بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 123152 / تحميل: 6218
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

درهم ، فقبض الكندي المال وانحاز الى معاوية في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته ، فبلغ الحسن (ع) ذلك فتأثر وقام خطيبا وهو متذمر ومتألم أشد الألم من ذلك المجتمع الذي جرفته الخيانة ، وصار فريسة للباطل والضلال فقالعليه‌السلام :

« هذا الكندي توجه الى معاوية ، وغدر بي وبكم وقد أخبرتكم مرة بعد مرة انه لا وفاء لكم ، أنتم عبيد الدنيا ، وأنا موجّه رجلا آخر مكانه وإني أعلم أنه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبكم ، ولا يراقب الله فيّ ولا فيكم ».

وبعثعليه‌السلام رجلا آخر من مراد في أربعة آلاف ، وتقدم إليه بمشهد من الناس وتأكد عليه ، ولكنه أخبره انه سيغدر كما غدر الكندي فحلف له بالأيمان الموثقة أنه لا يفعل ذلك ، فلم يطمئن منه الحسن وقال متنبئا : « إنه سيغدر ».

وسار حتى انتهى الى الأنبار ، فلما علم معاوية به أرسل إليه رسلا وكتب إليه بمثل ما كتب الى صاحبه ، وبعث إليه بخمسة آلاف ولعلها خمسمائة ألف درهم ، ومنّاه أي ولاية أحب من كور الشام والجزيرة ، فقلب على الحسن وأخذ طريقه الى معاوية ولم يحفظ ما أخذ عليه من العهود(1) .

وارتكب هذه الخيانة جمع غفير من الأشراف والوجوه. وقد أدّى ذلك الى زعزعة كيان الجيش واضطرابه ، وتفلل جميع وحداته.

4 ـ نهب أمتعة الامام :

وانحطت نفوس ذلك الجيش انحطاطا فظيعا ، واستولت على ضمائره

__________________

(1) البحار 10 / 110.

١٠١

سحب قاتمة لا بصيص فيها من نور الكرامة والشرف ، فارتكبوا كل جريمة وموبقة. ومن انحطاط نفوسهم ان بعضهم جعل ينهب بعضا ، ولم يكتفوا بذلك حتى عدوا الى أمتعة الإمام وأجهزته فنهبوها ، وأكبر الظن أن للخوارج ضلعا كبيرا في هذا الإجرام ، فانهم لا يرون حرمة للإمام ، ولا حرمة لأموال غيرهم ، فقد أباحت خططهم الملتوية أموال من لا يدين بفكرتهم ولا يخضع لدينهم ، وقد وقعت جريمة نهب الإمام فى موردين هما :

1 ـ حينما دس معاوية عيونه في جيش الإمام ليذيعون أن الزعيم قيس بن سعد قد قتل فانهم حينما سمعوا ذلك نهب بعضهم بعضا حتى انتهبوا سرادق الحسن(1) وتنص بعض المصادر انهم نزعوا بساطا كان الإمام جالسا عليه واستلبوا منه رداءه(2) .

2 ـ لما أرسل معاوية المغيرة بن شعبة ، وعبد الله بن عامر ، وعبد الرحمن بن الحكم الى الإمام ليفاوضونه في أمر الصلح ، فلما خرجوا من عنده أخذوا يبثون بين صفوف الجيش لإيقاع الفتنة فيه قائلين : « إن الله حقن الدماء بابن بنت رسول الله (ص) وقد أجابنا الى الصلح » ولما سمعوا بمقالتهم اضطربوا اضطرابا شديدا ووثبوا على الإمام فانتهبوا مضاربه وأمتعته(3) .

5 ـ تكفيره :

وخيم الجهل على قلوب ذلك الجيش المصاب بأخلاقه وعقيدته ، فراح يسرح في ميادين الشقاء والغواية متماديا في الإثم والضلال ، وبلغ

__________________

(1) الطبري 4 / 122 ، البداية والنهاية 8 / 14.

(2) البحار ، أعيان الشيعة ، تأريخ اليعقوبي.

(3) البحار ، شرح ابن أبي الحديد.

١٠٢

من طيشه وجهله أن بعضهم حكم بتكفير حفيد نبيهم ، فلقد انبرى له الجراح بن سنان الذي أراد قتله قائلا :

« أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل!! ».

إن مجتمعا يرى هذا الاعتداء الصارخ على حفيد نبيهم ولا يقومون بنجدته لجدير بأن ينبذ ويترك لأنه لا ينفعه النصح ، ولا يثوب الى الحق والرشاد ، وأغلب الظن أن الذين حكموا بكفر الإمام كانوا من الخوارج إذ لا يصدر هذا الاعتداء إلا من هؤلاء الأشرار.

6 ـ اغتياله :

ولم تقف محنة الحسن وبلاؤه في جيشه الى هذا الحد فلقد عظم بلاؤه الى أكثر من ذلك فقد قدم المرتشون والخوارج على قتله ، وقد اغتيل (ع) ثلاث مرات وسلم منها وهي :

1 ـ انه كان يصلي فرماه شخص بسهم فلم يؤثر شيئا فيه.

2 ـ طعنه الجراح بن سنان في فخذه ، وتفصيل ذلك ما رواه الشيخ المفيدرحمه‌الله قال : « إن الحسن أراد أن يمتحن أصحابه ليرى طاعتهم له وليكون على بصيرة من أمره ، فأمر (ع) أن ينادى ( بالصلاة جامعة ) فلما اجتمع الناس قامعليه‌السلام خطيبا فقال :

« الحمد لله كلما حمده حامد ، وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق وائتمنه على وحيه.

أما بعد : فإني والله لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنّه وأنا أنصح خلق الله لخلقه ، وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ، ولا مريد له بسوء ، ولا غائلة وإن ما تكرهون فى الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ألا وإني ناظر لكم خير من نظركم لأنفسكم فلا تخالفون أمري ،

١٠٣

ولا تردوا عليّ رأيي ، غفر الله لي ولكم ، وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا ».

ونظر الناس بعضهم الى بعض وهم يقولون ما ترونه يريد؟

واندفع بعضهم يقول :

« والله يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر إليه!!! »

وما سمعوا بذلك إلا وهتفوا :

« كفر الرجل!!! »

وشدوا على فسطاطه فانتهبوه ، حتى أخذوا مصلاه من تحته ، وشدّ عليه الأثيم عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي ، فنزع مطرفه من عاتقه ، فبقى الإمام جالسا متقلدا سيفه بغير رداء ، ودعا (ع) بفرسه فركبه ، وأحدقت به طوائف من خاصته وشيعته محافظين عليه ، وطلبعليه‌السلام أن تدعى له ربيعة وهمدان فدعيتا له ، فطافوا به ودفعوا الناس عنه ، وسار موكبه ولكن فيه خليطا من غير شيعته ، فلما انتهى (ع) الى مظلم ساباط بدر إليه رجل من بني أسد يقال له الجراح بن سنان فأخذ بلجام بغلته ، وبيده مغول(1) فقال له :

« الله أكبر ، اشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل! ».

ثم طعن الإمام في فخذه فاعتنقه الإمام وخرّا جميعا الى الأرض ، فوثب إليه رجل من شيعة الحسن يقال له عبد الله بن حنظل الطائي ، فانتزع المغول من يده فخضض به جوفه ، وأكب عليه شخص آخر يدعى بظبيان بن عمارة فقطع أنفه ، ثم حمل الإمام (ع) جريحا على سرير الى المدائن في المقصورة البيضاء لمعالجة جرحه(2) .

__________________

(1) المغول : آلة تشبه السيف.

(2) الارشاد ص 170.

١٠٤

3 ـ طعنه بخنجر فى أثناء الصلاة(1) .

واتضحت للإمام (ع) بعد هذه الأحداث الخطيرة نوايا هؤلاء الأجلاف وانه سيبلغ بهم الاجرام والشر الى ما هو أعظم من ذلك وهو تسليمه الى معاوية أسيرا فتهدر بذلك كرامته أو يغتال ويضاع دمه الشريف من دون أن تستفيد الأمّة بتضحيته شيئا.

الموقف الرهيب :

وكان موقف الإمام الحسنعليه‌السلام من هذه الزعازع ، والفتن السود التي تدع الحليم حيرانا ، موقف الحازم اليقظ ، فقد كان من حنكته وحسن تدبيره ، وبراعة حزمه فى مثل الانقلاب الذي مني به جيشه أن جمع الزعماء والوجوه ، فأخذ يبين لهم النتائج المرة والأضرار الجسيمة التي تترتب على مسالمة معاوية قائلا :

« ويلكم ، والله إن معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي ، وإني أظن أني إن وضعت يدي فى يده فأسالمه لم يتركني أدين بدين جدي ، وإني أقدر أن أعبد الله عز وجل وحدي ، ولكن كأني أنظر الى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم ويطعمونهم بما جعل الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون ، فبعدا وسحقا لما كسبته أيديهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ».

ولم تنفع جميع المحاولات التي بذلها الإمام من أجل استقامتهم وصلاحهم فقد أخذ الموقف تزداد حراجته ، ويعظم بلاؤه ، وتشتد فيه الفتن والخطوب وقد وجد زعماء الجيش انشغال الإمام بمعالجة جرحه فرصة إلى الاتصال

__________________

(1) ينابيع المودة ص 292.

١٠٥

المفضوح بمعاوية ، والتزلف إليه بكل وسيلة ، وقد علم الإمام (ع) جميع ما صدر منهم من الخذلان والاتصال بالعدو.

