بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 122906 / تحميل: 6178
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

ما كان عليه الأسلاف(١) .

وإليك ما ورد في ذلك المجال :

١ ـ روى الكليني بسند صحيح عن صفوان بن يحيى قال: قلت لأبي الحسن7 : أخبرني عن الإرادة من الله ومن الخلق. قال: فقال: الإرادة من الخلق، الضمير يبدو لهم بعد ذلك من الفعل، وأمّا من الله تعالى فإرادته إحداثه، لا غير ذلك لأنّه لا يروّي ولا يهمّ ولا يتفكّر، وهذه الصفات منفيّة عنه، وهي صفات الخلق، فإرادة الله الفعل لا غير ذلك، يقول له كن فيكون بلا لفظ، ولا نطق بلسان، ولا همّة ولا تفكّر ولا كيف لذلك، كما أنّه لا كيف له(٢) .

٢ ـ وروي الشيخ الطوسي عن صفوان بن يحيى قال قلت لأبي الحسن: اخبرني عن الإرادة من الله تعالى قال: « إرادته احداثه الفعل لا غير ذلك لأنّه جلّ اسمه لا يهم ولا يتفكّر »(٣) .

٣ ـ روي الكليني عن الحسن بن عبد الرحمان الحماني، عن الامام الكاظم7 في رواية قال: « إنّما تكون الأشياء بإرادته ومشيئته من غير كلام ولا تردد في نفس ولا نطق »(٤) .

روى الطبرسي في الاحتجاج عن الإمام الكاظم7 قال: « فيكون بمشيئته من غير تردّد في نفس »(٥) .

٤ ـ روى الكليني عن يعقوب بن جعفر، عن الإمام الكاظم7 في حديث: « ولكن كما قال الله تعالى كن فيكون بمشيئته من غير تردّد في نفس »(٦) .

__________________

(١) أوائل المقالات: ص ١٩.

(٢) الكافي: ج ١ باب الاراده الحديث ٣، ورواه البرقي في المحاسن: ص ٢٤٤.

(٣) أمالي الطوسي: ص ٢١٤.

(٤) الكافي: ج ١ باب النهي عن الجسم والصورة الحديث ٦ ص ١٠٦.

(٥) الاحتجاج: ج ٢ ص ١٥٦.

(٦) الكافي: ج ١ باب الحركة والانتقال ص ١٢٥ الحديث ١.

٨١

والجواب: إنّ هذه الروايات وإن كانت صريحة في كون إرادته سبحانه فعله، لكنّها ليست بصدد سلب كون الإرادة صفة الذات حتّى بالمعنى المناسب لذاته عنه على الاطلاق، وانما هي بصدد أنّ الإرادة الإمكانية الموجودة في الإنسان لا تصلح لذاته سبحانه لأنّها تقترن بالتردّد والتروّي والتفكّر والهمّ والكلّ من سمات الامكان والحدوث وهو سبحانه منزّه عن ذلك.

وفرق بين نفي أصل الإرادة عن ذاته سبحانه، ولو بمعنى غير مستلزم لكون ذاته معرضاً للحوادث، والإرادة الموجودة في الإنسان والحيوان وبما أنّه كلّما أطلقت الإرادة لا يراد منها سوى المعنى المتعارف من التفكّر والهم ّوالقصد، وصرّح الإمام بنفي الإرادة بذلك المعنى عن ذاته وارجاعها فيه سبحانه إلى صفة الفعل، حتّى يصدر السائل عن حضوره بشيء مقنع وبما أنّ عقليّة بعض الرواة في ذلك العصر لا تتحمّل كثيراً من المعارف الدقيقة اقتنع الامام بتفهيم ما تتحمله عقليته، وبما أنّ قسماً من الإرادة صفة للفعل، وقسم منها صفة للذات كعلمه سبحانه، فإنّ قسماً منه صفة للفعل، وقسم منه صفة للذات، اكتفى الامام ببيان أحد القسمين دون الآخر.

وهذا أصل مطرّد في باب المعارف، فهم صلوات الله عليهم يكلّّمون الناس على قدر عقولهم ولا يكلّّفونهم بما هو خارج عن طاقة شعورهم.

هذا هو سيد الموحّدين عليّ7 ينهي عن الغور في القدر ويقول :

« طريق مظلم فلا تسلكوه، وبحر عميق فلا تلجوه، وسر الله فلا تتكلّفوه »(١) .

ومع ذلك فهو صلوات الله عليه بحث عن القضاء والقدر ويشهد لذلك ما رواه الرضي في نفس نهج البلاغه(٢) .

__________________

(١) نهج البلاغة قسم الحكم الرقم ٢٨٧.

(٢) نهج البلاغة قسم الحكم الرقم ٧٨.

٨٢

والحاصل لـمّا كان المتبادر في ذهن الراوي وأمثاله من الإرادة، هو المعنى المعروف من الهم ّو التفكّر والعزم وكان جعل الإرادة من صفات الذات ـ في ذهن الراوي ـ مستلزماً لكون إرادته سبحانه مثل الإرادات الامكانية، رأى الإمام أن يعلّمه أحد القسمين من إرادته وهو الإرادة الفعلية كالعلم الفعلي، وأضرب عن القسم الآخر، ويعرب عن ذلك قوله في الروايات الثلاث الأخيرة، حيث قال :

« إنّما تكون الأشياء بإرادته ومشيئته، من غير كلام ولا تردّد في نفس ».

وهذا يعرب من أنّ الإمام بصدد صيانة الراوي عن الوقوع في الخطأ في تفسير الرواية، ولم يكن بصدد تفسير الإرادة بجميع مراتبها وأقسامها، فلو كان هناك للإرادة قسما آخر يناسب ذاته سبحانه كما أوضحناه لما كانت هذه الروايات نافية لها.

هناك وجه آخر لجعل الإرادة من صفات الفعل وهو انّ الإرادة في الإنسان لا ينفك عن المراد، فلو جعلت الإرادة فيه سبحانه من صفات الذات ربّما يستنتج الراوي منه قدم العالم، فلأجل صيانة ذهن الراوي عن الخطأ فسّرت الإرادة بالأحداث والايجاد، ويشهد على ذلك الوجه بعض الروايات :

١ ـ روى الصدوق في توحيده عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله7 قال: « المشيئة محدثة »(١) .

٢ ـ روى الصدوق عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد الله7 قال: « قلت له لم يزل الله مريداً » ؟! فقال: « إنّ المريد لا يكون إلّا المراد معه بل لم يزل عالماً قادراً ثم أراد »(٢) .

٣ ـ روى الصدوق عن سليمان بن جعفر الجعفري قال: قال الرضا7 : « المشيئة والإرادة من صفات الأفعال فمن زعم أنّ الله تعالى لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد »(٣) .

__________________

(١) و (٢) و (٣) التوحيد للصدوق: ص ٣٣٨ ـ ١٤٦ ـ ٣٣٦.

٨٣

وهذه الأحاديث تعرب من أنّ جعل الإرادة صفة الفعل إنّما هو لأجل صيانة ذهن الراوي عن توهّم قدم العالم وانّه لم يزل كان مع الله سبحانه، وإن شئت قلت: إنّ الإرادة التي سأل عنها الراوي كان يراد منها العزم على الفعل الذي لا ينفك عن المراد، فاراد الإمام هدايته إلى أنّ الإرادة بهذا المعنى لا يوصف بها سبحانه لأنها تستلزم قدم المراد أو حدوث المريد، ولأجل أن يتلقّى الراوي معنى صحيحاً للإرادة يناسب مستوى تفكيره، فسّرها الامام بالمعنى الذي يجري عليه سبحانه في مقام الفعل، وقال في جواب سؤال السائل :

« لم يزل الله مريداً ؟: إنّ المريد لا يكون إلّا المراد معه، لم يزل الله عالماً قادراً ثمّ أراد »(١) .

عصر الإمام الكاظم 7 والمذاهب الكلاميّة

كان عصر الإمام الكاظم7 ( ت ١٢٨ ـ م ١٨٣ ) عصر إزدهار المذاهب الكلامية وكانت الأمصار وحواضرها الكبرى ميداناً لمطارحات الفرق المختلفة.

فمن سلفيّ يقتصر في توصيفه سبحانه على الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة ويأخذ بمعانيها الحرفية من دون إمعان وتدبّر، ويرفع عقيرته بأنّ لله يداً ووجها وأنّه مستو ومستقرّ على عرشه وأنّ له رجلاً و

إلى معتزلي يجعل للعقل قسطاً أوفر في مجال العقائد والمعارف ويتجاوز حدّه فيؤوّل الكتاب والسنّة فيما لا يوافق معتقده وعقليّته.

إلى مرجئيّ يكتفي في الإيمان بالقول ويقدّمه ويؤخّر العمل، ولا يحكم على

__________________

(١) الكافي: ج ١ ص ١٠٩، باب الارادة.

٨٤

مرتكب الكبيرة بعقوبة.

إلى مُحكِّم يكفّر كلّ الطوائف الاسلامية غير أهل نحلته الذين يبغضون الخليفتين عثمان وعليّاً ويكفّرون الصدّيق الاعظم عليّاً7 .

إلى غير ذلك من المذاهب الإسلاميّة التي ظهرت في القرن الثاني.

ويعرب عن تشتت الفرق وتكثّرها ما رواه الكشّي عن محمد بن عيسى العبيدي، عن يونس، عن هشام، أنّه لـمّا كان أيّام المهدي، شدّد على أصحاب الهوى، وكتب له ابن المفضل صنوف الفرق صنفاً صنفاً، ثمّ قرأ الكتاب على الناس، فقال يونس :

قد سمعت الكتاب يقرأ على الناس على باب الذهب بالمدينة واُخرى بمدينة الوضّاح(١) .

ولم يكن الخلاف مقتصراً على معتقدات الطوائف الماضية بل كان عصر الإمام يتّسم بموجات رهيبة من النزعات الشعوبية والاتجاهات التي لاتمت إلى الاسلام بصلة، ولأجل ذلك يجب إمعان النظر في الروايات الواردة عن الكاظم7 وغيره مع ملاحظة الظروف السائدة عليه، فإذا كان هذا عصر الإمام والأئمّة بعده فلابدّ أن تكون رواياتهم متضمّنة ردّ أصحاب الأهواء ودعاة الضلال، وأكثر ما ورد في المقام عن الإمامين الكاظم والرضا8 حول الإرادة وأنّها صفة فعله سبحانه لا ذاته إنّما ورد في تلك الظروف المحرجة.

