أبو هريرة

أبو هريرة0%

أبو هريرة مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 224

أبو هريرة

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
تصنيف:

الصفحات: 224
المشاهدات: 70390
تحميل: 8645

توضيحات:

أبو هريرة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 224 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70390 / تحميل: 8645
الحجم الحجم الحجم
أبو هريرة

أبو هريرة

مؤلف:
العربية

أبو هريرة

بقلم الإمام السيّد عبدالحسين شرف الدّين الموسويّ

١

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه دراسة لحياة صحابي روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأكثر حتى أفرط وروت عنه صحاح الجمهور وسائر مسانيدهم فأكثرت حتى أفرطت أيضاً، ولا يسعنا ازاء هذه الكثرة المزدوجة إلا أن نبحث عن مصدرها لاتصالها بحياتنا الدينية والعقلية اتصالا مباشراً ولولا ذلك لتجاوزناها وتجاوزنا مصدرها الى مايغنينا عن تجشم النظر فيها وفيه.

ولكن اسلات هذه الكثرة قد استفاضت في فروع الدّين واصوله فاحتج بها فقهاء الجمهور ومتكلموهم في كثير من أحكام الله عزوجل وشرائعه ملقين اليها سلاح النظر والتفكير.

ولا عجب منهم في ذلك بعد بنائهم على اصالة العدالة في الصحابة أجمعين.

وحيث لادليل على هذا الاصل (كما هو مبين في محله بايضاح) لم يكن لنا بد من البحث عن هذا المكثر نفسه وعن حديثه كماً وكيفاً لنكون على بصيرة فيما يتعلق من حديثه بأحكام الله فروعا واصولا وهذا ما اضطرنا الى هذه الدراسة الممعنة في حياة هذا الصحابي (وهو أبو هريرة) وفي نواحى حديثه وقد بالغت في الفحص وأغرقت في التنقيب حتى أسفر وجه الحق في كتابي هذا وظهر فيه صبح اليقين والحمد لله رب العالمين.

وأما أبو هريرة نفسه فنحيلك الآن في تاريخ حياته وتحليل نفسيته على ما ستقف عليه في الكتاب؛ إذ مثلناه بكنهه وحقيقته من جميع نواحيه تمثيلا تاماً تدركه بحواسك كلها والحمد لله على التوفيق.

وأما حديثه فقد أمعنا النظر فيه كمأ وكيفاً فلم يسعنا - شهد الله - إلا

٥

الانكار عليه في كل منهما، وقد سبقنا الى ذلك معاصروه كما ستقف عليه في محله(١) ان شاء الله مفصلا.

وأى ذى روية متجرد متحرر يطمئن الى هذه الكثرة لا يعدلها المجموع من كل ما حدث به الخلفاء الاربعة وأمهات المؤمنين التسع والهاشميون والهاشميات كافة كما فصلناه في الأصل(٢) .

وكيف تسنى لأمى (تأخر اسلامه فقلّت صحبته) أن يعى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مالم يعه السابقون الأولون من الخاصة وأولى القربى.

ونحن حين نحكم الذوق الفنى والمقياس العلمى نجدهما لا يقران كثيراً مما رواه هذا المفرط في اكثاره وعجائبه.

فان للسنة في حكمتها وأساليبها وخصائصها ميزاب يعرفها أولوا الألباب والاذواق الفنية وأهل الاختصاص من علماء البلاغة.

فما يسمعوه أو يقرؤوه منها يجدوه متميزاً في أذواقهم ومقاييسهم بوضوح واعلان ويجدوا سماته وشاراته متميزة في غير شك ولا شبهة.

فالسنة أرفع من أن تحتضن اعشابا شائكة وخز بها أبو هريرة ضمائر الأذواق الفنية: وأدمى بها تفكير المقاييس العلمية قبل أن يشوه بها السنة المنزهة ويسئ الى النبي وأمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وبالجملة: قال السنة منهاج الاسلام، ودستور الحياة اللاحب في كل ما يجب أن تصاغ الحياة على مثاله في الاخلاق والعقائد والاجتماع والعلم والآداب، فلا يصح في منطق أن نسكت عن هذا الدخل الشائن لجوهر الإسلام وروحه الرفيعة المنادية بالتحرر والانعتاق من كبول العقائد السخيفة والخرافات التي يسبق الى الذهن استنكارها.

