إيضاح مناسك الحج

إيضاح مناسك الحج14%

إيضاح مناسك الحج مؤلف:
المحقق: الشيخ أحمد الماحوزي
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 415

إيضاح مناسك الحج
  • البداية
  • السابق
  • 415 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 112116 / تحميل: 9993
الحجم الحجم الحجم
إيضاح مناسك الحج

إيضاح مناسك الحج

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

من السعي فكفّارته كما تقدم(١) ، والاحوط(٢) أن يتم عمرته ويأتي بالحج بعدها ثم يعيدهما في العام المقبل.

مسألة ٨٨: اذا جامع المُحِرم للحج امرأته قُبلاً أو دُبراً عالماً عامداً قبل الوقوف بالمزدلفة، وجبت عليه الكفّارة وإتمام الحج وإعادته في العام القابل، سواء كان الحج فرضاً أو نفلاً(٣) ، وكذلك المرأة إذا كانت مُحرمة وعالمة بالحال ومطاوعة له على الجماع، ولو

____________________

=

شاة، ومقتضى الجمع بينها إما التخيير والحمل على الافضلية، وإما ماذهب اليه المشهور بالترتيب بين الموسر ومتوسط الحال والفقير استئناسا بالروايات الواردة في بعض احكام النظر، والذي يساعد عليه الاعتبار هو الاول، إلا ان مخالفة المشهور - بل دعوى الاجماع - مشكل فلا يترك الاحتياط.

(١) لكون وجوبها قبل السعي اولى من بعده.

(٢) واستظهر السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته عدم بطلانها والاحوط استحبابا إعادتها مع الامكان وإلا اعاد حجه في القابل.

ووجه الاحتياط عدم الدليل على فسادها سوى ذهاب المشهور والقول بعدم الخلاف فيه، ودعوى تساوي العمرتين في جملة من الاحكام والشرائط إلا ماأخرجه الدليل، وايماء بعض الروايات، وفي الكل نقاش، والله العالم.

(٣) نصاً واجماعاً.

٨١

كانت المرأة مكرهة على الجماع فلا شيء عليها(١) ، وتجب على الزوج المكرِه كفّارتان(٢) .

وكفارة الجماع بدنه ومع العجز عنها شاة(٣) ، ويجب التفريق بين الرجل والمرأة في حجتهما - بأن لايجتمعان إلا إذا كان معهما ثالث - إلى أن يفرغا من مناسك الحج حتى أعمال منى ويرجعا الى نفس المحل الذي وقع فيه الجماع(٤) ، ولو رجعا من غير ذلك الطريق

____________________

(١) يشهد له صحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن رجل باشر امرأته وهما محرمان ما عليهما ؟ فقال: إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا، ويفرّق بينهما حتى يفرغان من المناسك، وحتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، وإن كانت المرأة لم تعن بشهوة واستكرهها صاحبها فليس عليها شيء.

(٢) يشهد له مصححة ابن ابي حمزة عن ابي الحسنعليه‌السلام وفيها « إن كان استكرهها فعليه بدنتان »، ومثلها صحيحة معاوية عن ابي عبداللهعليه‌السلام .

(٣) لقولهعليه‌السلام في صحيحة علي بن جعفر « فمن رفث فعليه بدنة ينحرها فان لم يجد فشاة ».

(٤) تدل عليه صحيحة ابن خالد المتقدمة وغيرها من الصحاح، والحكم محل وفاق بين الاعلام، إلا في غاية الافتراق.

٨٢

جاز أن يجتمعا إذا قضيا المناسك(١) .

كما يجب التفريق بينهما أيضا في الحجة المعادة من حين الوصول الى محل وقوع الجماع إلى وقت الذبح بمنى(٢) ، بل الاحوط استمرار التفريق إلى الفراغ من تمام الأعمال والرجوع إلى المكان الذي وقع فيه الجماع(٣) .

مسألة ٨٩: إذا جامع المحرم امرأته عالماً عامداً بعد الوقوف بالمزدلفة، فان كان قبل طواف النساء وجبت عليه الكفّارة على النحو المتقدم(٤) ،

____________________

(١) تدل عليه صحيحةالحلبي عن الصادقعليه‌السلام وصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفرعليه‌السلام المروية في مستطرفات السرائر نقلا عن نوادر البزنطي.

(٢) ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام « وعليه الحج من قابل فإذا انتهي الى المكان الذي وقع بها فرّق محملاهما فلم يجتمعا في خباء واحد إلا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى محله.

(٣) لقولهعليه‌السلام في صحيحة زرارة « وعليهما الحج من قابل، فإذا بلغا المكان الذي احدثا فيه فرّق بينهما حتى يقضيا نسكهما، ويرجعان الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ».

(٤) لقولهعليه‌السلام في صحيحة علي بن جعفر عن رجل واقع امرأته

=

٨٣

ولكن لا تجب عليه الإعادة(١) ، وكذلك إذا كان جماعة قبل إتمام الشوط الرابع من طواف النساء(٢) ، واما إذا كان بعده فلا كفّارة

____________________

=

قبل طواف النساء متعمدا ماعليه ؟ فقال: يطوف وعليه بدنة.

(١) لمفهوم صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام « إذا وقع الرجل بامرأته دون مزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل » مضافا الى اختصاص وجوب الاعادة بمن جامع قبل المشعر لابعده، والحكم اجماعي.

(٢) ففي مصححة ابي بصير في رجل نسي طواف النساء قال اذا زاد على النصف وخرج ناسيا أمر من يطوف عنه وله أن يقرب النساء اذا زاد على النصف » فجواز المقاربة بعد النصف لازمه عدم وجوب الكفارة، ولايتوقف في سنده لوجود البطائني إذ الاصحاب قاطعوه بعد وقفه، وإن الراوي عنه هو وجه الاصحاب في زمانه احمد بن محمد البزنطي الجليل، مضافا الى ان ابا بصير له كتاب في الحج رواه عنه ايضا الحسين بن ابي العلاء.

ويؤيدها صحيحة حمران عن ابي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج الى منزله فنقص ثم غشي جاريته، قال: يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ماكان قد بقي عليه من طوافه ويستغفر الله ولايعود، وإن كان طوف طواف الفريضة فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه وعليه بدنه ويغتسل ثم يعود فيطوف اسبوعا » فقد استدل العلامة في المختلف بمفهوم ذيل الرواية من انه اذا تجاوز النصف

=

٨٤

عليه ايضا.

مسألة ٩٠: من جامع امرأته عالماً عامد في العمرة المفردة وجبت عليه الكفّارة على النحو المتقدم(١) ، ولا تفسد عمرته إذا كان الجماع بعد السعي(٢) ، واما إذا كان قبله بطلت عمرته، ووجب عليه أن يقيم بمكة إلى شهر آخر ثم يخرج إلى احد المواقيت الخمسة المعروفة ويحرم منه للعمرة المعادة(٣) ، ولايجزئه الإحرام من أدنى

____________________

=

لاكفارة.

(١) لصحيحة علي بن جعفر المتقدمة.

(٢) لأصالة الصحة وعدم الدليل على البطلان.

(٣) ففي صحيحة مسمع عن ابي عبداللهعليه‌السلام في الرجل يعتمر عمرة مفردة ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشى أهله قبل ان يسعى بين الصفا والمروة، قال: قد أفسد عمرته وعليه بدنة وعليه أن يقيم بمكة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ثم يخرج الى الوقت الذي وقته رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لاهله فيحرم منه ويعتمر » وفي صحيحة بريدة قال: سألت ابا جعفرعليه‌السلام عن رجل اعمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه، قال: عليه بدنة لفساد عمرته، وعليه أن يقيم الى الشهر الاخر فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم بعمرة » ومثلها معتبرة احمد بن ابي علي عنهعليه‌السلام .

وقد حاول بعض الاعلام المعاصرين استفادة صحة عمرته من أمره عليه

=

٨٥

الحل على الأحوط(١) ، والأحوط(٢) له إتمام العمرة الفاسدة أيضا.

____________________

=

السلام للرجل بان يقيم الى الشهر الاخر بدعوى انه لو كانت العمرة الاولى فاسدة فوجودها كالعدم فلا تمنع عن الاتيان بعمرة اخرى في شهرها، فالفساد في الرواية ليس بمعنى البطلان وإنما قلة الكمال والفضيلة.

وفيه: أنه لو كان كذلك لامرهعليه‌السلام باتمام عمرته الفاسدة ثم الاعادة، كالحج اذا جامع قبل الوقفين فان الاولى هي حجته والمعادة عقوبة له، وحيث ان الامامعليه‌السلام لم يأمر باتمامها - وهو في مقام البيان - فلا يمكن ان نحمل الفساد فيها على التجوز والعناية، مضافا الى أنه دام ظله بعد ذلك صرّح بعدم الدليل على اتمام العمرة الفاسدة.

(١) للامر بالخروج الى بعض المواقيت كما هو صريح الروايات المتقدمة، والظاهر أنها المواقيت الخمسة التي وقتها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والشاهد عليه مافي صحيحة مسمع من الخروج الى ميقات أهله، إلا ان احتمال شمولها لا دني الحل لكونه ميقاتا للعمرة المفردة لعله لايخلو من وجه، سيما اذا أحرم للعمرته الفاسدة منه فتأمل.

(٢) لعدم الاشارة اليه في النصوص مع أنها في مقام البيان، مضافا الى صحيحة ضريس عن رجل امر جاريته أن تحرم من الوقت فأحرمت ولم يكن هو أحرم، فغشيها بعدما أحرمت، قال: يأمرها فتغتسل، ثم تحرم ولاشيء عليه » إلا ان الاحتياط لايترك لقوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله )، ولعل الفساد في النصوص لابمعناه الاصطلاحي بل بمعنى النقصان في الكمال

=

٨٦

مسألة ٩١: إذا جامع المحلّ زوجته المحرمة، فإن كانت مطاوعة وجبت عليها كفارة بدنه، وإن كانت مكرَهة فلا شيء عليها(١) ووجبت الكفارة على زوجها على الاحوط(٢) ، بل الاحوط أن يغرم

____________________

=

والله العالم.

(١) تدل عليه جملة من النصوص.

(٢) قلت: المقطوع في كلام الاصحاب أن المحلّ اذا جامع أمته المحرمة بإذنه عليه بدنة أو بقرة أو شاة، تمسكا بموثقة ابن عمار قال: قلت لابي الحسنعليه‌السلام أخبرني عن رجل محل وقع على أمة له محرمة ؟ قال: موسراً أو معسراً ؟ قلت: أجبني فيهما، قال: هو أمرها أو لم يأمرها أو أحرمت من قبل نفسها ؟ قلت: أجبني فيهما، فقال: إن كان موسرا وكان عالما أنه لاينبغي له وكان هو الذي امرها بالاحرام فعليه بدنة، وإن شاء بقرة وإن شاء شاة، وإن لم يكن أمرها بالاحرام فلا شيء عليه مؤسرا كان أو معسرا، وإن كان أمرها وهو معسر فعليه دم شاة أو صيام » وحيث أنها في خصوص الأمة فإسراء الحكم الى الزوجة الحرة لعل فيه شائبة الاشكال.

إلا ان يقطع بعدم الخصوصية بالنسبة للكفّارة، ولعله كذلك لصحيحة معاوية عن ابي عبداللهعليه‌السلام - في حديث - قال: سألته عن رجل قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي، قال: عليه دم يهريقه من عنده » فإذا كانت القبلة كذلك ففي الجماع من باب أولى.

ويدل على خصوص المقام صحيحة ابي بصير قال: قلت لابي عبدالله

=

٨٧

الكفارة عنها في الصورة الاولى أيضا(١) .

