الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية2%

الحديث النبوي بين الرواية والدراية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 676

الحديث النبوي بين الرواية والدراية
  • البداية
  • السابق
  • 676 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89308 / تحميل: 6941
الحجم الحجم الحجم
الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويبين حاله، فانّ هذا شأن من لم يكن من أهل اللسان أو كان بعيداً عن التراكيب الفصيحة.

وأسوأ منه ما عزي إلى سهل بن سعد الساعدي من نزول كلمة (من الفجر ) بعد فترة من نزول الآية فانّ لفظ الآية إمّا أن يكون كافياً في إفادة المعنى المقصود أو لا ، فعلى الاَوّل لا حاجة إلى قوله: من الفجر، وعلى الثاني كان الفصل بين الآية وقيدها أمراً غير صحيح، ولا يقاس ذلك بفصل الخاص على العام أو المقيد على المطلق.

٣.وضع اليد اليمنى على اليسرى

أخرج البخاري، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: كان الناس يُوَمَرون أن يضع الرجل اليدَ اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.

قال أبوحازم: لا أعلمه إلاّ يَنمِي ذلك إلى النبي، وقال إسماعيل (شيخ البخاري) يُنمى ذلك ولم يقل ينمي.(١)

تعد هذه الرواية من أدلة استحباب وضع اليمنى على اليسرى كما فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن الاستدلال مخدوش بوجوه:

الاَوّل: انّ ظاهر قوله: «كان الناس يُوَمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة» انّ الآمر غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو كان هو الآمر لما أخلَّ التصريحَ به وهذا يوَيد انّ القبض حدث في عصر الخلفاء ومن أعقبهم من الاَمويين.

الثاني: انّ أبا حازم راوي الحديث عن سهل، قال: «لا أعلمه إلاّ ينمي ذلك

____________________

١ المصدر نفسه.

٦٢١

إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » فقد قرأه لفيف من المحدّثين بصيغة المعلوم يعني انّسهل بن سعد كان ينسبه إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن شيخ البخاري، يقول: الصحيح قراءته بصيغة المجهول أي «ينمى ذلك» من دون أن يصرح للناسب.

كلّذلك يعرب عن وجود اضطراب في نفس النقل، قال ابن حجر: و من اصطلاح أهل الحديث إذا قال الراوي ينميه، فمراده يرفع ذلك إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١)

الثالث: روى البيهقي في سننه كيفية صلاة النبي عن أبي حميد الساعدي ولم يأت فيه بشيء من القبض.

فقال أبوحميد الساعدي: أنا أعلمكم بصلاة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالوا: لِمَ، ما كنت أكثرنا له تبعاً، ولا أقدمنا له صحبة؟ قال: بلى، قالوا: فأعرض علينا، فقال: كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثمّ يكبر حتى يقرّ كلّعضو منه في موضعه معتدلاً، ثمّ يقرأ ثمّ يكبر ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثمّ يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثمّ يعتدل ولا ينصب رأسه ولا يقنع، ثمّ يرفع رأسه، فيقول: سمع اللّه لمن حمده، ثمّ يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه حتى يعود كلّ عظم منه إلى موضعه معتدلاً، ثمّيقول: اللّه أكبر، ثمّ يهوي إلى الاَرض فيجافي يديه عن جنبيه، ثمّ يرفع رأسه فيثني رجله اليسرى فيقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذاسجد ثمّ يعود ثمّ يرفع، فيقول: اللّه أكبر ثمّ يثني برجله فيقعد عليها معتدلاً حتى يرجع أو يقر كلّ عظم موضعه معتدلاً، ثمّ يصنع في الركعة الاُخرى مثل ذلك، ثمّ إذا قام من الركعتين كبَّر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما فعل أو كبّر عند افتتاح صلاته، ثمّ يصنع مثل ذلك في بقية صلاته حتى إذا كان في السجدة التي فيها

____________________

١ صحيح البخاري: ١/١٤٤، باب وضع اليمنى على اليسرى.

٦٢٢

التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقه الاَيسر، فقالوا جميعاً: صدق هكذا كان يصلّي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١)

٤.الشوَم في المرأة والفرس والمسكن

أخرج أحمد في مسنده، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي، انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إن كان في شيء، ففي المرأة والفرس والمسكن. يعني الشّوَم.(٢)

وقدتعرضنا إلى نقد هذا الحديث عند التطرق إلى أحاديث سعد بن أبي وقاص تحت عنوان التطير بالمرأة والفرس والدار، فلاحظ.

____________________

١ فتح الباري في شرح صحيح البخاري: ٢/٢٢٤.

٢ البيهقي، السنن: ٢/٧٢، ٧٣، ١٠١، ١٠٢؛ سنن أبي داود:١/١٩٤.