الإشكال الثالث: الإرادة يتوارد عليها النفي والاثبات

كيف نعد الإرادة من صفات الذات ؟ مع أنّ الملاك الذي ذكره الكليني لا ينطبق

__________________

(١) رجال الكشي: ترجمة هشام بن الحكم رقم ١٣١ ص ٢٢٧، ولعلّ هذا الكتاب أوّل ما اُلّف في المذاهب الاسلامية.

٨٥

عليه بل ينطبق على كونها من صفات الفعل وحاصله :

إنّ كلّ وصف يقع في إطار النفي والاثبات فهو من صفات الفعل مثل قولنا: يعطي ولا يعطى، وما لا يقع في إطارهما، بل يكون اُحادية التعلّق من صفات الذات فيقال « يعلم » ولا يقال « لا يعلم ».

وعلى ضوء هذا تكون الإرادة من صفات الفعل لأنّها ممّا يتوارد عليه النفي والاثبات. يقول سبحانه:( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) ( البقرة / ١٨٥ ).

والجواب على هذا السؤال بوجهين :

أحدهما: إنّ الإرادة التي يتوارد عليها النفي والاثبات هي الإرادة في مقام الفعل، وأمّا الإرادة في مقام الذات التي فسّرناها بكمال الإرادة وهو الاختيار، فلا تقع في إطار النفي والاثبات.

وثانيهما: ما أجاب به صدر المتألّهين قائلاً بأنّ لله سبحانه إرادة بسيطة مجهولة الكنه وأنّ الذي يتوارد عليه النفي والإثبات، الإرادة العددية الجزئية المتحقّقة في مقام الفعل، وأمّا أصل الإرادة البسيطة، وكونه سبحانه فاعلاً عن إرادة لا عن اضطرار وايجاب، فلا يجوز سلبه عن الله سبحانه، وإنّ منشأ الاشتباه هو الخلط بين الإرادة البسيطة في مقام الذات التي لا تتعدّد ولا تتثنّى، وبين الإرادة العددية المتحقّقة في مقام الفعل التي تتعدّد وتتثنّى ويرد عليها النفي والاثبات.

قال: « الفرق بين الإرادة التفصيلية العددية التي يقع تعلّقها بجزئي من اعداد طبيعية واحدة أو بكلّ واحد من طرفي المقدور، كما في القادرين من الحيوانات، وبين الإرادة، البسيطة الحقّة الإلهية التي يكلّ عن ادراكها عقول أكثر الحكماء فضلاً عن غيرهم »(١) .

__________________

(١) الاسفار: ج ٦ ص ٣٢٤.

٨٦

الإشكال الرابع: لو كانت الإرادة صفة للذات، لزم قدم العالم

هذا هو الإشكال الرابع في طريق جعل الإرادة من صفات الذات وحاصله: إنّ صفات الذات متّحدة معها، فلو كانت الإرادة صفة للذات، يلزم قدم العالم لأنّ الإرادة لا تنفك عن مرادها فقدم الذات يلازم قدم الإرادة وهو يلازم قدم المعلول وهو العالم.

يلاحظ عليهأوّلاً: انّ الإشكال لا يختصّ بمن جعل الإرادة بمعناها الحقيقي وصفاً لذاته سبحانه، بل الإشكال يتوجه أيضاً على من فسّر إرادته بالعلم بالأصلح، لاستناد وجود الأشياء إلى العلم بالنظام الأتم الذي هو عين ذاته، واستحالة انفكاك المعلوم عن العلّة أمر بيّن من غير فرق بين تسمية هذا العلم إرادة أو غيرها، فلو كان النظام الأصلح معلولاً لعلمه، والمفروض انّ علمه قديم، لزم قدم النظام لقدم علّته.

وثانياً: إذا قلنا بأنّ إرادته سبحانه عبارة عن كونه مختاراً غير ملزم بواحد من الطرفين، لا يلزم عندئذ قدم العالم إذا اختار ايجاد العالم متأخّراً عن ذاته.

وثالثاً: إنّ لصدر المتألّهين ومن حذا حذوه في الاعتقاد بالإرادة الذاتية البسيطة المجهولة الكنه، أن يجيب بأنّ جهلنا بحقيقة هذه الإرادة وكيفيّة إعمالها، يصدّنا عن البحث عن كيفيّة صدور فعله عنه، وأنّه لماذا خلق العالم حادثاً ولم يخلقه قديماً ؟

وها هنا نكتة نعلّقها على هذا البحث بعد التنبيه على أمر وهو: انّ الزمان كمّ متّصل ينتزع من حركة الشيء وتغيّره من حال إلى حال، ومن مكان إلى مكان، ومن صورة نوعية إلى اُخرى، فمقدار الحركة عبارة عن الزمان، فلولا المادة وحركتها لما كان للزمان مفهوم حقيقي، بل كان له مفهوم وهمي. هذا ما أثبتته الأبحاث العميقة في الزمان والحركة، وقد كان القدماء يزعمون: إنّ الزمان يتولد من حركة

٨٧

الافلاك والنيّرين وغيرهما من الكواكب السيارة، ولكن الحقيقة أنّ كلّ حركة حليفة الزمان وراسِمته ومولدته، وإنّ التبدّلات عنصريّة كانت أو أثيرية، مشتملة على أمرين :

الأوّل: حالة الانتقال من المبدأ إلى المنتهى، سواء كان الانتقال في الوصف، أو في الذات.

الثاني: كون ذلك الإنتقال على وجه التدريج والسيلان لا على نحو دفعي.

فباعتبار الأمر الأوّل توصف بالحركة، وباعتبار الأمر الثاني توصف بالزمان، فكأن شيئاً واحداً باسم التغير والتبدل والانتقال، يكون مبدأ لانتزاع مفهومين منه، لكن كلّ واحد منهما باعتبار خاص، هذا من جانب.

ومن جانب آخر إنّ المادّة تتحقق على نحو التدريج والتجزئة ولا يصحّ وقوعها بنحو جمعي، لأنّ حقيقتها حقيقة سيّالة متدرّجة أشبه بسيلان الماء، فكلّ ظاهرة مادية تتحقق تلو سبب خاص، وما هذا حاله يستحيل عليه التحقق الجمعي أو تقدّم جزء منه أو تأخّره بل لا مناص عن تحقّق كلّ جزء في ظرفه وموطنه، وبهذا الاعتبار تشبه الأرقام والأعداد، فالعدد مثل « الخمسة » ليس له موطن إلّا الوقوع بين « الأربعة » و « الستة » وتقدّمه على موطنه كتأخّره عنه مستحيل، وعلى ذلك فالأسباب والمسبّبات المترتبة بنظام خاص، يستحيل عليها خروج أي جزء من أجزائها عن موطنه ومحله.

إذا عرفت هذا الأمر، نرجع إلى بيان النكتة وهي ماذا يريد القائل من قوله « لو كانت الإرادة صفة ذاتية لله سبحانه، يلزم قدم العالم ؟ » فان أراد أنّه يلزم تحقّق العالم في زمان قبله وفي فترة ماضية فهذا ساقط بحكم المطلب الأوّل، لأنّ المفروض انّه لا زمان قبل عالم المادة لما عرفت من أنّ حركة المادة ترسم الزمان وتولّده.

وإن أراد لزوم تقديم بعض أجزائه على البعض الآخر أو على مجموع العالم

٨٨

فقد عرفت استحالته فإنّ اخراج كلّ جزء عن إطاره أمر مستحيل مستلزم لانعدامه.

ما هو المراد من الحدوث الزماني للعالم ؟

اتّفق الالهيّون على أنّ العالم حادث ذاتاً بمعنى أنّه مسبوق بعدم حقيقي وانّه لم يكن فكان والفاعل المتخلّل في قولنا: « لم يكن فكان » هو الفاصل بين الواجب والممكن نظير الفصل بين حركة اليد وحركة المفتاح، فالحركتان واقعتان في زمان واحد غير أنّ الثانية متأخّرة عن الاُولى رتبة لأنّها ناشئة من الاُولى، وحركة اليد نابعة من ذاتها، وحركة المفتاح ناشئة من حركتها، فهي في طول الحركة الاُولى.

نعم هنا فرق بين المثال والممثّل له، فالعلّة والمعلول في المثال زمانيان دون الممثّل له فالعلّة هنا منزّهة عن الزمان والزماني وهذا مما لا شبهة فيه، إنّما الكلام في اثبات حدوث آخر للعالم وهو الحدوث الزماني.

إنّ المتشرّعة تثبت للعالم وراء الحدوث الذاتي حدوثاً زمانياً بمعنى كونه مسبوقاً بعدم زماني واقعي مثلا كما أنّ حوادث اليوم مسبوقة بالعدم الزماني حيث إنها لم تكن قبل ذلك اليوم ثم حدث، فهكذا العالم لم يكن في وقت ثم حدث. وهذه المسألة ممّا تصرّ عليها المتشرّعة حتى انّ الشيخ الأعظم الأنصاري في الفرائد عند البحث عن حجّية القطع الحاصل من غير الكتاب والسنّة يقول: « أجمعت الشرايع السماويّة على انّ العالم حادث زماناً(١) .

ولكن تصوير الحدوث الزماني لكلّ جزء من أجزاء العالم بالنسبة إلى الزمان المتقدّم عليه أمر سهل يصدّقه البرهان والحسّ ف‍ « زيد » المتولّد في هذا اليوم، مسبوق بعدم زماني يوم أمس.

__________________

(١) الفرائد، رسالة حجّية القطع.

٨٩

إنّما الكلام في اثبات الحدوث الزماني لمجموع العالم إذا أخذ صفقة واحدة ولوحظ شيئاً واحداً، فإنّ اثبات الحدوث الزماني أمر لا يخلو من خفاء وذلك ببيانين :

١ ـ إنّ الزمان مقدار الحركة، وكلّ حركه تعانق زماناً ما يعدّ مقداراً لها، وليس في العالم زمان واحد يتولّد من حركة الفلك أو الشمس والقمر بل كلّ حركة مولد زماناً فيكون ذلك الزمان مقداراً لها كما حقّق في محلّه، فإذا كان الزمان وليد الحركة ونتيجة سيلان المادّة إلى الغاية فكيف يمكن أن نقول بأنّه كان وقت حقيقي لم يكن العالم فيه ثمّ حدث ووجد ؟ لأنّ المفروض أنّ هذا الوقت نتيجة حركة المادة التي لم تخلق بعد، فلا يتصوّر شيء بمعنى الوقت والزمان قبل إيجاد العالم حتّى يتضمّن عدمه.

