بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 122943 / تحميل: 6182
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

مستصحبا» في السفر «و المستصحب» مع المسافر «لا يكون مستخلفا» في أهله،

لاستحالة كون جسم في مكانين، و أمّا اللَّه تعالى فالسماء و الأرض و المشرق و المغرب عنده سواء فأينما تولّوا فثمّ وجه اللَّه( ١ ) ما يكون من نجوى ثلاثة إلاّ هو رابعهم و لا خمسة إلاّ هو سادسهم و لا أدنى من ذلك و لا أكثر إلاّ هو معهم أين ما كانوا ثم ينبّئهم بما عملوا يوم القيامة ان اللَّه بكلّ شي‏ء عليم( ٢) .

قول المصنف: «و ابتداء هذا الكلام» من أوّله إلى «و أنت الخليفة في الأهل» «مروي عن رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » لكن مع زيادة و نقصان، ففي (مجازات) المصنف: و من ذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «اللّهم إنّا نعوذ بك من وعثاء السفر، و كآبة المنقلب، و الحور بعد الكور، و سوء المنظر في الأهل و المال» و قال المصنف ثمة: و الحور بعد الكور أي انتشار الامور بعد انضمامها و انفراجها بعد التيامها، و ذلك مأخوذ من حور العمامة بعد كورها، و هو نقضها بعدليّها و نشرها بعد طيّها( ٣ ) ، قالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في (السيرة) في رجوعه من غزوة بني لحيان لمّا خرج إليهم لطلب ثأر أصحاب الرجيع( ٤) .

«و قد قفّاهعليه‌السلام » أي: أتبعه «بأبلغ كلام و تمّمه بأحسن تمام، من قوله لا يجمعهما غيرك إلى آخر الفصل» «و المستصحب لا يكون مستخلفا».

لكن روى الكلام عنهعليه‌السلام في ذهابه إلى صفين، و فيه قفّاهعليه‌السلام بما قال و في إيابه من صفين، و فيه زاد قبله شيئا، ففي (صفين نصر بن مزاحم): قال عبد الرحمن بن جندب لما أقبل عليّعليه‌السلام من صفين أقبلنا معه، فأخذ طريقا

____________________

(١) البقرة: ١١٥.

(٢) المجادلة: ٧.

(٣) المجازات النبوية: ١٤١.

(٤) سيرة ابن هشام ٣: ١٧٥.

٢١

غير طريقنا الذي أقبلنا فيه، فقال «آئبون عائدون، لربّنا حامدون، اللّهم إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر و كآبة المنقلب و سوء المنظر في المال و الأهل»( ١) .

٥ - الخطبة (٢٢٥) و من دعاء لهعليه‌السلام :

اَللَّهُمَّ إِنَّكَ آنَسُ اَلْآنِسِينَ لِأَوْلِيَائِكَ وَ أَحْضَرُهُمْ بِالْكِفَايَةِ لِلْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ تُشَاهِدُهُمْ فِي سَرَائِرِهِمْ وَ تَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي ضَمَائِرِهِمْ وَ تَعْلَمُ مَبْلَغَ بَصَائِرِهِمْ فَأَسْرَارُهُمْ لَكَ مَكْشُوفَةٌ وَ قُلُوبُهُمْ إِلَيْكَ مَلْهُوفَةٌ إِنْ أَوْحَشَتْهُمُ اَلْغُرْبَةُ آنَسَهُمْ ذِكْرُكَ وَ إِنْ صُبَّتْ عَلَيْهِمُ اَلْمَصَائِبُ لَجَئُوا إِلَى اَلاِسْتِجَارَةِ بِكَ عِلْماً بِأَنَّ أَزِمَّةَ اَلْأُمُورِ بِيَدِكَ وَ مَصَادِرَهَا عَنْ قَضَائِكَ اَللَّهُمَّ إِنْ فَهِهْتُ عَنْ مَسْأَلَتِي أَوْ عَمِيتُ عَنْ طِلْبَتِي فَدُلَّنِي عَلَى مَصَالِحِي وَ خُذْ بِقَلْبِي إِلَى مَرَاشِدِي فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنُكْرٍ مِنْ هِدَايَاتِكَ وَ لاَ بِبِدْعٍ مِنْ كِفَايَاتِكَ اَللَّهُمَّ اِحْمِلْنِي عَلَى عَفْوِكَ وَ لاَ تَحْمِلْنِي عَلَى عَدْلِكَ قول المصنف: «و من دعائه» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «و من دعاء لهعليه‌السلام » كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢) .

قولهعليه‌السلام «اللّهم إنك آنس الآنسين لأوليائك» كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا حضر وقت الصلاة يقول لبلال: اذّن و أرحني من غير اللَّه تعالى( ٣) .

و في التاسعة من مناجات الصحيفة: إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة

____________________

(١) وقعة صفين: ٥٢٨.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٢٦٧، و شرح ابن ميثم ٤: ٩٣.

(٣) رواه الهروي في غريبه، عنه النهاية ٢: ٢٧٤ و غيره.

٢٢

محبّتك فرام منك بدلا، و من ذا الذي آنس بقربك فابتغى عنك حولا( ١) .

