بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 123023 / تحميل: 6194
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول على منبره : « معاشر الناس ، إنّي فرطكم ، وإنّكم واردون عليّ الحوض ، أعرض ما بين بصرى وصنعاء ، فيه عدد النجوم قدحاناً من فضّة ، وأنا سائلكم حين ترودن عليّ عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به لن تضلّوا ، ولا تبدّلوا في عترتي أهل بيتي ، فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير ، أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، أنتظر من يرد عليّ منكم ، وسوف تأخّر أُناس دوني ، فأقول : يا ربّ ، منّي ومن أُمّتي ، فيقال : يا محمّد ، هل شعرت بما عملوا؟ إنّهم ما برحوا بعدك على أعقابهم ».

ثمّ قال : « أُوصيكم في عترتي خيراً » ثلاثاً ، أو قال : « في أهل بيتي » ، فقام إليه سلمان ، فقال : يا رسول الله ، ألا تخبرني عن الأئمّة بعدك؟ أما هم من عترتك؟

فقال : « نعم ، الأئمّة بعدي من عترتي عدد نقباء بني إسرائيل ، تسعة من صلب الحسين ( عليه السلام ) ، أعطاهم الله علمي وفهمي ، فلا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ، واتّبعوهم فإنّهم مع الحقّ والحقّ معهم »(١) .

الرابع : أخبرنا محمّد بن عبد الله ، قال : حدَّثنا أبو الحسن عيسى بن العراد الكبير ، قال : حدَّثني أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن عمر بن مسلم

____________

١ ـ كفاية الأثر : ١٢٧ ، ما جاء عن حذيفة بن أسيد.

وسؤال سلمان لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن الأئمّة له طريقان آخران عن حذيفة بن أسيد وآخر عن عمران بن حصين ، وفيه : أُوصيكم في عترتي خيراً ، ذكرها في كفاية الأثر بعد هذا الحديث مباشرة ، ومن الواضح أنّ سؤال سلمان في هذه الأحاديث هو جزء من هذا الحديث الطويل بخصوص الثقلين ، وعنه في إثبات الهداة ٢ : ٥٣٣ ح ٥٢٩ ، وأورد الشطر الأخير منه ، والبرهان ١ : ١٠ ح ٤ ، وغاية المرام ٢ : ٣٢١ ح ١ ، الباب (٢٩) ، ونسبه إلى ابن بابويه أيضاً كما نبّهنا سابقاً ، والبحار ٢٦ : ٣٢٨ ح ١٨٥.

٣٤١

ابن لاحق اللاحفي(١) بالبصرة في سنة عشر وثلاثمائة ، قال : حدَّثنا محمّد ابن عمارة السكري ، عن إبراهيم بن عاصم ، عن عبد الله بن هارون الكرسحي(٢) ، قال : حدَّثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد بن سلامة ، عن حذيفة اليمان ، قال : صلّى بنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمّ أقبل بوجهه الكريم علينا ، فقال : « معاشر أصحابي ، أُوصيكم بتقوى الله والعمل بطاعته ، فمن عمل بها فاز وغنم ، ومن أنجح(٣) وتركها حلّت به الندامة ، فالتمسوا بالتقوى السلامة من أهوال يوم القيامة ، فكأنّي أُدعى فأُجيب ، وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، ومن تمسّك بعترتي من بعدي كان من الفائزين ، ومن تخلّف عنهم كان من الهالكين ».

فقلت : يا رسول الله ، على ما تخلفنا؟

قال : « على من خلف موسى بن عمران قومه؟ ».

قلت : على وصيّه يوشع بن نون ، قال : « فإنّ وصيّ وخليفتي من بعدي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قائد البررة وقاتل الكفرة ، منصور من نصره مخذول من خذله ».

قلت : يا رسول الله ، فكم يكون الأئمّة من بعدك؟

قال : « عدد نقباء بني إسرائيل ، تسعة من صلب الحسين ( عليه السلام ) ، أعطاهم الله علمي وفهمي ، خزّان علم الله ومعادن وحيه » ، قلت : يا رسول الله ، فما لأولاد الحسن؟

____________

١ ـ قد يكون ( اللاحقي ) كما في إثبات الهداة.

٢ ـ الظاهر أنّه ( الكرخي ) كما في غاية المرام.

٣ ـ الظاهر أنّ هنا تصحيف أو تأخير وتقديم ، وفي غاية المرام هكذا : فمن عمل بها فاز ونجح وغنم.

٣٤٢

قال : إنّ الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسين ، وذلك قوله تعالى :( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) .

قلت : أفلا تسمّيهم لي يا رسول الله؟

قال : بلى ، إنّه لما عُرج بي إلى السماء ، ونظرت إلى ساق العرش فرأيت مكتوباً بالنور : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، أيّدته بعليّ ونصرته به ، ورأيت أنوار الحسن والحسين وفاطمة ، ورأيت في ثلاثة مواضع عليّاً عليّاً عليّاً ومحمّداً محمّداً وموسى وجعفراً والحسن والحجّة يتلألأ من بينهم كأنّه كوكب درّيّ ، فقلت : يا ربّ ، من هؤلاء الذين قرنت أسماءهم باسمك؟ قال : يا محمّد ، إنّهم هم الأوصياء والأئمّة بعدك ، خلقتُهم من طينتك ، فطوبى لمن أحبّهم والويل لمن أبغضهم ، فبهم أُنزل الغيث وبهم أُثيب وأُعاقب ».

ثمّ رفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يده إلى السماء ودعا بدعوات ، فسمعته في ما يقول : « اللّهم اجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي ، وفي زرعي وزرع زرعي »(١) .

الخامس : حدَّثني علي بن الحسين بن محمّد ، قال : حدَّثنا عتبة بن عبد الله الحمّصي بمكّة قراءة عليه سنة ثمانين وثلاثمائة ، قال : حدَّثنا موسى القطقطاني ، قال : حدَّثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدَّثنا حسين بن زيد بن علي ، قال : حدَّثنا عبد الله بن حسين بن حسن ، عن أبيه ، عن الحسن ( عليه السلام ) ، قال : « خطب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوماً ، فقال بعدما حمد الله وأثنى عليه : معاشر الناس ، كأنّي أُدعى فأُجيب ، وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، فتعلّموا منهم

____________

١ ـ كفاية الأثر : ١٣٦ ، ما جاء عن حذيفة بن اليمان ، وعنه في إثبات الهداة ٢ : ٥٣٥ ح ٥٣٤ ، وغاية المرام ٢ : ٢٣٦ ح ٩٩ ، باب (٢٩) ، و ٢ : ٣٢١ ح ٢ ، الباب (٢٩) ، ولكنّه نسبه إلى ابن بابويه كعادته ، والبحار ٣٦ : ٣٣١ ح ١٩١.

٣٤٣

ولا تعلّموهم ، فإنّهم أعلم منكم ، لا يخلو الأرض منهم ، ولو خلت إذاً لساخت بأهلها » الحديث(١) .

السادس : قال : وكقوله : « إنّي مخلّف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(٢) .

السابع : حدَّثنا أحمد بن إسماعيل ، قال : حدَّثنا محمّد بن همام ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن موسى بن مسلم ، عن مسعدة ، قال : كنت عند الصادق ( عليه السلام ) إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى متّكئاً على عصاه ، فسلّم فردّ أبو عبد الله ( عليه السلام ) الجواب ، ثمّ قال : يا ابن رسول الله ، ناولني يدك أُقبّلها ، فأعطاه يده فقبّلها ثمّ بكى ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « ما يبكيك يا شيخ؟ ».

قال : جُعِلت فداك ، أقمت على قائمكم منذ مائة سنة أقول : هذا الشهر وهذه السنة ، وقد كبرت سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي ولا أرى ما أُحبّ ، أراكم معتلّين مشرّدين ، وأرى عدوّكم يطيرون بالأجنحة ، فكيف لا أبكي ، فدمعت عينا أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، ثمّ قال : « يا شيخ ، إن أبقاك الله حتّى تر قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى ، وإن حلّت بك المنيّة جئت يوم القيامة مع ثقل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، ونحن ثقله ، فقال ( عليه السلام ) : إنّي مخلّف فيكم الثقلين ، فتمسّكوا بهما لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ».

فقال الشيخ : لا أُبالي بعدما سمعت هذا الخبر.

قال : « يا شيخ ، إنّ قائمنا يخرج من صلب الحسن ، والحسن يخرج

____________

١ ـ كفاية الأثر : ١٦٢ ، ماروي عن الحسن بن علي ( عليهما السلام ).

والحديث طويل فيه تعداد الأئمّة ( عليهم السلام ) من ولد الحسين بأسمائهم وصفاتهم ، اخترنا موضع الحاجة منه ، وعنه في إثبات الهداة ١ : ٥٩١ ح ٥٤٤ باختصار ، وغاية المرام ١ : ١١٥ ح ١٦ ، باب (١١) ، و ٢ : ٣٢٤ ح ٧ ، باب (٢٩) ، و ٣ : ٩ ح ١١ ، باب (٣١) ، والبحار ٣٦ : ٣٣٨ ح ٢٠١.

٢ ـ كفاية الأثر : ٢١٠.

٣٤٤

من صلب علي ، وعلي يخرج من صلب محمّد ، ومحمّد يخرج من صلب علي ، وعلي يخرج من صلب ابني هذا ـ وأشار إلى موسى ( عليه السلام ) ـ ، وهذا خرج من صلبي ، نحن اثنا عشر كلّنا معصومون مطهّرون » الحديث(١) .

أبو القاسم علي بن محمّد بن علي الخزّاز القمّي :

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : علي بن محمّد بن علي الخزّاز ، ثقة من أصحابنا ( أبو القاسم ) ، وكان فقيهاً وجهاً ، له كتاب الإيضاح من أُصول الدين على مذهب أهل البيت ( عليهم السلام )(٢) .

ولكن الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) ذكر في رجاله أنّ أباه أحمد ، وقال : علي بن أحمد بن علي الخزّاز ، نزيل الريّ ، يكنّى ( أبا الحسن ) ، متكلّم جليل(٣) ، وفي الفهرست ، قال : علي الخزّاز الرازي متكلّم جليل له كتب في الكلام ، وله أُنس بالفقه ، وكان مقيماً بالريّ وبها مات ( رحمه الله )(٤) .