مسألة ٩٢: إذا جامع المحرم امرأته جهلاً أو نسياناً صحت عمرته وحجه ولا تجب عليه الكفّارة، وهذا الحكم يجري في المحرمات الآتية التي توجب الكفّارة، بمعنى ان ارتكاب أي عمل على المحرم لا يوجب الكفّارة إذا كان صدوره منه ناشئاً عن جهل أو نسيان(٢) .

ويستثنى من ذلك موارد:

١ - ماإذا نسي الطواف في الحج أو العمرة حتى رجع الى بلاده

____________________

=

عليه‌السلام : رجل أحل من احرامه ولاتحل امرأته فوقع عليها، قال: عليها بدنة يغرمها زوجها » وجعلها سيد الفقهاء والمجتهدين في خصوص المُحرم الذي احلّ من احرامه، ولعل فيه تأمل لعدم الخصوصية بشهادة الموثقة السابقة، وكونها في الامة لايمنع التمسك بها في ثبوت الكفارة إذ لاخصوصية من هذه الجهة، نعم ماذهب اليه هو وجه الجمع بين موثقة عمار وصحيحة ضريس المتقدمة.

(١) لعدم التفصيل في صحيحة ابي بصير بين الاكراه والمطاوعة.

(٢) قال في المدارك: انه مذهب الاصحاب لانعلم فيه مخالفا، وفي الذخيرة انه المعروف من مذهبهم وفي الرياض لاخلاف فيه مطلقا، وتدل عليه الروايات الكثيرة.

٨٨

وواقع أهله.

٢ - ما إذا نسي شيئا من السعي في عمرة التمتع فأحل باعتقاد الفراغ منه.

٣ - من أمّرَ يده على رأسهِ أو لحيتهِ عبثاً فسقطت شعرة أو أكثر.

٤ - ما إذا ادّهن بالدهن الطيب او المطيّب عن جهل، ويأتي جميع ذلك في محالّها.

٣ - تقبيل النساء

مسألة ٩٣: لايجوز للمحرم تقبيل زوجته عن شهوة، فلو قبّلها كذلك وخرج منه المنيّ فعليه كفّارة بدنة(١) ، وإذا لم يخرج منه المنيّ فلا يبعد كفاية التكفير بشاة(٢) ، وإذا قبّلها لا عن شهوة وجبت عليه

____________________

(١) لقولهعليه‌السلام في صحيحة مسمع « يا ابا سيار إن حال المحرم ضيقة إن قبل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة، وإن قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر الله ».

(٢) واختاره ابن ادريس والديلمي وابن زهرة وهو مقتضى إطلاق الفقيه، لاشتراط الانزال في الجزور كما هو ظاهر الصحيحة المتقدمة، وذهب الاكثر الى كفاية التقبيل بشهوة في الجزور لمصححة البطائني قال: سألته عن

=

٨٩

الكفّارة على الاحوط(١) وهي شاة.

مسألة ٩٤: إذا قبّل المحلّ زوجته المحرمة فالاحوط أن يكفر بدم شاة(٢) .

٤ - مسّ النساء

مسألة ٩٥: لايجوز للمحرم أن يمسّ زوجته أو يحملها أو يضمّها

____________________

=

رجل قبّل امرأته وهو محرم ؟ قال عليه بدنة وإن لم ينزل، وليس له أن يأكل منها » ولذا توقف في المسألة سيد الفقهاء والمجتهدين الخوئي.

(١) وفاقا للنهاية والمبسوط والشرائع والقواعد وغيرها، لصدر الصحيحة المتقدمة، وفي قبالها رواية الحسين بن حماد قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام عن المحرم يقبل أمه قال: لاباس، هذه قبلة رحمة، انما تكره قبلة الشهوة » واسنادها غير نقي وفق المباني الرجالية المتشددة فلاحظ، ومع اعتبارها فهي وإن كانت في خصوص الأَم لكن قولهعليه‌السلام «انما تكره» بمثابة الضابطة الكلية فلا تغفل، والله العالم.

(٢) تشهد له صحيحة معاوية المتقدمة، وحسنة زرارة أنه سأل أبا جعفرعليه‌السلام عن رجل قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي قال: عليه دم يهريقه من عنده »، ولم يتعرض الاصحاب لمضمون هاتين الروايتين مما يشعر بإعراضهم عنهما، وإعراض الاصحاب جميعا يخدش في حجية الرواية، فالتوقف في الحكم في محله والله العالم.

٩٠

إليه عن شهوة، فإن فعل ذلك فأمنى أو لم يمنِ لزمته كفارة شاة، فإذا لم يكن المسّ والحمل والضمّ عن شهوة فلا شيء عليه(١) .

٥ - النظر إلى المرأة وملاعبتها

مسألة ٩٦: لايجوز للمحرم أن يلاعب زوجته، وإن فعل ذلك فأمنى لزمته كفّارة بدنة(٢) ، ومع العجز عنها فشاة(٣) ، وعليه أن

____________________

(١) ففي صحيحة الحلبي قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : المحرم يضع يده على امرأته، قال: لابأس، قلت: فينزلها من المحمل ويضمّها إليه، قال: لابأس، قلت: فإنه أراد أن ينزلهامن المحمل فلمّا ضمّها إليه أدركته الشهوة، قال: ليس علي شيء إلا أن يكون طلب ذلك.

(٢) تدل عليه صحيحة ابن الحجاج قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الرجل يعبث بأهله وهو محرم حتى يمني من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان، ماذا عليهما ؟ قال: عليهما جميعاً الكفارة، مثل ماعلى الذي يجامع » وكفارة الجماع بدنة.

(٣) لقولهعليه‌السلام في صحيحة علي بن جعفر « فمن رفث فعليه بدنة ينحرها فإن لم يجد فشاة ».

٩١

يجتنب النظر إليها بشهوة إذا كان مستتبعاً للإمناء(١) بل مطلقا على الاحوط الأولى(٢) .

ولو نظر إليها بشهوة فأمنى وجبت عليه الكفارة(٣) على الأحوط وهي بدنة.

وإذا نظر إليها بشهوة ولم يمنِ، أو نظر إليها بغير شهوة فأمنى فلا

____________________

(١) وهو واضح، فاذا امنى وجبت عليه الكفارة، ففي صحيحة مسمع عنهعليه‌السلام « ومن نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور».

(٢) خروجا عن موضع الخلاف، اذ صرح جماعة بتحريم النظر بشهوة أيضا، بل في الحدائق انه مما لاخلاف فيه، والمستند غير واضح الدلالة، والله العالم.

(٣) وفاقا للأكثر واختاره السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته، تمسكاً بصحيحة معاوية عنهعليه‌السلام في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتى ينزل، قال: عليه بدنة» وصحيحة مسمع عنهعليه‌السلام قال: ومن نظر الى إمرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور»، وفي قبالها موثقة اسحاق عنهعليه‌السلام في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى، قال: ليس عليه شيء » وقد حملها الشيخ على صورة السهو لا العمد، وحملها في المعتمد على التقية، والعجب من بعض الاعلام توقفه في وجوب الكفارة - بل نفى البعد عن عدمها - مع انه في موضع آخر صرح بانه لاخصوصية للنظر او الخيال او اللعب وإنما الكفارة مترتبة على الامناء.

٩٢

كفارة عليه(١) .

مسألة ٩٧: إذا نظر المحرم إلى غير أهله نظراً لايحلّ له، فإن لم يمنِ فلا كفارة عليه، وإن أمنى وجبت عليه الكفارة، والاحوط إن كان موسراً أن يكفر ببدنة، وإن كان متوسط الحال أن يكفر ببقرة(٢) ، وأما الفقير فتجزئه الشاة على الاظهر(٣) .

مسألة ٩٨: يجوز استمتاع المحرم من زوجته بالتحدث إليها

____________________

(١) يدل على الشق الاول صحيحة الحلبي قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : المحرم ينظر الى امرأته وهي محرمة، قال: لابأس » فهي باطلاقها تشمل ما إذا نظر اليها بشهوة، مضافا الى انه لادليل على الحرمة.

وعلى الثاني صحيحة الحلبي المتقدمة «ليس عليه شيء إلا أن يكون طلب ذلك » وصحيحة مسمع « ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى عليه جزور » والظاهر أنها لامفهوم لها.

(٢) على المشهور، وتشهد له موثقة ابي بصير قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : رجل محرم نظر الى ساق امرأة فأمنى ؟ فقال: إن كان موسراً فعليه بدنة، وإن كان وسطا فعليه بقرة، وإن كان فقيرا فعليه شاة » ولعل منشأ احتياط الماتن دام ظله صحيحة معاوية في محرم نظر الى غير أهله فأنزل، قال: عليه دم لانه نظر الى غير مايحل له، وإن لم يكن أنزل فليتق الله ولا يعد، وليس عليه شيء » وهي مقيدة بالموثقة الصريحة في التفصيل.

(٣) تدل عليه الموثقة المتقدمة.

٩٣

ومجالستها ونحو ذلك(١) ، وإن كان الأحوط ترك الاستمتاع منها مطلقا(٢) .

٦ - الإستمناء

مسألة ٩٩: الاستمناء(٣) على أقسام:

١ - الاستمناء بدلك العضو التناسلي باليد أو غيرها، وهو حرام مطلقا(٤) ، وحكمه في الحج حكم الجماع، وكذا في العمرة المفردة على الاحوط، فلو استمنى كذلك في إحرام الحجّ قبل الوقوف بالمزدلفة وجبت عليه الكفارة، ولزمه إتمامه وإعادته في العام

____________________

(١) اذ الاستمتاع بالنساء منصرف الى ما وقع في اسئلة الرواة من النظر والملاعبة واللمس والتقبيل، لا ما كان من الاستماع بالتحدث معها ومجالستها، ولو كان لَظهر في أسئلتهم·

(٢) لاحتمال صدق الاستمتاع المحرم عليها، والاحتياط حسن على كل حال·

(٣) قال في المصباح استمنى الرجل استدعى منيَّه بأمر غير الجماع حتى دفق.

(٤) على المحرم والمحل.

٩٤

القابل(١) ، ولو فعل ذلك في عمرته المفردة قبل الفراغ من السعي وجبت عليه الكفارة(٢) ، وإتمام العمرة وإعادتها في الشهر اللاحق على الأحوط(٣) .

٢ - الاستمناء بتقبيل الزوجة أو مسها أو ملاعبتها أو النظر إليها، وحكمه ماتقدم في المسائل السابقة.

٣ - الاستمناء بالاستماع إلى حديث امرأة أو نعتها أو بالخيال أو

____________________

(١) يشهد له مارواه الكليني والشيخ عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن عمرو بن عثمان عن صباح عن اسحاق بن عمار عن ابي الحسنعليه‌السلام قال: قلت له: ماتقول في محرم عبث بذكره فأمنى ؟ قال: أرى عليه مثل ماعلى من اتى أهله وهو محرم بدنة والحج من قابل » والتوقف في سندها لكون الراوي عن اسحاق مردّد بين الثقة وغيره، في غير محله اذ هو صباح بن صبيح الحذاء ثقة عين، وقد صرح باسمه عمرو ابن عثمان في عدة مواضع من التهذيب فراجع.

(٢) لصحيحة ابن الحجاج قال: سألت ابا الحسنعليه‌السلام عن الرجل يعبث بأهله وهو محرم حتى يمني من غير جماع، او يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما ؟ قال: عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع.

(٣) وجزم به السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته، ولعل منشأ الاحتياط كون موثقة اسحاق المتقدمة في خصوص الحج، والله العالم.

٩٥

ما شاكل ذلك، وهذا محرم على المحرم أيضا، ولكن الاظهر عدم ثبوت الكفارة عليه بسببه(١) .

