أبو هريرة

أبو هريرة0%

أبو هريرة مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 224

أبو هريرة

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
تصنيف:

الصفحات: 224
المشاهدات: 70383
تحميل: 8645

توضيحات:

أبو هريرة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 224 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70383 / تحميل: 8645
الحجم الحجم الحجم
أبو هريرة

أبو هريرة

مؤلف:
العربية

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يانبي الله ثلاث اعطنيهن، قال: نعم؛ قال: عندي احسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان ازوجكها. قال: نعم، قال ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم، قال: وتأمرني ان اقاتل الكفار كما كنت اقاتل المسلمين، قال: نعم؛ الحديث(١) . اقتصر عليه مسلم في باب فضائل أبي سفيان إذ لم يجد والحمد لله سواه وهو باطل بالاجماع؛ لأن أبا سفيان انما دخل في عداد المسلمين يوم فتح مكة اجماعاً وقولا واحداً، وقبل الفتح كان عدو لله ولرسوله ومحارباً لهما.

اما بنته أم حبيبة واسمها رملة فقد اسلمت قبل الهجرة وحسن اسلامها فكانت ممن هاجر الى الحبشة هرباً من أبيها وقومها، وقد تزوجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوها ممعن في الكفر مسترسل في محاربته للنبي فلما بلغه ان النبي قد تزوجها قال: ذلك الفحل لا يقدع انفه؛ وقدم بعد ذلك على المدينة يريد أن يزيد في الهدنة فدخل على بنته أم حبيبة فلما اراد الجلوس على فراشها طوته دونه فقال لها: رغبت به عني فقالت: نعم هذا فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنت امرؤ نجس مشرك، نص على هذا كله اعلام الامة واثباتها وهو مما لا ريب فيه، ومن راجع كتب السير والاخبار ووقف على احوال أم حبيبة في كتب المعاجم والتراجم على التفضيل.

________________________

(١) تقف عليه في: ٢/٣٦١ من صحيحه وهو من الاباطيل التي وضعها عكرمة اليمامي، وقد جرم بذلك ابن حزم كما نقله عنه النووي حيث اتى على هذا الحديث في شرح صحيح مسلم فراجع، وقال الذهبي في آخر ترجمة عكرمة بن عمار من ميزان الاعتدال ما هذا نصه: وفي صحيح مسلم قد ساق له اصلا منكراً عن سماك الحنفي عن ابن عباس في الثلاثة التي طلبها أبو سفيان وثلاثة احاديث اُخر بالاسناد أ هـ.

(قلت): ومن منكرات عكرمة هذا ما رواه عن أياس عن ابيه سلمة ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ابو بكر خير الناس الحديث، رواه ابن عدي في كتابه الكامل وهو كما قال الذهبي في أول ميزانه اكمل الكتب واجلها في معرفة الضعفاء

١٨١

وحسبك ما اورده النووي عند بلوغه الى هذا الحديث في شرحه لصحيح مسلم(١) والحمد لله على الهداية للصواب، والشكر له إذ جعلنا من أولي الألباب وصلى الله على محمد وآله وسلم.

١٤ - انكار السلف عليه

أنكر الناس على أبي هريرة واستفظعوا حديثه على عهده إذ أفرط في الاكثار وانفرد باسلوب خاص يوجب الشك فيه فلهذا وذاك كاشفه الناس وانكروا عليه من حيث كمية حديثه ومن حيث كيفيته.

يدلك على هذا قوله متألماً متظلماً: يقولون ان أبا هريرة يكثر الحديث والله الموعد ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل حديثه؟

فيصرح بأن كمية حديثه وكيفيته كانتا كلتاهما مدار الانكار وقد تهددهم بالله وبالدار الآخرة على ذلك إذ قال: والله الموعد متفجعاً متوجعاً منهم حتى زعم انه لولا تكليفه الشرعي ما حدثهم بشئ ابداً لسوء ظنهم به فقال في آخر الحديث: والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم شيئاً ابداً،:( ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) الحديث(٢) وهو كما ترى صحيح صريح بما قلناه.

________________________

(١) شرح النووي مطبوع في هامش شرحي صحيح البخاري وهما ارشاد الساري وتحفة الباري، وما احلناك هنا عليه من شرح النووي موجود في آخر: ص٣٦٠ وما بعدها من المجلد الحادي عشر فراجعه لتكون على بصيرة واعجب من ابن الصلاح وهذيانه.

(٢) اخرجه البخاري في اول المزارعة وآخر البيوع من صحيحه واخرجه مسلم في الصحيح ايضاً وسنذكره في الفصل الآتي فنتوسع فيما نعلقه عليه مما يقتضيه المقام ان شاء الله تعالى فراجع.

١٨٢

واصرح منه ما حدث به أبو رزين اذ قال(١) : خرج الينا أبو هريرة فضرب بيده على جبهته فقال: الا انكم تحدثون اني أكذب على رسول الله لتهتدوا واضل الحديث.

ولما أتى العراق مع معاوية عام الجماعة ورأى كثرة مستقبليه من الناس جثا على ركبتيه في مسجد الكوفة وجعل يضرب صلعته مراراً يلفت الناس بذلك اليه وحين اجتمعوا عليه أهاب بهم: يا أهل العراق اتزعمون أني اكذب على الله وعلى رسوله فاحرق نفسي بالنار الى آخر ما استرسل فيه يومئذ من التحامل على الوصي تزلفاً الى اعدائه في كلام باطل(٢) .

وحسبك ان في مكذبيه عظماء الصحابة قال المعاصر البحاثة أحمد أمين المصري من كلام له(٣) حول أبي هريرة: وقد أكثر بعض الصحابة من نقده على الاكثار من الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشكوا فيه كما يدل على ذلك ما روى مسلم في صحيحه. ثم اورد حديثين اخرجهما مسلم صريحين في نقده والشك فيه.

