أبو هريرة

أبو هريرة0%

أبو هريرة مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 224

أبو هريرة

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
تصنيف:

الصفحات: 224
المشاهدات: 70398
تحميل: 8645

توضيحات:

أبو هريرة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 224 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70398 / تحميل: 8645
الحجم الحجم الحجم
أبو هريرة

أبو هريرة

مؤلف:
العربية

منها، والحديث نص صريح في أنه أولى بالشك (سبحانك هذا بهتان عظيم) قد انعقد الاجماع على بطلانه، وتصافق العقل والنقل على امتناعه.

وما ندرى والله لم كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى بالشك من ابراهيم مع ما آتاه الله مما لم يؤت ابراهيم وغيره من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين.

ووصيّه أمير المؤمنينعليه‌السلام انما كان الباب من مدينة علمه وانما هو منه بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بنبي، وقد قالعليه‌السلام لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً(١) فما الظن بسيد المرسلين، وخاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليهم أجمعين.

(ثالثها): ان قوله: ويرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد تنديد بلوط ورد عليه؛ وتهمة له بما لا يليق بمنزلة من الله عز وجل وحاشاه أن يكون قليل الثقة بالله وانما أراد أن يستفز عشيريه وذويه ويستظهر بفصيلته التي تؤويه نصحاً منه لله عز وجل في أمر عباده بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وحاشا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يندد بلوط أو يفند قوله ومعاذ الله أن يظن به إلا ما هو أهله ولكنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انذر بكثرة الكذابة عليه.

(رابعها): ان قوله: ولو لبثت في السجن طول مالبث يوسف لأجبت الداعي ظاهر في تفضيل يوسف على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا خلاف مااجمعت عليه الأمة وتواترت به الصحاح الصريحة وثبت بحكم الضرورة بين المسلمين.

فان قلت: انما كان هذا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تواضعاً ليوسف واعجاباً بحزمه وصبره وحكمته في اثبات براءته حتى حصحص الحق قبل خروجه من السجن.

________________________

(١) هذه الكلمة مستفيضة عنهعليه‌السلام وقد اشار اليها البوصيري في همزيته اذ يقول:

ووزير ابن عمه في المعالي

ومن الاهل تسعد الوزراء

لم يزده كشف الغطاء يقينا

بل هو الشمس ما عليه غطاء

٨١

(قلنا) لا يجوز مثل هذا الكلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو كان على سبيل التواضع؛ لاشتماله على خبر غير مطابق للواقع، لأنه لو ابتلي بما ابتلى به يوسف لكان اصبر من يوسف وأولى منه بالحزم والحكمة؛ وبكل ما يتحصحص به الحق، وهيهات أن يجيب الداعي بمجرد أن يدعوه الى الخروج فتفوته الحكمة التي آثرها يوسف إذ قال لرسول الملك حين أخلى سبيله: ارجع إلى ربك - أي صاحبك - فأسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن أن ربي بكيدهن عليم، قال - يعني الملك -: ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه، قلن حاشا لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز: الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين.

فما خرج من السجن حتى تجلت براءته كالشمس الضاحية ليس دونها سحاب.

ولئن اخذ يوسف بالحزم فلم يسرع بالخروج من السجن حتى تمّ له ما أراد، فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد مثل الصبر والاناة والحلم والحزم والعزم والحكمة والعصمة في كل أفعاله وأقواله وهو الذي لو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في شماله على ان يترك الأمر ما تركه.

وكان الأولى أن يقول أبو هريرة في هذا المقام: ولو لبث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في السجن اضعاف اضعاف ما لبث فيه يوسف ماتوسل إلى خروجه منه بما توسل اليه يوسف إذ قال للذي ظن انه ناج من صاحبي السجن - اذكرني عند ربك - أي صفني عند الملك بصفاتي وقص عليه قصتي لعله يرحمني ويتداركني من هذه الورطة (فأنساه الشيطان ذكر ربه) أي ان الشيطان أنسى الرجل ان يذكر يوسف لربه - أعني الملك - (فلبث في السجن بضع سنين) وكان نسيان الرجل ولبث يوسف في السجن يضع سنين انما كانا تنبيهاً له إلى انه قد فعل غير الاولى إذ كان الاولى به أن لا يتوسل الى رحمة الله بغير الله عز وجل كما هو المأثور عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد منيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما هو أعظم محنة من سجن يوسف

