حياة أمير المؤمنين عن لسانه الجزء ٢

حياة أمير المؤمنين عن لسانه12%

حياة أمير المؤمنين عن لسانه مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 491

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 491 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 361490 / تحميل: 6885
الحجم الحجم الحجم
حياة أمير المؤمنين عن لسانه

حياة أمير المؤمنين عن لسانه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حياة أمير المؤمنين عن لسانه

الجزء الثاني

مؤسسة النشر الإسلامي

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى

قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

«الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون،و لا يحصي نعماءه العادون،و لا يؤدي حقه المجتهدون،الذي لا يدركه بعد الهمم،و لا يناله غوص الفطن»(١) .

و صلوات الله على أنبيائه الذين«استودعهم في أفضل مستودع،و أقرهم في خير مستقر،تناسختهم كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام،كلما مضى منهم سلف قام منهم بدين الله خلف،حتى أفضت كرامة الله سبحانه و تعالى إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ،فأخرجه من أفضل المعادن منبتا،و أعز الأرومات مغرسا،من الشجرة التي صدع منها أنبياءه،و انتحب منها امناءه»(٢) .

و سلام الله عليه أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين«هم موضع سره،و لجأ أمره،و عيبة علمه،و موئل حكمه،و كهوف كتبه،و جبال دينه،بهم أقام انحناء ظهره،و أذهب ارتعاد فرائصه»(٣) .

* * *

لقد استطاع الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بما آتاه الله سبحانه من العلم الإلهي وسعة

____________________

(١) نهج البلاغة (صبحي الصالح) الخطبة: ١ ص ٣٩.

(٢) نهج البلاغة (صبحي الصالح) الخطبة: ٩٤ ص ١٣٩.

(٣) نهج البلاغة (صبحي الصالح) الخطبة: ٢ ص ٤٧.

٣

الفكر و عظمة العقل و إمداد الوحي أن يؤسس حكومة تقوم على الاسس الإسلامية المتينة في أرض الجزيرة العربية التي لم تكتحل عينها قبل ذلك برؤية حكومة مركزية شاملة،ليتمكن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يطبق تعاليم الإسلام و يقيم للعالم بأسره نموذجا حيا للمدينة الفاضلة قائمة على الحكم الإسلامي.

و الحقيقة أن الإسلام الذي جاء به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يمكن تحقيقه إلا من خلال حكومة إسلامية تقوم بتطبيقه.

و لكن أعداء الإسلام شنوا الحروب و الفتن بحيث وقعت ثمانون حربا و غزوة خلال عشر سنوات،و لكن المؤمنين جاهدوا و بذلوا الدماء رخيصة في حرب بدر و آحد و...و سقط شهداء كرام من أجل دحر الأعداء و إحراز النصر المؤزر،إلى أن فتحت مكة المكرمة في العام الهجري الثامن.

و استطاعت هذه الحكومة أن تسيطر على كامل شبه الجزيرة العربية فآمنت القبائل العربية و حتى اولئك الأعداء الذين كادوا الإسلام و حاربوه بكل ما يستطيعون و على رأسهم أبو سفيان

و حزبه خضعوا أخيرا للإسلام- على كره- و تركوا الحرب المعلنة و المكشوفة.

* * *

و من الواضح أن الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله و هو الذي قد شيد صرح هذه الحكومة الشامخة و تحمل في سبيل حفظها و تعزيزها ألوان الصعاب و ضحى بخيرة أصحابه و أعزهم عليه،ليعلم جيدا بحجم المشاكل و الصعوبات التي ستواجهها هذه الحكومة في مسيرتها المستقبلية.

إنه ليرى المنافقين الذين خلقوا الفتن و العراقيل في مسار الإسلام طيلة عشر سنين و حاولوا الإطاحة بهذه الحكومة جهد ما يستطيعون.

و كذلك يرى الطلقاء و حزب أبي سفيان الذين بهرتهم عظمة الإسلام فخضعوا

٤

له مضطرين و لكنهم لا زالوا يحلمون بعودة زعامتهم و تترأى في خيالهم عودة أمجادهم التي قضى عليها الإسلام.

و من جهة اخرى ينظر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى تلك القبائل العربية و هي حديثة عهد بالإسلام و لم تتجذر في نفوسها تعاليمه و أحكامه...و إلى عشرات المشاكل التي يراها تعترض مسيرة الإسلام.

و إلى جانب ذلك كله يرى وفاته قاب قوسين أو أدنى و أنه على و شك الرحيل إلى ربه الكريم

و في هذه الظروف الصعبة فلو أن الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله رحل إلى ربه و لم يضع خطة لمستقبل الإسلام من بعده و لم يعين شخصا يخلفه و ترك هذا الأمر دون أن يعالجه و سكت عنه...فيا ترى كيف يمكن تقييم عمل الرسول هذا؟و بأي تبرير يمكن أن نبرره؟!

فهل يمكن لأحد أن يصدق بأن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله - و هو العقل الكبير- و حتى من لا يعتقد بنبوته فهو مضطر للإعتراف بعظمة شخصية الرسول و أنه إنسان يتمتع بنبوغ خارق و عبقرية فذة- نعم كيف يمكن لأحد أن يصدق بان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله غفل عن ذلك و لم يلتفت إليه؟!أو أنه تغافل- عن عمد- عن هكذا أمر هام؟!

كيف يمكن التصديق بأن الرسول الذي بين للناس تفاصيل أحكام الشريعة و جزئياتها و لم يغفل عن بيان مسائل العبادات و اداب المعاشرة و حتى مستحبات الأكل و الشرب،و لكنه ترك أهم مسألة و هي التي يتوقف عليها استمرار الحكومة الإسلامية و هي بمثابة القطب لرحى الإسلام- تركها مهملة و لم يبينها للناس؟

هل يمكن القبول بأن الرسول الأعظم الذي جاء من ربه بالدين الكامل لجميع البشر و أسس قاعدة حكومة عظيمة استطاعت أن تنتصر على الدولتين العظميين في ذلك العصر و تؤسس أكبر حضارة في العالم،و لكن في نفس الوقت هذا

٥

الرسول الأعظم أعرض عن تحديد القائد الذي يقود مسيرة الإسلام من بعده و تركها مبهمة غامضة اعتمادا على اختيار المسلمين أنفسهم يفعلوا كيف يشاؤون؟!

* * *

و هل كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يعتقد بأن المسلمين و صلوا إلى حد من الوعي و المعرفة بحيث لا يحتاجون إلى أن يعين لهم إماما من بعده و أن الناس بأنفسهم سوف يختارون الفرد الأصلح من بينهم و يفوضون امورهم إليه؟و أنهم لا يحتاجون إلى وضع قاعدة و خطة(على الأقل كالتي وضعها الخليفة الثاني قبل موته)لاختيار الخليفة من بعده،و أن الوعي السياسي قد وصل بالمسلمين آنذاك إلى درجة جعلهم يعملون بوظائفهم بالشكل المطلوب دون أن يقعوا في محذور أو خطأ؟

لو كان الأمر كذلك فحينئذ نسأل بجد و إلحاح:إذن ما الذي حدث خلال السنوات التي حكم فيها الخليفة الأول و أي مشاكل جديدة طرأت على الساحة بحيث تبدل ذلك الوعي السياسي المتصاعد إلى حالة من الضياع و عدم التمكن من اختيار الأصلح حتى اضطر الخليفة الأول أن يتدخل في الأمر مباشرة و يختار بنفسه خليفته من بعده،و كذلك نرى أن الخليفة الثاني عين من بعده شورى سداسية لانتخاب الخليفة الجديد و لم يكل الأمر إلى المسلمين عامة!

و لم يمض على وفاة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر من ثلاثين سنة و إذا بنا نشاهد أن الحزب السفياني الذي وقف معارضا في وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مدة واحد و عشرين عاما قد تربع على عرش الخلافة ثم يغير الخلافة إلى ملك عضوض يتداوله بنو امية فيما بينهم حتى توارثه يزيد و بنو مروان و بعد ذلك آل الأمر إلى بني العباس الذين استمروا على نهج بني امية؟؟!فهل تتصور إهانة للرسول الأكرم أكبر من هذه و هي أنه لم يهتم بمصير الامةو مستقبل الحكومة الإسلامية؟

أو أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كان غافلا عن هذه المسألة الحيوية و لكن الخليفة الأول و الثاني كانا ملتفتين إلى مصير الامة

٦

و مستقبلها؟و أنهما كانا يهتمان بمصير الامة للدرجة لم يسمحوا للمسلمين بأن يعيشوا مشاكل القيادة بعدهما و ما فيها من مخاطر و لذلك أسرعا لحل هذه المشاكل قبل موتهما دون تردد؟ !!

* * *

إن ما في أيدينا من التاريخ الإسلامي المدون- و إن اجتاز مراحل عديدة و لم يسلم من أيدي الحكام من بني امية و بني العباس الذين تركوا تأثيرهم الفكري عليه- و لكن بقيت فيه نوافذ كثيرة نستطيع من خلالها أن نكتشف الواقع المستور تحت الركام.

إن كل محقق منصف يتصفح تاريخ الإسلام سوف يتضح له جليا بأن النبي الأكرامصلى‌الله‌عليه‌وآله كان له اهتمام خاص بمستقبل الخلافة من بعده و ولاية الأمر،و قد بلغ ما أمره الله به إلى الناس و استخدم جميع الوسائل المتاحة و بين هذا الأمر الإلهي إلى الناس بصراحة،و أكد ذلك بشكل واضح.

و قد بدأ الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله التأكيد على موضوع الخلافة من بعده منذ المراحل الاولى لبدء دعوته لعشيرته الأقربين و ذلك في الانذار يوم الدار(١) ،و ظل يؤكد حتى أن عاد من حجة الوداع و وصل إلى غدير خم من تلك الظروف الخاصة حيث كان المسلمون جميعا ينتظرون كلمة الفصل في هذا المضمار،و لذلك أعلن خليفته من بعده بصراحة قائلا:«من كنت مولاه فعلي مولاه»،و بذلك يكون قد بين الطريق الواضح للامة من بعده و لم يترك أي مجال للريب و التردد.

و أما ما حصل من حوادث حالت دون تحقيق ما رامه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و أدى‏

____________________

(١) حياة أمير المؤمنينعليه‌السلام عن لسانه ج ١ ص ١٣٢.

٧

الإنحراف في مسار الخلافة فهذا ما سوف تقرأه في غضون هذا الكتاب(القسم الثاني)و هو عن لسان أمير المؤمنينعليه‌السلام .

و من هنا يمكن أن نقول:هل يمكن أن نعثر على شخص ادعى بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه هو خليفته المنصوص عليه من قبله؟

من الواضح أننا لو فحصنا جميع كتب التاريخ و تتبعنا أحاديث و آراء علماء السنة و الشيعة لما وجدنا شخصا ادعى النص عليه بالإمامة و الخلافة سوى أمير المؤمنينعليه‌السلام ،و قد أكد سلام الله عليه هذا النص في مناسبات عديدة ناشد المسلمين فيها بأنه المنصوب من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أجل ان تصريحات عليعليه‌السلام بإمامته و احتجاجاته على المخالفين بالآيات القرآنية و الأحاديث النبوية أمثال حديث الغدير و غيره لا تدع مجالا للريب في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد وضع خطة لقيادة الامة من بعده و قد جعلها موضع الإهتمام الخاص من أجل ضمان مسيرة الإسلام و سلامة مستقبله و أنه قد عين الإمام علياعليه‌السلام خليفته من بعده لأنه هو الأحق و الأصلح للقيام بهذا الأمر.