________________________

(١) في الفصل ١٤.

(٢) راجع منه الفصل ١٠.

٦

واذن فالواجب تطهير الصحاح والمسانيد من كل ما لا يحتمله العقل من حديث هذا المكثار.

أقول هذا وأنا أرى وجوها تنقبض دوني، ونفوساً تتقبض مزورة عني. وقد يكون لها بسبب الوراثة والتربية والبيئة أن تنقبض وتتقبض أمام حقيقة وضعها البحث على غير ما الفت من احترام الصحابة واعتقاد عدالتهم أجمعين اكتعين أبصعين من غير أن تزن أعمالهم وأقوالهم بالموازين التي اخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بها أمته، لأن الصحبة عندهم بمجردها حرم لاتنال من اعتصم به معرة ولا يمس بجرح وان فعل ما فعل وهذا شطط على المنطق؛ وتمرد على الادلة وبعد عن الصواب.

والحق أن الصحبة بما هي فضيلة جليلة، لكنها غير عاصمة، والصحابة فيهم العدول وفيهم الاولياء والأصفياء والصديقون وهم علماؤهم وعظماؤهم وفيهم مجهول الحال، وفيهم المنافقون من أهل الجرائم والعظائم؛ والكتاب الحكيم يعلن ذلك بصراحة (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لاتعلمهم نحن نعلمهم) فعدولهم حجة ومجهول الحال نتبين أمره وأهل الجرائم لا وزن لهم ولا لحديثهم.

هذا رأينا في جملة الحديث من الصحابة وغيرهم والكتاب والسنة بينتنا على هذا الرأي(١) فالوضاعون لا نعفيهم من الجرح وان اطلق عليهم لفظ الصحابة، لأن في اعفائهم خيانة لله عز وجل ولرسوله ولعباده، ونحن في غنى

________________________

(١) لكن الجمهور بالغوا في تقديس كل من يسمونه صحابياً حتى خرجوا عن الاعتدال فاحتجوا بالغث منهم والسمين واقتدوا بالطلقاء وأمثالهم ممن سمع النبي أو رآه اقتداء أعمى وانكروا على من يخالفهم في هذا الغلو وخرجوا في الانكار عن كل حد من الحدود كما بيناه على سبيل التفصيل في : ص١١ إلى منتهى: ص١٥ من أجوبة موسى جار الله وفي الفصل الذي عقدناه في: ص٢٣ منها فراجع

٧

بالعلماء. والعظماء والصديقين والصالحين، من أصحابهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن عترته التي أنزلها منزلة الكتاب وجعلها قدوة لأولى الألباب.

وعلى هذا فقد اتفقنا في النتيجة وان قضى الالتواء في المقدمات شيئاً من الخلاف، فان الجمهور إنما يعفون أبا هريرة، وسمرة بن جندب، والمغيرة، ومعاوية؛ وابن العاص، ومروان، وأمثالهم تقديساُ لرسول الله لكونهم في زمرة من صحبهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن إنما ننتقدهم تقديساً لرسول الله ولسنتهصلى‌الله‌عليه‌وآله شأن الأحرار في عقولهم ممن فهم الحقيقة من التقديس والتعظيم.

وبديهي - بعدُ - أن تكذيب كل من يروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً خارجا عن طاقة التصديق أولى بتعظيم النبي وتنزيهه وأجرى مع المنطق العلمي الذي يريدهصلى‌الله‌عليه‌وآله لرواد الشريعة ورواد العلم من أمته. وقد أنذرصلى‌الله‌عليه‌وآله بكثرة الكذابة عليه وتوعدهم بتبوء مقاعدهم من النار فاطلق القول بالوعيد.