٨٢

وابتلى بما هو اكثر ضرراً واكبر خطراً من كل ما قاساه آل يعقوبعليه‌السلام فما وهن ولا استكان ولا استعان إلا بالله وقد حوصر وجميع عشيرته في الشعب سنين؛ فكانوا في منتهى الضائقة واوذي في نفسه وعشيرته والمؤمنين به بما لم يؤذ به نبي قبله واجلبوا عليه بما لديهم من حول وطول، فاتل ان شئت:( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليقتلوك أو يثبتوك أو يخرجوك ) واقرأ:( ان لا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذهما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ) وأمعن في قوله عز أسمه:( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ) وتدبر قوله عز سلطانه:( إذ تصعدون ولا تلوون على احد والرسول يدعوكم في اخراكم فاثابكم غماً بغم ) وانعم النظر في قوله عن الأحزاب:( إذ جاؤوكم من فوقكم ومن اسفل منكم واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنا لك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديداً ) واوغل في البحث عن وقعة هوازن وحسبك منها:( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) الى كثير من مواقفة الكريمة التي خاض فيها الأهوال فكان فيها أرسى من الجبال يتلقى شدائدها برحب صدره وثبات جنانه فتنزل منه في بال واسع وخلق وادع لم يتوسل في الخروج من عسر إلى يسر إلا بالله وحده ولم يتذرع إلى شئ ما من شوؤنه إلا بالصبر والتوكل على الله تعالى فأين من عزائمه في صبره وحلمه وحكمه عزائم يوسف ويعقوب؟ واسحاق وابراهيم وسائر النبيين والمرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم أجمعين.

٨٣

١١ - جراد الذهب المتساقط على أيوب وهو يغتسل ومعاتبة الله إياه على ماحشاه في ثوبه

أخرج الشيخان بطرق متعددة(١) عن أبي هريرة مرفوعاً قال: بينا أيوب يغتسل عرياناً فخر عليه(٢) جراد من ذهب فجعل أيوب يحتثى في ثوبه فناداه ربه ألم أكن أغنيك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك ولكن لا غنى بي عن بركتك.

(قلت): لا يركن إلى هذا الحديث إلا أعشى البصيرة، مظلم الحس، فان خلق الجراد من ذهب آية من الآيات؛ وخوارق العادات وسنة الله عز وجل في خلقه ان لا يخلق مثلها إلا عند الضرورة كما لو توقف ثبوت النبوة عليها فتأتي حينئذ برهاناً على النبوة دليلا على الرسالة وما كان الله ليخلقها عبثاً وجزافاً فتخر على أيوبعليه‌السلام وهو منفرد بنفسه يغتسل عرياناً كما يزعم أبو هريرة.

ولو خرت عليه فجعل يحتثي في ثوبه لكان ذلك في محله لانها نعمة من الله خارقة لم يحتسبها فيقتضي شكرها بتعظيم شأنها وتلقيها بكل قبول ولا يحسن منه الاعراض عنها والاستخفاف بها وقد اختصه الله فيها لأن فيه من كفران النعمة ما يجب تنزيه الانبياء عنه.

والانبياء إذا جمعوا المال فانما يجمعونه لينفقوه في سبيل الله وابتغاء مرضاته وليستعينوا به على مشاريعهم الاصلاحية والله عز وجل خبير بهم عليم بنواياهم فلا يعاتبهم على جمعه ابداً.

________________________

(١) راجع من البخاري: ١/٤٢ من صحيصه قبل كتاب الحيض بأقل من صفحتين و: ٢/١٦٠ قبل حديث الخضر مع موسى بأقل من صفحتين.

(٢) هكذا في صحيح البخاري والأصح إذ خر عليه.

٨٤

١٢ - التنديد بموسى اذ قرصته نملة فاحرق قريتها!!!

أخرج الشيخان بالاسناد إلى أبي هريرة مرفوعاً قال: قرصت نملة نبياً من الانبياء - هو موسى بن عمران فيما نص عليه الترمذي(١) فأمر بقرية النمل فأحرقت الله اليه ان قرصتك نملة احرقت أمة من الامم تسبح الله!؟(٢) .

إن أبا هريرة مولع بالانبياءعليهم‌السلام هائم بكل مصيبة غريبة تقذى بها الابصار وتصتك منها المسامع وان انبياء الله لا عظم صبراً وأوسع صدراً، وأعلى قدراً، مما يحدث عنهم المخرفون.

وهذا وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول في خطبة له(٣) : والله لو أعطيت الاقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت وان دنياكم لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى.

وعليعليه‌السلام ما كان نبياً وانما هو وصي وصديق وهذه حاله تمثل عصمة الأنبياء عما ينسبه الجاهلون اليهم، وما كان الله ليصطفي لرسالاته ويختص بمناجاته من لا يتنزه عن ذلك؛ تعالى الله وتعالت رسله عما يقوله المخرفون علواً كبيرأ.

________________________

(١) كما نص عليه القسطلاني في شرح هذا الحديث من ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري: ٦/٢٨٨.

(٢) أخرجه البخاري في آخر: ٢/١١٤ في أواخر كتاب الجهاد والسير من صحيحه' وأخرجه مسلم في باب النهي عن قتل النمل: ٢/٢٦٧ من صحيحه في كتاب قتل الحيات وغيرها وأخرجه أبو داود في الادب وابن ماجة والنسائي في الصيد، واخرجه أحمد من حديث أبي هريرة في مسنده.

(٣) خطبها في تهويل الظلم وتبرئه منه وبيان صغر الدنيا في نظره والخطبة في نهج البلاغة أولها والله لئن ابيت على حسبك السعدان مسهدا.