وذكره العلاّمة ( ت ٧٢٦ هـ ) مرّة بعنوان : علي بن الخزّاز ، متكلّم جليل ، له كتب في الكلام ، وله أُنس بالفقه ، كان مقيماً بالريّ وبها مات(٥) ، ومرّة بعنوان : علي بن محمّد بن علي الخزّاز ، يكنّى أبا القاسم ، كان ثقة من أصحابنا فقيهاً وجيهاً(٦) ، وكذا في إيضاح الاشتباه : علي بن محمّد بن علي الخزّاز(٧) ، وكأنّه جعله اثنان.

____________

١ ـ كفاية الأثر : ٢٦٤ ، ما جاء عن جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) ، وعنه في إثبات الهداة ١ : ٦٠٣ ح ٥٨٦ ، وأورده من حديث الثقلين إلى آخره ، وغاية المرام ٢ : ٣٢٣ ح ٦ ، ونسبه إلى ابن بابويه كعادته ، والبحار ٣٦ : ٤٠٨ ح ١٧.

٢ ـ رجال النجاشي: ٢٦٨ [ ٧٠٠ ].

٣ ـ رجال الطوسي : ٤٣٠ [ ٦١٧٢ ] ، من لم يرو عن واحد من الأئمّة ( عليهم السلام ).

٤ ـ فهرست الطوسي: ٢٩٠ [ ٤٣٣ ].

٥ ـ خلاصة الأقوال : ١٨٠ [ ٥٣٥ ].

٦ ـ خلاصة الأقوال: ١٨٨ [ ٥٦٤ ].

٧ ـ إيضاح الاشتباه : ٢٢٢ [ ٤٠٧ ].

٣٤٥

وقال ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ ) : علي بن محمّد بن علي الخزّاز ، أبو القاسم [ جش [ ثقة ، كان من أصحابنا وجيهاً(١) .

كفاية الأثر :

قال ابن شهرآشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) ـ بعد أن عنونه بـ ( علي بن محمّد ابن علي الخزّاز القمّي ) ـ من كتبه : كتاب الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة ، الإيضاح في الاعتقاد ، الكفاية في النصوص(٢) .

وقال البهبهاني ( ت ١٢٠٥ هـ ) في التعليقه ـ بعد أن ذكر ما قاله ابن شهرآشوب ـ : قد رأيت هذا الكتاب ـ أعني الكفاية ـ كتاباً مبسوطاً جيّداً في غاية الجودة ، جميعه نصوص عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وعن غيره أيضاً على أنّ الأئمّة اثنا عشر ، وفيه بعض تحقيقاته ، يظهر منه كونه في غاية الفضل ، ويظهر من ذلك الكتاب كونه من تلامذة الصدوق وأبي المفضّل الشيباني ومن في طبقتهما ( رضي الله عنهم ).

ونقل عن خالي العلاّمة(٣) نسبة هذا الكتاب إلى المفيد ، وعن غيره(٤) إلى الصدوق ، ونسبا إلى الوهم ; لما ذكره ابن شهرآشوب ، والسيّد الجليل عبد الكريم بن طاووس في فرحة الغري ، والعلاّمة في إجازته لأولاد

____________

١ ـ رجال ابن داود : ١٤١ [ ١٠٧٨ ] ، القسم الأوّل.

وانظر : الوجيزة ( رجال المجلسي ) : ٢٥٦ [ ١٢٠٥ ] و ٢٦٥ [ ١٢٨٢ ] ، معجم الثقات : ٨٦ [ ٥٧٩ ] ، منهج المقال : ٢٢٥ و ٢٣٨ ، في المتن والحاشية ، نقد الرجال ٣ : ٢٢٨ [ ٣٥٠١ ] و ٢٩٨ [ ٣٦٩٠ ] ، تنقيح المقال ٢ : ٢٦٥ و ٢٦٧ و ٣٠٧ ، قاموس الرجال ٧ : ٣٦٠ [ ٥٠٢١ ] و ٥٦٦ [ ٥٣١٣ ].

٢ ـ معالم العلماء : ٧١ [ ٤٧٨ ].

٣ ـ العلاّمة المجلسي ، ولكن الظاهر أنّ النقل غير صحيح ، كما سيأتي من قول المجلسي في البحار.

٤ ـ الظاهر أنّه البحراني ، كما نبّهنا سابقاً عند ذكر الروايات.

٣٤٦

زهرة ، والشيخ الحرّ في وسائل الشيعة ، فإنّهم أيضاً صرّحوا بكونه لهذا الجليل(١) .

وعدّه الشيخ الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) في الكتب المعتمدة عنده ، وقال : كتاب الكفاية في النصوص على عدد الأئمّة ( عليهم السلام ) للشيخ الثقة الصدوق علي بن محمّد الخزّاز القمّي(٢) ، وذكر طريقه إليه(٣) .

وذكره المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) في مصادره ، وقال : كتاب كفاية الأثر في النصوص على الأئمّة الاثني عشر للشيخ السعيد علي بن محمّد بن علي الخزّاز القمّي(٤) .

وقال في توثيقه : وكتاب الكفاية كتاب شريف ، لم يؤلّف مثله في الإمامة ، وهذا الكتاب ومؤلّفه مذكوران في إجازة العلاّمة ، وغيرها ، وتأليفه أوّل دليل على فضله وثقته وديانته ، ثمّ ذكر توثيق العلاّمة في الخلاصة ، وابن شهرآشوب في المعالم(٥) .

وهناك نسخ عديدة للكتاب منها في مكتبة العلاّمة المحدّث الأرموي ، فرغ من نسخها سنة ٩٣١ هـ ونسخت على نسخة تاريخها ٤٠٤ هـ ، ونسخة أُخرى ذكر السيّد العلاّمة محسن الأمين في كتابه ( معادن الجواهر ) أنّه وجدها في جبل عامل ، قد فرغ من نسخها سنه ٥٨٤ هـ ، وعليها إجازة بخطّ شاذان بن جبرئيل بن إسماعيل القمّي ، وهو يروي الكتاب عن السيّد العالم فخر الدين محمّد بن سرايا الحسني الجرجاني ،

____________

١ ـ منهج المقال : ٢٣٨ ، الحاشية.

٢ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٥٦ [ ٢٩ ].

٣ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٧٩ ، الطريق الواحد والعشرون.

٤ ـ البحار ١ : ١٠ ، مصادر الكتاب.

٥ ـ البحار ١ : ٢٩ ، توثيق المصادر.

٣٤٧

عن الشيخ الفقيه علي بن علي بن عبد الصمد التميمي ، عن أبيه ، عن السيّد العالم أبي البركات الحوري عن المصنّف ( رحمه الله ).

وعلى النسخة خطوط بالإجازة والقراءة متتابعة التواريخ(١) .

____________

١ ـ معادن الجواهر ٢ : ٢٠٧ الباب السادس : في أُمور متفرّقة.

وانظر أيضاً : مقدّمة كتاب كفاية الأثر ، ورياض العلماء ٤ : ٢٢٦.

٣٤٨

حديث الثقلين عند الإماميّة ( الاثني عشريّة )

القرن الخامس الهجري

٣٤٩
٣٥٠

(٣٥) مقتضب الأثر

لأحمد بن عيّاش الجوهري ( ت ٤٠١ هـ )

الحديث :

الحمد لله المبتدي خلقه بالنعم ، وإيجادهم بعد العدم ، والمصطفي منهم من شاء في الأُمم ، حججاً على سائر الأُمم ، وبمحمّد ( صلى الله عليه وآله ) ختم ، وبالأئمّة من بعده النعمة أتمّ ، وقال :( بَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ) ثمّ قرنهم رسول الله بكتاب ربّه ، جعلهم قرناءه ، وعليه أُمناءه ، فقال : « إنّي مخلّف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » فجعل حكمهما في الطاعة وفي الاقتداء بهما واحد(١) .

أحمد بن محمّد بن عبيد الله بن عيّاش الجوهري ( ت ٤٠١ هـ ) :

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : أحمد بن محمّد بن عبيد الله بن الحسن ابن عيّاش بن إبراهيم بن أيّوب الجوهري ، أبو عبد الله ، وأُمّه سكينة بنت الحسين بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن إسحاق بنت أخي القاضي أبي عمر محمّد بن يوسف.

____________

١ ـ مقتضب الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر : ٢٨٧ ، مقدّمة الكتاب ضمن مجلّة علوم الحديث ( العدد التاسع ).

٣٥١

كان سمع الحديث وأكثر ، واضطرب في آخر عمره ، وكان جدّه وأبوه من وجوه أهل بغداد أيّام آل حمّاد والقاضي أبي عمر.

ثمّ قال ـ بعد أن ذكر كتبه ـ : رأيت هذا الشيخ ، وكان صديقاً لي ولوالدي ، وسمعت منه شيئاً كثيراً ، ورأيت شيوخنا يضعّفونه ، فلم أرو عنه شيئاً وتجنّبته ، وكان من أهل العلم والأدب القويّ ، وطيّب الشعر ، وحسن الخطّ ، رحمه الله وسامحه ، ومات سنة إحدى وأربعمائة(١) .

وقال الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست : كان سمع الحديث وأكثر ، واختلّ في آخر عمره ، وكان جدّه وأبوه وجيهين ببغداد ، وأُمّه سكينة بنت الحسين بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن إسحاق بنت أخي القاضي أبي عمر محمّد بن يوسف(٢) .

وذكره في رجاله في من لم يرو عن واحد من الأئمّة ( عليهم السلام ) ، وقال : أحمد بن محمّد بن عيّاش ، يكنّى أبا عبد الله ، كثير الرواية إلاّ أنّه اختلّ في آخر عمره ، أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا ، مات سنة إحدى وأربعمائة(٣) .

ووصفه ابن شاذان ( القرن الخامس ) بالحافظ في عدّة مواضع من كتابه المائة منقبة(٤) .

وسكت عنه ابن شهرآشوب ( ت ٨٨ هـ ) في معالمه ، واكتفى بعدّ كتبه ، وذكر اسمه ، هكذا : أحمد بن محمّد بن عبيد الله بن سليمان ، أبو عبد الله الجوهري(٥) .