٦٢٣

٣٨- أنس بن مالك الصحابي

(١٠قبل الهجرة - ٩٣ هجرية)

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١. طواف النبي على نسائه في ليلة واحدة.

٢. أبو النبي صفي النار.

٣. نسيان السورة من أعظم الذنوب.

٤. اجتهاد النبي في الاَحكام.

٥. الصيام في السفر.

٦. مجبوب متهم بالزنا.

٧. برغوث يوقظ نبيّاً للصلاة.

٨. موسى يصلّي في القبر.

٩. التجسيم في أحاديثه.

١٠. رقص أهل الحبشة أمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١١. سيدا كهول أهل الجنة.

١٢. أُمّتي على خمس طبقات.

١٣. صلاة النبي بلا بسملة.

١٤. ردّ دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٥. النهي عن باء الاقراء.

١٦. فضل عائشة.

١٧. نوم النبي على فراش أُم سليم.

١٨. مدة خدمته.

١٩. إسراء النبي قبل أن يوحى له.

٢٠. نزول آية الصلح في عبد اللّه بن أُبي.

أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الخزرجي النجاري، كنيته أبو حمزة، قدم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة وهو ابن عشر سنين فأهدته أُمّه لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كي يخدمه،

٦٢٤

وانتقل من المدينة بعد ان مُصِّرت البصرة أيام عمر بن الخطاب وسكنها.(١)

أمّا أبوه فهو مالك بن النضر فلا يذكرون عنه شيئاً سوى انّه غضب على أُمّ سليم و خرج إلى الشام فمات كافراً هناك.

وأمّا أُمّه فهي أُمّ سُليم بنت مِلْحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب ابن عامر بن غنم بن عدي بن النجّار الاَنصارية الخزرجية النجّارية، فقد خطبها أبو طلحة بعد ما مات زوجها مالك، وهو مشرك، فقالت: أمّا انّ لي فيك رغبة وما مثلك يُرد، ولكنك كافر وأنا امرأة مسلمة فان تسلم فلك مهري و لا أسألك غيره، فأسلم وتزوّجها.

و كان لاُمّ سُليم مواقف في بعض الغزوات لا سيما يوم أُحد.(٢)

وقد وصف أنس بالاَوصاف التالية:

المفتي، المقرىَ، المحدِّث، راوية الاِسلام، خادم رسول اللّه، وهو آخر أصحابه موتاً وحيث إنّه ولد قبل الهجرة بعشر سنين وأشهر الاَقوال في وفاته انّه توفي عام ٩٣ فيكون عمره على هذا مائة وثلاثة سنين.

يقول الذهبي: قال الاَنصاري اختلف علينا في سنّ أنس، فقال بعضهم: بلغ ١٠٣ سنين، وقال بعضهم: ١٠٧ سنين.

وقال أيضاً: مسنده ألفان ومائتان وستة وثمانون، اتّفق له البخاري ومسلم على ١٨٠ حديثاً، وانفرد البخاري بثمانين حديثاً، ومسلم بتسعين.(٣)

وقد أحصيتْ أحاديثه في المسند الجامع فبلغت ١٤٧٢(٤) وهو يقل

____________________

١ مسند أحمد: ٥/٣٣٥.

٢ مشاهير علماء الاَمصار واعلام فقهاء الاَقطار: ٦٥ برقم ٢١٥، وسيوافيك الاختلاف في مدة خدمته.

٣ سير أعلام النبلاء: ٢/٣٠٤ برقم ٥٥.

٤ الذهبي، سير أعلام النبلاء: ٣/٤٠٦ برقم ٦٢.

٦٢٥

بكثير عمّا ذكره الذهبي والحقّ انّ المسند الجامع ليس بجامع.

وكان أنس يقول: قدم رسول اللّه المدينة وأنا ابن عشر و مات وأنا ابن عشرين، وكن أُمّهاتي تحثّني على خدمته.(١)

وعلى ذلك فما يرويه من الروايات عن النبي مباشرة - وهو الاَغلب - إنّما أخذه في هذه السنين وهو بعدُ لم يزل صبياً، مراهقاً.

يروي عن: النبي، وعن: أبي بكر وعمر و عثمان ومعاذ وأسيد بن الحضير وأبي طلحة وأُمّه أُمّ سُليم وفاطمة الزهراء وغيرهم.(٢)

كما أخذ عنه خلق كثير ، منهم: الحسن البصري، وابن سيرين، و الشعبي، وأبو قلابة، ومكحول، وعمر بن عبد العزيز، وثابت البناني، إلى غير ذلك ممّن يروي عنه.(٣)

وقد شارك في بعض الغزوات وجاء في حديثه مشاركته في غزوة خيبر كما سيوافيك وهو الراوية الثاني للحديث النبوي بعد أبي هريرة، فهما من المكثرين للرواية عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومن أبرز سماته انّه يروي في أغلب الاَحيان أفعال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو واضح لمن استقصى أحاديثه فالقول والفعل كلاهما سنّة.