٧ - عقد النكاح

مسألة ١٠٠: يحرم على المحرم التزويج لنفسه، أو لغيره، سواء أكان ذلك الغير محرماً او محلاً، وسواء أكان التزويج تزويج دوام أم كان تزويج انقطاع، ويفسد العقد في جميع هذه الصور(٢) .

مسألة ١٠١: إذا عُقد لمحرم أمرأة فدخل بها، فعلى كل من العاقد

____________________

(١) ومستند ذلك موثقة ابي بصير قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل يسمع كلام امرأة من خلف حائط وهو محرم، فتشاهي حتى انزل، قال: ليس عليه شي » وفي موثقة سماعة عن ابي عبداللهعليه‌السلام في المحرم تنعت له المرأة الجميلة الخلقة فيمني، قال: ليس عليه شيء » وفي رواية عنه عن ابي عبداللهعليه‌السلام في محرم استمع على رجل يجامع أهله فامنى، قال: ليس عليه شيء » فمع هذه النصوص كيف يمكن ان يلتزم بوجوب الكفارة !!

(٢) ففي صحيحة ابن سنان عنهعليه‌السلام « ليس للمحرم أن يتزوج ولايزوج، فان تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل ».

٩٦

والرجل والمرأة كفارة بدنة، إذا كانوا عالمين بالحال - حكما وموضوعا - وإذا كان بعضهم عالما دون البعض فلا كفارة على الجاهل، ولافرق فيما ذكر بين أن يكون العاقد والمرأة محلين او محرمين(١) .

مسألة ١٠٢: لا يجوز للمحرم أن يشهد عقد النكاح ويحضر وقوعه على المشهور(٢) ، والأحوط الأولى أن يجتنب أداء الشهادة عليه

____________________

(١) تشهد له موثقة سماعة عنهعليه‌السلام : لاينبغي للرجل الحلال أن يزوج محرماً وهو يعلم أنه لايحل له، قلت: فان فعل فدخل بها المحرم، قال: إن كانا عالمين فإن على كل واحد منهما بدنة، وعلى المرأة إن كانت محرمة بدنة، وإن لم تكن محرمة فلا شيء عليها إلا أن تكون قد علمت أن الذي تزوجه محرم، فان كانت علمت ثم تزوجته فعليها بدنة.

(٢) قال في الجواهر بلا خلاف محقق أجده فيه، بل في المدارك نسبته إلى قطع الاصحاب، بل عن الغنية الاجماع عليه، بل عن الخلاف دعواه صريحا انتهى، ومستنده مرسلة ابن ابي شجرة عمن ذكره عن ابي عبداللهعليه‌السلام في المحرم يشهد على نكاح محلّين قال: لايشهد » ومرسلة الحسن بن علي بن فضال عن بعض أصحابنا عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: المحرم لايَنكح ولايُنكح ولايشهد ولايخطب، فإن نكح فنكاحه باطل »، وقال في الخلاف: دليلنا إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال « لاينكح المحرم، ولاينكح ولايشهد »، قلت والحديث رواه

=

٩٧

أيضا وإن تحملها محلا(١) .

مسألة ١٠٣: الأحوط الأولى أن لايتعرض المحرم لخطبة النساء(٢) ، نعم يجوز له الرجوع إلى مطلقته الرجعية، كما يجوز له طلاق زوجته.

٨ - استعمال الطيب

مسألة ١٠٤: يحرم على المحرم استعمال الطيب شماً وأكلاً وإطلاءاً وصبغاً وبخوراً، وكذلك لبس مايكون عليه أثر منه، والمراد بالطيب كل مادة يطيب بها البدن أو الثياب أو الطعام أو غيرها، مثل المسك والعنبر والورس والزعفران ونحوها، حتى العطور المتعارفة - كعطر الورد والياس والرازقي ومايشبهها - على الاظهر(٣) .

____________________

=

مسلم ومالك وابو داود والنسائي وابن حنبل، وذهب الشافعي الى جوازه.

(١) لاحتمال كون لفظة «لايشهد» تشمل الحضور وإقامة الشهادة.

(٢) يشهد له مرسل ابن فضال والنبوي المتقدمان.

(٣) وفاقا للاكثر، تمسكاً بالنصوص الكثيرة الناهية عن التلذذ بالرائحة الطيبة، ففي صحيحة معاوية « لاتمس شيئا من الطيب وانت محرم ولامن الدهن وامسك على انفك من الريح الطيبة، ولاتمسك عليه من الريح المنتنة،

٩٨

فإنه لاينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة » ومثلها في الذيل صحيحة الحلبي، وفي صحيحة حريز « ولايمس المحرم شيئا من الطيب ولا الريحان ولايتلذذ به» وقولهعليه‌السلام في صحيحة هشام: لابأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ولايمسك على أنفه » وغيرها.

والقول الاخر تخصيص الحرمة بأربعة وهي: المسك والعنبر والزعفران والورس، وقول ثالث بإضافة الكافور والعود.

وعمدة مستمسكهم تكملة صحيحة معاوية المتقدمة « واتق الطيب في زادك، فمن ابتلي بشيء من ذلك فليعد غسله وليتصدق بصدقة بقدر ماصنع، وإنما يحرم عليك من الطيب اربعة أشياء: المسك والعنبر والورس والزعفران، غير أنه يكره للمحرم الادهان الطيبة إلا المضطر إلى الزيت أو شبهه يتداوى به » فهي صريحة في ان المحرم من الطيب أربعة، وقولهعليه‌السلام «غير انه يكره» هي الكراهة الاصطلاحية للمقابلة بينها وبين الحرمة.

وصحيحة ابن ابي يعفور عنهعليه‌السلام قال: الطيب: المسك والعنبر والزعفران والعود.

إلا أنهما غير كافيتين لتقييد مطلقات الاخبار لكثرتها، والحصر في الاربعة انما هو حرمة الاستعمال مطلقا، أكلاً وشماً وصبغاً وبخوراً، أما في بقية الامور التي لها رائحة طيبة - كالادهان الطيبة والفواكه - فليس المحرّم فيها إلا الشم والتلذّذ برائحتها، والشاهد أن الامامعليه‌السلام بعد أن اسّس ضابطة كلية « لاينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة » والريح الطيبة أعم من الطيب - المسك والعنبر والورس والزعفران - والالتذاذ بها لايكون إلا عبر الشم، ذكر

٩٩

ويستثني من الطيب خلوق الكعبة وهو طيب كان يتخذ من الزعفران وغيره ويطلى به الكعبة المعظّمة، فلا يجب على المحرم أن يجتنب شمَّه وإصابته لثيابه وبدنه، وإن أصابهما لم تجب إزالته بغسل أو نحوه(١) .

مسألة ١٠٥: يحرم على المحرم شمَّ الرياحين(٢) وهي نباتات تفوح منها رائحة طيبة وتتخذ للشم، سواء التي يصنع منها الطيب - كالياسمين والورد - وغيرها، ويستثني منها بعض أقسامها البرية كالشيح والقيصوم والخزامي والأذخر وأشباهها، فإنه لابأس بشمّها على الاظهر(٣) .

____________________

=

حكماً آخراً مرتبطاً بالطيب - الاربعة - فقال «واتق الطيب في زادك»، فقوله «وإنما يكره عليك...» من حيث الاكل لامن حيث الشم والله العالم.

(١) تشهد له صحيحة ابن سنان قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم، قال: لابأس ولايغسله فانه طهور.

(٢) لصحيحة ابن سنان عنهعليه‌السلام « لاتمس الريحان وانت محرم ولاتمس شيئا فيه زعفران، ولاتأكل طعاما فيه زعفران» والظاهر ان قوله «لاتمس» بالنسبة للريحان هو في خصوص الشم ولو كان مطلقا لكان افراده الزعفران بالنسبة للاكل لغوا.

(٣) تدل عليه صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: لابأس أن تشمّ

=

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

جمادى الأولى إلى واسط الأمير محمد بن بوقا التُّركماني؛ فمَلكها وأخرج منها أصحاب صدقة، وأنفذ خيله إلى بلد قوسان مِن أعمال صدقة فنهبه. وأقام أيَّاماً حتَّى بعث صدقة ابن عمه ثابت بن سلطان في عسكرٍ؛ فخرج منها الأمير محمد، ومَلكها ثابت وأقاموا على دجلة. وخرج ثابت لقتاله فهزموه واقتحموا البلد، ومنعهم الأمير محمد مِن النهب، ونادى بالأمان. وأمر السلطان الأمير محمداً بنَهب بلاد صدقة، فسار إليها وأقطع مدينة واسط لقسيم الدولة البُرسقي. ثُمَّ سار السلطان مِن بغداد آخر رجب، ولقيه بالناشرة بالعرب ورغَّب الأكراد بالمواعد، ثُمَّ غَشيه التُّرك فحَمل عليهم وهو ينادي: أنا مَلِك العرب أنا صدقة؛ فأصابه سهم أثبته، وتَعلَّق به غلام تركي يسمى برغش فجذبه إلى الأرض، فقال: يا برغش ارفِق؛ فقتله وحمل رأسه إلى السلطان فأنفذه إلى بغداد، وأمر بدفن شلوه، وقُتِل مِن أصحابه ثلاثة آلف أو يَزيدون، ومِن بني شيبان نحو مائة وأُسر ابنه دبيس، ونجا ابنه بدران إلى الحِلَّة، ومنها إلى البطيحة عند صِهره مُهذّب الدولة، وأُسر سرجان ابن كيخسرو المُستجير بصدقة على السلطان، وسعيد بن حميد العمدي صاحب الجيش. وكان مَقتل صدقة لإحدى وعشرين سنة مِن إمارته، وهو الذي بنى الحِلَّة بالعراق. وكان قد عظُم شأنه، وعلا قدره بين المُلوك، وكان جَواداً حليماً صدوقاً عادلاً في رعيَّته، وكان يَقرأ ولا يكتب وكانت له خُزانة كتب مَنسوبة الخطِّ ألوف مُجلَّدات. ورجع السلطان إلى بغداد مِن دون الحِلَّة، وأرسل أماناً لزوج صدقة، فجاءت إلى بغداد. وأمر السلطان الأُمراء بتلقِّيها وأطلق لها ولدها دُبيساً، واعتذر لها مِن قتل صدقة، واستحلف دُبيساً على الطاعة وأنْ لا يُحدِث حَدثاً وأقام في ظلِّه وأقطعه إقطاعاً كثيراً. ولم يَزل دُبيس مُقيماً عند السلطان محمد إلى أنْ تُوفِّي، وملك ابنه محمود سنة إحدى عشرة، فرغب دُبيس مِن السلطان محمود أنْ يُسرِّحه إلى بلده؛ فسرَّحه وعاد إليها فمَلكها. واجتمع عليه خَلق كثير مِن العرب والأكراد واستقام أمره.