وذكره العلاّمة ( ت ٧٢٦ هـ ) في الخلاصة في القسم الثاني المخصّص

____________

١ ـ رجال النجاشي : ٨٥ [ ٢٠٧ ].

٢ ـ فهرست الطوسي : ٧٨ [ ٩٩ ].

٣ ـ رجال الطوسي : ٤١٣ [ ٥٩٨٣ ].

٤ ـ مائة منقبة : ٦٤ ، المنقبة ١٧ و ٣٠ و ٨٢.

٥ ـ معالم العلماء : ٢٠ [ ٩٠ ].

٣٥٢

للضعاف بمثل ما ذكره النجاشي والطوسي ، ونقل كلام النجاشي الأخير(١) ، ومثله فعل ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ )(٢) .

وعدّه في الحاوي من الضعاف(٣) ).

وفي الوجيزة للمجلسي ( ت ١١١١ هـ ) : ضعيف ، وفيه مدح(٤) ، وقال في البحار عند ذكره لكتابه المقتضب : ذكره الشيخ والنجاشي في فهرستيهما ، وعدّا هذا الكتاب من كتبه ، ومدحاه بكثرة الرواية ، لكن نسبا إليه أنّه خلط في آخر عمره ، وذكره ابن شهرآشوب وعدّ مؤلّفاته ، ولم يقدح فيه بشيء(٥) .

وقال المامقاني ( ت ١٣٥١ هـ ) ـ بعد أن نقل ما أوردناه آنفاً ـ : قلت : بعد إحراز كونه إماميّاً كما تكشف عنه كتبه وورود المدح فيه ، كان مقتضى القاعدة عدّ حديثه من الحسن لا الضعيف سيّما إن أُريد بالاختلال في آخر عمره خلل في عقله دون مذهبه ، وترحّم النجاشي عليه مؤيّد لحسنه ، كما لا زال يستشهد بنحو ذلك الوحيد لحسن الرجل ، وإن أُريد بالاختلال اختلال مذهبه كما يومي إليه قول النجاشي بعد الترحّم وسامحه ، وقوله قبل ذلك اضطرب في آخر عمره ، فإنّ ذلك لا يراد به على الظاهر اختلال العقل ، نقول : لا مانع من الأخذ برواياته التي رواها في حال استقامته واعتداله ولكن تجنّب النجاشي من الرواية عنه احتياطاً أوجب تضعيفهم

____________

١ ـ خلاصة الأقوال : ٣٢٢ [ ١٢٦٥ ] ، القسم الثاني ، وانظر : إيضاح الاشتباه : ١٠٢ [ ٦٥ ].

٢ ـ رجال ابن داود : ٢٢٩ [ ٤١ ] ، القسم الثاني ، وانظر : مجمع الرجال ١ : ١٥٢ ، نقد الرجال ١ : ١٦٣ [ ٣٢٦ ] ، منتهى المقال ١ : ٣٣٠ [ ٢٣٧ ] ، جامع الرواة ١ : ٦٨ ، الكنى والألقاب ١ : ٣٦٩ ، معجم رجال الحديث ٣ : ٧٧.

٣ ـ حاوي الأقوال ٣ : ٣٩٣ [ ١٢٧٣ ].

٤ ـ الوجيزة ( رجال المجلسي ) : ١٥٤ [ ١٢٩ ].

٥ ـ البحار ١ : ٣٧ ، توثيق المصادر.

٣٥٣

للرجل واتّباعهم إيّاه ، وهو كما ترى(١) .

وعلّق التستري ( ت ١٤١٥ هـ ) في القاموس : هذا ، وأحسن النجاشي في تجنّبه عن الرواية عنه ، وقد روى الشيخ في مصباحه عنه في أدعية شهر رجب دعاء ( اللّهمّ إنّي أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك ) وهو دعاء مختلّ الألفاظ والمعاني ، وفيه فقرة منكرة ( لا فرق بينك وبينها إلاّ أنّهم عبادك )(٢) .

أقول : اختلال الألفاظ والمعاني لا نسلّم به ، وهذه الفقرة ظاهرة التصحيف وهم أعلم بمعناها ، وقد يكون ما قاله النجاشي من الاضطراب والطوسي من الاختلال يشير إلى مثل هذا ، فالناظر في كلام النجاشي والطوسي يرى كلامهما واحداً ، إلاّ في كلمتي ( اضطرب ) و ( اختلّ ) فكأنّ مرادهما واحد ، وعليه فلا يراد منهما الطعن في مذهبه ، بل الأقرب تضعيفه من جهة الضبط وهو في آخر عمره.

أمّا تجنّب النجاشي الرواية عنه ، فإنّه لم يلتزم به في عدّة موارد كما سيأتي عن العلاّمة الطهراني ، فالظاهر أنَّه كان منه مراعاة للشيوخ الذين ضعّفوه كما نقل ، وإن لم يرتضه هو كلّ الرضا ، وإلاّ لما روى عنه في هذه الموارد العديدة.

قال صاحب الرياض ( ت حدود ١١٣٠ هـ ) : من فضلاء الشيعة الإماميّة ورئيسهم(٣) .

وقال الخوانساري ( ت ١٣١٣ هـ ) ـ بعد أن عنون له بالحافظ الفقيه المشهور ـ : يروي عنه في البحار كثيراً ، وهو من جملة المعتمدين من الأصحاب ( رضوان الله عليهم أجمعين )(٤) .

____________

١ ـ تنقيح المقال ١ : ٨٨ [ ٥١٧ ].

٢ ـ قاموس الرجال ١ : ٦٢٢ [ ٥٦١ ].

٣ ـ رياض العلماء ٦ : ٣١.

٤ ـ روضات الجنّات ١ : ٦٠ [ ١٢ ].

٣٥٤

وقال العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الطبقات : ذكره النجاشي ، وقال : كان صديقاً لي ولوالدي وسمعت منه شيئاً كثيراً ، وذكر أنَّه لا يروي عنه ، لكن ينقل عنه كثيراً ، منها في ترجمة رومي بن زرارة ، قال : له كتاب رواه ابن عيّاش ، قال : حدَّثنا علي بن محمّد بن زياد التستري(١) ، ومنها في ترجمة عبيد بن كثير ، قال : رواه أبو عبد الله بن عيّاش ، عن أبي الحسين عبد الصمد بن مكرم(٢) ، وفي ترجمة القاسم بن الوليد : قال أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن عبيد الله : حدَّثنا عبيد الله بن أبي زيد(٣) يعني أبا طالب الأنباري عبيد الله بن أحمد بن أبي زيد ، وقال في ترجمة محمّد بن جعفر ابن عنبسة : قال أبو عبد الله بن عيّاش : حدَّثنا علي بن محمّد بن جعفر بن عنبسة(٤) ، وفي ترجمة علي بن محمّد بن جعفر بن عنبسة : قال أبو عبد الله ابن عيّاش : يقال له ابن ريدويه(٥) ، وفي ترجمة محمّد بن سنان : كان أبو عبد الله بن عيّاش يقول : حدَّثنا أبو عيسى محمّد بن أحمد بن محمّد بن سنان(٦) (٧) .

وقال أيضاً : مؤلّف كتاب ( مقتضب الأثر ) والمتوفّى ٤٠١ ، وعمّر طويلا ; لأنّه يروي عن أحمد بن محمّد بن عقدة الذي توفّي ٣٣٣ هـ ، يعدّ من أعلام هذا القرن ; لأنّ تمام حياته ونشاطه العلمي في هذا القرن ، لكن حيث أدرك القرن الخامس ذكرته هناك(٨) .

____________

١ ـ رجال النجاشي : ١٦٦ [ ٤٤٠ ].

٢ ـ رجال النجاشي : ٢٣٤ [ ٦٢٠ ].

٣ ـ رجال النجاشي : ٣١٣ [ ٨٥٥ ].

٤ ـ رجال النجاشي : ٣٧٦ [ ١٠٢٥ ].

٥ ـ رجال النجاشي : ٢٦٢ [ ٦٨٦ ].

٦ ـ رجال النجاشي : ٣٢٨ [ ٨٨٨ ].

٧ ـ طبقات أعلام الشيعة ( القرن الخامس ) ٢ : ٢٣.

٨ ـ طبقات أعلام الشيعة ( القرن الرابع ) ١ : ٥١.

٣٥٥

أقول : لعلّ تضعيف شيوخ النجاشي له جاء من روايته لكتب الضعفاء ، وذلك ظاهر لمن تتبّع الموارد التي ذكرناها آنفاً عن الطهراني في رجال النجاشي.

وقد أضاف السيّد الخوئي ( ت ١٤١٣ هـ ) ( قدس سره ) مورداً آخر ، وهو ما رواه في ترجمة الحسين بن بسطام ، قال : وقال أبو عبد الله بن عيّاش : هو الحسين بن بسطام بن سابور الزيّات ، ثمّ قال : قال ابن عبّاس : أخبرناه الشريف أبو الحسين صالح بن الحسين النوفلي(١) (٢) .

ثمّ أنّه قد لا يلتفت إلى مثل هذه التضعيفات بعد أن روى عنه الأجلاّء مثل الدوريستي(٣) ، كما سيأتي في إجازات الكتاب.

كتاب مقتضب الأثر :

نسبه إلى ابن عيّاش كلّ من ترجم له.

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : له كتب ، منها : كتاب مقتضب الأثر في عدد الأئمّة الاثني عشر ، كتاب الأغسال(٤) .

وقال الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) : وصنّف كتباً منها : كتاب مقتضب الأثر في عدد الأئمّة الاثني عشر ( عليهم السلام ) ، ثمّ قال ـ بعد أن ذكر بقيّة كتبه ـ : أخبرنا بسائر كتبه ورواياته جماعة من أصحابنا عنه ، ومات سنه إحدى وأربعمائة(٥) .

وطريقه صحيح ، قاله السيّد الخوئي ( ت ١٤١٣ هـ ) ( قدس سره )(٦) .

____________

١ ـ رجال النجاشي : ٣٩ [ ٧٩ ].

