بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 123155 / تحميل: 6220
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

الأولى انه استدل على ان روايات كتاب « الفقيه » كلها صحيحة ، بمعنى كون من جاء في اسانيده من الرواة ثقات ، بقولهقدس‌سرهقدس‌سره : « بل قصدت إلى ايراد ما افتي به واحكم بصحته » والمراد من الصحة في هذه العبارة ، هو الحكم بعدالة الراوي او وثاقته ، فتكون هذه العبارة تنصيصاً من الشيخ الصدوق على ان من ورد في اسناد ذلك الكتاب ، كلهم عدول او ثقات ، ولا يخفى ان استفادة ذلك من تلك العبارة مشكل جداً.

اما أوّلاً ، فلأن الصحيح في مصطلح القدماء ومنهم الصدوق ، غير الصحيح في مصطلح المتأخرين ، إذ الصحيح عند المتأخرين هو كون الراوي عدلاً امامياً ، ولكن الصحيح عند القدماء عبارة عمّا اعتضد بما يقضي اعتمادهم عليه ، او اقترن بما يوجب الوثوق والركون اليه واسبابه عندهم مختلفة.

منها : وجوده في كثير من الاصول الاربعمائة المؤلفة في عصور الائمةعليهم‌السلام ، او وجوده في اصل معروف الانتساب لمن اجتمعت العصابة على تصديقهم كزرارة ومحمد بن مسلم واضرابهما.

ومنها : اندراجه في احدى الكتب التي عرضت على الائمة ـ صلوات الله عليهم ـ فاثنوا على مصنفيها ، ككتاب عبيدالله الحلبي الذي عرض على الصادقعليه‌السلام وكتاب يونس بن عبد الرحمن وفضل بن شاذان المعروضين على العسكريعليه‌السلام .

ومنها : كونه مأخوذاً من الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ، سواء الفت بيد رجال الفرقة المحقة ككتاب الصلاة لحريز بن عبدالله ، وكتب الحسن والحسين ابني سعيد ، وعلي بن مهزيار ، او بيد غيرهم ككتاب حفص بن غياث ، وكتب الحسين بن عبيدالله السعدي وكتاب القبلة لعلي بن

٣٨١

الحسن الطاطري(1) ، وقد جرى الشيخ الصدوق على متعارف القدماء فحكم بصحة جميع احاديثه ، وهذا غير ما نحن بصدده من عدالة الراوي او وثاقته.

قال المحقق البهبهاني : « ان الصحيح عند القدماء هو ما وثقوا بكونه من المعصوم أعم من ان يكون منشأ وثوقهم كون الراوي من الثقات ، او امارات اُخر ، ويكونوا قطعوا بصدوره عنهم او يظنون »(2) .

وعلى ذلك فبين صحيح القدماء وصحيح المتأخرين العموم والخصوص المطلق ، فحكم الشيخ الصدوقرحمه‌الله بصحة احاديثه لا يستلزم صحتها باصطلاح المتأخرين ، من كون الرواة في الاسانيد كلهم ثقات ، لاحتمال كون المنشأ في الجميع او بعضها هو القرائن الخارجية.

وثانياً : سلمنا ان الصدوق بصدد الحكم بوثاقة او عدالة كل من وقع في اسناد كتابه ، ولكنه مخدوش من جانب آخر ، لانه قد علم من حاله انه يتبع في التصحيح والتضعيف شيخه ابن الوليد ، ولا ينظر إلى حال الراوي نفسه ، وانه ثقة او غير ثقة ، ومعه كيف يمكن ان يكون قوله هذا شهادة حسية على عدالة او وثاقة كل من ذكر في اسناد كتابه ، وقد مر عند دراسة كتاب الكافي طريقته في التصحيح والتضعيف. اللّهم إلا ان يكون طريقة شيخه ، موافقة لطريقة المتأخرين ويكون قوله اخباراً عن شهادة استاذه بعدالة او وثاقة الواردين في هذا الكتاب.

وثالثاً : ان المتبادر من العبارة التالية ، انه يعتمد في تصحيح الرواية على وجود الرواية في كتب المشايخ العظام غالباً. قالقدس‌سره : « كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رضي الله عنه ) سيء الرأي في محمد بن عبدالله المسمعي راوي هذا الحديث ، واني اخرجت هذا الخبر في هذا

__________________

1 ـ لاحظ مشرق الشمسين للشيخ البهائي.

2 ـ تعليقة البهبهاني : 27 ، وفي العبارة حزازة.

٣٨٢

الكتاب ، لانه كان في كتاب الرحمة ، وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي »(1) . وهذا يعرب عن انه ما كان يتفحص عن احوال الراوي عند الرواية ، وهذا ان لم يكن كلياً لكنه أمر ذائع في تصحيحاته.

الثانية : إن أحاديث كتاب الفقيه لا تتجاوز عن 5963 حديثاً ، منها ألفان وخمسون حديثاً مرسلاً ، وعند ذلك يقع الكلام كيف يمكن الركون إلى هذا الكتاب بلا تحقيق اسناده ، مع أن جميع الاحاديث المسندة فيها 3913 حديثاً ، والمراسيل 2050 حديثاً ، ومرادهم من المرسل ما لم يذكر فيه اسم الراوي بأن قال « روي » أو قال « قال الصادقعليه‌السلام » او ذكر الراوي وصاحب الكتاب ، ونسي أن يذكر طريقه اليه في المشيخة ، وهم على ما صرَّح به المجلسي أزيد من مائة وعشرين رجلاً.

الثالثة : في اعتبار مراسيل الفقيه وعدمه.

ذهب بعض الأجلة إلى القول باعتبار مراسيله ، قال التفريشي في شرحه على الفقيه :

« الاعتماد على مراسيله ينبغي أن لا يقصر في الاعتماد على مسانيده ، حيث حكم بصحَّة الكل ». وقد قيل في وجه ترجيح المرسل : « إن قول العدل : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يشعر باذعانه بمضمون الخبر ، بخلاف ما لو قال : حدثني فلان » وقال بحر العلوم : « إن مراسيل الصدوق في الفقيه كمراسيل ابن ابي عمير في الحجّية والاعتبار ، وان هذه المزية من خواص هذا الكتاب لا توجد في غيره من كتب الاصحاب ».

وقال الشيخ بهاء الدين في شرح الفقيه ـ عند قول الصدوق : « وقال الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام : كل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر » ـ

__________________

1 ـ العيون : الجزء الثاني ، باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الاخبار المنثورة ، الحديث 45.

٣٨٣

« هذا الحديث من مراسيل المؤلف ، وهي كثيرة في هذا الكتاب ، تزيد على ثلث الاحاديث الموردة فيه ، وينبغي أن لا يقصر الاعتماد عليها من الاعتماد على مسانيده ، من حيث تشريكه بين النوعين في كونه ممّا يفتي به ويحكم بصحته ، ويعتقد أنه حجة بينه وبين ربّه ، بل ذهب جماعة من الاُصوليين إلى ترجيح مرسل العدل على مسانيده محتجّين بأن قول العدل « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كذا » يشعر باذعانه بمضمون الخبر ، بخلاف ما لو قال « حدثني فلان ، عن فلان أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال كذا » وقد جعل أصحابنا5 مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده في الاعتماد عليها ، لما علموا من عادته أنه لا يرسل إلا عن ثقة(1) .

وقال المحقّق الداماد في الرواشح : « إذا كان الارسال بالاسقاط رأساً جزماً ، كما قال المرسل « قال النبي ، أو قال الإمام » فهو يتم فيه ، وذلك مثل قول الصدوق في الفقيه « قال الصادقعليه‌السلام : الماء يطهِّر ولا يطهَّر » إذ مفاده الجزم او الظنّ بصدور الحديث عن المعصوم ، فيجب أن تكون الوسائط عدولاً في ظنّه ، وإلا كان الحكم الجازم بالاسناد هادماً لجلالته وعدالته »(2) .

ولا يخفى أن غاية ما يقتضيه الاسناد جازماً ، هو جزم الصدوق او اطمئنانه على صدور الرواية من الإمامعليه‌السلام ، وهذا لا يقتضي أن يكون منشأ جزمه هو عدالة الراوي او وثاقته ، فيمكن أن يكون منشؤه هو القرائن الحافَّة على الخبر التي يفيد القطع او الاطمئنان بصدور الخبر ، ولو كان اطمئنانه حجَّة للغير ، يصحّ للغير الركون اليه وإلا فلا.

الرابعة : قد عرفت أن الصدوق كثيراً ما ذكر الراوي ونسي أن يذكر طريقه اليه في المشيخة ، أو ذكر طريقه ولكن لم يكن صحيحاً عندنا ، فهل هنا طريق

__________________

1 ـ مستدرك الوسائل : 718 ، الفائدة الخامسة.

2 ـ الرواشح : 174.

٣٨٤

يعالج هذه المشكلة؟ فقد قام المحقّق الاردبيلي صاحب كتاب « جامع الرواة » على تصحيح هذه الروايات بطريق خاصّ نذكره عند البحث عن كتاب « التهذيب ».

والذي عند سيد المحقّقين ، البروجرديقدس‌سره من الاجابة عن هذا السؤال هو أن الكتب التي نقل عن الصدوق في هذا الكتاب كانت كتباً مشهورة ، وكان الأصحاب يعوِّلون عليها ويرجعون اليها ، ولم يكن ذكر الطريق إلى هذه الكتب إلا تبرّعاً وتبرّكاً ، أي لاخراج الكتب عن صورة المرسل إلى صورة المسند وإن كان لبّاً جميعها مسانيد ، لشهرة انتساب هذه الكتب إلى مؤلفيها ، وبذلك كانت تستغني عن ذكر الطريق.

