أبو هريرة

أبو هريرة0%

أبو هريرة مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 224

أبو هريرة

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
تصنيف:

الصفحات: 224
المشاهدات: 70377
تحميل: 8645

توضيحات:

أبو هريرة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 224 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70377 / تحميل: 8645
الحجم الحجم الحجم
أبو هريرة

أبو هريرة

مؤلف:
العربية

فضالة عن الحسن نحوه.

وأخرج أبو نعيم(١) من طريق عبدالله بن أبي يحيى عن سعيد بن أبي هند عن أبي هريرة ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يا ابا هريرة: ألا تسألني عن هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ فقلت أسألك أن تعلمني مما علمك الله، قال: فنزعت نمرة على ظهري فبسطتها بيني وبينه حتى كأني انظر الى القمل يدب عليها فحدثني حتى استوعبت حديثه قال: اجمعها فصرها اليك فاصبحت لا اسقط حرفا مما حدثني اهـ.

ومن ألم بهذا الحديث مع جميع الطرق وجده مختلف الالفاظ والمعاني باختلاف طرقه لا تتجارى معانيه ولا ألفاظه إلى غاية، ولا تتساير في حلبة يصدم كل منها الآخر فاذا هو زاهق والحمد لله رب العالمين.

«السادس»: انه قال: فبسطت نمرة ليس عليّ ثوب غيرها، فيقتضي على الظاهر ان تبدوا سوأته، لكن القسطلاني وزكريا الانصاري تأولا كلامه إذ بلغا اليه في آخر المزارعة من شرحيهما فجعلاه على أنه بسط بعض النمرة لئلا تنكشف عورته.

(السابع): ان هذه الحكاية في ذاتها تشبه قصص المخرفين، ولا تكاد تمتاز عن خلط الدجالين، وحاشا لله ان تمتزج بمعجزات الرسول أو يصدق بنسبتها اليه أصحاب العقول فان معجزاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهرت الى النهى بانوار حقيقتها وقهرت جبابرة الارض بحسن اسلوبها واعتدال طريقتها فظلت اعناقهم لها خاضعين.

ضرب بيدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على صدر علي لما بعثه قاضياً الى اليمن فقال(٢) أللهم

________________________

(١) في ص٢٨١ في ترجمة ابي هريرة من حلية الاولياء فراجع.

(٢) كما في ترجمة علي من الاستيعاب وغيره، وأخرجه أصحاب المسانيد بطرقهم وأسانيدهم.

٢٠١

اهد قلبه وسدد لسانه قال عليعليه‌السلام : فوالله، ما شككت بعدها في قضاء بين اثنين.

ولما أنزل الله عز سلطانه( وتعيها اذن واعية ) قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) مخاطباً لعلي: سألت الله ان يجعلها اذنك، قال علي: فما نسيت شيئاً بعدها وما كان لي أن أنسى.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم خيبر حين اخذ الراية عليعليه‌السلام : أللهم اكفه الحر والبرد قال علي(٢) فما آذاني بعدها حر ولا برد، وكان بعد ذلك يخرج في الشتاء في ازار ورداء وثوبين خفيفين، وفي الصيف يخرج في القباء المحشو والثوب الثقيل اظهاراً لمعجزة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والفاتا اليها على الدوام.

ولما شكا جابراليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ديناً كان على أبيه انطلق معه الى بيدر تمره فمشى حوله ودعا بالبركة فيه ثم جلس عليه وحضر الغرماء فأوفاهم الذي لهم وبقى لجابر وذويه مثل ما كانوا يستغلون، وهكذا كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا اراد بأحد خيراً دعا له، وإذا أراد به غير ذلك دعا عليه كما فعل بمعاوية إذ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا اشبع الله له بطناً، وكما فعل مع الحكم بن أبي العاص وما عهدناهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعل شيئاً يشبه الذي حكاه أبو هريرة حاشا حكمته التي تستصبح بها البصائر الضالة، وتنكشف بها معالم الهدى، فتحل عقد الاشكال وتمزق ظلمات الغي والضلال.

________________________

(١) هذا مذكور في كشاف الزمخشري، وفي تفسير الثعلبي، والرازي وغيرهما فراجع.

(٢) اخرجه احمد بن حنبل في مسنده، وابن ابي شيبة البزار وابن جرير، وصححه كما في صفحة ٤٤ من الجزء الخامس من منتخب كنز العمال المطبوع في هامش مسند أحمد.

٢٠٢

١٦ - نظرة في فضائله

تتبعنا الأسانيد فيما يرسله الناس في فضائل أبي هريرة، فلم نجد لها مصدراً في الأغلب سواه، واليك مثلا يلمسك هذه الحقيقة:

قال صاحب الاستيعاب في أحواله: أسلم أبو هريرة عام خيبر، وشهدها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم لزمه وواظب عليه رغبة في العلم، راضياً بشبع بطنه، فكانت يده في يد رسول الله، وكان يدور معه حيث دار، وكان من أحفظ أصحاب رسول الله، كان يحضر ما لا يحضر سائر المهاجرين والأنصار لاشتغال المهاجرين بالتجارة، والأنصار بحوائطهم، وقد شهد له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه حريص على العلم والحديث، وقال له يا رسول الله أنى سمعت منك حديثاً كثيراً وأنا أخشى ان أنسى؛ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابسط رداءك؛ قال: فبسطته فغرف فيه! ثم قال: ضمه فضممته فما نسيت شيئاً بعد! اهـ.

