إيضاح مناسك الحج

إيضاح مناسك الحج14%

إيضاح مناسك الحج مؤلف:
المحقق: الشيخ أحمد الماحوزي
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 415

إيضاح مناسك الحج
  • البداية
  • السابق
  • 415 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 112018 / تحميل: 9982
الحجم الحجم الحجم
إيضاح مناسك الحج

إيضاح مناسك الحج

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

يكن هناك ضرر يتوجّه منها على المحرم(١) ، وأما دفعها فالاظهر جوازه(٢) وإن كان الترك أحوط(٣) .

١٦ - التزيّن

مسألة ١٢٣: الأحوط أن يجتنب المحرم والمحرمة عن كلّ مايعدّ زينة عرفاً سواء بقصد التزيّن أم بدونه(٤) ، ومن ذلك استعمال الحناء

____________________

(١) لشمول بعض النصوص لهما ولامثالهما، ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: اتق قتل الدواب كلها، وفي صحيحة زرارة عنهعليه‌السلام قال: مالم يتعمد قتل دابة » والبق والبرغوث من مصاديق الدابة.

نعم هناك بعض الروايات المجوزة، ففي حسنة زرارة عن احدهماعليهما‌السلام قال: سألته عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا راه ؟ قال: نعم » ومثلها صحيحة جميل التي نقلها ابن ادريس في اخر السرائر عن نوادر البزنطي، وخدش في الاولي بوجود سهل في سندها، وفي الثانية بمجهولية طريق ابن ادريس الى البزنطي، وكلاهما قابل للدفع.

(٢) لعدم الدليل على المنع.

(٣) اذ هو حسن على كل حال.

(٤) لجملة من النصوص المعلل للنهي عن لبس الخاتم والاكتحال

=

١٢١

على الطريقة المتعارفة.

نعم، لابأس باستعماله إذا لم يكن زينة، كما إذا كان لعلاج ونحوه(١) ، وكذلك لابأس باستعماله قبل الإحرام وإن بقي أثره إلى حين الاحرام.

مسألة ١٢٤: يجوز التختّم في حال الاحرام لابقصد الزينة، كما إذا قصد به الاستحباب الشرعي، أو التحفظ على الخاتم من الضياع، أو احصاء أشواط الطواف به ونحو ذلك، وأما لبسه بقصد الزينة فالاحوط تركه(٢) .

____________________

=

والنظر في المرآة أنها زينة، ولم استوضح وجه توقف الماتن دام ظله مع أن الروايات صريحة على المطلوب.

(١) في صحيحة ابن سنان قال: سألته عن الحناء، فقال: ان المحرم ليمسه ويداوي به بعيره وماهو بطيب وما به بأس.

(٢) وهو المشهور شهرة عظيمة، وتشهد له رواية صالح بن السندي عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن مسمع عن ابي عبد اللهعليه‌السلام - في حديث - قال: وسألته أيلبس المحرم الخاتم ؟ قال: « لا يلبسه للزينة » وصالح وإن لم يوثق إلا ان الشيخ روى جميع كتب وروايات ابن محبوب بعدة اسانيد منها الصحيح فيمكن تبديل الاسناد والتخلص من الاشكال، والله العالم.

١٢٢

مسألة ١٢٥: يحرم على المرأة المحرمة لبس الحليّ للزينة(١) بل الأحوط أن تترك لبسها إن كان زينة وإن لم تقصدها(٢) ، ويستثنى من ذلك ماكانت تعتاد لبسه قبل إحرامها، لكنها لاتظهره لزوجها ومحارمها من الرجال على الاحوط الاولى(٣) .

____________________

(١) ففي صحيحة ابن مسلم عنهعليه‌السلام : المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليا مشهورا للزينة.

(٢) لشمول الصحيحة لها.

(٣) ففي صحيحة ابن الحجاج قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن المرأة يكون عليها الحلي والخلخال والمسكة والقرطان من الذهب والورق تحرم فيه وهو عليها وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها، اتنزعه إذا احرمت أو تتركه على حاله ؟ قال: تحرم فيه وتلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها ومسيرها » والمنصرف من الرجال هم الاجانب.

نعم قصد التزيّن به لزوجها ممنوع لمصححة ابن سويد عن ابي الحسنعليه‌السلام قال: سألته عن المرأة المحرمة، أي شيء تلبس من الثياب ؟ قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران والورس، ولاتلبس القفازين، ولاحليا تتزين به لزوجها » وقد جعلها السيد الخوئيقدس‌سره مؤيدا لشمول الرجال - في صحيحة الحجاج - للزوج والمحارم، وردها بضعف سندها بسهل، مع أنها اجنبية عن الصحيحة السابقة، اذ هذه في مورد التزيّن وتلك متعلقها الاظهار وفرق بين المادتين، فاحتياط الماتن استحبابا في محله والله

=

١٢٣

ولاكفارة في التزيّن في جميع الموارد المذكورة(١) .

١٧ - الأدّهان

مسألة ١٢٦: يحرم الادّهان على المحرم وإن كان مما ليست فيه رائحة طيبة(٢) ، نعم يجوز أكل الدهن الخالي من الطيب وإن كان ذا رائحة طيبة(٣) كما تقدم في المسألة ١٠٥، ويجوز للمحرم استعمال الأدهان غير الطيبة للتداوي، وكذا الأدهان الطيبة أو المطيّبة عند

____________________

=

العالم.

(١) لعدم الدليل إلا حسنة علي بن جعفر عن اخيهعليه‌السلام قال: لكل شي خرجت (جرحت) من حجك فعليه فيه دم تهريقه حيث شئت » بناءاً على قراءة جرحت.

(٢) لقولهعليه‌السلام في صحيحة الحلبي: وادهن بماشئت من الدهن حين تريد ان تحرم، فاذا احرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل » فمع صراحة هذا النص وغيره لامجال للقول بالكراهة المستفادة من بعض الاخبار ظاهرا والقابلة للحمل على الاضطرار او قبل الاحرام وبعد الغسل او قبله.

(٣) مع الأمساك عن شمّه.

١٢٤

الضرورة(١) .

مسألة ١٢٧: كفّارة الادّهان بالدهن الطيب أو المطيّب شاة إذا كان عن علم وعمد، وإذا كان عن جهل فإطعام فقير على الاحوط في كليهما(٢) .

____________________

(١) ففي صحيحة هشام عنهعليه‌السلام قال: إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمّل فلبطّه وليداوه بسمن أو زيت » وفي صحيحة ابن مسلم عن احدهماعليهما‌السلام قال: سألته عن محرم تشققت يداه ؟ قال: يدهنهما بزيت أو سمن أو إهالة.

(٢) ففي صحيحة معاوية في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج، قال: إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، وإن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه » وقد توقف جماعة من الاعلام فيها وعلى رأسهم سيد الفقهاء والمجتهدين الخوئي باعتبار ان عمار لم يسند الرواية للمعصومعليه‌السلام وصرح بأن دعوى الجزم بان معاوية لايفتي الا بما سمعه من الامام ولايخبر الا عنه عهدتها على مدعيها لاحتمال اجتهاده أو أنه سمع ممن ينقل عن الامامعليه‌السلام ولم تثبت وثاقته عندنا، واضاف: وعمل المشهور لو قلنا بجبره للخبر الضعيف لاينجع إذ لم يعلم انه رواية حتى تجبر.

قلت: والنفس لاتميل إلى ماافادهقدس‌سره واذا اردت الشاهد فعليك بسبر روايات معاوية التي أخرجها في كتابه «الحج» ورواها عنه اصحاب الكتب الاربعة وغيرهم.

١٢٥

* مسألة ١٢٨: إذا لم يكن الدهن ذا رائحة طيبة فلا كفارة عليه فيما اذا اضطر اليه للتداوي لتدهين نفسه(١) .

١٨ - إزالة الشعر عن البدن

مسألة ١٢٩: لايجوز للمحرم أن يزيل الشعر عن بدن نفسه أو بدن غيره - ولو كان محلا - بحلق او نتف او غيرهما، بلا فرق في ذلك بين قليل الشعر وكثيره حتى بعض الشعرة الواحدة(٢) .

نعم، إذا تكاثر القمّل في رأسه فتأذى من ذلك جاز له حلقه(٣) ،

____________________

(١) على فرض قبول الرواية السابقة فموردها الدهن الطيّب او المُطيّب، ومع فقد القيدين لادليل ظاهرا على الكفارة مطلقا، اختيارا واضطرارا، والله العالم.