والذي يدل على ذلك ، قوله في ديباجة الكتاب : « وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوَّل واليها المرجع مثل كتاب حريز بن عبدالله السجستاني(1) ، وكتاب عبيدالله بن علي الحلبي(2) ، وكتب علي بن مهزيار الاهوازي ـ إلى آخر ما نقلناه عنه آنفاً ».

وبعد هذه العبارة لا يبقى شكّ للانسان أن ذكر الطريق إلى هذه الكتب في المشيخة ، لم يكن إلا عملا تبرّعياً غير إلزامي ، ولأجل ذلك نرى أنه لم يذكر طريقاً إلى بعض هذه الكتب ، او ذكر طريقاً فيه ضعف ، لعدم المبالاة بصحَّة الطريق وعدمها ، لانه لم تكن الغاية اثبات انتساب الكتب إلى اصحابها ، فان الكتب كانت مشهورة الانتساب إلى مؤلفيها ، ولأجل ذلك نرى أن المحقّق المولى محمد تقي المجلسي ( المولود عام 1003 ، والمتوفى عام 1070 هـ ) ذكر في شرحه على الفقيه عند تفسير العبارة المتقدمة ما هذا لفظه : « من كتب

__________________

1 ـ قال حماد بن عيسى للصادقعليه‌السلام اني اعمل به وقرّره الإمام. روضة المتقين : 1 / 14.

2 ـ عرض كتابه على الصادقعليه‌السلام فصححه الإمام ومدحه. روضة المتقين : 1 / 14.

٣٨٥

مشهورة بين المحدّثين ، بالانتساب إلى مصنّفيها ورواتها ، والظاهر أن المراد بالشهرة التواتر. عليها المعوّل ، يعني كلها محلّ اعتماد الاصحاب »(1) .

وقال أيضاً : « الظاهر منهم النقل من الكتب المعتبرة المشهورة ، فاذا كان صاحب الكتاب ثقة يكون الخبر صحيحاً ، لأن الظاهر من نقل السند إلى الكتاب المشهور المتواتر ، مجرد التيمّن والتبرّك لا سيما إذا كان من الجماعة المشهورين كالفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم ـ رضي الله عنهما ـ فان الظاهر أنه لا يضرّ جهالة سنديهما »(2) .

وقال أيضاً : مع كثرة التتّبع يظهر أن مدار ثقة الاسلام ( الكليني ) أيضاً كان على الكتب المشهورة ، وكان اتصال السند عنده أيضاً لمجرّد التيمّن والتبرّك ، ولئلاً يلحق الخبر بحسب الظاهر بالمرسل ، فان روى خبراً عن حمّاد بن عيسى ، او صفوان بن يحيى ، أو محمد بن أبي عمير فالظاهر أنه أخذ من كتبهم فلا يضرّ الجهالة التي تكون في السند إلى الكتب بمثل محمد بن اسماعيل عن الفضل ، او الضعف بمثل سهل بن زياد »(3) .

وبعد ذلك نرى أن البحث عن طرق الصدوق إلى أصحاب الكتب أمر زائد ، فاللازم البحث عن مؤلف الكتاب وطرقه إلى الإمامعليه‌السلام . هذا ما يميل إليه سيّدنا المحقّق البروجردي ويقرّبه.

نعم ، على ذلك كلّما علم أن الشيخ الصدوق أخذ الحديث من الكتب المعروفة ، فالبحث عن الطريق أمر غير لازم ، وأما إذا لم نجزم بذلك واحتملنا أن الحديث وصل اليه بالطرق المذكورة في المشيخة ، فالبحث عن صحَّة الطرق يعدُّ أمراً لازماً.

__________________

1 ـ روضة المتقين : 1 / 14.

2 ـ روضة المتقين : 1 / 29.

3 ـ روضة المتقين : 1 / 31.

٣٨٦

ونقول بمثل ذلك في طرق الكافي ، فاذا علم أنه أخذ الحديث من الكتب التي ثبت اسنادها إلى الراوي ، فلا وجه للبحث عن ضعف الطريق او صحته. وبذلك نستغني عن كثير من المباحث حول طرق الصدوق إلى أرباب الكتب.

ثمّ إنهم أطالوا البحث عن أحوال المذكورين في المشيخة ومدحهم وقدحهم وصحة الطريق من جهتهم.

وقد عرفت أن أول من دخل في هذا الباب هو العلاّمة في « الخلاصة » ، وتبعه ابن داود ثم أرباب المجاميع الرجالية وشرّاح الفقيه ، كالعالم الفاضل المولى مراد التفريشي والعالم الجليل المجلسي الأول وغيرهما(1) .

__________________

1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 547 و 719 ، ولاحظ مقدمة الحدائق.

٣٨٧
٣٨٨

3 ـ تقييم احاديث « التهذيب » و « الاستبصار »

٣٨٩
٣٩٠

إن كتاب « تهذيب الاحكام » في شرح المقنعة للشيخ المفيد ، تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ( المولود عام 385 ، والمتوفى عام 460 هـ ) من أعظم كتب الحديث منزلة وأكثرها منفعة ، وقد شرع الشيخ في تأليف هذا الكتاب لمّا بلغ سنه ستّاً وعشرين وهذا من خوارق العادة.

قال المحقّق البروجردي : « يظهر من أدعيته للمفيد في كتاب « التهذيب » عند نقل عبارة المقنعة حيث يقول في أول الكتاب إلى أواخر كتاب الصلاة منه : « قال الشيخ ـ أيَّده الله تعالى ـ » ومنه إلى آخر الكتاب يقول : « قال الشيخرحمه‌الله » أنه كتب الطهارة والصلاة في حال حياة الشيخ المفيد وقد قدم الشيخ الطوسي العراق عام 408 هـ ، وتوفي الشيخ المفيد عام 413 هـ ، وأنت إذا نظرت إلى كلماته في الكتابين « التهذيب والاستبصار » وما جادل به المخالفين في المسائل الخلافية ، كمسألة مسح الرجلين ، وما أفاده في مقام الجمع بين الأخبار ، واختياراته في المسائل ، وما يستند اليه فيها وما يورده من الاخبار في كل مسألة ، لأذعنت أنه من أبناء سبعين »(1) .

__________________

1 ـ مقدمة الخلاف للمحقق البروجرديقدس‌سره .

٣٩١

ثم ان طريقة الشيخ في نقل الاحاديث في هذا الكتاب مختلفة.

قال السيد الاجل بحر العلومرحمه‌الله : « انه قد يذكر في التهذيب والاستبصار جميع السند ، كما في الكافي ، وقد يقتصر على البعض بحذف الصدر ، كما في الفقيه ، ولكنه استدرك المتروك في اخر الكتابين ، فوضع له مشيخته المعروفة ، وهي فيهما واحدة غير مختلفة ، قد ذكر فيهما جملة من الطرق إلى أصحاب الاصول والكتب ممَّن صدَّر الحديث بذكرهم وابتدأ بأسمائهم ، ولم يستوف الطرق كلها ، ولا ذكر الطريق إلى كل من روى عنه بصورة التعليق ، بل ترك الاكثر لقلّة روايته عنهم ، وأحال التفصيل إلى فهارس الشيوخ المصنفة في هذا الباب ، وزاد في « التهذيب » الحوالة على كتاب « الفهرست » الذي صنفه في هذا المعنى.

قال الشيخ في مشيخة تهذيبه : « والآن فحيث وفَّق الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب ، نحن نذكر الطرق التي يتوصل بها إلى رواية هذه الاُصول والمصنفات ، ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار لتخرج الاخبار بذلك عن حدّ المراسيل وتلحق بباب المسندات.

ثم قال : فما ذكرناه في هذا الكتاب عن محمد بن يعقوب الكلينيرحمه‌الله فقد أخبرنا الشيخ أبو عبدالله محمد بن نعمانرحمه‌الله ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويهرحمه‌الله ، عن محمد بن يعقوبرحمه‌الله وأخبرنا به أيضاً الحسين بن عبيدالله ، عن أبي غالب أحمد بن محمد الزراري وأبي محمد هارون بن موسى التلعكبري ، وأبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، وأبي عبدالله أحمد بن أبي رافع الصيمري ، وابي المفضل الشيباني ، وغيرهم ، كلهم عن محمد بن يعقوب الكليني.

وأخبرنا به أيضاً أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر ، عن أحمد بن أبي رافع ، وأبي الحسين عبد الكريم بن عبدالله بن نصر البزّاز بتنيس وبغداد

٣٩٢

عن أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني جميع مصنفاته وأحاديثه سماعاً وإجازة ببغداد بباب الكوفة ، بدرب السلسلة سنة سبع وعشرين وثلاثمائة »(1) .

وعلى ذلك فربما يتصور أنه يجب التفتيش والتفحّص عن طرق الشيخ إلى أصحاب الكتب والاُصول.

أقول : قد عرفت مذهب سيّد المحقّقين آية الله البروجردي وهو أحد المعنيّين في علم الرجال ، وأنه كان يذهب تبعاً للمجلسيّ الأول إلى أن المشيخة للصدوق وللشيخ ، لم تكن إلا لمجرد إظهار الاحاديث بصور المسندات لا لأجل تحصيل العلم بنسبة الكتب إلى مؤلفيها ، فان نسبة هذه الكتب إلى أصحابها كانت ثابتة غير محتاجة إلى تحصيل السند ، وبالجملة ذكر المشيخة لأجل التبرّك والتيمّن ، ولاتّصال السند كما هو المرسوم في هذه الاعصار أيضا ، حيث يستجيزون عن المشايخ بالنسبة إلى الكتب الاربعة وغيرها حتى يصحّ لهم نقل الاحاديث عن هذه الكتب مسنداً ، وأما كون المشيخة لأجل تحصيل صحة نسبة هذه الكتب إلى أصحابها فهذا ممّا ينافيه كلام الصدوق والشيخ في المشيخة.