خبر دُبيس مع البُرسقي ومع الملك مسعود

لما تُوفِّي الخليفة المستظهر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة وبويع ابنه

٣٢١

المسترشد، خاف ابنه الآخر مِن غائلة أخيه، وانحدر في البحر إلى المدائن وسار منها إلى الحلَّة، فأبى أنْ يكرهه، فتلطَّف علي بن طراد لأخي الخليفة، فأجاب وتكفَّل دُبيس بما يطلبه. وبينما هو في خلال ذلك برز البُرسقي من بغداد مُجلِباً على دُبيس الجموع، وسار أخو الخليفة إلى واسط فملَكها في صفر سنة ثلاث عشرة وخمسمائة؛ وقوي أمره وكثُرت جموعه، فبعث الخليفة إلى دُبيس في شأنه وأنَّه خرج عن جِواره؛ فلقي أمره بالطاعة؛ وبعث إليه وهو باسط عسكراً مِن قبله فتلقَّاه، وقبض عليه وبعثه إلى أخيه المسترشد. وكان مسعود أخو السلطان محمد بالموصل ومعه اتابكه جيوس بك فاعتزما على قصد العراق لغيبة السلطان محمود عنه. فسار لذلك ومعه وزيره فخر الملك أبو علي بن عمار صاحب طرابلس وقسيم الدولة زنكي بن أَقسنقر أبو المعالي أبو الملك العادل وكروباوي بن خراسان التُّركماني صاحب البوازيج وأبو الهيجاء صاحب أربل وصاحب سنجار. فلما قاربوا بغداد خاف البُرسقي شأنهم وبعث إليه الملك مسعود وجيوس بك انهم إنما جاءوا نجدة على دُبيس. وكان البُرسقي إنَّما ارتاب مِن جيوس بك فصالحهم. ودخل مسعود بغداد ونزل دار المَملكة، وجاء منكبرس في العساكر، فسار البُرسقي مِن بغداد لمحاربته ودفاعه، فمال إلى النعمانية وعبر دجلة واجتمع مع دُبيس بن صدقة وكان دُبيس قد صانع مسعوداً وصاحبه بالهدايا والألطاف مدافعة عن نفسه، فلما لقيه منكبرس اعتضد به. وسار الملك مسعود والبُرسقي وجيوس بك إلى المدائن للقائهما، ثم خاموا عن لقائهما لكثرة جموعهما، ونكبوا عن المدائن وعبروا نهر صرصر، وأكثروا النهب في تلك النواحي مِن الطائفتين. وبعث إليهما المسترشد بالمَوعظة، ويأمرهم بالموادعة والمصالحة، فأجابوا إلى ذلك. ثُمَّ بلغهم أنَّ دُبيساً ومنكبرس قد بعثا العساكر مع منصور أخي دُبيس حسين بن أوزبك ربيب منكبرس ليخالفوهم إلى بغداد، فخلوها من الحامية. فأغذ البُرسقي السير إلى بغداد وترك ابنه عز الدين مسعود على العسكر، وصحبه عماد الدين زنكي بن آقسنقر وانتهى إلى ديالي، ومنع العسكر مِن العبور. ثُمَّ جاءه الخبر ليومين بصِلح الفريقين كما أشار الخليفة، ففتر نشاطه وعبر إلى الجانب الغربي مِن بغداد، وجاء في أثره منصور أخو دُبيس وحسين ربيب منكبرس، فنزلا في الجانب الشرقي مِن بغداد. وأغار البُرسقي على نعم

٣٢٢

الملك مسعود فأخذها، وعاد فخيَّم بجانب آخر مِن بغداد، وخيَّم مسعود وجيوس بك مِن جانبٍ آخر، ودُبيس ومنكبرس مِن جانبٍ ومعهما عِزُّ الدولة بن البُرسقي مُنفرداً عن أبيه. وكان جيوس بك قد بعث إلى السلطان مَحمود بطلب الزيادة له وللملك مسعود، فجاء كتاب مع رسوله يذكر أنَّ السلطان كان اقطعهم آذربيجان حتَّى إذا بلغه مَسيرهم إلى بغداد تثاقل عن ذلك، وقد جهَّز العساكر إلى الموصل. ووقع الكتاب بيد منكبرس؛ فبعث إلى جيوس بك وضَمن له إصلاح الحال وكان يؤثِر مصلحته؛ إذ كان مُتزوِّجاً بأمِّه. فتَمَّ الصلح وافترق عن البُرسقي أصحابه، وبطل ما كان يحدّث به نفسه مِن الاستبداد بالعراق، وصار مع الملك مسعود واستقرَّ منكبرس شحنة ببغداد، ورجع دُبيس إلى الحلَّة.

فتنة دُبيس مع السلطان محمود

كان دُبيس بن صدقة كثيراً ما يُكاتب جيوس بك أتابك الملك مسعود، ويغريهم بطلب السلطنة ويعدهم بالمساعدة ليحصل له بذلك علوُّ اليد كما كان لأبيه مع بركيارق ومحمد ابني ملك شاه، وكان قسيم الدولة البُرسقي شحنة بغداد قد سار للملك مسعود وأقطعه مراغة مع الرحبة، وكانت بينه وبين دُبيس عداوة مُستحكمة، فأغراهم دُبيس بالقبض عليه، ففارقهم البُرسقي إلى السلطان محمود فأكرمه. ثُمَّ اتصل الاستاذ أبو إسماعيل الحسين بن علي الأصفهاني الطغرائي بالملك مسعود، وكان ولده أبو المؤيَّد محمد يكاتب الطغرائي عن الملك مسعود. فلمَّا وصل أبوه عزل أبا علي بن عمار صاحب طرابلس واستوزره، وحسن لهم ما أشار به دُبيس، فعزموا عليه، ونُمي الخبر إلى السلطان محمود، فكاتبهم بالوعيد، فأظهروا أمرهم وخطبوا للملك مسعود بالسلطنة وضربوا له النوب الخمس، وبلغهم أنَّ عساكر محمود مُتفرِّقة، فأغذُّوا السير لمُحاربته والتقوا عند عقبة استرآباد في ربيع سنة أربع عشرة وأبلى البُرسقي وكان في مقدَّمته. ثُمَّ انهزم مسعود وأُسر كثير مِن أصحابه وجيء بالوزير أبي إسماعيل الطغرائي فأمر بقتله لسنةٍ مِن ولايته. وسار مسعود يَطلب الموصل بعد أنْ استأمن البُرسقي، وأدركه فرده إلى أخيه وعفا عنه وعطف عليه. ولحق جيوس بك بالموصل، ثُمَّ بلغه فعل السلطان محمود ومعه ألف سفينة لعبوره، فبادر دُبيس لطلب الأمان

٣٢٣

بعد أنْ أرسل حُرَمه إلى البطيحة، وسار بأمواله عن الحلَّة وأمر بنهبها ولحق بإيلغازي بن أرتق بماردين. ووصل السلطان إلى الحلَّة؛ فوجدها خاويةً على عروشها فرجع عنها. وأرسل دُبيس أخاه منصوراً مِن قلعة صَفد في عسكر إلى العراق بالحلَّة والكوفة، وانحدر إلى البصرة وبعث إلى يرنقش الزكوي في صلاح حالهما مع السلطان محمود، فقبض على منصور أخي دُبيس وولده، وحبسهما ببعض القلاع حِذاء الكرخ، ثُمَّ أذِنَ دُبيس لجماعةٍ مِن أصحابه بالمسير إلى أقطاعهم بواسط، فمنعهم أتراك واسط، فبعث إليهم عسكراً مع مهلهل بن أبي العسكر. وأمر مظفر بن أبي الخير فساعده واستمد أهل واسط البُرسقي فأمدهم بعسكر. وسار مهلهل للقائهم قبل مجيء المظفر، فهُزِم وأُخِذ أسيراً في جماعةٍ مِن أصحابه، وأصعد المظفر مِن البطيحة يَنهب ويُفسد حتَّى قارب واسط. وسمع بالهزيمة فأسرع مُنحدراً ووقع على كتاب بخط دُبيس إلى مهلهل يأمره بالقبض على مظفر بن أبي الخير ومطالبته بالأموال. فبعثوا به إلى المظفر وسار معهم، وبلغ دُبيساً أنَّ السلطان كحل أخاه؛ فلبس السواد ونهب البلاد وأخذ للمسترشد بنهر الملك. وأجفل الناس إلى بغداد، وسار عسكر واسط إلى النعمانيَّة فأوقعوا بمن هنالك مِن عساكر دُبيس وأجلوهم عنها. وكان دُبيس قد أُسر في واقعة البُرسقي عفيفاً خادم الخليفة فأطلقه وحمله إلى المسترشد عقاباً ووعيداً على كحل أخيه، فغضب الخليفة وتقدم إلى البُرسقي بالخروج لحرب دُبيس، وخرج بنفسه في رمضان سنة عشرة وأربعمائة وأتاه سليمان بن مُهارش مِن الحديثة في جماعة مِن بني عقيل وقريش بن مسلّم صاحب الموصل في كافَّة بني عقيل، وأمر المسترشد باستنفار الجند كافَّة، وفرَّق فيهم الأموال والسلاح. وجاء دُبيساً ما لم يَكُن يحتسبه، فرجع إلى الاستعطاف، وبرز الخليفة آخر ذي الحجَّة، وعبر دجلة وهو في أكمل زيِّه ومعه وزيره نظام الدين أحمد بن نظام الملك ونَقيب الطالبيين ونَقيب النُّقباء علي بن طراد وشيخ الشيوخ صدر الدين إسماعيل. وبلغ البُرسقي سَيرَ المسترشد؛ فعاد إلى خدمته ونزل معه بالحديثة، ثُمَّ سار إلى الموصل على سبيل التعبيَّة، والبُرسقي في المقدِّمة، وعبئ دُبيس أصحابه صفَّاً واحداً وجعل الرجَّالة بين يدي الخيَّالة، وقد كان وَعَد أصحابه بنهب بغداد وسبي حريمها. فالتقى الفريقان، فانهزم عساكر دُبيس وأسر جماعة مِن أصحابه فقُتِلوا صبراً

٣٢٤

وسُبيت حرمه، ورجع المسترشد إلى بغداد يوم عاشوراء مِن سنة سبع عشرة وخمسمائة، ونجا دُبيس وعبر الفرات وقصد غزنة مِن عرب نَجد مُستنصراً بهم، فأبوا عليه؛ فسار إلى المُنتفق وحالفهم على أخذ البصرة، فدخلوا ونهبوا أهلها وقتل مُقدَّم عسكرها. وبعث المسترشد إلى البُرسقي بالعِتاب على إهمال أمر البصرة، فتجهَّز البُرسقي للانحدار إليها، ففارقها دُبيس ولحق بقلعة جعبر، وصار مع الفرنج وأطمعهم في حَلب، وسار معهم لحصارها سنة ثمان عشرة وخمسمائة، فامتنعت عليهم، فعادوا عنها، ولحق هو بالملك طغرلبك ابن السلطان محمد، فأغراه بالمسير إلى العراق.

مسير دُبيس إلى الملك طغرل

لمَّا سار دُبيس مِن الشام إلى الملك طغرل بأذربيجان تلقَّاه بالمبرَّة والتكرمة، وأنظمه في خواصِّه ووزرائه، وأغراه دُبيس بالعراق وضَمن له مُلكه؛ فسار معه لذلك وانتهوا إلى دقوقا في عساكر كثيرة. وكتب مجاهد الدين بهروز صاحب تكريت إلى المسترشد بالخبر؛ فتجهَّز لمدافعتهم وجمع العساكر فبلغوا اثني عشر ألف فارس، وبرز مِن بغداد في صَفَر سنة تسع عشرة وخمسمائة وفي مقدِّمته برتقش الزكوي ونزل الخالص. وانتهى إلى طغرل خروج المسترشد، فعدل إلى طريق خراسان، ونزل جلولاء وتفرَّق أصحابه للنهب. وبرز إليه الوزير جلال الدين بن صدقة في عساكر كثيرة، فنزل الدسكرة ولحقه المسترشد وكان معه. ورحل طغرل ودُبيس إلى الهارونيَّة، ثُمَّ سارا إلى تامرا ليَقطعا جِسر النهروان، فحفظ دُبيس المعابر، وتقدَّم طغرل إلى بغداد وتَملَّكها ونهبها. ثُمَّ رحل دُبيس مِن تامرا، وأقام طغرل لحُمَّى أصابته وحالت بينهما الأمطار والسيول، ثُمَّ أخذ دُبيس ثِقلاً جاء للخليفة فيه ملبوس وطعام كثير، وكان لحِقه الجوع والتعب والبرد، فأخذ مِن ذلك الملبوس ولبسه، وأكل مِن الطعام كثيراً واستقبل الشمس فأخذه النوم ورقد. وأما الخليفة لمَّا بلغه الخبر بأخذ الثقل رجع إلى بغداد، ففي حال سيره عثر على دُبيس وهو نائم فوقف وأيقظه، فحلَّ عينيه ورأى الخليفة؛ فبادر بتقبيل الأرض على العادة وسأل العفو، فرقَّ له الخليفة، وثناه الوزير ابن صدقة عن ذلك. ووقف دُبيس إزاء عسكر برتقش يحادثهم، ثُمَّ مدُّوا الجسر آخر النهار للعبور، فتسلَّل دُبيس عنهم ولحق

٣٢٥

بالملك طغرل، وسار معه إلى عمِّه الملك سنجر. وعاثوا في أعمال هَمَذان، واتبعهم السلطان محمود فلم يظفر بهم.

