أبو هريرة

أبو هريرة0%

أبو هريرة مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 224

أبو هريرة

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
تصنيف:

الصفحات: 224
المشاهدات: 70364
تحميل: 8645

توضيحات:

أبو هريرة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 224 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70364 / تحميل: 8645
الحجم الحجم الحجم
أبو هريرة

أبو هريرة

مؤلف:
العربية

لله صور مختلفة ينكرون بعضها ويعرفون البعض الآخر؟ وهل يرون ان لله ساقاً تكون آية وعلامة عليه؟ وبأي شئ كانت ساقه علامة دون غيرها من الاعضاء؟ وهل تجوز عليه الحركة والانتقال فيأتيهم اولا وثانياً وهل يجوز عليه الضحك؟ واي وزن لهذا الكلام؟ وهل يشبه كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ لا والذي بعثه بالحق( رسولا يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) .

كلمة في الرؤية

أما رؤية الله عز وجل بالعين الباصرة فقد أجمع الجمهور على امكانها في الدنيا والآخرة، وأجمعوا أيضاً على وقوعها في الآخرة؛ وان المؤمنين والمؤمنات سيرونه يوم القيامة بأبصارهم، وان الكافرين والكافرات لا يرونه أبداً، واكثر هؤلاء على أن الرؤية لاتقع في الدنيا، وربما قال بعضهم بوقوعها أيضاً، ثم ان المجسمة من هؤلاء زعموا أنهم سيرونه يوم القيامة باتصال الأشعة من أبصارهم بجسمه ماثلا أمامهم فينظرون اليه كما ينظر بعضهم إلى بعض لا يمارون فيه كما لا يمارون في الشمس والقمر ليس دونهما سحاب على ما يقتضيه حديث أبي هريرة وقد خالف هؤلاء حكم العقل والنقل؛ وخرقوا اجماع الامة بأسرها، وخرجوا عليها. ومرقوا من الدين، وخالفوا ما علم منه بحكم الضرورة الاسلامية. فلا كلام لنا معهم.

وأما غيرهم من الجمهور وهم المنزهون من الأشعرية فقد قالوا بأن الرؤية قوة سيجعلها الله تعالى يوم القيامة بابصار المؤمنين والمؤمنات خاصة لا تكون باتصال الأشعة، ولا بمقابلة المرئي ولا بتخبزه ولا بتكيفه، ولا، ولافهي على غير الرؤية المعهودة للناس، بل هي رؤية خاصة تقع من أبصار المؤمنين والمؤمنات على الله عز وجل لا كيف فيها ولا جهة من الجهات الست.

٦١

وهذا محال لا يعقل، ولا يمكن أن يتصور متصور إلا اذا اختص الله المؤمنين في الدار الآخرة ببصر آخر لاتكون فيه خواص الأبصار المعهودة في الحياة الدنيا على وجه تكون فيه الرؤية البصرية كالرؤية القلبية وهذا خروج عن محل النزاع في ظاهر الحال، ولعل النزاع بيننا وبينهم في الواقع ونفس الأمر لفظي.

٣ - لا تمتلئ النار حتى يضع الله تعالى رجله فيها

وأخرج الشيخان من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحاجت الجنة والنار فقالت النار: أو ثرت بالمتكبرين والمتجبرين!. وقالت الجنة: مالي لايدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطتهم قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنار إنما أنت عذاب اعذب بك من أشاء من عبادي. ولكل واحدة منهما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله قط قط فهناك تمتلئ ويزوي بعضها الى بعض الحديث(١) .

إن أبا هريرة كلما أزداد مثاله زاده الله رعالة(٢) رأى ان جهنم أوسع من أن تمتلئ بالعصاة وان الله عز وجل أخبر بامتلائها إذ قال (فالحق والحق أقول لاملأن جهنم) فوقف أبو هريرة أمام هذين الأمرين وقفة الحائر يفكر في الجمع بينهما حتى انتهى به الفكر الى حل المشكلة بادخال رجل الله في جهنم لأن رجل الله تعالى - على رأي أبي هريرة - لابد أن تكون أفخم وأعظم من جهنم

________________________

(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ق: ٣/١٢٧ من صحيحه وأخرجه مسلم في: ٢/٤٨٢ من صحيحه في باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء أخرجه من خمسة طرق عن أبي هريرة، وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة آخر: ٢/٣١٤ من مسنده.

(٢) مثل يضرب لمن كان كلما أزداد رزقاً زاده الله حمقاً.

٦٢

مهما كانت جهنم متسعة الاكناف، ومهما كانت متباعدة الأطراف، وأبو هريرة كيس ثقف لقف، فلا غرو ان جمع بين المتناقضات؛ لكن فاته تدبر قوله تعالى اذ( قال فالحقّ (١) والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) ولو تدبر الآية لاعتقل لسانه وانصرف يتعثر بنمرته، فانها نص في أن امتلاءها لايكون الا منه، أي من جنسه وهم الشياطين وممن تبعه من الناس كافة.