وقال الفاضل المعاصر مصطفى صادق الرافعي المصري من كلام له في هذا الموضوع: وكان اكثر الصحابة رواية أبو هريرة (قال): وقد صحب ثلاث سنين ولهذا كان عمر وعثمان وعلي وعائشة ينكرون عليه ويتهمونه وهو أول

________________________

(١) فيما اخرجه مسلم في كتاب اللباس: ٢/٢١٧ من صحيحه فراجع منه باب اذا انتعل احدكم فليبدأ باليمين.

(٢) نقله عنه الامام ابو جعفر الاسكافي من طريق الأعمش كما في: ص٣٥٩ من المجلد الاول من شرح النهج الحميدي طبع مصر.

(٣) في الفصل الثاني من الباب السادس: ص٢٦٢ والتي تبعدها من كتابه (فجر الاسلام).

١٨٣

رواية اتهم في الاسلام وكانت عائشة اشدهم انكاراً عليه الى آخر كلامه(١) .

وقال النظام(٢) : أكذب أبا هريرة كل من عمر وعثمان وعلي وعائشة أ هـ.

وحين حاول ابن قتيبة الدفاع عن أبي هريرة والرد على النظام لم يستطع إلا الاعتراف بما نقله النظام في هذا المقام، واليك رده بعين لفظه:

قال(٣) : وأما طعن النظام على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة له فان أبا هريرة صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نحواً من ثلاث سنين وقد اكثر الرواية عنه فلما اتى من الرواية عنه ما لم يأت بمثله من صحبه من جلة الصحابة والسابقين الاولين اليه اتهموه وانكروا عليه(٤) وقالوا كيف سمعت هذا وحدك؟ ومن سمعه معك؟ قال: وكانت عائشة اشدهم انكاراً عليه لتطاول الأيام بها وبه وكان عمر ايضا شديداً على من اكثر الرواية أو أتى بخبر في الحكم لا شاهد له عليه. الى آخر كلامه الذي اجراه الحق على لسانه فكان (بالرغم عنه) مصدقاً للنظام فيما نقله عن اولئك الاعلام ولا غرو فالحق ينطق منصفاً وعنيداً.

اما ما زعمه ابن قتيبة(٥) (من امساك الصحابة عن أبي هريرة لما أخبرهم

________________________

(١) فراجعه في مبحث الرواية بعد الاسلام: ١/٢٨٢ من كتابه (آداب العرب).

(٢) فيما نقله عنه ابن قتيبة في: ص٢٧ من كتابه (تأويل مختلف الحديث) حيث ذكر أقاويل النظام في الصحابة.

(٣) في: ص٤٨ من كتابه - تأويل مختلف الحديث -.

(٤) اراد ابن قتيبة ان يرد على النظام فأيد قوله ولم يقتصر على ذكر عمر وعثمان وعلي وعائشة في مكذبي ابي هريرة حتى اضاف اليهم بقية السابقين الأولين، فان الواو في اتهموه وانكروا عليه واجع اليهم جميعاً كما ترى.

(٥) في: ص٥٠ من كتابه - تأويل مختلف الحديث -.

١٨٤

يمنزلته الخاصة من رسول الله، فجزاف لا يصغى اليه؛ فان عظماء الصحابة يعرفون منزلته بكنهها فلا حاجة بهم الى من يعرّفهم بها فلو كانت له في نفوسهم منزلة الصادقين ما كذبوه ولا اتهموه، وقد مر عليك حديثه(١) اذ يخربين المنبر والحجرة مغشياً عليه (في العهد النبوي) فيجئ الجائي فيضع رجله على عنقه يرى انه مجنون، وهذا ما لا يجتمع مع احترامه فضلا عن سمو مقامه.

وبالجملة: فان انكار الاجلاء (من الصحابة والتابعين) عليه واتهامهم اياه مما لا ريب فيه ما تورع منهم عن ذلك احد حتى مضوا لسبيلهم وانما تورع الجمهور ممن جاء بعدهم اذ قرورا القول بعدالة الصحابة اجمعين اكتعين ابصعين، ومنعوا من النظر في شؤونهم، وجعلوا ذلك من الاصول المتتبعة وجوباً، فاعتقلوا العقول بهذا، وسملوا العيون؛ وجعلوا على القلوب اكنة وعلى الاسماع وقراً فاذاهم:( صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون ) .

حاشا ائمة أهل البيتعليهم‌السلام فانهم انزلوا الصحابة حيث انزل الصحابة انفسهم(٢) فرأيهم في أبي هريرة لم يعد رأي علي وعمر وعثمان وعائشة وتبعهم في هذا شيعتهم كافة القدماء منهم والمتأخرون من عهد أمير المؤمنين الى يومنا هذا.

________________________

(١) في اوائل هذا الاملاء.

(٢) قال الفاضل المعاصر احمد امين في: ص٢٥٩ من (فجر الاسلام) ويظهر ان الصحابة انفسهم في زمنهم كان يضع بعضهم بعضا موضع النقد وينزلون بعضاً منزلة اسمى من بعض، فقد كان منهم اذا روى له حديث طلب من المحدث برهاناً، بل روى ما هو اكثر من ذلك، فقد روى ان ابا هريرة روى حديثاً فلم يأخذ ابن عباس بخبره ورد عليه وحدث بحديث فلم تأخذ به عائشة وردت عليه، وروت فاطمة بنت قيس حديثاً يتعلق بزوجها فرده عمر قائلا: لا نترك كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لاندرى اصدقت ام كذبت حفظت ام نسيت وردته عائشة ايضا فقالت لفاطمة الا تتقين الله - قال -: ومثل هذا كثير.