مسير دُبيس إلى السلطان سنجر

لمَّا أيَّس طغرل مِن مُلك العراق عندما سار إليه مع دُبيس عاد منه، وسار هو ودُبيس إلى السلطان سنجر، وهو يومئذٍ صاحب خراسان والمُتقدِّم على بني ملك شاه، فشكى إليه طغرل ودُبيس مِن المسترشد وبرتقش الشُّحنة ووعدهم النصفة منهم. ثُمَّ داخله دُبيس وأطمعه في مُلك العراق، وخَيَّل له أنَّ المسترشد والسلطان محموداً مُتَّفقان على مباعدته، ولم يَزل يَفتِل له في الذروة والغارب حتَّى حَرَّك حفيظته لذلك، وسار إلى العراق سنة ثنتين وعشرين وخمسمائة، فوصل إلى الري واستدعى السلطان محموداً مِن هَمَذان يَختبر ما خَيَّل له دُبيس. فجاء محمود مُبادراً وأكذب دُبيساً فيما خَيَّل، وأمر السلطان سنجر العساكر بتلقِّي السلطان محموداً، وأجلسه معه على التخت وأقام عنده إلى آخر سنة ثنتين وعشرين وخمسمائة. ثُمَّ عاد إلى خراسان وأوصاه بإعادة دُبيس إلى بلده، فرجع السلطان محمود إلى هَمَذان ودُبيس معه. ثُمَّ سار إلى بغداد في مُحرَّم سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، وأنزل دُبيس بداره واسترضى له الخليفة، فرضي عنه، وامتنع مِن ولايته. وبذل دُبيس مائة ألف دينار لذلك فلم يَقبله. وعاد السلطان محمود إلى هَمَذان مُنتَصف السنة.

فتنة دُبيس مع محمود وأسره

كانت زوجة السلطان محمود وهي ابنة عمِّه سنجر تُعنى بأمر دُبيس، فماتت عند رحيل السلطان إلى هَمَذان، فانحلَّ أمره ثُمَّ مَرِض السلطان، فأخذ دُبيس ابنه الصغير وقصد العراق. فجمع المسترشد لمدافعته وكان بهروز شُحنة بغداد بالحلَّة، فهرب عنها، ومَلكها دُبيس في رمضان سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة. وبلغ الخبر إلى السلطان محمود؛ فأحضر الأمير ابن قزل والأحمديلي، وكانا ضَمنا دُبيساً فطالبهما بالضَمان، فسار الأحمديلي في أثره. وجاء السلطان إلى العراق، فبعث إليه دُبيس بهدايا عظيمة كان فيها مائتا ألف دينار وثلاثمائة فرس بسروج مُثقلَّة بالذهب. ثُمَّ

٣٢٦

جاء إلى البصرة، ونهبها وأخذ ما في بيوت الأموال، وبعث السلطان في أثره العساكر، فدخل البرية وجاءه عند مُفارقته البصرة قاصداً مِن صرصر يستدعيه. وكان صاحبها خِصيَّاً. فتُوفِّي في هذه السنة وخلف سَريَّةً له، فاستولت على القلعة، وأرادت أنْ تُتِمَّ أمرها برجل له قوَّة ونَجدة، فوصف لها دُبيس وحاله في العراق وكَثرة عشيرته. فكتبت تستدعيه لتتزَّوج به وتُملِّكه القلعة بما فيها، فلحقه الكتاب بعد مُفارقته البصرة، وقَفل مِن العراق إلى الشام ومعه الأدلاَّء، ومَرَّ بدمشق فحبسه واليها عنده، وبعث فيه عماد الدين زنكي وكان عدوه، وكان عنده ابن تاج الملوك مأسوراً في واقعةٍ كانت بينهما. فطلب أنْ يَبعث إليه دُبيساً ويفادي به ابنه والأمراء الذين معه؛ ففعل ذلك تاج الملوك. وحصل دُبيس في يد زنكي وقد أيقن بالهلاك، فأطلقه زنكي وحمل له الأموال والدواب والسلاح وخزائن الأمتعة كما يَفعل مع أكابر الملوك. وبلغ المسترشد خبره؛ فبعث سديد الدين ابن الانباري يطلبه مِن تاج الملوك؛ فسار لذلك مِن جزيرة ابن عمر، وبلغه في طريقه أنَّه بعثه إلى زنكي وأنَّه فاته القصد منه.

مسير دُبيس إلى بغداد مع زنكي وانهزامهما

لمَّا تُوفِّي السلطان محمود سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وولي بعده داود، ونازعه عمومته مسعود وسلجوق. ثُمَّ استقرت السلطنة لمسعود، وكان أخوهما طغرل عند عمِّه سنجر بخراسان، وكان كبير بيت أهل السلجوقيَّة وله الحُكم على مُلوكهم. فنكَّر على السلطان محمود لقتاله سلجوق وطغرل، وسار به إلى العراق وانتهى إلى هَمَذان، وبعث إلى عماد الدين زنكي، فولاَّه شُحنة بغداد وإلى دُبيس بن صدقة، وهو عند زنكي فأقطعه الحلَّة. وتجهَّز السلطان محمود لقتال سنجر وطغرل، واستدعى الخليفة للحضور معه، فخرج مِن بغداد وعاجلهم. ورجع المسترشد إلى بغداد. وقد سمع بوصول زنكي ودُبيس، فلقيهم بالعباسيَّة فهزمهم وقتل مِن عسكرهم ودخل بغداد. وسار دُبيس إلى بلاد الحلَّة وكانت بيد إقبال المسترشد، فبعث إليها بالمَدد، فهزموا دُبيساً ونَجا مِن المعركة. ثُمَّ جمع جَمعاً وقصد واسط وانضمَّ إليه عسكرها وابن أبي الخير صاحب البطيحة، ومَلكها إلى سنة سبع وعشرين، فبعث إقبال الخادم وبرتقش الشُّحنة العساكر

٣٢٧

إلى دُبيس، فلقيهم في عسكر واسط، وانهزم وسار إلى السلطان مسعود فأقام عنده.

مقتل دُبيس وولاية ابنه صدقة

لم يَزل دُبيس مُقيماً عند السلطان مسعود إلى أنْ حدثت الفتنة بينه وبين المسترشد، ومات أخوه طغرل. وسار مسعود إلى هَمَذان بعد موت أخيه طغرل، فمَلكها وفارقه جماعة مِن أعيان أُمرائه ومعهم دُبيس بن صدقة مُستوحشين منه، واستأمنوا الخليفة، فحذَّر من دُبيس ولم يَقبلهم، فمضوا إلى خوزستان واتَّفقوا مع بُرسق بن بُرسق. ثُمَّ تدارك الخليفة رأيه وبعث إلى الأُمراء الذين مع دُبيس بالأمان، وكانوا لمَّا ردَّهم الخليفة بسبب دُبيس أجمعوا القَبض عليه وخدمة الخليفة به، وشَعَرَ بهم وهرب إلى السلطان مسعود، وبرز الخليفة مِن بغداد في رجب مِن سنة تسع وعشرين وخمسمائة لقتال مسعود، وكتب إليه أكثر أهل الأعمال بالطاعة. وأرسل إليه داود بن السلطان محمود مِن أذربيجان بأنْ يَقصد المُسترشد الدينور ليَحضر داود حربه أبى، وسار على التعبئة حتَّى بلغ وأعرج، فالتقوا هنالك، وانهزمت عساكر المسترشد، وأُخذ أسيراً، ومعه وزيره شرف الدين علي بن طراد، وقاضي القُضاة، وابن الأنباري، وجماعة مِن أعيان الدولة، وغَنِم ما في عسكره وعاد السلطان إلى بغداد. وبعث الأمير بكاية شُحنة إلى بغداد وكَثُر العويل والبكاء والضجيج ببغداد على الخليفة، وجعل الخليفة في خَيمة ووكَّل به. وراسله السلطان مسعود في الصلح وشرط عليه مالاً يؤديه، ولا يَجمع العساكر، ولا يَخرج من داره ما بقي. وانعقد ذلك بينهما. وبينما هما في ذلك وصل رسول السلطان سنجر، فركب السلطان مسعود للقائه وافترق المتوكِّلون بالمسترشد، فدخل عليه خيمته آخر ذي القعدة مِن سنة تسع وعشرين جماعة الباطنيَّة وقتلوه، وقتلوا معه جماعة مِن أصحابه. ولمَّا قُتل المُسترشد اتَّهم السلطان مسعود أنَّ دُبيس بن صدقة دس أولئك النفر عليه فأمر بقتله، وقصده غُلام فوقف على رأسه عند باب خيمته وهو يَنكث الأرض بأصبعه، فأطار رأسه وهو لا يَشعر. وبلغ الخبر إلى ابنه صدقة وهو بالحلَّة، فاجتمعت عليه عساكر أبيه ومماليكه واستأمن إليه الأمير قطلغ تكين، وأمر السلطان مسعود الشُّحنة بك أبه بمُعاجلته، وأخْذِ الحلَّة مِن

٣٢٨

يده، إلى أن قدم السلطان بغداد سنة إحدى وثلاثين. فقصده صدقة وأصلح حاله معه ولزم بابه.

مَقتل صدقة وولاية ابنه محمد

ولمَّا قُتِل المسترشد ولي ابنه الراشد بإشارة السلطان مسعود، ثُمَّ حدثت الفتنة بينه وبين السلطان مسعود. واغراه بها عماد الدين زنكي صاحب الموصل ومعه الراشد، وبايع السلطان مسعود للمُقتفي سنة ثلاثين وخمسمائة. وخَلع الراشد، ففارق الموصل وسار الأُمراء الذين كانوا مع داود إلى بلادهم وتَمسَّك بصدقة بن دُبيس وزوَّجه ابنته. وسار الراشد مِن الموصل إلى أَذربيجان قاصداً المُلك، واجتمع إليه صاحب فارس وخوزستان وجماعة الأُمراء. فسار إليهم السلطان مسعود وهزمهم، وأخذ صاحب فارس الأمير منكبرس فقتله صبراً، وتسلَّل صاحب خوزستان وعبد الرحمان طغايرك صاحب خلخال إلى السلطان مسعود وهو في خف مِن الناس، فحَملوا عليه وهزموه، وقبضوا على جماعة مِن الأُمراء الذين معه، فقتلهم منكبرس: فيهم صدقة بن دُبيس، وعنبر بن أبي العسكر. وذهب داود إلى هَمَذان فمَلكها واستقال السلطان مسعود مِن عثرته، وولَّى على الحلَّة محمد بن دُبيس وجعل معه مهلهل بن أبي العسكر أخا عنبر بربره، واستقام أمره بالحلَّة.