(قلت): هذه الفضائل ونحوها ليست إلا مضامين أحاديث كان أبو هريرة يحدث بها عن نفسه، ولم نجد لها مستنداً سواه، وهكذا سائر خصائصه انما أخذت عنه كما يعلمه المتتبعون.

ولنوضح هذه الجملة فنقول: أما اسلامه عام خيبر فمسلم، لثبوته من حديث غيره.

وأما كونه شهدها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يرو إلا عنه، وأهل العلم يتأولون دعواه الحضور كما أوضحناه سابقاً. وأما لزومه لرسول الله ومواظبته عليه، رغبة في العلم؛ ورضا بشبع بطنه وان يده كانت في يده يدور معه حيث دار، فأمور كان أبو هريرة يدعيها،

٢٠٣

فالعهدة فيها عليه،إذ قال(١) : قدمت المدينة ورسول الله بخيبر وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين، فأقمت معه حتى مات، وأدور معه في بيوت نسائه!(٢) وأخدمه وأغزو معه واحج؟؟(٣) وكنت أعلم الناس بحديثه؟؟ وقدوا لله سبقني قوم بصحبته فكانوا يعرفون لزومي له فيسألونني عن حديثه: منهم عمر؛ وعثمان؛ وعلي؛ وطلحة؛ والزبير؛ الى آخر كلامه؛ (قلت): لعل أولى الالباب يعجبون من جرأة أبي هريرة على التحديث بمثل هذا، لمخالفته الواقع، وبعده عن الصدق، لكن من عرف الحقيقة علم انه ما كان ليحدث به على عهد الشيوخ والعلماء والعظماء منهم، وانما اجترأ على التحديث به وبأمثاله بعد موت اكثر الصحابة وفتح الشام والعراق ومصر وافريقيا وفارس وغيرها من الأمصار، حيث قلت الصحابة وكثر مسلموا الفتوحات الذين لا إلمام لهم بشيء مما كان على عهد النبوة فكأنه حينئذ وسائر الكذابة وجدوا انفسهم في عالم آخر لا يعرف شيئاً مما كان في الصدر الأول، ورأوا عالمهم الجديد يصدقهم ويتعبد بما سمعه منهم لكونهم في نظره من البقية الباقية من اصحاب رسول الله الأمناء على سننه والموكول اليهم تبليغها، وكانت السلطة الاموية بذلت في تأييدهم جهدها فتسنى لهم بهذه الاسباب كلها ان يحدثوا بما حدثوا به من الواهيات والمنكرات، وبما لا يجوز شرعا، وبما لا يمكن عقلا، وبكل سخافة وبكل باطل حسبما اقتضته اغراضهم أو أوجبته دعاية الظالمين الذين اتخذوا دين الله

________________________

(١) فما اخرجه ابن سعد بالاسناد الى ابي هريرة كما في ترجمته من الاصابة.

(٢) ان من عرف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانفته من دخول الرجال على نسائه لا يمكن ان يصدق بها ابداً.

(٣) قوله: واحج، ظاهر في استمراره على الحج معهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرة بعد أخرى وهذا عار عن الحقيقة فان رسول الله ما حج بعد الهجرة سوى حجة الوداع ولو قال وحججت معه لكان يمكن الوقوع.

٢٠٤

دغلاح وعباد الله خولا، وما الله دولا؛ وكانت هذه الكذابة قد اتصلت بأسباب أولئك الغاشمين فتوسلت اليهم بالطامات فأرضعوها اخلاف برهم، واولوها فوق ذلك انهم انفقوا في تأييدها قواهم الجبارة إذ كانت (ولا سيما على عهد معاوية) اداة من ادواتهم بل كانت لسان دعايتهم، وعين تجسسهم (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله).

وأني وايم الله لا ينقضي عجبي من البخاري ومسلم وأحمد وأمثالهم ممن يرجعون الى عقل اصيل ورأى جميع ثم ينقادون انقياد الاكمه الابله الى ما يشاء أبو هريرة وأمثاله؛ فهل في امكانهم ان يعلموا متى سأله علي وعمر وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم من أهل السوابق؛ وهل كان سؤالهم إياه في اليقظة أو في النوم أو في عالم الخيال؟ وأي حديث سألوه عنه؟ ومن روى هذا عنهم غير أبي هريرة؟ وأي رجل من أهل المعاجم والتراجم أو من غيرهم عد واحداً من هؤلاء في زمرة من روى عن أبي هريرة؟ ولو حديثاً واحداً(١) ومتى كان هؤلاء يأبهون بحديثه؟ فانا ما عهدناه يحدث في مجالسهم وما كان ليجرأ على الحديث بحضورهم؛ وكانوا يرذلونه ويكذبونه كما سمعته مفصلا. ولنرجع الآن الى ما ذكره ابن عبدالبر في ترجمة أبي هريرة فيقول:

وأما قوله: وكان من احفظ اصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانه مأخوذ من قول أبي هريرة في الحديث السابق وكنت اعلم الناس بحديثه.