و في الثالثة عشرة: أستغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك، و من كلّ راحة بغير أنسك، و من كلّ سرور بغير قربك، و من كلّ شغل بغير طاعتك( ٢) .

هذا، و الظاهر أنّ «الآنسين» محرّف «الأنيسين»، لأن أولياء اللَّه مستأنسون باللَّه تعالى و بذكره لا انّه تعالى مستأنس بهم.

و في (وقعة صفين): لما قدم عليّعليه‌السلام الكوفة سأل عن رجل من أصحابه كان ينزل الكوفة، فقال قائل: استأثر اللَّه به. فقالعليه‌السلام : إنّ اللَّه لا يستأثر بأحد من خلقه، إنّما أراد اللَّه بالموت إعزاز نفسه و إذلال خلقه( ٣) .

و مما ذكرنا يظهر لك ما في قول ابن أبي الحديد: أنّ الرواية الصحيحة «بأوليائك»، أي: أنت أكثرهم انسا بأوليائك( ٤ ) . و ما في قول الخوئي: ان اللام في «لأوليائك» لتبيين الفاعل من المفعول، فإن قلت ما أحبّني لفلان فأنت فاعل الحبّ و فلان مفعوله، و إن قلت ما أحبني إلى فلان فالأمر بالعكس( ٥) .

«و أحضرهم بالكفاية للمتوكّلين عليك» و في السير: إن ذا القرنين لمّا فرغ من عمل السدّ انطلق على وجهه، فبينا يسير هو و جنوده إذ مرّ على شيخ يصلّي، فوقف عليه بجنوده حتى انصرف من صلاته فقال له ذو القرنين: كيف لم يرعك ما حضرك من جنودي؟ قال: كنت اناجي من هو أشدّ جنودا منك و أعزّ سلطانا و أشدّ قوّة، و لو صرفت وجهي إليك لم أدرك حاجتي قبله. فقال له ذو القرنين: هل لك في أن تنطلق معي فأواسيك بنفسي و أستعين بك على

____________________

(١) ملحقات الصحيفة السجادية: ٣٥٦.

(٢) ملحقات الصحيفة السجادية: ٣٦٤.

(٣) وقعة صفين: ٦، و النقل بتصرف في العبارة.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٢٦٧.

(٥) شرح الخوئي ٧: ١٢٧.

٢٣

بعض أمري. قال: نعم إن ضمنت لي أربع خصال: نعيما لا يزول، و صحّة لا سقم فيها، و شبابا لا هرم فيه، و حياة لا موت فيها. فقال له ذو القرنين: و أيّ مخلوق يقدر على هذه الخصال. فقال: فإنّي مع من يقدر عليها و يملكها و إيّاك( ١) .

«تشاهدهم في سرائرهم» يعلم السرّ و أخفى( ٢) .

«و تطّلع عليهم في ضمائرهم» إنّ اللَّه عليم بذات الصّدور( ٣) .

«و تعلم مبلغ بصائرهم» عن الصادقعليه‌السلام : إنّ العبد المؤمن الفقير ليقول:

يا رب ارزقني حتّى أفعل كذا و كذا من البرّ و وجوه الخير، فإذا علم اللَّه تعالى ذلك منه بصدق نيّته كتب اللَّه له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله، إنّ اللَّه واسع كريم( ٤) .

«فأسرارهم لك مكشوفة، و قلوبهم إليك ملهوفة» في المناجاة الثامنة: «فأنت لا غيرك مرادي، و لك لا لسواك سهري و سهادي، و لقاؤك قرّة عيني، و وصلك منّي نفسي، و إليك شوقي، و في محبّتك و لهي، و إلى هواك صبابتي، و رضاك بغيتي، و رؤيتك حاجتي، و جوارك طلبي، و قربك غاية سؤلي، و في مناجاتك روحي و راحتي، و عندك دواء علّتي، و شفاء غلّتي، و برد لوعتي، و كشف كربتي، فكن أنيسي في وحشتي، و مقيل عثرتي، و غافر زلّتي، و قابل توبتي،

و مجيب دعوتي، و وليّ عصمتي، و مغني فاقتي، و لا تقطعني عنك و لا تبعدني منك يا نعيمي و جنّتي و يا دنياي و آخرتي»( ٥) .

____________________

(١) رواه الصدوق في أماليه: ١٤٤ ح ٦، المجلس ٣٢، و في العلل ٢: ٤٧٢ ح ٣٤.

(٢) طه: ٧.

(٣) آل عمران: ١١٩ و المائدة: ٧ و لقمان: ٢٣.

(٤) أخرجه الكليني في الكافي ٢: ٨٥ ح ٣.

(٥) ملحقات الصحفة السجادية: ٣٥٥.

٢٤

«ان أوحشتهم الغربة آنسهم ذكرك» في الخبر: لما طرح يوسف في الجبّ أخوته أتاه جبرئيلعليه‌السلام فقال: يا غلام ما تصنع ههنا؟ فقال: إن إخوتي ألقوني.

قال: أفتحبّ أن تخرج منه؟ قال: ذاك إلى اللَّه تعالى إن شاء أخرجني، فقال له جبرئيل: إنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول لك ادعني بهذا الدعاء «اللّهم إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلا أنت الحنّان المنّان بديع السماوات و الأرض ذو الجلال و الإكرام، صلّ على محمّد و آل محمّد و اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا»( ١ ) ثم كان من قصته ما ذكره اللَّه تعالى في كتابه من مجي‏ء السيارة( ٢) .