حقا لقد كان موقف الإمام موقفا تمثلت فيه الحيرة والذهول ، ينظر الى معاوية فيرى حربه ضروريا يقضي به الدين ويلزم به الشرع وينظر الى الانقلاب والتفكك الذي أصيب به جيشه ، والى المؤمرات المفضوحة على اغتياله فينفض يده منهم وييأس من صلاحهم ، ومع ذلك أرادعليه‌السلام أن يمتحنهم ليرى موقفهم من الحرب لو اندلعت نارها ، فأمر (ع) بعض أصحابه أن ينادى في الناس ( الصلاة جامعة ) فاجتمع الجمهور فقام فيهم خطيبا فقال بعد حمد الله والثناء عليه :

« والله ما يثنينا عن أهل الشام شك ولا ندم ، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر ، فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتم فى مسيركم الى صفين ودينكم أمام دنياكم ، وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم ، ألا وقد أصبحتم بين قتيلين ، قتيل بصفين تبكون عليه ، وقتيل بالنهروان تطلبون بثاره ، وأما الباقي فخاذل وثائر ».

وأعرب (ع) بهذا الخطاب البليغ عن بعض العوامل التي أدت الى تفككهم وانحلالهم ، وعرض عليهم بعد هذا دعوة معاوية في الصلح قائلا :

« ألا وان معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ، ولا نصفة فان أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه بظبات السيوف ، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذناه بالرضا ».

وما انتهى (ع) من هذه الكلمات إلا وارتفعت الأصوات من جميع جنبات الجمع وهي ذات مضمون واحد :

١٠٦

البقية ، البقية(1) .

ورأى (ع) بعد هذا الموقف أنه إن حارب معاوية حاربه بيد جذاء إذ لا ناصر له ولا معين ، ولم يكن هناك ركن شديد حتى يأوي إليه ، واستبانت له الخطط المفضوحة التي سلكها زعماء الجيش من تسليمه الى معاوية أسيرا أو اغتياله ، رأى بعد هذا كله ان الموقف يقضي بالسلم واستعجال الصلح.

وحدث يزيد بن وهب الجهني عن مدى استياء الامام وتذمره من أجلاف الكوفة وأوباشهم ، قال : دخلت عليه لما طعن فقلت له :

« يا ابن رسول الله ، ان الناس متحيرون ».

فاندفع الامام يقول بأسى بالغ وحزن عميق :

« والله أرى معاوية خيرا لي ، هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي ، وأخذوا مالي ، والله لئن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمى وآمن به أهلي وشيعتي خير لي من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتى ، لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما ، والله لئن اسالمه وأنا عزيز أحب من أن يقتلني وأنا أسير ، أو يمن عليّ فتكون سبة على بني هاشم الى آخر الدهر ، ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منّا والميت ».

وأعرب الإمام فى حديثه عن مدى ما لاقاه من الاعتداء الغادر على حياته وكرامته من هؤلاء المنافقين الذين يزعمون أنهم شيعة له ، وانه سيبلغ بهم التفسخ الى أقصى حد فسيقتلونه أو يسلمونه أسيرا الى معاوية فيقتله أو يمن عليه فيسجل له بذلك يدا على الإمام وتكون سبة وعارا على بني هاشم الى آخر الدهر.

__________________

(1) حماة الاسلام 1 / 123 ، المجتنى لابن دريد ص 36 ،

١٠٧

وأخذ (ع) بعد هذه الأحداث الخطيرة يجيل النظر ويقلب الرأي على وجوهه ، فى حرب معاوية وتصور المستقبل الملبد بالزعازع والاضطرابات التي تقرر المصير المخوف والنهاية المحتومة لدولته وحياته معا بل وعلى حياة الإسلام أيضا لأن القلة المؤمنة التي يحويها جيشه كانت بين ذرية النبي الأعظم (ص) وبين حملة الدين الإسلامى المقدس ، من بقايا الصحابة وتلامذة أمير المؤمنين (ع) وهؤلاء إن طحنتهم الحرب تفنى معنويات الإسلام ، ويقضى على كيانه وتحطم عروشه ، لأنهم هم القائمون بنشر طاقاته ، ومضافا الى ذلك ان الإسلام لا يستفيد بتضحيتهم شيثا لأن معاوية بمكره سوف يلبسهم لباس الاعتداء ، ويوصمهم بالخروج عن الطاعة والإخلال بالأمن العام والقضاء عليهم أمر ضروري حفظا لحياة المسلمين من القلق والاضطراب.

حقا لقد تمثلت الحيرة والذهول في ذلك الموقف الرهيب والخروج من مأزقه يحتاج الى فكر ثاقب والى مزيد من التضحية والإقدام ، رأى الامامعليه‌السلام أن المصلحة التامة تقضي أن يصالح معاوية ويعمل بعد ذلك على تحطيم عروش دولته ، ويعرب للناس عاره وعياره ، ويظهر لهم الصور الإجرامية التي تتمثل فيه! لقد سالم (ع) وكانت المسالمة أمرا ضروريا يلزم بها العقل ويوجبها الشرع المقدس ، وتقتضيها حراجة الموقف ، واضافة لهذه الأحداث سوف نقدم أسبابا أخرى توضح المقام وترفع أثر الشك وترد شبهات الناقدين

١٠٨

اسباب الصّلح

١٠٩
١١٠

تحوم حول صلح الامام الحسن (ع) مع خصمه معاوية كثير من الظنون والأقوال ، ويستفاد منها حكمان متباينان بكل ما للتباين من معنى والحق أن أحدهما خطأ وبعيد عن الصواب كما هو الشأن في كل حكمين متباينين :

« الأول » من هذين الحاكمين تبرير موقف الامام في صلحه وموفقيته فيه الى أبعد الحدود ، ويختلف مبنى التعليل فيه ، فطائفة من العلماء والبحاث عللته بأنه إمام والإمام معصوم من الخطأ ، فلا يفعل إلا ما هو الصالح العام لجميع الأمّة ، وسنذكر في أواخر هذا البحث الذاهبين الى هذا القول وتعليل آخر يكشف عن مناط القول الأول ، ويوضح مدركه وهو يستند الى العلل المادية التي اضطرت الامام الى الصلح كخذلان جيشه ، وفساد مجتمعه ، وخيانة الزعماء والمبرزين والوجهاء من شعبه وغير ذلك من العوامل ،

« الثاني » من هذين الحاكمين تعود خلاصته الى ضعف ارادة الامام وعدم احاطته بشئون السياسة العامة وعجزه عن ادارة دفة الدولة ، وعدم تداركه للموقف بالاعتماد على الأساليب السياسية وإن منع عنها الدين ، فان نال الظفر فذاك وإلا فالشهادة في سبيل المجد التي هي شعار الهاشميين ، وهدف المصلحين ، وهذا الرأي مبني على ظواهر لا تمت الى الواقع بصلة ولا تلتقي معه بطريق وذلك لعدم ابتنائه على دراسة الظروف المحيطة بالامام ، وعدم الوقوف على اتجاه شعبه الذي اصيب بأخلاقه وعقيدته ، فلذا كان هذا الرأي سطحيا وخاليا عن التحقيق وبعيدا عن الواقع ، أما الذاهبون لهذا الرأي فهم :

1 ـ الصفدي :

قال الصفدي فى شرحه لهذا البيت من لامية العجم :

١١١

حب السلامة يثني عزم صاحبه

عن المعالي ويغري المرء بالكسل

وقد رضى بالخمول جماعة من الرؤساء والأكابر المتقدمين في العلم والمنصب وفارقوا مناصبهم ، وأخلوا الدسوت من تصديرهم ، ثم ذكر جماعة من الذين رضوا بالخمول ونزعوا عن أنفسهم الخلافة ثم قال :

« وهذا الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) قال لمعاوية : إن عليّ دينا فأوفوه عني وأنتم فى حل من الخلافة ، فأوفوا دينه وترك لهم الخلافة »(1) .

2 ـ الدكتور فيليب حتى :

قال الاستاذ فيليب حتى : « وفي بدء حكم معاوية قامت حركة أخرى كان لها شأن كبير في الأجيال التي تلت أعني اعلان أهل العراق الحسن بن علي الخليفة الشرعي ، ولعلمهم هذا أساس منطقي لأن الحسن كان أكبر أبناء علي وفاطمة ابنة النبيّ الوحيدة الباقية بعد وفاته ، ولكن الحسن الذي كان يميل الى الترف والبذخ لا الى الحكم والادارة لم يكن رجل الموقف ، فانزوى عن الخلافة مكتفيا بهبة سنوية منحه إياها »(2) .

3 ـ العلائلي :

قال الاستاذ العلائلي : « ولكنه ( يعني الحسن ) كان قديرا على أن يعد الجماعات المنحلة عن طريق الاستشارة والحماس ، وبث روح العزم والإرادة كما رأينا في القادة الحديديين أمثال « نابليون » الذي تولى شعبا أنهكته الثورة الطويلة كما أنهكت العرب ، وزاد هو فى انهاكه بالحروب

__________________

(1) شرح لامية العجم 2 / 27 وقد خبط الصفدي خبط عشواء ، فان الامام متى باع الخلافة على خصمه بوفاء دينه؟ نعوذ بالله من هذا الافتراء.

(2) العرب ص 78.

١١٢

المتتالية المستمرة التي اخذ بها أوربا ، ولكن القائد غمرته موجة السأم التي غمرت الناس »(1) .

4 ـ المستشرق « روايت م رونلدس » :

قال هذا المستشرق : « فان الأخبار تدل على أن الحسن كانت تنقصه القوة المعنوية والقابلية العقلية لقيادة شعبه بنجاح »(2) .