وعلى كل: فان هذا الحديث محال ممتنع بحكم العقل والشرع، وهل يؤمن مسلم ينزه الله تعالى بأن لله رجلا؟. وهل يصدق عاقل بأنه يضعها في جهنم لتمتلئ بها؟! وما الحكمة بذلك؟! وأي وزن لهذا الكلام البارد!؟ وبأي لسان تتحاج النار والجنة!؟ وبأي حواسهما ادركتا ما ادركتاه وعرفتا من دخلهما وأي فضل للمتجبرين والمتكبرين لتفخربهم النار وهم يومئذ في اسفل سافلين؟ وكيف تظن الجنة ان الفائزين بها من سقطة الناس وهم من الذين انعم الله عليهم بين نبي وصديق وشهيد وصالح ما أظن الجنة والنار قد بلغ بهما الجهل والحمق والخرف الى هذه الغاية؟.

٤ - نزول ربه كل ليلة إلى سماء الدنيا تعالى الله

ـ أخرج الشيخان من طريق ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغرو أبي سلمة ابن عبد الرحمان عن أبي هريرة مرفوعاً قال: ينزل ربنا كل ليلة الى سماء الدنيا حين تبقى الثلث الاخير يقول: من يدعوني فأستجيب له الحديث(٢) .

تعالى الله عن النزول والصعود والمجئ والذهاب والحركة والانتقال

________________________

(١) فالحق مبتدأ، خبره محذوف، تقديره: فالحق قسمى أو يميني لأملأن جهنم والحق أقول أعتراض بين المقسم به والمقسم عليه معناه: لا أقول إلا الحق.

(٢) أخرجه البخاري في باب الدعاء نصف الليل: ٤/٦٨ من صحيحه في كتاب الدعوات، واخرجه أيضاً في آخر: ١/١٣٦ من صحيحه في باب الدعاء والصلاة من آخر الليل في كتاب الكسوف، وأخرجه مسلم في: ١/٢٨٣ من صحيحه في باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل وأخرجه احمد بن حنبل من حديث ابي هريرة في: ٢/٢٥٨ من مسنده.

٦٣

وسائر العوارض والحوادث، وقد كان هذا الحديث والثلاثة التي قبله مصدراً للتجسيم في الاسلام، كما ظهر في عصر التعقيد الفكري. وكان من الحنابلة بسببها انواع من البدع والاضاليل، ولا سيما ابن تيمية الذي قام على منبر الجامع الاموي في دمشق يوم الجمعة خطيباً، فقال اثناء اضاليله: ان الله ينزل الى سماء الدنيا كنز ولي هذا ونزل درجة من درج المنبر يريهم نزول الله تعالى نزولا حقيقاً بكل ما للنزول من لوازم كالحركة والانتقال من العالي الى السافل، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وانكر عليه ما قال؛ فقامت العامة الى هذا الفقيه وضربوه بالايدي والنعال ضرباً كثيراً فسقطت عمامته واحتملوه الى قاضي الحنابلة يومئذ في دمشق واسمه عز الدين ابن مسلم فأمر بسجنه، وعزره بعد ذلك، الى آخر ما كان في هذه الواقعة(١) .

٥ - نقض سليمان حكم أبيه داود

أخرج الشيخان(٢) بالاسناد الى أبي هريرة مرفوعاً قال: كانت امرأتان

________________________

(١) التي حضرها الرحالة ابن بطوطة بنفسه ورآها بعينه وسجلها في: ١/٥٧ من رحلته عند ذكره قضاة دمشق فراجع.

(٢) اما البخاري فقد أخرجه في اول: ٢/١٦٦ من صحيحه في باب قوله تعالى:( ووهبنا لداود سليمان نعم العبد انه اواب ) من كتاب بدء الخلق واما مسلم فاخرجه في: ٢/٥٧ من صحيحه في باب بيان اختلاف المجتهدين من كتاب الأقضية، وأخرجه احمد بن حنبل من حديث ابي هريرة في: ٢/٣٢٢ من مسنده.

٦٤

معهما ابناهما جاء فذهب بابن احداهما فقالت صاحبتها: انما ذهب بابنك وقالت الاخرى: انما ذهب بابنك، فتحا كمتا الى داود فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان بن داودعليه‌السلام فأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين اشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى؛ قال أبو هريرة والله ان سمعت بالسكين الا يومئذ وما كنا نقول الا المدية أ هـ في هذا الحديث نظر من وجوه:

(أحدها): ان داودعليه‌السلام خليفة الله في ارضه، ونبيه المرسل الى عباده وقد أمره الله ان يحكم بين الناس بالحق فقال عز من قائل:( يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ) وقد أثنى عليه في الذكر الحكيم والفرقان العظيم فقال عز من قائل: (واذكر عبدنا داود ذا الايد انه اواب انا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق والطير محشورة كل له اواب وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) الى ان قال عز سلطانه:( وان له عندنا لزلفى وحسن مآب ) وقال عز وعلا:( ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا ) فداود ممن فضله الله بزبوره فهو معصوم من الخطأ ولا سيما في القضاء والحكم بما أنزل الله تعالى:( ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الظالمون ) وولده سليمان وارث علمه وحكمه؛ وهو نبي معصوم أيضاً فكيف ينقض حكم ابيه وهو أعرف الناس بعصمته؟ ولو ان حاكماً في هذه الايام من قضاة الشرع جامعاً لشرائط الحكومة الشرعية حكم بين اثنين ترافعا اليه لوجب على سائر حكام الشرع اعتبار حكمه بدون توقف الا مع العلم بخطئه والخطأ هنا مأمون لوجوب عصمة الأنبياء، فلا يجوز على سليمان وهو من أنبياء الله ان ينقض حكم أبيه الذي ارتضاه الله ورسولا لعباده وحاكما بينهم لان نقضه رد على الله تعالى وسوء ادب مع أبيه بل عقوق له.