«و ان صبّت عليهم المصائب لجأوا إلى الاستجارة بك علما بأنّ أزمة الامور بيدك و مصادرها عن قضائك» في (العقد): قال المدائني: لما حجّ المنصور مرّ بالمدينة فقال لربيع: عليّ بجعفر بن محمد قتلني اللَّه إن لم أقتله فمطل به ثم ألحّ عليه، فحضر فلمّا كشف الستر بينه و بينه و مثل بين يديه همس جعفر بشفتيه ثم تقرّب و سلّم فقال: لا سلّم اللَّه عليك يا عدوّ اللَّه تعمل عليّ الغوائل في ملكي قتلني اللَّه إن لم أقتلك إلى أن قال قال المنصور: يا ربيع عجّل لأبي عبد اللَّه كسوته و جائزته. قال ربيع: فلمّا حال الستر بيني و بينه أمسكت بثوبه فقلت له: إنّي منذ ثلاث أدفع عنك، و رأيتك إذ دخلت همست بشفتيك ثم رأيت الأمر انجلى عنك، و أنا خادم سلطان و لا غنى لي عنه. قال: قلت «اللّهم احرسني بعينك التي لا تنام، و اكنفني بحفظك الذي لا يرام، و لا أهلك و أنت رجائي، فكم من نعمة قد أنعمتها عليّ قلّ لك عندها شكري فلم تحرمني، و كم من بليّة ابتليتني بها قلّ عندها صبري فلم تخذلني، بك أدرأ في نحره، و استعيذ بخيرك

____________________

(١) رواه القمي في تفسيره ١: ٣٥٤ و العياشي في تفسيره ٢: ١٧ ح ٦، و الراوندي في قصص الأنبياء، عنه البحار ١٢:

٢٤٨ ح ١٣.

(٢) يوسف: ١٩.

٢٥

من شرّه، فانّك على كلّ شي‏ء قدير، و صلّى اللَّه على سيّدنا محمّد و آله و سلّم»( ١) .

و في (مروج المسعودي): أتي بعلي بن الحسينعليه‌السلام إلى مسلم بن عقبة و هو مغتاظ عليه، فتبرأ منه و من آبائه، فلمّا رآه و قد أشرف عليه ارتعد و قام له و أقعده إلى جانبه و قال له: سلني حوائجك فلم يسأله في أحد ممّن قدم إلى السيف إلا شفّعه فيه، ثم انصرف عنه فقيل لعليّعليه‌السلام رأيناك تحرّك شفتيك فما الذي قلت؟ قال: قلت «اللّهم ربّ السماوات السبع و ما أظللن، و الأرضين السبع و ما أقللن، ربّ العرش العظيم، ربّ محمّد و آله الطاهرين، أعوذبك من شرّه و أدرأ بك في نحره، أسألك أن تؤتيني خيره و تكفيني شرّه». و قيل لمسلم رأيناك تسبّ هذا الغلام و سلفه، فلما أتي به إليك رفعت منزلته. فقال: ما كان ذلك لرأي منّي، لقد ملى‏ء قلبي منه رعبا( ٢) .

و في (تأريخ الطبري): لما صبّحت الخيل الحسينعليه‌السلام رفع يديه فقال «اللّهم أنت ثقتي في كلّ كرب و رجائي في كلّ شدّة، و أنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة و عدّة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، و تقلّ فيه الحيلة، و يخذل فيه الصديق، و يشمت فيه العدوّ، أنزلته بك و شكوته إليك، رغبة منّي إليك عمّن سواك ففرّجته و كشفته، فأنت وليّ كلّ نعمة و صاحب كلّ حسنة و منتهى كلّ رغبة»( ٣) .

و في (اللهوف): لما رمي رضيع الحسينعليه‌السلام بسهم فذبحه في حجره تلقّى الدّم بكفيه، فلما امتلأتا رمى بالدم نحو السماء ثم قال: هوّن عليّ ما نزل

____________________

(١) العقد الفريد ٢: ٢٨ و النقل بتصرف يسير.

(٢) مروج الذهب ٣: ٧٠.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٣٢١ سنة ٦١.

٢٦

بي أنّه بعين اللَّه( ١) .

و في (اعتقادات الصدوق): و لما اشتدّ الأمر بالحسينعليه‌السلام نظر إليه من كان معه و إذا هو بخلافهم، لأنّهم كانوا إذا اشتدّ بهم الأمر تغيّرت ألوانهم و ارتعدت فرائصهم و وجلت قلوبهم، و كان الحسينعليه‌السلام و بعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم و تهدأ جوارحهم و تسكن قلوبهم و نفوسهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا إليه لا يبالي بالموت فقالعليه‌السلام لهم: يا بني الكرام، فما الموت إلا أنّها قنطرة تعبر بكم عن البؤس و الضرّ إلى الجنان الواسعة و النعيم الدائم، فأيّكم يكره ذلك. الخ( ٢) .