٢ ـ إنّه ينقل الكلام إلى نفس الزمان فهل هو حادث ذاتي وقديم زماناً أو لا ؟

فعلى الأوّل يجب الاعتراف بممكن حادث ذاتاً وقديم زماناً، فلو كان القول بالقدم الزماني مقبولاً فيه فليكن مقبولاً في مجموع العالم إذا لوحظ شيئاً واحداً أو في الجزء الأوّل منه. وعلى الثاني يلزم أن يكون للزمان زمان حتّى يتضمّن الزمان الثاني عدم الزمان الأوّل في حاقّه، وعندئذ إمّا يتوقّف تسلسل الزمان فيلزم كون الزمان الثاني قديماً زمانيّاً وإن لم يتوّقف يلزم التسلسل.

فلأجل هذين الوجهين يعسر التصديق بالحدوث الزماني لمجموع العالم ويكتفى بالحدوث الذاتي، ثمّ إنّ الداعي إلى ذهابهم إلى الحدوث الزماني للعالم كلّه أمران :

أ: التركيز على التوحيد، وأنّه لا قديم سواه وأنّ كلّ ما في الكون فهو حادث زماني مسبوق بعدم زماني حقيقي، فحصر القديم في الله سبحانه يصدّهم عن الاعتراف بقدم العالم زماناً والاكتفاء بالحدوث الذاتي.

٩٠

يلاحظ عليه: أنّ تنزيه الحق عن الشرك والنّد لا يتوقف على اثبات الحدوث الزماني للعالم، بل يكفي هنا القول بأنّه سبحانه قديم بالذات وإنّ غيره حادث كذلك سواء أكان له حدوث زماني أو لا، وبعبارة اُخرى التنزيه ونفي الشرك يحصل بحصر ضرورة الوجود في الله سبحانه وإنّ وجوده نابع من صميم ذاته بخلاف غيره فإنّ وجوده مستعار ومكتسب من جانبه سبحانه.

ب: ما ورد في الروايات من أنّه كان الله ولم يكن معه شيء مستظهراً بأنّ المراد من الكينونة لله سبحانه، وعدم غيره، هو كونه في وقت مقروناً بعدم كون شيء فيه.

يلاحظ عليه: انّ الروايات المرويّة عن أئمّة أهل البيت خصوصاً ما روي عن الإمام الكاظم7 وأبي جعفر7 يعرب من أنّ المراد غير ذلك وأنّ ما يتبادر من هذه الجملة في الأذهان البسيطة غير مراد، ويعلم ذلك بسرد الروايات عنهم صلوات الله عليهم :

١ ـ روى الصدوق عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر8 أنّه قال: إنّ الله تبارك وتعالى كان لم يزل، بلا زمان ولا مكان وهو الآن كما كان(١) .

٢ ـ ما روي عن أبي جعفر7 أنّه قال: إنّ الله تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره، نوراً لا ظلام فيه، وصادقاً لا كذب فيه، وعالماً لا جهل فيه، وحيّاً لا موت فيه، وكذلك هو اليوم، وكذلك لا يزال أبداً(٢) .

٣ ـ ما ذكره الإمام الرضا7 في جواب عمران الصابئي حيث سأله الصابئي بقوله: أخبرني عن الكائن الأوّل وعمّا خلق. قال الرضا7 سألت فافهم: « أمّا الواحد فلم يزل واحداً كائناً لا شيء معه، بلا حدود، ولا اعراض، و

__________________

(١) مسند الامام الكاظم7 ج ١ ص ٢٧٠ ـ نقلاً عن توحيد الصدوق ص ١٧٨.

(٢) التوحيد للصدوق ـ باب صفات الذات وصفات الفعل ـ الحديث ٥ ص ١٤١.

٩١

لا يزال كذلك(١) .

والذي يجب إمعان النظر فيه هو هذه الجمل التالية في حديث الإمام الكاظم7 وغيره.

أ: قوله في الحديث الاول: « وهو الآن كما كان ».

ب: قوله في رواية أبي جعفر7 : « وكذلك هو اليوم فكذلك لا يزال أبداً ».

ج: قوله في كلام الرضا7 : « ولا يزال كذلك ».

فهذه الأحاديث تعرب من أنّ توصيفه سبحانه بالجملة التالية: « كان الله ولم يكن معه شيء » لا يختص بالآزال قبل خلق العالم بل هذا الوصف مستمر له إلى الآن حتى بعد ما خلق العالم، ومن المعلوم أنّه لو كان المراد من قوله: « كان الله ولم يكن معه شيء » أنّه كان وقت، ولم يكن في ذلك الوقت شيء من الممكنات، يجب ان يخصّص هذا الوصف بظرف خاص وهو قبل خلق العالم، وأمّا بعده فلا يمكن أن يقال: إنّه مستمر إلى زماننا هذا لفرض تكوّن أشياء وتحقّقها مع تحقّق الله سبحانه.

وهذا يعرب: أنّ المراد من أنّه سبحانه قد كان ولم يكن معه شيء مستمراً إلى زماننا هذا، هو كونه سبحانه في درجة رفيعة من الوجود ورتبة متقدّمة على معلوله فهو في كلّ ظرف وزمان، كائنٌ، وليس معه في هذه الرتبة شيء من الممكنات من غير فرق بين مرحلة خلق العالم وقبله، لأنّ العلّة لعلوّ مقامه وشموخ درجته على وجه لا يتجافى المعلول عن رتبته، حتى يكون معه، ولا شيء معه في هذا المقام مطلقاً سواء قبل خلق العالم أم بعده.

__________________

(١) التوحيد: باب ذكر مجلس الرضا (ع) ص ٤٣٠.

٩٢

والحاصل: أنّ هذه الروايات تركّز على نكتة فلسفيّة تغيب عن أذهان المتوسّطين وهو أنّه سبحانه واحد ليس معه شيء، وأنّ هذا التوحيد مستمر في جميع الأوقات والأزمان ومن المعلوم أنّ الاعتراف بهذا النوع من التوحيد والتنزيه، ونفي أن يكون شيء معه لا يتم إلّا بالاعتراف بالحدوث الذاتي للعالم، وأنّ وجوده نابع من وجوده سبحانه، فليس في ذلك المقام أثر من الإمكان من غير فرق بين قبل التجلّي وبعده، فالمعلوم أقصر من أن يصل إلى مقام العلّة ويجتمع معها.

هذا ما وصلنا إليه بعد التدبّر في الروايات.

نعم، إنّ صدر المتألّهين وتلامذة منهجه حاولوا في المقام أن يثبتوا للعالم حدوثاً زمانيّاً وراء الحدوث الذاتي، فمن أراد التبسّط فعليه المراجعة إلى كلامهم(١) ولكنّهم وإن بذلوا جهوداً كبيرة في تصوير الحدوث الزماني لكنّه لا يثبت ما ترومه المتشرّعة إذ أقصى ما يثبت بيانهم أنّ كلّ جزء من العالم مسبوق بعدم زماني بالنسبة إلى الجزء المتقدّم، وهو ليس موضع بحث ونقاش وإنّما البحث في اثبات الحدوث لجملة العالم.

ثمّ إنّ لبعض المحقّقين ممّن عاصرناه كلاماً في المقام لا يخلو من فائدة، فنأتي به برمته، قال :

« إعلم أنّ الذي يظهر لي في هذا المقام العويص، هو أن يقال: إنّ المراد من العالم ( بمعنى ما سوى الله ) إمّا يكون هو هذا العالم المشهود لنا من السماء والسماويّات والعنصر والعنصريّات، وإمّا يكون مطلق ما سوى الله ممّا يتصوّر من عالم مادي أو مجرّد، فالأوّل أعني هذا العالم المحسوس، فالحق انّه ليس على قدمه دليل، ولا في القول بحدوثه محذور بل هو حادث زماني أعني مسبوقاً بالعدم

__________________

(١) الاسفار: ج ٦ ص ٣٦٨.

٩٣

الزماني العرضي، ويكون وعاء عدمه زماناً منتزعاً من عالم قبله وهو أي العالم الذي قبله أيضاً حادث زماني مسبوق بعدمه، الواقع في عالم ثالث قبل ذاك العالم الثاني، وليس هذا شيء يخالفه العقل، بل الهيئة الجديدة ناطقة بأنّ الامر كذلك، إذ شمسنا التي تدور حولها أرضنا مع بقية الكواكب عندهم عالم من العوالم، حادث، مسبوق بعدم واقعي، قد انقضى الأكثر من عمره وما بقي منه إلّا صبابة كصبابة الاناء، وهو مع جميع توابعه مسبوق بعدم واقعي متأخّر عن عالم متألّف من شمس اُخرى مع ما حولها من كواكبها، وهكذا كلّ كوكب من الثوابت شمس وكم انقضى منها وكم لم يوجد بعد، وكم من موجود منها لم نشاهده ذلك تقدير العزيز الحكيم.

هذا بالقياس إلى حكم العقل ولم يثبت في الشرع ما يدل على خلافه بل لعل فيه ما يدل على وفاقه من أنّ قبل هذا الخلق خلق، وقبل هذا العالم عوالم إلى ثلاثين ألف، الكاشف عن كثرتها(١) وقول الحكماء بانحصار العالم المحسوس في هذا العالم من فلك الأفلاك إلى الأرض وقدم أفلاكه مادّة وصورة وأعراضاً حتى بالنسبة إلى أصل الحركة وأصل الوضع إلّا في جزئيات الحركة والوضع، قول محض لا شاهد عليه إلّا حدسيات أبطلتها الهيئة الجديدة.

والثاني أعني مطلق العوالم وجملة ما سواه، فالحق انّ حدوثه بهذا المعنى شيء لم يتّفق عليه الملّيون ولم يثبت له الحدوث بهذا المعنى في شرعنا المقدّس كيف وقد عرفت ورود ما يدل على وجود العوالم قبل عالمنا وكذا بعد خرابه، وهو الموافق مع الحكمة ويطابقه العقل الصريح ويلائم مع كونه تعالى دائم الفضل على البريّة وباسط اليدين بالعطية ولا امساك له عن الفيض، وعلى هذا فيمكن أن يكون

__________________

(١) قال أبو جعفر الباقر7 : ولعلّك ترى أنّ الله تعالى إنّما خلق هذا العالم الواحد، وترى أنّ الله تعالى لم يخلق بشراً غيركم بلى والله لقدخلق الله تعالى الف الف عالم، وألف ألف آدم، أنت في آخر تلك العوالم واُولئك الاُمّيين. قال الحكيم السبزواري بعد نقل الحديث: والمراد من العدد الكثرة. « شرح الأسماء الحسنى : ص ٢٤٠ ».