وإنى انشر هذه الدراسة في كتابى هذا - أبو هريرة - مخلصاً للحق في تمحيص السنة وتنزيهها في ذاتها المقدسة وفي نسبتها لقدسى النبي الحكيم العظيم (وما ينطق عن الهوى). ‌

وللحق في سلامة التفكير وصدق النظر.

وللحق في قواعد العلم والعقل التي تأبى احترام كذاب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فتعفيه من الجرح لأنه صحب رسول الله!! وتأبى كل الاباء ان نخضع لروايته (مغلولين مفلوين) فيما يمس السنة النبوية وهي أولى بالتنزية والتقديس لأنها رسالته الى العالمين وبقيته الباقية الى يوم الدين.

وليس لأحد أن يتقبض أو تنقبض نفسه بعد أن نقدم له كتابنا هذا وفيه صفايا ما عندنا من هذه الدارسة، ونحن نكرم الفكر نفسه ونرفعه عن ان يهون فيسف الى حياطة الخرافة واحاطتها بسور من قدس موهوم (له باب ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب).

٨

ولا نريد لوجه أن يتقبض ولا لنفس أن تنقبض، بل نريد لمن تمربه هذه السحابة المركومة من التقاليد أن يتحرر منها ثم يمعن في الكتاب امعان أُولى الألباب( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الالباب ) .

لانقصد بهذا الكتاب - شهد الله - أن نصدع هذه الوحدة المتواكبة المتراكمة في هذه اللحظة المستيقظة، بل نقصد تعزيز هذه الوحدة واقامتها على حرية الرأى والمعتقد، لتكون الوحدة على هذا الضوء للغاية وادل على القصد، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.

والكرامة العقلية أسمى الكرامات التي يسعى اليها أُولوا الألباب باغلى مالديهم من أموال وأنفس ودماء، لأنها السلم إلى المجد والجسر الى الاتحاد.

أما إذا شاء بعض اخواننا في الدين الإسلامي أن يصّعر خده محمراً أو مصفراً فليصغ الى هذه الملاحظات المتواضعة، وليفتنا بعدها يجدنا إن شاء الله تعالى أقرب الى تأليف الكلمة وتوحيد الصفوف بالرغم عن هذا الشوك الذي يقض المضجع؛ ويخز الفكر، ويدمي الضمير، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.

بين ايدينا الآن من هذه الملاحظات ألوان: بعضها يمس العقل في اُفقه وطاقته، وبعضها يمس العقيدة في صورتها ومعناها، وبعضها يمس الطبائع في نواميسها وفطرتها، وبعضها متناقض متداحض؛ وبعضها خارج على قواعد العلم المشتقة من صلب الدين، وكثير منها تزلف الى بني أمية أو الى الرأي العام في تلك الأيام؛ وبعضها خيال أو خبال، وهي بجملتها خروج على أصول الصحة في كل معانيها.

فمن بلاياه أن ملك الموت كان قبل موسى يأتي الناس عياناً حتى أتى موسى فلطمه موسى ففقاً عينه! وأرجعه على حافرته إلى ربه أعور! فكان بعد هذه الحادثة يأتي الناس خفياً!.

٩

ومنها: تلك المسابقة الطريفة بين الحجر وموسى، أو بين موسى والحجر إذ وضع موسى ثيابه عليه ليغتسل في ناحية عن الناس ففر الحجر بثياب موسى ليستدرجه الى لحاقه عارياً! كي ينفي الشائعة عن فتق موسى بمروره على الملأ من بني اسرائيل مكشوفاً كما خلق يشتد خلف الحجر يناديه بأعلى صوته ثوبى حجر ثوبى حجر حتى وقف الحجر إذ انتهت مهمته فطفق موسى يضربه بعصاه ضرباً أثر فيه ندوبا أي جروحا قال أبو هريرة: ان في الجحر ندباً ستة أو سبعاً.