و لنعم ما قيل بالفارسية على لسان حالهعليه‌السلام :

گفت اگر بر سر من تير چه باران بارد

يا فلك داغ عزيزان بدلم بگذارد

باده از مصطبه عشق مرا خوش دارد

غم و شادى بر عاشق چه تفاوت دارد

«اللّهم ان فههت» أي: عييت «عن مسألتي أو عميت عن طلبتي فدلّني على مصالحي و خذ بقلبي إلى مراشدي» فأنت العالم بصلاحي و نادى نوح ربّه فقال ربّ إنّ ابني من أهلي و إنّ وعدك الحقّ و أنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنّه ليس من أهلك انّه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين قال ربّ إنّي أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم و إلاّ تغفر لي و ترحمني أكن من الخاسرين( ٣) .

____________________

(١) اللهوف: ٥٠.

(٢) الاعتقادات: ١٤ و النقل بتصرف يسير.

(٣) هود: ٤٥ ٤٧.

٢٧

و في (مكارم الصحيفة): «اللّهم اجعل ما يلقي الشيطان في روعي من التمنّي و التظنّي و الحسد ذكرا لعظمتك و تفكّرا في قدرتك و تدبيرا على عدوّك،

و ما أجري على لساني من لفظة فحش أو هجر أو شتم عرض أو شهادة باطل أو اغتياب مؤمن غائب أو سبّ حاضر و ما أشبه ذلك، نطقا بالحمد لك و إغراقا في الثناء عليك و ذهابا في تمجيدك و شكرا لنعمتك و اعترافا بإحسانك و احصاء لمننك»( ١) .

«فليس ذلك بنكر من هداياتك» لعبادك «و لا ببدع من كفاياتك» لأوليائك.

«اللهم احملني على عفوك و لا تحملني على عدلك» و إلاّ هلكت و لو يؤاخذ اللَّه الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة( ٢ ) و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفوا عن كثير( ٣ ) و يخافون سوء الحساب( ٤ ) أي: عدله تعالى.

هذا، و في (مناقب الكنجي) عن زر بن حبيش قال: قرأت القرآن من أوّله إلى آخره في جامع الكوفة على عليّعليه‌السلام ، فلما بلغت الحواميم قال: بلغت عرائس القرآن. فلما بلغت رأس العشرين من حمسق و الذين آمنوا و عملوا الصالحات في روضات الجنّات لهم ما يشاؤن عند ربّهم ذلك هو الفضل الكبير( ٥ ) بكى حتى ارتفع نحيبه، ثم رفع رأسه الى السماء و قال: آمن على دعائي ثم قال «اللّهم إنّي أسألك إخبات المخبتين، و إخلاص الموقنين،

و مرافقة الأبرار، و استحقاق حقوق الإيمان، و الغنيمة من كلّ برّ، و السلامة من

____________________

(١) الصحيفة السجادية: ١٠٦ دعاء ٢٠.

(٢) فاطر: ٤٥.

(٣) الشورى: ٣٠.

(٤) الرعد: ٢١.

(٥) الشورى: ٢٢.

٢٨

كلّ عيب، و وجوب رحمتك و عزائم مغفرتك، و الفوز بالجنّة و النّجاة من النّار» قال: و إذا ختمت القرآن فادع به، فان حبيبي أمرني أدعو بهن عند ختم القرآن.

٦ - الحكمة (٢٧٦) و قالعليه‌السلام :

اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ تَحْسُنَ فِي لاَمِعَةِ اَلْعُيُونِ عَلاَنِيَتِي وَ تَقْبُحَ فِيمَا أُبْطِنُ لَكَ سَرِيرَتِي مُحَافِظاً عَلَى رِيَاءِ اَلنَّاسِ مِنْ نَفْسِي بِجَمِيعِ مَا أَنْتَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ مِنِّي فَأُبْدِيَ لِلنَّاسِ حُسْنَ ظَاهِرِي وَ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِسُوءِ عَمَلِي تَقَرُّباً إِلَى عِبَادِكَ وَ تَبَاعُداً مِنْ مَرْضَاتِكَ «اللّهم إنّي أعوذبك من أن» هكذا في (المصرية) أخذا من (ابن أبي الحديد)،

و لكن في نسخة (ابن ميثم) «ان»( ١ ) «تحسّن في لامعة العيون علانيتي، و تقبّح فيما أبطن لك سريرتي».

في (الكافي): عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به،

فإذا صعد بحسناته يقول تعالى: إجعلوه في سجّين( ٢) .

«محافظا على رئاء الناس من نفسي بجميع ما أنت مطلّع عليه منّي» عن الصادقعليه‌السلام : من أظهر للناس ما يحبّ اللَّه و بارز اللَّه بما كرهه لقى اللَّه و هو ماقت له( ٣) .

«فابدي للناس حسن ظاهري و أفضي إليك بسوء عملي» عن الصادقعليه‌السلام :

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ١٦٧، و شرح ابن ميثم ٥: ٣٨٥.

(٢) الكافي ٢: ٢٩٤ ح ٧.

(٣) الكافي ٢: ٢٩٥ ح ١٠.

٢٩

ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا و يسرّ سيئا أليس يرجع إلى نفسه، فيعلم أنّ ذلك ليس كذلك، و اللَّه تعالى يقول: بل الإنسان على نفسه بصيرة( ١) .