(ثانيها): ان هذا الحديث صريح بتناقض الحكمين الصادرين من هذين

٦٥

النبيين وذلك مما يوجب القطع بخطأ أحدهما لو كان الحديث صحيحاً والخطأ ممتنع على الأنبياء ولا سيما في مقام الحكم بما أنزل الله تعالى:( ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الفاسقون ) .

(ثالثها): ظاهر هذا الحديث ان داودعليه‌السلام حكم بالولد للكبرى بدون بينة ولا مستند غير أنّها كبرى وهذا لا يصدر إلا من جاهل بالموازين الشرعية بعيد عن قوانين المحاكمات تعالى الله وتنزهت انبياؤه عن ذلك.

(رابعها): ان هذا الحديث صريح في ان سليمان انما حكم به للصغرى بمجرد اشفاقها عليه من الشق بالسكين وهذا بمجرده لا يكون ميزاناً لحكمه، ولا سيما بعد اقرارها به للكبرى؛ وبعد حكم أبيه بذلك.

(خامسها): لا ينقضي والله عجبي ممن يسعه تصديق أبي هريرة في قوله: والله ان سمعت بالسكين الا يومئذ وما كنا نقول الا المدية، وى أن السكين اكثر دوراناً في كلام العرب من المدية بكثير! وما اظن أحداً منهم يجهل معنى السكين بخلاف المدية؛ فان اكثر العامة لا يعرفونها وى كأن أبا هريرة لم يقرأ ولم يسمع قوله تعالى في سورة يوسف وهي مكية:( وآتت كل واحدة منهن سكيناً ) (١) .

وكأنه لم يرو عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله: من جعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين(٢) .

________________________

(١) سورة يوسف كلها نزلت في مكة إلا اربع آيات منها نزلت في المدينة ثلاث من اولها والرابعة:( لقد كان يوسف وأخواته آيات للسائلين ) وابو هريرة إنما اسلم بعد نزولها بأكثر من سبع سنين وكانت محفوظة يرتلها المسلمون آناء الليل واطراف النهار، وقد سمعهم يقرؤونها في صلواتهم وخلواتهم وفي كثير من اوقاتهم.

(٢) بلى قد رواه وأخرجه عنه الامام احمد في: ٢/٢٣٠ من مسنده من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن العلاء عن ابيه عن ابي هريرة مرفوعاً.

٦٦

تنبيه

ظن أبو هريرة أن داود وسليمان (إذ يحكمان في الحرث) كانا متناقضين في الحكم فهان عليه تزوير تلك القصة الخيالية ولم يدر أنهما انما كانا على الصواب وان حكم كل منهما وعلمه انما كان من لدن ربّ الارباب.

ومجمل قضيتهما أن غنماً أصابت في الليل حرثاً وكان كرماً قد بدت عناقيده(١) فاكلته فترافع صاحب الحرث وأصحاب الغنم الى داودعليه‌السلام فكان بمقتضى شرعه الموحي اليه من الله تعالى أن يحكم بالغنم لصاحب الحرث لأن قيمة الغنم كانت على قدر النقصان في الحرث، فلما أراد أن يحكم بذلك نسخه الله تعالى على لسان سليمان وكان شريكه في النبوة فأفهمه الله أن الحكم أصبح في مثل تلك الواقعة أن تدفع الغنم الى أهل الحرث ينتفعون بألبانها وأُصوافها ويدفع الحرث الى أرباب الغنم يقومون عليه حتى يعود كهيئته قبل عيث الغنم فيه ثم يترادان.

جعل الله في هذا الحكم انتفاع صاحب الحرث بالغنم بازاء ما فاته من الانتفاع بحرثه من غير أن يزول ملك المالك عن الغنم واوجب على أصحاب الغنم أن يعملوا في الحرث حتى يزول الضرر والنقصان؛ فلما أفهم الله عز وجل سليمان ذلك رفعه الى أبيه فعزم أبوه عليه ليحكمن بما أنزل الله عليه فحكم به.

هذا ملخص ما كان يومئذ بينهما لا تناقص فيه ولا اختلاف شأن كل حكمين عن الله تعالى نسخ ثانيهما الاول.

وأنا أتلو عليك من محكمات الفرقان ما يلمسك هذه الحقيقة قال تبارك وتعالى:( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث اذ نفشت (٢) فيه غنم القوم وكنا

________________________

(١) فيما روى عن الامامين الباقرين الصادق أبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام .

(٢) النفش هو الانتشار في الليل.

٦٧

لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان (١) وكلا آتينا حكماً وعلماً وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين ) فانظر الى قوله عز اسمه وكلا آتينا حكماً وعلماً تجده نصاً في انهما جميعاً على الصواب، وان حكم كل منهما وعلمه انما هو من لدن رب الارباب.

لكن من رأي أبي هريرة ان أنبياء الله يجوز عليهم الحكم بمجرد الاجتهاد لذلك جوز عليهم الخطأ فيما يحكمون به كسائر المجتهدين.

(ما قدروا الله حق قدره) إذ جوزوا الاجتهاد والعمل بالظن على مهابط وحي الله، ومختلف ملائكته، وجوزوا الخطأ عليهم حتى في القضاء الشرعي والحكم عن الله عز وجل:( ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون ) .