١٨٥

ولعل جل المعتزلة على هذا الرأي. قال الامام ابو جعفر الاسكافي(١) ما هذا نصه: وأبو هريرة مدخول(٢) عند شيوخنا غير مرضي الرواية؛ (قال) ضربه عمر بالدرة، وقال: قد اكثرت من الرواية ولحربك أن تكون كاذباً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قال) وروى سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم التيمي قال: كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار (قال) وروى أبو اسامة عن الأعمش قال: كان ابراهيم صحيح الحديث فكنت إذا سمعت الحديث اتيته فعرضته عليه فأتيته يوماً بأحاديث ابي صالح عن أبي هريرة فقال: دعني من أبي هريرة أنهم كانوا يتركون كثيراً من حديثه (قال): وقد روي عن علي انه قال: ان اكذب الناس أو قال اكذب الأحياء على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبو هريرة الدوسي (قال): وروى أبو يوسف أنه قال قلت لأبي حنيفة يجئ الخبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخالف قياساً فما نصنع به؟ قال: اذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأي، فقلت: ما تقول في أبي بكر وعمر؟ فقال: ناهيك بهما، قلت: وعلي وعثمان، قال: كذلك فلما رآني اعد الصحابة قال: والصحابةكلهم عدول ما عدا رجالا ثم عدّ منهم أبا هريرة وانس بن مالك.

(قلت): وقد علمنا ان الامام ابا حنيفة واصحابه كانوا يتركون حديث أبي هريرة اذا عارض قياسهم كما فعلوا في حديثه عن المصراة (وهي البقرة او الشاة أوالناقة يجمع اللبن في ضرعها ويحبس اياماً لا تحلب فيها لايهام المشتري انها غزيرة اللبن) إذ روى ان رسول الله صلى اله عليه واله وسلم قال: لا تصروا الابل والغنم من ابتاعها بعد ذلك فهو يخبر النظرين من بعد أن يحلبها. فان رضيها امسكها وان سخطها ردها وصاعاً من تمرفلم يأبهوا بحديثه هذا وقالوا: أبو هريرة غير

________________________

(١) كما في: ص٣٦٠ من المجلد الاول من شرح النهج الحميدي.

(٢) أي كان في عقله دخل.

١٨٦

فقيه وحديثه هذا مخالف للأقيسة بأسرها فان حلب اللبن من التعدي، وضمان التعدي يكون بالمثل او القيمة، والصاع من النمر ليس واحداً منهما، إلى آخر كلامهم(١) .

وعلمنا أيضاً ان من رأي أبي حنيفة وأصحابه كافة بطلان الصلاة بالكلام مطلقاً ولو عن نسيان او جهل او ظن المصلي بأنه خرج من الصلاة، والفقه الحنفي صريح بهذا الرأي وعليه سفيان الثوري في اصح الروايتين عنه وهذا مما يدل على ان لا قيمة عندهم لحديث ابي هريرة؛ اذ حدث بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سها فسلم في الرباعية عن ركعتين ثم قام من مصلاه ودخل حجرته ثم رجع فقيل له: اقصرت الصلاة ام نسيت؟ فقال: لم تقصر ولم أنس، فقالوا: بلى صليت بنا ركعتين. وبعد حوار كان بينه وبينهم أيقن بما يقولون فبنى على الركعتين وأتم الصلاة ثم سجد للسهو(٢) وبهذا اخذ مالك والشافعي واحمد والاوزاعي وغيرهم فأفتوا بأن كلام الناسي للصلاة والذي يظن انه ليس فيها لا يبطلها. لكن ابا حنيفة حيث لم يأبه بحديث أبي هريرة افتى بالبطلان(٣) .

ولنختم الفصل بنوادر كانت بين أبي هريرة وبعض الصحابة تلمسك منزلته في نفوسهم.

(فنمها): ما ذكره أبو هريرة إذ قال: لما بلغ عمر حديثي استدعاني فقال لي: أكنت معنا يوم كنا في بيت فلان؟ فقلت: نعم وان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال

________________________

(١) راجعه في مظانه من فقه الحنفية، وقد نقله عنهم الفاضل احمد امين في آخر: ص٢٦٣ والتي بعدها من كتابه فجر الاسلام.

(٢) وقد مر حديثه هذا في الفصل: ١١ فراجعه وامعن فيما علقناه عليه.

(٣) وقد نقل النووي في شرح صحيح مسلم بطلان الصلاة في هذا الفرض عن أبي حنيفة واصحابه وعن الثوري في اصح الروايتين عنه ونقل عدم البطلان عمن سواهم عملا بحديث أبي هريرة هذا فراجع شرح الحديث في آخر: ص٢٣٤ والتي بعدها من الجزء الرابع من شرح النووي المطبوع في هامش شرحي البخاري.

١٨٧

يومئذ: من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار الحديث(١) .

وهذا من الأدلة على انه لم يكن ممن يحدث بحضرة عمر ولا ممن كان عمر يراهم او يسمعهم يحدثون، وإنما بلغه حديثه من افواه الناس فاتهمه به لغرابته فاستدعاه لينذره بالنار اذا كذب.

(ومنها): انه زجره مرة فقال له(٢) : لنتركن الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لأ لحقنك بأرض دوس او بأرض القردة.

(ومنها): انه غضب عليه باكثارة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضربه بالدرة ردعا له وهو يوبخه بقوله(٣) : اكثرت يا ابا هريرة وأحر بك ان تكون كاذباً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(ومنها): انه عزله عن البحرين بعد ان ضربه فأدمى ظهره وانتزع منه عشرة آلاف لبيت المال ووبخه بكلام فظيع كما فصلناه آنفاً(٤) .