٢ ـ معجم رجال الحديث ٣ : ٧٨ ، وانظر : الجامع في الرجال ١ : ١٧٤.

٣ ـ أعيان الشيعة ٣ : ١٢٥ ، وانظر : تهذيب المقال ٣ : ٣٦٤.

٤ ـ رجال النجاشي : ٨٦ [ ٢٠٧ ].

٥ ـ فهرست الطوسي : ٧٨ [ ٩٩ ].

٦ ـ معجم رجال الحديث ٣ : ٧٨ [ ٨٨٤ ].

٣٥٦

وأورده المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) ضمن مصادره(١) ، وقال في توثيقه : وبالجملة كتابه من الأُصول المعتبرة عند الشيعة ، كما يظهر من التتبّع(٢) .

وقال النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) : وكتاب مقتضب الأثر في عدد الأئمّة الاثني عشر ( عليهم السلام ) ، وهو مع صغر حجمه من نفائس الكتب(٣) .

وقد ذكر السيّد ابن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) في الطرائف أنّه رآه ، قال : وقد رأيت تصنيفاً لأبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن عيّاش اسمه ( كتاب مقتضب الأثر في إمامة الاثني عشر ) وهو نحو من أربعين ورقة ، في النسخة التي رأيتها ، يذكر فيها أحاديث عن نبيّهم محمّد ( صلى الله عليه وآله ) بإمامة الاثني عشر من قريش بأسمائهم(٤) .

وقال الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) : إجازة الشيخ الجليل أبي محمّد عبد الله بن جعفر بن محمّد بن موسى بن جعفر بن محمّد بن أحمد العيّاشي الدوريستي للشيخ صفيّ الدين أبي الفتوح الهمداني محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد الكريم بن عبد الجبّار بن الحسين بن محمّد بن أحمد بن المشرون الوزيري ، ولولده أبي نصر أحمد بن محمّد مختصرة ، كتبها بخطّه لهما على ظهر مقتضب الأثر في شعبان سنة ٥٧٥ هـ ، يرويه عن جدّه محمّد بن موسى ، عن جدّه جعفر بن محمّد ، عن الحسن بن محمّد ابن إسماعيل بن أشناس البزّاز ، عن مصنّفه الشيخ الإمام أبي عبد الله أحمد ابن محمّد بن عبد الله بن الحسين بن عيّاش بن إبراهيم بن أيّوب الجوهري المتوفّى سنه ٤٠١(٥) .

____________

١ ـ البحار ١ : ١٩.

٢ ـ البحار ١ : ٣٧ ، توثيق المصادر.

٣ ـ خاتمة المستدرك ٣ : ٣٨.

٤ ـ الطرائف ١ : ٢٥٤ ، وانظر : البحار ٣٦ : ٣٦٤.

٥ ـ الذريعة ١ : ٢٠٣ [ ١٠٦٢ ].

٣٥٧

وقال عند ذكره لمقتضب الأثر ، وبعد أن أورد ما في أوّل الكتاب وعدد أجزائه ومحتواها : والنسخة في خزانة كتب الميرزا محمّد الطهراني ، وحسب أمره طبع في سنة ( ١٣٤٦ هـ ) ، ورأيت نسخة منتسخة من أصل كَتَبه محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد الكريم بن ، أبو الفتوح الهمداني ، فرغ منه ليلة ( ٢٢ شعبان ـ عظّم الله قدره ـ سنة ٥٧٥ ) وكتب على النسخة المذكورة في التاريخ المذكور ـ أعني شعبان ٥٧٥ ـ عبد الله بن جعفر بن محمّد بن موسى بن جعفر بن محمّد بن أحمد العبّاس(١) الدوريستي المذكور في ( ج ١ ـ ص ٢٠٣ ) بخطّه مالفظه ( مات مصنّف الكتاب سنة ٤٠١ ) ، ثمّ ذكر إجازة الدوريستي لأبي الفتوح وولده بمثل ما مرّ ، وقال : إنّها موجودة في مستدرك الإجازات على إجازات البحار(٢) .

وهناك إجازة أُخرى لهذا الكتاب من بعض أفاضل تلامذة الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي ونظرائه ، والظاهر أنّها من السيّد محمّد ابن الحسين بن محمّد بن أبي الرضا العلوي ـ كما استظهره المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) في بحاره ـ للسيّد شمس الدين محمّد ابن السيّد جمال الدين أحمد بن أبي المعالي أُستاذ الشهيد ( قدس سره )(٣) :

بسم الله الرحمن الرحيم ، وأجزت له رواية كتاب مقتضب الأثر في الأئمّة الاثني عشر تأليف الشيخ أبي عبد الله أحمد بن محمّد بن عبد الله ابن الحسن بن عيّاش ، عن إبراهيم بن أيّوب ، عن الشيخ نجيب الدين المذكور ، عن السيّد ابن زهرة ، عن الشيخ الفقيه أبي سالم علي بن الحسن ابن المظفّر ، عن الفقيه رشيد الدين أبي الطيّب طاهر بن محمّد بن علي

____________

١ ـ هكذا في الذريعة ، وقد مرّ منه ( العيّاشي ).

٢ ـ الذريعة ٢٢ : ٢١ [ ٥٨٢٣ ].

٣ ـ البحار ١٠٧ : ١٥٢ ، وانظر : أعيان الشيعة ٣ : ١٢٥.

٣٥٨

الخواري ، عن الفقيه عبد الله بن جعفر بن محمّد بن موسى بن جعفر الدوريستي ، عن جدّه أبي جعفر محمّد بن موسى ، عن جدّه أبي عبد الله جعفر بن محمّد الدوريستي ، عن المصنّف(١) .

ومن الواضح أنّ هذه الإجازة بنفس طريق عبد الله بن جعفر الدوريستي صاحب الإجازة السابقة.

وقد طبع هذا الكتاب طبعة جديدة محقّقة في مجلّة علوم الحديث ( العدد التاسع ) ، وذكر العلاّمة البارع السيّد محمّد رضا الجلالي في أوّلها تحت عنوان ( تتميم النظر في التقديم لمقتضب الأثر ) أنّه اطَّلعَ على ثلاث نسخ من الكتاب اثنان منها في المكتبة الرضويّة وأُخرى عند السيّد محمّد علي الطبسي الحائري دام ظلّه ، ثمّ أورد وصفاً مفصّلاً لهذه النسخ ، تنطبق مواصفات اثنتين منها على مواصفات النسخة التي مرّ ذكرها عن العلاّمة الطهراني ، فلعلّه رأى إحداهما(٢) .

____________

١ ـ البحار ١٠٧ : ١٦٨.

٢ ـ انظر مجلّة علوم الحديث ، العدد التاسع ، ( تتميم النظر في التقديم لمقتضب الأثر ).

٣٥٩
٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

حقير و خطرك يسير ، آه من قلة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق . فقال له معاوية : زدني شيئا من كلامه .

إلى أن قال : قال كيف حزنك عليه ؟ قال : حزن من ذبح ولدها على صدرها ، فما ترقأ عبرتها و لا يسكن حزنها ١ و رواه المصنف في ( خصائصه ) و في روايته فان تبسم فعن غير أشر و لا اختيال ، و إن نطق فعن الحكمة و فصل الخطاب ، يعظّم أهل الدين و يحبّ المساكين و لا يطمع الغني في باطله و لا يؤيس الضعيف من حقّه إلى أن قال فوكت دموع معاوية ما يملكها و يقول : هكذا كان علي ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزني عليه و اللّه حزن من ذبح واحدها في حجرها فلا ترقي دمعتها و لا تسكن حرارتها ٢ .

و رواه ابن بابويه في ( أماليه ) مسندا عن الأصبغ قال : دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على معاوية فقال : صف لي عليّا قال : أو تعفيني ؟ قال : لا ، بل صفه لي ، فقال ضرار : كان و اللّه فينا كأحدنا ، يبدأ بنا إذا أتيناه و يجيبنا إذا سألناه و يقرّبنا إذا زرناه ، لا يغلق له دوننا باب و لا يحجبنا عنه حاجب ، و نحن و اللّه مع تقريبه لنا و قربه منّا لا نكلّمه لهيبته و لا نبتدؤه لعظمته ، فاذا تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم .

فقال معاوية : زدني في صفته ، فقال ضرار : كان و اللّه طويل السهاد ،

قليل الرقاد ، يتلو كتاب اللّه آناء الليل و أطراف النهار ، يجود اللّه بمهجته و يبوء إليه بعبرته ، لا تغلق له الستور و لا يدخر عنّا البدور ، و لا يستلين الإتكاء و لا يستخشن الجفاء ، و لو رأيته إذ مثل في محرابه ، و قد أرخى الليل سدوله ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٤٢١ .

( ٢ ) خصائص الائمة : ٤٠ .

٤٠١

و غارت نجومه و هو قابض على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين و هو يقول : يا دنيا أبي تعرضت أم إليّ تشوّقت إلى أن قال : فبكى معاوية و قال : حسبك يا ضرار ، كذلك و اللّه كان علي ، رحم اللّه أبا الحسن ١ و روى ( الاستيعاب ) عن حاله عليه السلام عن الحرمازي قال : قال معاوية لضرار الصدائي : صف لي عليا . قال : اعفني ، قال : لتصفنّه قال : أما إذ لا بدّ من وصفه فكان و اللّه بعيد المدى شديد القوى ، يقول فصلا و يحكم عدلا ، يتفجّر العلم من جوانبه و تنطق الحكمه من نواحيه ، و يستوحش من الدنيا و زهرتها و يستأنس بالليل و وحشته ، و كان غزير العبرة طويل الفكرة ، يعجبه من اللباس ما قصر و من الطعام ما خشن ، كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه و ينبئنا إذا استنبأناه و نحن و اللّه مع تقريبه إيّانا و قربه منّا لا نكاد نكلّمه هيبة له ، يعظّم أهل الدين و يقرّب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله و لا ييأس الضعيف من عدله ، و أشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدلته و غارت نجومه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين و يقول : يا دنيا غرّي غيري ، ألي تعرضت أم أليّ تشوّقت ، هيهات هيهات قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعمرك قصير و خطرك حقير ، آه ، من قلّة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق ، فبكي معاوية و قال : رحم اللّه أبا الحسن ، كان و اللّه كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزن من ذبح ولدها و هو في حجرها ٢ و قال ابن أبي الحديد : رواه الرياشي و نقلته من كتاب عبد اللّه بن إسماعيل الحلبي في التذييل على النهج ، قال : دخل ضرار على معاوية و كان

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي الصدوق : ٤٩٩ ح ٢ ، المجلس ٩١ .