وأطرف مافي هذه الاسطورة هذا التردد من أبي هريرة في ندوب الحجر فان ورعه في الحديث كان يفرض عليه أن لايحدث عن شئ حتى يكون منه على مثل ضوء الشمس.

ومنها: ذلك الجراد الذهبي المتراكم يتساقط على أيوبعليه‌السلام وهو يغتسل فجعل يحثى منه في ثوبه.

ومنها: ان مولودين تكلما برشد وعقل وعلم بالعواقب الغيبية حيث لا مقتضى لخرق العادة ونواميس الطبيعة.

ومنها: ان بقرة وذئباً يتكلمان بلسان عربي مبين، يدل على عقل وحكمة وعلم بالغيب، حيث لامقتصى للتحدى والاعجاز. في حديث حدث به في فضل الخليفتين.

ومنها: مجئ الشيطان اليه في صورة رجل في ثلاث ليالي متوالية ليسرق لعياله وأطفاله الجوعى من طعام كان أبو هريرة موكولا إليه حفظه في خرافة عجيبة.

ومنها: ان أمة من بني اسرائيل فقدت، وبعد البحث عنها تبين أنها الفأر بدليل أن الفأر اذا وضع لها البان الابل لم تشرب! واذا وضع لها البان الشاة شربت ومنها: حديثه إذ كان - فيما زعم - مع العلاء في أربعة آلاف فأتوا خليجاً من البحر ما خاضه أحد قبلهم! ولا يخوضه أحد بعدهم! فأخذ

١٠

العلاء بعنان فرسه فسار على وجه الماء وجه الماء! وسار الجيش وراءه (قال أبو هريرة) فو الله ما ابتل قدم ولا خف ولا حافر!

ومنها: حديثه عن مزودة المبارك اذ كان فيه تميرات طعم منها الجيش كله حتى شبع والنميرات على حالها فكانت معاشه مدة أيامه على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وابي بكر وعمر وعثمان، حتى كانت مأساة هذا المزود الكريم في طى مأساة عثمان، اذا انتهب مع ما انتهب في تلك المحنة.

ومنها: حديثه عن داود إذ خفف القرآن عليه فكان يقرؤه كله في وقت لايسع قراءته كان - فيما زعم أبو هريرة - يأمر بدابته فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج، فهل هذا إلا كقول القائل: كان يضع الدنيا على سعتها في البيضة على ضيقها؟

* * *

ومنها: أحاديث تناول فيها الحق تبارك وتعالى فصوره في اشكال تعالى الله عز وجل عنها علواً كبيرا.

كحديثه في ان الله خلق آدم على صورته؛ طوله ستون ذراعاً في سبعة أذرع عرضاً. وقد تطور فيه، فتارة رواه كما سمعت. وتارة بلفظ: إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته. ومرّة بلفظ اذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فان الله خلق آدم على صورته، ومرة رواه بلفظ: خلق آدم على صورة الرحمان.

وهذا افتتان في خيال طريف في تصوير الله تعالى وآدم ضمنه أدباً بارعاً وتعاليم إن ننسبها الى الدين الاسلامي نجد فيها إغراباً يثير فينا الضحك والبكاء في آن واحد.

وحديثه في أن الله تعالى يأتي هذه الأمة يوم القيامة في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا

١١

فاذا أتانا عرفنا فيأتيهم في الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم! فيقولون أنت ربنا فيتبعونه، في قصة طويلة مظلمة باردة ذات خيال شرود آبد يعرض الله في اشكال يتنكر في بعضها! ويغدو على عباده! ويروح في ملابسات فيها النكتة وفيها الحوار وفيها المخادعة! وفيها الضحك من الله في غير عجب! على نحو لا يقتصر الاصطدام فيه بالعقائد الاسلامية والمستقلات العقلية فحسب. بل يصطدم الى ذلك باللياقات الملكية إذا ما شينا - والعياذ بالله - فكرة التجسيم حاشا لله وتعالى الله وتقدست أسماؤه.