5 ـ لامنس :

قال هذا الإنگليزي المتهوس الأثيم الذي لم يفهم من التاريخ الإسلامى شيئا : « وبويع للحسن بعد مقتل علي فحاول أنصاره أن يقنعوه بالعودة الى قتال أهل الشام ، وقلب هذا الإلحاح من جانبهم حفيظة الحسن القعيد الهمة ، فلم يعد يفكر إلا في التفاهم مع معاوية ، كما أدى إلى وقوع الفرقة بينه وبين أهل العراق ، وانتهى بهم الأمر إلى اثخان امامهم اسما لا فعلا بالجراح فتملكت الحسن منذ ذلك الوقت فكرة واحدة هي الوصول الى اتفاق مع الأمويين ، وترك له معاوية أن يحدد ما يطلبه جزاء تنازله عن الخلافة ، ولم يكتف الحسن بالمليوني درهم التي طلبها معاشا لأخيه الحسين بل طلب لنفسه خمسة ملايين درهما أخرى ، ودخل كورة فى فارس طيلة حياته وعارض أهل العراق بعد ذلك في تنفيذ الفقرة الأخيرة من هذا الاتفاق ، بيد انه اجيب إلى كل ما سأله حتى ان حفيد النبي اجترأ فجاهر بالندم على أنه لم

__________________

(1) الحلقة الثانية من حياة الحسين ص 283.

(2) عقيدة الشيعة تعريب ع م ص. وهذا المستشرق من الحاقدين على الإسلام ، وقد شحن كتابه بالكذب والطعن على الإسلام والحط من قيمة أعلامه النابهين وقد تعرض الاستاذ السيد عبد الهادي المختار في مجلة البيان الزاهرة في عددها الخاص بسيد الشهداء من السنة الثانية عدد 35 ـ 39 إلى تزيفه وعرض أكاذيبه.

١١٣

يضاعف طلبه وترك العراق مشيعا بسخط الناس عليه ليقبع في المدينة »(1)

وهؤلاء الناقدون لصلح الامام كان بعضهم مدفوعا بدافع الحقد والعداء للإسلام ، وبعضهم لم يكن رأيه خاضعا لحرية الفكر ولم يحتضن

__________________

(1) دائرة المعارف الاسلامية ج 7 ص 400 وهذه الدائرة لم تكن إلا دائرة كذب وافتراءات فقد حفلت بالطعن على الاسلام والسب لأعلامه خصوصا في بحوث ( لامنس ) عن الشيعة وعن أئمتهم فانها مليئة بالبهتان والتهريج عليهم ، والسبب في ذلك ان لجان التبشير المسيحي هي التي تدفع أمثال هذه الأقلام المأجورة لتشويه الاسلام والكيد له ، مضافا الى أن بحوث المستشرقين تعتمد على دراسة سطحية خالية عن التحقيق والتدقيق ، ومن الجدير بالذكر أن بعض المستشرقين زار ( طهران ) عاصمة إيران بعد أن تعلم اللغة الفارسية في مدارس الألسنة الشرقية وقد حاول أن يضع تأريخا عن حالة إيران الاجتماعية والأخلاقية كما يشاهدها فرأى حمالين وعلى رءوسهم أوانيا وأسبابا فاخرة ، وأمامهم الدفوف والمزامير فسأل عن ذلك فقال له بعض الحاضرين إنهم يحملون جهاز عروس ، ثم سأل عن اسم الزوج فقال له بعض الحاضرين ( ما ذا يهمك؟ ) ، وفي المساء رأى هذا المستشرق رجلا يضرب امرأة في الشارع فسأل بعض الحاضرين عن القصة فأخبره أن الضارب زوجها وقد تركته بغير حق ، ثم سأل عن أسم الزوج فقال له ( ما ذا يهمك؟ ) فظن المستشرق ان اسم الرجل ما ذا يهمك ، وإنه العريس الذي رأى جهازه صباحا ، فكتب هذا المستشرق في كتابه تاريخ ايران انه رأى في عاصمتها عريسا يقترن صباحا ويضرب عروسه في الشارع مساء وان اسمه ما ذا يهمك ، هذا حال المستشرقين في الأمور الظاهرة البديهية فكيف حالهم في النظريات الدقيقة الغامضة هذا إذا لم يعتمدوا على التحريف فكيف إذا اعتمدوا عليه ومن المؤسف ان شبابنا قد عكف على دراسة مؤلفاتهم والاعتماد عليها في اطروحاتهم مع انها لا نصيب لها من الصحة والواقع.

١١٤

قولهم الدليل فى جميع أحواله ، وذلك لعدم وقوفهم على العوامل التي أحاطت بالامام حتى دعته إلى مسالمة خصمه ، ويجب على الكاتب الذي يريد أن يمثل للمجتمع صورة عن شخصية مهمة لها من الخطورة شأن كبير أن يحيط بأطرافها من جميع النواحي ليكون رأيه قريبا الى الصواب وبعيدا عن الخطأ وبما أنا وقفنا بعض الوقوف أو أقله على بعض العلل والعوامل التي دعت الامام لمسالمة عدوه ، وهي تتلخص في أمور استنبطنا بعضها من الابحاث السالفة والبعض الآخر استنتجناه من دراسة نفسية معاوية وملاحظة أعماله ، ومن الوقوف على أضواء سيرة الامام الرفيعة ، ومعرفة سياسة أهل البيت (ع) التي لا تتذرع بالوسائل التي شجبها الاسلام في سبيل الوصول الى الحكم وقبل أن نعرض أسباب الصلح نود أن نبين انا قد نعيد نماذج بعض المواضيع السالفة لأجل الاستدلال على ما نذهب إليه فان في الاعادة ضرورة ملزمة يقتضيها البحث ، فان تفصيل هذا الموضوع والاحاطة به أهم من غيره ، ولعل نظر القراء إليه وهي كما يلي :

1 ـ تفلل الجيش :

إن أعظم ما تواجهه الدولة فى جميع مجالاتها مسبب ـ على الأكثر ـ من خبث الجند ، وشدة خلافه ، وعصيانه لقيادته العامة ، وقد مني الجيش العراقي آنذاك بالتمرد والانحلال بما لم يبتل به جيش معاوية فانه ظل محتفضا بالولاء لحكومته ولم يصب بمثل هذه الرجات والانتكاسات ، أما العلل التي أدت الى اضطراب الجيش العراقي وانشقاقه فهي :

أ ـ تضارب الحزبية فيه :

إن الأحزاب إذا تضاربت في الجيش وكانت مدفوعة بالحقد للحكم

١١٥

القائم ، أو كان لها اتصال بدولة أجنبية تعمل بوحي منها ، وتستمد منها التوجيهات للإطاحة به ، فان الدولة لا تلبث أن تلاقي النهاية المحتومة إن عاجلا أو آجلا ، وقد ابتلي الجيش العراقي في ذلك الوقت بحزبين ليس فيهما صديق للدولة الهاشمية ولا محافظ عليها ، وإنما كانا يبذلان المساعي والجهود للقضاء عليها ، وهما :

الحزب الاموي :

وهؤلاء هم أبناء الأسر البارزة وذوو البيوتات الشريفة الذين لا يهمهم غير الزعامة الدنيوية ، والظفر بالمال والسلطان وهم كعمر بن سعد ، وقيس ابن الأشعث ، وعمرو بن حريث ، وحجار بن أبجر ، وعمرو بن الحجاج ، وأمثالهم من الذين لا صلة لهم بالفضيلة والكرامة ، وكانوا أهم عنصر مخيف فى الجيش ، فقد وعدوا معاوية باغتيال الامام أو بتسليمه له أسيرا كما قاموا بدورهم باعمال بالغة الخطورة وهي :

1 ـ إنهم سجلوا كل ظاهرة أو بادرة فى الجيش فارسلوها الى معاوية للاطلاع عليها.

2 ـ كانوا همزة وصل بين معاوية وبقية الوجوه.

3 ـ قاموا بنشر الأراجيف والارهاب فى نفوس الجيش بقوة معاوية وضعف الحسن.

وأدت هذه الأعمال الى انهيار الجيش ، وزعزعة كيانه ، وضعف معنوياته في جميع المجالات.

١١٦

الحزب الحروري :

وهذا الحزب قد أخذ على نفسه الخروج على النظام القائم ، ومحاربته بجميع الوسائل ، وقد انتشرت مبادئه في الجيش العراقي انتشارا هائلا لأن المبشرين بأفكارهم كانوا يحسنون غزو القلوب والأفكار ويجيدون الدعاية وقد وصف زياد بن أبيه مدى قابلياتهم بقوله : « لكلام هؤلاء أسرع الى القلوب من النار الى اليراع »(1) ووصف المغيرة بن شعبة شدة تأثر يهم في النفوس بقوله : « إنهم لم يقيموا ببلد إلا أفسدوا كل من خالطهم »(2) وقد استولوا على عقول السذج والبسطاء من الجيش بشعارهم الذي هتفوا به « لا حكم إلا لله » ولم يقصد بذلك إلا حكم السيف كما يقول فان فلوتن(3)

لقد قضت خطط الخوارج الملتوية بوجوب الخروج على ولي أمر المسلمين إذا لم ينتم إليهم وهو عندهم جهاد ديني تجب التضحية في سبيله وقد قاموا بأعنف الثورات ضد الولاة حتى عسر عليهم مقاومتهم. وكان الخوارج يحملون حقدا بالغا في نفوسهم على الحكومة الهاشمية لأنها قد وترتهم بأعلامهم ، وقضت على الكثيرين منهم فى واقعة النهروان ، وقد فتكوا بالإمام أمير المؤمنين وتركوه صريعا في محرابه انتقاما منه بما فعله فيهم ، كما اغتالوا الإمام الحسن (ع) وطعنوه في فخذه ، وحكموا بتكفيره ، وكانت كمية هذه العصابة كثيرة للغاية فقد نصت بعض المصادر أن أكثرية الجيش

__________________

(1) اليراع : القصب.

(2) الطبري 6 / 109.

(3) السيادة العربية ص 69.