٩٤

النزاع في حدوث العالم وقدمه لفظيّاً إلّا على قول الحكماء بقدم هذا العالم من أفلاكه وفلكياته وعناصره البسيطه حيث إنّ النزاع في قدمه وحدوثه معنوي كما لا يخفى.

وأمّا بالنسبة إلى ما سوى هذا العالم فالحكماء ينكرون أصل وجوده، ويزعمون انحصار العالم في عالمنا، ولو كان له وجود قبل عالمنا فلا محالة يكون عالمنا حادثاً بالحدوث الزماني المسبوق بالعدم الواقعي، كما أنّ الاعتراف بوجود العقول وعالم الجبروت يساوق الاعتراف بوجود الممكن القديم بالزمان كما لا يخفى(١) .

١٥ ـ تكلّمه وكلامه سبحانه

قد تعرّفت على أنّ صفة التكلّم ممّا وقع فيه الكلام وأنّه هل هو صفة فعل أو صفة ذات، وقد أثارت هذه المسألة في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث ضجّة كبيرة بين المسلمين، وأوجدت محنة في التاريخ سمّيت بمحنة أحمد، وقد بالغت شيعة أحمد كإبن الجوزي في مناقبه في تحرير هذه المحنة وتحليلها فجاء بقصص وروايات لم يروها غيره وجعل منه بطلاً دينيّاً، مجاهداً من أجل عقيدته وآرائه. وعلى كلّ تقدير فنحن نبحث عنها على ضوء البرهان وهدى الكتاب والسنّة.

أجمع المسلون تبعاً للكتاب والسنّة على كونه سبحانه متكلّماً وقد شغلت هذه المسألة بال العلماء والمفكّرين في العصور المتقدّمة ووقع الجدال في موضعين :

الأوّل: ما هو المراد من هذا الوصف ؟

الثاني: هل كلامه ( القرآن ) حادث أو قديم ؟

__________________

(١) درر الفوائد: للمحقق الشيخ محمد تقي الآملي1 ج ١ ص ٢٧٢ ـ ٢٧٤.

٩٥

وقبل البحث في كلا الأمرين نقدّم النصوص القرآنية التي تضافرت الآيات على توصيفه به، قال تعالى:( مِنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ ) ( البقرة / ٢٥٣ ).

وقال تعالى:( وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا ) ( النساء / ١٦٤ ).

وقال سبحانه:( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ) ( الأعراف / ١٤٣ ).

وقال تعالى:( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إلّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) ( الشورى / ٥١ ).

وقد بيّن تعالى انّ تكليمه الأنبياء لا يعدو عن الأقسام التالية :

١ ـ وحياً.

٢ ـ من وراء حجاب.

٣ ـ يرسل رسولاً.

فقد أشار بقوله: « إلّا وحياً » إلى الكلام الملقى في روع الأنبياء بسرعة وخفاء كما أشار بقوله: « أو من وراء حجاب » إلى الكلام المسموع لموسى7 في البقعة المباركة قال تعالى:( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) ( القصص / ٣٠ ).

وأشار بقوله سبحانه:( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ) إلى الإلقاء الذي يتوسّط فيه ملك الوحي.

قال سبحانه:( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ *نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ *عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ ) ( الشعراء / ١٩٢ ـ ١٩٤ ).

ففي الحقيقة « الموحي » هو الله سبحانه وهو تارة يوحي بلا واسطة عن طريق الالقاء في الروع، أو عن طريق التكلّم من وراء حجاب بحيث يسمع الصوت ولا يرى

٩٦

الموحي واُخرى بواسطة الرسول، فهذه الأقسام الثلاثة هي الواردة في الآية المباركة.

إذا عرفت ذلك فاعلم انّه اختلفت كلمة المتكلّمين والحكماء في حقيقة كلامه إلى نظريات :

١ ـ نظرية المعتزلة

قالت المعتزلة كلامه تعالى أصوات وحروف ليست قائمة بذاته تعالى بل يخلقها في غيره كاللوح المحفوظ أو جبرئيل أو النبي. قال القاضي عبد الجبار :

« حقيقة الكلام: الحروف المنظومة والأصوات المقطعة وهذا كما يكون منعماً بنعمة توجد في غيره، ورازقاً برزق يوجد في غيره، فهكذا يكون متكلّما بايجاد الكلام في غيره وليس من شرط الفاعل أن يحلّ عليه فعلاً(١) .

والظاهر أنّ كونه سبحانه متكلّما بهذا المعنى لا خلاف فيه إنّما الكلام في حصر التكلّم في هذا المعنى. قال السيد الشريف :

« هذا الذي قالته المعتزلة لا ننكره بل نحن نقوله ونسمّيه كلاماً لفظياً ونعترف بحدوثه وعدم قيامه بذاته تعالى ولكن نثبت أمرا وراء ذلك »(٢) .

ونزيد في الملاحظة: انّ تفسير كلامه سبحانه بايجاد الحروف والأصوات في الأشياء أو الالقاء في الروع إنّما يصحّ في ما إذا كان لكلامه سبحانه مخاطباً معيّناً كما في تكليمه الأنبياء وغيرهم كاُمّ موسى قال سبحانه :

( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ ) ( القصص / ٧ ).

__________________

(١) شرح الاُصول الخمسة: ص ٥٢٨، وشرح المواقف: ج ٨، ص ٤٩٥.

(٢) شرح المواقف: ج ٨ ص ٩٣.

٩٧

وقال سبحانه:( فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا إلّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا *وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ) ( مريم / ٢٤ و ٢٥ ).

وأمّا إذا لم يكن هناك مخاطب خاص لجهة الخطاب فلابد أن يكون كلامه سبحانه على وجه الاطلاق معنى آخر سنذكره فيما بعد.

٢ ـ نظريّة الحكماء

لا شك أنّ الكلام في انظار عامّة الناس هو الحروف والأصوات الصادرة من المتكلّم القائمة به، وهو يحصل من تموّج الهواء واهتزازه بحيث إذا زالت الأمواج غاب الكلام عنه، ولكن الإنسان الاجتماعي يتوسّع في اطلاقه فيطلقه على الخطبة المنقولة أو الشعر المروي عن شخص، ويقول هذا كلام النبي6 أو شعر إمرئ القيس مع أنّ كلامهما قد زالا بزوال الموجات والاهتزازات، وما هذا إلّا من باب التوسّع في الاطلاق ومشاهدة ترتّب الأثر على المرويّ والمنقول وعلى هذا يتوسّع بأزيد من هذا، فكلّ فعل من المتكلّم أفاد نفس الأثر الذي يفيده كلامه اللفظي يسمّيه كلاماً لاشتراكهما في ابراز ما يضمره المتكلّم في قرارة ذهنه من المعاني والحقائق، وبذلك تكون اللوحة الفنيّة كلاماً لرسّامها حتى انّ البناء الشامخ كلام يعرب عن نبوغ البنّاء والمعمار والمهندس، فلأجل ذلك نرى انّه سبحانه يصف عيسى بن مريم بأنّه كلمة الله ألقاها إلى مريم العذراء فيقول:( يَا أهل الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إلّا الحَقَّ إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ) ( النساء / ١٧١ ).

وكيف لا يكون سيّدنا المسيح كلمة الله مع أنّه كاشف عن قدرته العظيمة على خلق الإنسان في الرحم من دون لقاح بين اُنثى وذكر، ولأجل ذلك عدّ وجوده آية ومعجزة.

وفي ضوء هذا البيان يظهر وجه عدّ جميع ما في الكون كلمات الله سبحانه ،

٩٨

قال :

( قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ) ( الكهف / ١٠٩ ).

ويقول سبحانه:( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( لقمان / ٢٧ ).

فكلّ ما في صحيفة الكون من الموجودات الإمكانية كلامه وتخبر عمّا في المبدأ من كمال وجمال وعلم وقدرة، وبذلك يكون العالم بموجوداته الكتاب التكويني.

وقال علي7 :

« يخبر لا بلسان ولهوات، ويسمع لا بخروق وأدوات، يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يتحفّظ، ويريد ولا يضمر، يحب ويرضى من غير رقّة، ويبغض ويغضب من غير مشقّة يقول لمن أراد كونه، « كن » فيكون، لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع، وإنّما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثّله، لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً »(١) .

وعلى هذين المعنيين فالتكلّم من صفات فعله سبحانه لا من صفات الذات نعم، حاولت الأشاعرة أن تجعل كلامه سبحانه صفة ذاته وجاءت بنظرية معقدة غير واضحة سمّتها بالكلام النفسي، وإليك بيانها :

٣ ـ نظرية الأشاعرة

ذهبت الأشاعرة إلى كون التكلّم من صفات الذات بالقول بالكلام النفسي

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ١٨٤.

٩٩

القائم بذات المتكلّّم، وهذه النظرية مع اشتهارها من الشيخ أبي الحسن الأشعري لم نجدها في « الإبانة » و « اللمع » وإنّما ركّز فيهما على البحث عن المسألة الثانية، وهو كون كلامه حادثاً أو قديماً، ولكن أتباعه المتأخّرين نقلوها عنه. قال « الشهرستاني » :

« وصار أبو الحسن الأشعري إلى أنّ للكلام معنى قائماً بالنفس الإنسانية وبذات المتكلّم وليس بحروف ولا أصوات وإنّما هو القول الذي يجده القائل في نفسه ويجيله في خلده »(١) .

وقال الآمدي :

« ذهب أهل الحق من الإسلاميين إلى كون الباري تعالى متكلّما بكلام قديم أزلي نفساني أحدي الذات، ليس بحروف ولا أصوات، وهو مع ذلك مغاير للعلم والقدرة والإرادة وغير ذلك من الصفات »(٢) .