٨٥

وما أدري واالله ماذا يقول مصححوا هذا الحديث فيما فعله هذا النبي من تعذيب النمل بالنار؟ مع قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يعذب بالنار إلا الله وقد أجمعوا على أنه لا يجوز الاحراق بالنار للحيوان مطلقاً إلا إذا حرق انسان انساناً فمات بالاحراق فلوليه الاقتصاص باحراق الجاني وسواء في منع الاحراق بالنار النمل وغيره من سائر الحيوانات للحديث المشهور (لا يعذب بالنار إلا الله)(١) .

وأخرج أبو داود باسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم عن ابن عباس ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد.

١٣ - سهو النبي عن ركعتين

أخرج الشيخان فيما جاء في السهو في صحيحيهما عن أبي هريرة قال صلى النبي إحدى صلاتي العشى واكثر ظني العصر(٢) ركعتين ثم سلم ثم قام الى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها(٣) وفيهم أبو بكر وعمر فهابا ان يكلماه وخرج سرعان الناس فقالوا: اقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه النبي ذو اليدين(٤) فقال: انسيت أم قصرت؟ فقال: لم أنس ولم تقصر: قال: بلى

________________________

(١) نقله النووي في شرح هذ١ الحديث:١١/٦ من شرح صحيح مسلم المطبوع في هامش شرح البخاري.

(٢) ما اورع ابا هريرة واحوطه في حديثه، الا تراه كيف لم يجزم انها العصر ولم يعول على ظنه!!.

(٣) ورع ابي هريرة في حديثه يتمثل للناظرين بذكر هذه الخشبة ووضع النبي يده عليها إذ لا دخل لهما في موضوع هذا الكلام ولا في حكمة وانما دعاه الى ذكرها الاحتياط بنقل الوقائع بجميع حذافيرها؟؟.

(٤) كذا في صحيح البخاري ولعل الصواب ذا اليدين.

٨٦

نسيت! فصلى ركعتين! ثم سلم ثم كبر! افسجد الحديث.(١) . وفيه كيفية سجود السهو؛ وأنت ترى ما فيه من الوجوه الحاكمة بامتناعه.

احدها: ان مثل هذا السهو الفاحش لا يكون ممن فرّغ للصلاة شيئاً من قلبه، أو أقبل عليها بشئ من لبه، وانما يكون من الساهين عن صلاتهم، اللاهين عن مناجاتهم، وحاشا انبياء الله من احوال الغافلين، وتقدسوا عن اقوال الجاهلين، فان انبياء الله عز وجل ولاسيما سيدهم وخاتمهم أفضل مما يظنون على أنه لم يبلغنا مثل هذا السهو عن أحد ولا أظن وقوعه الا ممن يمثل حال القائل:

أصلي فما أدري اذا ما ذكرتها

أثينتن صليت الضحى أم ثمانيا؟

وأما وسيد النبيين. وتقلبه في الساجدين، ان مثل السهو لو صدر مني لاستولى على الحياة واخذني الخجل واستخف المؤتمون بي وبعبادتي ومثل هذا لايجوز على انبياء الله ابداً.

الثاني ان الحديث قد اشتمل على ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لم أنس ولم تقصر فكيف يمكن أن يكون قد نسى بعد هذا؟ ولو فرضنا عدم وجوب عصمته عن مثل هذا السهو، فان عصمته عن المكابرة والتسرع بالاقوال المخالفة للواقع مما لا بد منه عند جميع المسلمين.

الثالث: ان أبا هريرة قد اضطرب في هذا الحديث، وتعارضت أقواله

________________________

(١) نقلناه بلفظ البخاري في باب من يكبر في سجدتي السهو، واخرجه ايضاً في كل من البابين المذكورين قبله بلا فصل فراجع ابواب ما جاء في السهو:١/١٤٥ من صحيحه وأخرجه ايضاً مواضع أخر كثيرة يعرفها المتتبعون، اما مسلم فقد أخرجه في باب السهو في الصلاة والسجود له بطرق عديده فراجع: ١/٢١٥ من صحيحه، وأخرجه احمد في آخر: ٢/٢٣٤ من مسنده وفي مواضع آخر كثيرة.

٨٧

فتارة يقول: صلى بنا احدى صلاتي العشى اما الظهر واما العصر - على سبيل الشك - واخرى يقول: صلى بنا صلاة العصر - على سبيل القطع بأنها العصر - وثالثة يقول: بينا أنا اُصلي مع رسول الله صلاة الظهر - على سبيل القطع بأنها الظهر - وهذه الروايات كلها ثابتة في صحيحي البخاري ومسلم كليهما؛ وقد ارتبك فيها شارحو الصحيحين ارتباكا دعاهم الى التعسف والتكلف كما تكلفوا وتعسفوا في الرد على الزهري إذ جزم بان ذا اليدين الشمالين واحد لا اثنان، وقد أو ضحنا ذلك في كتابنا (تحقة المحدثين).