ولو ثابت اليهم أحلامهم لعلموا أن العمل بالاجتهاد واستفراغ الوسع محال على الأنبياء لانه لا يوصل غالباً إلا الى الظن، والأنبياء لا يعولون عليه لنمكنهم من العلم بسبب الوحي، وانما يحوز ذلك لمجتدي الأمة لأنه أقصى ما يتمكنون منه.

ولو جاز الاجتهاد على الأنبياء لجاز لغيرهم من المجتهدين أن يعارضوهم فيما يصدعون به من أحكام الله وحينئذ لاتبقى للنبوة منزلتها؛ ولا للنبيين الشأن لا يلحقه لاحق ولا يطمع من غيرهم فيه طائع، وهل يجرأ مؤمن من المجتهدين أن يعارض النبي وينقض حكمهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلا! انه الكفر بالاجماع.

على أن القرآن العظيم والذكر الحكيم صريح بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما يعمل بالوحي:( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) وهكذا سائر الانبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين.

________________________

(١) أي ففهمنا هذه الحكومة سليمان فكانت ناسخة للحكومة التي كان الله من ذي قبل فهمها داودعليها‌السلام .

٦٨

٦ - طواف سليمان بمائة امرأة في ليلة

أخرج الشيخان بالاسناد الى أبي هريرة مرفوعاً قال: سليمان ابن داود لأطوفنّ الليلة بمائة أمرأة! تلد كل غلاماً! يقاتل في سبيل الله! فقال له الملك: قل إن شاء الله فلم يقل!! فأطاف بهن! فلم تلد إلا امرأة نصف انسان! (قال أبو هريرة): قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو قال ان شاء الله لم يحنث وكان أرجى لحاجته.

(قلت): وفي هذا أيضاً نظر من وجوه:

(أحدها): ان القوة البشرية لتضعف عن الطواف بهن في ليلة واحدة مهما كان الانسان قوياً، فما ذكره أبو هريرة من طواف سليمانعليه‌السلام بهن مخالف لنواميس الطبيعة لايمكن عادة وقوعه أبداً.

(ثانيها): انه لا يجوز على نبي الله تعالى سليمانعليه‌السلام أن يترك التعليق على المشيئة، ولا سيما بعد تنبيه الملك إياه إلى ذلك. وما يمنعه من قول ان شاء الله؟ وهو من الدعاة إلى الله والأدلاء عليه، وانما يتركها الغافلون عن الله عز وجل، الجاهلون بأن الأمور كلها بيده فما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن، وحاشا أنبياء الله عن غفلة الجاهلين إنهمعليهم‌السلام لفوق مايظن المخرّفون.

(ثالثها): أن أبي هريرة قد اضطرب في عدة نساء سليمان، فتارة روى انهن مائة امرأة كما سمعت(١) ، وتارة روى انهن تسعون(٢) ، وتارة روى انهن

________________________

(١) وقد أخرجه البخاري في باب قول الرجل: لأطواف الليلة على نسائي في آخر: ٣/١٧٦ من صحيحه في الورقة الأخيرة من كتاب النكاح، وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة: ٢/٢٢٩، ٢٧٠ من مسنده.

(٢) كما أخرجه البخاري عنه في: ٤/١٠٧ من صحيحه في باب الاستثناء في الايمان من كتاب الايمان والنذور.

٦٩

سبعون(١) ، وتارة روى انهن ستون(٢) وهذه الروايات كلها في صحيحي البخاري ومسلم ومسند أحمد فما أدري مايقوله فيها المعتذرون عن هذا الرجل؟ أيقولون ان هذه الحادثة تكررت من سليمان مع زوجاته؟ وكن مرة مائة ومرة كن تسعين ومرة سبعين وأخرى ستين: وفي كل مرة ينبهه الملك فلا يقول: ما اظنهم يقولون بهذا ولو قالوا: قد اتسع الخرق على الراقع؛ لكان اولى بهم وفي المثل السائر: ليس لكذوب حافظة.

٧ - لطم موسى عين ملك الموت

أخرج الشيخان صحيحيهما بالاسناد إلى أبي هريرة قال: جاء ملك الموت الى موسىعليهما‌السلام فقال له: أحب ربك. قال فلطم موسى عين ملك الموت فقفأها: قال: فرجع الملك الى الله تعالى فقال: أنك ارسلتني الى عبد لك لا يريد الموت ففقأ عيني. قال فرد الله اليه عينه وقال ارجع الى عبدي فقل: الحياة تريد فان كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور: فما توارت بيدك من شعرة فانك تعيش بها سنة الحديث.(٣) .

________________________

(١) كما أخرجه البخاري بالاسناد اليه في: ٢/١٦٥ من صحيحه في باب قوله تعالى:( ووهبنا لداود سليمان نعم العبد انه اواب ) من كتاب بدء الخلق.

(٢) كما أخرجه مسلم بالاسناد اليه في باب الاستثناء من كتاب الايمان -: ٢/٢٣ من صحيحه، وأخرج مسلم أيضاً في ذلك الباب نفسه حديثاً من طريق آخر عن ابي هريرة انهن سبعون واخرج فيه من طريق ثالث انهن تسعون فراجع.

(٣) اوردناه بلفظ مسلم وقد اخرجه - عن ابي هريرة بطرق كثيرة - في باب فضائل موسى من كتاب الفضائل من صحيحه: ٢/٣٠٩، وأخرجه البخاري في باب وفاة موسى من كتاب بدء الخلق بعد حديث الخضر بأقل من صفحتيين من صحيحه فراجع: ٢/١٦٣ واخرجه أيضاً في باب من احب الدفن في الأرض المقدسة من ابواب الجنائز من صحيحه فراجع: ١/١٥٨.