وقال « الايجي » بعد نقل نظرية المعتزلة :

« وهذا لا ننكره لكنّا نثبت أمراً وراء ذلك، وهو المعنى القائم بالنفس ونزعم انّه غير العبارات إذ قد تختلف العبارات بالأزمنة والأمكنة والأقوام بل قد يدلّ عليه بالإشارة والكتابة إلى أن قال: « وهو غير العلم »(٣) .

وقد حارت العقول في فهم المقصود من الكلام النفسي، ولأجل ذلك قام رجال من الأشاعرة بتبيينه. فأوضحه « الشهرستاني » بقوله :

« العاقل إذا راجع نفسه وطالع ذهنه وجد من نفسه كلاماً وقولاً يجول في قلبه تارة إخباراً عن اُمور رآها على هيئة وجودها أو سمعها من مبتدئها إلى منتهاها على وفق ثبوتها، وتارة حديثاً مع نفسه بأمر ونهي ووعد ووعيد لأشخاص على تقدير

__________________

(١) نهاية الاقدام: ص ٣٢٠.

(٢) غاية المرام: ص ٨٨.

(٣) المواقف: ص ٢٩٤.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

فبما كسبت أيديكم ١ فقال عليه السلام : كلاّ ما هذا فينا نزلت إنما نزلت فينا ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلاّ في كتاب من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على اللّه يسير . لكيلا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم ٢ فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا من الدنيا و لا نفرح بما آتانا منها ٣ .

٦

الحكمة ( ٣٧٧ ) و قال عليه السلام :

لاَ تَأْمَنَنَّ عَلَى خَيْرِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ عَذَابَ اَللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اَللَّهِ إِلاَّ اَلْقَوْمُ اَلْخاسِرُونَ ٥ ١١ ٧ : ٩٩ وَ لاَ تَيْأَسَنَّ لِشَرِّ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ مِنْ رَوْحِ اَللَّهِ تَعَالَى إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اَللَّهِ إِلاَّ اَلْقَوْمُ اَلْكافِرُونَ ١٥ ٢٣ ١٢ : ٨٧ « لا تأمنن على خير هذه الامة » و في الخبر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : خيركم من أطعم الطعام ، و أفشى السلام ، و صلّى و النّاس نيام ٤ .

« عذاب اللّه لقوله تعالى » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « لقول اللّه سبحانه » كما في ( ابن ميثم و الخطيّة ) ، و لكن في ( ابن أبي الحديد ) : « لقوله سبحانه » ٥ فلا يأمن مكر اللّه أي : تدبيره تعالى في امور عبيده كما يريد إلا القوم الخاسرون لقلّة معرفتهم ، و غفلتهم .

و قد كان الزبير بن العوام في الظاهر من خيار الامّة حتى أنّه دافع يوم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الشورى : ٣٠ .

( ٢ ) الحديد : ٢٣ .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ٣٥٢ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٤ ) أخرجه البرقي في المحاسن : ٣٨٧ ح ٢ ، و الصدوق في الخصال ١ : ٩١ ح ٣٢ ، و أخرجه بفرق يسير أبو يعلى في مسنده ، عنه الجامع الصغير ٢ : ١١ ، و الصدوق في عيون الأخبار ٢ : ٦٥ ح ٢٩٠ .

( ٥ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣١٤ ، و اما في شرح ابن ميثم ٥ : ٤٣١ فنحو المصرية .

٣٠١

السقيفة عن أمير المؤمنين عليه السلام حتى كسر عمر سيفه ، و مع كونه من أسد قريش ، كان يعدّ في عداد بني هاشم ، و ازدادت أمواله ، و نشأ ولده عبد اللّه ،

و فتن به ، كما قال تعالى إنّما أموالكم و أولادكم فتنة ١ حتى صار محاربا للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمحاربته أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم :

« حربك حربي ، و حربي حرب اللّه » ٢ و صار سببا لقتل آلاف من المسلمين .

قال ابن أبي الحديد لقائل أن يقول : الآية لا تدلّ على ما أفتى به ، لأن معنى الآية أنّه لا يجوز للعاصي أن يأمن مكر اللّه على نفسه و هو مقيم على عصيانه ،

ألا ترى أن قبلها أ فأمن أهل القرى إلى و هم يلعبون ٣ .

قلت : خصوص المورد لا يخصص عموم العلة ، و أغلب جمل القرآن كالكلام المستقل .

« و لا تيأسن لشرّ هذه الامة » و قد جعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شرار الامّة طبقات .

و روى ( الكافي ) : أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خطب فقال : ألا أخبركم بشراركم .

قالوا : بلى . قال : الذي يمنع رفده ، و يضرب عبده ، و يتزوّد وحده ، فظنوا أنّ اللّه لم يخلق خلقا هو شرّ من هذا ، فقال : ألا أخبركم بمن هو شرّ من ذلك ؟ قالوا : بلى .

قال المتفحّش اللعّان ، الذي إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم ، و إذا ذكروه لعنوه ٤ .

من روح اللّه أي : رحمته لقوله تعالى : انّه لا ييأس من روح اللّه إلاّ القوم الكافرون باللّه .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الانفال : ٢٨ و التغابن : ١٥ .

( ٢ ) هذا المعنى أخرجه ابن المغازلي في مناقبه : ٥ ح ٧٣ و ٢٣٧ ح ٢٨٥ ، و الصدوق في أماليه : ٨٦ ح ١ المجلس ٢١ ، و الكراجكي في كنز الفوائد : ٢٨١ ، و الخزاز في كفاية الأثر : ١٥٧ في ضمن أحاديث .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣١٤ . و الآيات ٩٧ ، ٩٨ من سورة الأعراف .

( ٤ ) الكافي ٢ : ٢٩٠ ح ٧ ، و النقل بتقطيع .

٣٠٢

في ( كشكول البهائي ) : قال بعض أصحابه عليه السلام له : هل نسلم على مذهب هذه الامة ؟ فقال : يراه اللّه للتوحيد أهلا و لا تراه للسلام أهلا .

و في ( ذيل الطبري ) : أصاب الزهري دما خطأ ، فخرج و ترك أهله ،

و ضرب فسطاطا و قال : لا يظلّني سقف بيت أبدا ، فمر به علي بن الحسين عليه السلام فقال له : يا ابن شهاب قنوطك أشدّ من ذنبك ، فاتق اللّه و استغفره و ابعث إلى أهله بالديّة و ارجع إلى أهلك و كان يقول علي بن الحسين عليه السلام أعظم الناس علي منة ١ .

و في الخبر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : أن رجلا قال : لا و اللّه لا يغفر اللّه لفلان فقال عزّ و جل : من ذا الذي تألى عليّ أن لا أغفر لفلان ، فإنّي قد غفرت لفلان ،

و أحبطت عمل ذاك القائل ٢ .

و روي : أنّ رجلا كان في بني إسرائيل منهمكا في المعاصي ، فأتى في بعض أسفاره على بئر فإذا كلب قد لهث من العطش فرقّ له ، فأخذ عمامته و شدّها بخفه و استقى الماء و أروى الكلب ، فأوحى اللّه تعالى إلى نبي ذاك الزمان : إنّي قد غفرت ذنبه بشفقته على خلق من خلقي ، فسمع ذلك فتاب .

و روي : أنّ عابدا عبد اللّه ثمانين سنة ثمّ أشرف على امرأة فوقعت في نفسه ، فنزل إليها ، فراودها عن نفسها فطاوعته ، فلمّا قضى منها حاجته طرقه الموت ، فاعتقل لسانه ، فمرّ سائل فأشار إليه أن خذ رغيفا كان في كسائه ، فأحبط اللّه عمل ثمانين سنته بتلك الزنية ، و غفر اللّه له بذلك الرغيف .

و روي : أنّه كان في بني إسرائيل عابد غائظ إبليس ، فاحتال عليه فجاء

ــــــــــــــــــ

( ١ ) منتخب ذيل المذيل : ١١٩ .

( ٢ ) أخرجه أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ٥٧ ، جزء ٢ .

٣٠٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

عنده ، و قام إلى الصلاة ليلا و نهارا بدون ملل ، فتعجب العابد و قال له : من أين لك هذه القوة في العبادة ؟ فقال له : لأني زنيت بفلانة الفاجرة ، فانخدع العابد ،

فذهب اليها و قصّ عليها قصّته ، فقالت له : إنّه كان الشيطان فلا تنخدع . فماتت من ليلتها ، فأصبحت ، و اذا على بابها مكتوب احضروا فلانة فانها من أهل الجنّة ، فارتاب الناس و مكثوا ثلاثة أيام لا يدفنونها ، فأوحى تعالى إلى نبيّهم أن ائت فلانة فصلّ عليها و مر الناس أن يصلّوا عليها ، فإنّي أوجبت لها الجنّة بتثبيطها عبدي فلانا عن معصيتي ١ .

و في ( الخصال ) ، عن الصادق عليه السلام : تبع حكيم حكيما سبعمائة فرسخ في سبع كلمات ، فلما لحق به قال له : يا هذا ، ما أرفع من السماء و أوسع من الأرض و أغنى من البحر ، و أقسى من الحجر ، و أشدّ حرارة من النار ،

و أشد بردا من الزمهرير ، و أثقل من الجبال الراسيات ؟ فقال له : الحقّ أرفع من السماء ، و العدل أوسع من الأرض ، و غنى النفس أغنى من البحر ، و قلب الكافر أقسى من الحجر ، و الحريص الجشع أشد حرارة من النار ، و اليأس من روح اللّه أشدّ بردا من الزمهرير ، و البهتان على البرى‏ء أثقل من الجبال الراسيات ٢ و مرّ في فصل الإمامة العامّة قوله عليه السلام : « لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها » ٣ و تلا عقيب ذلك و نريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمّة و نجعلهم الوارثين ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الكليني في الكافي ٨ : ٣٨٤ ح ٥٨٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الخصال ٢ : ٣٤٨ ح ٢١ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) القصص : ٥ .