الرابع: ان ما اشتمل هذا الحديث عليه من قيام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مصلاه ووضع يده على الخشبة وخروج سرعان الناس من المسجد وقولهم أقصرت الصلاة؟. وقول ذي اليدين أنسيت أن قصرت؟. وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم أنس ولم تقصر. فقال له: قد نسيت؛ وقول النبي لأصحابه: أحق ما يقول قالوا: بلى نعم وغير ذلك مما نقله أبو هريرة(١) لمما يمحو صورة الصلاة بتاتاً، والمعلوم من الشريعة المقدسة يقيناً بطلان الصلاة بكل ماح لصورتها فلا يمكن بعد هذا بناؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الركعتين الأوليتين لأنه يناقض الحكم المقطوع بثبوته عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأمل.

الخامس: أن ذا اليدين المذكور في الحديث انما هو ذو الشمالين(٢) ابن عبد عمرو حليف بني زهرة، وقد استشهد في بدر، نص على ذلك امام بني زهرة وأعرف الناس بحلفائهم محمد بن مسلم الزهري كما في الاستيعاب والاصابة وشروح الصحيحين كافة وهذا هو الذي صرح به الثوري في أصح الروايتين عنه وأبو حنيفة حين تركوا العمل بهذا الحديث، وافتوا بخلاف مفاده - كما في

________________________

(١) فان من جملة ما نقله في رواية اخرى انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل الحجرة ثم خرج ورجع الناس.

(٢) اسمه عمير، ويقال: عمرو كذا في الاصابة.

٨٨

أواخر باب السهو والسجود له من شرح النووي لصحيح مسلم(١) - وحسبك حديث النسائي - مما يدل على ان ذا اليدين وذا الشمالين واحد - واليك لفظه: قال(٢) فقال له ذو الشمالين ابن عبد عمرو: انقصت الصلاة أم نسيت؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما يقول ذو اليدين فصرح بان ذا الشمالين هو ذو اليدين، ومثله بل اصرح منه ما أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة(٣) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي بكر بن سليمان ابن أبي خيثمة كليهما عن أبي هريرة، قال: صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر أو العصر فسلم في ركعتين، فقال له ذو الشمالين بن عبد عمرو (قال): وكان حليفاً لبني زهرة أخففت الصلاة أم نسيت؟. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يقول ذو اليدين؟ قالوا صدق، الحديث.

وأخرج أبو موسى من طريق جعفر المستغفرى كما ترجمة عبد عمرو بن نضلة من الاصابة بالاسناد إلى محمد بن كثير عن الاوزاعي عن الزهرى عن كل من سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال: سلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الركعتين فقام عبد عمرو(٤) ابن نضلة رجل من خزاعة حليف لبني زهرة فقال: أقصرت الصلاة أم نسيت؟. الحديث؛ وفيه قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اصدق ذو الشمالين؟.

فهذه الاحاديث كلها صريحة في أن اليدين المذكور في حديث أبي هريرة انما هو ذو الشمالين ابن عبد عمرو وحليف بني زهرة، ولا ريب في ان ذا الشمالين المذكور قتل يوم بدر قبل يسلم أبو هريرة باكثر من خمس سنين، وان

________________________

(١) في: ٤/٢٣٥ من الشرح وهو مطبوع في هامش ارشاد القسطلاني وتحفة زكريا الانصاري.

(٢) كما في ص٣/٢٦٧ من ارشاد القسطلاني.

(٣) كما في ص٢/٢٨٤ من المسند.

(٤) كذا في الأصابة وقد عرفت انه قال: ان اسم ذي الشمالين عبد عمرو.

٨٩

قاتله اسامة الجشمى، نص على ذلك ابن عبد البر وسائر أهل الأخبار فكيف يمكن أن يجتمع مع أبي هريرة في الصلاة خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا أولي الألباب؟؟.

وقد اعتذر بعضهم بأن الصحابي قد يروي ما لا يحضره بأن يسمعه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من صحابي آخر؛ وعلى هذا لا يكون موت ذي اليدين قبل اسلام أبي هريرة مانعاً من رواية أبي هريرة لهذا الحديث.

لكن هذا الاعتذار غلط محض، لأن دعوى الحضور من ابي هريرة محفوظة ثابتة برواية الثقات الحفظة الاثبات، وحسبك في اثباتها ما أخرجه البخاري فيما جاء في السهو من صحيحه(١) عن آدم بن شعبة عن سعد بن ابراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: صلى بنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر أو العصر وساق حديث ذي اليدين.

وأخرج مسلم في باب السهو في الصلاة والسجود له من صحيحه(٢) عن محمد بن سيرين قال: سمعت أبا هريرة يقول: صلى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احدى صلاتي العشاء إما الظهر وإما العصر وساق الحديث.

وقد ارتبك الامام الطحاوي في هذه الاحاديث لبنائه على صحتها مع جزمه بما جزم به الامام الزهري من أن ذا اليدين انما هو ذو الشمالين حليف بني زهرة المستشهد في بدر قبل إسلام أبي هريرة باكثر من خمس سنين، فلا يمكن اجتماعهما في الصلاة ابداً، لذلك اضطر الى التأويل فحمل - كما في: ٣/٢٦٦ من ارشاد الساري في شرح البخاري للقسطلاني - قول أبي هريرة

________________________

(١) راجع الباب الثالث من أبواب ما جاء في السهو وهو باب اذا سلم في ركعتين او في ثلاث فسجد سجدتين مثل سجود الصلاة او اطول: ١٤٥من جزئه الأول

(٢): ص٢١٥ من جزئه الأول.