وقد خدم البيت النبوي مدّة مديدة لمس خلالها مدى الحب والعناية التي كان النبي يوليها لبنته فاطمة الزهراء وابنيها الحسن والحسينعليهم‌السلام ، فانعكس كل ذلك على اخباره.

روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال: حسبك من نساء

____________________

١ المسند الجامع: ٣/٦٩.

٢ مسند أحمد: ٣/١١٠.

٣ سير أعلام النبلاء:٣/٣٩٦؛ تهذيب التهذيب: ١/٣٧٦ برقم ٦٩٠.

٦٢٦

العالمين: مريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، وآسية امرأة فرعون.(١)

وروي أيضاً: جاء جبرئيل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده خديجة، فقال: إنّ اللّه يقرىَ خديجة السلام، فقالت: إنّ اللّه هو السلام وعلى جبرئيل السلام وعليك السّلام ورحمة اللّه.(٢)

وروى أيضاً انّ رسول اللّه كان يمرّ بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر، يقول: الصلاة يا أهل البيت( إِنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣)

وروى الترمذي عن أنس بن مالك: سئل رسول اللّه أي أهل بيتك أحبّ إليك، قال: الحسن الحسين، وكان يقول لفاطمة: إدعي ابنيّ فيشمُّهما ويضمُّهما إليه.(٤)

أخرج الترمذي عن السدّيّ،عن أنس بن مالك، قال: كان عند النبي طير، فقال: اللّهمّ إئتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء علي فأكل معه.(٥)

أخرج الاِمام أحمد عن عبد الصمد وعفان، قالا: حدّثنا حماد، عن سماك، عن أنس بن مالك انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث ببراءة مع أبي بكر الصديق (رض) فلما بلغ ذا الحليفة، قال عفان: لا يبلغها إلاّ أنا أو رجل من أهل بيتي فبعث بها مع عليعليه‌السلام (٦)

كلّ ذلك يعرب عن تعاطفه مع أهل البيتعليهم‌السلام .

____________________

١ سير أعلام النبلاء:٣/٣٩٦.

٢ مسند أحمد:٣/١٣٥؛ والترمذي: السنن: برقم٣٨٧٨.

٣ سنن النسائي، في باب عمل اليوم و الليلة برقم ٣٧٤، وأخرجه في فضائل الصحابة برقم ٢٥٤.

٤ مسند أحمد: ٣/٢٥٩- ٢٨٥.

٥ الترمذي: السنن: ٥/٦٥٧ برقم ٣٧٧٢.

٦ الترمذي: السنن:٥/٦٣٦ برقم ٣٧٢١، كتاب المناقب.

٦٢٧

روائع أحاديثه

نذكر في المقام شيئاً من روائع أحاديثه ليكون انموذجاً لما لم نذكر.

١. عن حميد عن أنس انّ رسول اللّه، قال:

انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قيل يا رسول اللّه: هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: تمنعه من الظلم.(١)

٢. عن أبي عبد اللّه الاَسدي، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.(٢)

٣. عن قتادة عن أنس، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( قل هو اللّه) تعدل ثلث القرآن.(٣)

٤. عن سليمان التيمي، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النار.(٤)

٥. عن أبي حفص انّه سمع أنس بن مالك يقول: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّمثل العلماء في الاَرض كمثل النجوم في السماء يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة.(٥)

٦. عن خلف أبي الربيع قال: حدّثنا أنس، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّهذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق.(٦)

____________________

١ مسند أحمد:٣/٢١٢.

٢ مسند أحمد:٣/٢٠١.

٣ مسند أحمد:٣/١٥٣.

٤ سنن ابن ماجة برقم ٣٧٨٨.

٥ مسند أحمد:٣/١١٦.

٦ مسند أحمد:٣/١٥٧.

٦٢٨

٧. عن أبي التّياح انّه سمع أنس بن مالك، قال:قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : البركة في نواصي الخيل.(١)

هذه مقتطفات من روائع أحاديثه التي يعلو عليها نور النبوة ويدل سموُّ مضمونها على صدق مقاله، فالاُمّة قاطبة تنهل من النمير العذب لتلك الاَحاديث بلا تريّث، ولكن مع الاعتراف بذلك ففي الروايات المروية عنه شذوذ وشطحات تصدّنا عن الاَخذ بها.

١. طواف النبي على نسائه في ليلة واحدة

روى البخاري عن قتادة، انّأنس بن مالك حدَّثهم: انّ نبي اللّه كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله أيضاً تسع نسوة.(٢)

وقد تضافر نقل هذا الحديث عن أنس انّالنبي كان يطوف على نسائه في غسل واحد.(٣)

وعن قتادة، قال حدثنا أنس بن مالك، قال: كان النبي يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهنّ إحدى عشرة، قال: قلت لاَنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث انّه أُعطي قوّة ثلاثين.(٤)

هذا وإذا أردنا أن نستقصي أسانيد هذه الرواية من كتب الحديث لطال بنا الكلام فقد نقلها عنه غير واحد من أصحاب السنن والمسانيد.