(٢) ففي صحيحة حريز عنهعليه‌السلام قال: لابأس أن يحتجم المحرم مالم يحلق أو يقطع الشعر » وفي صحيحة معاوية قالعليه‌السلام : لايأخذ المحرم من شعر الحلال.

(٣) لقوله تعالى ( فمن كان منكم مريضا او به أذى من رأسه ففدية من صيام او صدقة او نسك ) وهي وإن كانت واردة في المحصور لكن لاخصوصية له على الظاهر.

١٢٦

وكذا تجوز له إزالة الشعر عن جسده إذا كانت هناك ضرورة تدعو إليها، ولابأس بسقوط الشعر من بدن المحرم غير قاصد له حال الوضوء(١) او الغسل او التيمم أو الطهارة من الخبث أو ازالة الحاجب اللاصق المانع من إحدى الطهارتين، ونحو ذلك.

مسألة ١٣٠: إذا حلق المحرم رأسه من دون ضرورة فكفارته شاة، وإذا حلقه لضرورة فكفارته شاة أو صيام ثلاثة أيام او إطعام ستة مساكين(٢) ، لكل مسكين مدان من الطعام.

وإذا نتف المحرم شعره النابت تحت إبطيه فكفارته شاة(٣) ، وكذا إذا نتف أحد أبطيه على الاحوط(٤) .

____________________

(١) يدل عليه صحيحة هيثم قال: سأل رجل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المحرم يريد اسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة او الشعرتان، فقال: ليس بشيء ماجعل عليكم في الدين من حرج » وذيلها يستفاد منه التعميم لكل ماذكره الماتن دام ظله.

(٢) كما هو مقتضي الاية الكريمة.

(٣) تبعا لعدة من الروايات سيأتي ذكر بعضها.

(٤) وفاقا للرياض وخلافا للمشهور، ومستنده صحيحة زرارة قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه ناسيا أو جاهلا فليس عليه شيء ومن فعله متعمداً فعليه دم شاة » وفي قبالها

=

١٢٧

واذا نتف شيئا من شعر لحيته أو غيرها فعليه أن يطعم مسكينا بكف من الطعام(١) .

ويجري مجرى الحلق والنتف في الموارد المتقدمة مايفيد فائدتهما من سائر طرق الإزالة على الاحوط(٢) .

ولاكفارة في حلق المحرم راسه غيره محرما كان أو محلا(٣) .

مسألة ١٣١: لابأس بحكّ المحرم رأسه مالم يقطع الشعر عن

____________________

=

رواية ابن جبلة وصحيحة حريز ففي الاولى عن ابي عبداللهعليه‌السلام في محرم نتف إبطه، قال: يطعم ثلاثة مساكين » وفي الثانية عنهعليه‌السلام : إذا نتف الرجل ابطيه بعد الاحرام فعليه دم » ومفهومها عدمه اذا نتف احد ابطيه، ورواها الصدوق بلفظ «ابطه» بغير تثنية فلا يمكن الركون إليها فتسقط عن المعارضة، أما الرواية الاولى فكذلك لضعف سندها، أو تحمل على عدم العلم والعمد، وهو ليس ببعيد لاستحباب التصدق بكف من الطعام اذامس المحرم لحيته فسقطت منها شعرة او شعرتان كما سيأتي، لكن مخالفة المشهور امر مرغوب عنه.

(١) لقولهعليه‌السلام في صحيحة الحلبي: إذا نتف المحرم من شعره لحيته وغيرها شيئا فعليه أن يطعم مسكينا في يده.

(٢) بل هو الظاهر، لعدم الخصوصية في النتف والحلق كما هو واضح، والله العالم

(٣) لعدم الدليل.

١٢٨

رأسه ومالم يدمه، وكذلك البدن، وإذا أمرّ المحرم يده على رأسه أو لحيته عبثا فسقطت شعرة أو أكثر فليتصدق بكف من طعام(١) ، وأما

____________________

(١) تشهد له صحيحة منصور عن ابي عبداللهعليه‌السلام في المحرم اذا مس لحيته فوقع منها شعرة، قال: يطعم كفا من طعام أو كفين » المحمولة على الاستحباب لمصححة المفضل ابن عمر قال: دخل النباجي على ابي عبداللهعليه‌السلام فقال: ماتقول في محرم مس لحيته فسقط منها شعرتان، فقال ابو عبداللهعليه‌السلام : لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ماكان علي شيء » وحسنة المفضل بن صالح عن ليث المرادي قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل يتناول لحيته وهو محرم يعبث بها فينتف منا الطاقات بيقين في يده خطاءا او عمداً، قال: لايضره.

وقد نوقش في كلا الروايتين سندا ودلالة:

أما أولا: فلوجود عمرو بن المفضل في الاولى والمفضل بن صالح في الثانية وكلاهما ضعيفان.

قلت: اما ابن المفضل فتضعيفه من أكبر المجازفات الناشىء من ضعف التتبع وتقليد الرجال، واما ابن صالح فقد نسب تضعيفه النجاشي الى مجهول ولعله - بل هو - ابن الغضائري وتضعيفه كعدمه، مضافا الى أن منشأ التضعيف هو الغلو - المزعوم لدى جمهور القميين - في حق الائمةعليهم‌السلام الذي هو اليوم من ابجد عقائد الامامية، وقد روى عنه اكثر من ثلاثين نفرا من الثقات والاجلاء ومنهم اصحاب الاجماع، بل روى عنه العامة ووثقه بعضهم كابن

=

١٢٩

إذا كان في الوضوء ونحوه فلا شيء عليه.

١٩ - ستر الرأس للرجال

مسألة ١٣٢: لايجوز للرجل المحرم ستر رأسه ولو جزءً منه، بالقناع أو الخمار أو الثوب ونحوها(١) ، بل الأحوط أن لايستره أيضا بمثل الطين أو الحشيش أو بحمل شيء عليه(٢) .

____________________

=

حبان وضعفه اخرين لروايته ابلاغ جابر ابن عبدالله الانصاري سلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للامام الباقرعليه‌السلام وحديث السفينة، والعجب كل العجب من النجاشي شيخ الاصحاب في معرفة الرجال يقدح في مثل جابر والمفضلان ويوثق النصاب.

وأما الثاني: فلنفي الكفارة المتعارفة وهي الدم في الاولى، وعدم صراحة «لايضره» على عدم الكفارة في الثانية، ولعل الجزم بذلك فيه نوع من المجازفة، فالاحتياط في المقام مما لاينبغي تركه والله العالم.

(١) نصاً واجماعاً، وتشهد له النصوص.

(٢) قال في الجواهر بلا خلاف اجده فيه، وفي التذكرة نسبته الى علمائنا، وتوقف في المدرك وصرح بأن دليله غير واضح لان المنهي عنه في الروايات المعتبرة تخمير الرأس ووضع القناع عليه والستر بالثوب لامطلق

=

١٣٠

نعم، لابأس بوضع عصام القِربة على الرأس عند حملها(١) ، وكذا لابأس بتعصيبه بالمنديل ونحوه لمرض كالصداع(٢) .

والمراد بالرأس هنا منبت الشعر، ويلحق به الأذنان على الأقرب(٣) .

مسألة ١٣٣: يجوز ستر الرأس بشيء من البدن كاليد(٤) ، والاولى

____________________

=

الستر، وفيه: ان قولهعليه‌السلام في صحيحة ابن ميمون « احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه » وجوب كشف الرأس والوجه وحرمة تغطيتهما فاذا صدق التغطية بالطين والحشيش وما اشبه شمله النهي، والله العالم.

(١) ففي حسنة محمد بن مسلم عنهعليه‌السلام عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى ؟ فقال: نعم.

(٢) لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن وهب: لابأس بان يعصب المحرم رأسه من الصداع.

(٣) تشهد له صحيحة الحجاج قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن المحرم يجد البرد في أذنيه يغطيهما ؟ قال: لا » وفي رواية سماعة عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن المحرم يصيب اذنه الريح فيخاف أن يمرض هل يصلح له أن يسد اذنيه بالقطن ؟ قال: نعم، لابأس بذلك إذا خاف ذلك والا فلا.

(٤) لجواز حك الرأس للمحرم، ومسح الرأس في الوضوء، مضافا الى

=

١٣١

تركه(١) * كما يجوز وضع الرأس على الوسادة وإن كان يستلزم ستر بعض الرأس(٢) ، نعم لايجوز على الاحوط أن ينشف المحرم راسه بالمنديل ونحوه إذا كان بنحو المسح والامرار(٣) .