١١٧

كانت من الخوارج(1) .

وهذان الحزبان السائدان في العراق قد بذلا جميع الطاقات لإفساد الجيش ، وبذر الخلاف والانشقاق في جميع وحداته حتى ارتطم في الفتن والأهواء ، ويضاف لذلك أن هناك مجموعة كبيرة منه كان موقفها موقفا سلبيا في قضية الإمام الحسن (ع) لأنها لا تفقه الأهداف الأصيلة التي ينشدها الامام ، ولضيق تفكيرها ترى أن الامام كل من ارتقى دست الحكم من أي طريق كان فالحسن ومعاويه سيان ، وإن حارب الحسن معاوية على الدين ، وحارب معاوية الحسن على الدنيا.

ولم يعد بعد ذلك من يناصر الحكومة الهاشمية ، ويقف الى جانبها سوى الفئة الشيعية التي ترى رأي العلويين في أحقيتهم بالخلافة وهم أمثال الزعيم قيس بن سعد ، وسعيد بن قيس ، وعدي بن حاتم الطائي ، وحجر ابن عدي ، ورشيد الهجري ، وحبيب بن مظاهر ، وأضرابهم من تلامذة أمير المؤمنين (ع) وهم الأقلية عددا كما قال الله تعالى « وقليل ما هم » وليس باستطاعتهم أن ينتشلوا الحكومة من الأخطار الحافة بها فانهم لو كانوا كثرة في الجيش لما اضطر الامام أمير المؤمنين على قبول التحكيم ولما التجأ الامام الحسن الى الصلح.

ب ـ السأم من الحرب :

ان من طبيعة الكوفة التي جبلت عليها نفوس أهلها السأم والملل « ولا رأي لملول » ومضافا لهذه الظاهرة النفسية التي عرفوا بها أن هناك سببين أوجبا زيادته ومضاعفته وهما :

__________________

(1) أعيان الشيعة 4 / 42.

١١٨

1 ـ الحروب المتتالية :

ومما سبب شيوع الملل والسأم فى نفوس الجيش العراقي الحروب المتتالية فان الدولة كانت تستعمله فى الفتوحات والدفاع عنها ، وزاد في ضعف أعصابه وانهياره حرب صفين والنهروان ، فقد طحنت الحرب فيها جمعا غفيرا منهم حتى أصبحوا يكرهون الحرب ويؤثرون السلم ويحبون العافية.

2 ـ اليأس من الغنائم :

ولم يربح الجيش العراقي في حرب الجمل وصفين والنهروان شيئا من العتاد والأموال ، لأن الامام أمير المؤمنين لم يعاملهم معاملة الكفار فيقسم غنائمهم على المسلمين ، وإنما أمر بارجاع جميع الأموال التي اغتنمها جيشه إلى أهلها بعد انتهاء حرب البصرة(1) وقد علم الجيش أن الامام الحسن (ع) لا يتحول عن سيرة أبيه ونهجه ، فلم يثقوا بالأموال والغنائم إن حاربوا معاوية فاعلنوا العصيان وأظهروا التمرد والسأم من الحرب.

إن كراهية الجيش العراقي للحرب وإيثاره للعافية لم يكن ناشئا في « مسكن » وإنما كان عقيب رفع المصاحف وواقعة النهروان فقد خلد بجميع كتائبه إلى السلم ، وقد ذكرنا في الحلقة الأولى من هذا الكتاب صورا من الاعتداءات الغادرة التي قامت بها قوات معاوية على الحدود العراقية وغزوهم لمدن العراق ، وترويعهم للآمنين ، وقتلهم الأبرياء ، وهم متخاذلون متقاعسون عن ردها لا تحركهم العواطف الدينية ولا يهزهم الشعور الانساني لدفع الضيم والذل عنهم ، يأمرهم الامام أمير المؤمنين بالجهاد فلا يطيعونه ، ويدعوهم إلى مناصرته فلم يستجيبوا له ، وقد ترك ذلك أسى مريرا وشجى مقيما في نفسه ، وقد اندفع فى كثير من خطبه إلى انتقاصهم وذمهم يقول (ع) :

__________________

(1) علي وبنوه ص 55.

١١٩

« لقد سئمت عتابكم أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضا ، وبالذل من العز خلفا ، إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعينكم كأنكم من الموت في غمرة ، ومن الذهول في سكرة ».

ويستمر في تقريعه ولومه لهم ، وإبداء تأثره على تخاذلهم ونكوصهم عن الحرب فيقول :

« وما أنتم بركن يمال بكم ، وأيم الله إني لأظن أن لو حمس الوغى ، واستحر الموت قد انفرجتم من ابن أبي طالب انفراج الرأس ».

ويصف (ع) فى خطاب آخر عدم اندفاعهم للجهاد في سبيل الله ، ومدى محنته وبلائه فيهم فيقول :

« ودعوتهم سرا وجهرا ، وعودا وبدء فمنهم الآتي كرها ، ومنهم المعتل كاذبا. ومنهم القاعد خاذلا ، واسأل الله أن يجعل منهم فرجا عاجلا والله لو لا طمعي عند لقائي عدوي في الشهادة لا حببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا ولا ألتقي بهم أبدا »(1) .

ويقول (ع) في خطاب آخر له :

« المغرور والله من غررتموه ، ومن فاز بكم فقد فاز والله بالسهم الأخيب ، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل(2) أصبحت والله لا أصدق قولكم ، ولا أطمع في نصركم ، ولا أوعد العدو بكم ، ما بالكم! ما دواؤكم

__________________

(1) النهج محمد عبده 3 / 67.

(2) الأفوق من السهام : مكسور الفوق وهو موضع الوتر من السهم ، الناصل : العاري عن النصل أي : من رمى بهم فكأنما رمى بسهم لا يثبت في الوتر حتى يرمى ، وإن رمى به لم يصب مقتلا إذ لا نصل له.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

فقال عليه السلام : هذه ممّا في بيتك ١ .

هذا و قال ابن أبي الحديد : ذمّ عليه السلام أهل البصرة فقال « عائلهم مجفو و غنيهم مدعو و العائل : الفقير » ، و هذا كقول الشاعر :

فإن تملق فأنت لنا عدو

فان تثر فأنت لنا صديق ٢

قلت : كلامه خبط ، فان قوله عليه السلام الجملة صفة « قوم » ، فهو ذمّ لذلك الرجل الذي دعا عثمان ، لأن طعامه لم يكن اللّه ، كما أن الشعر في مقام آخر غير ذمّ أحد ، فإنّه في مقام بيان أنّ الفقير مبغض إلى النّاس طبعا ، حتى أنّه لو كان صديقا يكون عندهم كالعدو و الغني بالعكس ، حتى أنّه لو كان عدوا كان عندهم كالصديق هذا ، و في ( العيون لابن قتيبة ) ، قال عدي بن حاتم لابن له حدث : قم بالباب فامنع من لا تعرف و أذن لمن تعرف فقال : لا و اللّه لا يكون أوّل شي‏ء وليته من أمر الدنيا منع قوم من الطعام ٣ .

« فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم » من قضمت الدابة شعيرها بالكسر « فما اشتبه عليك علمه » هل هو حلال أو حرام « فالفظه » من لفظ الشي‏ء من فمه ،

أي : رماه منه ، و ما رماه لفاظه .

و في ( المروج ) : كان لأنوشروان مائدة من الذهب عظيمة عليها أنواع من الجواهر مكتوب عليها من جوانبها « ليهنه طعامه من أكله من حلّه ، و عاد على ذوي الحاجة من فضله ، ما أكلته ، و أنت تشتهيه ، فقد أكلته ، و ما أكلته ، و أنت لا تشهيه ، فقد أكلك » ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الكليني في الكافي ٦ : ٢٧٦ ح ٤ ، و البرقي في المحاسن : ٤١٥ ح ١٦٩ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٠٦ .

( ٣ ) عيون ابن قتيبة ١ : ٣٣٥ .

( ٤ ) مروج الذهب ١ : ٢٩٤ .

٤٦١

« و ما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه » لعدم وجود تبعة فيه . في الخبر ولّى عليه السلام رجلا من ثقيف و قال له : إذا صلّيت الظهر فعد إليّ ، فعدت إليه فلم أجد عنده حاجبا ، فوجدته جالسا و عنده قدح و كوز ماء ، فدعا بوعاء مشدود مختوم فقلت في نفسي : لقد آمنني حتى أخرج إلي جوهرا ، فكسر الختم و حلّه فإذا فيه سويق ، فأخرج منه فصبّه في القدح و صبّ عليه ماء فشرب و سقاني ،

فلم أصبر أن قلت : أتصنع هذا في العراق و طعامه كما ترى في كثرته ؟ فقال :

أما و اللّه ما أختم عليه بخلا به ، و لكني أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن ينقص ،

فيوضع فيه من غيره ، و أنا أكره أن يدخل بطني إلاّ طيّبا ، و إيّاك و تناول ما لا تعلم حلّه » ١ .

و في الخبر : ما من عبد إلاّ و به ملك يلوي عنقه وقت حدثه حتى ينظر إليه ثم يقول له الملك : يا ابن آدم هذا رزقك فانظر من أين أخذته و إلى ما صار ،

فينبغي عند ذلك أن يقول : اللّهمّ ارزقني الحلال و جنّبني الحرام ٢ .

« ألا و إنّ لكلّ مأموم إماما يقتدي به و يستضي‏ء بنور علمه » في ( الإرشاد ) :

خرج عليه السلام ذات ليلة من المسجد و كانت ليلة قمراء فأمّ الجبانة ، فلحقه جماعة يقفون أثره ، فوقف ثم قال : من أنتم ؟ قالوا : نحن شيعتك ، فتفرّس في وجوههم ثم قال : ما لي لا أرى عليكم سيماء الشيعة قالوا : و ما سيماء الشيعة ؟ قال :

صفر الوجوه من السهر ، عمش العيون من البكاء ، حدب الظهور من القيام ،

خمص البطون من الصيام ، ذبل الشفاه من الدعاء ، عليهم غبرة الخاشعين ٣ .