____________________

١ مسند أحمد:٣/١٩٩.

٢ مسند أحمد:٣/١١٤.

٣ صحيح البخاري: ١/٧٩، باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره، ولاحظ ٧/٤ باب كثرة النساء.

٤ مسند أحمد:٣/١٦١؛ وصحيح البخاري: ٧/٣٤، باب من طاف على نسائه في غسل واحد من كتاب النكاح.

٦٢٩

إنّ الحسن والقبح العقليين وإن صارا معرضاً للنقاش بين العدلية والاَشاعرة ولكن الحسن والقبح العرفيين أمر لا يمكن أن ينكر، فالاَكل في الطريق وإن كان أمراً مباحاً ولكن تستنفره طبائع الناس، فعلى النبي تنزيه ساحته عن كلّ ما يوجب انفضاض الناس عنه، ولا يقلّ عن هذا العمل، الطوافُ على النساء التسع على رواية أو الاِحدى عشرة على رواية أُخرى في ليلة واحدة أمام شاب مراهق كأنس.

فلو كان الحافز لذلك العمل هو بيان الحكم الشرعي وانّه يجوز الاقتصار على غسل واحد لجنابات متعددة فما أيسر بيانَه في ثنايا كلماته ومواعظه كسائر ما أفاده من الاَحكام والسنن.

وهل كان الجمع بين النساء في الدخول في ليلة واحدة أمراً مفروضاً عليه مع انّ أصل وطء الزوجة أمر مختلف فيه في فقه أهل السنّة، فالحنابلة على أنّه يجب على الزوج وطء زوجته في كلّ أربعة أشهر مرّة واحدة إن لم يكن له عذر، والحنفية على أنّه ليس لها حق المطالبة به في العمر إلاّ مرّة واحدة، والشافعية على أنّه ليس للمرأة الحقّ في مطالبة الرجل بالوطء لاَنّ عقد النكاح واقع على أن يستمتع الرجل بها فالمعقود عليها هي المرأة لا الرجل فعلى هذا فالوطء حقّه.(١)

وعليه لا يتصور وجوب الوطء إلاّ على مذهب الحنابلة دون غيرهم، كما لا يجب الوطء في ليلة واحدة بل لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أداء حقّهن ضمن ليالي.

ثمّ إنّ ما برّر به أنس إمكان عمل النبي بعد ما سئل عن إطاقة النبي فأجاب: كنّا نتحدث انّه أُعطي قوة ثلاثين رجلاً.(٢) أمر مشكل، فإن أوقفه النبي على ذلك فلماذا لم ينسبه إليه؟ وإن أخذه من غيره فمن أوقفه على ذلك؟ ومن أين عرف انّنبي الاِسلام أُعطي قوة ثلاثين رجلاً ؟

____________________

١ مسند أحمد:٣/٢٩١.

٢ لاحظ الفقه على المذاهب الاَربعة:٤/٢٤٠-٢٤١.

٦٣٠

نعم دلّ العقل والشرع على لزوم بلوغ الاَنبياء في العقل والوعي والاَخلاق الحميدة والفضائل الحسنة مرتبة سامية تجعلهم في مستوى عال يتفوقون بها على سائر البشر، وأمّا ما سوى ذلك ممّا لا يعد محْمَدة في العمل ولا كرامة في الاَخلاق فلم يدل دليل على تفوّقهم على الناس بشيء فضلاً عن إعطائهم قوة ثلاثين رجلاً فيما يرجع إلى الغرائز السافلة.

كلّ ذلك يعرب عن وهن الحديث مضموناً وعدم مطابقته للاُصول المسلمة عند المسلمين.

ثمّ إنّ القيام بهذا العمل أمام شاب مراهق - كما قلنا - أمر قبيح عرفاً، ينفّر الناس عن النبي إذا سمعوا به، و هذا هو البخاري يحدثنا انّ أنساً لحق بالنبي قُبيل غزوة خيبر التي وقعت في محرم سنة ٧ من الهجرة(١)

أخرج البخاري عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد اللّه بن حنطب انّه سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاَبي طلحة: التمس غلاماً من غلمانكم يخدمني، فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه، فكنت أخدم رسول اللّه كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: «اللّهمّ انّي أعوذ بك من الهم والحَزَنِ والعجز والكسل والبخل والجبن وضَلَع الدَّين، وغلبة الرجال»، فلم أزل أخدمه حتى أقبلنا من خيبر.(٢)

فهذا يعرب عن أنّه لحق بالنبي في سنة ٧ للهجرة وله من العمر ١٧ أو ١٨ عاماً أفيمكن أن يقوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمام شاب مراهق في عنفوان شبابه و ثوران شهواته بالطواف على زوجاته في ليلة واحدة؟!

كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنساناً حيِيّاً عفيفاً، و هذا هو القاضي

____________________

١ مسند أحمد:٣/٢٩١.

٢ سيرة ابن هشام:٣/٣٢٨.

٦٣١

عياض، يعرّفه بقوله: وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشدّالناس حياءً، وأكثرهم عن العورات اغضاءً.

قال اللّه تعالى:( إِنّ ذلِكُم كانَ يوَذي النَّبِيَّ فيَسْتَحي مِنْكُمْ وَاللّهُ لا يَسْتَحِي مِنَ الحَقّ ) (الاَحزاب/٥٣).

وعن أبي سعيد الخدري (رض): كان رسول اللّه أشد حياءً من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه، وكان لطيف البشرة، رقيق الظاهر، لا يشافه أحداً بما يكرهه حياءً وكرم نفس.

وعن عائشة: كان النبي إذا بلغه عن أحد يكرهه لم يقل ما بال فلان يقول كذا، ولكن يقول: ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا.

وروى عنه: انّه كان من حيائه لا يُثبت بصره في وجه أحد و انّه كان يُكنِّي عما اضطره الكلام إليه ممّا يكره.

وعن عائشة: ما رأيت فرج رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قط.(١)

فإذا كان هذا حياءَه وعفتَه، فهل يتصوّر أن يطوف في ليلة واحدة على تسع أو إحدى عشرة من زوجاته واحدة تلو الاُخرى، ونساءه مطلعات على ذلك مضافاً إلى غلامه الذي بلغ سن المراهقة وهو في شره غريزته؟

إنّعمل كلّ إنسان يعكس نفسياته وملكاته، فهذا النوع من العمل يكشف عن نفسيّة غارقة في حب الشهوات، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجل من هذه التهمة الرخيصة، ومن قرأ حياته وهو في شرخ شبابه إلى ان ذرّف العقد السادس من عمره الشريف يقف، على أنّه كان بعيداً عن أيّعمل يمت إلى ذلك بصلة.

«فهو قد تزوج خديجة وهو في الثالثة والعشرين من عمره وهو في شرخ الصبا، وريعان الفتوة، ووسامة الطلعة، وجمال القسمات وكمال الرجولية، ومع

____________________

١ صحيح البخاري: ٧/٧٦، باب الحيس من كتاب الاَطعمة.

٦٣٢

ذلك ظلَّت خديجة وحدها زوجه ثماني وعشرين سنة حتى تخطّى الخمسين،هذا على حين كان تعدد الزوجات أمراً شائعاً بين العرب في ذلك العهد و على حين كان لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مندوحة في التزويج على خديجة أن لم يعش له منها ذَكَر، في وقت كان تُوأد فيه البنات، وكان الذكور وحدهم هم الذين يعتبرون خلفاً وقد ظل النبي مع خديجة سبع عشرة سنة قبل بعثه وإحدى عشرة سنة بعده وهو لا يفكر قط في أن يُشرك معها غيرها في فراشه، ولم يعرف عنه في حياة خديجة ولم يعرف عنه قبل زواجه منها، انّه كان ممن تغريهم مَفاتن النساء، في وقت لم يكن فيه على النساء حجاب بل كانت النساء يتبرجنَّ فيه و يبدينّ من زينتهنّ ما حرّم الاِسلام من بعد».(١)

فمن غير الطبيعي ان تراه وقد تخطى الخمسين ينقلب فجأة هذا الانقلاب الذي تصوره تلك الرواية.

وأمّا تعدد زوجاته ونسائه، فمن قرأ صفحات تاريخه يقف على أنّه كان لاَجل غايات سياسية أو اجتماعية أو ما يشبههما.

مثلاً انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يشرك مع خديجة أحداً مدى ٢٨ سنة، فلمّا قبضها اللّه إليه تزوج سودة بنت زمعة أرملة السكران بن عمرو بن عبد شمس، ولم يرو راو انّ سودة كانت من الجمال أو من الثروة أو من المكانة بما يجعل لمطمع من مطامع الدنيا أثراً في زواجه بها، إنّما كانت سودة زوجاً لرجل من السابقين إلى الاِسلام الذين احتملوا في سبيله الاَذى والذين هاجروا إلى الحبشة بعد ان أمرهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالهجرة وراء البحر إليها، وقد أسلمت سودة وهاجرت معه وعانت من المشاق ما عانى، ولقيت من الاَذى مالقي، فإذا تزوّجها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك ليعولها وليرتفع بمكانتها إلى أُمومة الموَمنين، فذلك أمر يستحق من أجله أسمى التقدير وأجلَّ الحمد.(٢)

____________________

١ القاضي عياض الاَندلسي: الشفاء، بتعريف حقوق المصطفى:١/٢٤١- ٢٤٣.ولاحظ مسند أحمد:٣/٧١.