و كما بينا في الجزء الأول من هذا الكتاب إن اسلوب عملنا في هذه المجموعة هو عرض حياة أمير المؤمنين من خلال كلماته و أحاديثه.

و قد التزمنا عدم الإضافة من أنفسنا و اقتصرنا على نصوص هذه الأحاديث لأن كلماته صريحة و واضحة و جلية لا تحتاج إلى تحليل و إضافات.

و قد عرضنا في الجزء الأول قسما من كلماته الشريفة و ذلك فيما يتعلق بعصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،و أما في هذا الجزء نستعرض قسما آخر و هو ما يتعلق بإمامتهعليه‌السلام و قد رتبناه في ثلاثة أبواب:

٨

الباب الأول:في إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

و في هذا الجزء نذكر تصريحاتهعليه‌السلام و احتجاجه على إمامته و كذلك استشهاده بكلمات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على إمامته و كذا احتجاجه بالقرآن و أيضا احتجاجه بالوقائع التاريخية كالغدير و غيره.

الباب الثاني:في الحوادث الواقعة بعد رحلة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

و في هذا الجزء أيضا نذكر كلماته فيما يتعلق بحوادث بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من السقيفة و ما يتبعها و آراءه و موقفه اتجاهها بصورة عامة.

الباب الثالث: في أهل البيتعليهم‌السلام .

ان مقام الإمامة غصن من شجرة أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله و أن التعرف على أحوالهم و مقاماتهم العالية مما يوجب تنوير الأفكار و إزالة كثير من الشبهات الواردة و يشفي مرض القلوب،و بذلك تتهيأ أرضية مناسبة لمعرفة اسس الدين و اصوله القويمة و ذلك أن كلمات أمير المؤمنينعليه‌السلام - و هو سيد العترة- جامعة و شاملة و تعتبر القول الفصل في هذا المجال.و لذلك جمعنا كلماته الشريفة في قسم على حدة حول مقام أهل البيتعليهم‌السلام لتعم الفائدة و الله الموفق و المستعان.

ملاحظات:

١-ثبتنا مصادر كل نص في نهايته مراعين في ذلك ذكر المصدر الأول الذي استندنا إليه في نقل النص بتمامه و قد جعلنا له علامة*و بعد ذلك نورد المصادر الاخرى بحسب تاريخ وفاة المؤلفين.

٢- قد تختلف المصادر فيما بينها فقد نقل بعضها تمام النص و بعضها الآخر قسما منه و هناك من نقل نص الكلام و آخر ذكر مضمونه فقط و نحن إنما نورد ذلك لمجرد التأييد فقط.

٩

٣- حاولنا من أجل تعميم الفائدة و اختصارا لوقت القارى‏ء الكريم و لأجل عدم الإطناب أن نضيف ببعض الفصول تكملة نذكر فيها ما يرتبط ببحوث هذا الفصل و التي تعرضنا لها في جميع فصول الكتاب على نحو الاشارة إلى رقم المسلسل للحديث و محل الاستشهاد به فقط.

٤- حذفنا أسانيد الأحاديث و الروايات مراعاة للاختصار و يمكن للمحققين الكرام مراجعتها بحسب المصادر التي ورد ذكرها في ذلك الفصل.

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

محمد محمديان

١٤١٨ ه

١٠

الباب الأول: إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام

و فيه فصول:

الفصل الأول: تصريحهعليه‌السلام بإمامته

الفصل الثاني: احتجاجهعليه‌السلام بالقرآن.

الفصل الثالث: احتجاجهعليه‌السلام بيوم الغدير.

الفصل الرابع: احتجاجهعليه‌السلام بحدّيث الدّار.

الفصل الخامس: احتجاجهعليه‌السلام بحديث الثقلين.

الفصل السادس: احتجاجهعليه‌السلام بحديث المنزله.

الفصل السابع: احتجاجهعليه‌السلام بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الفصل الثامن: احتجاجهعليه‌السلام بأحاديث سيّدنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

١١

١٢

الفصل الأوّل تصريحةعليه‌السلام بإمامته

الف- أنا أحق الناس بالأمر.

ب-أنا أولى الناس بالأمر.

ج-أنا الإمام.

د-أنا الوصي.

ه-أنا أمير المؤمنين.

و- تصريحات اخرى.

أنا أحق الناس بالأمر

١٣

١- إني أحق الناس بالخلافة

من خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام لما عزموا على بيعة عثمان:

«لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري،و والله لأسلمن ما سلمت امور المسلمين،و لم يكن فيها جور إلا علي خاصة،التماسا لأجر ذلك و فضله،و زهدا فيما تنافستموه من زخرفه و زبرجه(١) ».

*نهج البلاغة(صبحي الصالح)الخطبة ٧٤ ص ١٠٢،بحار الأنوار ج ٢٩ ص ٦١٢ الرقم .٢٧

____________________

(١)أصل الزخرف:الذهب و كذلك الزبرج- بكسرتين بينهما سكون- ثم اطلق على كل مموه مزور،و أغلب ما يقال الزبرج على الزينة من وشي أو جوهر.

١٤

٢- محلي منها محل القطب من الرحا.

من خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام المعروفة بالشقشقية:

«أما و الله لقد تقمصها(١) فلان و إنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا.ينحدر عني السيل و لا يرقى إلي الطير ...».

*نهج البلاغة(صبحي الصالح»الخطبة ٣ ص ٤٨،معاني الأخبار للصدوق ص ٣٦٠،علل الشرايع للصدوق ج ١ الباب ١٢٢ الحديث ١٢ ص ١٨١،الأمالي للطوسي المجلس ١٣ الحديث ٥٤ ص ٣٧٢،تذكرة الخواص لابن الجوزي ص ١١٧،الاحتجاج للطبرسي ج ١ ص ٤٥١،بحار الأنوار ج ٢٩ ص ٤٩٧ الرقم .١

____________________

(١)تقمصها:لبسها كالقميص.

١٥

٣-أنا و الله أولى بالأمر و أحق به

قال أبو الطفيل:كنت واقفا على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات بينهم،فسمعت علياعليه‌السلام يقول:

«بايع الناس لأبي بكر و أنا و الله أولى بالأمر منه و أحق به منه،فسمعت و أطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف،ثم بايع الناس عمر و أنا و الله أولى بالأمر منه و أحق به منه،فسمعت و أطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف،ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان؟...».

*تاريخ دمشق ج ٣ ص ١١٨ الرقم ١١٤٢،الخصال للصدوق ج ٢ ص ٥٥٣- ٥٦٣،مناقب الخوارزمي ص ٣١٣،فرائد السمطين ج ١ ص ٣٢٠ الرقم ٢٥١،ميزان الاعتدال(الذهبي)ج ١ ص ٤٤١،لسان الميزان ج ٢ ص ١٥٦- ١٥٧،الغدير ج ١ ص .١٦١

١٦

٤- قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنا أحق الناس بهذا الأمر

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :

«قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أنا أرى أني أحق الناس بهذا الأمر،فاجتمع الناس على أبي بكر،فسمعت و أطعت،ثم إن أبابكر حضرت فكنت أرى أن لا يعدلها عني فولي عمر فسمعت و أطعت،ثم إن عمر أصيب فظننت أنه لا يعدلها عني فجعلها في ستة أنا أحدهم،فولاها عثمان فسمعت و أطعت،ثم إن عثمان قتل فجاؤني فبايعوني طائعين غير مكرهين،فو الله ما وجدت إلا السيف أو الكفر بما أنزل الله على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

*تاريخ دمشق ج ٣ ص ١٣٠ الرقم ١١٥٢،انساب الأشراف للبلاذري ج ٢ ص ١٧٧ الرقم ٢٠٢،اسد الغابة ج ٤ ص .٣١

١٧

٥-أنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم.

من رسالة أمير المؤمنين عليعليه‌السلام إلى أصحابه بعد مقتل محمد بن أبي بكررحمه‌الله : «...فلما مضى لسبيلهصلى‌الله‌عليه‌وآله تنازع المسلمون الأمر بعده،فو الله ما كان يلقى في روعي(١) و لا يخطر على بالي ان العرب تعدل هذا الأمر بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله عن أهل بيته و لا أنهم منحوه(٢) عني من بعده،فما راعني إلا انثيال(٣) الناس على أبي بكر و إجفالهم إليه ليبايعوه،فأمسكت يدي(٤) و رأيت أني أحق بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الناس ممن تولي الأمر بعده... فما كانوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي عليهم،فكانوا يسمعوني عند وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ،أحاج أبا بكر و أقول:يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا من يقرأ القرآن و يعرف السنة و يدين دين الحق،فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم في الأمر نصيب ما بقوا،فأجمعوا إجماعا واحدا،فصرفوا الولاية إلى عثمان و أخرجوني منها رجاء أن ينالوها و يتداولوها إذ يئسوا أن ينالوا من قبلي‏ثم قالوا :هلم فبايع و إلا جاهدناك،فبايعت مستكرها و صبرت محتسبا،فقال قائلهم:يا ابن أبي طالب إنك على هذا الأمر لحريص،فقلت:أنتم أحرص مني و أبعد،أنا أحرص إذا طلبت تراثي و حقي الذي جعلني الله و رسوله أولى به؟أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه؟و تحولون بيني و بينه؟فبهتوا( وَ اللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‌ ) (٥) . اللهم إني أستعديك(٦) على قريش فإنهم قطعوا رحمي،و أصغوا إنائي(٧) ،و صغروا عظيم منزلتي،و أجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم فسلبونيه،ثم قالوا:ألا إن في الحق أن تأخذه،و في الحق أن تمنعه،فاصبر كمدا متوخما(٨) أو مت متأسفا حنقا،فإذا ليس معي رافد(٩) و لا ذاب و لا مساعد إلا أهل بيتي فظننت بهم عن الهلاك فأغضيت على القذى(١٠) ،و تجرعت ريقي على الشجا(١١) ،و صبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم(١٢) ،و آلم للقلب من حز الشفار(١٣) ».

*الغارات للثقفيرحمه‌الله ص ٢٠٢- ٢٠٥،كشف المحجة للسيد ابن طاووس ص ٢٣٨- ٢٤٨،بحار الانوار ج ٣٠ ص ١٣ الرقم ١،و ج ٣٣ ص ٥٦٨- .٥٦٩

____________________

(١)الروع- بضم الراء- :القلب.

(٢)نحاه عنه:أزاله و أبعده.

(٣)راعني:افزعني،و الانثيال:الانصباب و يريد اقبالهم بسرعة،و مثله الاجفال.

(٤)أمسكت يدي:قبضتها و يريد امتناعه من البيعة.

(٥)البقرة: .٢٥٨ (٦)استعديك:استعين بك عليهم،و العدوى:المعونة.