( ٢ ) الاستيعاب ٣ : ٤٣ .

٤٠٢

من صحابة علي عليه السلام فقال له معاوية : صف لي عليا قال : أو تعفيني ؟ قال : لا ،

قال : ما أصف به ، كان و اللّه شديد القوى بعيد المدى ، يتفجّر العلم من أنحائه و الحكمة من أرجائه ، حسن المعاشرة سهل المباشرة ، سهل المباشرة ، خشن المأكل قصير الملبس ، غزير العبرة طويل الفكرة ، يقلّب كفّه و يخاطب نفسه ، و كان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألنا و يبتدينا إذا سكتنا ، و نحن مع تقريبه لنا أشدّ ما يكون صاحب لصاحب هيبة ، لا نبتديه الكلام لعظمته الخ . ثمّ نقله عن ( الاستيعاب ) ١ .

و أقول : في تلك الروايات « فوكت دموع معاوية ما يملكها ، و قال هكذا و اللّه كان أبو الحسن » أثّرت حقيقة أمير المؤمنين عليه السلام في معاوية ، مع أنّه لعمري كان ممّن قال تعالى فيهم : و لو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة و كلّمهم الموتى و حشرنا عليهم كلّ شي‏ء قبلا ما كانوا ليؤمنوا ٢ .

و أما قوله له « كيف حزنك عليه » الخ فمثله أبو الطفيل ، ففي ( المروج ) :

قال له معاوية : كيف وجدك على خليلك أبي الحسن ؟ قال : كوجد أم موسى على موسى و أشكو إلى اللّه التقصير ٣ .

و قول المصنف : « و من خبر ضرار بن حمزة » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « بن ضمرة » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٤ .

« الضبائي » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « الضيابي » كما في ( ابن أبي الحديد ) و غيره ، و لكن ( الاستيعاب ) جعله « الصدائي » كما وجدت و إن نقل ابن أبي الحديد أيضا عنه « الضبابي » ، و قد عرفت أن ( الأمالي ) قال « النهشلي »

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٢٥ .

( ٢ ) الانعام : ١١١ .

( ٣ ) مروج الذهب ٣ : ١٦ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٢٤ ، لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٧٦ ، مثل المصرية .

٤٠٣

و الحقيقة غير معلومة ١ ، و نهشل من تميم و صداء من مذحج و ضباب عدة قبائل بعضها بالفتح و بعضها بالكسر .

و أما قول ثم « الضباب بطن من فهر بن مالك بن النضر بن كنانه » ٢ الدال على أن هذا من ضباب قريش فبلا شاهد ، مع أن قوله « بطن من فهر » كالتعريف بالجنس البعيد ، و إنّما الصواب : أن يقال بطن من عامر بن لؤي لو قال دليل على كونه من قريش .

« عند دخوله على معاوية و مسألته له عن أمير المؤمنين عليه السلام » بوصفه له « و قال » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( قال ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٣ .

« فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى » أي : أرسل « الليل سدوله » أي : أستاره ، و إرخاء الليل سدوله كناية عن شدّة ظلامه .

« و هو قائم في محرابه » عن إبانة العكبري قالت ام سليمان بن المغيرة :

سألت أم سعيد سرية علي عليه السلام عن صلاته في شهر رمضان فقالت : رمضان و شوال سواء ، كان يحيى الليل كلّه ٤ .

و في ( أمالي ابن بابويه ) عن أنس سمعه رجل أنّه قال : نزل قوله تعالى :

أمن هو قانت آناء الليل ساجدا و قائما يحذر الآخرة و يرجو رحمة ربّه ٥ في علي عليه السلام . قال : فأتيته عليه السلام لأنظر إلى عبادته ، فأشهد باللّه لقد رأتيته وقت

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٢٤ ، و الاستيعاب ٣ : ٤٤ ، و الأمالي : ٤٩٩ ، و لفظ نهج البلاغة ٤ : ١٦ ، أيضا « الضبابي » و لفظ شرح ابن ميثم ٥ : ٢٧٦ ، « الضبائي » .

( ٢ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٧٦ ، « الضباء » .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٢٤ ، لكن توجد الواو في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٧٦ .

( ٤ ) مناقب السروي ٢ : ١٢٣ .

( ٥ ) الزمر : ٩ .

٤٠٤

المغرب فوجدته يصلي بأصحابه المغرب ، فلما فرغ جلس في التعقيب إلى أن قام إلى العشاء ، فلما فرغ دخل منزله ، فدخلت معه فوجدته طول الليل يصلي و يقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر ، ثم جدّد وضوءه و خرج إلى المسجد و صلّى بالناس صلاة الفجر ، ثم جلس في التعقيب إلى أن طلعت الشمس ، ثمّ قصده الناس فجعل يختصم إليه رجلان فاذا فرغا قاما و اختصم آخران ، إلى أن قام ،

فجدّد لصلاة الظهر وضوءه ثم صلّى بأصحابه الظهر ، ثمّ قعد في التعقيب إلى أن صلّى بهم العصر ، ثم أتاه النّاس فجعل يقوم رجلان و يقعد آخران يقضي بينهم و يفتيهم إلى أن غابت الشمس ، فخرجت و أنا أقول : أشهد باللّه لقد نزلت هذه الآية فيه ١ .

« قابض على لحيته يتململ » أي : ما يستقر كأنه على ملة ، أي : حفرة أوقدت فيها النار ، « تململ السليم » أي : من لدغته حيّة ، قالوا له السليم تفؤلا له بالسلامة « و يبكي بكاء الحزين » .

روى ( أمالي ابن بابويه ) مسندا عن عروة بن الزبير قال : كنّا جلوسا في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله فتذاكرنا أعمال أهل بدر و بيعة الرضوان ، فقال أبو الدرداء :

أ لا أخبركم بأقل القوم مالا و اكثرهم ورعا و أشدّهم اجتهادا في العبادة فقالوا :

قل ، قال : علي بن أبي طالب عليه السلام ، فما كان في المجلس أحد إلاّ أعرض عنه بوجهه ، ثم انتدب له رجل من الأنصار فقال له : يا عويمر لقد تكلّمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها فقال : إنّي قائل ما رأيت و ليقل كلّ قوم منكم ما رأوا ، شهدت عليا عليه السلام بشويحاط بني النجار و قد اعتزل عن مواليه و اختفى مما يليه و استتر بمغيلات النخل ، فافتقدته فقلت : لحق بمنزله ، فإذا أنا بصوت حزين و نغمة شجي و هو يقول : « إلهي كم من موبقة حلمت عنّي في مقابلتها

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن أمالي الصدوق المجلسي في البحار ٤١ : ١٣ ح ٣ .

٤٠٥

بنعمتك ؟ و كم من جريرة تكرّمت عن كشفها بكرمك ؟ الهي ، إن طال في عصيانك عمري و عظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمّل غير غفرانك و لا أنا براج غير رضوانك » .

ثم فزع إلى الدعاء و البّث و الشكوى ، فكان مما ناجى اللّه به أن قال « إلهي أفكّر في عفوك فتهون علي خطيئتي ، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليّتي آه ان قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها و أنت محصيها فتقول خذوه ،

فياله من مأخوذ لا تنجيه عشيرته و لا تنفعه قبيلته ، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنّداء ، آه من نار تنضج الأكباد و الكلى ، آه من نار نزّاعة للشّوى ، آه من غمرة من ملهبات لظى » .

ثم أنعم في البكاء فلم أسمع له حسّا ، فقلت : غلبه النوم لطول السهر أوقظه لصلاة الفجر ، فأتيته فاذا هو كالخشبة الملقاة فحرّكته فلم يتحرك ،

فقلت : ( إنا للّه و إنّا إليه راجعون ) مات و اللّه علي فأتيت منزله مبادرا أنعاه ،

فقالت فاطمة عليها السلام : ما كان من شأنه فأخبرتها فقالت : هي و اللّه يا أبا الدرداء الغشية الّتي تأخذه من خشية اللّه الخبر ١ . و لابن فارض فيه عليه السلام :

هو البّكاء في المحراب ليلا

هو الضحّاك إذا اشتدّ الضّراب

« و يقول يا دنيا يا دنيا إليك » أي : أمسك « عنّي أ بي تعرضت ام إلّي تشوّقت لا حان حينك » أي : لا صار ذاك الوقت . قالت بثينة :

و إن سلوي عن جميل لساعة

من الدهر ما حانت و لا حان حينها

في ( المناقب ) : يروي أنّه عليه السلام كان في بعض حيطان فدك و في يده مسحاة ، فهجمت عليه أمرأة من أجمل النساء فقالت : يا ابن أبي طالب إن تزوّجتني أغنيك عن هذه المسحاة ، و أدلّك على خزائن الأرض ، و يكون لك

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي الصدوق : ٧٢ ح ٩ ، المجلس ١٨ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٠٦

الملك ما بقيت ، قال لها : فمن أنت ؟ قالت : أنا الدّنيا فقال عليه السلام : ارجعي فاطلبي زوجا غيري فلست من شأني ، و أقبل على مسحاته و أنشأ :

لقد خاب من غرّته دنيا دنيّة

و ما هي إن غرّت قرونا بباطل

أتتنا على ذي العروس بثينة

و زينتها في تلك الشمائل

فقلت لها : غرّي سواى فانّني

عزوف عن الدنيا و لست بجاهل

و ما أنا و الدّنيا و أنّ محمدا

رهين بقفر بين تلك الجنادل

وهبنا أتتنا بالكنوز و درّها

و أموال قارون و ملك القبائل

أليس جميعا للفناء مصيرها

و يطلب من خزّانها بالطوائل

فغرّي سواي إنّني غير راغب

لما فيك من عزّ و ملك و نائل

و قد قنعت نفسي بما قد رزقته

فشأنك يا دنيا و أهل الغوائل

فإنّي أخاف اللّه يوم لقائه

و أخشى عذابا دائما غير زائل ١

« هيهات غرّي غيري » عن أبي الأسود الدؤلي و قد نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر قال : لما ظهر علي عليه السلام يوم الجمل دخل بيت المال بالبصرة في ناس من المهاجرين و الأنصار و أنا معهم ، فلما رأى كثرة ما فيه قال « غرّي غيري » مرارا ثم نظر إلى المال و صعّد فيه بصره و صوّب فقال : إقسموه بين أصحابي خمسمائة ، فقسّم بينهم ، فلا و الّذي بعث محمدا صلّى اللّه عليه و آله بالحقّ ما نقص درهما و لا زاد درهما ، كأنه كان يعرف مبلغه ، و مقداره كان ستة آلاف درهم و الناس اثنا عشر ألفا .