٢ محمد حسين هيكل، حياة محمد، ص ٣١٨- ٣١٩ الطبعة الثالثة عشرة.

٦٣٣

هذه إلمامه إجمالية لتعدّد زوجاته، ومن أراد التفصيل، فليتصفّح صفحات التاريخ حتى يقف على الحوافز التي دفعته إلى الزواج بهنّ.

وممّا يعرب عن ضعف الرواية ما رواه نفس أنس في حقّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: وكان النبي شديد الحياء(١)

ويروى أيضاً: في قضية تزويج النبي بزينب وإقامة وليمة ويقول: فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا وبقي طائفة منهم، فأطالوا عليه الحديث، فجعل النبي يستحيي منهم أن يقول لهم شيئاً.(٢)

ما رواه حول زواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصفية

انّ ما رواه أنس حول صفية، ممّا يشوِّه سمعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يوافق الاَُصول المسلمة المستفادة من الكتاب والسنّة.

أخرج مسلم في صحيحه عن ثابت، قال: حدّثنا أنس، قال: صارت صفية لدحية في مقسمه، وجعلوا يمدحونها عند رسول اللّهقال: ويقولون: ما رأينا في السبي مثلها، قال: فبعث إلى دحية فأعطاه بها ما أراد، ثمّ دفعها إلى أُمي، فقال: أصلحيها، ثمّخرج رسول اللّهمن خيبر حتى إذا جعلها في ظهره نزل، ثمّ ضرب عليها القبّة.(٣)

أخرج البخاري عن مولى المطّلب، عن أنس بن مالك في رواية... فلمّا فتح اللّه عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قُتل زوجها فكانت عروساً فاصطفاها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنفسه، فخرج بها

____________________

١ محمد حسين هيكل، حياة محمد، ص ٣١٨- ٣١٩ الطبعة الثالثة عشرة.

٢ صحيح البخاري: ٦/١١٩، تفسير سورة الاَحزاب، باب زواج زينب بنت جحش من كتاب النكاح.

٣ مسند أحمد:٣/١٦٣؛ صحيح مسلم:٤/١٥٢.

٦٣٤

حتى بلغنا سد الصهباء حلّت، فبنى بها ثمّ صنع حيساً في نطع صغير، ثمّ قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : آذن من حولك، فكانت تلك وليمة رسول اللّه على صفية، ثمّخرجنا إلى المدينة.(١)

ثمة تأملات حول الروايتين:

أوّلاً: وجود التهافت بينهما حيث إنّ الرواية الاُولى تصرّح بأنّصفية صارت لدحية في مقسمه، فلمّا سمع النبي مدح الناس إيّاها وقولهم: «ما رأينا في السبي مثلها» بعث إلى دحية فأعطاه بها ما أراد، ثمّ أخذها منه و دفعها إلى أُم أنس كي تصلحها، ولكن الظاهر من الثانية هو انّ النبي اختارها لنفسه من أوّل الاَمر بعد أن ذكر له جمال صفية ومحاسنها.

وثانياً: انّ الفقه الاِسلامي يصرّح بأنّ صفايا الغنائم للنبي والخليفة بعده، ولكن لا يصلح لمسلم الدخول بالاَمة المسبية إلاّ بعد استبراء رحمها، فكيف بنى بها النبي في الطريق قبل الاستبراء على كلتا الروايتين؟ كما هو صريح قوله: «وقد قتل زوجها وكانت عروساً، فخرج بها حتى بلغنا سدَّ الصهباء حلّت فبنى بها».

وقد روى أبو سعيد الخدري: «انّه لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة واحدة» وروى رويفع بن ثابت الاَنصاري عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال يوم حنين:«لا يحل لامرىٍَ يوَمن باللّه واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره - يعني إتيان الحبالى - ولا يحل لامرىٍَ يوَمن باللّه واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها».(٢)

وقد صرح بلزوم استبراء الاَمة فقهاء المذاهب قاطبة من غير فرق بين سبب دون سبب، ففي المبسوط: لو ملكها بهبة أو صدقة أو ميراث أو جناية وجبت عليه، أو جعل كتابة أو خلع فعليه الاستبراء فيها.

____________________

١ صحيح مسلم: ٤/١٤٨ ؛ مسند أحمد: ٣/١٩٥.

٢ صحيح البخاري:٥/١٣٥، باب غزوة خيبر.

٦٣٥

وهذا كما ترى يذهب إلى الاستبراء بصورة عامة.

ومنهم من صرّح بما إذا كان السبب هو الغنيمة فحسب.

فقد جاء في كشف القناع: يجب الاستبراء بملك اليمين من قنّ و مكاتبة وأُمّ ولد ومدبرة عند حدوث الملك بشراء أو هبة أو إرث أو وصية أو غنيمة أو غير ذلك.(١)

وثالثاً: انّ مكارم الاَخلاق التي تمتع بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تصدّه عن البناء بها في الطريق تحت القبة وفي معرض أنظار المسلمين، ولا يقوم بذلك من له أدنى حظ من العفة.