و عنهعليه‌السلام : ما من عبد يسرّ خيرا إلاّ لم تذهب الأيام حتّى يظهر اللَّه له خيرا، و ما من عبد يسر شرّا إلاّ لم تذهب الأيام حتّى يظهر اللَّه له شرّا.

و عنهعليه‌السلام : من أراد اللَّه بالقليل من عمله أظهر اللَّه له أكثر مما أراد، و من أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه و سهر من ليله أبى اللَّه تعالى إلاّ أن يقلّله في عين من سمعه( ٢) .

«تقرّبا إلى عبادك و تباعدا من مرضاتك» «تقربا» و «تباعدا» مفعول لهما لأبدي و أفضي.

و روي في (الكافي) عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم و تحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربّهم، يكون دينهم رياء، لا يخالطهم خوف، يعمّهم اللَّه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجاب لهم.

و عن الصادقعليه‌السلام : إيّاك و الرّياء، فإنّ من عمل لغير اللَّه و كله اللَّه إلى من عمل له، و كلّ رياء شرك، إنّه من عمل للنّاس كان ثوابه على النّاس.

و عنهعليه‌السلام : قال تعالى: أنا خير شريك، من أشرك بي غيري في عمل عمله لم أقبله إلاّ ما كان لي خالصا( ٣) .

هذا، و شهد اللَّه تعالى لهعليه‌السلام و لعترته بالاخلاص في قوله عزّ و جلّ:

و يطعمون الطعام على حبّه مسكينا و يتيما و أسيرا. انّما نطعمكم لوجه اللَّه

____________________

(١) القيامة: ١٤.

(٢) الكافي ٢: ٢٩٥ و ٢٩٦ ح ١١ ١٣.

(٣) هذه الاحاديث أخرجها الكليني في الكافي ٢: ٢٩٣ ٢٩٦ ح ١ و ٢ و ٩ و ١٤.

٣٠

لا نريد منكم جزاء و لا شكورا. إنّا نخاف من ربّنا يوما عبوسا قمطريرا.

فوقاهم اللَّه شرّ ذلك اليوم و لقّاهم نضرة و سرورا. و جزاهم بما صبروا جنّة و حريرا. متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا و لا زمهريرا إلى إنّ هذا كان لكم جزاء و كان سعيكم مشكورا( ١ ) . و مع ذلك، نسب الثاني إليهعليه‌السلام الرياء، جرأة على ردّ اللَّه تعالى ففي (أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب) و قد نقله (ابن أبي الحديد) في موضع آخر قال ابن عبّاس دخلت يوما على عمر فقال: يا ابن عباس لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتى نحلته رياء، قلت: من هو؟ قال: هذا ابن عمك يعنيهعليه‌السلام فقلت: و ما يقصد بالرياء؟ قال: يرشّح نفسه بين الناس للخلافة.

قلت: و ما يصنع بالترشيح، قد رشّحه لها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصرفت عنه الخبر( ٢) .

لكن لا غرو في نسبته الرياء إليهعليه‌السلام بعد نسبته الهجر إلى نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أراد استخلافهعليه‌السلام .

٧ - الخطبة (٨٩) في الخطبة المعروفة بالاشباح بعد ذكره صفاته تعالى و خلقة السّماء و الملائكة و الأرض و إرساله الرّسل من آدم إلى الخاتم و بيان إحاطة علمه تعالى بكلّ شي‏ء:

اَللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ اَلْوَصْفِ اَلْجَمِيلِ وَ اَلتَّعْدَادِ اَلْكَثِيرِ إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَيْرُ مَأْمُولٍ وَ إِنْ تُرْجَ فَأَكْرَمُ مَرْجُوٍّ اَللَّهُمَّ وَ قَدْ بَسَطْتَ لِي فِيمَا لاَ أَمْدَحُ بِهِ غَيْرَكَ وَ لاَ أُثْنِي بِهِ عَلَى أَحَدٍ سِوَاكَ وَ لاَ أُوَجِّهُهُ إِلَى مَعَادِنِ اَلْخَيْبَةِ

____________________

(١) الانسان: ٨ ٢٢.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٢: ٨٠.

٣١

وَ مَوَاضِعِ اَلرِّيبَةِ وَ عَدَلْتَ بِلِسَانِي عَنْ مَدَائِحِ اَلْآدَمِيِّينَ وَ اَلثَّنَاءِ عَلَى اَلْمَخْلُوقِينَ اَلْمَرْبُوبِينَ اَللَّهُمَّ وَ لِكُلِّ مُثْنٍ عَلَى مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاءٍ أَوْ عَارِفَةٌ مِنْ عَطَاءٍ وَ قَدْ رَجَوْتُكَ دَلِيلاً عَلَى ذَخَائِرِ اَلرَّحْمَةِ وَ كُنُوزِ اَلْمَغْفِرَةِ اَللَّهُمَّ وَ هَذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِيدِ اَلَّذِي هُوَ لَكَ وَ لَمْ يَرَ مُسْتَحِقّاً لِهَذِهِ اَلْمَحَامِدِ وَ اَلْمَمَادِحِ غَيْرَكَ وَ بِي فَاقَةٌ إِلَيْكَ لاَ يَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلاَّ فَضْلُكَ وَ لاَ يَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلاَّ مَنُّكَ وَ جُودُكَ فَهَبْ لَنَا فِي هَذَا اَلْمَقَامِ رِضَاكَ وَ أَغْنِنَا عَنْ مَدِّ اَلْأَيْدِي إِلَى سِوَاكَ إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ٢٤ ٢٨ ٣: ٢٦ «اللّهم أنت أهل الوصف الجميل» العليم الكريم الرحيم، إلى غير ذلك من صفات الكمال و نعوت الجلال و الجمال.