و عن حبة العرني : قسّم علي عليه السلام بيت مال البصرة على أصحابه خمسمائة خمسمائة و اخذ خمسمائة درهم كواحد منهم ، فجاءه إنسان لم يحضر الوقعة فقال له عليه السلام : كنت شاهدا معك بقلبي و ان غاب عنك جسمي

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مناقب السروي ٢ : ١٠٢ .

٤٠٧

فأعطني من الفي‏ء شيئا ، فدفع إليه الّذي أخذه لنفسه و هو خمسمائة و لم يصب من الفي‏ء شيئا ١ .

و في ( غارات الثقفي ) و في ( المناقب ) : و أتي عليه السلام بمال فكوّم كومة من ذهب و كومة من فضة و قال : يا صفراء اصفري يا بيضاء ابيضّي و غرّي غيري

هذا جناي و خياره فيه

إذ كلّ جان يده إلى فيه ٢

هذا ، و في قصة يوذاسف و بلوهر الّتي رواها ( الإكمال ) : أنّ رجلا كان في قوم ، فركبوا سفينة ، فساروا في البحر ليالي و أياما ، ثم انكسرت سفينتهم بقرب جزيرة فيها الغيلان ، فغرقوا سواه و ألقاه البحر إلى الجزيرة ، و كانت الغيلان يشرفن من الجزيرة إلى البحر ، فأتى غولا فهواها و نكحها حتى إذا كان مع الصبح قتلته ، و قسّمت أعضاءه بين صواحبها ، و اتّفق مثل ذلك لرجل آخر فأخذته ابنة ملك الغيلان فانطلقت به فبات معها ينكحها و قد علم الرجل ما لقي من كانه قبله فلم ينام حذرا ، حتى إذا كان مع الصبح نامت الغول فانسلّ الرجل حتى أتى الساحل ، فاذا هو بسفينة فنادى أهلها و استغاث بهم فحملوه حتى أتوا به أهله ، فأصبحت الغيلان فأتوا الغولة الّتي باتت معه فقالوا لها : أين الرجل الّذي بات معك ؟ قالت : إنّه قد فرّ منّي فكذبوها و قالوا : أكلتيه و استأثرت به علينا فلنقتلنّك إن لم تأتنابه ، فمرّت في الماء حتى أتته في منزله و رحله ، فدخلت عليه و جلست عنده و قالت له : ما لقيت في سفرك هذا ؟ قال :

لقيت بلاء خلّصني اللّه منه و قّص عليها ذلك فقالت : و قد تخلّصت ؟ قال : نعم فقالت : أنا الغول و جئت لأخذك فقال لها : أنشدك اللّه أن لا تهلكيني فانّي أدلّك

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٩ و ٢٥٠ .

( ٢ ) الغارات ١ : ٥٧ ، و مناقب السروي ٢ : ٩٥ و اللفظ اللسروي .

٤٠٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

على مكان رجل ، قالت : فإنّي أرحمك ، فانطلقا حتى إذا دخلا على الملك قالت :

إسمع منّا أصلح اللّه الملك ، إنّي تزوّجت بهذا الرجل و هو من أحبّ الناس إليّ ، ثم إنّه كرهني و كره صحبتي ، فانظر في أمرنا ، فلمّا رآها الملك أعجبه جمالها فخلا بالرجل فسارّه و قال له : إنّي أحببت أن تتركها فأتزوّجها . قال : نعم ، ما تصلح إلاّ للملك . فتزوّج بها ، و بات معها حتى إذا كانت مع السحر ذبحته و قطعت أعضاءه و حملته إلى صواحبها ١ .

و في ( المناقب ) : و سأله عليه السلام أعرابي شيئا فأمر له بألف ، فقال الوكيل :

من ذهب أو فضة ؟ فقال عليه السلام كلاهما عندي حجران فأعط الأعرابي أنفعهما له ٢ .

و في ( جمل المفيد ) : لما خرج عثمان بن حنيف من البصرة و عاد طلحة و الزبير إلى بيت المال فتأمّلا إلى ما فيه من الذهب و الفضة ، قالوا : هذه الغنائم الّتي وعدنا اللّه بها و أخبرنا أنّه يعجّلها لنا . قال أبو الأسود : سمعت هذا منهما ،

و رأيت عليا عليه السلام بعد ذلك و قد دخله ( أي : بيت المال ) فلما رأى ما فيه قال : يا صفراء يا بيضاء غرّي غيري ، المال يعسوب الظلمة ، و أنا يعسوب المؤمنين ،

فلا و اللّه ما التفت إلى ما فيه ٣ .

« لا حاجة لي فيك قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها » قال تعالى : الطلاق مرَّتان إلى أن قال فان طلّقها فلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ٤ الآية . و لقد أجاد العطار النيسابوري بالفارسية في وصفه عليه السلام :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) نقل القصة بطولها الصدوق في كمال الدين ٢ : ٥٧٧ ، و هو من اساطير الهند و قد اشار إليها ابن النديم في الفهرست : ٣٦٤ .

( ٢ ) مناقب السروي ٢ : ١١٨ .

( ٣ ) الجمل : ١٥٤ .

( ٤ ) البقرة : ٢٢٩ و ٢٣٠ .

٤٠٩

چنان مطلق شد اندر فقر وفاقه

كه زر و نقره بودش سه طلاقه

اگر علمش بدى بحر مصور

در او يك قطره بودى بحر اخضر

چه در سر عطا اخلاص او را است

سه نان هفده آيه خاص او راست

گرفته اين جهان وصف سنانش

گذشته زان جهان وصف سه نانش

و في ( العقد الفريد ) : كان علي عليه السلام يقسّم بيت المال في كلّ جمعة حتى لا يبقي منه شيئا ، ثم يرش له ، و يقيل فيه ، و يتمثل بهذا البيت :

هذا جناي و خياره فيه

إذ كلّ جان يده إلى فيه ١

هذا ، و قال المعرّي مخاطبا الدنيا :

يا امّ دفر نحاك اللّه والدة

فيك الخناء و فيك البؤس و السرف

لو أنّك العرس أوقعت الطلاق بها

لكنّك الأم مالي عنك منصرف

و قال بعضهم :

طلق اللهو فؤادي ثلاثا

لا ارتجاع لي بعد الثلاث

و قالوا : كان المعدل و أويس يطلقان ثمّ يرجعان ، فطلق رجل آخر امرأته و كانت من بني غلاب فقال :

لقد طلقت اخت بني غلاب

طلاقا ما أظنّ له ارتدادا

و لم أك كالمعدل أو أويس

إذا ما طلقّا ندما فعادا

و قال أحمد بن إسحاق بن بهلول في ابن الفرات ، و قد كان صار وزيرا ثلاث مرات :

قل لهذا الوزير قول محقّ

بثّه النّصح أيّما إبثاث

قد تقلّدتها ثلاثا ثلاثا

و طلاق البتات عند الثلاث

و كان الأمر كما قاله فقتل ابن الفرات في وزارته الثالثة في محبسه .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد ٥ : ٥٩ ، و فيه « يفرش له » .

٤١٠

« فعيشك قصير » فقالوا : الدّنيا أشبه شي‏ء بظلّ الغمام و حلم النّيام .

و في السير : أنّ عبد الملك لمّا قتل مصعبا و ملك العراق و دخل الكوفة ،

صنع عمرو بن حريث له طعاما كثيرا و أمر به إلى الخورنق و أذن إذنا عامّا ،

فدخل الناس و أخذوا مجالسهم ، و أجلس عبد الملك ، عمرو بن حريث معه على سريره ، ثم جاءت الموائد فأكلوا ، فقال عبد الملك : ما ألّذ عيشنا لو دام ، و لكنّا كما قال الأول :

و كلّ جديد يا أميم إلى بلى

و كلّ أمري‏ء يوما يصير إلى كان

فلمّا فرغوا من الطعام طاف عبد الملك في القصر ، و عمرو بن حريث معه ، و هو يسأله لمن هذا البيت و من بنى هذا البيت ، و عمرو يخبره ، فقال عبد الملك :

إعمل على مهل فانّك ميّت

و اكدح لنفسك أيّها الإنسان

فكأنّ ما قد كان لم يك إذ مضى

و كأنّ ما هو كائن قد كان

« و خطرك » أي : قدرك و منزلتك « يسير » ، في الخبر لو كانت الدنيا تعدل عند اللّه تعالى جناح بعوضة ما سقي كافرا منها شربة ماء ١ .

« و أملك حقير » قالوا : المرء في دنياه بين أماني ممدودة و عواري مردودة .

و قال تعالى : زُيّنَ للنّاسِ حبُّ الشهواتِ من النساءِ و البنينَ و القناطيرِ المقنطرةِ من الذّهبِ و الفضةِ و الخيل المسوَّمة و الأنعامِ و الحرثِ ذَلكَ مَتاعُ الحياةِ الدنيا و اللَّهُ عندَهُ حُسْنُ المآبِ . قل أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيرٍ من ذلِكُمْ لِلَّذين اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهم جنّات تَجْرِي من تحتها الأنهار خالِدين فيها و أزواج مطهّرة و رضوان من اللَّه ، و اللَّه بصير بالعباد . الذين يقولون ربنا إنَّنا آمنّا فاغفر لنا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الترمذي في سننه ٤ : ٥٦٠ ح ٢٣٢٠ .