وأما قوله: كان يحضر ما لا يحضر سائر المهاجرين والأنصار، فانه مأخوذ من حديثه الذي ذكره فيه بسط النمرة، وقد بيناه سابقاص وعلقنا عليه ما نفلت كل بحاثة اليه.

________________________

(١) قد احصى الحاكم في ترجمة أبي هريرة من روى عن من الصحابة فكانوا ثمانية وعشرين رجلاً ليس فيهم علي ولا عمر ولا عثمان ولا طلحة ولا الزبير أما غيرهم من الصحابة فانما رووا عنه أموراً تتعلق بالجنة والنار او بالاخلاق والحض على العلم دون للأحكام التكليفية.

٢٠٥

وأما قوله: بأنه قد شهد له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه حريص على العلم والحديث فانما هو مأخوذ من قول أبي هريرة: قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد ظننت ان لا يسألني عن هذا الحديث احد اولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث(١) .

ومن خصائصه التي تداولتها اقلام مترجميه المزود الذي اكل منه اكثر من مائتي وسق تمراً! وغلامه الآبق الذي اعتقه لوجه الله! وحفظه وعاءين من العلم بث احدهما وكتم الآخر؟ ودعاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ولأمه! ومشيه على وجه الماء حتى عبر خليجاً من البحر فما ابتل!! له قدم الى غير ذلك من المضحكات المبكيات في آن واحد فانا لله وإنا اليه راجعون.

١٧ - نوادره

أخرج الامام أحمد بن حديث أبي هريرة(٢) عن محمد بن زياد قال: كان مروان - أيام ولايته على المدينة في خلافة معاوية - يستخلف أبا هريرة على المدينة فيضرب برجليه فيقول: خلوا الطريق خلوا الطريق قد جاء الأمير قد جاء الامير - يعني نفسه.

وأخرج ابن قتيبة الدينوري في ترجمة أبي هريرة من معارفه(٣) عن

________________________

(١) أخرجه البخاري في الصحيح من طريق سعيد المقبري عن ابي هريرة ونقله ابن حجر في ترجمة ابي هريرة من الاصابة وكان ابو هريرة يقول (كما في ترجمته من الاصابة) صحبت رسول الله ثلاث سنين لم يكن احد احرص على ان يعي الحديث عنه مني.

(٢) ص٤٣ من الجزء الثاني من مسنده.

(٣) في ص٩٤ منها.

٢٠٦

أبي رافع قال: كان مروان يستحلف أبا هريرة على المدينة فيركب حماراً قد شدّ عليه برذعة وفي رأسه خلبة من ليف فيسير فيلقى الرجال فيقول: الطريق! قد جاء الأمير! (قال): وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الغراب فلا يشعرون بشيء حتى يلقى نفسه بينهم، ويضرب برجليه الحديث(١) .

واخرج ابو نعيم(٢) بسنده الى ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال: اقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان فقال: اوسع الطريق للأمير يا ابن أبي مالك؛ فقلت له: يكفي هذا. فقال: اوسع الطريق للأمير والحزمة عليه؟ اهـ.

وأخرج ابو نعيم ايضاً(٣) من طريق احمد بن حنبل عن عثمان الشحام عن فرقد السبخي، قال: كان أبو هريرة يطوف بالبيت (اعزه الله تعالى) وهو يقول: ويل لي بطني إذا اشبعته كظني، وان أجعته سبني.

وعن ربيع الأبرار للزمخشري قال: كان ابو هريرة يقول: اللهم ارزقني ضرساً طحوناً ومعدة هضوماً(٤) ودبراً نثوراً.

وعن ربيع الابرار أيضاً(٥) قال: وكان يعجبه - يعني أبا هريرة - المضيرة جداً فيأكلها مع معاوية وإذا حضرت الصلاة صلى خلف علي فاذا قيل له قال: مضيرة معاية ادسم والصلاة خلف علي افضل، فكان يقال له شيخ

________________________

(١) واخرجه ايضاً ابن سعد باسانيد متعددة في ترجمة أبي هريرة آخر ص٦٠ من القسم الثاني من الجزء الرابع من الطبقات.

(٢) في أحوال ابي هريرة صفحة ٣٨٢ من الجزء الاول من حلية الأولياء.

(٣) في احوال أبي هريرة من كتابه حلية الأولياء ص٣٨٢ من جزئه الأول.

(٤) بزنة فعول، يستوى فيها المؤنث والمذكر كرغوث، نقله عن ربيع الابرار جماعة من الاثبات كالشيخ القمي في أحوال ابي هريرة من كتاب الكنى والألقاب.

(٥) كما في احوال أبي هريرة من الكنى والالقاب للمعاصر القمي.