(ومنها): انه ضربه على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضربة خرّ بها لاسته(٥) .

(ومنها): ان علياً لما بلغه حديث أبي هريرة قال(٦) : ألا ان اكذب الناس أو قال: اكذب الأحياء على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو هريرة الدوسي.

(ومنها): أنه بلغ علياً إن أبا هريرة يبتدئ بميامينه فقال(٧) : لأخالفن أبا هريرة.

________________________

(١) اخرجه مسدد في مسنده من طريق خالد بن يحيى عن ابيه عن أبي هريرة ونقله ابن حجر في ترجمة أبي هريرة من الاصابة.

(٢) فيما اخرجه ابن عساكر وهو الحديث: ٤٨٨٥ في: ٥/٢٣٩ من كنز العمال وتراه صريحاً في امره بترك الحديث بالمرة.

(٣) فيما رواه الامام الاسكافي وقد مر عليك قريبا.

(٤) فراجع احواله على عهد الخليفتين.

(٥) فيما اخرجه مسلم في: ١/٣٤ من صحيحه.

(٦) فيما رواه ابو جعفر الاسكافي وقد مر عليك قريبا.

(٧) العمدة في هذه الرواية على ابن قتيبة في: ص٢٧ من تأويل مختلف الحديث.

١٨٨

(ومنها): ان أبا هريرة كان يقول: حدثني خليلي؛ ورأيت خليلي وقال لي خليلي رسول الله، فبلغ علياً ذلك فقال له: متى كان النبي خليلك يا ابا هريرة؟ ينكر عليه قوله هذا، إذ كان سئ الرأي فيه(١) وعلي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا الحوض على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، وعلي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيف دار(٣) .

(ومنها): ان عائشة دعت أبا هريرة إذ بلغها حديثه فقالت له: ما هده الأحاديث التي تبلغنا انك تحدث بها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل سمعت إلا ما سمعنا؟ ورأيت إلا ما رأينا؟ قال: يا أماه انه كان يشغلك عن رسول الله المرآة والمكحلة الحديث(٤) .

(ومنها): انه روي ان الكلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة، فكذبته عائشة وقالت: رأيت رسول الله يصلي وسط السرير وأنا على السرير معترضة بينه وبين القبلة.

(ومنها): انه روي حديثاً في النهي عن المشي بالخف الواحد فبلغ عائشة ذلك فمشت بخف واحد وقالت لأخالفن أبا هريرة.

(ومنها): انه روي من اصبح جنباً قلا صيام له، فردت عليه عائشة وحفصة وكذبتا حديثه فاعترف أبو هريرة لهما ورجع عن قوله معتذراً بأنه

________________________

(١) قاله ابن قتيبة في: ص٥٢ من تأويل مختلف الحديث.

(٢) اخرجه الحاكم في المستدرك والطبري في الاوسط عن أم سلمة مرفوعا وهو الحديث: ٢٥٢٩ في: ٦/١٥٣ من كنز العمال.

(٣) عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحق مع ذا الخق مع ذا يشير الى علي، اخرجه ابو يعلى في مسنده وسعيد بن منصور في سننه، وهو الحديث: ٢٦٣٧ في: ٦/١٥٧ من الكنز.

(٤) اخرجه وصححه الحاكم في: ٣/٥٠٩ من صحيحه المستدرك وصححه الذهبي اذ اورده في تلخيص المستدرك، وعائشة لم تقبل عذره بدليل انها ما امسكت عنه حتى ماتت.

١٨٩

لم يكن سمع ذلك من رسول الله وإنما سمعه من الفضل بن العباس وكان الفضل (حين اعتذر بهذا) ميتاً(١) .

(ومنها): ان رجلين دخلا على عائشة فقالا: ان ابا هريرة يحدث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: إنما الطيرة في المرأة والدابة فطارت عائشة شغفاً ثم قالت: كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم من حدث بهذا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ الحديث(٢) .

(ومنها): انه جلس مرة الى جنب حجرة عائشة يحدث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي مشغولة في سبحتها فقالت بعد فراغها: ألا يعجبك أبو هريرة يجلس الى جنب حجرتي يحدث عن النبي يسمعني ذلك؟ وكنت اسبح فقام قبل ان أقضى سبحتي ولو ادركته لرددت عليه الحديث(٣) .

(ومنها): انه روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: متى استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يضعها في الاناء فان احدكم لا يدري اين باتت يده؟ فانكرت عائشة عليه(٤) فلم تأخذ به وقالت: كيف نصنع بالمهراس(٥) .

________________________

(١) تجد حديث الكلب والمرأة والحمار وحديث المشي في الخف الواحد وحديث من اصبح جنبا في: ص٢٧ والتي بعدها من تأويل مختلف الحديث والصواب ان اللتين ردنا حديثه فيمن اصبح جنبا انما هما عائشة وأم سلمة كما نقلناه في الحديث: ٢٧ عن صحيح البخاري.

(٢) أورده ابن قتيبة في: ص١٢٦ والتي بعدها من تأويل مختلف الحديث.

(٣) اخرجه مسلم في: ٢/٣٥٨ و٥٣٨ من صحيحه في فضائل أبي هريرة وفي التثبت في الحديث.

(٤) نقل ذلك أحمد أمين: ص٢٥٩ من فجر الاسلام، والانصاف ان انكارعائشة في هذا على أبي هريرة إنما يكون متجها لعدم وثاقته، اما نقضها عليه بالمهراس فغير متجه كما لا يخفى.