و في الخبر قال أبو الصباح الكناني للصادق عليه السلام : يكون بيننا و بين

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه أحمد في الورع و أبو حاتم السجستاني في المعمرين و أبو نعيم في حلية الأولياء ، عنهم ذيل احقاق الحقّ ٨ : ٢٧٨ و ٢٧٩ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الإرشاد : ١٢٧ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

٤٦٢

الرجل الكلام فيقول : جعفري خبيث فقال عليه السلام : يعيركم النّاس بي ما أقلّ و اللّه من يتّبع جعفرا منكم إنّما أصحابي من اشتدّ ورعه ، و عمل لخالقه ، و رجا ثوابه .

و قال الكاظم عليه السلام : كثيرا ما كنت أسمع أبي يقول : ليس من شيعتنا من لا يتحدّث المخدرات بورعه في خدورهن ، و ليس من أوليائنا من هو في قرية عشرة آلاف رجل فيهم خلق للّه أورع منه ١ .

في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) عن كتاب ابن الغطريف بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : نظر النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى علي عليه السلام فقال : هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة ٢ .

« ألا و إن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه » بالكسر ، الثوب الخلق .

قال الباقر عليه السلام : كان علي عليه السلام يأكل أكل العبد و يجلس جلسة العبد ، و إنّه كان ليشتري القميصين السنبلانيين ، فيخيّر غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر ،

فإذا جاز أصابعه قطعه ، و إذا جاز كعبيه حذفه ، و لقد ولّي خمس سنين ما وضع آجرة على آجرة ، و لا لبنة على لبنة ، و لا أقطع قطيعا و لا أورث بيضاء و لا حمراء ، و ان كان ليطعم النّاس خبز البر و اللحم و ينصرف إلى منزله و يأكل خبز الشعير و الزيت و الخل ٣ .

و في ( ذيل الطبري ) : كان عطاء سلمان خمسة آلاف ، و كان على ثلاثين ألفا من النّاس يخطب في عباءة يفترش نصفها و يلبس نصفها ، و كان إذا خرج

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجهما الكليني في الكافي ٢ : ٧٧ و ٧٩ ح ٦ و ١٥ .

( ٢ ) تذكرة الخواص : ٥٣ .

( ٣ ) أخرجه الصدوق في أماليه : ٢٣٢ ح ١٤ ، المجلس ٤٧ ، و أبو جعفر الطوسي في أماليه ٢ : ٣٠٣ ، المجلس ٢١ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٦٣

عطاؤه أمضاه و يأكل من سفيف يده ١ .

« و من طعمه بقرصيه » و أدامه الملح أو اللبن الحامض ، فعن سويد بن غفلة : دخلت على علي عليه السلام فوجدت بين يديه إناء فيه لبن أجد ريح حموضته ،

و في يده رغيف أرى قشير الشعر في وجهه ، و هو يكسره بيده و يطرحه فيه ،

فقال : أدن فأصب من طعامنا ، فقلت : إنّي صائم . فقلت لفضة و هي بقرب منه قائمة ويحك ألا تتقين اللّه في هذا الشيخ بنخل هذا الطعام ؟ قالت : تقدم إلينا ألا ننخل له طعاما . قال : ما قلت لها ؟ فأخبرته فقال : بأبي و امّي من لم ينخل له طعام ، و لم يشبع من خبز البر ثلاثة أيّام حتى قبضه اللّه ٢ و كان عليه السلام يجعل جريش الشعير في وعاء و يختم عليه ، فقيل له في ذلك فقال : أخاف هذين الولدين أن يجعلا فيه شيئا من زيت أو سمن ٣ .

في ( رجال الكشي ) : قال أبوذر : من جزى اللّه عنه الدنيا خيرا ، فجزاه اللّه عني مذمة ، بعد رغيفي شعير أتغذّى بأحدهما و أتعشّى بالآخر ، و بعد شملتي صوف اتّزر بإحداهما و أرتدي الاخرى ٤ .

« ألا و إنّكم لا تقدرون على ذلك » إنّما كان يقتدى به في الملبس و المطعم سلمان ، و أبوذر كما مرّ .

و في ( جمل المفيد ) عن الواقدي أنّه عليه السلام في حرب البصرة دعا بدرعه البتراء و لم يلبسها بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ يومئذ فكان بين كتفيه منها متوهيا ،

و جاء و في يده شسع نعل ، فقال له ابن عباس : ما تريد بهذا الشسع ؟ قال : أربط بها ما قد توهّى من هذا الدرع من خلفي . فقال له : أفي مثل هذا اليوم تلبس مثل

ــــــــــــــــــ

( ١ ) منتخب ذيل المذيل : ٥٠ .

( ٢ ) رواه الخوارزمي في مناقبه : ٦٧ . و السروي في مناقبه ٢ : ٩٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) روى هذا ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٢٦ .

( ٤ ) اختيار معرفة الرجال : ٢٨ ح ٥٤ .

٤٦٤

هذا ؟ فقال عليه السلام : لا تخف أن أوتي من ورائي ، و اللّه يا ابن عباس ما ولّيت في زحف قط ١ .

و في النهج قال ابن عباس : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار ( عند خروجه إلى الجمل ) و هو يخصف نعله ، فقال لي : ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت : لا قيمة لها . فقال عليه السلام : و اللّه لهي أحب إليّ من أمرتكم الخ ٢ .

و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) عن الأحنف بن قيس قال : دخلت على معاوية فقدّم إلي من الحلو و الحامض ما كثر تعجّبي منه ، ثم قال : قدّموا ذلك اللون فقدّموا لونا ما أدري ما هو ، فقال : مصارين البط محشوة بالمخ و دهن الفستق قد ذر عليه السكر . قال : فبكيت فقال :

ما يبكيك ؟ فقلت : للّه درّ ابن أبي طالب ، لقد جاء من نفسه بما لم تسمح به أنت و لا غيرك . فقال : و كيف ؟ قلت : دخلت عليه ليلة عند افطاره ، فقال لي : قم فتعشّ مع الحسن و الحسين ثم قام إلى الصلاة ، فلما فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمه فأخرج منه شعيرا مطحونا ثم ختمه ، فقلت :

لم أعهدك بخيلا يا أمير المؤمنين ، فقال : لم أختمه بخلا و لكن خفت أن يبسّه الحسن أو الحسين بسمن أو اهالة . فقلت : أحرام هو ؟ قال : لا و لكن على أئمة الحقّ أن يتأسّوا بأضعف رعيتهم حالا في الأكل و اللباس ، و لا يتميّزون عليهم بشي‏ء ، ليراهم الفقير فيرضى عن اللّه تعالى بما هو فيه ، و يراهم الغني فيزداد شكرا و تواضعا ٣ .

« و لكن أعينوني بورع » عن المحارم قال تعالى : إنّما يتقبّل اللّه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الجمل : ١٨٩ .

( ٢ ) نهج البلاغة ١ : ٨٠ ، الخطبة ٣٣ .

( ٣ ) تذكرة الخواص : ١١٠ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٦٥

من المتّقين ١ و قال نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : أفضل الأعمال الورع عن محارمه ٢ .

« و اجتهاد » في الطاعات و العبادات . قال الصادق : كان علي عليه السلام ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنّة و النّار ، يرجو ثواب هذه و يخاف عقاب هذه ٣ .

و كان عليه السلام لا تفوته عبادة حتّى إعانة المرأة و الكسب و غرس الأشجار .

قال الباقر عليه السلام : كان علي عليه السلام ما ورد عليه أمران كلاهما رضا للّه إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه ٤ ، و لقد اعتق ألف مملوك من كدّ يده ، تربت فيه يداه ، و عرق فيه وجهه و ما أطاق عمله أحد من النّاس ، و إنّه كان يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة ، و كان أقرب النّاس شبها به حفيده علي بن الحسين عليه السلام و ما أطاق عمله أحد من النّاس بعده .

و قال الحسن عليه السلام صبيحة وفاته كما في ( مقاتل أبي الفرج ) لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ، و لا يدركه الآخرون بعمل ، و لقد كان يجاهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقيه بنفسه ، و لقد كان يوجّهه برايته ،

فيكتنفه جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتى يفتح اللّه عليه الخبر ٥ .

و روي عنه عليه السلام أنّه قال : ما تركت صوم شعبان بعد ما سمعت منادي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : إنّ شعبان شهري ، فأعينوني على صيامه ٦ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) المائدة : ٢٧ .

( ٢ ) روى هذا المعنى بألفاظ مختلفة المجلسي في البحار ٧٠ : ٢٩٦ ، باب ٥٧ ، و المتقي الهندي في منتخب كنز العمال ١ : ٢٥٤ و ٢٥٥ .

( ٣ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٤ : ١١٠ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) رواه السروي في مناقبه ٢ : ١٠٣ . عن الباقر عليه السلام و ابن أبي الحديد في شرحه ٤ : ١١٠ عن الصادق عليه السلام .

( ٥ ) مقاتل الطالبيين : ٣٢ .

( ٦ ) رواه الطوسي في المصباح : ٧٥٧ ، و ابن طاووس في الاقبال ، عنه البحار ٩٧ : ٧٩ ح ٤٤ ، و النقل بالمعنى .

٤٦٦
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و كان عليه السلام يرد بيته بعد الظهر ، فإن كان طعام أتى عليه السلام به و إلاّ كان ينوي الصيام .