* مسألة ١٣٤: إذا احرم الرجل مع الشعر المستعار فإن كان لضرورة فلا شيء عليه، وإن لم يكن فعليه دم شاة على الاحوط(٤) .

مسألة ١٣٥: لايجوز للمحرم رمس تمام رأسه في الماء(٥) وكذلك

____________________

=

صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام : لابأس ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس ولابأس ان يستر بعض جسده ببعض » الدال على ان الساتر الممنوع ما كان بإمر خارجي.

(١) اذ الاحتياط حسن على كل حال، ولاحتمال صدق التغطية في الجملة.

(٢) لكن لايخمّر رأسه، ففي صحيحة زرارة عنهعليه‌السلام قال: قلت له: المحرم يؤذيه الذباب حين يريد النوم يغطي وجهه؟ قال: نعم، ولايخمّر راسه، والمرأة المحرمة لابأس أن تغطي وجهها كله عند النوم ».

(٣) لصدق التغطية عليه.

(٤) ووجهه واضح كما لايخفي، وسيأتي وجه التوقف في أصل الحكم.

(٥) لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن سنان: ولاترتمس في ماء تدخل فيه رأسك ».

١٣٢

في غير الماء على الاحوط(١) ، والظاهر أنه لافرق في ذلك بين الرجل والمرأة(٢) .

والمقصود بالرأس هنا مافوق الرقبة بتمامه.

مسألة ١٣٦: إذا ستر المحرم رأسه فكفارته شاة على الأحوط(٣) ، والظاهر عدم وجوب الكفارة في موارد جواز الستر والاضطرار(٤) .

٢٠ - ستر الوجه للنساء

مسألة ١٣٧: لايجوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها بالبُرقُع أو

____________________

(١) ووجه التوقف ان مورد النصوص هو الارتماس في الماء وحرمته على انه من مصاديق تغطية الرأس غير ثابته بل هو محرم على حدة، وجزم بعض الاعاظم من تلامذة السيد الخوئي بجواز الارتماس في غير الماء والورد.

(٢) لكونه محرما مستقلا لاربط له بتغطية الرأس حتى يكون من مختصات الرجل.

(٣) على ماهو المقصوع به بين الاصحاب، كما في المدارك والذخيرة، بل بلا خلاف كما في المنتهى والتذكرة، وصرح في الحدائق ان الاصحاب ذكروا الحكم ولم ينقلوا عليه دليلا وكأن مستندهم الاجماع، فالمقام يقتضي الاحتياط خوفا من مخالفة المجمع عليه بين الفقهاء.

(٤) إذ لا دليل على الكفارة إلا الاجماع فيقتصر فيه على القدر المتيقن.

١٣٣

النقاب أو المروحة أو ماشابه ذلك(١) ، والاحو ط أن لاتستر وجهها بأي ساترا كان(٢) ، كما أن الاحوط أن لاتستر بعض وجهها أيضا(٣) .

نعم، يجوز لها أن تغطي وجهها حال النوم(٤) ، ولابأس بستر بعض وجهها مقدمة لستر الرأس في الصلاة أذا لم يتيسر لها ستره

____________________

(١) نصاً واجماعاً.

(٢) بل هو الظاهر من الروايات لعدم الخصوصية للبرقع ونحوه، وقولهعليه‌السلام «احرام المرأة في وجهها» كما في صحيحة ابن ميمون خير شاهد على التعميم، وكذا الامر بالاسفار في صحيحة الحلبي وقوله «انك ان تنقبت لم يتغير لونك» وقولهعليه‌السلام في موثقة سماعة أنه سأله عن المحرمة، فقال ان مر بها رجل استترت منه بثوبها، ولاتستتر بيدها من الشمس، وغيرها من النصوص، إلا ان يقال بأن روايات إسدال الثوب الى الانف او النحر مؤيدة لاختصاص النهي في الامور المذكورة، والله العالم.

(٣) ذكرنا في «مجمع المناسك» أن النصوص الواردة في المقام متعرّضة للنهي عن النقاب والبرقع وما أشبه ذلك ممّا له شأنيه تغطية المساحة الكبرى من الوجه، أما تغطية الوجه في الجملة ولو كان يسيرا فهذا ما لايمكن الجزم باستفادته من الروايات، ولعل روايات جواز إسدال الثوب إلى طرف الأنف والذقن مؤيّدة لذلك، والله العالم.

(٤) تشهد له صحيحة زرارة المتقدمة فراجع.

١٣٤

باسدال ثوبها عليه(١) .

مسألة ١٣٨: للمرأة المحرمة أن تتحجب من الاجنبي بإسدال ثوبها على وجهها، بأن تنزل ماعلى رأسها من الخمار أونحوه إلى مايحاذي أنفها بل نحرها(٢) ، والاظهر عدم لزوم تباعد الساتر عن الوجه بواسطة اليد او غيرها(٣) وإن كان ذلك أحوط(٤) .

مسألة ١٣٩: كفارة ستر الوجه شاة على الاحوط الاولى(٥) .

____________________

(١) بل مطلقا لما ذكرناه آنفا، ولاتصل النوبة للتزاحم.

(٢) ففي صحيحة زرارة عنهعليه‌السلام قال: إن المرأة المحرمة تسدل ثوبها إلى نحرها » وقيده بعض الاعلام بالركوب لصحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها الى النحر اذا كانت راكبة.

(٣) لعدم الاشارة إليه في النصوص.

(٤) خروجا عن شبه الخلاف، لاشتراط ذلك في القواعد واوجبه في المبسوط وجامع الشرائع بل في الاول ايجاب الدم مع الاصابة والتواني في الازالة.

(٥) لعدم الدليل على الكفارة، سوى ذهاب الشيخ كما في المسألة السابقة، وعن الحلبي ان لكل يوم شاة مع الاختيار وإلا شاة للجميع، وخبر - او حسنة - علي بن جعفر المتقدمة بناءا على نسخة «جرحت».

١٣٥

٢١ - التظليل للرجال

مسألة ١٤٠: التظليل(١) على قسمين:

____________________

(١) عندنا في المقام عنوانان: الاضحاء والتظليل، ويدور امرهما بين شرطية الاول للاحرام ومانعية الثاني، أو كون الاول من واجباته والثاني من محرماته، لاسبيل للاول أصلا لعدم فساد الاحرام بالاخلال بالاضحاء او تحقق التظليل، اذ غاية مايترتب حينئذ وجوب الكفارة، فيتعين الثاني.

والظاهر تبعاً لصاحب الحدائق أن التحريم في الظل لفوات الضحى لالمكان الستر، والروايات بذلك صريحة الدلالة:

ففي صححيحة ابن المغيرة قال: سألت ابا الحسنعليه‌السلام عن الظلال للمحرم ؟ فقال: اضح لمن أحرمت له »، وفي صحيحة عثمان الكلابي قال: قلت لابي الحسنعليه‌السلام ان علي ابن شهاب يشكو رأسه والبرد شديد ويريد ان يحرم ؟ فقال: ان كان كما زعم فليظلل، وأما انت فاضح لمن احرمت له».

مضافا الى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المأثور عنه «اضح لمن احرمت له»، ومجرد النهي في بعض الاخبار عن الكنيسة او المحمل المظلل او نحوهما لايقتضي كون العلة في التحريم هو الاستتار حتى انه لو لم يستتر بهذه الاشياء فلا يضره الاستظلال بغيرها من مالايوجب الاستتار.

١٣٦

الاول: أن يكون بالأجسام السائرة كالمظلة وسقف المحمل أو السيارة أو الطائرة ونحوها، وهذا محرم على الرجل المحرم، راكباً كان أم راجلاً، إذا كان مايظلله فوق رأسه كالامثلة المتقدمة(١) ، نعم لابأس بالاستظلال بالسحابة السائرة(٢) .

وأما إذا كان مايظلله على احد جوانبه، فالظاهر أنه لابأس به للراجل مطلقا، فيجوز له السير في ظل المحمل والسيارة ونحوها(٣) .

وأما الراكب فالأحوط أن يجتنبه(٤) إلا إذا كان بحيث لايمنع من صدق الإضحاء - اي البروز الى الشمس - عرفاً، كأن كان قصيراً لايستتر به رأسه وصدره كجدران بعض السيارات المكشوفة(٥) .