ولعمري انّ تلك الروايات وأمثالها التي رواها أنس بن مالك أو رووا عنه تُشوِّه سمعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان في منتهى الخلق الكريم والاَدب الرفيع، وقد اقتصرنا على هاتين الروايتين، وإلاّفالروايات التي تمس كرامة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موجودة بوفرة في روايات أنس أو في من رووا عنه، و وزر ذلك على من دسّ تلك الروايات في الاَحاديث النبوية فأخذها السُّذَّج من الناس حقائق ثمّ حاولوا أن يبرروها بوجوه غير مقبولة.

٢. أبو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النار

أخرج مسلم عن ثابت، عن أنس انّرجلاً قال: يا رسول اللّه أين أبي؟ قال في النار ، فلما قفّى، دعاه فقال: إنّ أبي وأباك في النار.(٢)

وروى أحمد بهذا الطريق قال، قال رجل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

١ أبو داود، السنن: ٢/٢٤٨، برقم ٢١٥٧ و٢١٥٨.

٢ لاحظ في الوقوف على نصوص المذاهب في لازم الاستبراء ، موسوعة الفقه الاِسلامي: ٥/١٨٣ - ١٨٧.

٦٣٦

أين أبي؟ قال: في النار، قال: فلمّا رأى ما في وجهه قال: إنّأبي و أباك في النار.(١)

وثمة تساوَلات نطرحها وهي:

أ. انّالمعروف عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو العطف والحنان في معاشرته مع الناس وعلى ضوء ذلك، فهل كان من واجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجيب على سوَاله و يصرّح انّ مكانه في النار، و لمّا شاهد انزعاجه من جوابه اضطرّ إلى تسليته بأنّأباه مثل أبيه كلاهما في النار، ومثل هذا السوَال والجواب لا يصدر ممّن وصفه سبحانه بالخلق والفضل العظيم.

قال الاِمام النووي في شرح الحديث: قوله :«إنّ أبي وأباك في النار» هو من حسن العشرة بالتسلية بالاشتراك في المصيبة.(٢) نعم من حسن العشرة لكن من غير مبرِّر لكسر قلبه ببيان مصير أبيه ثمّ تسليته.

ب. إنّ الذين عاشوا بعد المسيح إلى حين بعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على طائفتين، فمنهم من تمت عليه الحجّة فلا شكّ انّه في نار الجحيم، وأمّا من لم تتم عليه الحجّة فهو ممّن قال سبحانه في حقّه:( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لاَمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكيم ) (التوبة/١٠٦) فليس كلّ من عاش بين الفترتين في النار قطعاً، فهل كان والد السائل ممن تمت عليه الحجة ؟

ج. إنّ الرواية تخالف ما عليه الاِمامية والزيدية وجملة من محققي أهل السنّة من أنّوالدي النبي كانوا موحدين وشذَّ من قال إنّ النبي مع كثرة ما أنعم اللّه عليه ووفور إحسانه إليه لم يرزقه إحسان والديه، فإنّ هذه الكلمة صدرت من غير تحقيق، فانّ التاريخ لم يضبط من سيرتهما إلاّ شيئاً يسيراً، و فيما ضبط إيعاز لو لم نقل دلالة على إيمان والديه، فقد نقل التاريخ عن والد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

١ مسلم، الصحيح:١/١٣٢- ١٣٣، باب انّمن مات على الكفر فهو في النار. من كتاب الاِيمان.

٢ مسند أحمد:٣/١١٩.

٦٣٧

انّه عندما عرضت فاطمة الخثعمية نفسها عليه، فقال: رداً عليها:

أمّا الحرام فالممات دونه

والحلّ لا حلّفاستبينه

يحمي الكريمُ عرضَه ودينَه

فكيف بالاَمر الذي تبغينه(١)

أضف إلى ذلك تضافر الروايات حول طهارة ولادة النبي التي جمعها الحافظ أبو الفداء ابن كثير في تاريخه، قال :وخطب النبي وقال: أنا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب...و ما افترق الناس فرقتين إلاّ جعلني اللّه في خيرها، فأخرجت من بين أبويَّ، فلم يصبني شيء من عهد الجاهلية وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأُمّي فأنا خيركم نفساً و خيركم أباً.(٢)

إلى غير ذلك من الاَحاديث والروايات وكلمات المحقّقين التي استقصيناها في كتابنا مفاهيم القرآن.(٣)

قال القاضي عياض الاَندلسي: فانّه نخبة بني هاشم وسلالة قريش وصميمها وأشرف العرب وأعزهم نفراً من قبل أبيه وأُمّه.