٧٠

وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة في مسنده(١) وفيه: أن ملك الموت كان يأتى الناس عياناً: قال: فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه الحديث، وأخرجه ابن جرير الطبري في الجزء الأول من تاريخه(٢) عن أبي هريرة ولفظه عنه: أن ملك الموت كان ياتي الناس عياناً حتى أتى موسى فلطمه ففقأ عينه وفي آخره ان ملك الموت جاء إلى الناس خفياً بعد موت موسى(٣) .

وأنت ترى ما فيه مما لا يجوز على الله تعالى، ولا على انبيائه. ولا على ملائكته، أبليق بالحق تبارك وتعالى ان يصطفي من عباده من يبطش على الغضب بطش الجبارين؟؟، ويوقع بأسه حتى في ملائكة الله المقربين ويعمل عمل المتمردين؟: ويكره الموت كراهة الجاهلين؟: وكيف يجوز ذلك على موسى؟ وقد اختاره الله لرسالته، وائتمنه على وحيه، وآثره بمناجانه، وجعله من سادة رسله، وكيف يكره الموت هذا الكره مع شرف مقامه؟ ورغبته في القرب من الله تعالى والفوز بلقائه؟ وما ذنب ملك الموتعليه‌السلام ؟ وانما هو رسول الله اليه. وبما استحق الضرب والمثلة فيه بقلع عينه؟ وما جاء إلا عن الله وما قال له: سوى أجب ربك أيجوز على أولي العزم من الرسل اهانة الكروبيين من الملائكة؟ وضربهم حين يبلغونهم رسالات الله وأوامره عز وجل!؟. تعالى الله وتعالت أنبياؤه وملائكته عن ذلك علواً كبيراً.

ونحن لم برئنا من أصحاب الرس، وفرعون موسى، وأبي جهل، وأمثالهم ولعناهم بكرة وأصيلا؟. أليس ذلك لأنهم آذوا رسل الله حين جاؤوهم بأوامره

________________________

(١): ٢/٣١٥.

(٢) وذلك حيث ذكر وفاة موسى في كتابه تاريخ الامم والملوك.

(٣) لو ان ملك الموت كان يأتي عياناً قبل وفاة موسى لطفحت به الاخبار واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار فما بال المحدثين والمؤرخين واهل الاخبار من جميع الامم اغفلوا هذا الخبر لو كان له اثر، وما بال القصاصين والمخرفين ما حام خيالهم حوله، فهل تركوا الامتياز به لأبي هريرة؟

٧١

فكيف نجوز مثل فعلهم على انبياء الله وصفوته من عباده؟ حاشا لله ان هذا لبهتان عظيم.

ثم إن من المعلوم أن قوة البشر بأسرهم، بل قوة جميع الحيوانات منذ خلقها الله تعالى إلى يوم القيامة لا تثبت امام قوة ملك الموت فكيف - والحال هذه - تمكن موسىعليه‌السلام من الوقيعة فيه؟ وهلا دفعه الملك عن نفسه؟ مع قدرته على ازهاق روحه، وكونه مأموراً عن الله تعالى بذلك.

ومتى كان للملك عين يجوز أن تففقأ؟!.

ولا تنس تضييع حق الملك وذهاب عينه. ولطمته هدراً، وإذ لم يؤمر الملك من الله بأن يقتص من موسى صاحب التوراة التي كتب الله فيها (ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص)(١) ولم يعاتب الله موسى على فعله هذا بل اكرمه إذ خيره بسببه بين الموت والحياة سنين كثيرة بقدر ما تواريه يده من شعر الثور.

وما ادري والله ما الحكمة في ذكره شعر الثور بالخصوص؟!.

أما وعزة الحق، وشرف الصدق وعلوهما على الباطل والافك لقد حمّل هذا الرجل اولياءه ما لا طاقة لهم به. وكلفهم باحاديثه هذه بما لا تحتمله عقولهم ابداً ولا سيما قوله في هذا الحديث: إن ملك الموت قبل وفاة موسى كان يأتي الناس عياناً وانما جاءهم خفياً بعد موت موسى نعوذ بالله من سبات العقل وخطل القول والفعل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

________________________

(١) إشاره الى الآية ٤٥ من سورة المائدة، وقد وجدنا في الفقرة ٢٣ من الاصحاح ٢١ من اصحاحات الخروج، من التوراة الموجودة في أيدي اليهود والنصارى في هذه الايام ما هذا لفظه: ان حصلت اذية تعطى نفساً بنفس وعيناً بعين وسناً بسن ويداً بيد ورجلاً برجل وكيا بكي وجرحا بجرح ورضا برض.

٧٢

٨ - فرار الحجر بثياب موسى وعدو موسى خلفه ونظر بني اسرائيل اليه مكشوفاً

أخرج الشيخان في صحيحيهما بالاسناد إلى أبي هريرة قال: كان بنو اسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم الى سوأة بعض، وكان موسىعليه‌السلام يغتسل وحده فقالوا: والله ما يمنع موسى ان يغتسل معنا إلا أنه آدر (أي ذو فتق) قال فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه! فجمع موسى بأثره يقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر! حتى نظر بنو اسرائيل الى سوأة موسى فقالوا: والله ما بموسى من بأس فقام الحجر بعد حتى نظر إليه فأخذ موسى ثوبه فطفق بالحجر ضرباً؟ فوالله ان بالحجر ندباً(١) ستة أو سبعة الحديث(٢) .

وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن هذه الواقعة هي التي أشار الله اليها بقوله عز من قائل:( يا ايها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً ) أ هـ.

وأنت ترى ما في هذا الحديث من المحال الممتنع عقلا فانه لايجوز تشهير كليم اللهعليه‌السلام بابداء سوأته على رؤوس الأشهاد من قومه لأن ذلك ينقصه ويسقط من مقامه، ولاسيما اذا رأوه يشتد عارياً ينادي الحجر وهو لا يسمع ولا يبصر: ثوبي حجر ثوبي حجر ثم يقف عليه وهو عاري أمام الناس فيضربه

________________________

(١) الندب بوزن جمل اثر الجراح اذا لم يرتفع عن الجلد.

(٢) اوردناه بلفظ مسلم إذ أخرجه عن أبي هريرة بطرق كثيرة فراجع باب فضائل موسى: ٢/٣٠٨ من صحيحه واخرجه البخاري في الباب الذي هو بعد حديث الخضر من صحيحه: ٢/١٦٢ وفي: ١/٤٢ في باب من اغتسل عريانا من كتاب الغسل، واخرجه احمد من حديث أبي هريرة من طرق كثيرة فراجع: ٢/٣١٥ من مسنده.

٧٣

والناس تنظر اليه مكشوف العورة كالمجنون!

وهذه الحركة لو صحت فانما هي من فعل الله تعالى فكيف يغضب منها كليم الله فيعاقب الحجر عليها؟! وما هو إلا مقسور على الحركة وأي أثر لعقوبة الحجر؟؟.

ثم ان هربه بثياب موسىعليه‌السلام لا يبيح له ابداء عورته، وهتك نفسه بذلك وقد كان في امكانه أن بيقى في مكان حتى يؤتى بثيابه أو بساتر غيرها كما يفعله كل ذي لب اذا ابتلى بمثل هذه القصة.

على أن هرب الحجر من المعجزات وخوارق العادات التي لا تكون الا في مقام التحدي كمقام انتقال الشجرة من مكة المعظمة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين اقترح عليه المشركون ذلك فنقلها الله عز وجل من مكانها تصديقاً لدعوته وتثيبيتاً لنبوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن المعلوم أن مقام موسىعليه‌السلام وهو يغتسل لم يكن مقام تحد وتعجيز فلا تقع فيه المعجزات وخوارق العادات ولا سيما اذا ترتب عليها فضيحة نبي الله بابداء سوأته للملأ من قومه على وجه يستخف به كل من رآه وكل من سمع بخبره هذا واما براءته من الادرة فليست من الامور التي يباح في سبيلها هتكه وتشهيره ولاهي من المهمات التي تصدر بسببها الآيات اذ يمكن العلم ببراءته منها بسبب اطلاع نسائه عليه؛ واخبارهن بحقيقة حاله.

ولو فرض ابتلاؤه بالادرة فأي بأس عليه بذلك؟. وقد اصيب شعيبعليه‌السلام ببصره وايوبعليهم‌السلام بجسمه وانبياء الله كافة تمرضوا وماتوا، ولا يجب انتفاء مثل هذه العوارض عن انبياء الله ورسله، ولاسيما اذا كانت مستورة عن الناس كالادرة، نعم لايجوز عليهم ما يوجب نقصاً في مداركهم أو في مروءتهم أو يوجب نفرة الناس عنهم واستخفافهم بهم والادرة ليست في شئ من ذلك.

على ان القول بأن بني اسرائيل كانوا يظنون ان في موسى ادرة لم ينقل الا عن أبي هريرة.

٧٤

أما الواقعة التي أشار الله اليها بقوله عز من قائل:( يا ايها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله قالوا ) فالمروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وابن عباس أنها قضية إتهامهم إياه بقتل هارون. وهو الذي اختاره الجبائي وقيل هي قضية المومسة التي اغراها قارون بقذف موسىعليه‌السلام بنفسها فبرأه الله تعالى اذ انطقها بالحق؛ وقيل آذوه من حيث نسبوه الى السحر والكذب والجنون بعدما رأوا الايات.

واني لأعجب من الشيخين يخرجان هذا الحديث والذي قبله في فضائل موسى وما أدري أي فضيلة بضرب ملائكة الله المقربين وفقء عيونهم عند أرادتهم تنفيذ أوامر الله عز وجل؟ وأي منقبة بابداء العورة للناظرين وأي وزن لهذه السخافات؟ ان كليم الله ونجيه ونبيه لأكبر من هذا، وحسبه ماصدع به الذكر الحكيم والفرقان العظيم؛ من خصائصه الحسنىعليه‌السلام .