الثاني: أن يكون بالاجسام الثابتة كالجدران والانفاق والاشجار

____________________

(١) بلا خلاف في ذلك وتشهد له النصوص المستفيضة.

(٢) لكون المنهي الظل الذيعنه في الروايات هو يحدثه المحرم او الذي يتحرك بحركته.

(٣) تدل عليه صحيحة ابن بزيع قال كتبت الى الرضاعليه‌السلام هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل ؟ فكتب: نعم.

(٤) لإطلاق الروايات الآمرة بالاضحاء والناهية عن التستر.

(٥) * كما يجوز استعمال المظلة اذا أحرز أن وجودها وعدمها سواء، وكذا اذا شك مالم تقتض الحالة السابقة خلاف ذلك.

١٣٧

والجبال ونحوها، وهذا جائز للمحرم، راكباً كان أم رجلاً على الاظهر(١) ، كما يجوز له أن يستتر عن الشمس بيديه(٢) وإن كان الأحوط ترك ذلك(٣) .

مسألة ١٤١: المراد من التظليل التستر من الشمس، ويلحق بها المطر على الاحوط، وأما الريح والبرد والحر ونحوها فالاظهر جواز التستر منها، وإن كان الاحوط تركه، فلا بأس للمحرم أن يركب السيارة المسقفة ونحوها في الليل - فيما إذا لم تكن السماء ممطرة على الاحوط(٤) - وإن كانت تحفظه من الرياح مثلا.

____________________

(١) لكون المنهي عنه في الروايات هو خصوص مايحدثه المحرم من ظل يتحرك بحركته ويسكن بسكونه، ولو كان هناك منع مما ذكر لَبَانَ في أسئلة الرواة.

(٢) لقولهعليه‌السلام في صحيحة معاوية: لابأس ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس، ولابأس ان يستر بعض جسده ببعض.

(٣) لصحيح الاعرج انه سأل ابا عبداللهعليه‌السلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود وبيده، قال: لا إلا من علة » المحمول على الكراهة جمعا بينه وبين صحيحة معاوية.

(٤) ففي صحيحة ابراهيم قال: قلت للرضاعليه‌السلام : المحرم يظلل على محمله ويفديه اذا كانت الشمس والمطر يضران به، قال: نعم، قلت: كم

١٣٨

الفداء ؟ قال: شاة »، وفي صحيحة الحميري عن صاحب الزمانعليه‌السلام أنه كتب اليه وسأله عن المحرم يستظل من المطر بنطع او غيره حذرا على ثيابه ومافي محمله أن يبتل فهل يجوز ذلك ؟ فأجابعليه‌السلام : إذا فعل ذلك في طريقه فعليه دم »، وفي صحيحة ابن بزيع عنهعليه‌السلام قال: سأله رجل عن الظلال للمحرم من اذى مطر أو شمس وانا اسمع، فأمره أن يفدي شاة ويذبحها بمنى » وغيرها من الروايات، وهي ظاهر - سيما صحيحة الحميري - في عدم اختصاص التظليل من الشمس بل يصدق التظليل عن المطر، وحيث أنا لم نجد في الروايات وكذا كلمات الاعلام التعرض لقضية التظليل في الليل مع أن دأبهم ذكر الفروع النادرة في المسائل المدونة فالقطع بشمول الحرمة الي الليل لعل فيه شائبة المجازفة.

وبما انا قرّبنا كون التحريم في الظل لفوات الضحى فيكون مختصاً بالنهار لامحالة، لكون الضحى لاتحقق له الا بالنهار، فضحا ظله أي اذا صار شمسا، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله «اضح» قال الاصمعي: من ضحيت واضحى لانه انما امره بالبروز للشمس، ومنه قوله تعالى ( والضحى والليل اذا سجى ) وقوله ( والشمس وضحاها ) قال الراغب في المفردات: الضحى انبساط الشمس وامتداد النهار وسمي الوقت به.

وهو المستفاد ايضا من النصوص ففي صحيحة ابن المغيرة المتقدمة قال: سألت ابا الحسنعليه‌السلام عن الظلال للمحرم ؟ فقال: اضح لمن أحرمت له، قلت: اني محرور وإن الحر يشتد عليّ ؟ فقال: أما علمت أن الشمس

١٣٩

تغرب بذنوب المحرمين » فجعلعليه‌السلام غاية الاضحاء غروب الشمس، واوضح منها دلالة صحيحة الاخرى قال: قلت لابي الحسنعليه‌السلام : أظلل وانا محرم ؟ قال: لا، فأظلل وأكفر قال: لا، فان مرضت ؟ قال ظلل وكفّر، ثم قال: اما علمت ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مامن حاج يضحي ملبياً حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها » ودلالتها على ما افاده صاحب الحدائق من كون التحريم في الظل لفوات الضحى واضحة لمقام التعليل في الذيل، وهو مغيّى بغروب الشمس.

ودعوى: بعض الاعلام المعاصرين: من ان الذيل ليس بعلة، بل هو بيان لما يترتب على ذلك من الاثار والفوائد والحكم، فلا يصلح لان يكون قرينة على تقييد إطلاقها، ولا على نفي تلك الفوائد عن غير موردها.

خلط: بين التعليل ومفهوم الغاية، إذ علة النهي عن التظليل وجوب الاضحاء كما هو ظاهر الصحيحة، وهو مغيى بغروب الشمس.

نعم يمكن ان يقال أن الثواب مغيّى بغروب الشمس دون الاضحاء فتدبر.

كما أنه يمكن أن يستشعر من صحيحة عثمان بن عيسى قال: قلت لابي الحسن الاول إن علي بن شهاب يشكو رأسه والبرد شديد ويريد أن يحرم، فقال: إن كان كما زعم فليظلل وأما أنت فاضح لم أحرمت له » شمول التظليل لليل والنهار اذ البرد في جو الحجاز لاتحقق له الا بالليل حتى في ايام الشتاء فتأمل.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

لقد اشتد الصراع بين موسىعليه‌السلام وأصحابه من جانب ، وبين فرعون وأنصاره من جانب آخر. ووقعت حوادث كثيرة ، لا يذكر القرآن عنها كثيرا في هذه الفقرة ، ولتحقيق هدف خاص يذكر القرآن أنّ فرعون قرّر قتل موسىعليه‌السلام لمنع انتشار دعوته وللحيلولة دون ذيوعها ، لكنّ المستشارين من «الملأ» من القوم عارضوا الفكرة.

يقول تعالى :( وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ) .

نستفيد من الآية أنّ أكثرية مستشارية أو بعضهم على الأقل كانوا يعارضون قتل موسى ، لخوفهم أن يطلبعليه‌السلام من ربّه نزول العذاب بساحتهم ، لما كانوا يرون من معجزاته وأعماله غير العادية ، إلّا أنّ فرعون ـ بدافع من غروره ـ يصير على قتله مهما تكن النتائج.

وبالطبع ، فإنّ سبب امتناع «الملأ» عن تأييد فكرة فرعون في قتل موسى غير معلوم ، فهناك احتمالات كثيرة قد يكون بعضها أو كلّها صحيحة

فقد يكون الخوف من العذاب الإلهي ـ كما احتملنا ـ هو السبب.

وقد يكون السبب خشية القوم من تحوّل موسىعليه‌السلام بعد استشهاده إلى هالة مقدّسة ، وهو ممّا يؤدي إلى زيادة عدد الأتباع والمؤمنين بدعوته ، خاصة إذا ما وقعت حادثة قتله بعد قضية لقاء موسى مع السحرة وانتصاره الإعجازي عليهم.

وما يؤكّد هذا المعنى هو أنّ موسى جاء في بداية دعوته بمعجزتين كبيرتين (العصا واليد البيضاء) وقد دعا هذا الأمر فرعون إلى أن يصف موسىعليه‌السلام بالساحر ، وأن يدعوه للمنازلة مع السحرة في ميقات يوم معلوم (يوم الزينة) وكان يأمل الإنتصار على موسىعليه‌السلام عن هذا الطريق ، لذا بقي في انتظار هذا اليوم.

وبمشاهدة هذا الوضع ينتفي احتمال أن يكون فرعون قد صمّم على قتل

٢٤١

موسى قبل حادث يوم الزينة خشية من تبدّل دين أهل مصر(١) .

خلاصة القول : إنّ هؤلاء يعتقدون أنّ موسىعليه‌السلام مجرّد حادث صغير ومحدود ، بينما يؤدي قتله في مثل تلك الظروف إلى أن يتحول إلى تيار تيار كبير يصعب السيطرة عليه.