و ورد في إنفاقه عليه السلام آيات الذين ينفقون أموالهم بالليل و النّهار سرّا و علانية فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون ١ و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة ٢ و يطعمون الطّعام على حبّه مسكيناً و يتيماً و أسيراً . إنّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاءً و لا شُكوراً . إنّا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً . فوقاهم اللّه شرّ ذلك اليوم و لقّاهم نظرة و سروراً . و جزاهم بما صبروا جنّة و حريراً إلى قوله تعالى : إن هذا كان لكم جزاءً و كان سعيكم مشكوراً ٣ .

و في الخبر : كان علي عليه السلام يمشي في الأسواق وحده و هو وال يرشد الضّالّ و يعين الضعيف ، و يمرّ بالبقال و البيّاع فيفتح عليه ، و يتلو : تلك الدار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّاً في الأرض و لا فساداً و العاقبة للمتّقين ٤ و يقول نزلت هذه الآية في أهل العدل و التواضع من الولاة و أهل القدرة ٥ .

و جاء في الأثر : كان علي عليه السلام يحتطب ، و يستسقي ، و يكنس ، و كانت فاطمة عليها السلام تطحن و تعجن و تخبز ٦ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢٧٤ .

( ٢ ) الحشر : ٩ .

( ٣ ) الانسان : ٨ : ٢٢ .

( ٤ ) القصص : ٨٣ .

( ٥ ) رواه الطبرسي في مجمع البيان ٧ : ٢٦٩ ، و السروي في مناقبه ٢ : ١٠٤ .

( ٦ ) رواه السروي في مناقبه ٢ : ١٠٤ .

٤٦٧

و في الخبر أنّه عليه السلام غرس مائة ألف نخلة ١ .

« و عفّة » قال رجل للباقر عليه السلام : إنّي ضعيف العمل قليل الصيام ، و لكنّي أرجو ألاّ آكل إلاّ حلالا ، فقال عليه السلام له : أيّ الاجتهاد أفضل من عفّة بطن و فرج ٢ .

« و سداد » بالفتح إنّ الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا و لا تحزنوا و أبشروا بالجنّة التي كنتم توعدون . نحن أوليائكم في الحياة الدّنيا و في الآخرة ، و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم و لكم فيها ما تدّعون ٣ .

« فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا » التبر : الذهب غير المضروب ، فإذا ضرب فهو عين .

في ( الكافي ) : قال عبد الأعلى مولى آل سام لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ النّاس يرون أنّ لك مالا كثيرا ، فقال : ما يسوؤني ذلك إنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرّ ذات يوم على ناس شتى من قريش و عليه قميص مخرّق ، فقالوا : أصبح علي لا مال له ، فسمعها عليه السلام فأمر الذي يلي صدقته أن يجمع تمره و لا يبعث إلى انسان شيئا و أن يوفّره ، ثم قال له بع الأوّل فالأوّل و اجعلها دراهم ثمّ اجعلها حيث يجعل التّمر ، فاكبسه معه حيث لا يرى ، و قال للذي يقوم عليه إذا دعوت بالتّمر فاصعد و انظر المال فاضربه برجلك كأنّك لا تعمد الدراهم حتى تنثرها ، ثم بعث إلى رجل منهم يدعوهم ، ثم دعا بالتمر ، فلما صعد ينزل بالتمر ضرب برجله فانتشرت الدراهم فقالوا : ما هذا يا أبا الحسن ؟ قال : هذا مال من لا مال له ثمّ أمر بذلك المال فقال : انظروا كلّ أهل بيت ابعث إليهم ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الكليني في الكافي ٥ : ٧٤ ح ٦ .

( ٢ ) رواه الكليني في الكافي ٢ : ٧٩ ح ٤ .

( ٣ ) فصلت : ٣٠ ٣١ .

٤٦٨

فانظروا ماله ، و ابعثوا له ١ .

« و لا ادّخرت من غنائمها وفرا » أي : مالا كثيرا كالنّاس .

في ( المروج ) : بنى عثمان داره في المدينة و شيّدها بالحجر و الكلس ،

و جعل أبوابها من الساج و العرعر ، و اقتنى اموالا و جنانا و عيونا بالمدينة ،

و كان عند خازنه يوم قتل من المال خمسون و مائة ألف دينار و ألف ألف درهم ، و قيمة ضياعه بوادي القرى و حنين و غيرهما مائة ألف دينار ، و خلّف خيلا كثيرا و إبلا و بلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار ، و خلّف ألف فرس و ألف عبد و ألف أمة و خططا في البصرة و الكوفة و مصر و الاسكندرية و داره بالبصرة المعروفة به في هذا الوقت سنة ( ٣٣٢ ) تنزلها التّجار ، و أرباب الأموال ، و أصحاب الجهات من البحرين و غيرهم .

و كذلك طلحة داره بالكوفة المشهورة به في هذا الوقت المعروفة بالكناس بدار الطلحيين ، و كانت غلته من العراق كلّ يوم ألف دينار و قيل أكثر ،

و بناحيته سراة أكثر ، و شيّد داره بالمدينة و بناها بالآجر و الجصّ و الساج .

و كذلك عبد الرحمن بن عوف ابتنى داره و وسّعها و كان على مربطه مائة فرس و له ألف بعير و عشرة آلاف من الغنم ، و بلغ ربع ثمن ماله أربعة و ثمانين ألفا .

و ذكر سعيد بن المسيّب ، أن زيد بن ثابت خلّف من الذهب و الفضة ما كان يكسر بالفؤوس ، غير ما خلف من الأموال و الضياع بقيمة مائة ألف دينار .

و مات يعلى بن اميّة و خلف خمسمائة ألف دينار ، و ديونا على النّاس

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٦ : ٤٣٩ ح ٨ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٦٩

و عقارات و غيرها ما قيمته مائة ألف دينار ١ .

في ( جمل المفيد ) : روى الثوري عن داود بن أبي هند عن أبي حريز الأسود قال : لما قدم طلحة و الزبير البصرة أرسلا إلى أناس من أهل البصرة أنا فيهم ، فدخلنا بيت المال معهما ، فلما رأيا ما فيه من الأموال قالا : هذا ما وعدنا اللّه و رسوله وعدكم اللّه مغانم كثيرة تأخذونها فعجّل لكم هذه و قالا : نحن أحقّ بهذا المال من كلّ أحد إلى أن قال بعد ظفره عليه السلام دعانا علي عليه السلام فدخلنا معه بيت المال ، فلما رأى ما فيه ضرب إحدى يديه على الاخرى و قال : غري غيري و قسّمه بين أصحابه خمسمائة خمسمائة بالسوية حتى لم يبق إلاّ خمسمائة درهم و عزلها لنفسه ، جاءه رجل و قال : إنّ اسمي سقط من كتابك ، فقال عليه السلام : ردّوها عليه . ثم قال : الحمد للّه الذي لم يصل إليّ من هذا المال شيئا و وفّره على المسلمين .

و فيه روى أبو مخنف عن رجاله قال : لمّا أراد علي عليه السلام التوجّه إلى الكوفة قام في أهل البصرة ، فقال : ما تنقمون علي يا أهل البصرة و اللّه إنّهما و أشار إلى قميصه و ردائه لمن غزل أهلي ، و ما تنقمون مني يا أهل البصرة و اللّه ما هي و أشار إلى صرّة في يده فيها نفقته إلاّ من غلّتي بالمدينة ، فإن أنا خرجت من عندكم بأكثر ممّا ترون فأنا عند اللّه من الخائنين ٢ .

« و لا أعددت لبالي » أي : اندراس « ثوبي طمرا » . و في الخبر أنّه عليه السلام كان يغسل ثوبه و يلبسه و يجفّه على بدنه لعدم وجود عوض له « و لا حزت من أرضها شبرا و لا أخذت منه إلاّ كقوت اتان » انثى الحمار « دبره » من « دبر البعير و أدبره القتب » .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٣٢ و ٣٣٣ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الجمل : ٢١٤ و ٢٢٤ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٧٠

« و لهي في عيني أوهى و أهون من عفصة » من « طعام عفص » فيه تقبض « مقره » من « مقر الشي‏ء » صار مرّا ، و ليس في ( ابن ميثم ) قوله « و لا حزت » إلى هنا و انما هو في ابن أبي الحديد أخذته ( المصرية ) عنه ، لكن ، ليس فيه « أوهى و أهون » معا ، و الظاهر أنّها رأتهما بالنسخة البدليّة فجمعت بينهما ١ .

قوله عليه السلام « و إنّما هي نفسي اروضها » من رضت المهر أروضه رياضا و رياضة ، أو من روّضته للمبالغة « بالتقوى » . في الخبر : بعث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سريّة ، فلمّا رجعوا قال : مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر ، و بقي عليهم الجهاد الأكبر . قيل له : و ما الجهاد الأكبر ؟ قال : جهاد النفس ، أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه ٢ .

و في ( الحلية ) ، في سفيان بن عيينة : عن عاصم بن كليب عن أبيه أنّ عليّا عليه السلام قسّم ما في بيت المال على سبعة أسباع ، ثم وجد رغيفا فكسره سبع كسر ، ثمّ دعا أمراء الأجناد فأقرع بينهم و عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه قال : رأيت الغنم تبعر في بيت مال علي عليه السلام فيقسّمه .

و عن الأعمش عن رجل : إنّ عليّا عليه السلام كان إذا قسّم ما في بيت المال نضحه ثمّ صلّى فيه ركعتين ٣ .

« لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر و تثبت على جوانب المزلق » مزلق الأقدام يوم لا ينفع مال و لا بنون إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم ٤ ، الذين آمنوا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٠٧ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٩٩ .