٢٠٧

وعن أبي عثمان النهدي ان ابا هريرة كان في سفر فلما نزلوا وضعوا السفرة وبعثوا اليه وهو يصلي، فقال: اني صائم فلما كادوا يفرغون جاء فجعل يأكل الطعام فنظر القوم الى رسولهم فقال: ما تنظرون؟ قد والله أخبرني أنه صائم: فقال ابو هريرة صدق اني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: صوم رمضان وصوم ثلاثة ايام من كل شهر صوم الدهر وقد صمت ثلاثة أيام من أول الشهر فانا مفطر في تخفيف الله صائم في تضعيف الله، اخرجه ابو نعيم(٢) .

واخرج البخاري(٣) عن محمد بن سيرين قال: كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان فتمخط بهما فقال: بخ بخ أبو هريرة يتمخط في الكتان لقد رأيتني وأنى لأخر فيما بين منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى حجرة عائشة مغشياً علي فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون وما بي من جنون ما بي الا الجوع.

ومن نوادره انه كان يلعب السدر قال ابن الأثير في مادة السدر من نهايته

________________________

(١) المضيرة هي مريقة تطبخ باللبن المضير أي الحامض، ويظهر من هذه الحاكية وغيرها انه كان ممن حضر وقعة صفين، وانه كان يصانع الفئتين شأن المتلون ذي الوجهين واللسانين يريد بهذا ان لا يقطع على نفسه خط الرجعة الى الفئة المنتصرة وقد رأينا بين سوريا والعراق على مقربة من صفين مقاما مشاداً يدعى مقام ابي هريرة وحدثني غير واحد ان ابا هريرة كان في بعض ايام صفين يصلي في جماعة علي ويأكل في جماعة معاوية فاذا حمى الوطيس لحق الجبل فاذا سئل قال: علي اعلم ومعاوية ادسم والجبل اسلم.

(٢) في اواخر ترجمة أبي هريرة ص٣٨٥ من الجزء الاول من الحلية.

(٣) ص١٥٧ من الجزء الرابع من صحيحه في اواخر كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، واخرجه ابو نعيم في ص٣٧٩ من الجزء الاول من حليته.

٢٠٨

ما هذا لفظه: وفي حديث بعضهم قال: رأيت أبا هريرة يلعب السدر، ثم قال: السدر لعبة يقامر بها - وتكسر سينها وتضم وهي فارسية معربة عن ثلاثة أبواب(١) أهـ.

وفي هذه المادة من لسان العرب عين ما في النهاية وزاد عليه فقال ومنه حديث يحيى بن أبي كثير: السدر هي الشيطانة الصغرى (قال) يعني انها من أمر الشيطان انتهى بلفظه(٢) .

وذكر الدميري في مادة عقرب من حياة الحيوان لعب الشطرنج فقال: وروى الصعلوكي تجويزه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأبي البسر وأبي هريرة ثم قال: والمروي عن أبي هريرة من اللعب به مشهور في كتب الفقه، قال: وروى الآجري عن أبي هريرة انه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بالازلام الشطرنج والنرد فلا تسلموا عليهم(٣) .

________________________

(١) قوله: معربة عن ثلاثة ابواب، أي ان اصلها في لغة الفرس «سه در» ومعناه عندهم ثلاثة أبواب، فاستعملها العرب وتصرفوا فيها فقالوا: سدرة.

(٢) فراجعه في ص٣٠ ج٦ مادة س در.

(٣) لكن الدميري ضعف اسناد هذا الحديث وكذب الصولي فيما نقله عن الامام زين العابدين من القول باباحة الشطرنج فان ائمة اهل البيت كافة يحرمونه وكذلك مالك واحمد وابو حنيفة.

٢٠٩

١٨ - وفاته وعقبه

كانت وفاته في قصره بالعقيق(١) فحمل الى المدينة فكان ولد عثمان بن عفان يحملون سريره حتى بلغوا به البقيع حفظاً بما كان من رأيه في ابيهم(٢) وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان يومئذ أميراًعلى المدينة وكان مروان معزولاً(٣) وانما صلى عليه الوليد تكريماً له تقدم للصلاة عليه بعد ان صلى بالناس فريضة العصر وفي القوم ابن عمر وابو سعيد الخدري واضرابهما(٤) .

وكتب الوليد إلى عمه معاوية ينعى اليه أبا هريرة فكتب اليه معاوية(٥) انظر من ترك وادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم واحسن جوارهم وافعل اليهم معروفاً فانه ممن نصر عثمان وكان معه في الدار.

________________________

(١) نص على ذلك ابن حجر في ترجمة ابي هريرة من الاصابة ونقل موته بالعقيق ابن عبدالبر اذ ترجمه في الاستيعاب، واخرجه الحاكم في ترجمته من المستدرك وأرسله أهل الاخبار.

(٢) اخرج ذلك ابن سعد في ص٦٣ من القسم الثاني من الجزء الرابع من الطبقات في ترجمة أبي هريرة ورواه أهل الأخبار.

(٣) نص على ذلك اصحاب الاستيعاب والاصابة والطبقات والمستدرك في ترجمة ابي هريرة.