وحديثه في أن جنهم لا تمتلئ حتى يضع الله رجله فيها! في خراقة فيها افتخار النار بالمتكبرين واستكانة الجنة بدخول سقطة الناس اليها.

وحديثه في أن ربه - تعالى الله ربنا - ينزل كل ليلة الى السماء الدنيا يقول من يدعوني فاستجيب له.

الى غير ذلك من الأحاديث التي كانت مصدراً لمذهب التجسيم في الاسلام كما ظهر في عصر التعقيد الفكري، فظهر بسببها أنواع من البدع والأضاليل.

* * *

وله أحاديث عنى فيها بالانبياءعليهم‌السلام ، فوصفهم بما تجب عصمتهم منه. وحسبك منها حديثه اذ وصف أهوال القيامة فصور الناس يفزعون الى آدم ثم إلى نوح ثم الى ابراهيم ثم الى موسى ثم الى عيسىعليهم‌السلام في لجلجة لم تعد عليهم بطائل لأن هؤلاء الأنبياءعليهم‌السلام حجبت - على زعم أبي هريرة - شفاعتهم بما فرض لهم هذا الرجل من الذنوب التي غضب الله بها عليهم غضباً بكراً فذاَ ما غضب مثله قبله ولن يغضب مثله بعده وأخيراً كانت الشفاعة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وي كأن أبا هريرة لم يجد سبيلا الى تفضيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا بالغض من سلفه أولى العزمعليهم‌السلام .

وحديثه المتضمن نسبة الشك الى خليل الله ابراهيمعليه‌السلام إذ قال: رب

١٢

أرني كيف تحي الموتى في كلام جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحق بالشك من ابراهيم وجعل يوسف أفضل من النبي بالصبر والاناة فيه لوط من التفنيد إذ قال: أو آوى الى ركن شديد.

وحديثه المشتمل على نقض سليمان حكم أبيه! في اسطورة مثلت متداعيتين على ولد قضى به داود للكبرى فقال سليمان: ائتوني بالسكين أشقه بينهما. فقالت الصغرى: لاتفعل هو ابنها فقضى به للصغرى والتناقض بين نبيين في حكم خاص من احكام الله تعالى لايتفق ومباني العقائد الاسلامية الصحيحة واطرف مافي هذه الأسطورة حلف أبي هريرة انه لم يكن سمع في حياته بالسكين إلا يومئذ وانهم ما كانوا يقولون الاّ المدية.

وحديثه عن سليمان إذ قال: لأ طوفنّ الليلة بمائة امراة تلد كل امرأة غلاماً يقاتل في سبيل الله فقال له الملك: قل إن شاء الله فلم يقل فأطاف بهن! فلم تلد منهن إلا امرأة نصف انسان.

وحديثه في نملة قرصت موسى فامر بقرية النمل فاحرقت فاوحى الله اليه قرصتك نملة فاحرقت أمة من الامم تسبح لله تعالى.

وحديثه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه كان يؤذي ويسب ويلعن ويجلد على الغضب من لا يستحق ذلك فيكون ايذاؤه وجلده وسبّه ولعنه كفارة لذنوب من يتعرض منه لهذا الشر.

ولو نسب هذا الى فرعون لأساء الى أخلاقه، على أن ناساً علنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يستحقّون المغفرة فهل يلزمنا أبو هريرة بحبهم واحترامهم ورفعهم كما ترفع البررة الصالحون؟ وما هي المقاييس الصحيحة بعد هذا المقياس الهريرى الطريق؟

وحديثه في عروض الشيطان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليقطع عليه صلاته فذعته - أي خنقه - وهمّ ان يوثقه الى سارية لينظر الناس اليه مكتوفاً لكنهصلى‌الله‌عليه‌وآله

١٣

ذكر قول سليمان رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي. فخلى سبيله. وحديثه في نوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن صلاة الصبح.