أما الصدوق فقد قدَّمنا كلامه ، وأما الشيخ فهو يقول في مشيخة التهذيب : « لتخرج الاخبار بذلك عن حدّ المراسيل وتلحق بباب المسندات » فان هذه العبارة تعطي أن الغاية من ذكر المشيخة جعل الحديث وإخراجه بصورة المسانيد لا غير ، ولأجل ذلك نرى أن الشيخ يبتدئ في المشيخة بذكر الطرق إلى كتاب الكافي للكليني ، مع أن ثبوته له أظهر من الشمس ، وبذلك تعرف أن البحث في طرق الشيخ إلى أصحاب الكتب في المشيخة ممّا لا طائل تحته ، وليس على الفقيه إلا التفتيش عن أحوال أصحاب الكتب ومن يروون عنهم.

اللّهم إلا إذا كانت الكتب غير معروفة ، فعندئذ يجب الفحص عن كلّ

__________________

1 ـ التهذيب : 10 / 25 ـ 29 من المشيخة.

٣٩٣

من في الطريق كما لا يخفى.

تصحيح أسانيد الشيخ

ثم إنه لمّا كان كثير من طرق الشيخ الواردة في مشيخة التهذيب ، معلولاً بضعف ، أو إرسال ، او جهالة ، او بدء الحديث باناس لم يذكر لهم طريق في المشيخة ، حاول بعض المحقّقين لرفع هذه النقيصة من كتاب التهذيب بالرجوع إلى فهرست الشيخ أولا ، وطرق من تقدمه عصراً ثانياً ، او عاصره ثالثاً.

أما الأول ، فلأن للشيخ في الفهرست طرقاً إلى أرباب الكتب والاُصول الذين أهمل ذكر السند إلى كتبهم في التهذيب ، فبالرجوع إلى ذلك الكتاب يعلم طريق الشيخ إلى ارباب الكتب التي لم يذكر سنده اليها في التهذيب.

أما الثاني ، فبالرجوع إلى مشيخة الفقيه ورسالة الشيخ أبي غالب الزراري ، إذا كان لهما سند إلى الكتب التي لم يذكر سنده اليها في التهذيب ، لكن إذا أوصلنا سند الشيخ إلى هؤلاء ، وبالنتيجة يحصل السند إلى أصحاب هذه الكتب.

أما الثالث ، فبالرجوع إلى طريق النجاشي ، فانه كان معاصراً للشيخ ، مشاركاً له في أكثر المشايخ كالمفيد والحسين بن عبيدالله الغضائري ، وابنه أحمد بن الحسين ، وأحمد بن عبدون الشهير بابن الحاشر ، فاذا علم رواية النجاشي للأصل والكتاب بتوسّط أحد هؤلاء كان ذلك طريقاً للشيخ أيضاً.

ثم إن المتتبع الخبير الشيخ محمد الاردبيلي ( المتوفّى عام 1101 هـ ) احد تلاميذ العلاّمة المجلسي قد قام بتأليف كتابين في الرجال ، ولكلّ دور خاص.

1 ـ « جامع الرواة ». وقد عرفنا مكانته عند البحث عن الاصول الرجالية المتأخرة في الفصول السابقة ، والكتاب مطبوع.

٣٩٤

2 ـ « تصحيح الاسانيد » وهو بعد غير مطبوع ، ولم نقف عليه إلى الآن ، لكن ذكر المؤلف مختصره ، وديباجته في آخر كتاب « جامع الرواة »(1) واختصره المحدّث النوري ونقله في « خاتمة المستدرك » وأضاف عليه زيادات(2) .

وقد حاول المؤلف في هذا الكتاب تصحيح أسانيد الشيخ في التهذيبين بطريق آخر غير ما ذكرناه من الرجوع إلى مشيخة الفهرست ، او مشيخة من تقدمه ، أو عاصره ، واليك بيانه :

إن العلاّمة الحلي في « الخلاصة » ، والسيد الجليل الميرزا الاسترآبادي في « تلخيص المقام » والسيد مصطفى التفريشي في « نقد الرجال » عمدوا إلى ذكر الشيوخ الذين اُخذت أحاديث « التهذيب » و « الاستبصار » من اُصولهم وكتبهم ، وابتدأ الشيخ في معظم أسانيدها بذكرهم اختصاراً ، مع أنه لم يدرك زمانهم ، ولكن ذكر طريقه اليهم في آخر الكتابين ، وهم تسعة وثلاثون شيخاً.

وقد اعتبر العلاّمة والاسترآبادي من هؤلاء المشيخة خمسة وعشرين ، وتركا الباقي ولعلّ منشأه أن طريق الشيخ إلى غير هؤلاء غير معتبر عندهم.

وأما السيد التفريشي فقد(3) زاد على مشيخة التهذيبين أحداً وثلاثين شيخاً ، الذين لم يذكر الشيخ سنده اليهم في خاتمة الكتابين ، وقام هو باستخراج سنده اليهم من الفهرست ، فبلغت المشايخ حسب عدّه سبعين شيخاً ، ولكن المعتبر عنده من مجموع الطرق ثلاثون طريقاً ، وقد أوجب هذا اضطراباً واشكالاً في اعتبار أحاديث الكتابين ، حيث صار ذلك سبباً لعدم اعتبار

__________________

1 ـ لاحظ الجزء الثاني من جامع الرواة : الفائدة الرابعة من خاتمته ، الصفحة 473 ، ونقله العلاّمة المامقاني في خاتمة التنقيح.

2 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 719 ، الفائدة السادسة.

3 ـ نقد الرجال : 417 في الفائدة الرابعة من الخاتمة.

٣٩٥

أحاديث أربعين شيخاً من سبعين ممَّن صدر الحديث بأسمائهم.

ولأجل ذلك حاول المحقق الاردبيلي لتصحيح اسانيد الكتابين بشكل آخر ، ذكره في مقدمة كتاب « تصحيح الاسانيد » وحاصله :

« إن ما ذكره علماء الرجال من طرق الشيخ قليل في الغاية ، ولا يكون مفيداً في ما هو المطلوب ، والشيخ لمّا أراد إخراج الروايات التي لم يذكر طريقه إلى ارباب الكتب في نفس التهذيب والاستبصار من الارسال ، ذكر في المشيخة والفهرست طريقاً او طريقين او اكثر إلى كل واحد من أرباب الكتب والاُصول ، فمن كان قصده الاطلاع على أحوال الاحاديث ، ينبغي له أن ينظر إلى المشيخة ويرجع إلى الفهرست. ثم قال : إني لمّا راجعت اليهما رأيت أن كثيراً من الطرق المورودة فيهما معلول على المشهور ، بضعف أو إرسال ، او جهالة وأيضاً رأيت أن الشيخرحمه‌الله ربما بدأ في أسانيد الروايات باُناس لم يذكر لهم طريقاً أصلاً ، لا في المشيخة ولا في الفهرست ، فلأجل ذلك رأيت من اللازم تحصيل طرق الشيخ إلى أرباب الاُصول والكتب ، غير الطرق المذكورة في المشيخة والفهرست ، حتى تصير تلك الروايات معتبرة ، فلمّا طال تفكري في ذلك وتضرّعي ، اُلقي في روعي أن أنظر في أسانيد روايات التهذيبين ، فلما نظرت فيها وجدت فيها طرقاً كثيرة اليهم غير ما هو مذكور في المشيخة والفهرست ، أكثرها موصوف بالصحة والاعتبار فصنَّفت هذه الرسالة وذكرت فيها جميع الشيوخ المذكورين في المشيخة والفهرست ، وذيَّلت ما فيهما من الطرق الضعيفة او المجهولة بالاشارة إلى ما وجدته من الطرق الصحيحة او المعتبرة مع تعيين موضعها ، وأضفت اليهم من وجدت له طريقاً معتبراً ولم يذكر طريقه فيهما »(1) .

__________________

1 ـ لاحظ في توضيحه ما ذكره المؤلف في الفائدة الرابعة من خاتمة كتابه « جامع الرواة » الصفحة 473 ـ 475 وما ذكرناه ملخص ما اورده المحقق البروجردي في تصديره على كتاب « جامع الرواة : 1 / 266.

٣٩٦

ولزيادة التوضيح نقول : انه روى الشيخ في « التهذيب » روايات عن علي بن الحسن الطاطري بدأ بذكر اسمه في أسانيده. مثلا روى في كتاب الصلاة هكذا : « علي بن الحسن الطاطري قال : حدثني عبدالله بن وضّاح ، عن سماعة بن مهران قال : قال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : إياك أن تصلّي قبل أن تزول ، فانك تصلّي في وقت العصر خير لك أن تصلّي قبل أن تزول »(1) .

وقال في المشيخة : « وما ذكرته عن علي بن الحسن الطاطري فقد أخبرني به أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن أبي الملك أحمد بن عمر بن كيسبة ، عن علي بن الحسن الطاطري ».

وهذا الطريق ضعيف بجهالة اثنين منهم : ابن الزبير وابن كيسبة ومقتضاه عدم اعتبار تلك الروايات التي يبلغ عددها إلى ثلاثين حديثاً في « التهذيب ».

وأما المحاولة ، فهي أنا إذا رأينا أن الشيخ روى في باب الطواف أربع روايات بهذا السند :

« موسى بن القاسم ، عن علي بن الحسن الطاطري ، عن درست بن أبي منصور ، عن ابن مسكان » ، ثم وقفنا على أمرين :

1 ـ إن موسى بن القاسم ـ أعني من صدر به السند ـ ثقة.

2 ـ طريق الشيخ اليه صحيح ، فعند ذلك يحصل للشيخ طريق صحيح إلى الطاطري ، لكن لا عن طريقه اليه في المشيخة ولا في الفهرست ، بل عن طريقه في المشيخة إلى موسى بن القاسم.