(٤) نص على ذلك كل من ذكرناهم ممن ترجموا ابا هريرة.

(٥) كما في ترجمة أبي هريرة من مستدرك الحاكم وطبقات ابن سعد واصابة ابن حجر وغيرها من كتب الاخبار.

٢١٠

وكانت وفاته سنة سبع وخمسين، وقيل سنة ثمان وخمسين، وقيل سنة تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة.

أما عقبة فانما نعرف منه ولده المحرر ابن ابي هريرة وبنته التي كان يقول لها: قولي أبى أبى أن يحليني الذهب يخشى على حر اللهب، ونعرف لمحرر ولداً اسمه نعيم وهو الذي روى عن جده أبي هريرة انه كان له خيط فيه الفا عقدة فلا ينام حتى يسبح به(١) .

وروى عنه ايضاً: ان رجلا سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما تأمروني ان اتجر قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليك بالبز فان صاحب البز يعجبه ان يكون الناس بخير وفي جدة.

اما المحرر فقد ترجمه ابن سعد في طبقاته(٢) وذكر سلسلة نسبه المتصلة بدوس، وانه توفى في خلافة عمر بن عبدالعزيز، وأنه كان قليل الرواية(٣) .

________________________

(١) وقد جاء في ص٣٨٠ من الجزء الأول من حلية الأولياء ذكر بنت أبي هريرة التي كان لا يلبسها الذهب وفي ص٣٨٣ ذكر نعيم بن المحرر بن أبي هريرة الذي روى عن جده التسبيح بالخيط.

(٢) ص ١٨٨ من جزئها الخامس.

(٣) ان لأبي هريرة في إمارة الحج سنة تسع للهجرة حديثين متناقضين يروي عن أحدهما ولده المحرر والثاني يرويه حميد والحديثان في الصحاح وقد اوردناهما فيما سبق من الأصل وبسطنا القول فيهما فراجع الحديث ١٨ من الفصل ١١.

٢١١

خاتمة الكتاب

ولنختم إملاءنا هذا بكلمتين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تتعلقان بابي هريرة ضربهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على غرار فذ من أغرته الحكيمة في التدليل على زيغ الزائغين والتحذير منهم.

الكلمة الأولى يشترك فيها أبو هريرة والرحال بن عنفوه والفرات ابن حبان؛ وذلك أنهم خرجوا ذات يوم من مجلسه الشريف، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشيراً اليهم(١) : لضرس احدكم في النار أعظم من أحد، وان معه لقفا غادر أهـ.

فكان ابو هريرة والفرات يقولان بعدها(٢) فما أمنا بعد هذا حتى ارتد الرحال وقتل مع مسيلمة الكذاب.

(قلت): كأنهما كانا يحاولان تأويل الحديث فيجعلان المراد منه واحداً منهم بعينه وهو الرحال بقرينة التحاقه بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمسيلمة وقتله مرتداً.

وهذا تضليل عن الحقيقة المتبادرة من الحديث عند اطلاقه، فانه على حد قوله تعالى:( يود احدكم ان تكون له جنة ) ( يود أحدهم لو يعمر الف سنة ) ( وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ) ( واذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ) الى كثير من امثال ذلك في الكتاب والسنة، وكلام

________________________

(١) فيما أخرجه سيف بن عمر في الفتوح من طريق احمد بن فرات بن حيان ونقله في ترجمة فرات صاحبا الاستيعاب والاصابة وغير واحد.

(٢) فيما نقله عنهما صاحبا الاستيعاب والاصابة في ترجمة الفرات ورواه غير واحد من حفظة الآثار.

٢١٢

العرب تقول في المدح: كف احدهم تمطر ذهباً؛ وقلب احدهم يفيض حناناً، وفي الذم: وجه أحدهم عنوان الوقاحة؛ وقلب أحدهم أقسى من الصلد، فلا ترتد واحداً منهم بعينه وانما تريد الجميع؛ وهذا هو المراد من الحديث وهو المتبادر منه إلى الأذهان.

ولو أرادصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحداً منهم بعينه لأبانه بقرينة تعينه. فان تأخير البيان في مثل هذا المقام مما لا يجوز على الأنبياء لقبحه عقلاٍ بسبب استلزامه ظلم البريئين منهم، لأنه متى علم ان أحدهم من أهل النار وانه غدار؛ ولم يعرف بعينه تفصيلاً سقط الثلاثة عن درجة الاعتبار، إذ لا يركن بعدها اليهم، ولا يعتمد عليهم، ولا يؤبه بما يقولون في اصول أو فروع ولا يحتج بحديثهم، ولا تقبل لهم شهادة في مرافعة او غيرها، ولا يولون امراً من أمور المسلمين، ولا يوكل اليهم شأن تشترط الوثاقة فيمن يوكل اليه؛ فيحرمون بأجمعهم من الحقوق المدنية في الاسلام، ويجب علىالامة اجتنابهم في كل شيء تشترط فيه العدالة نزولاً على حكم القاعدة العقلية في الشبهة المحصورة مع العلم الاجمالي كما هو مقرر في محله من الأصول.