(٥) المهراس: حجر منقور ضخم لا يقله الرجال ولا يحركونه لثقله يملأونه ماء ويتطهرون منه.

١٩٠

(ومنها): ان أبا هريرة روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن من حمل جنازة فليتوضأ، فلم يأخذ ابن عباس بخبره وردّه صريحاً قال: لا يلزمنا الوضوء في حمل عيدان يابسة(١) .

(ومنها): ان ابن عمر كان يروي ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية فقيل لابن عمر: ان أبا هريرة يقول: أو كلب زرع، فلم يأبه بذلك ابن عمر وقال في رده: ان لأبي هريرة زرعاً يتهمه بزيادة كلب الزرع في حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احتفاظاً بكلبه واحتياطاً على زرعه والحديث في صحيح مسلم(٢) .

ومثله ما في صحيح مسلم ايضاً(٣) عن أبي هريرة مرفوعاً: من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أوصيد أو زرع انتقص من اجره كل يوم قيراط، فذكر لأبن عمر قول أبي هريرة هذا فقال: يرحم الله أبا هريرة كان صاحب زرع - يتهمه بزيادة كلب الزرع ايثاراً لمصلحته - وقد اتهمه بهذا ايضا سالم بن عبد الله ان عمر في حديث أخرجه مسلم ايضاً(٤) .

(ومنها): ان ابن عمر لم يصدق أبا هريرة في حديثه في القنفذ وبقى شاكا فيه.

(ومنها): ان ابن عمر سمعه يحدث بأن من اتبع جنازة فله قيراط من الاجر فقال اكثر علينا أبو هريرة ولم يصدقه حتى بعث الى عائشة يسألها عن

________________________

(١) رواه جماعة من الاثبات ونقله الاستاذ احمد أمين في: ص٢٥٩ فجره.

(٢) راجعه في: ١/٦٢٥ من صحيحه في باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخها.

(٣) راجعه في: ١/٦٢٧ من صحيحه في باب تحريم اقتناء الكلاب إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك.

(٤) في: ١/٦٢٦ من صحيحه.

١٩١

ذلك فروته له فصدق جينئذ والحديث في هذا ثابت(١) .

وكذلك فعل عامر بن شريح بن هاني إذ سمع أبا هريرة يحدث بأن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فلم يصدق أبا هريرة بذلك حتى سأل عائشة فروته له وأفهمته المراد منه، والحديث في ذلك ثابت ايضاً(٢) .

ولو أردنا استقصاء الموارد التي ردّ فيها السلف حديث أبي هريرة وانكروا فيها عليه لطال بنا الكلام، وهذا القدر كاف لما أردناه والحمد لله.

وناهيك تكذيب كل من عمر وعثمان وعلي وعائشة له، وقد تقرر بالاجماع تقديم الجرح على التعديل في مقام التعارض على انه لا تعارض هنا قطعاً فان العاطفة بمجردها لا تعارض تكذيب من كذبه من الأئمة.

أما اصالة في الصحابة فلا دليل عليها والصحابة لا يعرفونها ولو فرض صحتها فانما يعمل على مقتضاها في مجهول الحال لا فيمن يكذبه عمر وعثمان وعلي وعائشة ولا فيمن قامت على جرحه ادلة الوجدان فاذا نحن من جرحه على يقين جازم.

١٤ - سبوح لها منها عليها شواهد

ونحن الإمامية لنا في الصحابة رأي هو أوسط الآراء عقدنا لبيانه في أجوبة موسى جار الله فصلا مخصوصا(٣) وعقدنا لتأييده فصلا آخر(٤)

________________________

(١) اخرجه مسلم في باب فضل الصلاة على الجنائز واتباعها: ص٣٤٩ والتي بعدها من الجزء الأول من صحيحه، واخرج الحاكم في: ٣/٥١٠ من المستدرك نحوه.

(٢) اخرجه مسلم: ٤٢٢ في باب: من احب لقاء الله احب الله لقاءه من الجزء الثاني من صحيحه.

(٣) تجده في: ص١١ وما بعدها إلى منتهى: ص١٥ من الأجوبة.

(٤) تجده في: ص٢٣ وما بعدها الى: ٢٧ من الأجوبة ايضا.

١٩٢

فليراجعها من اراد التحقيق من أولي الألباب والحمد لله على الهداية للصواب.

١٥ - إحتجاته على متهميه

كان أبو هريرة يحتج على مكذبيه ومتهميه فيقول(١) : يقولون ان أبا هريرة يكثر الحديث! والله الموعد! ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل احاديثه؟ وان اخوتى من المهاجرين كان يشغلهم الصفق في الأسواق وان اخوتى من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم! وكنت امرءاً مسكيناً الزم رسول الله على ملء بطني فأحضر حين يغيبون! وأعي حين ينسون!!. وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً! لن يبسط احد منكم ثوبه حتى اقضي مقالتي هذه ثم يجمعه الى صدره فينسى من مقالتي شيئاً ابداً فبسطت نمرة ليس عليّ ثوب غيرها حتى قضى النبي صلى اله عليه واله وسلم مقالته ثم جمعتها الى صدري فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك شيئاً الى يومي هذا والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم شيئاً ابداً: ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى، الى قوله: وأنا التواب الرحيم.

(قلت): ان أبا هريرة كلما ازداد مثالة زاده الله رعالة(٢) يريد ان يقنع المنكرين عليه في كمية احاديثه وكيفيتها فجاءهم بهذا تزكية لنفسه

________________________

(١) فيما اخرجه في البخاري في آخر المزارعة: ٢/٣٤ من صحيحه وأخرجه في البيوع وفي غير موضع من الصحيح وكذلك مسلم في عدة مواضع من صحيحه واحمد في مواضع من الجزء الثاني من مسنده وجميع أصحاب السنن والمسانيد اخرجوه من حديث أبي هريرة بطرق اليه كثيرة والفاظ مختلفة.

