياء التي يتركها الميت: كالعين، أو الدين، أو الحقّ المالي، أو حقّ الرهن، أو حقّ الشُفعة أو غير ذلك.

والملاحظ أنّ الشريعة أوجبت تقسيم الحقوق المتعلّقة بالتركة على النحو التالي: ( إخراج الكفن أولاً، والدَين ثانياً، والوصية ثالثاً، والسهام رابعاً ) (1) ، فالتجهيز الواجب للميت من: كفن، وغسل، ودفن مقدّم على الديون، وبعد التجهيز يبدأ بوفاء الديون، للناس كانت أم لله: كالخُمس، والزكاة، والكفّارات، وردّ المظالم، وحَجّة الإسلام.

____________________

1 - الجواهر: كتاب الإرث.

١٥٨

وبعد ذلك يقسّم الباقي أثلاثاً حيث تخرج الوصايا بغير الواجب المالي من الثلث، ويقسّم الثلثان بين الورثة على كتاب الله وسنّة نبيه؛ لقوله (ع): ( أول شيء يُبدأ به من المال: الكفن، ثمّ الدَين، ثمّ الوصية، ثمّ الميراث ) (1) .

ولا شك أنّ الموجِب للإرث أمران: النسب، والسبب ، ويترتّب السبب إمّا على الزوجية أو على الولاء (2) .

أمّا النسب أو القرابة: فتثبت بعلاقة الولادة الشرعية بين فردين، وذلك بانتهاء أحدهما إلى الآخر: كانتهاء الأبناء والأحفاد إلى الأب أو الجد، أو بانتهاء الاثنين إلى فرد ثالث كالأخوة والأعمام والأخوال، وللقرابة في الميراث ثلاثة مراتب غير متداخلة، حيث لا يرث فرد من المرتبة الثانية مع وجود وارث من المرتبة الأولى، ولا من المرتبة الثالثة مع وجود فرد من المرتبة الثانية، وهذه المراتب:

1 - الأبوان فقط من غير ارتفاع، والأولاد وإن نزلوا.

2 - الأجداد وإن ارتفعوا، والأخوة وأولادهم وإن نزلوا.

3 - الأعمام والأخوال وأولادهم وإن نزلوا شرط صدق اسم القرابة عليهم عرفاً.

وفي السبب: فإنّ الزوجية تجتمع في الميراث مع جميع المراتب، فيرث أحد الزوجين من الآخر الفرض المقدّر له شرعاً من النصف والربع والثمن، وسنتعرّض لذلك لاحقاً.

ويتحقّق الولاء الموجب للإرث إمّا عن طريق العتق، فيرث السيد عبده بشرط أن يعتقه تبرّعاً، وإمّا عن طريق ضمان الجريرة: وهو اتفاق اثنين لا وارث قريب لهما، على أن يضمن كلّ منهما جناية الآخر كأن يقول أحدهما: عاقدتُك على أن تنصرني وأنصرك، وتعقل عني وأعقل عنك،

____________________

1 - الكافي: ج 2، ص 240.

2 - مجمع البيان: ج 3، ص 18.

١٥٩

وترثني وأرثك، فيقول الآخر: قبلت، أو يكون الضمان من جانب واحد فيقول المضمون للضامن: عاقدتك على أن تنصرني، وتدفع عنّي، وتعقل عنّي وترثني، فيقول الآخر: قبلت.

وأمّا عن طريق ولاء الإمام، فإذا مات الفرد وترك مالاً ولا وارث له، كان ميراثه للإمام، إلاّ إذا كان الميت زوجاً أخذت الزوجة الربع وسُلِّم الباقي للإمام؛ لأنّ الإمام وارث مَن لا وارث له، قال الشيخ الصدوق: ( متى كان الإمام ظاهراً فماله للإمام، ومتى كان الإمام غائباً فماله لأهل بلده متى ما لم يكن له وارث ولا قرابة أقرب إليه منهم بالبلد به ) (1) ؛ لأنّ علياً (ع) كان يقول في الرجل يموت ويترك مالاً وليس له أحد: ( أعطِ المال همشاريجه ) (2) ، أي: أهل بلده.

ويثبت الإرث إذا وجِد المقتضي، وانتفى المانع، بمعنى أنّه لابدّ من وجود الوارث الشرعي الذي يحقّ له استلام المال المخصّص في الإرث، ولابدّ من انعدام العوائق التي تعيق ذلك الانتقال المالي من المورث إلى الوارث.

فمن الموانع: اختلاف الدِين، والقتل، والرق، فالمسلم يرث غير المسلم ولا يصح العكس؛ للروايات المتضافرة عن أئمة أهل البيت (ع) ومنها: ( لا يرث الكافر المسلم ) (3) ، و( لا يتوارث أهل ملّتين، نحن نرثهم ولا يرثونا، إنّ الله عزّ وجل لم يزدنا بالإسلام إلاّ عزاً ) (4) ، و ( لا يرث اليهودي والنصراني المسلمين، ويرث المسلمون اليهود والنصارى ) (5) .

____________________

1 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 4، ص 242.

2 - الكافي: ج 7، ص 169.

3 - التهذيب: ج 9، ص 372.

4 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 4، ص 244.

5 - الاستبصار: ج 4، ص 190.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194