٩٠

في هذه الاحاديث: صلى بنا على المجاز وأن المراد صلى بالمسلمين.

والجواب أنه قد ثبت عن أبي هريرة النص الصريح بحضوره على وجه لايقبل التأويل ابداً. وحسبك ما أخرجه مسلم في باب السهو في الصلاة والسجود له من صحيحه(١) عن أبي هريرة قال: بينا انا اُصلى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة الظهر سلم في الركعتين وساق الحديث، فهل يتأتى التجوز فيه؟. كلا ! بل منينا بقوم لا يتأملون ؟؟ فانا لله وإنا اليه راجعون.

١٤ - كان النبي يؤذي ويجلد ويسب ويلعن من لا يستحق !!

أخرج الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً: أللهم انما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وانى قد اتخذت عندك عهداً لم تخلفنيه فأيما مؤمن آذيته او سببته أو لعنته، أو جلدته، فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها اليك، الحديث(٢) .

وفيه ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر الآنبياء لا يجوز عليهم أن يؤذوا أو يجلدوا أو يسبوا أو يلعنوا من لا يستحق؛ سواء أكان ذلك في حال الرضا أم في حال الغضب، بل لا يمكن ان يغضبوا بغير حق، وتعالى الله عن ارسال رسل يستفزهم الغضب إلى جلد من لا يستحق أو لعنه أو سبه أو اذيته، وتنزهت انبياء الله عن كل قول أو فعل ينافي عصمتهم وتقدسوا عن كل ما لا يليق بالحكماء.

________________________

(١): ١/٢١٦.

(٢) أخرجه مسلم في: ٢/٣٩٢ من صحيحه في باب من لعنه النبي وليس هو اهلا لذلك من كتاب البر والصلة والآداب وطرقة ثمة الى أبي هريرة ثمانية، وأخرجه البخاري أيضا في: ٤/٧١ من صحيحه في باب قول النبي من آذيته فاجعل ذلك له قربة اليك من كتاب الدعوات، وأخرجه أحمد في: ٢/٢٤٣ من مسنده.

٩١

وقد علم البر والفاجر والمؤمن والكافر ان ايذاء من لا يستحق من المؤمنين أو جلدهم أو سبهم أو لعنهم على الغضب ظلم قبيح وفسق صريح، يربأ عنه عدول المؤمنين، فكيف يجوز على سيد النبيين؛ وخاتم المرسلين؟ وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : سباب المسلم فسوق، وعن أبي هريرة(٢) قال قيل يا رسول الله ادع على المشركين، قال: إني لم أبعث اماناً وانما بعثت رحمة، هذه حاله مع المشركين فكيف به مع من لا يستحق من المؤمنين؟. وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) : لايكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة، وعن عبد الله بن عمرو(٤) لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحشاً؛ وكان يقول: ان خياركم أحاسنكم اخلاقاً وعن أنس(٥) قال: لم يكن رسول الله فاحشاً ولا لعاناً ولا سباباً، وقال أبو ذر (٦) لأخيه حين بلغه مبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إركب الى هذا الوادي فاسمع من قوله، فرجع فقال: رأيته يأمر بمكارم الاخلاق، وعن عبد الله بن عمرو قال كنت أكتب كل شئ اسمعه من رسول الله اريد حفظه فنهتني قريش وقالوا: اتكتب كل شئ تسمعه ورسول الله يتكلم في الرضا والغضب فامسكت عن الكتاب؛ وذكرت ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأومأ باصبعه إلى فيه وقال اكتب

________________________

(١) من حديث أخرجه البخاري: ٤/٣٩ من صحيحه في باب ما ينهي عنه من السباب واللعن من كتاب الآداب.

(٢) فيما أخرجه مسلم في: ٢/٣٩٣ من صحيحه في باب النهي عن لعن الدواب وغيرها.

(٣) فيما أخرجه مسلم في الصفحة المذكورة اعني: ٢/٣٩٣.

(٤) فيما أخرجه البخاري في: ٤/٣٨ من صحيحه في باب حسن الخلق.

(٥) فيما أخرجه البخاري في: ٤/٣٩ من صحيحه في باب ما ينهي عنه من السباب واللعن.

(٦) كما في: ٤/٣٨ من صحيح البخاري.

٩٢

فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق أ هـ. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قلت يا رسول الله اكتب كل ما أسمع منك؟ قال: نعم، قلت في الرضا والغضب؟ قال: نعم فاني لا أقول في ذلك كله إلا حقاً أهـ(١) .