البعض الآخر من المقربين لفرعون ممّن لا يميل إليه ، كان يرغب ببقاء موسىعليه‌السلام حيا حتى يشغل فكر فرعون دائما ، كي يتمكن هؤلاء من العيش بارتياح بعيدا عن عيون فرعون ، ويفعلون ما شاؤوا من دون رقابته.

وهذا الأمر يعبّر عن «سليقة» في بلاط السلاطين ، إذ يقوم رجال الحاشية ـ من هذا النوع ـ بتحريك بعض أعداء السلطة حتى ينشغل الملك أو السلطان بهم ، وليأمنوا هم من رقابته عليهم ، كي يفعلوا ما يريدون!

وقد استدل فرعون على تصميمه في قتل موسىعليه‌السلام بدليلين ، الأوّل ذو طابع ديني ومعنوي ، والآخر ذو طابع دنيوي ومادي ، فقال الأول ، كما يحكي القرآن ذلك :( إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ ) .

وفي الثّاني :( أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ ) .

فإذا سكتّ أنا وكففت عن قتله ، فسيظهر دين موسى وينفذ في أعماق قلوب أهل مصر ، وستتبدل عبادة الأصنام التي تحفظ منافعكم ووحدتكم ، وإذا سكتّ اليوم فإنّ الزمن كفيل بزيادة أنصار موسىعليه‌السلام وأتباعه ، وهو أمر تصعب معه مجاهدته في المستقبل ، إذ ستجر الخصومة والصراع معه إلى إراقة الدماء والفساد وشيوع القلق في البلاد ، لذا فالمصلحة تقتضي أن أقتله أسرع ما يمكن.

بالطبع ، لم يكن فرعون يقصد من الدين شيئا سوى عبادته أو عبادة الأصنام ،

__________________

(١) ورد في تفسير الميزان عند الحديث عن الآية (٣٦) من سورة الشعراء :( قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ ) إنّ الآية دليل على أنّ هناك مجموعة منعت فرعون من قتل «موسى»عليه‌السلام إلّا أنّ التدقيق في الآيات الخاصة بقصة موسى تظهر أنّه لم تكن هناك نية لقتله في ذلك الوقت ، وإنّما كان الهدف اختبار النوايا لمعرفة الصادق من الكاذب ، أما التصميم على القتل فقد كان بعد حادثة السحرة وانتصار موسىعليه‌السلام عليهم ونفوذ تأثيره في أعماق قلوب أهل مصر ، حيث خشي فرعون العواقب.

٢٤٢

وهذا الأسلوب في استخدام لباس الدين واسمه وتبنّي شعاراته ، يستهدف منه السلطان (فرعون) تحذير الناس وتجهيلهم من خلال إعطاء طابع الدين على مواقفه وكيانه وسلطته.

أمّا الفساد فهو من وجهة نظر فرعون يعني الثورة ضدّ استكبار فرعون من أجل تحرير عامّة العباد ، ومحو آثار عبادة الأصنام ، وإحياء معالم التوحيد ، وتشييد الحياة على أساسها.

إنّ استخدام لباس الدين ورفع شعاراته ، وكذلك «التدليس» على المصلحين بالاتهامات ، هما من الأساليب التي يعتمد هما الظلمة والطغاة في كلّ عصر ومصر ، وعالمنا اليوم يموج بالأمثلة على ما نقول!

والآن لنر كيف كان رد فعل موسىعليه‌السلام والذي يبدو أنّه كان حاضر المجلس؟ يقول القرآن في ذلك :( وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ ) .

قال موسىعليه‌السلام هذا الكلام بقاطعية واطمئنان يستمدان جذورهما من إيمانه القوي واعتماده المطلق على الله تعالى ، وأثبت بذلك بأنّه لا يهتز أو يخاف أمام التهديدات.

ويستفاد من قول موسىعليه‌السلام أيضا أنّ من تحل فيه صفتا «التكبر» و «عدم الإيمان بيوم الحساب» فهو إنسان خطر ، علينا أن نستعيذ بالله من شرّه وكيده.

فالتكبر يصبح سببا لأن لا يرى الإنسان سوى نفسه وسوى أفكاره ، فهو يعتبر كما في حال فرعون ـ الآيات والمعجزات الإلهية سحرا ، ويعتبر المصلحين مفسدين ، ونصيحة الأصدقاء والمقربين ضعفا في النفس.

أمّا عدم الإيمان بيوم الحساب فيجعل الإنسان حرا طليقا في أعماله وبرامجه ، لا يفكر بالعواقب ، ولا يرى لنفسه حدودا يقف عندها ، وسيقوم بسبب

٢٤٣

انعدام الضوابط وفقدان الرقابة بمواجهة كلّ دعوة صالحة ويحارب الأنبياء.

ولكن ماذا كان عاقبة تهديد فرعون؟

الآيات القادمة تنبئنا بذلك ، وتكشف كيف استطاع موسىعليه‌السلام أن يفلت من مخالب هذا الرجل المتكبر المغرور.

* * *

٢٤٤

الآيتان

( وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩) )

التّفسير

أتقتلون رجلا أن يقول ربّي الله!

مع هذه الآيات تبدأ مرحلة جديدة من تأريخ موسىعليه‌السلام وفرعون ، لم تطرح في أي مكان آخر من القرآن الكريم. المرحلة التي نقصدها هنا تتمثل بقصة «مؤمن آل فرعون» الذي كان من المقربين إلى فرعون ، ولكنّه اعتنق دعوة موسى التوحيدية من دون أن يفصح عن إيمانه الجديد هذا ، وإنّما تكتم عليه واعتبر نفسه.

٢٤٥

من موقعه في بلاط فرعون ـ مكلفا بحماية موسىعليه‌السلام من أي خطر يمكن أن يتهدد من فرعون أو من جلاوزته.

فعند ما شاهد أنّ حياة موسى في خطر بسبب غضب فرعون ، بادر بأسلوبه المؤثر للقضاء على هذا المخطط.

يقول تعالى :( وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ ) .

أتقتلوه في حين أنّه :( وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ ) .

هل فيكم من يستطيع أن ينكر معاجزه ، مثل معجزة العصا واليد البيضاء؟ ألم تشاهدوا بأعينكم انتصاره على السحرة ، بحيث أن جميعهم استسلموا له وأذعنوا لعقيدته عن قناعة تامة ، ولم يرضحوا لا لتهديدات فرعون ووعيده ، ولا لإغراءاته وأمنياته ، بل استرخصوا الأرواح في سبيل الحق ، في سبيل دعوة موسى ، وإله موسى هل يمكن أن نسمّي مثل هذا الشخص بالساحر؟

فكروا جيدا ، لا تقوموا بعمل عجول ، تحسّبوا لعواقب الأمور وإلّا فالندم حليفكم.

ثم إنّ للقضية بعد ذلك جانبين :( وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ) .

إنّ حبل الكذب قصير ـ كما يقولون ـ وسينفضح أمره في النهاية إذا كان كاذبا ، وينال جزاء الكاذبين ، وإذا كان صادقا ومأمورا من قبل السماء فإنّ توعده لكم بالعذاب حاصل شئتم أم أبيتم ، لذا فإنّ قتله في كلا الحالين أمر بعيد عن المنطق والصواب.

ثم تضيف الآيات :( إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) .

فإذا كان موسى سائرا في طريق الكذب والتجاوز فسوف لن تشمله الهداية الإلهية ، وإذا كنتم أنتم كذلك فستحرمون من هدايته.

٢٤٦

ولنا أن نلاحظ أنّ العبارة الأخيرة برغم أنّها تحمل معنيين إلّا أن «مؤمن آل فرعون» يهدف من خلالها إلى توضيح حال الفراعنة.

والتعبير الذي يليه يفيد أنّ فرعون ، أو بعض الفراعنة ـ على الأقل ـ كانوا يؤمنون بالله ، وإلّا فإن تعبير «مؤمن آل فرعون» في خلاف هذا التأويل سيكون دليلا على إيمانه بإله موسىعليه‌السلام وتعاونه مع بني إسرائيل ، وهذا ما لا يتطابق مع دوره في تكتمه على إيمانه ، ولا يناسب أيضا مع أسلوب «التقية» التي كان يعمل بها.

وبالنسبة للتعبير الآنف الذكر( وَإِنْ يَكُ كاذِباً ) فقد طرح المفسّرون سؤالين :

الأوّل : إذا كان موسىعليه‌السلام كاذبا ، فإنّ عاقبة كذبه سوف لن تقتصر عليه وحسب ، وإنّما سوف تنعكس العواقب السيئة على المجتمع برمته.