(٧)أصغوا إنائي:أمالوه.

(٨)الكمد:الحزن المكتوم،و توخم الطعام توخما:استوبله و لم يستمرئه.

(٩)الرافد:المعين.

(١٠)القذى:ما يسقط في العين.

(١١)الشجا:ما يعترض في الحلق من عظم و غيره.

(١٢)كظم الغيظ:اجتراعه،و العلقم:الحنظل،و كل شي‏ء مر.

(١٣)الشفار- جمع شفرة بالفتح- :السكين العظيم.

١٨

٦- نحن آل الرسول و أحق بالأمر.

من خطبة أمير المؤمنينعليه‌السلام بصفين لما جاء رسل معاوية:

«أما بعد فإن الله بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ،فأنقذ به من الضلالة،و نعش به من الهلكة،و جمع به بعد الفرقة،ثم قبضه الله إليه و قد أدى ما عليه،ثم استخلف الناس أبا بكر،ثم استخلف أبو بكر عمر،و أحسنا السيرة،و عدلا في الامة،و قد وجدنا عليهما أن توليا الأمر دوننا و نحن آل الرسول و أحق بالأمر،...- الى أن قالعليه‌السلام - :

فعجبنا لكم و لإجلابكم معه(١) ،و إنقيادكم له،و تدعون أهل بيت نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله ،الذين لا ينبغي لكم شقاقهم و لا خلافهم،و لا أن تعدلوا بهم أحدا من الناس...».

*وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ٢٠١،تاريخ الطبري ج ٣ ص ٨٠ حوادث سنة ٣٧،شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة ج ٤ ص .٢٣

تكملة: أنا أحق الناس بالأمر

١٦٩- «إن كانت الإمامة في قريش فأنا أحق من قريش بها...».

١٧١- «أنا أحق بهذا الأمر منكم،لا ابايعكم و أنتم أولى بالبيعة لي...».

«نحن أولى برسول الله حيا و ميتا،فانصفونا إن كنتم تومنون...فو الله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به،لأنا أهل البيت و نحن أحق بهذاالأمر منكم...».

١٧٢- «أنا أحق بهذا الأمر منه و أنتم أولى بالبيعة لي...فو الله يا معشر الجمع،ان الله قضى و حكم و نبيه أعلم و أنتم تعلمون،أنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم...».

١٨٤- «اللهم إني أستعديك على قريش...أجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري...».

١٩٦- «استأثرت علينا قريش بالأمر،و دفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة...».

أنا أولى الناس بالأمر

____________________

(١)أي مع معاوية.

١٩

١-أولى الناس بأمر الامة أقربها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

من كتاب أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى معاوية:

«...ثم إن أولى الناس بأمر هذه الامة قديما و حديثا،أقربها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،و أعلمها بالكتاب،و أفقهها في الدين،و أولها إسلاما و أفضلها جهادا و اشدها بما تحمله الرعية من امورها اضطلاعا.

فاتقوا الله الذي إليه ترجعون،( وَ لاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَ تَکْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‌ ) ...»(١) .

*وقعة صفين ص ١٥٠،الأمالي للطوسي المجلس ٧ الحديث ١٠ ص ١٨٤،مناقب الخوارزمي ص ٢٥٠،بحار الانوار ج ٣٣ ص ٧٤ الرقم .٣٩٨

____________________

(١)البقرة: .٤٢

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

لبختيار يأمرهم بالثبات والصبر، ويُعرّفهم أنّه على المسير إلى العراق لإخراج عَضُد الدولة وإعادة بختيار، فاضطربت النواحي على عَضُد الدولة، وتجاسر عليه الأعداء حيث علموا إنكار أبيه عليه، وانقطعت عنه مواد فارس والبحر، ولم يبقَ إلاّ قَصَبة بغداد، وطمع فيه العامّة وأشرف على ما يَكره، فرأى إنفاذ أبي الفتح بن العميد برسالة إلى أبيه يُعرّفه ما جرى له، وما فَرّق مِن الأموال، وضَعْفِ بختيار عن حِفظ البلاد، وأنّه إنْ أُعيد إلى حاله خرجت المَملكة والخلافة عنهم وكان بوارهم، ويسأله ترك نُصرة بختيار، وقال لأبي الفتح:

فإنْ أجاب إلى ما تُريد منه، وإلاّ فقُل له: إنّني أضمن مِنك أعمال العراق، وأحمل إليك منها كلّ سَنة ثلاثين ألف ألف درهم، وأبعث بختيار وأخَويه إليك لتجعلهم بالخيار، فإنْ اختاروا أقاموا عندك، وإنْ اختاروا بعض بلاد فارس سلّمته إليهم ووسّعت عليهم، وإنْ أحببت أنت أنْ تَحضر في العراق لتلي تدبير الخِلافة، وتنفذ بختيار إلى ما ذَكرت له، وإلاّ فقل له: أيّها السيّد الوالد، أنتَ مقبول الحُكم والقول، ولكنْ لا سبيل إلى إطلاق هؤلاء القوم بعد مكاشفتهم، وإظهار العداوة، وسيُقاتلونني بغاية ما يقدرون عليه فتنتشر الكلمة، ويختلف أهل هذا البيت أبداً، فإنْ قبلت ما ذَكرته فأنا العبد الطائع، وإنْ أبيت وحَكمتَ بانصرافي، فإنّي سأقتل بختيار وأخَويه، وأقبض على كلّ مَن أتِّهمه بالميل إليهم، وأخرج عن العراق، وأترك البلاد سائبة ليُدبّرها مَن اتّفقت له.

فخاف ابن العميد أنْ يسير بهذه الرسالة، وأشار أنْ يسير بها غيره، ويَسير هو بعد ذلك، ويكون كالمُشير على رُكن الدولة بإجابته إلى ما طلب، فأرسل عَضُد الدولة رسولاً بهذه الرسالة، وسَيّر بعده ابن العميد على الجمازات، فلمّا حَضر الرسول عند رُكن الدولة وذَكر بعض الرسالة وثَبَ إليه ليقتله، فهرب مِن بين يديه، ثُمّ ردّه بعد أنْ سَكن غَضبه، وقال:

قلْ لفلان - يعني عَضُد الدولة، وسمّاه بغير اسمه، وشتمه - خَرجتُ إلى نُصرة ابن أخي وللطمع في مملكته، أمَا عرفت أنّي نصرت الحسن بن الفيرزان وهو غريب منّي مِراراً كثيرة أُخاطر فيها بمُلكي ونفسي، فإذا ظَفرتُ أعدّتُ له بلاده، ولم أقبل منه ما قيمته درهم واحد، ثُمّ نصرت إبراهيم بن المرزبان وأعدّته إلى آذربيجان، ونفذتُ وزيري وعساكري في نُصرته، ولم آخذ منه درهماً واحداً، كلّ ذلك طلباً لحُسن الذِكر ومُحافظة على الفتوّة،

٢٢١

تُريد أنْ تَمنّ أنت عليّ بدرهَمين أنفقتهما أنتَ عليّ وعلى أولاد أخي، ثُمّ تطمع في ممالكهم وتُهدّدني بقتلهم.

فعاد الرسول، ووصل ابن العميد فحجبه عنه، ولم يَسمع حديثه، وتهدّده بالهلاك، وأنفذ إليه يقول له:

لأتركنّك وذلك الفاعل - يعني عَضُد الدولة - تجتهدان جهدكما - ثُمّ لا أخرج إليكما إلاّ في ثلاثمئة جمازة وعليها الرِجال، ثُمّ اثبتوا إنْ شئتم، فوالله لا قاتلتكما إلاّ بأقرب الناس إليكما.

وكان رُكن الدولة يقول:

إنّني أرى أخي مُعزّ الدولة كلّ ليلة في المنام يعضّ على أنامله، ويقول: يا أخي، هكذا ضَمنت لي أنْ تخلفني في ولدي، وكان رُكن الدولة يُحبّ أخاه مَحبّة شديدة؛ لأنّه ربّاه فكان عنده بمنزلة الولد.

ثُمّ أنّ الناس سعوا لابن العميد، وتوسّطوا الحال بينه وبين رُكن الدولة، وقالوا:

إنّما تَحمّل ابن العميد هذه الرسالة ليجعلها طريقاً للخلاص مِن عَضُد الدولة، والوصول إليك لتأمر بما تراه، فأذِنَ له بالحُضور عنده، فاجتمع به، وضمِنَ له إعادة عَضُد الدولة إلى فارس، وتقرير بختيار بالعراق، فردّه إلى عَضُد الدولة وعَرّفه جَليّة الحال، فلمّا رأى عَضُد الدولة انحراف الأُمور عليه مِن كلّ ناحية أجاب إلى المسير إلى فارس، وإعادة بختيار فأخرجه مِن مَحبَسه وخَلعَ عليه، وشَرطَ عليه أنْ يكون نائباً عنه بالعراق، ويخطب له، ويجعلْ أخاه أبا إسحاق أمير الجيش لضعف بختيار، وردّ عليهم عَضُد الدولة جميع ما كان لهم، وسار إلى فارس في شوّال مِن هذه السَنة، وأمر أبا الفتح بن العميد وزير أبيه أنْ يَلحقه بعد ثلاثة أيّام، فلمّا سار عَضُد الدولة أقام ابن العميد عند بختيار متشاغلاً باللّذات وبما بختيار مُغرىً به مِن اللعب، واتّفقا باطناً على أنّه إذا مات رُكن الدولة سار إليه ووزر له، واتّصل ذلك بعَضُد الدولة، فكان سبب هلاك ابن العميد، واستقرّ بختيار ببغداد، ولم يقفْ لعَضُد الدولة على العهود، فلمّا ثبتَ أمر بختيار أنفذ ابن بقية مَن خَلّفه له، وحضر عنده وأكّد الوحشة بين بختيار وعَضُد الدولة، وثارت الفتنة بعد مسير الدولة، واستمال ابن بقية الأجناد وجبى كثيراً مِن الأموال إلى خُزانته، وكان إذا طالبه بختيار بالمال وضع الجُند على مُطالبته، فثقل على بختيار، فاستشار في مكروه يُوقعه به، فبَلغَ ذلك ابن بقية فعاتب بختيار عليه، فأنكره وحلف له، فاحترز ابن بقية منه.