( ٢ ) هذا تلفيق حديثين أخرجهما الصدوق في أماليه : ٣٧٧ ح ٨ ، المجلس ٧١ ، و في معاني الأخبار : ١٦٠ ح ١ ، و ابن الأشعث في الاشعثيات : ٧٨ ، و أخرج الأوّل الكليني في الكافي ٥ : ١٢ ح ٣ .

( ٣ ) حلية الأولياء ٧ : ٣٠٠ .

( ٤ ) الشعراء : ٨٨ ٨٩ .

٤٧١

و لم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم الأمن و هم مهتدون ١ و إن منكم إلاّ واردها كان على ربّك حتما مقضيّاً . ثمّ ننجي الذين اتّقوا و نذر الظّالمين فيها جثيّاً ٢ تلك الجنّة التي نورث من عبادنا من كان تقيّا ٣ .

و في الخبر : على الصراط قنطرة ، لا يجوزها من كان في رقبته مظلمة ٤ .

ورد في تفسير قوله تعالى : إنّ ربّك لبالمرصاد ٥ لا تدع النفس و هواها ، فإن هواها في رداها ، و كفّ النفس عمّا يهوى دواها .

هذا ، و نظر رجل إلى روح بن حاتم واقفا في الشمس ، فقيل له في ذلك ،

فقال : ليطول وقوفي في الظل .

أهين لهم نفسي لأكرمها بهم

و من يكرم النّفس التي لا تهينها

« و لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل » . في ( المروج ) :

استسقى عليه السلام يوم الجمل فأتي بعسل و ماء ، فحسا منه حسوة و قال :

هذا الطائفي ، و هو غريب بهذا البلد ، فقال له عبد اللّه بن جعفر : أما شغلك ما نحن فيه عن علم هذا ؟ قال : انّه و اللّه يا بنيّ ما ملأ صدر عمّك شي‏ء قط من أمر الدّنيا ٦ .

« و لباب » بالضم اللب ضدّ القشر ، قال :

أ ليس بذي المكارم في قريش

إذا عدّت ، و ذي الحسب اللباب ٧

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الانعام : ٨٢ .

( ٢ ) مريم : ٧١ .

( ٣ ) مريم : ٦٣ .

( ٤ ) أخرجه الكليني في الكافي ٢ : ٣٣١ ح ٢ ، و غيره و النقل بتصرف يسير .

( ٥ ) الفجر : ١٤ .

( ٦ ) مروج الذهب ٢ : ٣٦٨ .

( ٧ ) أورده أساس البلاغة : ٤٠٢ ، مادة ( لب ) .

٤٧٢

« هذا القمح » أي : البّرّ ، و في حديث الحسن البصري « لباب البرّ بلعاب النحل » ١ .

هذا ، و في ( النفحة ) : أرسل سنّيّ إلى شيعيّ شيئا من الحنطة و كانت عتيقة فردّها عليه ، ثم أرسل إليه عوضها جديدة لكن فيها تراب ، فكتب إليه بعد قبولها :

بعثت لنا بدال البرّ برّا

رجاء للجزيل من الثواب

رفضناه عتيقا و ارتضينا

به إذ جاء و هو أبو تراب

و لا يخفى ما فيه من النكات اللطيفة ، جمعه بين الرفض دلالة على تشيعه ، و تركه العتيق و هو لقب أبي بكر ، و المرتضى لقب أمير المؤمنين ،

و أبي تراب كنيته عليه السلام .

« و نسائج » جمع نسيج ، أي : منسوجات « هذا القز » أي : الإبريسم .

و كان يقال لعمرو بن عامر من ملوك اليمن « مزيقياء » ، لأنّه كان يلبس كلّ يوم حلّتين ، فيمزّقهما بالعشي ، و يكره أن يعود فيهما ، و يأنف أن يلبسهما غيره .

قال ابن أبي الحديد : روى بدل قوله عليه السلام « و لو شئت إلى هذا القز » « و لو شئت لاهتديت إلى هذا العسل المصفّى و لباب هذا البرّ المنقّى ، فضربت هذا بذاك حتّى ينضح وقودا و يستحكم معقودا » ٢ .

قلت : و روى ابن بابويه في ( أماليه ) : « و لو شئت لتسربلت بالعبقريّ المنقوش من ديباجكم ، و لأكلت لباب هذا البرّ بصدور دجاجكم ، و لشربت الماء الزلال برقيق زجاجكم ، و لكنّي أصدّق اللّه جلّت عظمته حيث يقول : من

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنه أساس البلاغة : ٤٠٢ ، مادة ( لب ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٨٧ .

٤٧٣

كان يريد الحياة الدنيا و زينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها و هم فيها لا يبخسون . أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلاّ النّار ١ ، فكيف أستطيع الصبر على نار لو قذفت بشرره إلى الأرض لأحرقت نبتها ، و لو اعتصمت نفس بقلّة لأنضجها وهج النّار في قلّتها » ٢ .

« و لكن هيهات » أي : بعد « أن يغلبني هواي » و أمّا من خاف مقام ربّه و نهى النّفس عن الهوى . فإنّ الجنّة هي المأوى ٣ .

« و يقودني جشعي » الجشع : شدّة الحرص على الطعام ، قال :

و إن مدّت الأيدي إلى الزاد لم أكن

بأعجلهم إذا عجل القوم أجشع

« إلى تخيّر الأطعمة » قالوا : من كان همّه ما يدخل في بطنه ، كانت قيمته ما يخرج من بطنه .

« و لعلّ بالحجاز » في ( المعجم ) عن الأصمعي : الحجاز : من تخوم صنعاء من العبلاء و تبالة إلى تخوم الشام ، و انما سمّي حجازا لأنه حجز بين تهامة و نجد ، فمكّة تهاميّة ، و المدينة حجازية ، و الطائف حجازيّة ، و عن هشام الحجاز ما بين جبلي طي إلى طريق العراق لمن يريد مكّة ٤ .

و في ( الصحاح ) : سمّيت بذلك لأنّها حجزت بين نجد و الغور ، و قال الأصمعي لأنّها احتجزت بالحرار الخمس منها حرّة بني سليم و حرّة واقم ،

يقال : احتجز بأزار ، أي : شدّه على وسطه ٥ .

« أو اليمامة » في ( المعجم ) : في السير اليمامة كانت منازل طسم و جديس

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هود : ١٥ و ١٦ .

( ٢ ) أمالي الصدوق : ٤٩٦ ، المجلس ٩٠ .

( ٣ ) النازعات : ٤٠ و ٤١ .

( ٤ ) معجم البلدان ٢ : ٢١٩ .

( ٥ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٦٩ ، مادة ( حجز ) .

٤٧٤

و كانت تدعى جوا ١ .

و في ( الصحاح ) : اليمامة : اسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام ، يقال أبصر من زرقاء اليمامة ،

سمّيت البلاد باسم هذه الجارية ٢ .

« من لا طمع له في القرص و لا عهد له بالشبع » في ( عيون القتيبي ) : قيل ليوسف عليه السلام مالك تجوع و أنت على خزائن الأرض ؟ قال : أخاف أن أشبع فأنسى الجائع ٣ .

« أو أبيت مبطانا » ممتلأ البطن « و حولي بطون غرثى » أي : جائعة . قال بعضهم :

يملّى‏ء بطنه و الجار جائع

و يحفظ ماله و العرض ضائع

« و أكباد حرّى » أي : عطشى . كتب المأمون إلى الرستمي و قد تظلّم منه غريم ليس من المروة أن تكون أوانيك من الذهب و الفضة ، و جارك طاو و غريمك عاو .

و لدعبل :

و ضيف عمرو و عمرو يسهران معا

عمرو لبطنته و الضيف للجوع

و للصابي :

و شبع الفتى لؤم

إذا جاع صاحبه

و في ( عقاب الأعمال ) عن السجاد عليه السلام : من بات شبعان و بحضرته مؤمن جائع طاو ، قال اللّه عزّ و جلّ : ملائكتي أشهدكم على هذا العبد إنّني أمرته

ــــــــــــــــــ

( ١ ) معجم البلدان ٥ : ٤٤٢ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٥ : ٢٠٦٥ ، مادة ( يم ) .

( ٣ ) عيون ابن قتيبة ٢ : ٣٧٤ .

٤٧٥

فعصاني ، و أطاع غيري ، وكلته إلى عمله ، و عزّتي و جلالي لا غفرت له أبدا ١ .

« أو أكون كما قال القائل :

و حسبك داء أن تبيت ببطنة

و حولك أكباد تحنّ إلى القد »

القدّ بالكسر : سير يقد من جلد غير مدبوغ ، و فلان ما يعرف القد من القد ،

أي : مسك السخلة من السير ، و في الجمهرة قدّ الشي‏ء قدّا إذا قطعه قطعا مستطيلا ، و به سمّي القد الذي يقد من الأديم الفطير ، و القدّ ( بفتح القاف ) خلاف القط ، لأن القد طولا و القط عرضا ، و في الحديث « إنّ عليّا عليه السلام كان إذا اعتلى قدّ و إذا اعترض قط » ، و القد ( بكسر القاف ) سيور تقد من جلد فطير يشد بها الأقتاب و المحامل و غيرها ٢ .

قال ابن أبي الحديد : هذا البيت منسوب إلى حاتم الطائي ، و أوّل أبياته :

أيا ابنة عبد اللّه و ابنة مالك

و يا ابنة ذي الجدّين و الفرس الورد

إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له

أكيلا فإنّي لست آكله وحدي

قصيّا بعيدا أو قريبا فإنّني

أخاف مذمّات الأحاديث من بعدي

كفى بك عارا أن تبيت ببطنة

و حولك أكباد تحنّ إلى القدّ

و إنّي لعبد الضيف ما دام نازلا

و ما من خلالي غيرها شيمة العبد ٣

قلت : لم يذكر مستنده في كون الأبيات لحاتم ، و قد نسب المبرد في ( كامله ) الأبيات الثلاثة الاولى و الأخير إلى قيس بن عاصم المنقري ، و لم ينقل فيها الرابع شعر كلامه عليه السلام . و نقل ابن قتيبة في ( عيونه ) أيضا الأبيات الثلاثة الاولى و ذكر بدل الأخيرين :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) عقاب الأعمال : ٢٩٨ ح ١ .