الى غير ذلك من احاديثه التي فتحت الباب للقول بعدم عصمة الانبياء وتعريضهم للخطأ والزلل في رأى معوج لايستقيم عليه معنى النبوة في حقيقته وواقعه.

* * *

وهنالك لون آخر في حديثه يريك التناقض بأجلى مظاهره فانظر الى حديثي أبي سلمة منه في العدوى إذ نفاها في الأول منهما. وائبتها في الثاني فناقشه أبو سلمة قائلا له: يا أباهريرة ألم تحدث انه لا عدوى؟ فانكر حديثه الأول ورطن بالحبشية. وانظر إلى حديثه عن طواف سليمان - على زعمه - بنسائه تجده متعارضاً متناقضة فتارة روى انهن مائة، وأخرى روى انهن تسعون. ومرة روى انهن سبعون وأخرى انهن ستون! وكل ذلك ثابت عنه في الصحاح.

وانظر إلى أحاديثه في هجرته تجدها صريحة بأنه انما هاجر مسكيناً حافياً طاويا خادماً يخدم هذا وهذه بشبع بطنه فمن اين له الغلام الذي حدث عنه في الشام؟ إذ قال (على عهد معاوية): لما قدمت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابق غلام لي في الطريق، فبينا أنا عند رسول الله أبايعه إذ طلع الغلام فقال لي النبي: يا أبا هريرة هذا غلامك؟ قلت: هو لوجه فاعتقته.

وأنظر الى احاديثه عن نفسه وهو في الصفة تجدها صريحة بانه أنما كان من مساكينها المعدمين وقد استوطنها طليلة عمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فكانت مثواه ليلا ونهاراً إذ لم يكن له في المدينة عشيرة ولا منزل سواها ولم يكن عليه إلا نمرة يدب القمل عليها كان يربطها في عنقه فتبلغ ساقيه فيجمعها بيده لئلا تبدو عورته. وكان يصرعه الجوع فيخر مغشياً عليه بين المنير والحجرة فمن اين له

١٤

الدار التي ادعاها اواخر حياته؟ في حديث حدث به في الشام عن نفسه وعن أمه اذ أسلمت بدعاء النبي صلى الله عليه قاله لها وله - فيما زعم -.

وانظر إلى احتجاجه على مستنكرى حديثه تجده متعارضأ متساقطأ كما فصلناه في الأصل على انه في نفسه مما تنبو عنه الاسماع لسخافته وتفيه العقول لسقمه - كما بيناه ثمة - وقد جاء فيه: ان أبا هريرة بسط نمرته لرسول الله فطفقصلى‌الله‌عليه‌وآله يغرف العلم بيديه فيكيله في النمرة ثم يقول ضمه يا أبا هريرة فيضمه الى صدره فيعصم بذلك من النسيان ويكون به احفظ الصحابة واعلمهم بالسنة.

هذه حجته على مستنكرى حديثه سخره الله بها حجة لخصومه عليه وبرهاناً قاطعاً على صحة ما نسبوه اليه وشوارد احاديثه التي كان يكيلها جزافاً ويحدث بها متنافرة متنا كرة كثيرة الى الغاية لكن هذا القدر كاف لما اردناه ولا حول ولاقوة إلا بالله.

وحسبك في أبي هريرة انه كان يحدث بما لم يره ولم يسمعه ويدعي مع ذلك الرؤية والسماع كما ستسمعه في فصله الخاص به من الكتاب، واليك الآن نمودجا من ذلك تقيس عليه ما سواه.

قال أبو هريرة فيما صح عنه بالاجماع: دخلت على رقية بنت رسول الله زوجة عثمان وبيدها مشط فقالت: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عندي آنفاً رجلت شعره الحديث.

ومن المعلوم اجماعا وقولا واحداً أن رقية انما ماتت سنة ثلاث بعد فتح بدر، وأبو هريرة انما أسلم سنة سبع بعد فتح خيبر فأين كان عن رقية ومشطها يا أولي الألباب؟.