٣٠٤

٧

الحكمة ( ١٣٥ ) و قال عليه السلام :

مَنْ أُعْطِيَ أَرْبَعاً لَمْ يُحْرَمْ أَرْبَعاً مَنْ أُعْطِيَ اَلدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ اَلْإِجَابَةَ وَ مَنْ أُعْطِيَ اَلتَّوْبَةَ لَمْ يُحْرَمِ اَلْقَبُولَ وَ مَنْ أُعْطِيَ اَلاِسْتِغْفَارَ لَمْ يُحْرَمِ اَلْمَغْفِرَةَ وَ مَنْ أُعْطِيَ اَلشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ اَلزِّيَادَةَ قال ؟ الرضي ؟ و تصديق ذلك كتاب الله قال الله في الدعاء اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ٤ ٦ ٤٠ : ٦٠ و قال في الاستغفار وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اَللَّهَ يَجِدِ اَللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً ١ ١٤ ٤ : ١١٠ و قال في الشكر لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ٥ ٧ ١٤ : ٧ و قال في التوبة إِنَّمَا اَلتَّوْبَةُ عَلَى اَللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ اَلسُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اَللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ١ ٢١ ٤ : ١٧ أقول : نقلناه في هذا الفصل لكون جملة « و تصديق ذلك » إلى آخرها من كلامه عليه السلام على الأصح دون كونه من كلام الرضي ، و لخلو ابن ميثم الذي نسخته بخط مصنّفه من فقرة « قال الرضي » ١ و ( الخطية ) أيضا خالية منها و ( المصرية ) الاولى أيضا خالية منها ، و انما زادها في الثانية اخذا من ابن أبي الحديد ، لكن ابن أبي الحديد و إن زادها إلاّ انّه قال : في بعض الروايات أن الجملة من كلامه عليه السلام . . . الخ ٢ .

قلت : و لو كانت الجملة من كلام الرضي رضي اللّه عنه عنه لقال : « و تصديق قوله عليه السلام » لا أن يقول : « و تصديق ذلك » ، فان التعبير يشهد بكونه كلامه عليه السلام

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣١٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٣١ .

٣٠٥

ذكره شاهدا و مستندا ، و إنّما توهم من زاد الجملة أنّه كلام الرضي لسوء فهمه فزادها توضيحا لما زعم .

ثم ما نقلناه « و تصديق ذلك كتاب اللّه » إنّما هو في ( المصرية ) ،

و الصواب : « و تصديق ذلك في كتاب اللّه سبحانه » كما في ( ابن ميثم ) الذي نسخته بخط مصنّفه ، و كذا في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) ذلك لكن فيهما بدل سبحانه « تعالى » ١ .

ثم نظير ذلك في استشهاده عليه السلام بالآيات ما رواه في ( مهج الدعوات ) علي بن طاووس عن خط ابن الباقلاني النحوي المتكلّم ، قال حدّثني السيّد الأوحد العالم مؤيد الدين شرف القضاة عبد الملك أنّه كان مريضا فجاءه أمير المؤمنين عليه السلام أي في المنام و كأنّه قد نزل من الهواء و قال له « الشفاء » و أمرّ يده على ذراعه الأيمن ثمّ قال له قل ثلاث مرّات « أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم ، الذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا اللّه و نعم الوكيل ٢ ، أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم ، و أفوض أمري إلى اللّه إنّ اللّه بصير بالعباد ٣ ، أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم ، ما يفتح اللّه للناس من رحمة فلا ممسك لها و ما يمسك فلا مرسل له من بعده و هو العزيز الحكيم » ٤ إذا قلت « الّذين قال لهم النّاس » قال تعالى فانقلبوا بنعمة من اللّه و فضل لم يمسسهم سوء ٥ و اذا قلت

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٣١ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٣١٧ .

( ٢ ) آل عمران : ١٧٣ .

( ٣ ) غافر : ٤٤ .

( ٤ ) فاطر : ٢ .

( ٥ ) آل عمران : ١٧٤ .

٣٠٦

و أفوض أمري إلى اللّه قال تعالى فوقاه اللّه سيئات ما مكروا و حاق بآل فرعون سوء العذاب ١ و اذا قلت « ما يفتح اللّه » فهذا الايمان التام الخبر ٢ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) فاطر : ٤٥ .

( ٢ ) مهج الدعوات : ٩٧ .

٣٠٧

الفصل الثاني عشر في قضاياه عليه السلام

٣٠٨

١

الحكمة ( ٢٧٠ ) وَ رُوِيَ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَ ؟ عُمَرَ بْنِ اَلْخَطَّابِ ؟ فِي أَيَّامِهِ حَلْيُ ؟ اَلْكَعْبَةِ ؟ وَ كَثْرَتُهُ فَقَالَ قَوْمٌ لَوْ أَخَذْتَهُ فَجَهَّزْتَ بِهِ جُيُوشَ اَلْمُسْلِمِينَ كَانَ أَعْظَمَ لِلْأَجْرِ وَ مَا تَصْنَعُ ؟ اَلْكَعْبَةُ ؟ بِالْحَلْيِ فَهَمَّ ؟ عُمَرُ ؟ بِذَلِكَ وَ سَأَلَ ؟ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ع ؟ فَقَالَ إِنَّ ؟ اَلْقُرْآنَ ؟ أُنْزِلَ عَلَى ؟ اَلنَّبِيِّ ص ؟ وَ اَلْأَمْوَالُ أَرْبَعَةٌ أَمْوَالُ اَلْمُسْلِمِينَ فَقَسَّمَهَا بَيْنَ اَلْوَرَثَةِ فِي اَلْفَرَائِضِ وَ اَلْفَيْ‏ءُ فَقَسَّمَهُ عَلَى مُسْتَحِقِّيهِ وَ اَلْخُمُسُ فَوَضَعَهُ اَللَّهُ حَيْثُ وَضَعَهُ وَ اَلصَّدَقَاتُ فَجَعَلَهَا اَللَّهُ حَيْثُ جَعَلَهَا وَ كَانَ حَلْيُ ؟ اَلْكَعْبَةِ ؟ فِيهَا يَوْمَئِذٍ فَتَرَكَهُ اَللَّهُ عَلَى حَالِهِ وَ لَمْ يَتْرُكْهُ نِسْيَاناً وَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مَكَاناً فَأَقِرَّهُ حَيْثُ أَقَرَّهُ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ فَقَالَ لَهُ ؟ عُمَرُ ؟ لَوْلاَكَ لاَفْتَضَحْنَا وَ تَرَكَ اَلْحَلْيَ بِحَالِهِ « و روي أنّه ذكر عند عمر بن الخطاب في أيامه حلي الكعبة و كثرته فقال قوم : لو أخذته فجهّزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر و ما تصنع

٣٠٩

الكعبة بالحلي » أقول : في تاريخ الطبري كان تبّع و قومه أصحاب أوثان يعبدونها ، فأتاه نفر من هذيل فقالوا له : ألا ندلّك على بيت مال قد أغفلته الملوك قبلك فيه اللؤلؤ و الزبرجد و الياقوت و الذهب و الفضة ، قال : بلى ، قالوا : بيت بمكة يعبده أهله و يصلّون عنده و انما أراد الهذليون بذلك هلاكه لما قد عرفوا من هلاك من أراده من الملوك و بغى عنده فلمّا أجمع لما قالوا ، أرسل إلى حبرين من أحبار اليهود كانا أعلم أهل زمانهما و كان خرج بهما معه ، فقالا له :

ما أراد القوم إلاّ هلاكك و هلاك جندك ، و لئن فعلت ما دعوك إليه لتهلكن و ليهلكن من معك من جندك ، قال : فماذا تأمرانني أن أصنع ؟ قالا : ما يصنع أهله تطوف به و تعظّمه و تحلق عنده رأسك ، و تتذلل له حتى تخرج من عنده ،

قال : فما يمنعكما أنتما من ذلك ؟ قالا : أما و اللّه انّه لبيت أبينا إبراهيم ، و لكن أهله حالوا بينه و بيننا بالأوثان التي نصبوا حوله ، و بالدماء التي يهريقون عنده و هم نجس ، فعرف نصحهما ، فقرّب الهذليين فقطع أيديهم و أرجلهم ، ثم مضى حتى قدم مكة و أري في المنام أن يكسو البيت فكساه بالخصف ، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافر ، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاءة و الوصائل ، فكان تبّع فيما يزعمون أوّل من كساه ، و أوصى به ولاته من جرهم ، و أمرهم بتطهيره و ان لا يقرّبوه دما و لا ميتة و لا ميلاثا و هي الحائض و جعل له بابا و مفتاحا ١ .

( فهمّ عمر بذلك ) : في ( ملاحم ابن طاووس ) نقلا عن فتن نعيم بن حمّاد و هو من رجال العامة في أخبارهم المهدي عليه السلام عن ابن وهب عن إسحاق بن يحيى عن طلحة التميمي عن طاوس قال : ودع عمر البيت ثم قال : و اللّه ما أدري أدع خزائن البيت ، و ما فيه من السلاح و المال ، أم أقسمه في سبيل اللّه ، فقال له

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ١ : ٥٣١ ، و النقل بتصرف يسير .

٣١٠

علي عليه السلام : امض فلست بصاحبه ، إنما صاحبه منّا شابّ من قريش يقسمه في سبيل اللّه في آخر الزمان ١ .

و أخذ أموال الكعبة بغير حقّ جمع ، منهم ابن الأفطس ، ففي ( تأريخ الطبري ) جلس حسين بن الحسن الأفطس في أول يوم من محرم سنة مائتين بعد تفرّق الحاجّ خلف المقام على نمرقة مثنية ، فأمر بثياب الكعبة التي عليها فجرّدت منها حتى لم يبق من كسوتها شيئا و بقيت حجارة مجرّدة ، ثم كساها ثوبين من قّز رقيق كان أبو السرايا وجّه بها معه ، و عمد إلى ما في خزانة الكعبة من مال فأخذه ، و جعلوا يحكّون الذهب الرقيق الذي في رؤوس أساطين المسجد فيخرج من الاسطوانة بعد التعب الشديد قدر مثقال ذهب أو نحوه ، حتى عمّ ذلك أكثر أساطين المسجد الحرام ، و قلعوا الحديد الذي على شبابيك زمزم ، و من خشب الساج فبيع بالثمن الخسيس ٢ .

و منهم الجنابي القرمطي ، ففي ( صلة تاريخ الطبري ) : سار الجنابي القرمطي في سنة ( ٣١٦ ) إلى مكة فدخلها و أوقع بأهلها عند اجتماع الموسم و اهلال الناس بالحج يقتل المسلمين بالمسجد الحرام و هم متعلقون بأستار الكعبة و اقتلع الحجر و ذهب به و اقتلع أبواب الكعبة و جرّدها من كسوتها ،

و أخذ جميع ما كان فيها من آثار الخلفاء التي زيّنوا بها الكعبة و ذهبوا بدرة اليتيم و كانت فيما ذكر أهل مكة أربعة عشر مثقالا ، و قرن كبش ابراهيم و عصا موسى ملبسين بالذهب مرصّعين بالجوهر ، و طبق و مكبّة من ذهب و سبعة عشر قنديلا كانت بها من فضّة ، و ثلاث محاريب فضّة كانت دون

ــــــــــــــــــ

( ١ ) نقله عن فتن نعيم بن حمّاد ابن طاووس في الملاحم : ٧٢ ، و المقدسي في عقد الدرر : ١٥٤ ، و السيوطي في العرف الوردي : ١٥٤ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٧ : ١٢٤ و ١٢٥ ، سنة ٢٠٠ ، و النقل بتقطيع .