ولأجل ذلك يقول الاردبيلي في مختصر تصحيح الاسانيد : « وإلى علي بن الحسن الطاطري ، فيه علي بن محمد بن الزبير في المشيخة والفهرست ، وإلى الطاطري صحيح في التهذيب في باب الطواف ».

__________________

1 ـ التهذيب : ج 2 ، الحديث 549.

٣٩٧

وهذا يعطي ان موسى بن قاسم ليس راوياً لهذه الروايات الاربع فقط ، بل راو لجميع كتاب الطاطري عنه ، فيعلم من ذلك ان الشيخ روى كتاب الطاطري تارة بسند ضعيف ، واخرى بسند معتبر وبذلك يحكم بصحة كل حديث بدأ الشيخ في سنده بالطاطري.

وقس على ذلك سائر الطرق التي للشيخ في الكتابين إلى المشايخ الذين لم يذكر سنده اليهم في المشيخة ولا في الفهرست ، او ذكر لكنه ضعيف عليل ، وبهذا التتبع يحصل له طرق صحيحة انهاها صاحب الكتاب إلى خمسين وثمانمائة طريق تقريباً ، وعدد المعتبر منها قريب من خمسمائة طريق.

هذه خلاصة المحاولة وقد نقده المحقق البروجردي بوجوه :

الأول : ان ما صح طرقه إلى المشايخ وان كان قليلاً ، ولكن الروايات التي رواها الشيخ بهذه الطرق القليلة عن هؤلاء المشايخ في غاية الكثيرة مثلاً :

1 ـ ان ما رواه بطرقه عن أحمد بن محمد بن عيسى يقرب من 1200 حديث.

2 ـ ان ما رواه بطرقه عن الحسن بن محمد بن سماعة قريب 800 حديث.

3 ـ ان ما رواه بطرقه عن الحسين بن سعيد يقرب من 2500 حديث.

4 ـ ان ما رواه بطرقه عن سعد بن عبدالله يقرب من 600 حديث.

5 ـ ان ما رواه بطرقه عن محمد بن أحمد بن يحيى يقرب من 950 حديثاً.

6 ـ ان ما رواه بطرقه عن محمد بن علي بن محبوب يقرب من 700 حديث.

هذا ، وان نقله عن سائر المشايخ الذين صحت طرقه اليهم أيضاً كثير

٣٩٨

جداً ، فكيف لا يكون مفيداً هو المطلوب من اخراج معظم روايات الكتاب عن الارسال.

الثاني : إذا روى موسى بن القاسم عن علي بن الحسن الطاطري ، عن درست بن ابي منصور ، عن ابن مسكان ، فهو يحتمل من جهة النقل من كتب المشايخ وجوهاً :

1 ـ يحتمل ان موسى بن قاسم اخذ الحديث عن كتاب الطاطري وحينئذ روى موسى هذا الحديث وجميع كتاب الطاطري ، وبذلك يحصل للشيخ طريق صحيح إلى كتاب الطاطري وهذا هو الذي يتوخاه المتتبع الأردبيلي.

2 ـ يحتمل ان موسى بن القاسم اخذ الحديث عن كتاب درست بن ابي منصور وروى هذا الكتاب عنه بواسطة الطاطري.

3 ـ يحتمل ان موسى اخذ الحديث عن كتاب ابن مسكان ، وروى هذا الكتاب عنه بواسطة شخصين : الطاطري ، ودرست بن ابي منصور.

وعلى الاحتمالين الأخيرين يحصل للشيخ الطوسي طريق صحيح إلى كتاب درست بن ابي منصور ، وكتاب ابن مسكان ولا يحصل طريق صحيح إلى نفس كتاب الطاطري الذي هو الغاية المتوخاة.

والحاصل انه إذا كان طريق الشيخ إلى احد المشايخ الذين صدر الحديث باسمائهم واخذ الحديث من كتبهم ، ضعيفاً ، فلا يمكن اصلاحه بما إذا وقع ذلك الشيخ في اثناء السند ، وكان طريقه اليه طريقاً صحيحاً ، لأن توسط الشيخ ( الطاطري ) في ثنايا السند لا يدل على اخذ الحديث عن كتابه ، بل من الممكن كون الحديث مأخوذاً عن كتاب شيخه اعني درست بن ابي منصور ، او شيخ شيخه اعني ابن مسكان. وهذا الاحتمال قائم في جميع ما استنبطه في اسانيد التهذيبين.

٣٩٩

الثالث : ان هدف الشيخ الطوسي من تصنيف الفهرست وذكر الطرق إلى من ذكر فيه ان له كتاباً او اصلاً ، ليس اخراج التهذيبين من الارسال ولم يبدأ الشيخ في اسانيدهما بهؤلاء المذكورين في الفهرست سوى قليل منهم ، وهم المشيخة المذكورون في آخر الكتابين.

نعم ربما يوجد في بدء اسانيدهما شيوخ لم يذكر لهم طريقاً في المشيخة وعدد رواياتهم لا يزيد على خمسمائة تقريباً ، ولا تخرج هذه الروايات عن الارسال بسبب الطرق المذكورة في الفهرست غالباً.

ولا يخفى ان الشيخ تفنن في الفهرست أيضاً في ذكر الطرق إلى اصحاب الكتب والاصول على وجوه ، فتارة ذكرهم وذكر طريقه إلى كتبهم واخرى ذكر كتبهم واصولهم ولم يذكر الطريق اليهم ، وثالثة ذكر جماعة واشار إلى من ذكرهم او روى عنهم ولم يصل اسناده فيه إلى من ذكر او روى ، وقد جمع القسمين الاخيرين العلاّمة السيد محمد صادق الطباطبائي في مقدمة الفهرس(1) .

__________________

1 ـ الفهرست : 12 ـ 15.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

فقال عليه السلام : هذه ممّا في بيتك ١ .

هذا و قال ابن أبي الحديد : ذمّ عليه السلام أهل البصرة فقال « عائلهم مجفو و غنيهم مدعو و العائل : الفقير » ، و هذا كقول الشاعر :

فإن تملق فأنت لنا عدو

فان تثر فأنت لنا صديق ٢

قلت : كلامه خبط ، فان قوله عليه السلام الجملة صفة « قوم » ، فهو ذمّ لذلك الرجل الذي دعا عثمان ، لأن طعامه لم يكن اللّه ، كما أن الشعر في مقام آخر غير ذمّ أحد ، فإنّه في مقام بيان أنّ الفقير مبغض إلى النّاس طبعا ، حتى أنّه لو كان صديقا يكون عندهم كالعدو و الغني بالعكس ، حتى أنّه لو كان عدوا كان عندهم كالصديق هذا ، و في ( العيون لابن قتيبة ) ، قال عدي بن حاتم لابن له حدث : قم بالباب فامنع من لا تعرف و أذن لمن تعرف فقال : لا و اللّه لا يكون أوّل شي‏ء وليته من أمر الدنيا منع قوم من الطعام ٣ .

« فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم » من قضمت الدابة شعيرها بالكسر « فما اشتبه عليك علمه » هل هو حلال أو حرام « فالفظه » من لفظ الشي‏ء من فمه ،

أي : رماه منه ، و ما رماه لفاظه .

و في ( المروج ) : كان لأنوشروان مائدة من الذهب عظيمة عليها أنواع من الجواهر مكتوب عليها من جوانبها « ليهنه طعامه من أكله من حلّه ، و عاد على ذوي الحاجة من فضله ، ما أكلته ، و أنت تشتهيه ، فقد أكلته ، و ما أكلته ، و أنت لا تشهيه ، فقد أكلك » ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الكليني في الكافي ٦ : ٢٧٦ ح ٤ ، و البرقي في المحاسن : ٤١٥ ح ١٦٩ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٠٦ .

( ٣ ) عيون ابن قتيبة ١ : ٣٣٥ .

( ٤ ) مروج الذهب ١ : ٢٩٤ .

٤٦١

« و ما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه » لعدم وجود تبعة فيه . في الخبر ولّى عليه السلام رجلا من ثقيف و قال له : إذا صلّيت الظهر فعد إليّ ، فعدت إليه فلم أجد عنده حاجبا ، فوجدته جالسا و عنده قدح و كوز ماء ، فدعا بوعاء مشدود مختوم فقلت في نفسي : لقد آمنني حتى أخرج إلي جوهرا ، فكسر الختم و حلّه فإذا فيه سويق ، فأخرج منه فصبّه في القدح و صبّ عليه ماء فشرب و سقاني ،

فلم أصبر أن قلت : أتصنع هذا في العراق و طعامه كما ترى في كثرته ؟ فقال :

أما و اللّه ما أختم عليه بخلا به ، و لكني أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن ينقص ،

فيوضع فيه من غيره ، و أنا أكره أن يدخل بطني إلاّ طيّبا ، و إيّاك و تناول ما لا تعلم حلّه » ١ .

و في الخبر : ما من عبد إلاّ و به ملك يلوي عنقه وقت حدثه حتى ينظر إليه ثم يقول له الملك : يا ابن آدم هذا رزقك فانظر من أين أخذته و إلى ما صار ،

فينبغي عند ذلك أن يقول : اللّهمّ ارزقني الحلال و جنّبني الحرام ٢ .

« ألا و إنّ لكلّ مأموم إماما يقتدي به و يستضي‏ء بنور علمه » في ( الإرشاد ) :

خرج عليه السلام ذات ليلة من المسجد و كانت ليلة قمراء فأمّ الجبانة ، فلحقه جماعة يقفون أثره ، فوقف ثم قال : من أنتم ؟ قالوا : نحن شيعتك ، فتفرّس في وجوههم ثم قال : ما لي لا أرى عليكم سيماء الشيعة قالوا : و ما سيماء الشيعة ؟ قال :

صفر الوجوه من السهر ، عمش العيون من البكاء ، حدب الظهور من القيام ،

خمص البطون من الصيام ، ذبل الشفاه من الدعاء ، عليهم غبرة الخاشعين ٣ .