٤١١

ذنوبنا و قنا عذاب النّار . الصّابرين و الصّادقين و القانتين و المنفقين و المستغفرين بالأسحار ١ .

« آه » في ( القاموس ) : بكسر الهاء بدون التنوين ، و معه تقال عند الشكاية أو التوجّع ٢ « من قلة الزاد » أي : زاد الآخرة و هي التقوى .

هذا ، و في ( القاموس ) : ازواد الركب مسافر بن أبي عمرو و زمعة بن الأسود و أبو امية بن المغيرة ، لأنه لم يكن يتزود معهم احد في سفر يطعمونه و يكفونه الزاد ، و زاد الركب فرس أعطاه سليمان عليه السلام للأزد لمّا وفدوا عليه ٣ .

« و طول الطريق » في البرزخ « و بعد السفر » في المحشر « و عظيم المورد » النّار . قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن و صدق المرسلون ٤ ، يوماً يجعل الولدان شيباً ٥ ، و إن منكم إلاّ واردها كان على ربّك حتماً مقضيّاً . ثم ننجّي الذين اتّقوا و نذر الظالمين فيها جِثيّاً ٦ .

٨

الحكمة ( ١٠٤ ) وَ عَنْ ؟ نَوْفٍ اَلْبَكَّالِيِّ ؟ قَالَ : رَأَيْتُ ؟ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ع ؟ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَ قَدْ خَرَجَ مِنْ فِرَاشِهِ فَنَظَرَ فِي اَلنُّجُومِ فَقَالَ لِي يَا ؟ نَوْفُ ؟ أَ رَاقِدٌ أَنْتَ أَمْ رَامِقٌ قُلْتُ بَلْ رَامِقٌ قَالَ يَا ؟ نَوْفُ ؟ طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي اَلدُّنْيَا اَلرَّاغِبِينَ فِي اَلْآخِرَةِ أُولَئِكَ قَوْمٌ اِتَّخَذُوا اَلْأَرْضَ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٤ ١٧ .

( ٢ ) القاموس المحيط ٤ : ٢٨٠ ، مادة ( اوه ) .

( ٣ ) القاموس المحيط ١ : ٢٩٨ ، مادة ( زود ) .

( ٤ ) يس : ٥٢ .

( ٥ ) المزمل : ١٧ .

( ٦ ) مريم : ٧١ و ٧٢ .

٤١٢

بِسَاطاً وَ تُرَابَهَا فِرَاشاً وَ مَاءَهَا طِيباً وَ ؟ اَلْقُرْآنَ ؟ شِعَاراً وَ اَلدُّعَاءَ دِثَاراً ثُمَّ قَرَضُوا اَلدُّنْيَا قَرْضاً عَلَى مِنْهَاجِ ؟ اَلْمَسِيحِ ؟ يَا ؟ نَوْفُ ؟ إِنَّ ؟ دَاوُدَ ع ؟ قَامَ فِي مِثْلِ هَذِهِ اَلسَّاعَةِ مِنَ اَللَّيْلِ فَقَالَ إِنَّهَا سَاعَةٌ لاَ يَدْعُو فِيهَا عَبْدٌ إِلاَّ اُسْتُجِيبَ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَشَّاراً أَوْ عَرِيفاً أَوْ شُرْطِيّاً أَوْ صَاحِبَ عَرْطَبَةٍ وَ هِيَ اَلطُّنْبُورُ أَوْ صَاحِبَ كُوبَةٍ وَ هِيَ اَلطَّبْلُ وَ قَدْ قِيلَ أَيْضاً إِنَّ اَلْعَرْطَبَةَ اَلطَّبْلُ وَ اَلْكُوبَةَ اَلطُّنْبُورُ أقول : رواه المسعودي في ( مروجه ) و الكراجكي في ( كنزه ) و الصدوق في ( خصاله ) و المفيد في ( أماليه ) .

أما الأول فقال : كان محمد بن علي الربعي ممّن يكثر ملازمة المهتدي ،

فقال محمد : قال لي المهتدي ذات ليلة أتعرف خبر نوف الّذي حكاه عن علي عليه السلام حين كان يبايته ؟ قلت : نعم ، ذكر نوف قال : رأيت عليا عليه السلام ليلة قد اكثر الخروج و الدخول و النظر إلى السماء ثمّ قال لي : يا نوف : أ نائم أنت ؟ قلت :

بل رامق ، أرمق بعيني منذ الليلة يا أمير المؤمنين ، فقال لي : يا نوف ، طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة ، اولئك قوم اتخذوا ارض اللّه بساطا و ترابها ثيابا و ماءها طيبا و الكتاب شعارا و الدعاء دثارا ، ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح عيسى بن مريم عليه السلام . يا نوف ان اللّه تعالى أوحى إلى عبده عيسى عليه السلام أن قل لبني إسرائيل ألاّ يدخلوا إليّ إلاّ بقلوب وجلة و أبصار خاشعة و أكفّ نقيّة ، و أعلمهم أنّي لا أجيب لأحد منهم دعوة ، و لأحد من خلقي قبلهم مظلمة . قال الربعي : فو اللّه لقد كتب المهتدي هذا الخبر بخطّه و قد كنت أسمعه في جوف الليل ، و قد خلا بربّه في بيت كان لخلوته و هو يبكي و يقول : يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا ، الراغبين في الآخرة ، و يمرّ في الخبر

٤١٣

إلى آخره . إلى أن كان من أمره ما كان مع الأتراك و قتلهم إيّاه ١ .

و أما الثاني : فروي مسندا عن الباقر عن آبائه عليهم السلام أنّ عليّا عليه السلام قال لمولاه نوف الشبامي و هو معه في السطح يا نوف أراقد أم نبهان ؟ قال :

نبهان أرمقك يا أمير المؤمنين قال : هل تدري من شيعتي ؟ قال : لا و اللّه قال :

شيعتي الذّبّل الشفاه الخمص البطون الّذين تعرف الرهبانية و الربّانية في وجوههم ، رهبان بالليل أسد بالنّهار ، الّذين إذا جنّهم الليل اتزروا على أوساطهم و ارتدوا على أطرافهم و صفّوا أقدامهم و افرشوا جباههم ، تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى اللّه في فكاك رقابهم ، و أمّا النّهار فحلماء ،

علماء ، كرام نجباء ، أبرار أتقياء ، يا نوف ، شيعتي الّذين اتخذوا الأرض بساطا و الماء طيبا و القرآن شعارا ، إن شهدوا لم يعرفوا ، و ان غابوا لم يفتقدوا ،

شيعتي من لم يهرّ هرير الكلب و لا يطمع طمع الغراب ، و لم يسأل الناس و لو مات جوعا ، ان رأى مؤمنا أكرمه و إن رأى فاسقا هجره ، هؤلاء و اللّه يا نوف شيعتي شرورهم مأمونة و قلوبهم محزونة و حوائجهم خفيفة ، و أنفسهم عفيفة ، اختلفت بهم الأبدان و لم تختلف قلوبهم . قلت : جعلني اللّه فداك أين أطلب هؤلاء ؟ قال : في أطراف الأرض ٢ .

و اما الثالث : فروي مسندا عن نوف قال : بتّ ليلة عند أمير المؤمنين عليه السلام ، فكان يصلّي الليل كلّه و يخرج ساعة بعد ساعة فينظر إلى السماء و يتلو القرآن ، فمرّ بي بعد هدوّ من الليل ، فقال : يا نوف أراقد أنت أم رامق ؟ قلت : بل رامق أرمقك ببصري ، قال : يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا و الراغبين في الآخرة ، اولئك الذين اتخذوا الأرض بساطا و ترابها فراشا ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٤ : ١٠٦ ١٠٧ .

( ٢ ) كنز الفوائد : ٣٠ .

٤١٤

و ماءها طيبا ، و القرآن دثارا و الدعاء شعارا ، قرضوا من الدنيا تقريضا على منهاج عيسى بن مريم عليه السلام ، إنّ اللّه عزّ و جلّ أوحى إلى عيسى قل للملأ من بني اسرائيل لا يدخلوا بيوتا من بيوتي ، إلاّ بقلوب طاهرة و أبصار خاشعة و أكفّ نقيّة ، و قل لهم : إنّي غير مستجيب لأحد منكم دعوة و لأحد من خلقي قبله مظلمة ، يا نوف إيّاك أن تكون عشّارا أو شاعرا أو شرطيا أو عريفا أو صاحب عرطبة و هي الطنبور أو صاحب كوبة و هي الطبل فإنّ نبي اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج ذات ليلة فنظر إلى السماء فقال : إنّها الساعة لا تردّ فيها دعوة إلاّ دعوة عريف أو دعوة شاعر أو دعوة عاشر او شرطي أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة ١ .

و أمّا الرابع : فرواه مثل الثالث لكن فيه « و ترابه وسادا » و فيه « يقرضون الدنيا قرضا على منهاج المسيح عليه السلام » و فيه « إنّ اللّه تعالى أوحى إلى عيسى عليه السلام يا عيسى عليك بالمنهاج الأول تلحق ملاحق المرسلين ، قل لقومك يا أخا المنذرين : ألاّ يدخلوا بيتا من بيوتي إلاّ بقلوب طاهرة و أيد نقيّة و أبصار خاشعة ، فانّي لا أسمع من داع دعاني و لأحد من عبادي عنده مظلمة و لا أستجيب له دعوة و لي قبله حقّ لم يرّده إليّ ، فان استطعت يا نوف أن لا تكون عريفا و لا شاعرا و لا صاحب كوبة و لا صاحب عرطبة فافعل ، فانّ داود عليه السلام رسول ربّ العالمين خرج ليلة من الليالي فنظر في نواحي السماء ، ثمّ قال : و اللّه رب داود إنّ هذه الساعة ، لساعة ما يوافقها عبد مسلم يسأل اللّه فيها خيرا إلاّ أعطاه إيّاه إلاّ أن يكون عريفا أو شاعرا أو صاحب كوبة أو صاحب عرطبة » ٢ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الخصال ١ : ٣٣٧ ح ٤٠ .

( ٢ ) أمالي المفيد : ١٣٣ ، المجلس ١٦ .