تغلُّب علي بن دُبيس على الحلَّة ومِلكه إيَّاها مِن أخيه محمد

لمَّا خرج سنة ست وأربعين وخمسمائة بوزاية صاحب فارس وخوزستان على السلطان مسعود، وبايع للسلطان محمد بن السلطان محمود، وسار معهم عباس صاحب الري، وملكوا كثيراً مِن البلاد سار السلطان مسعود إليهم مِن بغداد، واستخلف بها الأمير مهلهل بن أبي العسكر ونظر الخادم. وأشار مهلهل على السلطان مسعود عند رحيله مِن بغداد أنْ يَحبس علي بن دُبيس بقلعة تكريت، ونُمي إليه الخبر فهرب في نَفرٍ قليلٍ، ومضى إلى بني أسد، فجمعهم وسار إلى الحلَّة فبرز إليه محمد أخوه، فهزمه علي وملك الحلَّة. واستهان السلطان أمره أوَّلاً فاستفحل وضمَّ إليه جمعاً

٣٢٩

من غلمانه وغلمان أبيه وأهل بيته وعساكرهم وكثر جمعهم، فسار إليه مهلهل فيمَن معه في بغداد مِن العسكر، وضربوا عليه مَصافَّاً وكسرهم. وعادوا مُنهزمين إلى بغداد، وكان أهلها يتعصَّبون لعلي بن دُبيس، فكانوا يُعيِّطون إذا ركب مهلهل أو بعض أصحابه: يا علي كُلْه، فكَثُر ذلك منهم بحيث امتنع مهلهل مِن الركوب، ويَدُ عليٍّ فوق كُلِّ يد في أوضاع الأُمراء بالحلَّة، وتصرَّف فيها وصار شُحنة بغداد، ومَن فيها على وَجَلٍ منه، ووضع الخليفة الحامية على الأسوار، وأرسل إلى علي يَحضُّه على الاستقامة، فأجاب بالطاعة، فسكن الناس.

أخذ السلطان الحلَّة مِن يَد علي وعَوْده إليها

كان علي بن دُبيس كثير العَسف بالرعيَّة والظلم لهم، وارتفعت شكوى الرعيَّة به إلى السلطان مسعود سنة ثنتين وأربعين وخمسمائة، فأشكاهم وأقطع الحلَّة سلاَّركرد، فسار إليها مِن هَمَذان وجمع عسكراً مِن بغداد وقَصد الحلَّة، واحتاط على أهل علي، وأقام بالحلَّة في مماليكه وأصحابه، ورجعت عنه العساكر، ولحق علي بن دُبيس بالتقشكنجر، وكان في أقطاعه باللحف مُتجنِّياً على السلطان مسعود، فاستنجده علي فأنجده، وسار معه إلى واسط وسار معهما الطرنطاي صاحب واسط، فانتزعوا الحلَّة مِن سلاَّركرد، ورجع إلى بغداد آخر ثنتين وأربعين وخمسمائة، واستولى علي على الحلَّة.

نكبة علي بن دُبيس

ثُمَّ انتقض على السلطان مسعود سنة أربع وأربعين وخمسمائة جماعة مِن الأُمراء منهم التقشكنجر والطرنطاي وعلي بن دُبيس، وبايعوا ملك شاه بن السلطان محمود، وساروا به إلى العراق، وراسلوا المُقتفي في الخُطبة له. فامتنع وجمع العساكر، وحَصَّن بغداد وأرسل إلى السلطان مسعود بالخبر، فشُغل عنهم بلقاء عمِّه السلطان سنجر، كان سار إليه بالري. ولمَّا علم التقشكنجر بذلك نهب النهروان وقبض على علي بن دُبيس، وهرب الطرنطاي إلى النعمانيَّة، ثُمَّ وصل السلطان مسعود إلى بغداد، فرحل التقشكنجر مِن النهروان، وأطلق علي بن دُبيس فسار إلى بغداد، فرحل التقشكنجر مِن النهروان، وأطلق علي بن دُبيس، فسار إلى السلطان مسعود، فلقيه ببغداد واستعطفه فرضي عنه.

٣٣٠

الجميلة والمآثر الحميدة مُطرحاً لفرائض الشريعة، مُتغافلاً عن ارتكاب المَحارم الشنيعة مُستحسناً لسبِّ الصحابة رضي الله عنهم. فكان ما نزل به عليه عاقبة هذه الأفعال الذميمة، وما ربُّك بغافلٍ عمَّا يعملون.

ابن خلكان في تَرجمة السلطان محمد بن ملكشاه ج٢ ص٦٧

لمَّا تُوفِّي ملكشاه، اقتسم مَملكته أولاده الثلاثة، وهم: بركيارق، وسنجر، ومحمد، ولم يَكُن لمحمد وسنجر وهما مِن أُمٍّ واحدة مع وجود بركيارق حديث؛ لأنَّه كان السلطان المُشار إليه، وهما كالأتباع له. ثُمَّ اختلف محمد وبركيارق، فدخل محمد وأخوه سنجر إلى بغداد، وخَلع عليهما الإمام المستظهر بالله. وكان محمد قد التمس مِن أمير المؤمنين أنْ يجلِس له ولأخيه سنجر، فأُجيب إلى ذلك وجلس لهما في قُبَّة التاج وحضر أرباب المَناصب وأتباعهم. جلس أمير المؤمنين على سدَّته، ووقف سيف الدولة صدقة بن مزيد صاحب الحلَّة عن يمين السدَّة، وعلى كَتفه بُردة النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وعلى رأسه العِمامة وبين يديه القضيب. وأُفيض على محمد الخُلع السبع التي جرت عادة السلاطين بها. وأُلبس الطوق والتاج والسوارين، وعقد له الخليفة اللواء بيده وقلَّده سيفين وأعطاه خمسة أفراس بمراكبها، وخلع على أخيه سنجر خُلعة أمثاله، وخطب لمحمد بالسلطنة في جامع بغداد، كجاري عادتهم في ذلك الزمان، وتركوا الخُطبة لبركيارق.

ابن الطقطقي في كتابه الفخري قال في ذِكر خلافة المسترشد:

لمَّا بويع المسترشد بالخِلافة، هرب أخوه الأمير أبو الحسن وأخفى نفسه ومضى إلى الحلَّة مُستجيراً بدُبيس بن صدقة صاحب الحلَّة، وكان دُبيس بن صدقة مِن أجواد الدنيا، كان صاحب الدار والجار، والحِمى والذِّمار، وكانت أيَّامه أعياداً، وكانت الحلَّة في زمانه مَحطَّ الرحال، ومَلجأ بني الآمال، ومأوى الطريد، ومُعتصم الخائف الشريد، فأكرمه دُبيس إكراماً زائداً عن الحدِّ وأفرد له داراً، وأكرمه إكراماً كثيراً. ومَكث عنده مُدَّة على أحسن حال. فلمَّا عَلِم أخوه المسترشد بالله أنَّه عند دُبيس قلق لذلك

٣٣١

وخاف مِن أمرٍ يَحدِث مِن ناحيته؛ فبعث نَقيب النُّقباء علي بن طراد الزينبي إلى الحلَّة بخاتمه وأمانه، وأمره أنْ يأخذ البيعة على دُبيس، ويَطلب منه أنْ يُسلِّم إليه الأمير أبا الحسن. فقال دُبيس: أمَّا البيعة فالسمع والطاعة لأمير المؤمنين وبايع. وأمَّا تسليم جاري فلا والله لا أُسلِّمه إليكم وهو جاري ونزيلي، ولو قُتِلت دونه إلاَّ إنْ اختار. فأبى الأمير أبو الحسن التوجُّه صحبة النَقيب إلى أخيه، فمضى النَقيب وحده، ثُمَّ بعد ذلك ظفر به المسترشد، فسجنه في بعض دوره على حالة جميلة.

إمارة بني مقن فرع المقلَّد مِن آل المسيب العقيليين

أوَّل مَن ذُكِر مِن هذا الفرع محمد أبو عبد الله بن مقن بن جعفر بن عمرو بن المهيَّا المهنى، والمقن أخو المقلَّد بن جعفر، وابن المقلَّد رافع، وابن رافع المسيب، وابن محمد بن مقن الأوَّل رافع والثاني غريب.

ما جاء في كامل ابن الأثير الجزء التاسع من أخبارهم

حوادث سنة (٣٨٧): تَقدَّم ذِكر الخِلاف بين المقلَّد وأخيه علي بن المسيب على الإمارة، وإعماله الحيلة على قبض أخيه، واحضاره عسكره مِن الديلم والأكراد، وإعلامهم أنَّه يُريد قصد دقوقا. وقد حلَّفهم على الطاعة، وكانت داره مُلاصقة دار أخيه، فنَقب الحائط ودخل إليه وهو سكران، فأخذه وأدخله الخَزانة وقبض عليه، وأرسل إلى زوجته يأمرها بأخذ ولديه قرواش وبدران واللِّحاق بتكريت قبل أنْ يسمع أخوه الخبر، ففعلت ذلك وخَلَّصت، وكانت في الحلَّة التي له على أربعة فراسخ مِن تكريت، وسمع الحسن الخبر؛ فبادر إلى الحلَّة ليقبض أولاد أخيه فلم يَجدهم، وأقام المقلَّد بالموصل يستدعي رؤساء العرب ويَخلع عليهم، واجتمع عنده زهاء ألفي فارس. وسار الحسن في حلل أخيه علي ومعه أولاده وحرمه، ويستنفرهم على المقلَّد، واجتمع معه نحو عشرة آلاف، وراسل المقلَّد يؤذنه بالحرب؛ فسار عن الموصل وبقي بينهم مَنزلٌ واحدٌ. ونزل بإزاء العلْت، فحضره وجوه العرب واختلفوا عليه، فمنهم مَن أشار بالحرب منهم رافع بن محمد بن مقن، ومنهم مَن أشار بالكفِّ عن القتال وصلة الرحم منهم غريب بن محمد بن مقن؛ وانتهى الأمر بالحرب وفوز المقلَّد.

٣٣٢

سنة (٣٩٧): كان أبو الفتح بن عنّاز التجأ إلى رافع بن محمد بن مقن، ونزل عليه حين أخذ بدر بن حسنويه منه حلوان وقرميسين، فأرسل بدر إلى رافع يذُكِّره مودَّة أبيه وحقوقه عليه، ويَعتب عليه حيث آوى خَصمه، ويَطلب إليه أنْ يُبعده ليدوم له على العهد والودِّ القديم، فلم يفعل رافع ذلك فأرسل بدر جيشاً إلى أعمال رافع بالجانب الشرقي مِن دجلة فنهبها، وقصدوا داره بالمطيرة فنهبوها وأحرقوها، وساروا إلى قلعة البردان وهي لرافع أيضاً ففتحوها قهراً واحرقوا ما كان بها مِن الغَلاَّت وطمّوا بئرها. فسار أبو الفتح إلى عمي الجيوش ببغداد، فَخلع عليه وأكرمه ووعده نصره.

في هذه السنة، لما في نفس بهاء الدولة مِن الحِقد على بدر بن حسنويه، أمر عميد الجيوش بالمسير إلى بلاده. فجمع عسكراً وسار يُريد بلاده، فنَزل (جُند يسابور) فأرسل إليه بدر: إنَّك لم تَقدر على أنْ تأخذ ما تَغلَّب عليه بنو عقيل مِن أعمالكم وبينهم وبين بغداد فرسخ حتَّى صالحتهم، فكيف تَقدر على أخذ بلادي وحِصوني منِّي؟ ومعي مِن الأموال ما ليس معك مِثلها، وأنا معك بين أمرين، إنْ حاربتك فالحرب سِجال، ولا نعلم لمَن العاقبة، فإنْ انهزمت أنا لم يَنفعك ذلك لأنِّي احتمي بقلاعي ومعاقلي وأُنفق أموالي، وإذا عجزت فأنا رجل صحراوي صاحب عَمَد أبعُد ثُمَّ أقرب، وإنْ انهزمت أنت لم تَجتمع، وتَلقى مِِن صاحبك العَتب، والرأي أنْ أحمل إليك مالاً تُرضي به صاحبك، ونَصطلح؛ فأجابه إلى ذلك.