وحسبك بهذا سقوطاً لكل من الثلاثة على السواء.

وإذا كان احدهم بعينه هو الجهنمي الغادر المستوجب للحرمان فما ذنب الآخرين؟ أيجوز على سيد الحكماء، وخاتم الأنبياء أن يسقط بريئين فيجعلهما طيلةحياتهما بحكم الغدار من أهل النار؟ ثم يلقى الله تعالى عن غير بيان حاشا لله وما الذي منعه ان يقول مشيراً اليه نفسه؛ لضرس هذا في النار أعظم من احد لو لم يكونوا جميعاً في الأمر على السواء.

(فان قلت). لعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عين الرحال حينئذ بقرينة لفظية أو حالية كالايماء اليه بالخصوص مثلا ثم خفيت علينا.

(قلنا): لو كان ثمة قرينة ما خفيت على أبي هريرة وفرات، وقد

٢١٣

استفرغا الوسع فلم يتشبثا بشيء سوى ردّة الرحال وحينئذٍ سجدا لله شكرا وكانا بعد ذلك يقولان: فما أمنا بعد قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال حتى صنع الرحال ما صنع(١) .

على انه لا فرق في هذه المشكلة بين عدم البيان وخفائه بعد صدوره لاتحاد النتيجة فيهما، إذ لا مندوحة لنا - على كلا الفرضين - عن العمل بما يقتضيه العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة كما لا يخفى.

(فان قلت): إنما كان المنصوص عليه بهذا الذم مجملا قبل التحاق الرحال بمسيلمة وموته مرتداً وبمجرد صنعه ما صنع تعينأنه هو للراد دون صاحبيه، وحينئذٍ لا اجمال ولا اشكال.

(قلنا): أولا ان المتبادر من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لضرس احدكم في النار انما هو الجميع على حد المتبادر من قوله تعالى( واذا بشر احدهم بالانثى ) واذن فلا اجمالا في المنصوص عليه بالذم هنا ولا أثر لردة الرحال للعلم بسوءحاله وحال صاحبيه منذ باؤوا بالضرس والقفا.

(وثانياً): الأنبياءعليهم‌السلام كما يمتنع عليهم ترك البيان مع الحاجة اليه يستحيل عليهم تأخيره عن وقت الحاجة، ولعلك تعلم أن وقت الحاجة هنا متصل بصدور هذه الكلمة في حقهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لو كان لأحدهم شيء من الاعتبار) لأنهم منذ اسلموا كانوا محل الابتلاء في حديثهم وشهاداتهم والائتمام بهم، والوصاية اليهم، والتولية لهم؛ وما الى ذلك من حقوق المدنية (في الدين) فلو لا وجوب اقصائهم عنها لما تركصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البيان حتى لحق بالرفيق الأعلى، وما كان ليتكل في ذلك على ما صنع الرحال من الردة بعد وفاته.

(وثالثاً): ان الفرات بن حيان كان جاسوساً للمشركين، وعيناً لأبي

________________________

(١) سجودهما حينئذ لله شكراً وقولهما فما أمنا ثابتان عنهما ومذكوران في ترجمة فرات من الاستيعاب والاصابة وغيرهما.

٢١٤

سفيان على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين، فلما أرادوا قتله بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في ترجمته من الاستيعاب والاصابة وغيرهما اسلم حقناً لدمه، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : ان منكم من اتألفه على الاسلام منهم الفرات بن حيان، فالرجل في سوء الحال معطوف على الرحال، فكيف مع ذلك يكون صنع الرحال قرينة على تخصيصه بالجرح والقدح دون الفرات الذي ما اسلم الا حقناً لدمه؟ ودون أبي هريرة الذي تبوأ مقعده.

(الكلمة الثانية): يشترك فيها ابو هريرة وسمرة بن جندب الفزاري وابو محذورة الجمحي إذ أنذرهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لهم ذات يوم(٢) آخركم موتاً في النار.

وهذا أسلوب حكيم من أساليبه في اقصاء المنافقين عن التصرف في شؤون الاسلام والمسلمين، فانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما كان عالماً بسوء بواطن هؤلاء الثلاثة اراد ان يشرب في قلوب أمته الريب فيهم والنفرة منهم اشفاقاً عليها ان تركن الى واحد منهم في شيء مما يناط بعدول المؤمنين وثقاتهم، فنص بالنار على واحد منهم وهو آخرهم موتاً، لكنه اجمل القول فيه على وجه جعله دائراً بين الثلاثة على السواء ثم لم يتبع هذا الاجمال بشيء من البيان وتمضي الايام والليالي على ذلك ويلحقصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرفيق الأعلى ولا بيان، فيضطر أولى الألباب من أمته الى اقصائهم جميعاً عن كل امر يناط بالعدول والثقات من الحقوق المدينة

________________________

(١) كما في ترجمة فرات من الاستيعاب والاصابة وغيرهما وأخرج الحاكم في كتابه الحدود ص٣٦٦ من الجزء٤ من المستدرك حديثاً ذكر فيه الفرات بن حيان وانه كان عيناً لأبي سفيان وحليفا له وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمر بقتله فمر على حلقة من الأنصار فقال: أنى مسلم، فقال بعضهم: يا رسول الله إنه يقول: انى مسلم، فقال رسول الله إن منكم رجالا نكلهم الى ايمانهم منهم الفرات بن حيان، وهذاالحديث صححه الحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه.