٢٢٢

اضطرابُ كِرمان على عَضُد الدولة وعودها له:

في هذه السَنة خالف أهل كرمان على عَضُد الدولة؛ وذلك أنّ رجلاً مِن الجرومية - وهي البلاد الحارّة - يُقال له طاهر بن الصمة ضَمِن مِن عَضُد الدولة ضمانات، فاجتمع عليه أموال كثيرة فطمع فيها، وكان عَضُد الدولة قد سار إلى العراق وسيَّر وزيره المُطهّر بن عبد الله إلى عُمان ليستولي عليها، فخلت كرمان مِن العساكر، فجمع طاهر الرجال الجرومية وغيرهم، فاجتمع له خَلقٌ كثير، واتّفق أنّ بعض الأتراك السامانية واسمه يوزتمر كان قد استوحش مِن أبي الحسن محمّد بن إبراهيم بن سيمجور صاحب جيش خُراسان للسامانية، فكاتبه طاهر وأطمعه في أعمال كرمان، فسار إليه واتّفقا، وكان يوزتمر هو الأمير، فاتّفق أنّ الرجال الجرومية شغبوا على يوزتمر، فظنّ أنّ طاهراً وضعهم، فاختلفا واقتتلا فظفر يوزتمر بطاهر، وأسَره وظفر بأصحابه، وبلغَ الخبر إلى الحُسين بن أبي عليّ بن إلياس وهو بخراسان، فطَمِع في البلاد فجمع جمعاً وسار إليها، فاجتمع عليه بها جُموع كثيرة، ثُمّ إنّ المُطهّر بن عبد الله استولى على عُمان وجبالها، وأوقع بالشراة فيها وعاد، فوصله كتاب عَضُد الدولة مِن بغداد يأمره بالمسير إلى كرمان، فسار إليها مُجدّاً، وأوقع في طريقه بأهل العَبَث والفساد وقتلهم وصلبهم ومَثّل بهم، ووصل إلى يوزتمر على حين غَفلة منه، فاقتتلوا بنواحي مدينة بَم، فانهزم يوزتمر ودخل المدينة، وحَصره المُطهّر في حِصن في وسط المدينة، فطلب الأمان فأمّنه فخرج إليه ومعه طاهر، فأمر المُطهّر بطاهر فشُهر ثُمّ ضُربَ عُنقه.

وأما يوزتمر، فإنّه رفعه إلى بعض القلاع، فكان آخر العهد به، وسار المُطهّر إلى الحسين بن إلياس، فرأى كثرة مَن معه فخاف جانبهم، ولم يجد مِن اللِقاء بُدّاً، فاقتتلوا قتالاً شديداً فانهزم الحسين على باب جيرفت، وانهزم عَسكره فمَنعهم سور المدينة مِن الهرب، فكَثُر فيهم القتل، وأُخذ الحسين أسيراً، وأُحضر عند المُطهّر فلم يُعرف له بعد خبر، وصَفتْ كرمان لعَضُد الدولة.

اتّساع مُلك عَضُد الدولة بعد وفاة أبيه:

قد تَقدّم في وفاة رُكن الدولة عهده بالمُلك بعده إلى وَلده عَضُد الدولة بعد صُلح ما بينهما، وتخصيص ولديه فَخر الدولة ومُؤيّد الدولة ببعض الأعمال، على أنّ يكونا في هذه البلاد بحُكم أخيهما عَضُد الدولة.

٢٢٣

مسيرُ عَضُد الدولة إلى العراق:

تَجهَز في هذه السَنة عَضُد الدولة، وسار يَطلب العراق؛ لِما كان يبلغه عن بختيار وابن بقية مِن استمالة أصحاب الأطراف كـ: حسنويه الكردي، وفخر الدولة بن رُكن الدولة، وأبي تغلب بن حمدان، وعِمران بن شاهين وغيرهم، والاتّفاق على معاداته، ولِما كانا يقولانه مِن الشتم القبيح له، ولِما رأى مِن حُسن العراق، وعِظم مملكته إلى غير ذلك، وانحدر بختيار إلى واسط على عزم مُحاربة عَضُد الدولة، وكان حسنويه وَعَده أنّه يَحضر بنفسه لنُصرَته، وكذلك أبو تغلب بن حمدان، فلم يفِ له واحد منهما، ثُمّ سار بختيار إلى الأهواز - أشار بذلك ابن بقية - وسار عَضُد الدولة مِن فارس نحوهم، فالتقوا في ذي القعدة واقتتلوا، فخامر على بختيار بعض عسكره، وانتقلوا إلى عَضُد الدولة، فانهزم بختيار وأُخذ ماله ومال ابن بقية، ونُهِبت الأثقال وغيرها.

ولمّا وصل بختيار إلى واسط حَمل إليه ابن شاهين صاحب البطيحة مالاً وسلاحاً وغير ذلك من الهدايا النفيسة، ودخل بختيار إليه، فأكرمه وحمل إليه مالاً جليلاً وأعلاقاً نفيسة وعَجِب الناس مَن قول عِمران: أنّ بختيار سيدخل منزلي ويستجير بي، فكان كما ذَكر، ثُمّ أصعد بختيار.

وأمّا عَضُد الدولة، فإنّه سَيّر إلى البصرة جيشاً فملكوها؛ وسبب ذلك أنّ أهلها اختلفوا، وكانت مُضر تهوى عَضُد الدولة وتميل إليه، لأسباب قرّرها مَعهم، وخالفتهم ربيعة ومالت إلى بختيار، فلمّا انهزم ضعفوا وقويت مُضر، وكاتبوا عَضُد الدولة، وطلبوا منه إنفاذ جيش إليهم، فسيَّر جيشاً تسلّم البلد وأقام عندهم، وأقام بختيار بواسط، وأحضر ما كان له ببغداد والبصرة مِن مال وغيره ففرّقه في أصحابه، ثُمّ إنّه قَبض على ابن بقية؛ لأنّه اطرحه واستبدّ بالأُمور دونه، وجبى الأموال إلى نفسه، ولم يوصل إلى بختيار منها شيئاً، وأراد أيضاً التقرُّب إلى عَضُد الدولة بقبضه؛ لأنّه هو الّذي كان يُفسد الأحوال بينهم، ولمّا قَبض عليه أخذ أمواله ففرّقها، وراسل عَضُد الدولة في الصُلح وتردّدت الرُسل بذلك، وكان أصحاب بختيار يَختلفون عليه فبعضهم يُشير به وبعضهم ينهى عنه، ثُمّ إنّه أتاه عبد الرزّاق وبدر ابنا حسنويه في نحو ألف فارس معونة، فلمّا وصلا إليه أظهر المقام بواسط، ومُحاربة عَضُد الدولة، فاتّصل بعَضُد الدولة أنّه نقض الشرط، ثُمّ بدا لبختيار في المسير، فسار إلى بغداد، فعاد عنه ابنا حسنويه إلى أبيهما، وأقام بختيار ببغداد، وانقضتْ السَنة وهو بها، وسار عَضُد الدولة إلى واسط

٢٢٤

ثُمّ سار منها إلى البصرة، فأصلح بين ربيعة ومضر، وكانوا في الحروب والاختلاف نحو مئة وعشرين سَنة، ومِن عجيب ما جرى لبختيار في هذه الحادثة: أنّه كان له غلام تُركي يميل إليه، فأُخذ في جُملة الأسرى وانقطع خبره عن بختيار، فحَزِن لذلك وامتنع مِن لذّاته والاهتمام بما رُفع إليه مِن زوال مِلكه وذهاب نفسه، حتى قال على رؤوس الأشهاد:

إنّ فجيعتي بهذا الغلام أعظم مِن فجيعتي بذهاب مُلكي.

ثُمّ إنّه سمع أنّه في جُملة الأسرى، فأرسل إلى عَضُد الدولة يبذل له ما أحبّ في ردّه إليه، فأعاده عليه، وسارت هذه الحادثة عنه فازداد فضيحة وهواناً عند المُلوك وغيرهم.

قَبضُ عَضُد الدولة على أبي الفتح بن العميد:

وفي هذه السنة قَبض عَضُد الدولة على أبي الفتح بن العميد وزير أبيه، وسمل عينه الواحدة وقطع أنفه، وكان سبب ذلك أنّ أبا الفتح لمّا كان ببغداد مع عَضُد الدولة، وسار عَضُد الدولة نحو فارس، تَقدّم إلى أبي الفتح بتعجيل المسير عن بغداد إلى الري فخالفه وأقام، وأعجبه المقام ببغداد، وشرب مع بختيار، ومالَ في هواه، واقتنى ببغداد أملاكاً ودُوراً على عَزم العود إليها إذا مات رُكن الدولة، ثُمّ صار يُكاتب بختيار بأشياء يَكرهها عَضُد الدولة، وكان له نائب يَعرضها على بختيار، فكان ذلك النائب يُكاتب بها عَضُد الدولة ساعة فساعة، فلمّا مَلك عَضُد الدولة بعد موت أبيه، كَتب إلى أخيه فخر الدولة بالري يأمره بالقبض عليه وعلى أهله وأصحابه ففعل ذلك، وانقلع بيت العميد على يَده كما ظنّه أبوه أبو الفضل، وكان أبو الفتح ليلة قُبض قد أمسى مسروراً، فأحضر النُدماء والمُغنّين، وأظهر مِن الآلات الذهبيّة والُزجاج المليح، وأنواع الطيب ما ليس لأحد مِثلُه، وشربوا وعمل شعراً، وغُني له فيه، وهو:

دَعوتُ المُنى ودَعوتُ العُلا فلمّا أجابا دَعوتُ القَدح

وقُلتُ لأيّامِ شرخِ الشبابِ إليَّ فهذا أوان الفَرَح

إذا بلغَ المرء آماله فليس له بعدها مقترح

فلمّا غُنّي في الشعر استطابه، وشرب عليه إلى أنْ سكر، وقام وقال لغُلمانه:

اتركوا المَجلس على ما هو عليه لنصطبح غداً، وقال لنُدَمائه: بَكّروا إليّ غداً لنصطبح ولا تتأخّروا، فانصرف النُدماء ودخل هو إلى بيت

٢٢٥

منامه، فلمّا كان السَحر دعاه مُؤيّد الدولة فقبض عليه، وأرسَل إلى داره فأخذ جميع ما فيها، ومِن جُملته ذلك المجلس بما فيه.

استيلاء عَضُد الدولة على العراق:

في سَنة سبع وستّين وثلاثمئة سار عَضُد الدولة إلى بغداد، وأرسل إلى بختيار يدعوه إلى طاعته، وأنْ يسيرَ عن العراق إلى أيّ جهة أراد، وضَمِن مُساعدته بما يحتاج إليه مِن مال وسلاح وغير ذلك، فاختلف أصحاب بختيار عليه في الإجابة إلى ذلك، إلاّ أنّه أجاب إليه لضعف نفسه، فأنفذ له عَضُد الدولة خلعة فلبسها، وأرسل إليه يطلب منه ابن بقية، فقَلعَ عينيه وأنفذه إليه، وتجّهز بختيار بما أنفذه إليه عَضُد الدولة، وخرج عن بغداد عازماً على قصد الشام، وسار عَضُد الدولة فدَخل بغداد، وخطب له بها، ولم يكن قبل ذلك يُخطب لأحد ببغداد، وضرب على بابه ثلاثة نوب، ولم تَجرِ بذلك عادة مَن تقدّمه، وأمر بأنْ يُلقى ابن بقية بين قوائم الفِيَلَة لتقتله، فَفُعل به ذلك، وخبطته الفِيَلَة حتّى قتلته، وصُلب على رأس الجسر في شوّال مِن هذه السَنة، فرثاه أبو الحسين الأنباري بقصيدة مِن بارع الشعر مُستهلّها:

علو في الحياة وفي المَماتِ لَحَقٌّ أنت إحدى المُعجزاتِ

عَضُد الدولة وبنو حَمدان:

كان لبني حمدان سُلطان نافذ في العراق والجزيرة وبلاد الشام، وبأس مَرهوب الجانب عند المُتنازعين على الاستئثار بالسُيطرة على العراق وعلى الخلافة، وإدلال على خليفة بغداد الّذي لم يكن يملك شيئاً مِن سُلطانها المادّي، فكان الحمدانيّون بما لهم مِن عصبيّةٍ، ومِن جُرأةٍ نادرة، ومِن حصون منيعةٍ، ومِن بلاد بمِلك ذَوي قراباتهم تحمي اللاجئ منهم إذا تَغلّب على بلاده مُتغلّب، فلا جَرَمَ أنّهم كانوا - وهُم في مكانتهم - يطمحون إلى ما يَطمح به مَن لم يكُن جامعاً ما جمعوا مِن قوّة ومِنعة مِن الغُرباء، وهُم أهل البلاد، وأنّهم كانوا كالحِسكة في لهوات الطامعين في التَغلّب على البلاد، فالحمدانيّون لم يكونوا يعرفون الاستقرار، والطامعون في امتلاكها لا يُحصى عددهم، كما أنّ الطامعين أنفسهم أجدر بأنْ يُحرَموا ذلك الاستقرار، فكانوا مع كلّ غريب يُحاول اجتياح العراق، وبسط سُلطانه فيه في تنازع مُستمر،

٢٢٦

وكان بينهم وبين البويهيّين حُروبٌ ومُنازعات وسياسات مُختلفات، فتارةً يكونون فيها غالبين، وأُخرى مغلوبين، وطوراً تنتهي باتّفاقات ثُمّ تُنقَض دواليك، وقدموا مِن عَضُد الدولة الفتي الطامح بالمقيم المقعد - وقد بسطنا أخبار هذا التنازع المُستطيل في أخبار الحمدانيّين، فليُطلَب هناك فإنّا لا نُعيده - وقد كان هوى الحمدانيّين مع بختيار ابن عَمّ عَضُد الدولة وخصيمه، فكانت لهم معه وقائع في سَنة ٣٦٧ وفيها قُتِل بختيار، واستولى عَضُد الدولة على مُلك بني حمدان في الموصل وما إليها مِن أعمال الجزيرة.

وفي سَنة ٣٦٨ حيث استولى عَضُد الدولة على ميافارقين وآمد وغيرهما مِن ديار بَكر، وفَتَحَ ديار مُضر وفرّ منه أبو تغلب فضل الله بن ناصر الدولة بن حَمدان، وقُتل سنة ٣٦٩.

عَضُد الدولة وبنو عِمران بن شاهين أُمراء البطيحة:

استوفينا أخبار هذه الإمارة الناشئة في العراق، وما كان بين رجالها مِن التنازُع وبين بعض المُلوك البويهيّين، وعَضُد الدولة منهم في تاريخ بني شاهين، فلا نُعيدها فلِتُطَلب مِن مكانها في هذا الكتاب.

الحَرب بين بني شيبان وعَضُد الدولة:

في سَنة ٣٦٩ في رجب سَيَّر عَضُد الدولة جيشاً إلى بني شيبان، وكانوا قد أكثروا الغارات على البلاد والفساد، وعَجزَ المُلوك عن طلبهم، وكانوا قد عقدا بينهم وبين أكراد شهرزور مُصاهرات، وكانت شهرزور مُمتنعة على المُلوك، فأمر عَضُد الدولة عسكره بمُنازلة شهرزور؛ لينقطع طمع بني شيبان عن التَحصّن بها، فاستولى أصحابه عليها وملكوها، فهرب بنو شيبان، وسار العسكر في طلبهم، وأوقعوا بهم وقعة عَظيمة، وقُتِل مِن بني شيبان فيها خَلقٌ كثير، ونُهِبت أموالهم ونساؤهم، وأُسر منهم ثمانمئة أسير، وحُملوا إلى بغداد.

استجارة ورد الرومي بعَضُد الدولة:

في هذه السَنة وصل ورد الرومي إلى ديار بكر مستجيراً بعَضُد الدولة، وأرسل إليه يستنصره على مُلوك الروم، ويبذل له الطاعة إذا مَلك وحَمْل الخراج، وكانت لذلك أسباب لا يَتعلّق بها غَرض لتاريخنا، وجرتْ حُروب

٢٢٧

انتهت بانهزام ورد إلى بلاد الإسلام، فنزل بظار ميافارقين مِن ديار بكر، وراسل عَضُد الدولة وأنفذ إليه أخاه يبذل الطاعة والاستنصار به، فأجابه إلى ذلك ووعده به.

ثُمّ أنّ مَلِكَي الروم راسلا عَضُد الدولة واستمالاه، فقويَ في نفسه ترجيح جانب المَلِكَين، وعاد عن نُصرة ورد، وكاتب أبا عليّ التميمي - وهو حينئذ ينوب عنه بديار بكر - بالقبض على ورد وأصحابه، فشرع يُدبر الحيلة عليه، واجتمع إلى ورد أصحابه، وقالوا له:

أنّ مُلوك الروم قد كاتبوا عَضُد الدولة وراسلوه في أمرنا، ولا شكّ أنّهم يُرغّبونه في المال وغيره فيُسلمنا إليهم، والرأي أنْ تَرجع إلى بلاد الروم على صُلح إنْ أمكننا، أو على حَرب نبذل فيها أنفسنا، فإمّا ظفرنا أو مِتنا كراماً.

فقال: ما هذا رأيٌ، ولا رأينا مِن عَضُد الدولة إلاّ الجميل، ولا يجوز أن ننصرف عنه قبل أن نعلم ما عنده، ففارقه كثير من أصحابه، فطمع فيه أبو علي التميمي، وراسله في الاجتماع، فأجابه إلى ذلك، فلمّا اجتمع به قبض عليه وعلى وَلَده وأخيه وجماعة مِن أصحابه واعتقلهم بميافارقين، ثُمّ حَمَلهم إلى بغداد فبقوا في الحبس إلى أن فرّج الله عنهم، وكان قَبضه سَنة ٣٧٠هـ.

عِمارةُ عَضُد الدولة بغداد:

في هذه السنة شَرع عَضُد الدولة في عِمارة بغداد، وقد تَقدّم خبر ذلك في(أعمال عَضُد الدولة في مصالح البلاد وآثاره) في القسم الأوّل مِن تاريخ بني بويه.

التجاءُ بعض أولاد حسنويه الكردي بعد وفاته إلى عَضُد الدولة:

وفي سنة ٣٦٩هـ تُوفّي حسنويه بن الحسين الكردي البرزيكاني بسرماج، وكان أميراً على جيشٍ مِن البرزيكان يُسمّون البرزينيّة، وكان خالاه ونداد وغانم ابنا أحمد أميرين على صنف آخر منهم يُسمّون العيشانيّة، وغلبا على أطراف نواحي الدينور وهمذان ونهاوند والصامغان، وبعض أطراف أذربيجان إلى حدِّ شهر زور نحو خمسين سنة، وكان يقود كلّ واحد منهما عدّة أُلوف، فتُوفّي غانم سَنة خمسين وثلاثمئة، فكان ابنه أبو سالم ديسم بن غانم مكانه بقلعته قسنان إلى أن أزاله أبو الفتح بن العميد، واستصفى قلاعه المُسمّاة قسنان وغانم أباذ وغيرهما، وتُوفّي ونداد بن

٢٢٨

أحمد سَنة تسع وأربعين، فقام مقامه ابنه أبو الغنائم عبد الوهّاب إلى أنْ أسَرَه الشاذنخان، وسلّموه إلى حسنويه فأخذ قلاعه وأملاكه، وكان حسنويه مجدوداً أحسن السياسة والسيرة، ضابطاً لأمره، ومنع أصحابه مِن التَلصّص، وبنى قلعة سرماج بالصخور المُهندمة، وبنى بالدينور جامعاً على هذا البناء، وكان كثير الصدقة بالحَرمين إلى أنْ مات في هذه السَنة، وافترق أولاده مِن بعده، فبعضهم انحاز إلى فَخر الدولة، وبعضهم إلى عَضُد الدولة، وهم: أبو العلاء، وعبد الرزاق، وأبو النجم بدر، وعاصم، وأبو عدنان، وبختيار، وعبد المَلك. وكان بختيار بقلعة سرماج ومعه الأموال والذخائر، فكاتب عَضُد الدولة ورغب في طاعته، ثُمّ تلوّن عنه وتغيّر، فسيّر عَضُد الدولة إليه جيشاً فحصره، وأخذ قلعته وكذلك قلاع غيره مِن إخوته، واصطنع مِن بينهم أبا النجم بدر بن حسنويه، وقوّاه بالرجال فضبط تلك النواحي، وكفّ عادية مَن بها مِن الأكراد، واستقام أمره وكان عاقلاً.

قَصدُ عَضُد الدولة أخاه فَخر الدولة وأخذ بلاده:

لم يكن مَن أعقب الأُخوة الثلاثة مؤسّسي المُلك البويهي طابعين على غرارهم، مِن حيث المَحبّة الصادقة، والأُلفة الوثيقة العُرى، والوفاق المُستحكَم الحلقات، والعمل يداً واحدة في امتداد ممالكهم، ومُعاضدة بعضهم بعضاً على دفع عادية الأعداء، ومجابهة الطوارئ والمفاجآت مِن هنا وهناك، حتّى تمكّنوا مِن غير سابقة في المُلك وقدم راسخة في النُفوذ والسلطان أنْ يمتلكوا الممالك الواسعة، وأنْ يُتاح لهم مُلك العراق فالقبض على أزمّة الخلافة، بل جرى مَن أعقبوه على غير طريقتهم، وقد عَرفتَ في أخبار ركن الدولة استعظامه ما كان مِن أكبر ولده ومن خليفة أخيه عماد الدولة على مملكة فارس مع ابن عمه بختيار بن مُعزّ الدولة، وكيف هَمَّ على سِنِّه العالية أنْ يقود الجيش بنفسه مِن الريّ إلى العراق ليطرد منها وَلده عَضُد الدولة، ويُعيد مُلكها إلى ابن أخيه، وعَرفتَ ما كان لهذه الحادثة مِن الأثر العظيم عنده، وكيف كانت سبباً في مَرضه الّذي تُوفّي فيه، ولم يَقرَّ له قرار إلاّ بإخراج عَضُد الدولة مِن العراق، ولكنّ عَضُد الدولة استسلم لإرادة أبيه، وقد عَلِم بكلّ ما عزم عليه مِن أمرٍ بشأنه، وتحقّق أنّه إنْ أصرّ على البقاء في

٢٢٩

العراق مُخالفاً أباه سيواجه انتقاض أمرِ العراق عليه؛ فحرمانه ولاية عهده على مُلكه سَلّمَ بالأمر الواقع، ولكنّ ما في نفسه مِن الطموح إلى مِلك العراق لم يذهب منه شيء، وهو ينتهز له فرصة موت أبيه، فكان موت أبيه في السَنة الّتي خَرج منها مِن العراق، وكان له ولاية العهد على ملك أبيه، وولاية أخَويه فَخر الدولة ومُؤيّد الدولة على بعض الأعمال، على أنْ يكونا في طاعته، وكان له العود إلى العراق فانتهاء أمر ابن عمّه بختيار مِن الخروج مِن سُلطانه، فقَتله بعد ذلك بسَنة، ثُمّ انتهى الأمر باختلافه وأخيه فَخر الدولة كما تراه مبسوطاً في ذكر الأخبار الآتية.