(٢) أي كلما ازداد رزقا زاده الله حمقا.

١٩٣

واحتجاجا عليهم فاذا حجته جفاء أو ثأطة مدت بماء(١) كأن الله عز وجل سخره بهذا الحديث حجة للمنكرين عليه ودليلا على صحة ما نسبوه اليه فاني (وشرف الصدق) وعلو مقام الصادقين ما رأيت في كل ما صنعته ايدي المخرفين ابرد من هذا الحديث ولا ابعد منه عن الصدق وما كنت لأ لم به ولا لاعرج عليه لولا ان الشيخين وامثالهما قد نظموه في سلك الصحاح بكل ارتياح وانما فعلوا ذلك تعبداً برأيهم في كل صحابي وقد خالفوا في ذلك الأدلة عقلية ونقلية وخالفوا السلف الصالح من أولي الألباب كما أو ضحناه في كتابنا - تحفة المحدثين - ولنا على بطلان هذا الحديث وجوه: -.

(الأول): زعم ان المهاجرين كان يشغلهم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصفق بالأسواق(٢) والأنصار كان يشغلهم عمل اموالهم(٣) فساق السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار كافة بعصاً واحدة - لقد هزلت - - وحن قدح ليس منها - واي قيمة للقول بأن جميع المهاجرين كان يلهيهم الصفق بالأسواق؟ بعد قوله عز من قائل:( رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله .. ) الآية وهل لمعارض كتاب الله إلا الضرب بعرض الجدار؟ ومن هو أبو هريرة؟ ليحضر حين يغيب الخصيصون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحفظ حين ينسون يقول هذا القول بملء فيه غير متئد ولا خجل ولا وجل إذ قاله على عهد معاوية حيث لا عمر ولا عثمان ولا علي ولا طلحة ولا الزبير ولا سلمان ولا عمار ولا المقداد ولا أبو ذر ولا أمثالهم كبرت كلمة تخرج من فيه ما أبعدها عن الصدق وقد علم

________________________

(١) الجفاء هنا ما نفاه الباطل، والثأطة الحمأة كلما ازدادت ماء قل تماسكها.

(٢) الصفق: كناية عن التبايع إذ كان البايعان يتصافقان بالأكف، وكان عمر يقول عما جهله من السنن ألهاني عنه الصفق بالأسواق، أي الخروج إلى التجارة اخرجه في: ٢/٤ من صحيحه في باب الخروج بالتجارة.

(٣) أي إدارة حدائقهم إذ كانوا أهل نخيل.

١٩٤

الناس موضع علي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرابة والمنزلة الخصيصة وضعه في حجره وهو ولد يضمه الى صدره ويكنفه إلى فراشه ويمسه جسده ويشمه عرفه وكان يمضغ الشئ ثم يلقمه إياه وما وجد له كذبة في قول ولا خطلة في عمل ولقد قرن الله بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من لدن ان كان فطيما اعظم ملك من ملائكته يسلك به طرق المكارم ومحاسن أخلاق العالم فكان علي يتبع رسول الله اتباع الفصيل أثر أمه يرفع له في كل يوم من اخلاقه علما ويأمره بالاقتداء به ولقد كان معه (هو والصديقة الكبرى خديجة أم المؤمنين) بحراء فيرى نور الوحي والرسالة ويشم ريح النبوة وكان بعد ذلك باب مدينته وأقضى أمته، وعيبة سره وولي أمره، ووارث حكمه؛ وفارج همه، وصاحب الأذن الواعية - ومن عنده علم الكتاب - فهل يمكن ان ينسى من سننه ما حفظه أبو هريرة أو يكتم منها ما بينه أبو هريرة؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

على انه لم يكن من المهاجرين من يصفق في الأسواق إلا القليل؛ وحسبك أبو ذر والمقداد وعمار ورفقاء أبي هريرة في الصفة وهم سبعون كانوا كما وصفهم أبو هريرة مامنهم رجل عليه رداء وإنما عليه إما ازار وإما كساء قد ربطوه في أعناقهم إلى آخر كلامه في وصفهم(١) فما بالهم لم يحدثوا بمثل احاديثه؛ ولم يكثروا كما أكثر بل لم يكن المجموع منحديثهم كافة إلاّ دون حديثه خاصة.

وكذا الأنصار لم يكونوا باجمعهم من أهل الأموال والأشغال كما زعم وحسبك (ممن لا مال له منهم) سلمان الفارسي الذي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه: سلمان منا أهل البيت، وقال: - كما في ترجمة سلمان من الاستيعاب - لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان؛ وقالت عائشة - كما في ترجمته من الاستيعاب ايضا - كان لسلمان مجلس من رسول الله ينفرد به في الليل حتى كاد يغلبنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي الاستيعاب ايضاً قال علي: ان سلمان الفارسي مثل لقمان الحكيم علم

________________________

(١) فراجعه في احواله على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا الاملاء.

١٩٥

علم الاؤل والآخر بحر علم لا ينزف، وقال كعب الاحبار - كما في الاستيعاب وغيره -: سلمان حشي علماً وحكمة إلى آخر ما هو مأثور عنه من امثال هذه الخصائص، وقد علم الناس ان أبا أيوب الأنصاري لم يكن له من العيش إلا بلغه لا تشغله عن علم ولا عن عمل، وكذلك ابو سعيد الخدري وأبو فضالة الأنصاري وغيرهم من نظرائهم من علماء الأنصار وعظمائهم رضي الله تعالى عنهم.