وسئلت عائشة عن خلق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: هل قرأت القرآن قال: نعم قالت: خلقه القرآن قلت: يا لها كلمة تدل على بلاغتها ومعرفتها بكنه اخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا غرو فقد رأتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن نصب عينيه يهتدي بهديه، ويستضئ بنور علمه، متعبداً بأوامره وزواجره، متأدبأ بآدابه، مطبوعاً على حكمته، يتبع أثره؛ ويقتفي سوره، فاقرأ خلقه - ان شئت - في قوله تعالى(٢) ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً واثماً مبيناه والذين يجتنبون كبائر الأثم والفواحش واذا ما غضبوا هم يغفرون (٣) والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين (٤) واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما (٥) خذ العفو و أمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين (٦) ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم (٧) وقولوا للناس حسناً (٨) واجتنبوا قول الزور (٩) ولا تعتدوا ان الله لايحب

________________________

(١) أخرج هذين الحديثين كليهما ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله فراجع من مختصره باب الرخصة في كتاب العلم: ص٣٦.

(٢) هي الآية ٥٨ من سورة الاحزاب.

(٣) هي الآية ٣٨ من سورة الشورى.

(٤) هي الآية ١٣٥ من سورة آل عمران.

(٥) هي الآية ٦٤ من سورة الفرقان.

(٦) هي الآية ١٩٩ من سورة لاعراف.

(٧) هي الآية ٣٤ من فصلت.

(٨) هي الآية ٨٣ من البقرة.

(٩) هي الآية ٣٠ من الحج.

٩٣

المعتدين (١) ومالنا ان لا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون (٢) ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيراً وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الأمور (٣) وأخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين (٤) فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فاذا عزمت فتوكل على الله ) .

هذا خلق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذه حاله مع المؤمنين وغيرهم وهو القائل(٦) الرجل من ملك نفسه عند الغضب، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧) من يحرم الرفق يحرم الخير وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٨) الرفق لا يكون في شئ إلا زانه؛ ولا ينزع من شئ إلا شانه وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٩) : ان الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١٠) : المسلم من سلم الناس من يده ولسانه، وحسبك قوله تعالى وهو أصدق القائلين:( وإنك لعلى خلق عظيم ) فكيف يجوز عليه - بعد هذا - ان يلعن أو يسب أو يجلد أو يؤذي على

________________________

(١) هي الآية ٣٧ من المائدة.

(٢) هي الآية ١٢ من ابراهيم.

(٣) هي الآية ١٨٦ من آل عمران.

(٤) هي الآية ٢١٥ من الشعراء.

(٥) هي الآية ١٥٩ من آل عمران.

(٦) فيما أخرجه مسلم في: ٢/٣٩٦ من صحيحه.

(٧) فيما أخرجه مسلم في: ٢/٣٩٠ من صحيحه.

(٨) فيما أخرجه مسلم في الصفحة المذكورة.

(٩) فيما أخرجه مسلم في الصفحة الآنفة الذكر اعني: ٢/٣٩٠ من صحيحه.

(١٠) فيما أخرجه البخاري في: ١/٦ من صحيحه.

٩٤

مجرد الغضب نعوذ بالله وبه نستجير؟! ما قدروا الله حق قدرة فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.

انما وضع هذا الحديث على عهد معاوية تزلفاً اليه، وتقرباً إلى آل أبي العاص، وسائر بني أمية وتداركا لما ثبت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من لعن جماعة من منافقيهم وفراعنتهم إذ كانوا يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا فسجل عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلعنه إياهم في كثير من مواقفه المشهودة خزياً مؤبداً؛ ليعلم الناس أنهم ليسوا من الله ورسوله في شئ، فيأمن على الدين من نفاقهم، وعلى الامة من عيثهم، وما كان ذلك منه إلا نصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين من بعده ولعامتهم.

وقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى في منامه كأن بني الحكم ابن أبي العاص ينزون على منبره كما تنزو القردة فيردون الناس على اعقابهم القهقري؛ فما رؤي بعدها مستجمعاً ضاحكاً حتى توفى(١) وقد انزل الله تعالى في ذلك عليه قرأنا يتلوه المسلمون آناء الليل وأطراف النهار:( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً وكفراً ) ( ) والشجرة الملعونة هي الاسرة الاموية اخبره الله تعالى بتغلبهم على مقامه وقتلهم ذريته، وعيثهم في أمته فلم ير بعدها ضاحكا حتى لحق بالرفيق الأعلى، وهذا من اعلام النبوة وآيات الاسلام والصحاح فيه متواترة ولاسيما من طريق العترة الطاهرة.

أعلن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر هؤلاء المتغلبين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى

________________________

(١) أجرجه الحاكم في: ٤/٤٨٠ من مستدركه في كتاب الفتن والملاحم وصححه على شرط الشيخين واعترف الذهبي بصحته في تلخيص المستدرك على تعنته.

(٢) هي الآية ٦ من الاسراء.

٩٥

من حي عن بينة وما على الرسول إلا البلاغ المبين.