(٢) كما في ترجمة سمرة من الاستيعاب والاصابة وغيرهما.

٢١٥

في دين الاسلام لاقتضاء العلم الاجمالي ذلك بحكم القاعدة العقلية في الشبهات المحصورة، فلولا انهم في وجوب الاقصاء على السواء لاستحال عليه - وهو سيد الحكماء - عدم البيان في مثل هذا المقام.

فان قلت: لعله بين هذا الاجمال بقرينة خفيت علينا بتطاول المدة.

(قلنا): لو كان ثمة قرينة ما كان كل من هؤلاء في الوجل من هذا الانذار على السواء(١) .

على انك قد عرفت مما سبق انه لا فرق في هذه المشكلة بين عدم البيان واختفائه بعد صدوره لاتحاد النتيجة فيهما بالنسبة الينا اذا لا مندوحة لنا عن العمل بما يقتضيه العلم الاجمالي من تنجيز التكليف في الشبهة المحصورة على كلا الفرضين كما بيناه آنفاً.

(فان قلت): انما كان المنصوص عليه بالنار مجملا قبل موت الاول والثاني منهم وبسبقهما الى الموت تبين وتعين انه انما هو الباقي بعدهما بعينه دون سابقيه، وحينئذ لا اجمال ولا اشكال.

(قلنا) اولاً علمت مما ذكرناه آنفاً ان الأنبياءعليهم‌السلام كما يمتنع عليهم ترك البيان مع الحاجة اليه يستحيل عليهم تأخيره عن وقت الحاجة، وعلمت أيضاً أن وقت الحاجة هنا متصل بصدور هذا الانذار لو كان لأحد الثلاثة شيء من الاعتبار، لانهم منذ اسلموا كانوا محل ابتلاء المسلمين في الحقوق المدنية الدينية كما بيناه آنفاً فلولا وجوب اقصائهم عنها لما أخر البيان اتكالا على صروف الزمان، وحاشا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقصى أحداً عن حقه طرفة عين، ومعاذ الله ان يخزي من لا يستحق الخزي ثم يبقيه على خزيه حتى يموت مخزياً إذ لا تعرف براءته - بناء على هذا الفرض الفاسد - إلا بموته.

________________________

(١) كما يعلمه متتبعوا شونهم حول هذا الوعيد.

٢١٦

(وثانياً):إنا - شهد الله - بذلنا الطاقة بحثاً وتنقيباً، فلم يكن في الوسع أن نعلم ايهم المتأخر موتاً لأن الأقوال في تاريخ وفياتهم بين متناقض متساقط(١) وبين مجمل متشابه لا يركن اليها كما يعلمه متتبعوها.

(وثالثاً): لم يكن من خلق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو «العزيز عليه عنت المؤمين الحريص عليهم الرؤوف بهم الرحيم لهم» أن يجابه بهذا القول - آخركم موتاً من النار - من يحترمه وما كان( وانه لعلى خُلق عظيم ) ليفاجئ به (أو بقوله: لضرس احدكم في النار) غير مستحقيه، ولو أن في واحد من هؤلاء الثلاثة (أو من أولئك) خيراً ما أشركه في هذه المفاجأة القاسية والمجابهة الغليظة، لكن اضطره الوحي الى ذلك نصحاً لله تعالى وللأمة (وما ينطق عن الهوى).

على أن أحوال هؤلاء الثلاثة كلها قرائن قطعية على ما قلناه حول انذارهم هذا كما ان احوال اولئك أدلة ما قلناه فيهم.

وحسبك من أبي هريرة ما تبوأه من مقعده، ويكفيك من سمرة اسرافه الفظيع في دماء المسلمين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة(٢) وبيعه الخمر

________________________

(١) أما تناقضها فلأن بعضها نص بموت سمرة سنة ثمان وخمسين وموت أبي هريرة سنة تسع وخمسين وهذامنقوض بالقول بأن موت أبي هريرة كان سنة سبع وخمسين، وهكذا بقية الاقوال في موت الثلاثة وأما المجمل المتشابه منها فكالقول بموت الثلاثة كلهم في سنة تسع وخمسين من غير بيان اليوم والشهر الذي وقع فيه الموت.

(٢) نحيلك في تفصيل ذلك على ص٣٦٣ من المجلد الاول من شرح النهج الحميدي وما أخرجه الطبري منها في احداث سنة خمسين من تأريخه الشهير وما ذكرناه نحن منها في الفصل ٨ من فصولنا المهمة.

٢١٧

علانية(١) ومضارته للأنصاري؛ وتمرده على ما دعاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ اليه من الصلح وزهده في الجنة على وجه يستفاد منه عدم ايمانه(٢) وشجه راس ناقة النبي(٣) استخفافاً وامتهاناً إلى غير ذلك من بوائقه.