في سنة ٣٦٩هـ سار عَضُد الدولة إلى بلاد الجبل فاحتوى عليها، وكان سَبب ذلك أنّ بختيار بن معز الدولة كان يُكاتب ابن عمّه فَخر الدولة بعد موت رُكن الدولة، ويدعوه إلى الاتّفاق معه على عَضُد الدولة، فأجابه إلى ذلك واتّفقا، وعَلِم عَضُد الدولة به فكتم ذلك إلى الآن، فلمّا فرغ مِن أعدائه كأبي تغلب وبختيار وغيرهما، ومات حسنويه بن الحسين ظنّ عَضُد الدولة أنّ الأمر يصلح بينه وبين أخيه، فراسل أخَويه فَخر الدولة ومؤيّد الدولة، وقابوس بن وشمكير.

فأمّا رسالته إلى أخيه مُؤيّد الدولة، فيشكره على طاعته وموافقته له، فإنّه كان مُطيعاً له غير مُخالف، وأمّا إلى فَخر الدولة، فيُعاتبه ويستميله ويَذكر له ما يُلزمه به الحُجّة.

وأمّا إلى قابوس، فيُشير عليه بحفظ العُهود الّتي بينهما، فأجاب فَخر الدولة جواب المُناظر المناوئ، ونسي كِبَر السنِّ وسعة المُلك وعهد أبيه.

وأمّا قابوس، فأجاب جواب المُراقب، وكان الرسول خواشاده مِن أكابر أصحابه، فاستمال أصحاب فَخر الدولة، فضمن لهم الإقطاعات، وأخذ عليهم العهوداً، فلمّا عاد الرسول بَرزَ عَضُد الدولة مِن بغداد على عزم المسير إلى الجبل وإصلاح تلك الأعمال، وابتدأ فقَدِم العساكر بين يديه يتلو بعضها بعضاً، منهم أبو الوفاء على عسكر خواشاده، وأبو الفتح المُظفّر بن محمّد في عسكر، فسارتْ هذه العساكر، وأقام هو بظاهر بغداد، ثُمّ سار عَضُد الدولة فلقيه البشائر بدخول جيشه همذان، واستئمان العَدد الكثير مِن قوّاد فَخر الدولة ورجال حسنويه، ووصل إليه أبو الحسن عبيد الله بن محمّد بن حمدويه وزير فَخر الدولة، ومعه جماهير أصحابه فانحلّ أمرُ فَخر الدولة، وكان بهمذان فخاف مِن

٢٣٠

أخيه، وتَذكّر قتل ابن عمّه بختيار فخرج هارباً، وقصد بلد الديلم، ثُمّ خرج منها إلى جرجان فنزل على شمس المعالي قابوس بن وشمكير، والتجأ إليه فأمّنه وآواه، وحمل إليه فوق ما حَدّثتْ به نفسه، وشَرّكه فيما تحت يده مِن مُلك وغيره، ومَلك عَضُد الدولة ما كان بيد فَخر الدولة: همذان والري وما بينهما مِن البلاد، وسلمها إلى أخيه مُؤيّد الدولة بويه، وجعله خليفته ونائبه في تلك البلاد، ونزلَ الريَّ واستولى على تلك النواحي، ثُمّ عرج عَضُد الدولة إلى ولاية حسنويه الكردي، فقصد نهاونذ وكذلك الدينور وقلعة سرماج، وأخذ ما فيها مِن ذخائر حسنويه، وكانت جليلة المقدار، ومَلك معها عِدّة مِن قلاع حسنويه، ولَحِقَه في هذه السَفرة صَرَع، وكان هذا قد أخذه بالموصل، وحدث به فيها فكتمه وصار كثير النسيان، لا يذكر الشيء إلاّ بعد جُهد، وكتم ذلك أيضاً، وهذا دأب الدنيا لا تصفو لأحد، وأتاه أولاد حسنويه، فقبض على عبد الرزاق وأبي العلاء وأبي عدنان، وأحسن إلى بدر بِن حسنويه، وخلع عليه وولاّه رعاية الأكراد.

مُلك عَضُد الدولة الهكارية وما معها:

في هذه السَنة سيَّر عَضُد الدولة جيشاً إلى الأكراد الهكارية مِن أعمال الموصل، فأوقع بهم وحصر قلاعهم، وطالَ مقام الجُند في حصرها، وكان مَن بالحصون مِن الأكراد ينتظرون نُزول الثلج لترحل العساكر عنهم، فقّدرَ الله تعالى أنّ الثلج تأخّر نُزوله في تلك السَنة، فأرسلوا يطلبون الأمان، فأُجيبوا إلى ذلك وسلّموا قلاعهم، ونزلوا مع العسكر إلى الموصل، فلم يُفارقوا أعمالهم غير يوم واحد حتّى نزل الثلج، ثُمّ إنّ مُقدّم الجيش غَدَرَ بهم، وصلبهم على جانبي الطريق مِن معلثايا إلى الموصل نحو خمسة فراسخ، وكفَّ الله شَرّهُم عن الناس.

مُفردات عن عَضُد الدولة:

في هذه السَنة وَرَد رسول العزيز بالله صاحب مِصر إلى عَضُد الدولة برسائل أدّاها، وفيها قَبَضَ عَضُد الدولة على محمّد بن عمر العلوي وأُنفذ إلى فارس، وكان سبب قبضه ما تَكلّم به المُطهّر في حقّه عند موته، وأرسل إلى الكوفة فقَبض أمواله، فوَجد له مِن المال والسلاح والذخائر ما لا يُحصى.

٢٣١

واصطنع عَضُد الدولة أخاه أبا الفتح وولاّه الحجّ بالناس، وفيها تَجدّدت وُصلَة بين الطائع لله وبين عَضُد الدولة، فتزوّج الطائع ابنته، وكان غرض عَضُد الدولة أنْ تلد ابنته وَلداً ذَكراً فيجعله وليّ عهده، فتكون الخلافة في وَلَدٍ لهم فيه نَسَب، وكان الصداق مئة ألف دينار، وفيها كانت فتنة عظيمة بين عامّة شيراز مِن المسلمين وبين المَجوس، نُهبت فيها دور المجوس، وضُربوا وقُتل منهم جماعة، فسمع عَضُد الدولة الخبر، فسيّر إليهم مِن جمع كلّ مِن له أثر في ذلك، وضربهم وبالغ في تأديبهم وزجرهم، وفيها قَبض عَضُد الدولة على النقيب أبي أحمد الحسين الموسوي والد الشريف الرضي، وعلى أخيه أبي عبد الله، وعلى قاضي القُضاة أبي محمّد وسير إلى فارس.

إقطاع عَضُد الدولة أخاه مُؤيّد الدولة همذان:

في سَنة ٣٧٠هـ أرسل الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عبّاد إلى عَضُد الدولة بهمذان رسولاً مِن عند أخيه مُؤيّد الدولة يبذل له الطاعة والموافقة، فالتقاه عَضُد الدولة بنفسه، وأكرمه وأقطع أخاه مُؤيّد الدولة همذان وغيرها، وأقام عند عَضُد الدولة إلى أنْ عاد إلى بغداد فردّه إلى مُؤيّد الدولة، فأقطعه إقطاعاً كثيرة، وسيّر معه عسكراً يكون عند مُؤيّد الدولة في خدمته.

قتل أولاد حسنويه سوى بدر:

لمَّا خلعَ عَضُد الدولة على بدر وأخَوَيه عاصم وعبد الملك، وفضّل بدراً عليهما، وولاّه الأكراد حَسَده أخواه، فشقا العصا وخرجا عن الطاعة، واستمال عاصم جماعة الأكراد المُخالفين فاجتمعوا عليه، فسيّر إليه عَضُد الدولة عسكراً، فأوقعوا بعاصم ومَن معه فانهزموا، وأُسر عاصم وأُدخل همذان على جَمل، ولم يُعرف له خبر بعد ذلك اليوم، وقُتل أولاد حسنويه، إلاّ بدراً فإنّه تُرك على حاله وأُقرّ على عمله، وكان عاقلاً لبيباً حازماً كريماً حليماً.

مِلكُ عَضُد الدولة قلعة سندة وغيرها:

وفيها استولى عَضُد الدولة على قلاع أبي عبد الله المري بنواحي الجبل، وكان مَنزله بسندة وفيها مساكن نفيسة، وكان قديم البيت، فقبض عليه وعلى أولاده واعتقلهم، فبقوا كذلك إلى أنْ أطلقهم الصاحب بن عبّاد فيما

٢٣٢

بعد، واستخدم ابنه أبا طاهر واستكتبه، وكان حَسن الخطّ واللفظ.

استيلاءُ عَضُد الدولة على جرجان:

في جمادى الآخرة سنة ٣٧١هـ استولى عَضُد الدولة على بلاد جرجان وطبرستان، وأجلى عنها صاحبها قابوس بن وشمكير، وسبب ذلك أنّ عَضُد الدولة لمّا استولى على بلاد أخيه فَخر الدولة انهزم فَخر الدولة، فلحق بقابوس، وبلغَ ذلك عَضُد الدولة، فأرسل إلى قابوس يَبذل له الرغائب مِن البلاد والأموال والعهود وغير ذلك ليُسلّم إليه أخاه فَخر الدولة، فامتنع قابوس عن ذلك ولم يُجب إليه، فجَهّز عَضُد الدولة أخاه مُؤيّد الدولة وسيّره ومعه العساكر والأموال والعدد إلى جرجان، وبلغَ الخبر قابوساً فسار إليه، فلقيه بنواحي استراباذ فاقتتلوا مِن بُكرة إلى الظُهر، فانهزم قابوس وأصحابه في جمادى الأولى، وقصد قابوس بعضَ قلاعه التي فيها ذخائره وأمواله، فأخذ ما أراد وسار نحو نيسابور، فلمّا وردها لحق به فَخر الدولة وانضمّ إليها مَن تَفرّق مِن أصحابهما، وكان وصولهم إليها عند ولاية حُسام الدولة أبي العبّاس تاش خُراسان، فكَتب حُسام الدولة إلى الأمير أبي القاسم نوح بن منصور يُعرّفه خبر وصولهما، وكَتب أيضاً إلى نوح يُعرّفه حالهما، ويستنصره على مُؤيّد الدولة، فوردت كُتب نوح على حُسام الدولة يأمره بإجلال مَحلّهما وإكرامهما وجمع العساكر، والمسير معهما وإعادتهما إلى مِلكهما، وكَتب وزيره أبو الحسين بذلك.