الثّاني : أما لو كان صادقا ، فستتحقق كلّ تهديداته ووعيده لا بعض منها ، كما في تعبير «مؤمن آل فرعون»؟

بالنسبة للسؤال الأول ، نقول : إنّ المراد هو معاقبة جريمة الكذب التي تشمل شخص الكذّاب فقط ويكفينا العذاب الالهي لدفع شرّه. وإلّا فكيف يمكن لشخص أن يكذب على الله ، ويتركه سبحانه لشأنه كي يكون سببا لإضلال الناس وإغوائهم؟

وبالنسبة للسؤال الثّاني ، من الطبيعي أن يكون قصد موسىعليه‌السلام من التهديد بالعذاب ، هو العذاب الدنيوي والأخروي ، والتعبير بـ «بعض» إنّما يشير إلى العذاب الدنيوي ، وهو الحد الأدنى المتيقّن حصوله في حالة تكذيبكم إيّاه.

وفي كلّ الأحوال تبدو جهود «مؤمن آل فرعون» واضحة في النفود بشتى الوسائل والطرق إلى أعماق فرعون وجماعته لتثنيهم عن قتل موسىعليه‌السلام .

ونستطيع هنا أن نلخص الوسائل التي اتبعها بما يلي :

٢٤٧

أوضح لهم أولا أنّ عمل موسىعليه‌السلام لا يحتاج إلى ردّة فعل شديدة كهذه.

ثم عليكم أن لا تنسوا أنّ الرجل يملك «بعض» الأدلة ، ويظهر أنّها أدلة معتبرة ، لذا فإنّ محاربة مثل هذا الرجل تعتبر خطرا واضحا.

والموضوع برمته لا يحتاج إلى موقف منكم ، فإذا كان كاذبا فسينال جزاءه من قبل الله ، ولكن يحتمل أن يكون صادقا ، وعندها لن يتركنا الله لحالنا.

ولم يكتف «مؤمن آل فرعون» بهذا القدر ، وإنّما استمرّ يحاول معهم بلين وحكمة ، حيث قال لهم كما يحكي ذلك القرآن من أنّه قال لهم أن بيدكم حكومة مصر الواسعة مع خيراتها ونعيمها فلا تكفروا بهذه النعم فيصيبكم العذاب الالهي.

( يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا ) .

ويحتمل أن يكون غرضه : إنكم اليوم تملكون كلّ أنواع القوّة ، وتستطيعون اتخاذ أي تصميم تريدونه اتجاه موسىعليه‌السلام ، ولكن لا تغرنكم هذه القوّة ، ولا تنسوا النتائج المحتملة وعواقب الأمور.

ويظهر أنّ هذا الكلام أثر في حاشية فرعون وبطانته ، فقلّل من غضبهم وغيظهم ، لكن فرعون لم يسكت ولم يقتنع ، فقطع الكلام بالقول :( قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى ) وهو إنّي ارى من المصلحة قتل موسى ولا حلّ لهذه المشكلة سوى هذا الحل.

ثمّ إنني :( وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ ) .

وهذه هو حال كافة الطواغيت والجبّارين على طول التأريخ ، فهم يعتبرون كلامهم الحق دون غيره ، ولا يسمحون لأحد في إبداء وجهة نظر مخالفة لما يقولون ، فهم يظنون أن عقلهم كامل ، وأن الآخرين لا يملكون علما ولا عقلا وهذا هو منتهى الجهل والحماقة.

* * *

٢٤٨

بحوث

أوّلا : من هو مؤمن آل فرعون؟

نستفيد من الآيات القرآنية أنّ «مؤمن آل فرعون» هو رجل من قوم فرعون آمن بموسىعليه‌السلام ، ويظلّ يتكتم على إيمانه ، ويعتبر نفسه مكلفا بالدفاع عنهعليه‌السلام .

لقد كان الرجل ـ كما يدل عليه السياق ـ ذكيا ولبقا ، يقدّر قيمة الوقت ، ذا منطق قوي ، حيث قام في اللحظات الحسّاسة بالدّفاع عن موسىعليه‌السلام وإنقاذه من مؤامرة كانت تستهدف حياته.

تتضمن الرّوايات الإسلامية وتفاسير المفسّرين أوصافا أخرى لهذا الرجل سنتعرض لها بالتدريج.

البعض مثلا يعتقد أنّه كان ابن عم ـ أو ابن خالة ـ فرعون ، ويستدل هذا الفريق على رأيه بعبارة (آل فرعون) إذ يرى أنّها تطلق على الأقرباء ، بالرغم من أنّها تستخدم أيضا للأصدقاء والمقربين.

والبعض قال : إنّه أحد أنبياء بني إسرائيل كان يعرف اسم «حزبيل» أو «حزقيل»(١) .

فيما قال البعض الآخر : إنّه خازن خزائن فرعون ، والمسؤول عن الشؤون المالية(٢) .

وينقل عن ابن عباس أنّه قال : إنّ هناك ثلاثة رجال من بين الفراعنة آمنوا بموسىعليه‌السلام ، وهم آل فرعون ، وزوجة فرعون ، والرجل الذي أخبر موسى قبل نبوته بتصميم الفراعنة على قتله ، حينما أقدم موسى على قتل القبطي ، ونصحه بالخروج من مصر بأسرع وقت :( وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا

__________________

(١) يستفاد هذا المعنى من روآية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (تلاحظ في أمالي الصدوق طبقا لنقل نور الثقلين ، المجلد الرابع ، ص ٥١٩) ولكن بما أن الشائع أن «حزقيل» هو أحد أنبياء بني إسرائيل ، فعندها سيضعف هذا الاحتمال ، إلا إذا كان «حزقيل» هذا غير النبي المعروف في بني إسرائيل. ثم إن الروآية ضعيفة السند.

(٢) ورد هذا المعنى في تفسير علي بن إبراهيم ، كما نقل صاحب نور الثقلين في المجلد الرابع ، صفحة ٥١٨.

٢٤٩

مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) (١) .

لكن القرائن تفيد أن ثمّة مجموعة قد آمنت بموسىعليه‌السلام بعد مواجهة موسى مع السحرة ، ويظهر من السياق أنّ قصة مؤمن آل فرعون كانت بعد حادثة السحرة.

والبعض يحتمل أنّ الرجل كان من بني إسرائيل ، لكنّه كان يعيش بين الفراعنة ويعتمدون عليه ، إلّا أنّ هذا الاحتمال ضعيف جدا ، ولا يتلاءم مع عبارة «آل فرعون» وأيضا نداء «يا قوم».

ولكن يبقى دوره مؤثرا في تأريخ موسىعليه‌السلام وبني إسرائيل حتى مع عدم وضوح كلّ خصوصيات حياته بالنسبة لنا.

ثانيا : التقية أداة مؤثّرة في الصراع

(التقية) أو (كتمان الإعتقاد) ليست من الضعيف أو الخوف كما يظن البعض ، بل غالبا ما توظّف كأسلوب مؤثّر في إدارة مع الظالمين والجبارين والطغاة ، إذ أن كشف أسرار العدو لا يمكن أن يتمّ إلّا عن طريق الأشخاص الذين يعملون بأسلوب التقية.

وكذلك الضربات الموجعة والمباغتة للعدو ، لا تتمّ إلّا عن طريق التقية وكتمان الخطط وأساليب الصراع.

لقد كانت «تقية» مؤمن آل فرعون من أجل خدمة دين موسىعليه‌السلام ، والدفاع عنه في اللحظات الصعبة. ثمّ هل هناك أفضل من أن يحظى الإنسان بشخص مؤمن بقضيته ودعوته يزرعه في جهاز عدوه بحيث يستطيع من موقعه أن ينفذ إلى أعماق تنظيمات العدو ، ويحصل على المعلومات والأسرار ليفيد بها قضيته ودعوته ، ويخبر بها أصحابه وقد تقضي الضرورة النفوذ في ذهنية العدو أيضا وتغييرها لمصالح قضيته ودعوته ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

__________________

(١) القصص ، الآية ٢٠.

٢٥٠

الآن نسأل : هل كان بوسع مؤمن آل فرعون إسداء كلّ هذه الخدمات لدعوة موسىعليه‌السلام لو لم يستخدم أسلوب التقية؟

لذلك كلّه ورد في حديث عن الإمام الصادق قولهعليه‌السلام : التقية ديني ودين آبائي ، ولا دين لمن لا تقية له ، والتقية ترس الله في الأرض ، لأنّ مؤمن آل فرعون لو أظهر الإسلام لقتل»(١) .