«و التعداد الكثير» في أوصاف كمالك حتّى أنّها لا تحصى.

«إن تؤمّل فخير مؤمل» هكذا في (المصرية)، و الصواب: (مأمول) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطية)( ١ ) ، و كونه تعالى خير مأمول لأنّه القادر على إعطاء كلّ أمل دون غيره.

«و إن ترج فأكرم مرجوّ» لأنّه الذي لا يخيب رجاء راجيه.

«اللّهم و قد بسطت لي» بقوّة البيان.

«فيما لا أمدح به غيرك» لعدم اتصاف غيره بما مدحه.

«و لا اثني به على أحد سواك» لفقدان سواه لما به أثنى عليه، فتقول:

إنّ اللَّه على كلّ شي‏ء قدير( ٢ ) و إنّ اللَّه بكلّ شي‏ء عليم( ٣) ،

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٧: ٣١، و شرح الخوئي ٣: ١٣١، لكن في شرح ابن ميثم ٢: ٣٦٨ «مؤمل».

(٢) البقرة: ٢٠ و مواضع اخرى.

(٣) النساء: ٩٧ و مواضع اخرى.

٣٢

فهل يكون أحد غيره كذلك.

«و لا أوجّهه» أي: مدحي و ثنائي، و أفرد الضمير لاتحادهما في المصداق «إلى معادن الخيبة» ممّن رجاهم غيره «و مواضع الرّيبة» باحتمال كونهم على ضدّ ما يمدحون به.

«و عدلت بلساني عن مدائح الآدميين» إلى مدحك «و» عن «الثناء على المخلوقين المربوبين» إلى الثناء عليك، لأنّك اللَّه خالق الخلق و ربّ العالمين.

«اللّهم و لكلّ مثن على من أثنى عليه مثوبة من جزاء» فأثبني جزاء ثنائي «أو عارفة» أي: معروف «من عطاء» فأعطني عطاء معروفا على ثنائي.

«و قد رجوتك دليلا على ذخائر الرحمة» و للَّه خزائن السماوات و الأرض( ١ ) و إن من شي‏ء إلاّ عندنا خزائنه و ما ننزّله إلاّ بقدر معلوم( ٢) .

«و كنوز المغفرة» أي: كنوز أسبابها، كقوله تعالى: و سارعوا إلى مغفرة من ربّكم( ٣) .

«اللّهمّ و هذا مقام من أفردك بالتوحيد الذي هو لك» أي: بالإقرار بواحدانيتك المختصّة بك «و لم ير مستحقا لهذه المحامد و الممادح» جمعا المحمدة و المدحة،

و جاء جمع الثاني بلفظ الأماديح أيضا، قال الشاعر:

لو كان مدحة حيّ منشرا أحدا

أحيا أبا كن يا ليلى الأماديح(٤)

و الأصل في الحمد الارتضاء، يقال أحمدت الأرض ارتضيت سكناها،

و قال قراد بن حنش:

____________________

(١) المنافقون: ٧.

(٢) الحجر: ٢١.

(٣) آل عمران: ١٣٣.

(٤) أورده أساس البلاغة: ٤٣٣، مادة (مدح)، و لسان العرب ٢: ٥٨٩ مادة (مدح).

٣٣

لهفي عليك إذا الرعاة تحامدوا

بحزيز أرضهم الدرين الأسودا(١)

«غيرك» لعدم صدقها في سواه تعالى «و بي فاقة» أي: حاجة «اليك لا يجبر مسكنتها إلاّ فضلك» لا استحقاقي.

«و لا ينعش» أي: لا يرفع «من خلتها» بالفتح أي: فاقتها «إلاّ منّك و جودك» على عبادك.

«فهب لنا في هذا المقام» مقام حمدك و ثنائك «رضاك» عنّا.

«و أغننا عن مدّ الأيدي إلى سواك» لأنّك الرّزّاق «إنّك على كلّ شي‏ء قدير» على إغنائنا و إصلاح جميع شؤوننا.

هذا، و روى (أمالي الشيخ) فيما رواه عن الغضائري أنّهعليه‌السلام كان إذا رأى الهلال قال: اللّهم ارزقنا خيره و نصره و بركته و فتحه، و نعوذبك من شرّه و شرّ ما بعده( ٢) .

و روى (الكافي) عنهعليه‌السلام قال: الدعاء مفتاح النّجاح، و مقاليد الفلاح،

و خير الدعاء ما صدر عن صدر نقيّ و قلب تقيّ، و في المناجاة سبب النجاة،

و بالاخلاص يكون الخلاص، فإذا اشتدّ الفزع فإلى اللَّه المفزع.