وحسبك من اعلانه أن الحكم بن أبي العاص استأذن عليه مرة فعرفصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صوته وكلامه فقال(١) : إئذنوا له عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم(٢) وقليل ما هم يشرفون في الدنيا ويضعون في الآخرة ذوو مكر وخديعة يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) : إذ١ بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولاً، وعباد الله خولا؛ ودين الله دغلا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرة اُخرى(٤) : إذا بلغ بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله نحلا؛ وكتاب الله دغلا.

وكان لا يولد لأحد مولود إلا أتي به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا فادخل عليه مروان بن الحكم، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون.

________________________

(١) فيما اخرجه الحاكم وصححه في: ٤/٤٨١ من مستدركه في كتاب الفتن والملاحم.

(٢) هذا المؤمن المسكين لم بيق له في عرف أبي هريرة حظ من القرب لله ولا نصيب من الرحمة حيث استثناه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه اللعنة فاولياء أبي هريرة يؤثرون عدم استثنائه كما يتمنون ان يلعنهم رسول الله ويلعن آباءهم ليكون ذلك كفارة لهم وقربة.

(٣) أخرجه الحاكم بالاسناد إلى كل من أبي ذر وأمير المؤمنين علي وأبي سعيد الخدري وصححه في: ٤/٤٨٠ من المستدرك وصححه الذهبي في تلخيصه ايضاً.

(٤) اخرجه الحاكم في: ٤/٤٧٩ من صحيحه المستدرك باسناده إلى أبي ذر من طريقين.

(٥) فيما أخرجه الحاكم وصححه في: ٤/٤٧٩ من مستدركه.

٩٦

وعن عائشة من حديث(١) قالت فيه: ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه - قالت -: فمروان قصص من لعنة الله.

وعن الشعبي عن عبد الله بن الزبير قال(٢) : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن الحكم وولده.

والصحاح في هذا ونحوه متواترة، وحسبك منها ما أخرجه الحاكم في كتاب الفتن والملاحم من صحيحه المستدرك، إذ أخرج منها ما فيه بلاغ لأولي الألباب، وختم الباب بقوله(٣) : ليعلم طالب العلم أن هذا باب لم اذكر فيه ثلث ما روى وان أول الفتن في هذه الأمة فتنتهم - قال -: ولم يسعني فيما بيني وبين الله ان اُخلي الكتاب من ذكرهم أ هـ.

(قلت): وهذا القدر كاف لاثبات ما قلناه من أنهم انما اختلقوا هذا الحديث وامثاله تداركا لتلك اللعناب؛ ومما يوجب الأسف ان العامة آثرت أولئك اللعناء المنافقين على نبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حيث لاتشعر إذ صححوا هذه الخرافة صوناً للملعونين؛ ولم يأبهوا بما يلزم ذلك من اللوازم التي لا تليق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وما كان للأمة أن نختفظ بكرامة من لعنهم نبيهاً لنفاقهم، ونفاهم لفسادهم فتضيع على أنفسها المصلحة التي توخاهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها في لعنهم واقصائهم،

________________________

(١) أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين في: ٤/٤٨١ من مستدركه.

(٢) أخرجه الحاكم وصححه في آخر: ٤/٤٨١ من المستدرك.

(٣) في أول: ٤/٤٨٠ من مستدركه ولا يخفى ما في كلامه من الدلالة على تخوفه من العامة وجمهور المسلمين أن ينكروا عليه إخراج هذه الصحاح فاعتذر اليهم بأنه لم يسعه أن يخلي كتابه منها وجعل شهيداً فيما بينه وبينهم على ذلك وهنا عرفت معنى قول القائل:

ما المسلمون بامة لمحمد

كلا ولكن امة لعدوه

٩٧

وهم الذين دحرجوا الدباب ليلة العقبة لينفروا برسول الله فيطرحوه؛ وكان إذ ذاك قافلا من غزوة تبوك في حديث ثابت مستفيض(١) وهو طويل، وقد جاء آخره فلعنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ.

والعجب من المسلم ينتصر لهم وقد جرعوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل غصة وقعدوا له في كل مرصد؛ ووثبوا عليه وعلى أهل بيته من بعده كل وثبة(٢) وما لعنهم

________________________

(١) وقد أخرجه الامام أحمد من حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة في أواخر الجزء الخامس من مسنده.