وعن العباس (رض) قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ اللّه خلق الخلق فجعلني من خيرهم و من خير قرنهم، ثمّتخيّر القبائل فجعلني من خير قبيلة، ثمّ تخيّر البيوت فجعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً...إلى أن قال:

وعن ابن عباس: قال رسول اللّه : فاهبطني اللّه إلى الاَرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح وقذف بي في صلب إبراهيم، ثمّلم يزل اللّه تعالى ينقلني من الاَصلاب الكريمة والاَرحام الطاهرة حتى أخرجني من أبويّ.(٤)

____________________

١ شرح صحيح مسلم للاِمام النووي:٣/٧٩.

٢ السيرة الحلبية: ١/٤٦.

٣ البداية والنهاية: ٢/٢٥٥.

٤ مفاهيم القرآن: ٥/١٤٨-١٥٠.

٦٣٨

فهذا النور الذي قدّر في علمه سبحانه أن يضيَ العالم بجماله، ويغيِّ-ر مصير التاريخ برسالته لا يحتضنه إلاّ أصلاب شامخة وأرحام مطهرة كنوح وإبراهيم ومن بعده كلّهم موحدون منزّهون عن عبادة الاَوثان ورذائل الاَعمال ومساوىَ الاَخلاق.

وبما ذكرنا يعلم عدم صحّة ما أخرجه أحمد عن وكيع بن حدس، عن أبي رزين عمّه، قال: قلت يا رسول اللّه: أين أُمّي؟ قال: أُمّك في النار، قال: قلت: فأين من مضى من أهلك؟ قال: أما ترضى أن تكون أُمّك مع أُمّي.(١)

٣. نسيان السورة من أعظم الذنوب

أخرج أبو داود(٢) و الترمذي(٣) عن المطلب بن عبد اللّه بن حنطب، عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه: عرضت عليَّ أجور أُمّتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت عليّ ذنوب أُمّتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثمّ نسيها.

أقول: لم يدل دليل على وجوب حفظ القرآن، ولا على حرمة نسيانه بعد حفظه، ومع غض النظر عن ذلك كيف يكون نسيان آية من المحرمات الموبقة المهلكة وفي عداد أكل الربا الذي يعد آكله محارباً للّه ولرسوله ؟ قال سبحانه:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْكُنْتُمْ مُوْمِنينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ) (البقرة/٢٧٨-٢٧٩).

أو في عداد من يحارب اللّه ورسوله؟ قال سبحانه:( إِنَّما جَزاوُا الّذِينَ

____________________

١ القاضي عياض، الشفاء بتعريف حقوق المصطفى:١/١٨٠- ١٨٣.

٢ مسند أحمد:٤/١١.

٣ سنن أبي داود : ١/١٢٦ برقم ٤٦١.

٦٣٩

يُحارِبُونَ اللّهَوَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الاْرض فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَو يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الاَرْضِ... ) (المائدة/٣٣).

فعلى ضوء هذا الحديث يكون نسيان آية من آيات القرآن أعظم من أكل الربا والسعي للفساد في الاَرض، و الزنا بالمحارم في الاَماكن المتبركة، وقتل النفس المحترمة، ونهب الاَموال.

ولما كان الحديث من الوهن بمكان، عاد الترمذي يستغربه ويقول: هذا حديث غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه.

قال: وذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه واستغربه.

٤. اجتهاد النبي في الاَحكام

أخرج الاِمام أحمد عن عبد الوارث مولى أنس بن مالك، و عمرو بن عامر عن أنس، قال:

نهى رسول اللّه عن زيارة القبور، وعن لحوم الاَضاحي بعد ثلاث، وعن النبيذ في الدّباء(١) والنقير(٢) والحنتم(٣) والمزفت(٤)

قال: ثمّ قال رسول اللّه بعد ذلك: ألا إنّي قد نهيتكم عن ثلاث ثمّ بدالي فيهنّ: نهيتكم عن زيارة القبور، ثمّبدا لي انّها ترقّ القلب وتُدمِعُ العينَ وتذكر الآخرة فزوروها ولا تقولوا هجراً، ونهيتكم عن لحوم الاَضاحي فوق ثلاث ليال ثمّ بدا لي انّ الناس يتحفون ضيفهم ويخبئون لغائبهم فامسكوا ما شئتم، ونهيتكم

____________________

١ سنن الترمذي: ٥/١٧٨ برقم ٢٩١٦.

٢ الدباء: القرع وأحدها دُبّاءة كانوا ينتبذون فيها فتُسرع الشدّة في الشراب.(النهاية:٢/٩٦).

٣ النقير: أصل خشبة ينقر فينبذ فيه فيشتد نبيذه.

٤ الحنتم واحدتهاحنتمة، نهي عن الانتباذ فيها لاَنّهاتسرع الشدة فيها لاَجل دهنها.(النهاية:١/٤٤٨).

٦٤٠

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676