أيضا: الدعاء ترس المؤمن، و متى تكثر قرع الباب يفتح لك( ٣) .

و في (المحاسن و الأضداد للجاحظ): يقال أنّ عليّاعليه‌السلام لمّا اتصل به مسير معاوية قال: لا أرشد اللَّه قائده، و لا أسعد رائده، و لا أصاب غيثا، و لا سار إلاّ ريثا، و لا رافق إلاّ ليثا، أبعده اللَّه و أسحقه، و أوقد على أثره و أحرقه، لا حطّ اللَّه رحله، و لا كشف محلّه، و لا بشّر به أهله، لا زكّى له مطلب و لا رحب له

____________________

(١) أورده أساس البلاغة: ٩٤، مادة (حمد).

(٢) أمالي ابن جعفر الطوسي ٢: ٢٦٠ المجلس ١٥.

(٣) الكافي ٢: ٤٦٨ ح ٢ و ٤.

٣٤

مذهب، و لا يسّر له مراما، لا فرّج اللَّه له غمّه، و لا سرّى همّه، لا سقاه اللَّه ماء، و لا حل عقده، و لا أروى زنده، جعله اللَّه سفر الفراق، و عصا الشقاق و أنشد:

بأنكد طائر و بشرّ فال

لأبعد غاية و أخسّ حال

بحدّ السدّ حيث يكون منّي

كما بين الجنوب إلى الشمال

غريبا تمتطي قدميك دهرا

على خوف تحنّ إلى العيال(١)

٨ - الكتاب (١٥) و كانعليه‌السلام يقول إذا لقي العدو محاربا:

اَللَّهُمَّ أَفْضَتِ إِلَيْكَ اَلْقُلُوبُ وَ مُدَّتِ اَلْأَعْنَاقُ وَ شَخَصَتِ اَلْأَبْصَارُ وَ نُقِلَتِ اَلْأَقْدَامُ وَ أُنْضِيَتِ اَلْأَبْدَانُ اَللَّهُمَّ قَدْ صَرَّحَ مَكْنُونُ اَلشَّنَآنِ وَ جَاشَتْ مَرَاجِلُ اَلْأَضْغَانِ اَللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ غَيْبَةَ نَبِيِّنَا وَ كَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَ تَشَتُّتَ أَهْوَائِنَا رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلْفاتِحِينَ ٣٥ ٤٥ ٧: ٨٩ قول المصنف: «و كانعليه‌السلام إذا لقي العدوّ محاربا» رواه نصر ابن مزاحم في (صفينه) في ثلاث روايات:

إحداها: ما رواه مسندا عن سلام بن سويد: كان عليّعليه‌السلام إذا أراد أن يسير إلى الحرب و قعد على دابّته قال: الحمد للَّه ربّ العالمين على نعمه علينا و فضله العظيم سبحان الذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين و إنّا إلى ربّنا لمنقلبون( ٢ ) ثم يوجّه دابته الى القبلة ثم يرفع يديه الى السماء ثم يقول: اللّهم إليك نقلت الأقدام، و أفضت القلوب، و رفعت الأيدي، و شخصت الأبصار،

____________________

(١) المحاسن و الأضداد: ٩٩.

(٢) الزخرف: ١٣ و ١٤.

٣٥

نشكو إليك غيبة نبيّنا، و كثرة عدوّنا، و تشتّت أهوائنا ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين( ١ ) سيروا على بركة اللَّه( ٢) .

الثانية: مسندا عن تميم: كان عليعليه‌السلام إذا سار الى القتال ذكر اسم اللَّه حين يركب، ثم يقول: الحمد للَّه على نعمه علينا و فضله العظيم سبحان الّذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين و إنّا إلى ربّنا لمنقلبون( ٣ ) ثم يستقبل القبلة ثم يرفع يديه إلى اللَّه ثم يقول: اللّهم إليك نقلت الأقدام، و أتعبت الأبدان، و أفضت القلوب، و رفعت الأيدي، و أشخصت الأبصار ربّنا افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين( ٤ ) سيروا على بركة اللَّه، ثم يقول: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر، يا اللَّه يا أحد يا صمد، يا ربّ محمّد، بسم اللَّه الرحمن الرحيم، لا حول و لا قوّة إلاّ باللَّه العليّ العظيم، إيّاك نعبد و إيّاك نستعين، اللّهمّ كفّ عنّا بأس الظالمين فكان هذا شعاره بصفين( ٥) .

الثالثة: عن قيس بن الربيع عن عبد الواحد بن حسان عمّن حدّثه عن عليعليه‌السلام سمعه يقول يوم صفين «اللّهم إليك رفعت الأبصار، و بسطت الأيدي،

و دعيت الألسن، و أفضت القلوب، و تحوكم إليك في الأعمال، فاحكم بيننا و بينهم بالحقّ و أنت خير الفاتحين. اللّهم إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا، و قلّة عددنا،

و كثرة عدوّنا و تشتّت أهوائنا، و شدّة الزمان، و ظهور الفتن، أعنّا عليهم بفتح تعجّله، و نصر تعزّ به سلطان الحقّ و تظهره»( ٦) .

____________________

(١) الأعراف: ٨٩.

(٢) وقعة صفين: ٢٣١.