(٢) ذكر الزبير بن بكار قضية كانت في الشام بين إمام الأمة وسيد شباب أهل الجنة أبي محمد الحسن السبط وخصومه وهم معاوية وأخوه عتبة وابن العاص وابن عقبة وابن شعبة، وقد احتدم فيها الجدال فكان من جملة ما قاله الحسن يومئذ: وانتم تعلمون ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردها واسترسل في ذكرها موطناً موطناً ثم تكلم مع ابن العاص، فكان مما قاله يومئذ له: أنك لتعلم وكل هؤلاء يعلمون أنك هجوت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسعين بيتاً من الشعر فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أللهم إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي أللهم العنه بكل حرف الف لعنة فعليك إذن من الله ما لا يحصى من اللعن، والقضية طويلة فراجعها في: ص١٠١ إلى ١٠٤ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي. واوردها الطبرسي في احتجاجه والمجلسي في بحاره، وغير واحد من الخاصة والعامة، واخرج مسلم في آخر باب من لعنه النبي وليس أهلا لذلك -: ٢/٣٩٢ من صحيحه - بالاسناد الى ابن عباس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمره أن يدعو له معاوية قال فجئت فقلت هو يأكل، ثم قال لي: إذهب فادع لي معاوية، قال فجئت فقلت هو يأكل، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا اشبع الله بطنه (قلت): وجاء في بعض طرقنا إلى ابن عباس في هذا الحديث ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن معاوية يومئذ، وبذلك على لعنه يومئذ ان مسلما اورد هذا الحديث في باب من لعنه النبي في صحيحه كما سمعت لكنهم يحرفون الكلم عن مواضعه احتفاظا منهم بكرامة هؤلاء المنافقين.

٩٨

إلا ليطردهم الله من رحمته، ويجتنبهم المؤمنون من أمته جزاء وفاقاً، لاليقربهم الى الله زلفي كما يخرفون.

١٥ - عروض الشيطان لرسول الله وهو في الصلاة

أخرجه الشيخان بالاسناد إلى أبي هريرة قال: صلى رسول الله صلاة فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان الشيطان عرض لي فشد علي يقطع على فامكنني الله منه فذعته - أي فخنقته - ولقد هممت ان اوثقه الى سارية حتى تصبحوا فتنظروا اليه فذكرت قول سليمانعليه‌السلام : ربي هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي الحديث.(١) .

وفيه ان انبياء الله وخيرته من خلفه صلوات الله وسلامه عليهم يجب أن يكونوا في نجوه(٢) من هذا وفي منتزح عنه(٣) فانه ينافي عصمتهم، ويضع من قدرهم؛ ومعاذ الله يشد الشيطان عليهم، أو يعرض لهم، أو تسول له نفسه الطمع فيهم، وقد قال الله عز وجل له: «ان عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين».

وعلم المسلمون على اختلافهم في المذاهب والمشارب ان الشيطان قد عقر(٤) بمولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودهش بمبعثه، وبرق بهجرته وخرق(٥)

________________________

(١) أخرجه البخاري في: ١/١٤٣ من صحيحه في باب ما يجوز من العمل في الصلاة، واخرجه مسلم في: ١/٢٠٤ من صحيحه في باب جواز لعن الشيطان في الصلاة، وأخرجه احمد في: ٢/٢٩٨ من حديث ابي هريرة من مسنده.

(٢) النجوة في الاصل ما ارتفع من الارض جمعه نجاه، تقول: انك من الأمر بنجوة إذا كنت بعيداً منه بريئاً سالماً.

(٣) مأخوذ من انتزح بمعنى ابتعد.

(٤) بفتح العين وكسر القاف أي فاجأه الروع فدهش فلم يقدر ان يتقدم أو يتأخر.

(٥) أي بهت شاخصاً ببصره.

٩٩

بظهوره، ونصرته، وانماث كالملح في الماء بهديه وقوانينه ونظمه، وطار شعاعاً من صلاته، وذهب بما اودعه الله فيها من الحكم والاسرار فاذا هي تنهي عن الفحشاء والمنكر.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا قام الى الصلاة تخلى بنفسه المطمئنة. وتجرد بروحه الروحيه عن كل شئ سوى الله وحده يتمحض اقبالا على الله، وعبودية خالصة لوحدانيته عز سلطانه فإذا أحرم لها بالتكبير تعوذ بالله قبل الشروع في القراءة عملاً بقوله تعالى: «فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرحيم» .

من البديهي أنه اذا استعاذ بالله يعوذه، والشيطان لا يجهل هذه الحقيقة إن جهلها المخرفون.

وقد روى ابو هريرة(١) ان الشيطان إذا سمع الأذان للصلاة من أي مسلم كان أدبر هارباً وولى فرقا، وله ضراط هلع وجزع، فكيف يجرأ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيتسور على مقامه الرفيع؛ وهو في ذلك الحرم المنيع، بين يدي الله، عائذاً بعزته، لائذاً بعصمته، منقطعاً اليه عن كل شئ؛ هيهات هيهات:( أنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون انما سلطانه على الذين يتولونه وهم به مشركون ) .

فان قلت: ما تقولون في الآية ٣٧ من حم السجدة وهي قوله عز من قائل:( واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله أنه هو السميع العليم ) .

قلنا: ان الله جلت آلاؤه أدب حبيبه محمداً بآداب اختصه بها ففضله على العالمين حتى لم يبق نبي مرسل، ولا ملك مقرب؛ ولا شيطان مريد؛ ولا خلق فيما بين ذلك شهيد؛ الا بخع لآدابه، وخشع لأخلاقه، فما من أمر في الذكر

________________________

(١) فيما أخرجه البخاري في أول كتاب الاذان: ١/٧٨ من صحيحه، واخرجه مسلم في باب فضل الاذان وهرب الشيطان منه:١/١٥٣ من صحيحه.

١٠٠