مسيرُ حُسام الدولة وقابوس إلى جرجان:

فلمّا وردت الكُتب مِن الأمير نوح على حُسام الدولة بالمسير بعساكر خُراسان جميعها مع فَخر الدولة وقابوس جَمع العساكر وحشد، فاجتمع بنيسابور عساكر سَدّت الفضاء، وساروا نحو جُرجان فنازلوها وحصروها، وبها مُؤيّد الدولة ومعه مِن عساكره وعساكر أخيه عَضُد الدولة جمع كثير، إلاّ أنّهم لا يُقاربون عساكر خُراسان، فحصرهم حُسام الدولة شهرين يُفاديهم القتال ويراوحهم ن وضاقت الميرة على أهل جرجان حتّى كانوا يأكلون نخالة الشعير مَعجونة بالطين، فلمّا اشتدّ عليهم الأمر خرجوا مِن جرجان في شهر رمضان على عَزم قصد القتال إمّا لهم وإمّا عليهم، فلمّا رآهم أهل خراسان

٢٣٣

ظنّوها كما تقدّم مِن الدُفعات يكون قتال ثُمّ تحاجز، فالتقوا واقتتلوا قتالاً شديداً فرأوا الأمر خلاف ما ظنّوه، وكان مُؤيّد الدولة قد كاتب بعض قوّاد خُراسان يُسمّى فائق الخاصّة وأطمعه ورغّبه، فأجابه إلى الانهزام عند اللقاء، فلمّا خَرج مُؤيّد الدولة هذا اليوم حمل عسكره على فائق وأصحابه، فانهزم هو ومَن معه وتَبِعه الناس، وثبت فَخر الدولة وحُسام الدولة في القلب، واشتدّ القتال إلى آخر النهار، فلمّا رأوا تلاحق الناس في الهزيمة لحقوا بهم، وغنم أصحاب مُؤيّد الدولة منهم ما لا يَعلمه إلاّ الله تعالى، وأخذوا مِن الأقوات شيئاً كثيراً، وعاد حُسام الدولة وفخر الدولة وقابوس إلى نيسابور، وكتبوا إلى بُخارا بالخبر، فأتاهم الجواب يُمنّيهم ويَعِدهم بإنفاذ العساكر والعود إلى جرجان والري، وأمر الأمير نوح العساكر بالمسير إلى نيسابور، فأتوها مِن كلّ حَدب ينسلون، فاجتمع بظاهر نيسابور مِن العساكر أكثر مِن المرّة الأُولى، وحُسام الدولة ينتظر تلاحُق الإمداد ليسير بهم، فأتاهم الخبر بقتل الوزير أبي الحسين القسي، فتفرّق ذلك الجَمع وبطل ذلك التَدبير.

مُتفرّقاتٌ عن عَضُد الدولة:

في هذه السنة قبضَ عَضُد الدولة على القاضي أبي عليّ المحسن بن عليّ التنوخي، وألزمه منزله وعَزله عن أعماله التي كان يتولاّها.

وفيها أفرج عن أبي إسحق إبراهيم بن هلال الصابي الكاتب، وكان القبضُ عليه سَنة سبع وستّين، وكان سبَب قبضه أنّه كان يَكتب عن بختيار كتباً في معنى الخُلف الواقع بينه وبين عَضُد الدولة، فكان ينصح صاحبه، فممّا كَتبه عن الخليفة الطائع إلى عَضُد الدولة - في المعنى -: وقد لَقّب عزّ الدولة بشاهنشاه فتزحزح له عن سُنن المساواة، فنَقِم عليه عَضُد الدولة ذلك.

قال ابن الأثير بعد ذلك:

وهذا مِن أعجب الأشياء، فإنّه كان ينبغي أنْ يَعظُم في عينه لنُصحه لصاحبه.

فلمّا أطلقه أمره بعمل كتاب يتضمّن أخبارهم ومحاسنها، فعمل التاجي في دولة الديلم.

وفيها أرسل عَضُد الدولة القاضي أبا بكر محمّد بن الطيّب الأشعري

٢٣٤

المعروف بابن البلاقلاّني إلى مَلك الروم في جواب رسالة وردت منه، فلمّا وصل إلى الملك قيل له: ليُقبّل الأرض بين يديه فلم يفعل، فقيل: لا سبيل إلى الدُخول إلاّ مع تقبيل الأرض، فأصّر على الامتناع، فعَمِل المَلك باباً صغيراً يدخل منه القاضي مُنحنياً ليوهم الحاضرين أنّه قبّل الأرض، فلمّا رأى القاضي الباب عَلِم ذلك، فاستدبره ودخل منه، فلمّا جازه استقبل المَلك وهو قائم، فعَظُم عندهم محلّه.

وفيها فتح المارستان العضُدي غربي بغداد، ونقل إليه جميع ما يُحتاج إليه مِن الأدوية(١) .

أمّا ما يتعلّق بالصابي ممّا جاء في هذه المُتفرّقات، فإنّه يدلّ على أمر عَضُد الدولة له بعمل الكتاب في أخبارهم بعد إطلاقه والإفراج عنه سَنة ٣٧١هـ، ولكن ما جاء في ترجمة ابن خُلّكان له ما يَدلّ على أنّ الأمر بعمل الكتاب كان قبل اعتقاله، وأنّ ما وشى به إلى عَضُد الدولة بشأن الكتاب كان مِن جُملة ما أحفظه عليه، ومنه ما يلي:

وكانت تصدر عنه مُكاتبات إلى عَضُد الدولة بن بويه بما يؤلِمه فحَقدَ عليه، فلمّا قُتِل عِزّ الدولة، ومَلك عَضُد الدولة بغداد اعتقله في سَنة سبع وستّين وثلاثمئة، وعزم على إلقائه تحت أيدي الفِيَلَة فشفعوا فيه، ثُمّ أطلقه في سَنة إحدى وسبعين، وكان قد أمره أنْ يَصنع له كتاباً في أخبار الدولة الديلميّة، فعَمِل الكتاب التاجي، فقيل لعَضُد الدولة:

إنّ صديقاً للصابي دخل عليه، فرآه في شُغل شاغل مِن التعليق والتسويد والتبييض، فسأله عمّا يعمل، فقال: أباطيل أُنمّقُها وأكاذيب أُلفّقها، فحرّكت ساكنه وهيّجت حِقده، ولم يَزل مُبعداً في أيّامه.

وفاةُ عَضُد الدولة:

هذا المُلك العظيم الّذي تَمّ له ما لم يَتمّ لأبيه وعمّيَه مِن عُموم السلطان، وسِعة المُلك وامتداد النُفوذ، هذا المَلك الّذي لم يكن لطُموحه مدى ولمّا يُحاوله مِن الاستزادة حدّ، والذي قطع مِن سِنيِّ حياته إلى سَنة أربع وستّين وثلاثمئة ستّاً وعشرين سَنة مِن حين تَملّكه شيراز، وهو ابن أربع عشرة سَنة، قَطعَ هذه المُدّة مِن حياته هادئاً ساكناً مُطمئناً لم يُمارس الحرب ولم يُقارع الخُصوم، اللّهمّ إلاّ ما لا يُكدّر عليه معين الراحة، ولكنّه مِن سنة أربع وستّين إلى سنة اثنتين وسبعين انتقل إلى الشطر الأخير مِن حياته، وكلّ

____________________

(١) وفي إخبار العُلماء بأخبار الحُكماء للقفطي:... لمّا عَمَرَ عَضُد الدولة البيمارستان ببغداد جَمَع الأطبّاء مِن الآفاق، فاجتمع فيه ٢٤ طبيباً.

٢٣٥

ما فيه جهاد وتنازُع مع الغريب ومع ذَوي رَحمه، وقد اتّسع له أُفق الأطّماع في توسيع دائرة مُلكه الّذي كان يَضيق عن طُموحه بضمّ مملكة ابن عمّه بختيار بن مُعزّ الدولة، وهي الأهواز والعراق، وما لم يتمّ فتحه مِن بعض أجزاء العراق والجزيرة وديار مُضر وربيعة، ورأى مِن ضعف مُعزّ الدولة عن إدارة هذه المَملكة، وإدارة أمرَ الخلافة العبّاسية والخليفة معها، وهي تضطرب بالفِتن وبالخارجين الأقوياء الطامحين بالاستقلال في العراق كلّه أو في بعض أجزائه رأى مِن ذلك ما يُمكِّن له بلوغ حاجةٍ في نفسه، فكان مِن ضعف ابن عمّه ومِن انقسام جيشه المُؤلّف مِن التُرك والديلم قبيل البويهيّين، ومِن استنجاد ابن عمّه به لدفع عادية أعدائه انتهاز الفرصة والتمكين له مِن الوصول إلى الهدف الجائل في خاطره، فتألّف الخليفة الطائع لله والساخط على مُعزّ الدولة ووسّع عليه بعد الضيق ونفّسَ عليه الخناق وخلّى بينه وبين ما كان ممنوعاً منه مِن الأُبّهة وبلهنية العيش، وبدر مِن ابن عمّه بوادر اتّخذها حجّة للقبض على دفّة سفينتي المملكة والخلافة معاً، فقبضَ على ابن عمّه، وكان مِن أمرِ ذلك ما عرفته مِن سُخط أبيه فانتهائه إلى استرضاء أبيه ليفوز أخيراً بالمَملكتين: مَملكة أبيه ومَملكة العراق، فكان اخترام أجل أبيه بعد عامين مُمَكِّناً له مِن ذلك، وكان ما أراد، وتَخلّص مِن ابن عمّه بقتله، وبقتل أعوانه وكَبيري وُزرائه ابن بقية وأبي الفتح بن العميد في سَنة ستّ وستّين وسبع وستّين، ولكنّه إنْ خلص له مُلك أبيه ومُلك العراق فلم تصفُ له الأيّام، فكان في العراق في حُروب متواصلة مع الخارجين عليه، ومع مَن كان له هوىً وضلع مع ابن عمّه، وفي إيران في شيراز والري والجبال، وما إليها في مثل ما كان فيه في العراق مِن سَوق الجيش تلو الجيش لردّ عادية الطامعين في مُلكه، والخارجين على سلطانه، ومنهم أخوه فَخر الدولة الّذي انضمّ إلى قابوس وابن نوح الساماني، وإنْ كان له الظَفر والفوز في تلك الميادين والملاحم، ولكنّه لم يكن في راحته، ولا على شيء مِن الطمأنينة.

هذا المُلك العظيم ألقى عصا الجهاد والتنازع المُستمر لا إلى راحة الحياة الفانية، بل إلى السكون الأبدي إلى الموت، غاية كلّ حي، مُتعباً مثقلاً بالهموم والهِمات، ومساورة علّة الصرع الّذي كان يعتاده، فضعُفت قوّته عن دفعه فخنقه، فمات منه ثامن شوّال ببغداد سَنة اثنتين وسبعين وثلاثمئة، وحُمل إلى مشهد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فدُفن به.

٢٣٦

وكان قد أوصى بدفنه به بجواره، وكُتب على لوح قبره: (هذا قبر عَضُد الدولة وتاج الملّة أبي شُجاع ابن رُكن الدولة، أحبّ مُجاورة هذا الإمام المعصوم لطمعه في الخلاص يوم تأتي كلّ نفس تُجادل عن نفسها وصلاته على محمّد (صلَّى الله عليه وآله) وعترته الطاهرة).