٣١١

القامة منصوبة في صدر البيت ، ثم ردّ الحجر بعد أعوام ، و لم يرد من سائر ذلك شي‏ء .

و قيل إنّ الجنابي صعد إلى سطح الكعبة ليقلع الميزاب و هو من خشب ملبس بالذهب ، فرماه بنو هذيل الأعراب من جبل أبي قبيس بالسهام حتى أزالوه و لم يصل إلى قلعه ١ .

و بعضهم بدّل كسوته و بابه ، ففي ( تاريخ الطبري ) : نزع المهدي سنة ( ١٦٠ ) كسوة الكعبة التي كانت عليها و كساها كسوة جديدة ، و ذلك أنّ حجبة الكعبة رفعوا إليه أنّهم يخافون على الكعبة أن تهدم لكثرة ما عليها من الكسوة ، فأمر أن يكشف عنها ما عليها من الكسوة حتى بقيت مجردّة ، ثم طلى البيت كلّه بالخلوق ، و ذكر أنّهم لمّا بلغوا إلى كسوة هشام وجدوها ديباجا ثخينا جيّدا ، و وجدوا كسوة من كان قبله عامّتها من متاع اليمن ٢ .

و في ( كامل الجزري ) : قلع الخليفة المقتفي في سنة ( ٥٥٢ ) باب الكعبة و عمل عوضه بابا مصفحا بالنقرة المذهبة ، و عمل لنفسه من الباب الأوّل تابوتا يدفن فيه إذا مات ٣ .

« و سأل » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « و سأل عنه » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٤ « أمير المؤمنين عليه السلام » في ( تاريخ الخطيب ) ، قال المهدي لشريك القاضي : ما تقول في علي بن أبي طالب ؟ قال : ما قال فيه جدّك العباس و عبد اللّه . قال : و ما قالا فيه ؟ قال : فأما العباس فمات ، و علي عنده أفضل الصحابة ، و قد كان يرى كبراء المهاجرين يسألونه عمّا ينزل من النوازل ، و ما

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صلة تاريخ الطبري : ٥٩ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٣٦٦ ، سنة ١٦٠ .

( ٣ ) الكامل في التاريخ ١١ : ٢٢٨ ، سنة ٥٥٢ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٥٨ . لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ٣٨١ ، مثل المصرية .

٣١٢

احتاج هو الى أحد حتى لحق باللّه إلى آخر ما فيه ١ .

و كما أشار عليه السلام عليه بعدم تعرّضه لحلي الكعبة كذلك أشار عليه بعدم إقرار بهار كسرى . قال الجزري في ( كامله ) في فتح القادسية : أرسل سعد بن أبي وقاص بعد الفتح في الخمس كلّ شي‏ء أراد أن تعجب منه العرب و أراد إخراج خمس القطيف و هو بهار كسرى فلم تعتدل قسمته ، فقال للمسلمين :

هل تطيب أنفسكم عن أربعة أخماسه فنبعث به الى عمر يضعه حيث يشاء ،

فانا لا نراه ينقسم و هو بيننا قليل و هو يقع من أهل المدينة موقعا ؟ قالوا : نعم ،

فبعثه و هو بساط طوله ستون ذراعا و عرضه ستون ذراعا مقدار جريب ،

كانت الأكاسرة تعدّه للشتاء إذا ذهبت الرياحين شربوا عليه فكأنّهم في رياض ، فيه طرق كالصور ، و فيه فصوص كالأنهار ، أرضها مذهّبة ، و خلال ذلك كالدر و في حافاته كالأرض المزروعة و الأرض المبقلة بالنبات في الربيع ، و الورق من الحرير على قضبان الذهب و زهره الذهب و الفضة و ثمرة الجوهر و أشباه ذلك ، و كانت العرب تسمّيه القطيف ، فقال عمر : أشيروا علي فيه ، فمن بين مشير بقبضه و آخر مفوض إليه ، فقال له علي عليه السلام : لم تجعل علمك جهلا و يقينك شكّا ، انّه ليس لك من الدنيا إلاّ ما أعطيت فأمضيت ، أو لبست فأبليت أو أكلت فأفنيت ، و إنّك إن تبقه على هذا اليوم لم تعدم في غد من يستحق به ما ليس له ؟ فقال : صدقتني و نصحتني ، فقطّعه بينهم فأصاب عليّا عليه السلام منه قطعة لم تكن بأجود تلك القطع ، فباعه بعشرين ألفا ٢ .

و كما أشار عليه السلام على عمر بعدم تعرّض حليّ الكعبة أشار علي بن الحسين عليه السلام على الحجاج بمنعه من هتك تراب البيت .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ بغداد ٩ : ٢٩٢ .

( ٢ ) الكامل ٢ : ٥١٨ ، سنة ١٦ ، و أيضا تاريخ الطبري ٣ : ١٣٠ ، سنة ١٦ ، و النقل بتصرف يسير .

٣١٣

و في ( الكافي ) عن أبان بن تغلب : لما هدم الحجاج الكعبة ، فرّق الناس ترابها ، فلما صاروا إلى بنائها فأرادوا أن يبنوها ، خرجت عليهم حيّة فمنعت الناس البناء حتى هربوا ، فأتوا الحجاج فأخبروه ، فخاف أن يكون قد منع بناءها ، فصعد المنبر ثم قال : أنشد اللّه عبدا عنده ممّا ابتلينا به علم لمّا أخبرنا به فقام إليه شيخ فقال : إن يكن عند أحد علم فعند رجل رأيته جاء إلى الكعبة فأخذ مقدارها ثم مضى ، فقال الحجاج : من هو ؟ فقال : علي بن الحسين . فقال :

معدن ذلك ، فبعث اليه عليه السلام فأخبره بما كان من منع اللّه إيّاه البناء ، فقال له : إنّك عمدت إلى بناء إبراهيم و إسماعيل عليهما السلام ، فألقيته في الطريق و انهبته كأنّك ترى انّه تراث لك إصعد المنبر و أنشد الناس أن لا يبقى أحد عنده شي‏ء إلاّ ردّه ،

فردّوه ، فلما جمع التراب أتى عليه السلام ، فوضع الأساس و أمرهم أن يحفروا فتغيّبت عنهم الحيّة ، و حفروا حتى انتهوا إلى موضع القواعد ، قال عليه السلام لهم : تنحّوا ،

فتنحّوا فدنا منها فغطّاها بثوبه ، ثم غطّاها بالتراب بيده ثم دعا الفعلة فقال :

ضعوا بناءكم . . . الخبر ١ .

« فقال عليه السلام : إنّ القرآن أنزل على النبي » هكذا في ( المصرية و ابن ميثم و الخطية ) و لكن في ( ابن أبي الحديد ) « على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم » ٢ « و الأموال أربعة » إن عمر لم يكن يعرف ما يعرفه باقي الصحابة و التابعين .

فقال ابن عبد البر في ( استيعابه ) في عنوان صعصعة : صعصعة هو القائل لعمر حين قسّم المال الذي بعث اليه أبو موسى و كان ألف ألف درهم ،

و فضلت منه فضلة ، فاختلفوا عليه حيث يضعها ، فقام خطيبا و قال : أيّها الناس إنّه قد بقيت لكم فضلة بعد حقوق الناس ، فما تقولون فيها ؟ فقام صعصعة ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٤ : ٣٢٢ ح ٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٥٨ ، لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ٣٨١ ، مثل المصرية .

٣١٤

و هو غلام شاب فقال : إنّما تشاور الناس في ما لم ينزل اللّه فيه قرآنا ، و أما ما أنزل اللّه به القرآن و وضعه مواضعه فضعه في مواضعه التي وضعه اللّه تعالى فيها فقال صدقت ١ .

« أموال المسلمين فقسّمها بين الورثة في الفرائض » فقال في الطبقة الاولى :

يوصيكم اللّه في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين فإن كنّ نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك و إن كانت واحدة فلها النصف و لأبويه لكلّ واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد و ورثه أبواه فلامّه الثلث فإن كان له إخوة فلامّه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين ٢ .

و قال في الطبقة الثانية : يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد و له أخت فلها نصف ما ترك و هو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك و إن كانوا إخوة رجالا و نساء فللذّكر مثل حظّ الأنثيين يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا و اللّه بكلّ شي‏ء عليم ٣ .

و قال جل و علا : و ان كان رجل يورث كلالة أو امرأة و له أخ أو أخت فلكلّ واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضارّ ٤ .

و قال في الطبقة الثالثة : و أولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه ٥ .

و ذكر ميراث الأزواج فقال : و لكم نصف ما ترك أزواجكم إلى قوله

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاستيعاب ٢ : ١٩٦ .

( ٢ ) النساء : ١١ .

( ٣ ) النساء : ١٧٦ .

( ٤ ) النساء : ١٢ .

( ٥ ) الانفال : ٧٥ .

٣١٥

فلهن الثّمن مما تركتم من بعد وصيّة توصون بها أو دين ١ .

و ذكر إبطال العصبة في مورد البنات و الأخوات التي يقول بها مخالفونا فقال : للرجال نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون و للنّساء نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون ممّا قلّ منه أو كثر نصيبا مفروضا ٢ .

و دلّ على بطلان العول و ورود النقص على البنات و الأخوات دون الأزواج و الآباء و الامهات ، بأن جعل للاولى فريضة واحدة و للأخيرة فريضتان . قال ابن عباس : و أول من أعال عمر فقال ما أدري أيكم قدّم و أيكم أخر ، و لو قدّم من قدّم اللّه و أخّر من أخّر اللّه ما عالت فريضة ، فقيل له : فما قدّم و ما أخّر ؟ فقال : المقدّم فريضة الزوجين و الامهات و المؤخر فريضة البنات و الأخوات . فقيل له : فما منعك أن تشير بهذا على عمر ؟ قال : هبته ٣ .