سنة (٤٠١): وفيها تُوفِّي أبو عبد الله محمد بن مقن بن مقلَّد بن جعفر بن عمرو بن المهيا العقيلي. وفي مقلد يَجتمع آل المسيب وآل مقن، وكان عُمره مائة وعشر سنين، وكان بَخيلاً شديد البُخل. وشَهِد مع القرامطة أخذ الحَجر الأسود سنة ٤١٧، نذكر هنا ما جاء مِن أخبار بَني مقن ص١٥٦ و١٥٧ يَنقلان ما ذُكِر هنا مِن غريب بن مقن في بني مقن.

سنة (٤٢١): في هذه السنة في جمادى الأولى اختلف قرواش وغريب بن مقن، وكان سبب ذلك أنَّ غريباً جَمع جَمعاً كثيراً مِن العرب والأكراد، واستمدَّ جلال الدولة فأمدَّه بجُملةٍ صالحةٍ مِن العسكر. فسار إلى تكريت فحاصرها، وهي لأبي المسيب رافع بن الحسين، وكان قد توجَّه إلى الموصل، وسأل قرواشاً النجدة، فجمعا وحشدا وسارا مُنحدرين

٣٣٣

فيمَن معهما فبَلغا الدكَّة، وغريب يُحاصر تكريت، وقد ضَيَّق على مَن بها، وأهلها يَطلبون منه الأمان فلم يُؤمِّنهم، فحفظوا نفوسهم وقاتلوا أشدَّ قتالٍ. فلمَّا بلغه وصول قرواش ورافع، سار إليهم فالتقوا بالدكَّة واقتتلوا، فغَدر بغريب بعض مَن معه، ونهبوا سَواده وسَواد الأجناد الجلاليَّة. فانهزم وتبعهم قرواش ورافع، ثُمَّ كفُّوا عنه وعن أصحابه، ولم يتعرَّضوا إلى حلَّته وماله فيها، وحفظوا ذلك أجمع. ثُمَّ إنَّهم تراسلوا واصطلحوا وعادوا إلى ما كانوا عليه مِن الوِفاق.

سنة (٤٢٥): وفيها تُوفِّي أبو سنان غريب بن محمد بن مقن في شهر ربيع الآخر في كرخ سامرا، وكان يُلقَّب سيف الدولة، وكان قد ضرب دراهم سمَّاها السيفيَّة، وقام بالأمر بعده ابنه أبو الريّان، وخَلَّف خمسمائة ألف دينار، وأمر فنودي: قد أحللْتُ كُلَّ مَن لي عنده شيء فحلِّلوني كذلك، فحلَّلوه وكان عمره سبعين سنة.

سنة (٤٢٧): في هذه السنة ثار الجُند ببغداد بجلال الدولة، وأرادوا إخراجه منها، فاستنظرهم ثلاثة أيَّام فلم يُنظروه، ورموه بالآجر فأصابه بعضهم. واجتمع الغُلمان فردُّوهم منه، فخرج مِن باب لطيف في سُميْريّة مُتنكِّراً، وصعد راجلاً منها إلى دار المرتضى بالكرخ، وخرج مِن دار المرتضى وسار إلى رافع بن الحسين بن مقن بتكريت، وكَسر التُّرك أبواب داره ودخلوها ونهبوها وقلعوا كثيراً مِن ساجها وأبوابها. فأرسل الخليفة إليه وقرَّر أمر الجُند، وأعاده إلى بغداد سنة ٤٤٤ جرى تسليم نُوَّاب الملك الرحيم الجانب الغربي مِن أوانا ونهر بيطر إلى أبي الهندي بلال بن غريب.

وفي سنة ٤٤١ جرى إقطاع أبي كامل أخي قرواش بلال بن غريب بن مقن حربى وأوانا، ولمَّا اصطلح الأخوان أرسلا إلى حربى مِن مَنع بلالاً عنها.

سنة (٤٤٤): في هذه السنة ورد سعدي بن أبي الشوك في جيش مِن عند السلطان طغرلبك إلى نواحي العراق، وعاث في البلاد فَساداً بعد انتصاره على أبي دُلف الجاواني، وفرار هذا منه بمُهجته. ثُمَّ قَصد البندنيجين وبلغ خبره إلى خاله خالد بن عمر، وهو نازل على الزرير ومطر ابني علي بن مقن العقيليين، فأرسل إليه ولده مع أولاد الزرير ومطر يَشكون إليه ما

٣٣٤

عاملهم به عمُّه مهلهل وقريش بن بدران، فلقوه بحلوان وشكوا إليه حالهم. فوعدهم المسير إليهم وإنقاذهم مِمَّن قصدهم، فعادوا مِن عنده، فلقيهم نَفر مِن أصحاب مهلهل فواقعوهم، فظفر بهم العقيليون واسروهم. وبلغ الخبر مهلهلاً، فسار إلى حلُل الزرير ومطر في نحو خمسمائة فارس، فأوقع بهم على تَلِّ عَكبرا، ونهبهم وانهزم الرجال، فلَقي خالد ومطر والزرير سعدي بن أبي الشوك على تامرا، فأعلموه الحال وحَملوه على قتال عمِّه، فتَقدَّم إلى طريقه والتقى القوم وكان سعدي في جَمعٍ كثير فظفر بعمِّه وأسره، وانهزم أصحابه في كُلِّ جِهة، وأُسِر أيضاً مالك ابن عمِّه مهلهل، وأعاد الغنائم التي كانت معهم على أصحابها وعاد إلى حلوان، ووصل الخبر إلى بغداد فارتجَّ الناس بها وخافوا، وبَرز عسكر الملك الرحيم ليقصدوا حُلوان لمُحاربة سعدي، ووصل إليهم أبو الأغر دُبيس بن مزيد الأسدي، ولم يَصنعوا شيئاً.

وفي هذه السنة قَبض عيسى بن خميس بن مقن على أخيه أبي غشام صاحب تكريت بها، وسجنه في سرداب بالقلعة، واستولى على تكريت.

وفي سنة (٤٤٨) لمَّا سار السلطان طغرلبك إلى الموصل، ووصل إلى تكريت حَصرها، وبها صاحبها نصر بن علي بن خميس، فنَصب على القلعة عَلماً أسود وبَذل مالاً، فقبله السلطان ورحل عنها إلى البوازيج ينتظر جَمع العساكر ليَسير إلى الموصل، فلمَّا رحل عن تكريت تُوفِّي صاحبها وكانت أُمُّه أميرة بنت غريب بن مقن، فخافت أنْ يَملك البلد أخوه أبو الغشان فقتلته. وسارت إلى الموصل، فنزلت على دُبيس بن مزيد، فتزوَّجها قريش به بدران. ولمَّا رحلت عن تكريت استخلفت بها أبا الغنائم بن المحَلبان، فراسل رئيس الرؤساء واستعطفه، فصَلَح ما بينهما وسلَّم تكريت إلى السلطان، ورحل إلى بغداد.

سنة (٥٠٠): في هذه السنة في صَفَر تَسلَّم الأمير سيف الدولة صدقة بن منصور بن مزيد قلعة تكريت، وقد عرفتَ أَنَّها كانت لبني مقن العُقيليين، وكانت إلى آخر سنة سبع وعشرين وأربعمائة بيد رافع بن الحسين بن مقن، فمات ووليها ابن أخيه أبو منعة خميس بن تغلب بن حماد، ووجد بها خمسمائة ألف دينار سِوى المُصاغ. وتُوفِّي سنة خمس وثلاثين وأربعمائة، ووليها ولده أبو غشام، فلمَّا كان سنة أربع وأربعين وأربعمائة

٣٣٥

وَثب عليه عيسى فحبسه وملك القلعة والأموال. فلمَّا اجتاز به طغرلبك نحو سنة ثمان وأربعين وأربعمائة صالحه على بعض المال فرحل عنه. وخافت زوجته أميرة بعد موته أنْ يَعود أبو غشام ويملك القلعة، فقتلته. وكان قد بَقي في الحَبس أربع سنين، واستنابت في القلعة أبا الغنائم بن المحَلبان، فسلَّمها إلى أصحاب السلطان طغرلبك. فسارت إلى الموصل، فقتلها ابن أبي غشام بأبيه، وأخذ شرف الدولة مسلم بن قريش مالها، وردَّ طغرلبك أمر القلعة إلى إنسان يُعرف بأبي العباس الرازي، فمات بها بعد ستة أشهر. ثُمَّ تداولت مُلكها الأيدي إلى أنْ امتلكها صدقة بن مزيد في هذه السنة.

بنو دُبيس الأسديون

كان بنو مزيد، وهم مِن بَني أسد، وكانت مَحلاَّتهم مِن بغداد إلى البصرة إلى نَجْد، وكانت لهم النعمانية. وكانت بنو دُبيس مِن عشائرهم في نواحي خوزستان في جزائر مَعروفة بهم، وكان كبير بني مزيد أبو الحسن علي بن مزيد وأخوه أبو الغنائم. وقد مَرَّ في أخبار بني مزيد أنَّ أبا الغنائم كان قد سار إلى بني دُبيس وأقام عندهم، ثُمَّ فَرَّ وقد قَتل منهم رجلاً فلم يُدركوه. ولحِق بناحية أخيه، فسار إليهم أبو الحسن، واستمدَّ عميد الجيوش فأمدَّه بعسكر مِن الديلم في البحر، ولقيهم فانهزم أبو الحسن، وقُتِل أخوه أبو الغنائم، وذلك في سنة إحدى وأربعمائة.

وإليك ما جاء في كامل ابن الأثير من أخبارهم

في سنة (٤٠١) كان أبو الغنائم، محمد بن مزيد مُقيماً عند بني دُبيس في جزيرتهم بنواحي خوزستان لمُصاهرة بينهم، فقتل أبو الغنائم أحد وجوههم ولحِق بأخيه أبي الحسن علي بن مزيد، فتبعوه فلم يُدركوه. وانحدر إليهم سند الدولة أبو الحسن بن مزيد في ألفي فارس، واستنجد عميد الجيوش، فانحدر إليه عَجِلاً في زَبْزَبة في ثلاثين دَيلمياً، وسار ابن مزيد إليهم فلقيهم، واقتتلوا فقُتل أبو الغنائم وانهزم أبو الحسن بن مزيد. فوصل الخبر بهزيمته إلى عميد الجيوش وهو مُنحدرٌ فعاد.

سنة (٤٠٥): في هذه السنة في المُحرَّم، كانت الحرب بين أبي الحسن بن مزيد، وبين مضر ونبهان وحسَّان وطراد بني دُبيس؛ وسببها أنَّهم

٣٣٦

كانوا قد قتلوا أبا الغنائم بن مزيد أخا أبي الحسن في حرب بينهم كما تَقدَّم ذكر ذلك. وحالت الأيام بينه وبين الأخذ بثأره، فلمَّا كان الآنَ تَجهَّز لقصدهم وجَمع العرب والشاذنجان والجوانيَّة وغيرهما مِن الأكراد، وسار إليهم. فلمَّا قرب منهم خرجت زوجته ابنة دُبيس، وقَصدت أخاها مُضر بن دُبيس ليلاً، وقالت له: قد أتاكم ابن مزيد فيما لا قِبَل لكم به، وهو يقنع منكم بإبعاد نبهان قاتل أخيه فأبعدوه، وقد تفرَّقت هذه العساكر. فأجابها أخوها مضر إلى ذلك. وامتنع أخوه حسَّان، فلمَّا سمع ابن مزيد بما فعلته زوجته أنكره وأراد طلاقها، فقالت له: خفت أنْ أكون في هذه الحرب بين فقد أخٍ حميمٍ أو زوجٍ كريمٍ، ففعلتُ ما فعلتُ رجاء الصلاح؛ فزال ما عنده منها. وانتهت الحرب بظفر أبي الحسن بن مزيد كما ذكرنا لك في أخبار بني مزيد، فلا نعيده هنا.