و في الخبر قال أبو الصباح الكناني للصادق عليه السلام : يكون بيننا و بين

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه أحمد في الورع و أبو حاتم السجستاني في المعمرين و أبو نعيم في حلية الأولياء ، عنهم ذيل احقاق الحقّ ٨ : ٢٧٨ و ٢٧٩ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الإرشاد : ١٢٧ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

٤٦٢

الرجل الكلام فيقول : جعفري خبيث فقال عليه السلام : يعيركم النّاس بي ما أقلّ و اللّه من يتّبع جعفرا منكم إنّما أصحابي من اشتدّ ورعه ، و عمل لخالقه ، و رجا ثوابه .

و قال الكاظم عليه السلام : كثيرا ما كنت أسمع أبي يقول : ليس من شيعتنا من لا يتحدّث المخدرات بورعه في خدورهن ، و ليس من أوليائنا من هو في قرية عشرة آلاف رجل فيهم خلق للّه أورع منه ١ .

في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) عن كتاب ابن الغطريف بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : نظر النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى علي عليه السلام فقال : هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة ٢ .

« ألا و إن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه » بالكسر ، الثوب الخلق .

قال الباقر عليه السلام : كان علي عليه السلام يأكل أكل العبد و يجلس جلسة العبد ، و إنّه كان ليشتري القميصين السنبلانيين ، فيخيّر غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر ،

فإذا جاز أصابعه قطعه ، و إذا جاز كعبيه حذفه ، و لقد ولّي خمس سنين ما وضع آجرة على آجرة ، و لا لبنة على لبنة ، و لا أقطع قطيعا و لا أورث بيضاء و لا حمراء ، و ان كان ليطعم النّاس خبز البر و اللحم و ينصرف إلى منزله و يأكل خبز الشعير و الزيت و الخل ٣ .

و في ( ذيل الطبري ) : كان عطاء سلمان خمسة آلاف ، و كان على ثلاثين ألفا من النّاس يخطب في عباءة يفترش نصفها و يلبس نصفها ، و كان إذا خرج

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجهما الكليني في الكافي ٢ : ٧٧ و ٧٩ ح ٦ و ١٥ .

( ٢ ) تذكرة الخواص : ٥٣ .

( ٣ ) أخرجه الصدوق في أماليه : ٢٣٢ ح ١٤ ، المجلس ٤٧ ، و أبو جعفر الطوسي في أماليه ٢ : ٣٠٣ ، المجلس ٢١ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٦٣

عطاؤه أمضاه و يأكل من سفيف يده ١ .

« و من طعمه بقرصيه » و أدامه الملح أو اللبن الحامض ، فعن سويد بن غفلة : دخلت على علي عليه السلام فوجدت بين يديه إناء فيه لبن أجد ريح حموضته ،

و في يده رغيف أرى قشير الشعر في وجهه ، و هو يكسره بيده و يطرحه فيه ،

فقال : أدن فأصب من طعامنا ، فقلت : إنّي صائم . فقلت لفضة و هي بقرب منه قائمة ويحك ألا تتقين اللّه في هذا الشيخ بنخل هذا الطعام ؟ قالت : تقدم إلينا ألا ننخل له طعاما . قال : ما قلت لها ؟ فأخبرته فقال : بأبي و امّي من لم ينخل له طعام ، و لم يشبع من خبز البر ثلاثة أيّام حتى قبضه اللّه ٢ و كان عليه السلام يجعل جريش الشعير في وعاء و يختم عليه ، فقيل له في ذلك فقال : أخاف هذين الولدين أن يجعلا فيه شيئا من زيت أو سمن ٣ .

في ( رجال الكشي ) : قال أبوذر : من جزى اللّه عنه الدنيا خيرا ، فجزاه اللّه عني مذمة ، بعد رغيفي شعير أتغذّى بأحدهما و أتعشّى بالآخر ، و بعد شملتي صوف اتّزر بإحداهما و أرتدي الاخرى ٤ .

« ألا و إنّكم لا تقدرون على ذلك » إنّما كان يقتدى به في الملبس و المطعم سلمان ، و أبوذر كما مرّ .

و في ( جمل المفيد ) عن الواقدي أنّه عليه السلام في حرب البصرة دعا بدرعه البتراء و لم يلبسها بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ يومئذ فكان بين كتفيه منها متوهيا ،

و جاء و في يده شسع نعل ، فقال له ابن عباس : ما تريد بهذا الشسع ؟ قال : أربط بها ما قد توهّى من هذا الدرع من خلفي . فقال له : أفي مثل هذا اليوم تلبس مثل

ــــــــــــــــــ

( ١ ) منتخب ذيل المذيل : ٥٠ .

( ٢ ) رواه الخوارزمي في مناقبه : ٦٧ . و السروي في مناقبه ٢ : ٩٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) روى هذا ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٢٦ .

( ٤ ) اختيار معرفة الرجال : ٢٨ ح ٥٤ .

٤٦٤

هذا ؟ فقال عليه السلام : لا تخف أن أوتي من ورائي ، و اللّه يا ابن عباس ما ولّيت في زحف قط ١ .

و في النهج قال ابن عباس : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار ( عند خروجه إلى الجمل ) و هو يخصف نعله ، فقال لي : ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت : لا قيمة لها . فقال عليه السلام : و اللّه لهي أحب إليّ من أمرتكم الخ ٢ .

و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) عن الأحنف بن قيس قال : دخلت على معاوية فقدّم إلي من الحلو و الحامض ما كثر تعجّبي منه ، ثم قال : قدّموا ذلك اللون فقدّموا لونا ما أدري ما هو ، فقال : مصارين البط محشوة بالمخ و دهن الفستق قد ذر عليه السكر . قال : فبكيت فقال :

ما يبكيك ؟ فقلت : للّه درّ ابن أبي طالب ، لقد جاء من نفسه بما لم تسمح به أنت و لا غيرك . فقال : و كيف ؟ قلت : دخلت عليه ليلة عند افطاره ، فقال لي : قم فتعشّ مع الحسن و الحسين ثم قام إلى الصلاة ، فلما فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمه فأخرج منه شعيرا مطحونا ثم ختمه ، فقلت :

لم أعهدك بخيلا يا أمير المؤمنين ، فقال : لم أختمه بخلا و لكن خفت أن يبسّه الحسن أو الحسين بسمن أو اهالة . فقلت : أحرام هو ؟ قال : لا و لكن على أئمة الحقّ أن يتأسّوا بأضعف رعيتهم حالا في الأكل و اللباس ، و لا يتميّزون عليهم بشي‏ء ، ليراهم الفقير فيرضى عن اللّه تعالى بما هو فيه ، و يراهم الغني فيزداد شكرا و تواضعا ٣ .

« و لكن أعينوني بورع » عن المحارم قال تعالى : إنّما يتقبّل اللّه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الجمل : ١٨٩ .

( ٢ ) نهج البلاغة ١ : ٨٠ ، الخطبة ٣٣ .

( ٣ ) تذكرة الخواص : ١١٠ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٦٥

من المتّقين ١ و قال نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : أفضل الأعمال الورع عن محارمه ٢ .

« و اجتهاد » في الطاعات و العبادات . قال الصادق : كان علي عليه السلام ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنّة و النّار ، يرجو ثواب هذه و يخاف عقاب هذه ٣ .

و كان عليه السلام لا تفوته عبادة حتّى إعانة المرأة و الكسب و غرس الأشجار .

قال الباقر عليه السلام : كان علي عليه السلام ما ورد عليه أمران كلاهما رضا للّه إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه ٤ ، و لقد اعتق ألف مملوك من كدّ يده ، تربت فيه يداه ، و عرق فيه وجهه و ما أطاق عمله أحد من النّاس ، و إنّه كان يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة ، و كان أقرب النّاس شبها به حفيده علي بن الحسين عليه السلام و ما أطاق عمله أحد من النّاس بعده .

و قال الحسن عليه السلام صبيحة وفاته كما في ( مقاتل أبي الفرج ) لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ، و لا يدركه الآخرون بعمل ، و لقد كان يجاهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقيه بنفسه ، و لقد كان يوجّهه برايته ،

فيكتنفه جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتى يفتح اللّه عليه الخبر ٥ .

و روي عنه عليه السلام أنّه قال : ما تركت صوم شعبان بعد ما سمعت منادي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : إنّ شعبان شهري ، فأعينوني على صيامه ٦ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) المائدة : ٢٧ .

( ٢ ) روى هذا المعنى بألفاظ مختلفة المجلسي في البحار ٧٠ : ٢٩٦ ، باب ٥٧ ، و المتقي الهندي في منتخب كنز العمال ١ : ٢٥٤ و ٢٥٥ .

( ٣ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٤ : ١١٠ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) رواه السروي في مناقبه ٢ : ١٠٣ . عن الباقر عليه السلام و ابن أبي الحديد في شرحه ٤ : ١١٠ عن الصادق عليه السلام .

( ٥ ) مقاتل الطالبيين : ٣٢ .

( ٦ ) رواه الطوسي في المصباح : ٧٥٧ ، و ابن طاووس في الاقبال ، عنه البحار ٩٧ : ٧٩ ح ٤٤ ، و النقل بالمعنى .

٤٦٦
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و كان عليه السلام يرد بيته بعد الظهر ، فإن كان طعام أتى عليه السلام به و إلاّ كان ينوي الصيام .