« و الفي‏ء فقسّمه على مستحقيه » فقال جلّ و علا : و ما أفاء اللّه على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل و لا ركاب و لكن اللّه يسلّط رسله على من يشاء و اللّه على كلّ شي‏ء قدير . ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فللّه و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم ٤ .

و قال تعالى : يا أيها النّبيّ إنّا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت اجورهن و ما ملكت يمينك ممّا أفاء اللّه عليك ٥ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) النساء : ١٢ .

( ٢ ) النساء : ٧ .

( ٣ ) أخرجه الكليني في الكافي ٧ : ٧٩ ح ٣ ، و الصدوق في الفقيه ٤ : ١٨٧ ح ٣ ، و في العلل ٢ : ٥٦٨ ح ٤ ، و الطوسي في التهذيب ٩ : ٢٤٨ ، ح ٦ ، و الحاكم في المستدرك ٤ : ٣٤٠ ، و البيهقي في سننه و أبو الشيخ في الفرائض ، عنهما منتخب كنز العمال ٤ : ٢٠٨ .

( ٤ ) الحشر : ٦ ٧ .

( ٥ ) الأحزاب : ٥٠ .

٣١٦

قالوا : أي بالسبي كصفية و جويرية .

« و الخمس فوضعه اللّه حيث وضعه » قال تعالى : و اعلموا أنّ ما غنمتم من شي‏ء فأن للّه خمسه و للرسول ولذي القربى و اليتامى و المساكين ١ .

و الفي‏ء كلّه للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أهل بيته عليهم السلام ، و الغنيمة خمسها له و لهم .

و في ( أدب كتّاب الصولي ) : ولّى عمر السائب قسمة الغنائم بنهاوند لما فتحها اللّه على المسلمين ، فجمع السائب الغنائم فقسّمها ، ثم جاء من دلّه على كنز الفخير جان و كان سفطين من جوهر ، فاستخرجهما فأتى بهما عمر ،

فأمره أن يبيعهما و يقسّم ثمنها بين الذرية و لم يأمره أن يخمسه ، فتبيّن أنّه جعله فيئا و لم يجعله غنيمة ٢ .

و عن كتاب ( خراج أبي يوسف ) أن نجدة بن عامر سأل ابن عباس عن سهم ذي القربى ، فكتب إليه : هو لنا و إن عمر دعانا إلى أن ننكح منه أيّمنا و نقضي به عن مغرمنا و نخدم منه عائلنا ، فأبينا إلاّ أن يسلمه إلينا و أبى ذلك علينا ٣ .

« و الصدقات فجعلها اللّه حيث جعلها » فقال تعالى : إنّما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلّفة قلوبهم و في الرّقاب و الغارمين و في سبيل اللّه و ابن السبيل ٤ .

« و كان حلي » بالفتح فالسكون و جمعه « حلي » بالضم فالكسر من حلي المرأة « الكعبة فيها يومئذ فتركه اللّه على حاله و لم يتركه نسيانا و لم يخف » بالفتح من خفي « عليه » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « عنه » كما في ( ابن أبي الحديد

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الانفال : ٤١ .

( ٢ ) أدب الكتّاب : ١٩٨ .

( ٣ ) الخراج : ٢٠ .

( ٤ ) التوبة : ٦٠ .

٣١٧

و الخطيّة ) ١ « مكانا فأقرّه » بكسر القاف « حيث أقرّه اللّه و رسوله » .

إنّما أمر عليه السلام بإقرار حليها على حالها ، و أما ما يهدى اليها لا حليا ، فلحاجّ لم يكن له نفقة الرجوع . ففي الكافي : أنّ قوما أقبلوا من مصر فمات منهم رجل فأوصى بألف درهم للكعبة ، فلما قدم الوصي مكة سأل فدلّوه على بني شيبة ،

فأتاهم فأخبرهم فقالوا : قد برئت ذمّتك ادفعها إلينا ، فسأل الناس فدلوه على أبي جعفر الباقر عليه السلام ، فأتاه فسأله فقال : إنّ الكعبة لغنية عن هذا ، انظر إلى من أمّ هذا البيت ، فقطع به أو ذهبت نفقته أو ضلّت راحلته أو عجز أن يرجع إلى أهله فادفعها إليه . فأتى الرجل بني شيبة فأخبرهم بقوله عليه السلام ، فقالوا له : هذا ضالّ مبتدع ليس له علم و لا يؤخذ عنه ، و نحن نسألك لمّا أبلغته عنّا هذا الكلام ،

فأتاه فقال له : زعموا أنّك كذا و كذا و سألوني بالعظيم ألاّ بلّغتك ما قالوا ، قال :

و انا أسألك بما سألوك لمّا آتيتهم فقلت لهم : إنّه يقول إنّ من علمي أن لو ولّيت شيئا من امور المسلمين لقطعت أيديهم ثمّ علقتها في أستار الكعبة ثم أقمتهم على المصطبة ثم أمرت مناديا ينادي : ألا إنّ هؤلاء سرّاق اللّه فاعرفوهم .

و فيه عن الكاظم عليه السلام : جعل رجل جاريته هديا للكعبة ، فقال له أبي عليه السلام :

قوّم الجارية أو بعها ثم مر مناديا يقوم على الحجر فينادي : ألا من قصرت به نفقته أو قطع به أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان ، و مره أن يعطي أولا ، فأوّلا حتى ينفد ثمن الجارية ٢ .

« فقال له » هكذا في ( المصرية ) ، و كلمة « له » زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٣ « عمر لولاك لافتضحنا و ترك الحلي بحاله »

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٥٨ .

( ٢ ) الكافي ٤ : ٢٤١ و ٢٤٢ ح ١ و ٢ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) توجد لفظة « له » في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٥٨ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٣٨١ .

٣١٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و عرف خطأ المشيرين عليه بأخذه .

و ورد شكر عمر له عليه السلام لما أرشده في مواضع اخر في امور شخصه و في امور غيره بألفاظ مختلفة :

منها : ما روي عن الربيع بن زياد و قد نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر قال : قدمت على عمر بمال من البحرين ، فصلّيت معه العشاء ثم سلّمت عليه فقال : ما قدمت به ؟ قلت : خمسمائة ألف . قال : ويحك إنّما قدمت بخمسين ألفا ، قلت : بل خمسمائة الف ، قال : كم يكون ذلك . قلت : مائة ألف و مائة ألف حتى عددت خمسا . فقال : إنّك ناعس ، ارجع إلى بيتك ثم اغد علي ، فغدوت عليه فقال : ما جئت به ؟ قلت : ما قلت لك ، فاستشار الصحابة فيه فأشير عليه بنصب الديوان ، فنصبه و قسّم المال بين المسلمين ففضلت عنده فضلة ، فأصبح فجمع المهاجرين و الأنصار و فيهم علي بن أبي طالب عليه السلام و قال للناس : ما ترون في فضل ، فضل عندنا من هذا المال ؟ فقال الناس : إنّا شغلناك بولاية امورنا عن أهلك و تجارتك و صنعتك فهو لك ، فالتفت إلى علي عليه السلام فقال : ما تقول أنت ؟ قال : قد أشاروا عليك قال : فقل أنت ، فقال له : لم تجعل يقينك ظنّا .

فلم يفهم عمر ما قال ، فقال له : لتخرجن ممّا قلت . قال : أجل و اللّه لأخرجن منه ،

أتذكر حين بعثك النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ساعيا فأتيت العباس فمنعك صدقته فكان بينكما شي‏ء ، فجئتما إليّ و قلتما : انطلق معنا إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، فجئنا اليه فوجدناه خاثرا ، فرجعنا ثم غدونا عليه فوجدناه طيّب النفس ، فأخبرته بالذي صنع العباس فقال لك : يا عمر أما علمت أنّ عمّ الرجل صنو أبيه فذكرنا له ما رأينا من خثوره في اليوم الأول و طيب نفسه في اليوم الثاني ، فقال : إنّكم أتيتم في اليوم الأول و قد بقي عندي من مال الصدقة ديناران ، فكان ما رأيتم من خثوري ، و أتيتم في اليوم الثاني و قد وجّهتهما فذاك الذي رأيتم من طيب نفسي . أشير عليك أن لا تأخذ من هذا الفضل شيئا و ان تفضّه على فقراء

٣١٩

المسلمين ، فقال عمر : صدقت و اللّه لأشكرن لك الاولى و الأخيرة ١ .

و منها : ما روي عن أبي سعيد الخدري و نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر قال : حججنا مع عمر أوّل حجّة حجّها في خلافته ، فلما دخل المسجد الحرام ، دنا من الحجر الأسود فقبّله و استلمه ، و قال : إنّي لأعلم أنّك حجر لا تضرّ و لا تنفع ، و لو لا أني رأيت النبي قبّلك و استلمك لما قبّلتك و لا استلمتك . فقال له علي عليه السلام : بلى إنّه يضر و ينفع ، و لو علمت تأويل ذلك من كتاب اللّه لعلمت أنّ الذي أقول لك كما أقول ، قال اللّه تعالى : و اذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى ٢ ، فلما أشهدهم و أقرّوا له أنّه الربّ و أنّهم العبيد كتب ميثاقهم في رقّ ،

ثم ألقمه هذا الحجر ، و إنّ له لعينين و لسانا و شفتين تشهد لمن وافاه بالموافاة ،

فهو أمين اللّه تعالى في هذا المكان . فقال عمر : لا أبقاني اللّه بأرض لست بها يا أبا الحسن ٣ .

و روى الكافي عن الصادق عليه السلام قال : إنّ اللّه تعالى لما أخذ مواثيق العباد أمر الحجر فالتقمها و لذلك يقال « أمانتي أدّيتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة » ٤ .

و منها : ما رواه الكافي عن الصادق عليه السلام : إن امرأة كانت تؤتى ، فبلغ ذلك عمر فبعث إليها فروّعها و أمر أن يجاء بها إليه ، ففزعت المرأة ، فأخذها الطلق فانطلقت إلى بعض الدور فولدت غلاما فاستهلّ الغلام ثمّ مات ، فدخل عليه من روعة المرأة و من موت الغلام ، فقال له بعض جلسائه ما عليك من هذا شي‏ء

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٢ : ٩٩ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الاعراف : ١٧٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٢ و ١٠٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٤ ) الكافي ٤ : ١٨٤ ح ١ .

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601