إنّ فاعلية هذا المبدأ تكتسب أهمية استثنائية في الوقت الذي يكون فيه المؤمنون قلّة خاضعة للأكثرية التي لا ترحم ولا تتعامل وفق المنطق ، فالعقل لا يسمح بإظهار الإيمان (باستثناء الضرورات) والتفريط بالطاقات الفعّالة ، بل الواجب يقضي بكتمان العقيدة والتخفي على المعتقد في مثل هذا الوضع لكي يصار إلى تجميع الطاقات والقوى والإفادة منها لتسديد الضربة النهائية والقاصمة في الوقت والظرف المناسبين.

إنّ الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التزم بنفسه هذا المبدأ ، حينما أبقى دعوته سريّة لبضع سنوات ، وحينما ازداد أتباعه وتشكّلت النواة الإيمانية القادرة للحفاظ على الدعوة الجديدة صدعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمره تعالى أمام القوم.

ومن بين الأنبياء الآخرين نرى إبراهيمعليه‌السلام الذي استخدم أسلوب التقية ، ووظّف هذا المبدأ في عمله الشجاع الذي حطّم فيه الأصنام ، وإلّا فلولا التقية لم يكن بوسعه أن ينجح في عمله أبدا.

كذلك استفاد أبو طالب عم الرسول من أسلوب التقية في حماية رسول الله ودعوته الناشئة ، إذ لم يعلن عن صريح إيمانه برسول الله وبالإسلام إلّا في فترات ومواقف خاصّة ، كي يستطيع من خلال ذلك لنهوض بأعباء دوره المؤثر في حفظ حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيال مكائد وطغيان الشرك القرشي.

من هنا يتبيّن خطأ رأي من يعتقد بأنّ «التقية» كمبدأ وكأسلوب ، تختص

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد الثامن ، صفحة ٥٢١.

٢٥١

بالشيعة دون غيرهم ، أو أنّها كدليل على الضعف والجبن ، فيما هي موجودة في جميع المذاهب دون استثناء.

ولمزيد من التوضيح ، باستطاعة القارئ الكريم أن يرجع إلى بحثنا في تفسير الآية ٢٨ من آل عمران والآية ١٠٦ من النحل.

ثالثا : من هم الصدّيقون؟

في الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «الصديقون ثلاثة : (حبيب النجار) مؤمن آل يس الذي يقول :( اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً ) و (حزقيل) مؤمن آل فرعون و (علي بن أبي طالب وهو أفضلهم».

والملاحظ في هذا الحديث أنّه يروى في مصادر الفريقين(١) .

إنّ تأريخ النبوات يظهر مكانة هؤلاء في دعوات الرسل ، إذ صدّقوهم في أحرج اللحظات ، وكانوا في المقدمة ، فاستحقوا لقب «الصدّيق» خاصة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، الذي وقف منذ مطلع عمره الشريف وحتى نهايته مناصرا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته وبعد رحلته وذابا عن الدعوة الجديدة ، واستمرّ في كلّ المراحل والأشواط في تقديم التضحيات بمنتهى الإخلاص.

* * *

__________________

(١) يلاحظ الصدوق في «الأمالي» وابن حجر في الفصل الثّاني الباب التاسع من «الصواعق».

٢٥٢

الآيات

( وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) )

التّفسير

التحذير من العاقبة!

كان الشعب المصري آنذاك يمتاز نسبيا بمواصفات التمدّن والثقافة ، وقد اطّلع على أقوال المؤرخين بشأن الأقوام السابقة ، أمثال قوم نوح وعاد وثمود الذين لم تكن أرضهم تبعد عنهم كثيرا ، وكانوا على علم بما آل إليه مصيرهم.

لذلك كلّه فكّر مؤمن آل فرعون بتوجيه أنظار هؤلاء إلى أحداث التأريخ وأخذ يحذرهم من تكرار العواقب الأليمة التي نزلت بغيرهم ، عساهم أن يتيقظوا ويتجنّبوا قتل موسىعليه‌السلام يقول القرآن الكريم حكاية على لسانه :( وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ ) .

٢٥٣

ثم أوضح مراده من هذا الكلام بأنني خائف عليكم عن العادات والتقاليد السيئة التي كانت متفشّية في الأقوام السالفة.( مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) (١) .

لقد نالت هذه الأقوام جزاء ما كانت عليه من الكفر والطغيان ، إذ قتل من قتل منهم بالطوفان العظيم ، وأصيب آخرون منهم بالريح الشديدة ، وبعضهم بالصواعق المحرقة ، ومجموعة بالزلازل المخرّبة.

واليوم يخاطبهم مؤمن آل فرعون : ألا تخشون أن تصيبكم إحدى هذه البلايا العظيمة بسبب إصراركم على الكفر والطغيان؟ هل عندكم ضمان بأنّكم لستم مثل أولئك ، أو أن العقوبات الإلهية لا تشملكم ، ترى ماذا عمل أولئك حتى أصابهم ما أصابهم ، لقد اعترضوا على دعوة الأنبياء الإلهيين ، وفي بعض الأحيان عمدوا إلى قتلهم لذلك كلّه فإني أخاف عليكم مثل هذا المصير المؤلم!؟

ولكن ينبغي أن تعلموا أنّ ما سيصيبكم ويقع بساحتكم هو من عند أنفسكم وبما جنت أيديكم :( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) .

لقد خلق الله الناس بفضله وكرمه ، ووهبهم من نعمه ظاهرة وباطنة ، وأرسل أنبياءه لهدايتهم ، ولصدّ طغيان العتاة عنهم ، لذلك فإنّ طغيان العباد وصدّهم عن السبيل هو السبب فيما ينزل بهم من العذاب الأليم.

ثم تضيف الآية على لسانه :( وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ ) أي يوم تطلبون العون من بعضكم البعض ، إلّا أصواتكم لا تصل إلى أي مكان.

«التناد» مأخوذة أصلا من كلمة «ندا» وتعني «المناداة» (وهي في الأصل (التنادي) وحذفت الياء ووضعت الكسرة في محلّها) والمشهور بين المفسّرين أنّ

__________________

(١) «داب» على وزن (ضرب) تعني في الأصل الاستمرار في السير ، و (دائب) تطلق على الكائن الذي يستمر في سيره ثمّ أصبحت بعد ذلك تستعمل لأي عادة مستمرة والمقصود هنا من (دأب قوم نوح) هو قيامهم واستمرارهم واعتيادهم على الشرك والطغيان والظلم والكفر.

٢٥٤

(يوم التناد) هو من أسماء يوم القيامة ، وقد ذكروا أسبابا لهذه التسمية متشابهة تقريبا ، فمنهم من يقول : إن ذلك يعود إلى مناداة أهل النّار لأهل الجنّة ، كما يقول القرآن :( وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ) فجاءهم الجواب :( إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ ) (١) (٢) . أو أنّ التسمية تعود إلى مناداة الناس بعضهم لبعض طلبا للعون والمساعدة.

وهناك من قال : إن سبب التسمية يعود إلى أنّ الملائكة تناديهم للحساب ، وهم يطلبون العون من الملائكة.

أو لأنّ منادي المحشر ينادي :( أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٣) .

وقال بعضهم : إنّ السبب يعود إلى أنّ المؤمن عند ما يشاهد صحيفة أعماله ينادي برضى وشوق :( هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ) (٤) بينما الكافر من شدة خوفه وهول ما يحلّ به يصرخ وينادي :( يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ ) (٥) .

ولكن يمكن تصور معنى أوسع للآية ، بحيث يشمل «يوم التناد في هذه الدنيا أيضا ، لأنّ المعنى ـ كما رأينا ـ يعني (يوم مناداة البعض بعض الآخر) وهذا المعنى يعبّر عن ضعف الإنسان وعجزه عند ما تنزل به المحن وتحيطه المصاعب والملمّات ، وينقطع عنه العون وأسباب المساعدة ، فيبدأ بالصراخ ولكن بغير نتيجة.

وفي عالمنا هذا ثمّة أمثلة عديدة على «يوم التناد» مثل الأيّام التي ينزل فيها العذاب الإلهي ، أو الأيّام التي يصل فيها المجتمع إلى طريق مسدودة لكثرة ما ارتكب من ذنوب وخطايا ، وقد نستطيع أن نتصور صورا أخرى عن يوم التناد في حياتنا من خلال الحالات التي يمرّ بها الناس بالمشاكل والصعاب المختلفة حيث

__________________

(١) الأعراف ، الآية ٥٠.