٩ - فزع الناس يوم القيامة الى آدم فنوح فابراهيم فموسى فعيسى رجاء شفاعتهم فاذا هم في أمرهم مبلسون

اخرج الشيخان بالاسناد الى أبي هريرة حديثاً (من أحاديثه الطويلة) مرفوعاً جاء فيه ما هذا نصه: يجمع الله الناس الأولين منهم والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟. فيقول بعض الناس لبعض عليكم بآدم فيأتون آدمعليه‌السلام فيقولون له: أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك ألا ترى الى ما نحن فيه؟ ألا ترى الى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: ان ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله! ولن يغضب بعده مثله! وانه نهاني عن الشجرة

٧٥

فعصيته نفسي نفسي نفسي!!! اذهبوا الى غيري إذهبوا الى نوح (قال) فيأتون نوحاًعليه‌السلام فيقولون: يانوح انك أنت أول الرسل الى أهل الأرض وقد سماك الله عبداً شكوراً اشفع لنا إلى ربك ألا ترى الى مانحن فيه؟ فيقول: ان ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله! وانه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي! نفسي نفسي نفسي!!! اذهبوا الى غيري اذهبوا الى ابراهيم (قال): فيأتون ابراهيمعليه‌السلام فيقولون: ياابراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الارض اشفع لنا الى ربك؛ ألا ترى الى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: ان ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله: ولن يغضب بعده مثله! واني قد كنت كذبت ثلاث كذبات! نفسي نفسي نفسي،،، اذهبوا الى غيري اذهبوا الى موسىعليه‌السلام (قال) فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس اشفع لنا الى ربك أترى الى ما نحن فيه؟ فيقول ان ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، واني قد قتلت نفساً لم اؤمر بقتلها؛ نفسي نفسي نفسي،،، اذهبوا الى غيري اذهبوا الى عيسىعليه‌السلام (قال): فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمته التي القاها الى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبياً اشفع لنا الى ربك ألا ترى الى ما نحن فيه؟ (قال): فيقول عيسىعليه‌السلام ان ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله! ولن يغضب بعده مثله، - ولم يذكر ذنباً - نفسي نفسي نفسي،؛، اذهبوا الى محمد، قال فيأتون محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك من ذنبك ما تقدم وما تأخر اشفع لنا الى ربك، ألا ترى الى ما نحن فيه؟ قال أبو هريرة قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فانطلق فأتى تحت العرش فأقع ساجداً لربي عز وجل ثم يفتح الله على من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفّع تشفع فأرفع رأسي فأقول: امتي يارب امتي يارب فيقال

٧٦

يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب الحديث.(١) .

وفيه من التسور على مقام أولي العزم من أنبياء الله وأصفيائه ما تبرأ منه السنن وتتنزه عن خطله فان للسنن المقدمة (سنن نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) في تعظيم الأنبياء غاية تملأ الصدور هيبة واجلالا وتعنو لها الجباه بخوعاً وقد ملأت مسامع الدهر بحمدهم ونظمت حاشيتي البرو والبحر بمجدهم؛ فكل ماعرفته الأمم لهم من جلالة تخشع امامها العيون ومهابة تتطا من لديها المفارق وعظمة تتصاغر عندها الهمم ويخفض لها جناح الضعة فانما هو من آثارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولولا فرقانه العظيم، وقرآنه الحكيم، وسنته المعصومة ما عرفهم ممن تأخر عنهم احد اذ ليس (غير الكتاب والسنة) في ايدي الناس برهان قاطع ولا حجة بالغة، بل لا خبر مسند ولا رواية تليق بالعقول، فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حفظ بسنته وكتاب ربه عز وجل خصائص الأنبياء وسننهم؛ وخلد مجدهم وحمدهم، ومثل اخلاصهم لله بالعبادة... واخلاصهم للعباد بالنصح والارشاد والافادة، كما حفظ بهما تاريخ الأمم الماضية، والقرون الخالية، وتمم بهما مكارم الأخلاق، ومحامد الصفات والآداب، وشرع بهما عن الله تعالى تلك الأنظمة الحكيمة، والقوانين القويمة، شرائع تضمن للبشر كافة سعادة الدنيا والآخرة وجمع فيهما العلم والحكمة والسياسة وشرف المعاش والمعاد، وحفظ بهما لغة الضاد الى يوم التناد.

________________________

(١) أوردناه بلفظ البخاري في: ٣/١٠٠ من صحيحه في باب ذرية من حملنا مع نوح من تفسير سورة بني اسرائيل، وأخرجه مسلم في: ١/٩٧ من صحيحه في أواخر باب اثبات الشفاعة وهو في أواخر كتاب الإيمان، وأخرجه احمد من حديث أبي هريرة بطرق اليه كثيرة في الجزء الثاني من مسنده.

٧٧

فحديث أبي هريرة هذا - بهرائه وهذره(١) - اجنبي عن كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباين اسننه كل المباينة. ومعاذ الله ان ينسب إلى انبياء الله ما اشتمل عليه هذا الحديث الغث التفه(٢) وحاشا آدم من المعصية بارتكاب المحرم الذي يوجب غضب الله، وانما كان منهياً عن الشجرة نهي تنزيه وارشاد، وتقدس نوح من الدعاء إلا على اعداء الله تقرباً اليه عز سلطانه؟ وتنزه ابراهيم عن الكذب وعن كل قول أو فعل يغضب الله عز وجل أو يخالف الحكمة ومعاذ الله أن يقتل موسى نفساً يغضب الله لقتلها وإنما يقتل من لا حرمة له عند الله تعالى ولا وزن له عند أولي الالباب؛ وتعالى الله أن يعاملهم إلا بالحسنى كما قال عز من قائل:( هل جزاء الاحسان إلا الاحسان ) وأنبياء الله اجل من ان يتوهموا بربهم تبارك وتعالى انه قد غضب عليهم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ويمتنع على رسول الله ان يذكرهم إلا بماهم أهله.