و ورد في إنفاقه عليه السلام آيات الذين ينفقون أموالهم بالليل و النّهار سرّا و علانية فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون ١ و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة ٢ و يطعمون الطّعام على حبّه مسكيناً و يتيماً و أسيراً . إنّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاءً و لا شُكوراً . إنّا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً . فوقاهم اللّه شرّ ذلك اليوم و لقّاهم نظرة و سروراً . و جزاهم بما صبروا جنّة و حريراً إلى قوله تعالى : إن هذا كان لكم جزاءً و كان سعيكم مشكوراً ٣ .

و في الخبر : كان علي عليه السلام يمشي في الأسواق وحده و هو وال يرشد الضّالّ و يعين الضعيف ، و يمرّ بالبقال و البيّاع فيفتح عليه ، و يتلو : تلك الدار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّاً في الأرض و لا فساداً و العاقبة للمتّقين ٤ و يقول نزلت هذه الآية في أهل العدل و التواضع من الولاة و أهل القدرة ٥ .

و جاء في الأثر : كان علي عليه السلام يحتطب ، و يستسقي ، و يكنس ، و كانت فاطمة عليها السلام تطحن و تعجن و تخبز ٦ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢٧٤ .

( ٢ ) الحشر : ٩ .

( ٣ ) الانسان : ٨ : ٢٢ .

( ٤ ) القصص : ٨٣ .

( ٥ ) رواه الطبرسي في مجمع البيان ٧ : ٢٦٩ ، و السروي في مناقبه ٢ : ١٠٤ .

( ٦ ) رواه السروي في مناقبه ٢ : ١٠٤ .

٤٦٧

و في الخبر أنّه عليه السلام غرس مائة ألف نخلة ١ .

« و عفّة » قال رجل للباقر عليه السلام : إنّي ضعيف العمل قليل الصيام ، و لكنّي أرجو ألاّ آكل إلاّ حلالا ، فقال عليه السلام له : أيّ الاجتهاد أفضل من عفّة بطن و فرج ٢ .

« و سداد » بالفتح إنّ الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا و لا تحزنوا و أبشروا بالجنّة التي كنتم توعدون . نحن أوليائكم في الحياة الدّنيا و في الآخرة ، و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم و لكم فيها ما تدّعون ٣ .

« فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا » التبر : الذهب غير المضروب ، فإذا ضرب فهو عين .

في ( الكافي ) : قال عبد الأعلى مولى آل سام لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ النّاس يرون أنّ لك مالا كثيرا ، فقال : ما يسوؤني ذلك إنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرّ ذات يوم على ناس شتى من قريش و عليه قميص مخرّق ، فقالوا : أصبح علي لا مال له ، فسمعها عليه السلام فأمر الذي يلي صدقته أن يجمع تمره و لا يبعث إلى انسان شيئا و أن يوفّره ، ثم قال له بع الأوّل فالأوّل و اجعلها دراهم ثمّ اجعلها حيث يجعل التّمر ، فاكبسه معه حيث لا يرى ، و قال للذي يقوم عليه إذا دعوت بالتّمر فاصعد و انظر المال فاضربه برجلك كأنّك لا تعمد الدراهم حتى تنثرها ، ثم بعث إلى رجل منهم يدعوهم ، ثم دعا بالتمر ، فلما صعد ينزل بالتمر ضرب برجله فانتشرت الدراهم فقالوا : ما هذا يا أبا الحسن ؟ قال : هذا مال من لا مال له ثمّ أمر بذلك المال فقال : انظروا كلّ أهل بيت ابعث إليهم ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الكليني في الكافي ٥ : ٧٤ ح ٦ .

( ٢ ) رواه الكليني في الكافي ٢ : ٧٩ ح ٤ .

( ٣ ) فصلت : ٣٠ ٣١ .

٤٦٨

فانظروا ماله ، و ابعثوا له ١ .

« و لا ادّخرت من غنائمها وفرا » أي : مالا كثيرا كالنّاس .

في ( المروج ) : بنى عثمان داره في المدينة و شيّدها بالحجر و الكلس ،

و جعل أبوابها من الساج و العرعر ، و اقتنى اموالا و جنانا و عيونا بالمدينة ،

و كان عند خازنه يوم قتل من المال خمسون و مائة ألف دينار و ألف ألف درهم ، و قيمة ضياعه بوادي القرى و حنين و غيرهما مائة ألف دينار ، و خلّف خيلا كثيرا و إبلا و بلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار ، و خلّف ألف فرس و ألف عبد و ألف أمة و خططا في البصرة و الكوفة و مصر و الاسكندرية و داره بالبصرة المعروفة به في هذا الوقت سنة ( ٣٣٢ ) تنزلها التّجار ، و أرباب الأموال ، و أصحاب الجهات من البحرين و غيرهم .

و كذلك طلحة داره بالكوفة المشهورة به في هذا الوقت المعروفة بالكناس بدار الطلحيين ، و كانت غلته من العراق كلّ يوم ألف دينار و قيل أكثر ،

و بناحيته سراة أكثر ، و شيّد داره بالمدينة و بناها بالآجر و الجصّ و الساج .

و كذلك عبد الرحمن بن عوف ابتنى داره و وسّعها و كان على مربطه مائة فرس و له ألف بعير و عشرة آلاف من الغنم ، و بلغ ربع ثمن ماله أربعة و ثمانين ألفا .

و ذكر سعيد بن المسيّب ، أن زيد بن ثابت خلّف من الذهب و الفضة ما كان يكسر بالفؤوس ، غير ما خلف من الأموال و الضياع بقيمة مائة ألف دينار .

و مات يعلى بن اميّة و خلف خمسمائة ألف دينار ، و ديونا على النّاس

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٦ : ٤٣٩ ح ٨ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٦٩

و عقارات و غيرها ما قيمته مائة ألف دينار ١ .

في ( جمل المفيد ) : روى الثوري عن داود بن أبي هند عن أبي حريز الأسود قال : لما قدم طلحة و الزبير البصرة أرسلا إلى أناس من أهل البصرة أنا فيهم ، فدخلنا بيت المال معهما ، فلما رأيا ما فيه من الأموال قالا : هذا ما وعدنا اللّه و رسوله وعدكم اللّه مغانم كثيرة تأخذونها فعجّل لكم هذه و قالا : نحن أحقّ بهذا المال من كلّ أحد إلى أن قال بعد ظفره عليه السلام دعانا علي عليه السلام فدخلنا معه بيت المال ، فلما رأى ما فيه ضرب إحدى يديه على الاخرى و قال : غري غيري و قسّمه بين أصحابه خمسمائة خمسمائة بالسوية حتى لم يبق إلاّ خمسمائة درهم و عزلها لنفسه ، جاءه رجل و قال : إنّ اسمي سقط من كتابك ، فقال عليه السلام : ردّوها عليه . ثم قال : الحمد للّه الذي لم يصل إليّ من هذا المال شيئا و وفّره على المسلمين .

و فيه روى أبو مخنف عن رجاله قال : لمّا أراد علي عليه السلام التوجّه إلى الكوفة قام في أهل البصرة ، فقال : ما تنقمون علي يا أهل البصرة و اللّه إنّهما و أشار إلى قميصه و ردائه لمن غزل أهلي ، و ما تنقمون مني يا أهل البصرة و اللّه ما هي و أشار إلى صرّة في يده فيها نفقته إلاّ من غلّتي بالمدينة ، فإن أنا خرجت من عندكم بأكثر ممّا ترون فأنا عند اللّه من الخائنين ٢ .

« و لا أعددت لبالي » أي : اندراس « ثوبي طمرا » . و في الخبر أنّه عليه السلام كان يغسل ثوبه و يلبسه و يجفّه على بدنه لعدم وجود عوض له « و لا حزت من أرضها شبرا و لا أخذت منه إلاّ كقوت اتان » انثى الحمار « دبره » من « دبر البعير و أدبره القتب » .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٣٢ و ٣٣٣ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الجمل : ٢١٤ و ٢٢٤ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٧٠

« و لهي في عيني أوهى و أهون من عفصة » من « طعام عفص » فيه تقبض « مقره » من « مقر الشي‏ء » صار مرّا ، و ليس في ( ابن ميثم ) قوله « و لا حزت » إلى هنا و انما هو في ابن أبي الحديد أخذته ( المصرية ) عنه ، لكن ، ليس فيه « أوهى و أهون » معا ، و الظاهر أنّها رأتهما بالنسخة البدليّة فجمعت بينهما ١ .

قوله عليه السلام « و إنّما هي نفسي اروضها » من رضت المهر أروضه رياضا و رياضة ، أو من روّضته للمبالغة « بالتقوى » . في الخبر : بعث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سريّة ، فلمّا رجعوا قال : مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر ، و بقي عليهم الجهاد الأكبر . قيل له : و ما الجهاد الأكبر ؟ قال : جهاد النفس ، أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه ٢ .

و في ( الحلية ) ، في سفيان بن عيينة : عن عاصم بن كليب عن أبيه أنّ عليّا عليه السلام قسّم ما في بيت المال على سبعة أسباع ، ثم وجد رغيفا فكسره سبع كسر ، ثمّ دعا أمراء الأجناد فأقرع بينهم و عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه قال : رأيت الغنم تبعر في بيت مال علي عليه السلام فيقسّمه .

و عن الأعمش عن رجل : إنّ عليّا عليه السلام كان إذا قسّم ما في بيت المال نضحه ثمّ صلّى فيه ركعتين ٣ .

« لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر و تثبت على جوانب المزلق » مزلق الأقدام يوم لا ينفع مال و لا بنون إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم ٤ ، الذين آمنوا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٠٧ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٩٩ .