( ٢ ) جمهرة اللغة ١ : ٨٥ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٨٨ .

٤٧٦

و كيف يسيغ المرء زادا و جاره

خفيف المعى بادي الخصاصة و الجهد

و للموت خير من زيارة باخل

يلاحظ أطراف الأكيل على عمد

و لم يذكر قائلها ١ ، فلعلّ ابن أبي الحديد قال منسوب إلى حاتم حدسا لشهرته في الجود و الإيثار ، فكان يتجوّع و يشبع جاره ففي ( شعراء ابن قتيبة ) : قالت نوّار امرأة حاتم : أصابتنا سنة أقشعرّت لها الأرض و اغبرّت الآفاق ، فضنّت المراضع عن أولادها فما تبض بطرة و راحت الإبل حدبا حدابيس ، و حلقت ألسنة المال و أيقنا انّه الهلاك من الجوع ،

فقام حاتم إلى الصبيّين و قمت إلى الصبيّة ، فو اللّه ما سكتوا إلاّ بعد هدأة من الليل ، و أقبل يعلّلني بالحديث فعلمت الذي يريد فتناومت ، فلما تجوّرت النجوم إذا شي‏ء قد رفع كسر البيت ، فقال : من هذا ؟ فذهب ثم عاد فقال : من هذا ؟ فذهب ثم عاد في آخر الليل ، فقال : من هذا ؟ فقال : جارتك فلانة أتتك من عند أصبية يتعاوون عواء الذئاب من الجوع فما أجد معولا إلاّ عليك أبا عدي . فقال :

أعجيلهم قد أشبعك اللّه و إيّاهم . فأقبلت المرأة تحمل اثنين و تمشي جنباتها أربعة كأنها نعامة حولها رئالها ، فقام إلى فرسه ، فوجا لبته بمدية ثم كشطه و دفع المدية إلى المرأة فقال : شأنك الآن فاجتمعوا على اللحم ، فقال : سوأة أتأكلون دون الصريم ، ثم أقبل يأتيهم بيتا بيتا ، و يقول : هبّوا أيها القوم عليكم بالنّار ، فاجتمعوا فالتفع ناحية بثوبه ينظر إلينا ، و لا و اللّه ما ذاق منه مضغة و انّه لأحوج إليه منّا فأصبحنا و ما على الأرض إلاّ عظم و حافر ، فعذلته على ذلك فقال :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كامل المبرد ٥ : ١٤٤ ، و عيون ابن قتيبة ٣ : ٢٦٣ .

٤٧٧

مهلا نوّار أقلّي اللوم و العذلا

و لا تقولي لشي‏ء فات ما فعلا

و فيه أيضا : أتى حاتم ماوية بنت عفرز يخطبها ، فوجد عندها النابغة الذبياني و رجلا من نبيت يخطبانها ، فقالت : انقبلوا إلى رحالكم ، و ليقل كلّ واحد منكم شعرا يذكر فيه فعاله و منصبه ، فإنّي متزوّجة أكرمكم و أشعركم ،

فانطلقوا و نحر كلّ واحد منهم جزورا و لبست ماوية ثياب امة لها و اتبعتهم ،

فأتت النبيتي فاستطعمته فأطعمها ذنب جزوره فأخذته ، و أتت النابغة فأطعمها مثل ذلك ، و أتت حاتما فأطعمها عظما من العجز و قطعة من السنام و قطعة من الحارك أي الكاهل فانصرفت ، و أهدى كلّ منهم باقي جزوره و أهدى لها حاتم مثل ما أهدى إلى واحدة من جاراته ، و صبّحها القوم فأنشدها النابغة :

هلاّ سألت هداك اللّه ما حسبي

إذا الدّخان تغشى الأشمط البرما

إنّي أتمم أيساري و أمنحهم

مثنى الأيادي و أكسوا الجفنة الأدما

و أنشدها النبيتي :

هلاّ سألت هداك اللّه ما حسبي

عند الشتاء إذا ما هبت الريح

إذا اللقاح غدت ملقى اصرتها

و لا كريم من الولدان مصبوح

و أنشدها حاتم :

أ ماوي ، إنّ المال غاد و رائح

و يبقى من المال الأحاديث و الذكر

أ ماوي ، إنّي لا أقول لسائل

إذا جاء يوما حل في مالنا نزر

أ ماوي إمّا مانع فمبين

و إمّا عطاء لا ينهنهه الزجر

أ ماوي ، أن يصبح صداي بقفرة

من الأرض لا ماء لدي و لا خمر

ترى ان ما انفقت لم يك ضرّني

و إنّ يدي ممّا بخلت به صفر

و قد علم الأقوام لو أنّ حاتما

أراد ثراء المال كان له وفر

فلمّا فرغوا من إنشادهم ، دعت بالمائدة و قدّمت إلى كلّ واحد

٤٧٨

منهم ما كان أطعمها ، فنكس النبيتي و النابغة رؤوسهما ، فلما رأى حاتم ذلك رمى بالذي قدّم إليه إليهما و أطعمهما ، فتسلّلا لو اذا ، فتزوّجت حاتم و كانت من بنات ملوك اليمن ١ .

و في ( المروج ) : قال عبد الملك لبنيه : أحسابكم أحسابكم صونوها ببذل أموالكم ، فما يبالي رجل منكم ما قيل فيه من الهجو بعد قول الأعشى :

تبيتون في المشتى ملآ بطونكم

و جاراتكم غرثى يبتن خمائصا ٢

و في ( كنايات الثعالبي ) : كان أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذا قعدوا عنده كأنّ على رؤوسهم الطير ، فانبرى يوما حسّان فأنشده قول الأعشى :

كلا أبويكم كان فرعي دعامة

و لكنّهم زادوا او أصبحت ناقصا

تبيتون في المشتى ملا بطونكم

و جاراتكم غرثى يبتن خمائصا

فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : لا تنشد هجاء علقمة ، فإن أبا سفيان شغب منّي عند هرقل فعزب عليه علقمة ، فقال حسّان : يا رسول اللّه ، من نالتك يده وجب علينا شكره . فما سمع في الكناية عن الوقيعة بأحسن من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم « شغب مني » و لا في الكناية عن الإنكار و الاحتجاج كقوله « فعزب عليه » و لا في الاعتذار كقول حسان « من نالتك يده » الخ ٣ .

هذا ، و في ( الأغاني ) : قال متمم بن نويرة لعمر لمّا سأله عن أخيه مالك : إنّه أسرني حيّ من العرب ، فشدّوني وثاقا بالقد و ألقوني بفنائهم ،

فبلغه خبري فأقبل على راحلته حتى انتهى إلى القوم و هم جلوس في ناديهم ،

فلما نظر إليّ أعرض عنّي ، و نظر القوم إليه فعدل إليهم و عرفت ما أراد ، فسلّم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الشعر و الشعراء : ٧١ ٧٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) مروج الذهب ٣ : ١٦٦ .

( ٣ ) منتخب النهاية في الكناية : ٢٠٩ .

٤٧٩

عليهم و حادثهم و ضاحكهم و أنشدهم ، فو اللّه ، إن زال كذلك حتى ملأهم سرورا و حضر غداءهم ، فسألوه ليتغدّى معهم فنزل و أكل ثم نظر إليّ و قال :

إنّه لقبيح بنا أن نأكل و رجل ملقى بين أيدينا لا يأكل معنا ، و أمسك يده عن الطعام ، فلما رأى ذلك القوم نهضوا ، و صبّوا الماء على قدّي حتى لان و حلّوني ،

ثم جاءوا بي فأجلسوني معهم على الغداء ، فلمّا أكلنا قال لهم : أما ترون ، تحرم هذا بنا و أكل معنا انّه لقبيح بكم أن تردوه إلى القد فخلوا سبيلي ١ .

و فيه : مرّ فضالة بن شريك بعاصم بن عمر بن الخطاب و هو منتبذ بناحية المدينة ، فنزل به ، فلم يقره شيئا و لم يبعث إليه و لا إلى أصحابه بشي‏ء .

و قد عرّفوه مكانهم ، فارتحلوا عنه و التفت فضالة إلى مولى لعاصم فقال له : قل له ، أما و اللّه لأطوقنّك طوقا لا يبلى . و قال :

ألا أيّها الباغي القرى لست واجدا

قراك إذا ما بتّ في دار عاصم

إذا جئته تبغي القرى بات نائما

بطينا و أمسى ضيفه غير نائم ٢

و روي في ( الحلية ) : أن أويس القرني كان إذا أمسى تصدّق بما في بيته من الفضل من الطعام و الثياب ، ثم يقول : اللّهمّ من مات جوعا فلا تؤاخذني به ،

و من مات عريانا فلا تؤاخذني به ٣ .

هذا ، و روي أنّ علي بن الحسين عليه السلام قال لمولاة له يوم جمعة : لا يعبر على بابي سائل إلاّ أعطيتموه ، فإن اليوم الجمعة . فقال له أبو حمزة الثمالي :

ليس كلّ من يسأل مستحقّا ، فقال عليه السلام : أخاف أن يكون بعض من يسألنا مستحقّا فلا نطعمه فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب ، إنّ يعقوب كان يذبح

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الأغاني ١٥ : ٢١٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الأغاني ١٢ : ٧٣ .

( ٣ ) حلية الأولياء ٢ : ٨٧ .

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601