سنة (٤٠٩): في هذه السنة عرض سلطان الدولة على الرُّخَّجي ولاية العراق، فقال: ولاية العراق تَحتاج إلى مَن فيه عَسفٌ وخَرقٌ، وليس غير ابن سهلان وأنا أخلفه هاهنا. فولاَّه سلطان الدولة العراق في المُحرَّم، فسار مِن عند سلطان الدولة، فلمَّا كان ببعض الطريق تَرك ثِقله والكتاب وأصحابه، وسار جريدة في خمسمائة فارس مع طراد بن دُبيس الأسدي يَطلب مُهارش ومُضر ابني دُبيس. وكان مُضر قد قبض قديماً عليه بأمر فخر الدولة، فكان يَبغضه لذلك، وأراد أنْ يأخذ جزيرة بني أسد منه ويُسلِّمها إلى طراد. فلمَّا علم مُضر ومُهارش قصده لهما، سارا عن المذار فتبعهما والحَرُّ شديدٌ؛ فكاد يَهلك هو ومَن معه عطشاً. فكان مِن لُطف الله به أنَّ بَني أسد اشتغلوا بجَمع أموالهم وإبعادها، وبقي الحسن بن دُبيس فقاتل قِتالاً شديداً، وقُتل جماعة مِن الديلم التُّرك. ثُمَّ انهزموا ونهب ابن سهلان أموالهم وصان حَرمهم ونساءهم. فلمَّا نزل في خيمته قال: الآن ولدتني أُمِّي، وبذل الأمان لمُهارش ومُضر وأهلهما، وأشرك بينهم وبين طراد في الجزيرة ورحل، وأنكر على سلطان الدولة فِعله ذلك، ووصل إلى واسط.

سنة (٤١٢): في هذه السنة قُطعت خطبة سلطان الدولة مِن العراق، وخُطب لمُشّرف الدولة، فطلب الديلم مِن مشرف الدولة أنْ يَنحدر إلى بيوتهم بخوزستان، فأذِنَ لهم، وأمر وزيره أبا غالب بالانحدار معهم. فقال له: إنْ فَعلت خاطرت بنفسي، ولكن أبذلها في خدمتك، ثُمَّ انحدر في

٣٣٧

العساكر، فلمَّا وصل إلى الأهواز نادى الديلم بشعار سلطان الدولة، وهجموا على أبي غالب فقتلوه. فسار التُّرك الذين كانوا معه إلى طراد بن دُبيس الأسدي بالجزيرة التي لبني دُبيس، ولم يَقدروا أنْ يَدفعوا عنه.

وفي سنة (٤١٩) كان منصور بن الحسين الأسدي قد ملك الجزيرة الدُبيسيَّة، وهي تُجاوز خوزستان، ونادى بشعار جلال الدولة، وأخرج صاحبها طراد بن دُبيس الأسدي سنة ثمان عشرة وأربعمائة. فمات طراد عن قريب، فلمَّا مات سار ابنه أبو الحسن علي إلى بغداد يسأل أنْ يُرسِل جلال الدولة معه عسكراً إلى بلده ليُخرج منصوراً منه، ويُسلِّمه إليه. وكان منصور قد قَطع خُطبة جلال الدولة وخطب للملك أبي كاليجار، فسيَّر معه جلال الدولة طائفةً مِن التُّرك، فلمَّا وصلوا إلى واسط لم يَقف علي بن طراد حتَّى تَجتمع معه طائفة مِن عسكر واسط، وسار عَجِلاً واتَّفق أنَّ أبا صالح كوركير كان قد هرب مِن جلال الدولة، وهو يُريد اللِّحاق بأبي كاليجار. فسمع هذا الخبر، فقال لمَن معه: المَصلحة أنَّنا نُعين منصوراً ولا نُمكِّن عَسكر جلال الدولة مِن إخراجه، ونَتَّخذ بهذا الفعل يداً عند أبي كاليجار، فأجابوه إلى ذلك، فسار إلى منصور واجتمع معه، والتقوا هم وعسكر جلال الدولة الذين مع علي بن طراد ببسبروذ، فاقتتلوا فانهزم عسكر جلال الدولة، وقُتِل علي بن طراد وجماعة كثيرة مِن التُّرك، وهَلك كثير مِن المُنهزمين بالعطش، واستقرَّ مُلك منصور بها.

سنة (٤٥٠): وفيها مات شهاب الدولة أبو الفوارس منصور بن الحسين الأسدي صاحب الجزيرة عند خوزستان، واجتمعت عشيرته على ولده صدقة، ومنصور هذا هو الذي ملك الجزيرة الدُبيسية على طراد بن دُبيس.

وجاء ذكر صدقة هذا، وهو ابن منصور في حوادث سنة (٤٥١) مِن الجزء العاشر مِن الكامل، قال: في هذه السنة انحدر السلطان طغرلبك إلى واسط بعد فُراغه مِن أمر بغداد، فرآها قد نُهِبت، وحضر عنده هزارسب بن بنكير، وأصلح معه حال دُبيس بن مزيد، واحضره معه إلى خدمة السلطان وأصعد في صحبته إلى بغداد، وكذلك صدقة بن منصور بن الحسين، إلى أنْ قال: وأصعد السلطان إلى بغداد في صَفَر سنة اثنتين وخمسين ومعه جماعة منهم صدقة المذكور.

٣٣٨

بنو خَفاجة أُمراء الكوفة

يَنتسبون لكعب بن ربيعة بن صعصعة بن معاوية، ومِن فروعهم: بنو حزن، وبنو كعب كان لهم شأن في عهد تَنازع أُمراء الأطراف مِن العرب والكُرد والتُّرك والدَّيلم إمارة الخِلافة العباسيَّة التي أصبحت في القرون الرابع والخامس والسادس نَهباً مُقسَّماً.

وإليك ما جاء مِن أخبارهم مِن كامل ابن الأثير

سنة (٣٧٤): في هذه السنة قُلِّد أبو طريف عليان بن ثمال الخفاجي حماية الكوفة، وهي أوَّل إمارة بني ثمال، وهناك حوادث مُتقطِّعة في بعض السنين ذكرت كان يَستعين فيها المُحاربون ببَني خفاجة، لا فائدة مِن ذِكرها فتركناها.

وفي سنة (٣٩٧) لمَّا هَزم أبو غالب وزير بهاء الدولة أبا العباس بن واصل صاحب البصرة، ركب أبو العباس مع حسَّان بن ثمال الخفاجي هارباً إلى الكوفة.

وفي هذه السنة في المُحرَّم جرت وقعة بين معتمد الدولة أبي المنيع قرواش بن المقلَّد العقيلي، وبين أبي علي بن ثمال الخفاجي؛ وكان سببها أنَّ قرواش جَمع جَمعاً كثيراً، وسار إلى الكوفة وأبو علي غائب عنها، فدخلها ونزل بها. وعرف أبو علي الخبر، فسار إليه فالتقوا واقتتلوا فانهزم قرواش وعاد إلى الأنبار مَفلولاً. وملك أبو علي الكوفة وأخذ أصحاب قرواش فصادرهم.

سنة (٣٩٩): في هذه السنة قَتل عيسى بن خلاط العقيلي أبا علي بن ثمال الخفاجي بالرحبة. وكان قد ولاَّه الحاكم بأمر الله صاحب مِصر عليها ومَلكها، ثُمَّ أخذها منه بدران بن المقلَّد العقيلي، وانتقلت إلى أيدٍ إلى أنْ آل أمرها إلى صالح بن مرداس الكِلابي صاحب حَلب.

وفي سنة (٤٠٢) لمَّا فتح الملك فخر الدولة دير العاقول، أتاه سلطان وعلوان ورجب أولاد ثمال الخفاجي ومعهم أعيان عشائرهم، وضَمنوا حِماية سَقي الفرات، ودَفْع عقيل عنها. وساروا معه إلى بغداد؛ فأكرمهم وخَلع عليهم وأمرهم بالمسير مع ذي السعادتين الحسن بن منصور إلى

٣٣٩

الانبار فساروا، فلمَّا صاروا بنواحي الأنبار أفسدوا وعاثوا، فقبض ذو السعادتين على نَفرٍ منهم، ثُمَّ أطلقهم واستحلفهم على الطاعة والكَفِّ عن الأذى. فأشار كاتب نَصراني مِن أهل دَقوقا على سلطان بن ثمال بالقبض على ذي السعادتين، وأنْ يُظهِر أنَّ عُقيلاً قد أغاروا، فإذا خرج عسكر ذي السعادتين انفرد به فأخذه. فوصل إلى ذي السعادتين الخبر.

ثُمَّ إنَّ السلطان أرسل إليه يقول: إنَّ عُقيلاً قد قاربوا الأنبار، ويطلب منه انفاذ العسكر. فقال ذو السعادتين: أنا أركب وآخذ العساكر، ثُمَّ دافعه إلى أنْ فات وقت السير. فانتقض على سلطان ما دبَّره، فأرسل يقول: قد أخذت جماعة مِن عُقيل.

ثُمَّ إنَّ ذا السعادتين صَنع طعاماً كثيراً، وحضر عنده سلطان وكاتبه النصراني وجماعة مِن أعيان خَفاجة، فأمر أصحابه بقتل كثير منهم، وقبض على سلطان وكاتبه وجماعته، ونهب بيوتهم وما فيها، وحَبس سلطاناً ومَن معه ببغداد حتَّى شَفع فيهم أبو الحسن بن مزيد وبذل مالاً عنهم فأُطلقوا.

وفي هذه السنة سارت خفاجة إلى واقصة، ونزحوا ماء البرمكي والريان وألقوا فيهما الحنظل. ووصل الحُجَّاج مِن مكة إلى العقبة، فلقيهم خفاجة ومنعوهم الماء، ثُمَّ قاتلوهم فلم يَكُن فيهم امتناع، فأكثروا القتل وأخذوا الأموال. ولم يَسلم مِن الحُجَّاج إلاَّ اليسير. فبلغ الخبر فَخْر الملك الوزير ببغداد؛ فسيَّر العساكر في أثرهم، وكتب إلى أبي الحسن علي بن مزيد يأمره بطلب العرب، والأخذ منهم بثأر الحاج والانتقام، فسار خلفهم فلحِقهم وقد قاربوا البصرة، فأوقع بهم فقتل منهم وأسر جمعاً كثيراً، وأخذ مِن أموال الحُجَّاج ما رآه، وكان الباقي قد أخذه العرب، وتَفرَّقوا وأرسل الأسرى وما استردَّه مِن أمتعة الحُجّاج إلى الوزير، فحسُن مَوقعه منه.

سنة (٤٠٤): في هذه السنة جاء سلطان بن ثمال، واستشفع بأبي الحسن بن مزيد إلى فخر الملك ليرضى عنه. فأجابه إلى ذلك فأخذ عليه العُهود بلزوم ما يُحمَد أمره. فلمَّا خرج وصلت الأخبار بأنَّهم نَهبوا سواد الكوفة، وقتلوا طائفة مِن الجُند، وأتى أهل الكوفة مُستغيثين؛ فسيَّر فَخْر الملك إليهم عسكراً، وكتب إلى ابن مزيد وغيره بمُحاربتهم. فسار إليهم وأوقع بهم بنهر الرمَّان، وأُسر محمد بن ثمال وجماعة معه ونجا سلطان. وأُدخل الأسرى إلى بغداد مُشهَّرين وحُبسوا. وهبَّ على المُنهزمين مِن بني خفاجة ريح شديدةٌ حارَّة، فقتلت منهم نحو خمسمائة رجل، وأفلت منهم جماعة

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415