* * *

واليك نموذجا من حديثه الخارج على قواعد العلم المشتقة من صلب الدين ألا وهو قوله: بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعث فقال: ان وجد تم فلاناً وفلاناً

١٥

فاحرقوهما بالنار (قال) ثم قال لنا حين أردنا الخروج: انى أمرتكم أن تحرقوها وان النار لا يعذب بها إلا الله تعالى فان وجدتموهما فاقتلوهما أهـ.

وهذا من النسخ قبل حضور وقت العمل، وهو محال على الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ورب حديث له خارج على العقل كحديثه عن داود وقراءته القرآن بأجمعه في لحظة لا تسع اسراج الدابة كما سمعت.

وله أحاديث خيالية أوردنا منها ستة في ختام الأربعين من حديثه في الفصل ١١ لتكون نموذجا لسائر ما كان من نوعها.

أما ما تزلف به الى بني أمية وأعوانهم أو الى الرأي العام في تلك الأيام فكثير أوردنا منه طائفة في الفصل ٥ والفصل ٧ والفصل ٩ وستجدها على أنواعها مختلفة، فأمعن متحرراً متجرداً تجده جائعاً يريد أن يشبع من الحديث، ويريد أن يشبع خياله من الحياة كما يراها الرجل الجائع وهو - بعدئذ - يعترف انه موطئ الأقدام في عصر حقره وأجاعه، ثم قذفه الى عصر أشبعه من أجل صناعة الأحاديث، أفيجوز ان نجعله بعد كل هذا جحة؟ نلقى اليه بازمة عقولنا وعقائدنا من غير نظر نختاره لهذه العقول والعقائد؟

فان صح هذا عقلاً وشرعاً فليمض أبو هريرة ومن اليه في حرمهم الذي بنته السياسة ووضعته بين التقاليد والمواريث.

وان صح عماية التقاليد والمواريث منشأ لفرقة؛ أو مثاراً لخلاف فلتبق حتى يأذن الصبح، إن أريد إلاّ الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.

١٦

بسم الله الرحمن الرحيم

أبو هريرة

حدّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأكثر، وروت عنه الصحاح الستة وسائر مسانيد الجمهور فأكثرت. فلم يسعنا ازاء هذه الكثرة المزدوجة إلى أن نبحث عن مصدرها، لإتصالها بحياتنا الدينية والعقلية اتصالاً مباشراً. ولولا ذلك لتجاوزناها وتجاوزنا مصدرها الى ما يغنينا عن تجشم النظر فيها وفيه.

لكن آسلات هذه الكثرة قد استفاضت في فروع الدين وأصوله فاحتج بها أهل المذاهب الأربعة ومتكلموهم من الأشاعرة وغيرهم كثير من أحكام الله وشرائعه عز وجل ملقين اليها سلاح النظر والتفكير لذلك لم يكن بد من البحث عن هذا المكثر نفسه. وعن حديثه كماً وكيفا لنكون على بصيرة فيما يتعلق من حديثه باحكام الله عز وجل.

١٧

١ - إسمه ونسبه (* )

كان أبو هريرة غامض الحسب، مغمور النسب، فاختلف الناس في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً. ولا يضبط في الجاهلية والإسلام(١) وانما يعرف بكنيته. وينسب الى دوس. وهي قبيلة يمانية تفرعت عن دوس ابن عدنان بن عبد الله بن زهران كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن النضر بن الأزد بن الغوث.

أما أبوه فقد قيل(٢) ان اسمه عمير وانه ابن عامر بن عبد ذي الشرى

________________________

(* ) بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وسلام على عباده الذين اصطفى. وبعد: فيقول أضعف المؤمنين عملا، وأقواهم بعفو الله أملا؛ عبد الحسين بن شرف الدين الموسوي العاملي: هذه تعليقة تضمن بيان مصادر الكتاب ولاندع شاردة عنه إلا ردتها اليه؛ فما أولى البحث والتدقيق بتتبعها، والله هو المرجو أن ينفع بها وبأصلها ويجعلهما خالصين لوجهه الكريم إنه أرحم الراحمين.