على ان سيد الحكماء وخاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تكن اوقاته فوضى وإنما كانت في الليل والنهار مرتبة للمهمات على ما تقتضيه الحكمة في تلك الأوقات، وقد خصص منها لا لقاء العلم وقتاً لا يعارض اوقات الصفق في الأسواق ولا اوقات العمل في الأموال، وكان المهاجرون والانصار لايغيبون في ذلك الوقت ابداً وهم احرص على العلم مما يخرفه المخرفون.

(الثاني): لو صح ما زعمه ابو هريرة (من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه: لن يبسط أحد منكم ثوبه أقضي مقالتي هذه ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئاً أبداً) لتسابقوا اليه، واجتمعوا بقضهم وقضيضهم عليه، فانه الفضل لا يبلغه الطالب بشد الرجال، والعلم لا يناله ببذل الاموال، وما الذي ثبطهم عن نيله؟ ومنعهم عن بسط اثوابهم في سبيله؟ وكيف زهدوا في هذه الغنيمة وضيعوا على انفسهم تلك الفوائد العظيمة؟ أترى انهم كانوا بهذه المثابة من الزهد في العلم والرغبة عما يدعوهم الرسول اليه؟ كلا! ما هكذا الظن بهم ولا هذا بمشبه لما كانوا عليه من التعبد بأوامره؛ والمبادرة الى ما يدعوهم اليه.

(الثالث): لو صح ما زعمه أبو هريرة لعظم ندم الصحابة، واسفهم على ما ضيعوه من ذلك الفضل الكبير، والعلم الغزير، ولتواتر لهفهم على ما اهملوه من بسط اثوابهم لرسول الله حين انه لا كلفة فيه ولامشقة عليهم، ولندّد بعضهم ببعض، وتلاوموا على تركهم ذلك بسوء اختيارهم ولتواترت منهم

١٩٦

الغبطة لأبي هريرة بالفوز به دونهم على حين انه لم يكن إلا ثوب واحد وما منهم من احد إلا وعليه ثوبان او اكثر فلما لم يكن شئ من ذلك علمنا ان هذا من كيس أبي هريرة.

(الرابع): لو كان الأمر كما قصه أبو هريرة لحدث به غيره ممن دعاهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ الى بسط اثوابهم، بل لو كان لعده الصحابة والتابعون من اعلام النبوة، وآيات الاسلام وادلة الدين؛ ولتواترت به الأخبار، واشتهر اشتهار الشمس في رائعة النهار، فلما لم نجده إلا في حديث أبي هريرة عطفناه على واهياته.

(الخامس): انه قد تناقض كلام أبي هريرة في هذه القصة، فتارة حدث بها كما سمعت إذ قال - فيما رواه الاعرج عنه -(١) : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوماً لأصحابه لن يبسط احد منكم ثوبه حتى اقضي مقالتي هذه ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئاً ابداً (قال): فبسطت نمرة ليس على ثوب غيرها حتى قضى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقالته ثم جمعتها إلى صدري فو الذي بعثه بالحق مانسيت من مقالته تلك شيئاً الى يومي هذا أ هـ بلفظه.

وتارة حدث بها فقال - فيما رواه عنه المقبري -(٢) : قلت يا رسول الله

________________________

(١) الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز وحديثه هذا عن أبي هريرة موجود في آخر المزارعة: ٢/٣٤ من صحيح البخاري، وموجود في فضائل أبي هريرة: ٢/٣٥٧ من صحيح مسلم واخرج البخاري نحوه في اول البيوع في: ٢/١ من صحيحه بالاسناد إلى سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ولفظه: ان رسول الله قال في حديث حدثه انه: لن يبسط احد ثوبه حتى اقضي مقالتي هذه ثم يجمع اليه ثوبه الا وعى ما اقول فبسطت نمرة علي حتى قضى مقالته جمعتها الى صدري فما نسيت من مقالته تلك من شئ.

(٢) هو سعيد بن ابي سعيد وحديثه هذا عن ابي هريرة موجود في: ١/٢٤ من صحيح البخاري في باب: حفظ العلم من كتاب العلم.

١٩٧

اني اسمع منك حديثاً انساه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ابسط رداءك فغرف بيديه(١) ثم قال ضمه!! فضممته فما نسيت شيئاً بعده أ هـ بنصه.

وانت ترى أن القصة على مقتضى الحديث الاول - حديث الاعرج - انها كانت بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واصحابه والمبتدئ فيها إنما كان رسول الله إذ دعاهم إلى بسط اثوابهم اشفاقاً عليهم من النسيان وانها على مقتضى الحديث الثاني - حديث المقبري - انما كانت بين أبي هريرة خاصة ورسول الله والمبتدئ فيها إنما هو أبو هريرة حيث شكا نسيانه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأيضاً فان الحديث الاول - حديث الاعرج - يقتضي تخصيص عدم النسيان بتلك المقالة فقط(٢) لقوله فيه: مانسيت من مقالته تلك شيئاً والحديث الثاني - حديث المقبري - يقتضي العموم في عدم النسيان لكل شئ من الاشياء حديثاً كان ام غير مطلقاً لقوله فيه مانسيت شيئاً بعده ، فان النكرة في سياق النفي حقيقة في العموم، وقد ارتبك هنا شارحوا البخاري وارتجت عليهم أبواب الاعتذار عنه حتى قرر ابن حجر في فتح الباري وقوع هذه القضية مرتين(٣)

________________________

(١) قال القسطلاني في شرح هذه الكلمة: فغرف بيديه من فيض فضل الله فجعل الحفظ كالشئ الذي يغرف منه ورمي به في ردائه إلى آخر كلامه فراجعه في: ١/٣٧٩ من ارشاد الساري في شرح هذا الحديث من صحيح البخاري.