ثم كيف يتسنى لأهل المحشران يشتوروا ويأتمروا؟ وهم بحيث:( تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) ،( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) .

وأني لهم بالوصول الى الأنبياء في ذلك الموقف والانبياء يومئذ على الأعراف، وهل يصل أهل الارض الى السماء؟ وما الذي منعهم من التوسل توّاً برسول الله؟ فانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب المقام المحمود والجاه العظيم والشفاعة المقبولة لا يجهله يومئذ احد من الناس؛ ولم لم يرجعهم اليه آدم ولا نوح ولا ابراهيم ولا موسى؟ وهلا اراحوا اولئك المساكين بدلالتهم من أول الامر على ولى الامر في ذلك الحشر؟! أكانوا يجهلون مقامه المحمود في اليوم الموعود

________________________

(١) الهراء المنطق الفاسد لا نظام له، والهذر هو الا كثار من الخطأ والباطل.

(٢) الذي لا طعم له.

٧٨

أم كانوا يؤثرون عناء اولئك المؤمنين المستغيثين.

ولنا ان نسأل أبا هريرة عن هؤلاء المساكين أمن أمة محمد هم؟ أم من أمة غيره؟ فان كانوا من أمته فما الذي صرفهم عنه الى غيره؟ وان كانوا من امة غيره فمن الطبيعي له ان لا يحبط مساعيهم، ولا يخيب آمالهم فكيف اختص أمته بالشفاعة دونهم؟ مع ما فطر عليه من الرحمة الواسعة ومع ما آتاه الله يومئذ من الشفاعة والوسيلة معاذ الله ان يخيبهم وهو أمل الراغب الراجي وامن الخائف اللاجى يجيب لسان العافي بلسان نداه ويروي صدى اللهيف قبل رجع صداهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

١٠ - شك الانبياء والتنديد بلوط وتفضيل يوسف على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصبره

أخرج الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً قال: نحن احق بالشك من ابراهيم إذ قال: ربي ارني كيف تحي الموتى؛ قال: أو لم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي، ويرحم الله لوطاً لقد كان يأوي الى ركن شديد ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لاجبت الداعي أهـ. - وهذا الحديث(١) ممتنع من وجوه: -

(احدها): انه اثبت الشك لخليل الله ابرهيمعليه‌السلام ؛ وقد قال الله عز من قائل:( ولقد أتينا ابراهيم رشدة من قبل ) وقال جل سلطانه:( وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين ) والايقان اسمى مراتب العلم والموقن بالشئ لا يمكن ان يكون شاكا فيه ، والعقل بمجرده

________________________

(١) اخرجه البخاري في: ٢/١٥٨ من صحيحه في باب ونبئهم عن ضعيف ابراهيم إذ دخلوا عليه من كتاب بدء الخلق، واخرجه مسلم في: ١/٧١ من صحيحه في باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الادلة من كتاب الايمان. واخرجه الامام احمد من حديث ابي هريرة في الجزء الثاني من مسنده.

٧٩

يحيل وقوع الشك من الانبياءعليهم‌السلام كافة، وهذا من الامور المسلمة.

اما قوله تعالى:( وإذ قال ابراهيم ربي ارني كيف تحي الموتى ) فظاهر في ان ابراهيمعليه‌السلام انما سأل ربه عن كيفية الاحياء لا عن الاحياء نفسه؛ وهذا لا يتأتى الا اذا كان نفس الاحياء محققاً معلوماً لدى ابراهيم.

وبعبارة اوضح الاستفهام بكيف انما هو سؤال عن حال شئ موجود معلوم الوجود لدى السائل والمسؤول نحو: كيف زيد، يعني اصحيح هو مثلا أم مريض؟ وكيف فعل زيد أي احسناً فعل مثلا أم قبيحاً؟ وكيف وقعت القضية أو كيف تقع يعني اعلى ما نريد مثلا أم على خلاف ما نريد؟ وعلى هذا فقوله: ارني كيف تحي الموتى، انما هو طلب لأن يريه كيفية ما قد علمه وتقرر لديه من احياء الموتى.

لكن لما كان مثل هذا الطلب قد يكون ناشئا عن الشك في القدرة على الاحياء، وربما يتوهم من يبلغه هذا الطلب ممن لايعرف مقام ابراهيم انهعليه‌السلام قد شك في القدرة اراد الله تعالى بسبب ذلك ان يرفع هذا التوهم ببيان منشأ طلبه فقال له: أو لم تؤمن؟ قال: بلى، أي: أنا مؤمن بالقدرة ولكني انما طلبت ذلك ليطمئن قلبي بسبب رؤية الكيفية التي نجى بها الموتى بعد تفرق اجزائها في مضامين القبور وأوجار الطيور وبطون السباع، ومطارح المهالك من البر والبحر، وكأن قلبهعليه‌السلام قد ولع برؤية الكيفية فقال: ليطمئن قلبي؛ أي لتبرد غلة شوقه برؤيتها.

هذا هو المراد من الآية الكريمة، ومن نسب الشك اليه صلوات الله وسلامه عليه فقد ضل ضلالاً مبيناً.

(ثانيها) ان الظاهر من قوله: نحن أولي بالشك من ابراهيم تبوت الشك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولسائر الأنبياء، وانهم جميعاً اولى به من ابراهيم.

ولو فرض عدم ارادة الأنبياء جميعاً فارادة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما لابد

٨٠