وممّا رواه له ابن شهرآشوب في مناقبه في مدح أهل البيت (عليهم السلام) قوله:

سقى الله قبراً بالغري وحوله قُبور بمثوى الطُهر مشتملات

ورمساً بطوس لابنه وسميّه سقته السحاب الغرّ صفو فُرات

وأُمّ القُرى فيها قبور منيرةٌ عليها مِن الرحمان خير صلاة

وفي أرض بغداد قبور زكيّة وفي سرّ مَن رأى معدن البركات

مُدّة ولايته بالعراق وعُمره:

كانت ولايته بالعراق خمس سنين ونصفاً، ولمّا توفّي جلس ابنه صِمصام الدولة كاليجار للعزاء، فأتاه الطائع لله مُعزّياً، وكان عُمر عضُد الدولة سبعاً وأربعين سَنة، وقال ابن خُلّكان:

وعُمره سبع وأربعون سَنة وأحد عشر شهراً وثلاثة أيّام، وكان قد سيّر ولده شرف الدولة أبا الفوارس إلى كرمان مالكاً لها قبل أنْ يشتدّ مَرضه، وقيل أنّه لمّا احتضر لم ينطلق لسانه إلاّ بتلاوة:( مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ ) .

تأبينُ فريقٍ مِن العُلماء له:

قال ابن الأثير:

قيل لمّا ماتَ عَضُد الدولة بلغَ خبره بعضُ العُلماء، وعنده جماعة مِن أعيان الفضلاء، فتذاكروا الكلمات التي قالها الحُكماء عند موت الإسكندر، فقال بعضهم: لو قُلتم أنتم مثلها لكان ذلك يُؤثَر عنكم.

فقال أحدكم: لقد وزن هذا الشخص الدُنيا بغير مثقالها، وأعطاها فوق قيمتها، وطلب الربح فيها فخسر روحه فيها.

وقال الثاني: مَن استيقظ للدنيا فهذا نومه، ومَن حَلم فيها فهذا انتباهه.

وقال الثالث: ما رأيت غافلاً في عقله، ولا غافلاً في غفلته مِثله، لقد كان ينقض جانباً وهو يظنّ أنّه مُبرم، ويَغرم ويظنّ أنّه غانم.

وقال الرابع: مَن جدّ للدنيا هَزلت به، ومَن هزل راغباً عنها جدّت له.

وقال الخامس: ترك هذه الدنيا شاغرة

٢٣٧

ورحل عنها بلا زاد ولا راحلة.

وقال السادس: إنّ ماءً أطفأ هذه النار لعظيم، وإنّ ريحاً زعزعت هذا الرُكن لعَصوف.

وقال السابع: إنّما سَلَبَك مَن قَدر عليك.

وقال الثامن: أمَا إنّه لو كان مُعتبراً في حياته لمَا صار عبرة في مماته.

وقال التاسع: الصاعد في درجات الدُنيا إلى استفال، والنازل في درجاتها إلى تعالٍ.

وقال العاشر: كيف غفلتَ عن كيد هذا الأمر حتّى نفذ فيك؟ وهلاّ اتّخذ دونه جُنة تقيك؟ إنّ في ذلك لعِبرة للمُعتبرين، وإنّك لآية للمُستبصرين.

أولياته:

قال ابن كثير:

هو أوّل مَن سُمي شاهنشاه - ومعناه مَلك المُلوك - وأوّل مَن ضُربت له الدبادب ببغداد، وأوّل مَن خُطب له بها مع الخليفة.

ما تَمثّل به عند موته مِن الشعر:

قال ابن كثير في تاريخهالبداية والنهاية :

وقد تمثل عند موته بهذه الأبيات، وهي للقاسم بن عبيد الله:

قتلتُ صناديدَ الرجالِ فلم أدَعْ عدوّاً ولم أُمهل على ظنّه خلقا

وأخليتُ دارَ المُلك مَن كان باذلاً فثروتُهم غَرباً وثروتهم شرقا

فلمّا بلغتُ النجمَ عزّاً ورِفعةً وصارت رِقاب الخَلق أجمع لي رقّا

رماني الرَدى سَهماً فأخمد جمرتي فها أنا في حُفرتي عاطلاً مُلقى

فأذهبتُ دُنياي وديني سفاهةً فمَن ذا الّذي مَن بمصرعه أشقى

وابن الأثير وابن خُلّكان وأبو الفداء لم يذكروا تَمثّله بهذه الأبيات عند موته.

تزاحُم العُلماء والأُدباء والشُعراء على بابه:

كانت رِحلة العُلماء والأُدباء والشُعراء إليه، وتزاحُمهم على بابه، وانتجاعهم مِنَحِه وعطاياه، وهُم في مملكته وهو في شيراز أكثر منهم وهو في بغداد، ولا غُروّ فإنّه لم يكن وهو في عاصمة مملكته الأُولى مُضطلعاً بالأعباء التي اضطلع بها وهو في بغداد، حيث في الأُولى كان مُطمئنّاً ساكناً

٢٣٨

وفي الثانية مُضطرباً ينتقل مِن نصب إلى نصب، ومِن مُنافحة عدوّ ومُدافعته إلى مُنافحة عدو آخر ومدافعته، فلم يَكن عنده مِن الفراغ في بغداد ما كان في شيراز، ولا مِن المُتّسع ما يشغل معه قسماً مِن وقته في غير أُمور مُلكه الجديد، ومُعظمهُ مَصروف في التدبير ومُنافحة الأعداء والخصوم، ما كان عنده مِن المُتّسع وهو في شيراز مِن مُطمئن، وإنّما ينفد سرّ العِلم والفضل، وتعمر سوق الأدب والشعر حيث توجد الراحة وحيث يكون الفَراغ، فأبو عليّ الفارسي قَصده إلى شيراز، وأهدى إليه كتابهالإيضاح والتكملة وقرأه عليه، وهو في هذه العاصمة بروائع قصائده الخالدات، وأبو الحسن محمّد بن عبد الله السلامي ببدائع شعره، وكثير غيرهم ممَّن لا يُحصون عدّاً.

قال الثعالبي في يتيمته:

كان على ما مكّن له في الأرض، وجعل إليه مِن أزمّة البسط والقبض، وخُصّ به مِن رفعة الشأن، وأوتي مِن سعة السُلطان تَفرّغ للأدب، وتَشاغل بالكُتب، ويُؤثِر مُجالسة الأُدباء على مُنادمة الأُمراء، وكان وهو في بغداد يُعظّم الشيخ المُفيد غاية التَعظيم، وصَنّف له الرئيس الفاضل أبو الحسن عليّ بن العبّاس المجوسي الفارسي كتابهكامل الصناعة الطبية المُسمّىالمَلكي .

ما يُحمَد مِنْ أمرِه وما يُذم:

يُحمد منه: عقله، وفضله، وحُسن سياسته، ومحبّته للعِلم والعُلماء، وما سبقَ بيانه مِن اهتمامه بالعِمارة، وتعبيد الطرق، وبناء المارستان العَضُدي، وحفر الأنهار، وإدارة السور على مدينة الرسول، وتمهيده الطريق بين العراق والحِجاز للتسهيل على الحُجّاج لبيت الله الحرام، وزيارة قبر سيّد الأنام، وعمارته قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإجراء النفقات على المساكين والمحاويج، وما إليها ممّا مرَّ ذِكره، وحُسن معاملته للخليفة.

ويُذم منه: أنه كان أوّل مَن أحدث الفِرقة بين أبناء البيت البويهي المالك، وهو البيت الذي اتّجه مُؤسّسوه ومُشيدوه أنْ يُبتنى على الأُلفة والمحبّة، فقد حَدَث منه مع ابن عمّه بختيار ما قد عرفتَ مِن مُخادعة له وتغرير به، إلى أنْ أوقع الانقسام في صُفوف قوّاده وأتباعه، وإلى أنْ قَتله، ثُمّ خلافه مع أخيه فَخر الدين، وكان له مِن ذكائه وباهر فِطنته وبارع سياسته ما لا يَعجز معه مِن إبقائه في طاعته، وهو يملك وسائل إرضائه، ولا يَدعه يستعين عليه بأعدى أعدائه مِن آل

٢٣٩

سامان وزيار، ثُمّ قبضه على مِثل كاتب الدُنيا في عصره، ومالئها أدباً وفضلاً ونبلاً ووفاءً أبي إسحاق الصابئ ولماذا؟ لأنّه وفّى لصاحبه بختيار، ومِثل ذلك قبضه على محمّد بن عمر العلوي، ونفيه إلى فارس، ومُصادرة أمواله وذخائره، وقبضه النقيب الشريف أبي أحمد الحسين والد الشريفين المُرتضى والرضي، وعلى أخيه أبي عبد الله وعلى قاضي القُضاة أبي محمّد.

أمّا السَبب الّذي قَبض به النقيب الشريف أبو أحمد، فقد أورده ابن كثير في تاريخه، فقال:

وفي صَفر، قَبض على الشريف أبي أحمد الحسين [ في الأصل الحسن ] بن موسى الموسوي نقيب الطالبيّين، وقد كان أمير الحجّ مدّة سنتين، اتُّهم بأنّه يُفشي الأسرار، وأنّ عِزّ الدولة أودع عنده عُقداً ثميناً، ووجدوا كتاباً بخطّه في إفشاء الأسرار، فأنكر أنّه خطّه وكان مُزوّراً عليه، واعترف بالعُقد فأُخذ منه، وعِزّل عن النقابة وولّوا غيره، قال ابن كثير: وكان مظلوماً.

ومِن ذلك، ولم يذكره ابن الأثير وابن خُلّكان وابن خُلدون ومَلك حماة، بل ذكره ابن كثير، قال:

وبَلغه أنّ غُلاماً له أخذ لرَجل بطّيخة، فضربه بسيفه فقطعه نصفين، وقبل ذِكر هذه الحادثة كان يُحبّ جارية، فألهته عن تدبير المملكة، فأمر بتغريقها.

وفي الحادثتين مجال للشكّ في قتله الجارية وفي قَتله الغلام؛ فإنّهما تدلاّن على ضعف في الطبيعة ونزق وطيش، وكان يُؤثر عنه العقل وحُسن السياسة، فأيّ ذنب جنته الجارية لتُجازى بالغرق؟ وهل يجهل ما لمثل هذا مِن سوء السُمعة، وقبح الأحدوثة؟ ومَن كان مثله في عقله وفضله ونُبله يُستبعد أنْ يحدث في تاريخه مثل هذا الحَدث.

وأمّا قتل الغلام على مثل ارتكاب ذلك الذنب الضعيف، فمِن المُستبعد حصوله مِن عَضُد الدولة، ولو كان في مثل هذا النزق، ومثل هذه البوادر والنزوات، وكانت نخزة فيه لروى الراوون له أمثالها مئات الحادثات، وإننّا لنشكّ في الحادثتين، وهما أقرب أنْ تكونا موضوعتين عليه مِن أنْ تكونا واقعتين، وله خُصوم وله أعداء، وكان في سكوت مَن ذكرناهم مِن المؤرّخين عن روايتهما ما يُشعر بضعف الرواية.

وممّا يُذم: أمره بالقبض على ورد الرومي اللاجئ إليه بعد تأمينه ووعده بالمُساعدة على خُصومه، وحبسه في بغداد، وما إلى ذلك ممّا رُوي عنه، وممّا لم يَسلم منه مَلك ولا سُلطان ولا أمير، بل ولا وجيه في قومه، بل إنّ ما رُوي عنه قد يُعد مِن الحسنات في جنب ما يُذكر لمَن مُنيَ ببعض ما مُنيَ

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491