وناهيك من ابي محذورة أنه من الطلقاء وللمؤلفة قلوبهم، دخل في الاسلام بعد فتح مكة، وبعد ان قفل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حنين منتصراً على هوازن، ولم يكن شيء اكره إلى أبي محذورة يومئذ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا مما يأمره به، وكان يسخر بمؤذَّن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيحكيه رافعاً صوته استهزاء لكن صرة الفضة التي اختصه بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغنائم حنين التي اسبغها على الطلقاء من اعدائه ومحاربيه واخلاقه العظيمة التي وسعت كل من اعتصم باول لشهادتين من اولئك المنافقين مع شدة وطأته على من لم يعتصم بها ودخل العرب في دين الله أفواجاً، كل ذلك ألجأ أبا محذورة وأمثاله الى الدخول فيما دخل فيه الناس ولم يهاجر حتى مات في مكة(٤) والله يعلم بواطنه.

________________________

(١) فيما اخرجه الامام أحمد من حديث عمر بن الخطاب في ص٢٥ من الجزء الاول من مسنده.

(٢) كما في كتاب التجارة من الكافي في باب الضرار وفي الفقيه انه خالف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يرض بنخلة في الجنة في قضية اوردها ابن ابي الحديد في ص٣٦٣ من المجلدالاول من شرح النهج حيث ذكر سمرة وفظائعه.

(٣) كما في روضة الكافي.

(٤) كلما نقلناه هنا عن ابي محذورة موجود في ترجمته من الاصابة وهو مما لا خلاف فيه.

تمت التعليقة بتمام الاصل بقلم مؤلفهما الاقل عبدالحسين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.

٢١٨

بقيت كلمة لابن عبد البر حول هذا الانذار إذ قال في ترجمة سمرة من الاستيعاب: وكانت وفاته بالبصرة في خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين سقط في قدر مملوءة ماء حاراً كان يتعالج بالقعود عليها من كزاز شديد اصابه فسقط في القدر الحارة فمات «قال»: كان ذلك تصديقاً لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ولأبي هريرة ولثالث معهما: آخركم موتاً في النار اهـ.

(قلت): هذا تأويل غريب لا يدل على اللفظ ولا يفهمه منه احد والثلاثة المخاطبون به لم يرتابوا في مفاده المتبادر منه، ولذا كان كل منهم يتمنى سبق صاحبيه الى الموت كما هو ثابت عنهم، على ان تأخر سمرة في الموت عن صاحبيه كليهما غير معلوم، ولا سيما على ما جزم به ابن عبدالبر من موته سنة ثمان وخمسين، لأن أبا هريرة قد مات في قول الواقدي وابن نمير وابن عبيد وابن الأثير وابن جرير وغيرهم سنة تسع وخمسين وفيها مات ابو محذورة، وقيل: بل مات أبو محذورة سنة تسع وسبعين، ونص ابن الكلبي على ان أبا محذورة مات بعد موت سمرة، فتأويل ابن عبدالبر لهذه الكلمة - آخركم موتاً في النار - مما لا يصغى اليه.

وهذا آخر ما اردناه من تمحيص السنة المقدسة وتنزيهها عن الدخل الشائن لجوهر الاسلام وروحه الرفيعة؛ والحمد لله على التوفيق لذلك واليه نبتهل في أن ينفع به المؤمنين، ويجعله ذخيرة ليوم الدين، وصلى الله على سيد النبيين وخاتم المرسلين؛ وآله الطيبين الطاهرين، وصحبه الهداة الميامين.

وكان الفراغ منه في مدينة صور يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة ١٣٦٢ هـ الموافق ٢٣ أيلول سنة ١٩٤٣ م بقلم مؤلفه اضعف المؤمنين عملا واقواهم بعفو الله أملا عبدالحسين بن الشريف يوسف ابن الشريف جواد بن الشريف إسماعيل بن محمد بن محمد بن شرف الدين واسمه إبراهيم بن زين العابدين بن علي نور الدين بن نور الدين علي بن عز الدين

٢١٩

الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن محمد بن تاج الدين المعروف بأبي الحسن ابن محمد ولقبه شمس الدين بن عبدالله ولقبه جلال الدين بن احمد بن حمزة بن سعد الله بن حمزة بن أبي السعادات محمد بن أبي محمد عبدالله نقيب النقباء الطالبيين في بغداد ابن أبي الحرث محمد بن أبي الحسن على المعروف بابن الديلمية ابن أبي طاهر عبدالله بن أبي الحسن محمد المحدث بن أبي الطيب طاهر بن الحسين القطعي بن موسى أبي سبحة بن ابراهيم المرتضى بن الامام الكاظم بن الإمام الصادق بن الامام الباقر بن الامام زين العابدين بن الامام ابي عبدالله الحسين سيد الشهداء، وخامس أصحاب الكساء، وسبط خاتم النبيين والمرسلين، وابن أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، علي بن أبي طالب، صلى الله على رسوله وعليهم أجمعين...

«تم طبع الكتاب في يوم ٢ / ٤ / ١٩٦٥ م»

٢٢٠