(١) نص على هذا بعين لفظه أبو عمر بن عبد البر في ترجمة أبي هريرة من استيعابه ومن راجع ترجمته في معاجم التراجم كالاستيعاب والاصابة وأُسد الغابة وطبقات ابن سعد وغيرها يجد غموض حسبه ونسبه محسوساً.

(٢) القائل بهذا محمد بن هشام بن السائب الكلبي فيما نقله عنه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته وقواه أبو أحمد الدمياطي فيما نقله عنه ابن حجر في ترجمة أبي هريرة من اصابته.

١٨

ابن طريف بن غياث بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس.

وأمه أميمة ابنة صفيح بن الحارث بن شابي بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس(١) .

وكنى أبا هريرة بهرة صغيرة كان مغرماً بها(٢) ولعل من غرامه بها حدث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان امرأة دخلت النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض(٣) وردت عليه عائشة إذبلغها حديثه ان شاء الله تعالى من هذا الكتاب -.

________________________

(١) هكذا ساق نسبها محمد بن سعد في ترجمة أبي هريرة؛ وهي في ص ٥٢ وما بعدها من القسم الثاني من الجزء الرابع من طبقاته.

(٢) روى ابن قتيبة الدينوري (في ترجمة أبي هريرة ص ٩٣ من كتابه المعارف) ان أبا هريرة كان يقول: وكنيت بأبي هريرة بهرة صغيرة كنت ألعب بها. وأخرج ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من الطبقات بالاسناد اليه قال كنت أرعى غنما وكانت لي هرة صغيرة فكنت اذا كان الليل وضعتها في شجرة فاذا أصبحت أخذتها فلعبت بها فكنوني أبا هريرة وكل من ترجم ذكر هذا أو نحوه واستمر في الاسلام على غرامه بالهرة والعبث بها حتى رآه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يحملها في كمه كما ذكره الفيروز آبادي في مادة الهرة من قاموسه المحيط.

(٣) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق ص ١٤٩ من الجزء الثاني من صحيحه. وأخرجه أحمد بن حنبل من حديث أبي هريرة ص ٢٦١ من الجزء الثاني من مسنده.

١٩

٢ - نشأته وإسلامه وصحبته

نشأ في مسقط رأسه (اليمن) وشب ثمة حتى أناف على الثلاثين(١) جاهلياً لا يستضئ بنور بصيرة ولا يقدح بزناد فهم، صعلوكاً قد أخمله الدهر ويتيماً أزرى به الفقر. يخدم هذا وذاك وتى وتلك مؤجراً نفسه بطعام بطنه(٢) حافياً عارياً. راضياً بهذا الهوان، مطمئناً اليه كل الاطمئنان.

لكن لما أظهر الله أمر نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة الطيبة بعد بدر وأحد والأحزاب وبعد اللتيا والتي. لم يكن لهذا البائس المسكين حينئذ مذهب عن باب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهاجر اليه بعد فتح خيبر فبايعه على الاسلام وكان سنة سبع للهجرة بانفاق أهل الاخبار.

أما صحبته فقد صريح أبو هريرة - في حديث أخرجه البخاري(٣) - بأنها كانت ثلاث سنين.

________________________

(١) قال أبو هريرة من حديث تجده في ترجمته من الاصابة وغيرها قدمت ورسول الله بخيبر وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين.

(٢) كان أبو هريرة يحدث عن نفسه فيقول كما في ترجمته من الطبقات والاصابة وحلية الأولياء وغيرها -: كنت أجيراً لابن عفان وابنه غزوان بطعام بطني اسوق بهم اذا ركبوا وأخدمهم اذا نزلوا. وله كلام في هذا المعنى كثير سنورده في محله من الاصل. ‌

(٣) في باب علامات النبوة في الإسلام ص ١٨٢ من الجزء الثاني من صحيحه. وهو موجود في ترجمة أبي هريرة من الاصابة والطبقات.

٢٠