( ٢ ) هذا تلفيق حديثين أخرجهما الصدوق في أماليه : ٣٧٧ ح ٨ ، المجلس ٧١ ، و في معاني الأخبار : ١٦٠ ح ١ ، و ابن الأشعث في الاشعثيات : ٧٨ ، و أخرج الأوّل الكليني في الكافي ٥ : ١٢ ح ٣ .

( ٣ ) حلية الأولياء ٧ : ٣٠٠ .

( ٤ ) الشعراء : ٨٨ ٨٩ .

٤٧١

و لم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم الأمن و هم مهتدون ١ و إن منكم إلاّ واردها كان على ربّك حتما مقضيّاً . ثمّ ننجي الذين اتّقوا و نذر الظّالمين فيها جثيّاً ٢ تلك الجنّة التي نورث من عبادنا من كان تقيّا ٣ .

و في الخبر : على الصراط قنطرة ، لا يجوزها من كان في رقبته مظلمة ٤ .

ورد في تفسير قوله تعالى : إنّ ربّك لبالمرصاد ٥ لا تدع النفس و هواها ، فإن هواها في رداها ، و كفّ النفس عمّا يهوى دواها .

هذا ، و نظر رجل إلى روح بن حاتم واقفا في الشمس ، فقيل له في ذلك ،

فقال : ليطول وقوفي في الظل .

أهين لهم نفسي لأكرمها بهم

و من يكرم النّفس التي لا تهينها

« و لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل » . في ( المروج ) :

استسقى عليه السلام يوم الجمل فأتي بعسل و ماء ، فحسا منه حسوة و قال :

هذا الطائفي ، و هو غريب بهذا البلد ، فقال له عبد اللّه بن جعفر : أما شغلك ما نحن فيه عن علم هذا ؟ قال : انّه و اللّه يا بنيّ ما ملأ صدر عمّك شي‏ء قط من أمر الدّنيا ٦ .

« و لباب » بالضم اللب ضدّ القشر ، قال :

أ ليس بذي المكارم في قريش

إذا عدّت ، و ذي الحسب اللباب ٧

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الانعام : ٨٢ .

( ٢ ) مريم : ٧١ .

( ٣ ) مريم : ٦٣ .

( ٤ ) أخرجه الكليني في الكافي ٢ : ٣٣١ ح ٢ ، و غيره و النقل بتصرف يسير .

( ٥ ) الفجر : ١٤ .

( ٦ ) مروج الذهب ٢ : ٣٦٨ .

( ٧ ) أورده أساس البلاغة : ٤٠٢ ، مادة ( لب ) .

٤٧٢

« هذا القمح » أي : البّرّ ، و في حديث الحسن البصري « لباب البرّ بلعاب النحل » ١ .

هذا ، و في ( النفحة ) : أرسل سنّيّ إلى شيعيّ شيئا من الحنطة و كانت عتيقة فردّها عليه ، ثم أرسل إليه عوضها جديدة لكن فيها تراب ، فكتب إليه بعد قبولها :

بعثت لنا بدال البرّ برّا

رجاء للجزيل من الثواب

رفضناه عتيقا و ارتضينا

به إذ جاء و هو أبو تراب

و لا يخفى ما فيه من النكات اللطيفة ، جمعه بين الرفض دلالة على تشيعه ، و تركه العتيق و هو لقب أبي بكر ، و المرتضى لقب أمير المؤمنين ،

و أبي تراب كنيته عليه السلام .

« و نسائج » جمع نسيج ، أي : منسوجات « هذا القز » أي : الإبريسم .

و كان يقال لعمرو بن عامر من ملوك اليمن « مزيقياء » ، لأنّه كان يلبس كلّ يوم حلّتين ، فيمزّقهما بالعشي ، و يكره أن يعود فيهما ، و يأنف أن يلبسهما غيره .

قال ابن أبي الحديد : روى بدل قوله عليه السلام « و لو شئت إلى هذا القز » « و لو شئت لاهتديت إلى هذا العسل المصفّى و لباب هذا البرّ المنقّى ، فضربت هذا بذاك حتّى ينضح وقودا و يستحكم معقودا » ٢ .

قلت : و روى ابن بابويه في ( أماليه ) : « و لو شئت لتسربلت بالعبقريّ المنقوش من ديباجكم ، و لأكلت لباب هذا البرّ بصدور دجاجكم ، و لشربت الماء الزلال برقيق زجاجكم ، و لكنّي أصدّق اللّه جلّت عظمته حيث يقول : من

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنه أساس البلاغة : ٤٠٢ ، مادة ( لب ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٨٧ .

٤٧٣

كان يريد الحياة الدنيا و زينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها و هم فيها لا يبخسون . أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلاّ النّار ١ ، فكيف أستطيع الصبر على نار لو قذفت بشرره إلى الأرض لأحرقت نبتها ، و لو اعتصمت نفس بقلّة لأنضجها وهج النّار في قلّتها » ٢ .

« و لكن هيهات » أي : بعد « أن يغلبني هواي » و أمّا من خاف مقام ربّه و نهى النّفس عن الهوى . فإنّ الجنّة هي المأوى ٣ .

« و يقودني جشعي » الجشع : شدّة الحرص على الطعام ، قال :

و إن مدّت الأيدي إلى الزاد لم أكن

بأعجلهم إذا عجل القوم أجشع

« إلى تخيّر الأطعمة » قالوا : من كان همّه ما يدخل في بطنه ، كانت قيمته ما يخرج من بطنه .

« و لعلّ بالحجاز » في ( المعجم ) عن الأصمعي : الحجاز : من تخوم صنعاء من العبلاء و تبالة إلى تخوم الشام ، و انما سمّي حجازا لأنه حجز بين تهامة و نجد ، فمكّة تهاميّة ، و المدينة حجازية ، و الطائف حجازيّة ، و عن هشام الحجاز ما بين جبلي طي إلى طريق العراق لمن يريد مكّة ٤ .

و في ( الصحاح ) : سمّيت بذلك لأنّها حجزت بين نجد و الغور ، و قال الأصمعي لأنّها احتجزت بالحرار الخمس منها حرّة بني سليم و حرّة واقم ،

يقال : احتجز بأزار ، أي : شدّه على وسطه ٥ .

« أو اليمامة » في ( المعجم ) : في السير اليمامة كانت منازل طسم و جديس

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هود : ١٥ و ١٦ .

( ٢ ) أمالي الصدوق : ٤٩٦ ، المجلس ٩٠ .

( ٣ ) النازعات : ٤٠ و ٤١ .

( ٤ ) معجم البلدان ٢ : ٢١٩ .

( ٥ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٦٩ ، مادة ( حجز ) .

٤٧٤

و كانت تدعى جوا ١ .

و في ( الصحاح ) : اليمامة : اسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام ، يقال أبصر من زرقاء اليمامة ،

سمّيت البلاد باسم هذه الجارية ٢ .

« من لا طمع له في القرص و لا عهد له بالشبع » في ( عيون القتيبي ) : قيل ليوسف عليه السلام مالك تجوع و أنت على خزائن الأرض ؟ قال : أخاف أن أشبع فأنسى الجائع ٣ .

« أو أبيت مبطانا » ممتلأ البطن « و حولي بطون غرثى » أي : جائعة . قال بعضهم :

يملّى‏ء بطنه و الجار جائع

و يحفظ ماله و العرض ضائع

« و أكباد حرّى » أي : عطشى . كتب المأمون إلى الرستمي و قد تظلّم منه غريم ليس من المروة أن تكون أوانيك من الذهب و الفضة ، و جارك طاو و غريمك عاو .

و لدعبل :

و ضيف عمرو و عمرو يسهران معا

عمرو لبطنته و الضيف للجوع

و للصابي :

و شبع الفتى لؤم

إذا جاع صاحبه

و في ( عقاب الأعمال ) عن السجاد عليه السلام : من بات شبعان و بحضرته مؤمن جائع طاو ، قال اللّه عزّ و جلّ : ملائكتي أشهدكم على هذا العبد إنّني أمرته

ــــــــــــــــــ

( ١ ) معجم البلدان ٥ : ٤٤٢ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٥ : ٢٠٦٥ ، مادة ( يم ) .

( ٣ ) عيون ابن قتيبة ٢ : ٣٧٤ .

٤٧٥

فعصاني ، و أطاع غيري ، وكلته إلى عمله ، و عزّتي و جلالي لا غفرت له أبدا ١ .

« أو أكون كما قال القائل :

و حسبك داء أن تبيت ببطنة

و حولك أكباد تحنّ إلى القد »

القدّ بالكسر : سير يقد من جلد غير مدبوغ ، و فلان ما يعرف القد من القد ،

أي : مسك السخلة من السير ، و في الجمهرة قدّ الشي‏ء قدّا إذا قطعه قطعا مستطيلا ، و به سمّي القد الذي يقد من الأديم الفطير ، و القدّ ( بفتح القاف ) خلاف القط ، لأن القد طولا و القط عرضا ، و في الحديث « إنّ عليّا عليه السلام كان إذا اعتلى قدّ و إذا اعترض قط » ، و القد ( بكسر القاف ) سيور تقد من جلد فطير يشد بها الأقتاب و المحامل و غيرها ٢ .

قال ابن أبي الحديد : هذا البيت منسوب إلى حاتم الطائي ، و أوّل أبياته :

أيا ابنة عبد اللّه و ابنة مالك

و يا ابنة ذي الجدّين و الفرس الورد

إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له

أكيلا فإنّي لست آكله وحدي

قصيّا بعيدا أو قريبا فإنّني

أخاف مذمّات الأحاديث من بعدي

كفى بك عارا أن تبيت ببطنة

و حولك أكباد تحنّ إلى القدّ

و إنّي لعبد الضيف ما دام نازلا

و ما من خلالي غيرها شيمة العبد ٣

قلت : لم يذكر مستنده في كون الأبيات لحاتم ، و قد نسب المبرد في ( كامله ) الأبيات الثلاثة الاولى و الأخير إلى قيس بن عاصم المنقري ، و لم ينقل فيها الرابع شعر كلامه عليه السلام . و نقل ابن قتيبة في ( عيونه ) أيضا الأبيات الثلاثة الاولى و ذكر بدل الأخيرين :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) عقاب الأعمال : ٢٩٨ ح ١ .