(٢) ورد هذا المعنى أيضا في حديث للإمام الصادقعليه‌السلام في كتاب «معاني الأخبار» للصدوق.

(٣) هود ، الآية ١٨.

(٤) الحاقة ، الآية ١٩.

(٥) الحاقة ، الآية ٢٥.

٢٥٥

يصرخ الجميع عندها طالبين للحل والنجاة!

الآية التالية تفسّر يوم التناد بقولها :( يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ ) .

ومثل هؤلاء حق عليهم القول :( وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) إنّ هؤلاء الذين ضلّوا في الحياة الدنيا بابتعادهم عن سبل الرشاد والهداية وتنكبهم عن الطريق المستقيم ، سيضلّون في الآخرة عن الجنّة والرضوان والنعم الإلهية الكبرى. وقد يكون في التعبير القرآني إيماءة خفيفة إلى قول فرعون :( ما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ ) .

* * *

٢٥٦

الآيتان

( وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥) )

التّفسير

عجز المتكبرين عن الإدراك الصحيح!

هذا المقطع من الآيات الكريمة يستمر في عرض كلام مؤمن آل فرعون ، ومن خلال نظرة فاحصة في سياق الآيات ، يظهر أنّ مؤمن آل فرعون طرح كلامه في خمسة مقاطع ، كلّ منها اكتسى بلون من المخاطبة ، وشكل من الدليل ، الذي يستهدف النفوذ إلى قلب فرعون والمحيطين به ، بغية محو الصدأ وآثار الكفر السوداء منهاكي تذعن لله ورسالاته وأنبيائه ، وتترك التكبر والطغيان :

المقطع الأوّل : راعى فيه مؤمن آل فرعون الاحتياط ، ودعا القوم إلى الحذر من الأضرار المحتملة من جهتين : (قال لهم : لو كان موسى كاذبا فسينال جزاء

٢٥٧

كذبه ، أمّا لو كان صادقا فيشملنا العذاب ، إذا عليكم أن لا تتركوا العمل بالاحتياط).

المقطع الثّاني : وفيه وجّه مؤمن آل فرعون الدعوة إلى التأمّل بما حلّ بالأقوام السابقة وما نال الأمم الداثرة من المصير والجزاء ، كي يأخذوا العبرة من ذلك المصير!

المقطع الثّالث : كأمن في الآيات القرآنية التي بين أيدينا ، إذ تذكر هم الآيات ـ من خلال خطاب مؤمن آل فرعون ـ بجزء من تأريخهم ، هذا التأريخ الذي لا يبعد كثيرا عنهم ، ولم تمحى بعد أواصر الارتباط الذهني والتأريخي فيما بينهم وبينه ، وهذا الجزء يتمثل في نبوة يوسفعليه‌السلام ، الذي يعتبر أحد أجداد موسى ، حيث يبدأ قصة التذكير معهم بقوله تعالى :( وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ ) (١) وبالدلائل الواضحة لهدايتكم ولكنكم :( فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ ) .

وشككم هنا ليس بسبب صعوبة دعوته أو عدم اشتمالها على الأدلة والعلائم الكافية ، بل بسبب غروركم حيث أظهرتم الشك والتردد فيها.

ولأجل أن تتنصلوا من المسؤولية ، وتعطوا لأنفسكم الذرائع والمبررات ، قلتم :( حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً ) .

بناء على ذلك كلّه لم تشملكم الهداية الإلهية بسبب أعمالكم ومواقفكم :( كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ ) .

لقد سلكتم سبيل الإسراف والتعدي على حدود الله تعالى كما قمتم بالتشكيك في كلّ شيء ، حتى غدا ذلك كلّه سببا لحرمانكم من اللطف الإلهي في الهداية ، فسدرتم في وادي الضلال والغي ، كي تنتظركم عاقبة هذا الطريق الغاوي.

واليوم ـ والسياق ما زال يحكي خطاب مؤمن آل فرعون لهم ـ اتبعتم نفس

__________________

(١) تعتبر هذه الآية هي الوحيدة في القرآن الكريم التي تشير صراحة إلى نبوة يوسفعليه‌السلام ، وإن كنّا لا نعدم إشارات متفرقة لهذه النبوّة في سياق آيات قرآنية اخرى.

٢٥٨

الأسلوب حيال دعوة موسىعليه‌السلام ، إذ تركتم البحث في أدلة نبوته وعلائم بعثته ورسالته ، فابتعدت عنكم أنوار الهداية ، وظلت قلوبكم سوداء محجوبة عن إشعاعاتها الهادية الوضّاءة.

الآية الكريمة التي تليها تعرّف «المسرف المرتاب» بقول الله تبارك وتعالى :( الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ ) (١) .

هؤلاء يرفضون آيات الله البينات من دون أي دليل واضح من عقل أو نقل ، بل يستجيبون في ذلك إلى أهوائهم المغرضة ووساوسهم المضلّة الواهية ، كي يستمروا في رفع راية الجدل والمعارضة.

وللكشف عن قبح هذه المواقف عند الله وعند الذين آمنوا ، تقول الآية :( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا ) (٢) .

ذلك لأنّ الجدال بالباطل (الجدال السلبي) واتخاذ المواقف ضدّ الوقائع والآيات القائمة على أساس الدليل المنطقي ، يعتبر أساسا لضلال المجادلين وتنكبهم عن جادة الهداية والصواب ، وكذلك في إغواء للآخرين ، حيث تنطفئ أنوار الهداية في تلك الأوساط ، وتتقوى أسس ودعائم حاكمية الباطل.

في النهاية ، وبسبب عدم تسليم هؤلاء أمام الحق ، تقرّر الآية قوله تعالى :( كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ) (٣) .

أجل ، إنّ العناد في مقابل الحق يشكّل ستارا مظلما حول فكر الإنسان ، ويسلب منه قابليته على التشخيص الهادي الصحيح ، بحيث ينتهي الأمر إلى أن

__________________

(١) (الذين) هنا بدل عن «مسرف مرتاب» إلّا أنّ المبدل عنه مفرد ، في حين أنّ البدل جاء على صيغة الجمع! السبب في ذلك أنّ الخطاب لا يستهدف شخصا معينا وإنّما يشتمل على النوع.

(٢) فاعل «كبر» هو (الجدال) حيث نستفيد ذلك من الجملة السابقة ، أمّا «مقتا» فهي تمييز ، فيما يرى بعض المفسّرين أنّ الفاعل هو «مسرف مرتاب» إلّا أنّ الرأي الأوّل أفضل.

(٣) «متكبر جبار» وصف للقلب ، وليست وصفا لشخص ، بالرغم من أنّها مضافة. اشارة الى أنّ أساس التكبر والتجبر إنما ينبع من القلب ، ولأنّ القلب يسيطر على كلّ أعضاء ووجود الإنسان ، فإنّ كلّ الوجود الإنساني سيكتسي هذا الطابع الفاسد البذيء.

٢٥٩

يتحول القلب إلى مثل الإناء المغلق ، الذي لا يمكن افراغه من محتواه الفاسد ، ولا إدخال المحتوى الهادي الصحيح.

إنّ الأشخاص الذين يقفون في وجه الحق وأهله بسبب اتصاف بصفتي التكبر والتجبر ، فإنّ الله تعالى سوف يسلب منهم روح طلب الحقيقة الى درجة أن الحق سيكون مرا في مذاقهم ، والباطل حلوا.

وفي كلّ الأحوال ، لقد قام مؤمن آل فرعون بعمله من خلال الوسائل التي وقفنا عليها آنفا ، فانتهى ـ كما سيظهر في الآية اللاحقة ـ إلى أجهاض مخطط فرعون في قتل موسىعليه‌السلام ، أو على الأقل وفّر الوقت الكافي في تأخير تنفيذ هذا لمخطط إلى أن استطاع موسىعليه‌السلام أن يفلت من الخطر.

لقد كانت هذه مهمّة عظيمة أنجزها هذا الرجل المؤمن الشجاع ، الذي انصب جهده في هذه المرحلة الخطيرة من الدعوة الموسوية على إنقاذ حياة كليم اللهعليه‌السلام : وكما سيتضح لا حقا من احتمال أن هذا الرجل ضحى بحياته أيضا في هذا السبيل.

* * *

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415