(٢) وقع في جامع الترمذي وحلية أبي نعيم التصريح بهذه المقالة وانها كانت ما هذا لفظه: ما من رجل يسمع كلمة او كلمتين مما فرض الله تعالى عليه فيتعلمهن او يعلمهن الا دخل الجنة. ‌

(٣) قال القسطلاني في شرح هذه الاحاديث في باب حفظ العلم من كتاب العلم: ١/٣٨٠ من ارشاد الساري ما هذا لفظه: ويحتمل أن يكون وقعت له - أي لأبي هريرة مع النبي - قضيتان فالتي رواها الزهري عن الاعرج مختصة بتلك المقالة، والتي رواها المقبري عامة قال: هكذا قرره في فتح الباري، قال: وهذا من المعجزات الظاهرات حيث رفعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أبي هريرة النسيان الذي هو من لوازم الانسان حتى قيل أنه مشتق منه، وحصول هذا في بسط الرداء الذي ليس للعقل فيه مجال.

١٩٨

مرة كان عدم النسيان فيها مختصاً بتلك المقالة، وأخرى كان عدم النسيان فيها عاماً لكل شئ من الأشياء سواءأ كان حديثاً أم كان غيره مطلقاً وهذا كما ترى(١) ..

على ان مسلماً اخرجه(٢) من طريق يونس عن ابن المسيب على وجه ثالث إذ قال فيه أبو هريرة: فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئاً حدثني بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا يقتضي كون عدم النسيان اعم مما اقتضاه حديث الاعرج وأخص مما اقتضاه حديث المقبري(٣) .

ونحوه حديث ابن سعد(٤) بسنده الى عمرو بن مرداس بن عبد الرحمن الجندي عن أبي هريرة قال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابسط ثوبك فبسطته فحدثني النهار ثم ضممت ثوبي إلى بطني فما نسيت شيئاً مما حدثني أهـ لكن قوله فيه: فحدّثني النهار، لا يوجد في هذا الحديث إلا من هذا الطريق طريق الجندي

________________________

(١) فان مثل هذا لو صدر مرة واحدة فضلا عن مرتين او أكثر لتواتر الخبر به فاستطار استطارة البرق فما بال الصحابة اغفلوه فلم يروه منهم احد غير ابي هريرة؟

(٢) في: ٢/٣٥٨ من صحيحه في فضائل ابي هريرة.

(٣) اما كونه أعم من حديث الاعرج فواضح لاختصاص عدم النسيان في حديث الاعرج بتلك المقالة فقط، اما كونه اخص مما اقتضاه حديث المقبري فلأن حديث المقبري يقتضي تعميم عدم النسيان لكل شئ من حديث وغيره، وهذا الحديث - اعني حديث يونس عن الزهري عند مسلم - يقتصي تخصيص عدم النسيان يجميع الاحاديث التي سمعها من النبي دون غيرها من سائر الاشياء، وقد نص القسطلاني في: ١/٣٨٠ من ارشاد الساري على أنّ مسلماً رواه على وجه ثالث فراجع.

(٤) في: ص٥٦ من القسم الثاني من الجزء الرابع من طبقاته ترجم ابا هريرة.

١٩٩

فقط وبه كان مخالفاً لكل ما جاء في هذا الموضوع من سائر الطرق إلى أبي هريرة.

وقد أخرجه أبو يعلى من طريق أبي سلمة على وجه يخالف سائر الوجوه في سائر الطرق، إذ روى ان أبا هريرة جاء يعود النبي في شكواه فسلم عليه وهو قائم والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متساند الى صدر علي ويد علي على صدر النبي يضمه اليه والنبي باسط رجليه فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أدن يا ابا هريرة فدنا، ثم قال: أدن يا أبا هريرة فدنا، ثم قال أدن يا أبا هريرة فدنا حتى مست اصابع أبي هريرة اصابع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال له اجلس فجلس فقال له: ادن مني طرف ثوبك فمد أبو هريرة ثوبه ففتحه وادماه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له النبي اُوصيك يا ابا هريرة بخصال لا تدعهن ما بقيت، قال أوصني ما شئت فقال له: عليك بالغسل يوم الجمعة والبكور اليها ولا تلغ ولا تله وأوصيك بصيام ثلاثة ايام من كل شهر فانه صوم الدهر واوصيك بركعتي الفجر لا تدعهما وان صليت الليل كله فان فيهما الرغائب قالها ثلاثاً ثم ضم اليك ثوبك فضم ثوبه الى صدره الحديث(١) ...

وأخرج أبو يعلي - كما في ترجمة أبي هريرة من الاصابة - من طريق الوليد ابن جميع عن أبي هريرة قال: شكوت الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوء الحفظ فقال: افتح كساءك ففتحه ثم قال: ضمه الى صدرك فضممته فما نسيت حديثاً بعد.

أخرج أبو يعلي - كما في الاصابة ايضاً - من طريق يونس بن عبيد عن الحسن البصري عن أبي هريرة ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من يأخذ مني كلمة أو كلمتين أو ثلاثاً فيصرّهنّ في ثوبه فيتعلمنّ ويعلمهن فيتعلمهن قال: فنشرت ثوبي بين يديه وهو يحدث ثم ضممته فأرجو ان لا أكون نسيت حديثاً مما قاله أ هـ.

(قلت): وأخرج أحمد - كما في الاصابة ايضا - من طريق المبارك بن

________________________

(١) هذا الحديث وسائر الاحاديث التي بعده موجودة بأسرها في ترجمة ابي هريرة من الاصابة فراجع.

٢٠٠