( ٢ ) جمهرة اللغة ١ : ٨٥ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٨٨ .

٤٧٦

و كيف يسيغ المرء زادا و جاره

خفيف المعى بادي الخصاصة و الجهد

و للموت خير من زيارة باخل

يلاحظ أطراف الأكيل على عمد

و لم يذكر قائلها ١ ، فلعلّ ابن أبي الحديد قال منسوب إلى حاتم حدسا لشهرته في الجود و الإيثار ، فكان يتجوّع و يشبع جاره ففي ( شعراء ابن قتيبة ) : قالت نوّار امرأة حاتم : أصابتنا سنة أقشعرّت لها الأرض و اغبرّت الآفاق ، فضنّت المراضع عن أولادها فما تبض بطرة و راحت الإبل حدبا حدابيس ، و حلقت ألسنة المال و أيقنا انّه الهلاك من الجوع ،

فقام حاتم إلى الصبيّين و قمت إلى الصبيّة ، فو اللّه ما سكتوا إلاّ بعد هدأة من الليل ، و أقبل يعلّلني بالحديث فعلمت الذي يريد فتناومت ، فلما تجوّرت النجوم إذا شي‏ء قد رفع كسر البيت ، فقال : من هذا ؟ فذهب ثم عاد فقال : من هذا ؟ فذهب ثم عاد في آخر الليل ، فقال : من هذا ؟ فقال : جارتك فلانة أتتك من عند أصبية يتعاوون عواء الذئاب من الجوع فما أجد معولا إلاّ عليك أبا عدي . فقال :

أعجيلهم قد أشبعك اللّه و إيّاهم . فأقبلت المرأة تحمل اثنين و تمشي جنباتها أربعة كأنها نعامة حولها رئالها ، فقام إلى فرسه ، فوجا لبته بمدية ثم كشطه و دفع المدية إلى المرأة فقال : شأنك الآن فاجتمعوا على اللحم ، فقال : سوأة أتأكلون دون الصريم ، ثم أقبل يأتيهم بيتا بيتا ، و يقول : هبّوا أيها القوم عليكم بالنّار ، فاجتمعوا فالتفع ناحية بثوبه ينظر إلينا ، و لا و اللّه ما ذاق منه مضغة و انّه لأحوج إليه منّا فأصبحنا و ما على الأرض إلاّ عظم و حافر ، فعذلته على ذلك فقال :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كامل المبرد ٥ : ١٤٤ ، و عيون ابن قتيبة ٣ : ٢٦٣ .

٤٧٧

مهلا نوّار أقلّي اللوم و العذلا

و لا تقولي لشي‏ء فات ما فعلا

و فيه أيضا : أتى حاتم ماوية بنت عفرز يخطبها ، فوجد عندها النابغة الذبياني و رجلا من نبيت يخطبانها ، فقالت : انقبلوا إلى رحالكم ، و ليقل كلّ واحد منكم شعرا يذكر فيه فعاله و منصبه ، فإنّي متزوّجة أكرمكم و أشعركم ،

فانطلقوا و نحر كلّ واحد منهم جزورا و لبست ماوية ثياب امة لها و اتبعتهم ،

فأتت النبيتي فاستطعمته فأطعمها ذنب جزوره فأخذته ، و أتت النابغة فأطعمها مثل ذلك ، و أتت حاتما فأطعمها عظما من العجز و قطعة من السنام و قطعة من الحارك أي الكاهل فانصرفت ، و أهدى كلّ منهم باقي جزوره و أهدى لها حاتم مثل ما أهدى إلى واحدة من جاراته ، و صبّحها القوم فأنشدها النابغة :

هلاّ سألت هداك اللّه ما حسبي

إذا الدّخان تغشى الأشمط البرما

إنّي أتمم أيساري و أمنحهم

مثنى الأيادي و أكسوا الجفنة الأدما

و أنشدها النبيتي :

هلاّ سألت هداك اللّه ما حسبي

عند الشتاء إذا ما هبت الريح

إذا اللقاح غدت ملقى اصرتها

و لا كريم من الولدان مصبوح

و أنشدها حاتم :

أ ماوي ، إنّ المال غاد و رائح

و يبقى من المال الأحاديث و الذكر

أ ماوي ، إنّي لا أقول لسائل

إذا جاء يوما حل في مالنا نزر

أ ماوي إمّا مانع فمبين

و إمّا عطاء لا ينهنهه الزجر

أ ماوي ، أن يصبح صداي بقفرة

من الأرض لا ماء لدي و لا خمر

ترى ان ما انفقت لم يك ضرّني

و إنّ يدي ممّا بخلت به صفر

و قد علم الأقوام لو أنّ حاتما

أراد ثراء المال كان له وفر

فلمّا فرغوا من إنشادهم ، دعت بالمائدة و قدّمت إلى كلّ واحد

٤٧٨

منهم ما كان أطعمها ، فنكس النبيتي و النابغة رؤوسهما ، فلما رأى حاتم ذلك رمى بالذي قدّم إليه إليهما و أطعمهما ، فتسلّلا لو اذا ، فتزوّجت حاتم و كانت من بنات ملوك اليمن ١ .

و في ( المروج ) : قال عبد الملك لبنيه : أحسابكم أحسابكم صونوها ببذل أموالكم ، فما يبالي رجل منكم ما قيل فيه من الهجو بعد قول الأعشى :

تبيتون في المشتى ملآ بطونكم

و جاراتكم غرثى يبتن خمائصا ٢

و في ( كنايات الثعالبي ) : كان أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذا قعدوا عنده كأنّ على رؤوسهم الطير ، فانبرى يوما حسّان فأنشده قول الأعشى :

كلا أبويكم كان فرعي دعامة

و لكنّهم زادوا او أصبحت ناقصا

تبيتون في المشتى ملا بطونكم

و جاراتكم غرثى يبتن خمائصا

فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : لا تنشد هجاء علقمة ، فإن أبا سفيان شغب منّي عند هرقل فعزب عليه علقمة ، فقال حسّان : يا رسول اللّه ، من نالتك يده وجب علينا شكره . فما سمع في الكناية عن الوقيعة بأحسن من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم « شغب مني » و لا في الكناية عن الإنكار و الاحتجاج كقوله « فعزب عليه » و لا في الاعتذار كقول حسان « من نالتك يده » الخ ٣ .

هذا ، و في ( الأغاني ) : قال متمم بن نويرة لعمر لمّا سأله عن أخيه مالك : إنّه أسرني حيّ من العرب ، فشدّوني وثاقا بالقد و ألقوني بفنائهم ،

فبلغه خبري فأقبل على راحلته حتى انتهى إلى القوم و هم جلوس في ناديهم ،

فلما نظر إليّ أعرض عنّي ، و نظر القوم إليه فعدل إليهم و عرفت ما أراد ، فسلّم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الشعر و الشعراء : ٧١ ٧٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) مروج الذهب ٣ : ١٦٦ .

( ٣ ) منتخب النهاية في الكناية : ٢٠٩ .

٤٧٩

عليهم و حادثهم و ضاحكهم و أنشدهم ، فو اللّه ، إن زال كذلك حتى ملأهم سرورا و حضر غداءهم ، فسألوه ليتغدّى معهم فنزل و أكل ثم نظر إليّ و قال :

إنّه لقبيح بنا أن نأكل و رجل ملقى بين أيدينا لا يأكل معنا ، و أمسك يده عن الطعام ، فلما رأى ذلك القوم نهضوا ، و صبّوا الماء على قدّي حتى لان و حلّوني ،

ثم جاءوا بي فأجلسوني معهم على الغداء ، فلمّا أكلنا قال لهم : أما ترون ، تحرم هذا بنا و أكل معنا انّه لقبيح بكم أن تردوه إلى القد فخلوا سبيلي ١ .

و فيه : مرّ فضالة بن شريك بعاصم بن عمر بن الخطاب و هو منتبذ بناحية المدينة ، فنزل به ، فلم يقره شيئا و لم يبعث إليه و لا إلى أصحابه بشي‏ء .

و قد عرّفوه مكانهم ، فارتحلوا عنه و التفت فضالة إلى مولى لعاصم فقال له : قل له ، أما و اللّه لأطوقنّك طوقا لا يبلى . و قال :

ألا أيّها الباغي القرى لست واجدا

قراك إذا ما بتّ في دار عاصم

إذا جئته تبغي القرى بات نائما

بطينا و أمسى ضيفه غير نائم ٢

و روي في ( الحلية ) : أن أويس القرني كان إذا أمسى تصدّق بما في بيته من الفضل من الطعام و الثياب ، ثم يقول : اللّهمّ من مات جوعا فلا تؤاخذني به ،

و من مات عريانا فلا تؤاخذني به ٣ .

هذا ، و روي أنّ علي بن الحسين عليه السلام قال لمولاة له يوم جمعة : لا يعبر على بابي سائل إلاّ أعطيتموه ، فإن اليوم الجمعة . فقال له أبو حمزة الثمالي :

ليس كلّ من يسأل مستحقّا ، فقال عليه السلام : أخاف أن يكون بعض من يسألنا مستحقّا فلا نطعمه فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب ، إنّ يعقوب كان يذبح

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الأغاني ١٥ : ٢١٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الأغاني ١٢ : ٧٣ .

( ٣ ) حلية الأولياء ٢ : ٨٧ .

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601