٤١٥

قول المصنف : « و عن نوف البكالي » هكذا في ( المصرية و ابن ميثم ) و لكن في ( ابن أبي الحديد ) « و عن نوف البكائي ، و قيل : البكالي باللام و هو الأصح » ١ و لعلّه كان حاشية خلط بالمتن .

و كيف كان فقال ابن أبي الحديد : الظاهر أنّ بكالا قبيلة من اليمن ، و أما بكيل فحيّ من همدان و إليهم أشار الكميت في قوله :

فقد شركت فيه بكيل و أرحب

فأمّا البكالي في نسب نوف فلا أعرفه ٢ .

قلت : أخذ كلامه بكيل من همدان و إليهم أشار الكميت في قوله : « فقد شركت فيه بكيل و أرحب » من ( الصحاح ) ٣ ، فلم لم يأخذ كلامه في بكال فقال :

و بنو بكال من حمير منهم نوف البكالي ٤ . ثمّ تعبيره « الظاهر أنّ بكالا من اليمن ، و أما بكيل فمن همدان » خطأ ، فهمدان أيضا من اليمن ، و لا معنى لجعل التقابل بين العامّ و الخاصّ .

ثم الأظهر كون بكال بالكسر كبكيل بالفتح كلّ منهما من همدان . قال ابن دريد في ( جمهرته ) : و بنو بكال و بنو بكيل أحسبهما من همدان . ثم جعل كون بكيل من همدان و بكال من حمير احتمالا ٥ ، و لم أجد خلافا في الثاني .

و يمكن الاستدلال للأول : بأنّ الطبري في عنوان ذكر خبر الخوارج ،

روى عن جبر بن نوف أبي الوداك الهمداني ٦ . و في المغرب : أنّ جبرا بن نوف

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٦٥ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٣ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٦٥ و ٢٦٦ .

( ٣ ) صحاح اللغة ٤ : ١٦٣٨ ، مادة ( بكل ) .

( ٤ ) ليس هذا من كلام صاحب الصحاح ، بل هذا كلام الفيروز آبادي في القاموس ٣ : ٣٣٦ ، مادة ( بكل ) .

( ٥ ) جمهرة اللغة ١ : ٣٢٥ .

( ٦ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٧ ، سنة ٣٧ .

٤١٦

البكالي ١ . و السمعاني قال في بكال : ينسب إليه نوف بن فضالة البكالي و أبو الوداك جبر بن نوف البكالي و قيل البكيلي ، و قال في بكيل : بكيل بن جشم بن خيران بن نوف بن همدان رهط أبي الوداك جبر بن نوف البكيلي . فأتى بالاختلاف ٢ .

و اما قول ( القاموس ) في « خير » بالخاء ثمّ المثناة : و خيران ولد نوف بن همدان ٣ ، فلا ينافي ما قاله المغرب ، لأن ذاك ابن نوف البكالي و هذا ابن نوف ابن همدان ، إلاّ أنّ ( معجم البلدان ) قال في بكيل : هو جشم بن خيوان بن نوف بن همدان ٤ ، و المفهوم من خليفة كون بكال لا من همدان و لا من حمير ،

فعنون ( الاستيعاب ) « عمرو البكالي » و قال : قال خليفة هو من بني بكال بن دعمي بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن كهلان ٥ . و كيف كان فهمدان من كهلان بن سبأ ، فهو كما ذكر في ( المعارف ) ، ابن ربيعة بن خيار بن مالك بن زيد ابن كهلان ، و حمير هو ابن سبأ ٦ .

هذا ، و في ( ذيل الطبري و السمعاني ) ، أنّ نوف البكالي ، ابن أمرأة كعب الأحبار ٧ .

و مما يؤيد كون نوف همدانيا ، أنّ كنز الكراجكي كما عرفت وصفه بالشبامي ٨ . و جاء في كتاب ( اللباب لأبن أثير ) : أن شبام هو ابن اسعد بن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) المغرب : ٣٤٣ ، مادة ( ود ) .

( ٢ ) انساب السمعاني : ٨٨ و ٨٩ .

( ٣ ) القاموس المحيط ٢ : ٢٥ ، مادة ( خير ) .

( ٤ ) معجم البلدان ١ : ٤٧٥ .

( ٥ ) الاستيعاب ٢ : ٥٣٣ .

( ٦ ) المعارف : ١٠١ و ١٠٥ .

( ٧ ) منتخب ذيل المذيل : ١٤٨ ، و انساب السمعاني : ٨٨ .

( ٨ ) كنز الفوائد : ٣٠ .

٤١٧

جشم ابن حاشد بن خيران بن نوف بن همدان ، و شبام : جبل سكنه عبد اللّه ١ .

و اما قول ( ابن ميثم ) : البكال منسوب إلى بكالة قرية من اليمن ٢ . فلا اعتبار له ،

و لم يقل به أحد .

« قال رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة و قد خرج من فراشه فنظر في النجوم » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « إلى النجوم » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٣ .

و ذكر الصدوق في كتاب ( الفقيه ) : مدح اللّه تعالى أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه بقيام صلاة الليل فقال أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً و قائماً يحذر الآخرة و يرجو رحمة ربه .

و فيه : قال أبو عبد اللّه عليه السلام إذا قام علي عليه السلام آخر الليل رفع صوته ، حتّى يسمع أهل الدار ، يقول : « اللهمّ أعنّي على هول المطّلع و وسّع علي المضطجع » .

و فيه عن أبي جعفر عليه السلام : إذا قمت من فراشك فانظر في افق السماء و قل :

« الحمد للّه الّذي ردّ علي روحي ، أعبده و أحمده ، اللهمّ إنّه لا يواري منك ليل داج و لا سماء ذات أبراج و لا أرض ذات مهاد و لا ظلمات بعضها فوق بعض و لا بحر لجيّ بين يدي المدلج من خلقك ، تعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور ،

غارت النجوم و نامت العيون و أنت الحيّ القيوم ، لا تأخذك سنة و لا نوم ،

سبحان ربّ العالمين ، و إله المرسلين ، و خالق النبيين و الحمد للّه ربّ العالمين ،

اللهمّ اغفر لي و ارحمني و تب علي إنّك أنت التوّاب الرّحيم » ثمّ اقرأ خمس آيات من آخر آل عمران إنّ في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النّهار

ــــــــــــــــــ

( ١ ) اللباب لابن الأثير ٢ : ١٨٢ ، بتفاوت في العبارة .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٣ .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٦٥ ، لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٣ ، « في » .

٤١٨

لآيات إلى قوله تعالى إنّك لا تخلف الميعاد ١ .

و عنه عليه السلام في قوله تعالى : تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفاً و طمعاً ٢ أنزلت في أمير المؤمنين عليه السلام و أتباعه من شيعتنا ،

ينامون في أول اللّيل ، فاذا ذهب ثلثا الليل أو ما شاء اللّه فزعوا إلى ربهم راغبين ،

راهبين ، طائعين ، فيما عنده ، فذكرهم اللّه تعالى في كتابه لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و أخبرهم بما أعطاهم و أنّه أسكنهم في جواره و أدخلهم جنّته و آمن خوفهم و روعتهم ٣ .

« فقال لي يا نوف أ راقد » أي : نائم « أنت أم رامق » أي : ناظر ، و قد عرفت أنّ في رواية الكراجكي « أ راقد أم نبهان » ٤ و هو الأصح ، ففي مقابل الرقود : النبه و اليقظة ، لا الرمق ، و لا وجه لأن يقول ذلك عليه السلام ، و إنّما المناسب قول نوف كما عرفته من رواية الكراجكي أنه قال له عليه السلام « نبهان أرمقك » ، و كيف كان فهكذا في ( المصرية ) بلا زيادة و فيها سقط ، ففي ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) « فقلت : بل رامق يا أمير المؤمنين » ٥ .

« قال يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة » ، و من كلامه عليه السلام أيضا : طوبى لمن أخلص للّه العبادة و الدعاء ، و لم يشغل قلبه بما ترى عيناه ، و لم ينس ذكر اللّه بما تسمع أذناه ، و لم يحزن صدره بما أعطي غيره ٦ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٩٠ ١٩٤ .

( ٢ ) السجدة : ١٦ .

( ٣ ) الفقيه ١ : ٢٩٩ و : ٣٠٤ ح ٣ و ٤ و : ٣٠٥ ح ٥ .

( ٤ ) كنز الفوائد : ٣٠ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٦٥ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٣ .

( ٦ ) أخرجه الكليني في الكافي ٢ : ١٦ ح ٣ .

٤١٩

« اولئك قوم اتخذوا الأرض بساطا و ترابها فراشا » و في رواية ( أمالي المفيد ) « وسادا » ١ .

« و ماءها طيبا » لإعراضهم عن زهرة الحياة الدنيا « و القرآن شعارا » أي : ما ولي الجسد من الثياب .

« و الدعاء دثارا » ما كان فوق الشعار من الثياب .

« ثم قرضوا الدنيا » أي : جازوها ، قال تعالى : و إذا غربت تقرضهم ذات الشمال ٢ أي : تجوزهم و تتركهم في شمالها . و قال ذو الرمة :

إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف

شمالا و عن أيمانهن الفوارس

« قرضا على منهاج المسيح » الّذي كانت دابّته رجليه ، و سراجه في الليل القمر .

« يا نوف إنّ داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال : إنّها ساعة لا يدعو فيها عبد إلاّ استجيب له » ، في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : إنّ في الليل لساعة ما يوافقها عبد مسلم ثمّ يصلّي و يدعو اللّه فيها إلاّ استجيب له في كل ليلة ، قلت :

و أيّ ساعة هي من الليل ، قال : إذا مضي نصف الليل و هي السدس الأول من اوّل النصف ٣ .

« إلاّ أن يكون عشّارا » من يأخذ من قبل السلطان عشر أموال الناس « أو عريفا » القيّم بأمر الناس بعد الرئيس يعرّفهم له « أو شرطيا » أي : جنديا ، من « أشرط نفسه لأمر كذا » أي : أعلمها ، و الجند يجعلون لأنفسهم علامة يعرفون بها .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي المفيد : ١٣٣ .

( ٢ ) الكهف : ١٧ .

( ٣ ) الكافي ٢ : ٤٧٨ ح ١٠ .

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601