(٣) الزخرف: ١٣ ١٤.

(٤) الاعراف: ٨٩.

(٥) وقعة صفين: ٢٣٠.

(٦) وقعة صفين: ٢٣١.

٣٦

و الخبر الأوّل مطلق في كونه أيّ حرب، و الأخيران صرّح فيهما بكونه في صفين، لكن لم يذكر فيهما وقته.

و روى خبرا آخر انّهعليه‌السلام قاله يوم الهرير، فروى عن جابر بن عمير الأنصاري قال: و اللَّه لكأني أسمع عليّاعليه‌السلام يوم الهرير و ذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بينها و بين عك و لخم و جذام و الأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي، حتى استقلت الشمس و قام قائم الظهر يقول لأصحابه متى نخلّي بين هذين الحيين قد فنينا و أنتم وقوف تنظرون، أما تخافون مقت اللَّه.

ثم انفتل إلى القبلة و رفع يديه و نادى «يا اللَّه يا رحمن يا رحيم، يا واحد يا أحد يا صمد، يا اللَّه يا إله محمّد، اللّهم إليك نقلت الأقدام و أفضت القلوب و رفعت الأيدي و مدّت الأعناق و شخصت الأبصار و طلبت الحوائج، إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا و كثرة عدوّنا و تشتّت أهوائنا، ربّنا افتح بيننا و بين الحقّ و أنت خير الفاتحين» سيروا على بركة اللَّه، ثم نادى «لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر كلمة التقوى».

قال جابر: لا و الذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق اللَّه السماوات و الأرض، أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب، إنّه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا فيقول «معذرة إلى اللَّه عزّ و جلّ و إليكم من هذا، لقد هممت أن أفلقه و لكن حجزني عنه أنّي سمعت الرسول يقول كثيرا «لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ علي» و أنا قاتل به دونه.

قال جابر: فكنّا نأخذه فنقوّمه ثم يتناوله من أيدينا فيتقحم به في عرض الصف، و لا و اللَّه ما ليث بأشدّ نكاية في عدوّه منهعليه‌السلام ( ١) .

و روى (صفين عبد العزيز الجلّودي) كما في (مهج علي بن طاوس)

____________________

(١) وقعة صفين: ٤٧٧، و النقل بتصرف يسير.

٣٧

إنّه كان في أوّل القتال، ففيه: فلمّا زحفوا باللواء قال عليّعليه‌السلام : بسم اللَّه الرحمن الرحيم، لا حول و لا قوّة إلاّ باللَّه العلّي العظيم، اللّهم إيّاك نعبد و إيّاك نستعين،

يا اللَّه يا رحمن يا رحيم يا أحد يا صمد يا إله محمّد، إليك نقلت الأقدام و أفضت القلوب و شخصت الأبصار و مدّت الأعناق و طلبت الحوائج و رفعت الأيدي،

اللّهمّ افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين. ثم قال «لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر» ثلاثا( ١ ) . قلت: و حيث انّه كان دعاء يكرّر أمكن دعاؤهعليه‌السلام به في كلّ ما روى، فعن جمل المفيد دعا به يوم الجمل أيضا( ٢) .

كما انّه روى الكلام عنهعليه‌السلام في غير وقت الحرب، فروى (رسائل الكليني) كما في (المحجّة) فيما كتبهعليه‌السلام بعد منصرفه من النهروان لمّا سألوه عن أبي بكر و عمر و عثمان إلى أن قال فدعوني إلى بيعة عثمان فبايعت مستكرها و صبرت محتسبا، و علّمت أهل القنوت أن يقولوا: «اللّهمّ لك أخلصت القلوب، و إليك شخصت الأبصار، و أنت دعيت بالألسن، و إليك تحوكم الأعمال، فافتح بيننا و بين قومنا بالحقّ. اللّهم إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا،

و كثرة عدوّنا، و قلّة عددنا، و هو اننا على الناس، و شدّة الزمان، و وقوع الفتن بنا. اللّهم ففرّج ذلك بعدل تظهره، و سلطان حق تعرفه»( ٣) .

قال ابن أبي الحديد: كان سديف مولى المنصور يقول «اللّهم انّا نشكو إليك غيبة نبيّنا و كثرة عدوّنا، و تشتّت أهوائنا، و ما شملنا من زيغ الفتن،

و استولى علينا من عشوة الحيرة، حتى عاد فيئنا دولة بعد القسمة، و أمارتنا غلبة بعد المشورة، وعدنا ميراثا بعد الاختيار للامة، و اشتريت الملاهي

____________________

(١) مهج الدعوات: ٩٦.

(٢) الجمل: ١٨٢.

(٣) كشف المحجة: ١٧٩.

٣٨

و المعازف بمال اليتيم و الأرملة، و أرعي في مال اللَّه من لا يرعى له حرمة،

و حكم في أبشار المؤمنين أهل الذمة، و تولّى القيام بأمورهم فاسق كلّ محلة،

فلا ذائد يذودهم عن هلكة، و لا راع ينظر إليهم بعين رحمة، و لا ذو شفقة يشبع الكبد الحرّى من مسغبة، فهم أولو ضرع وفاقة، و أسراء فقر و مسكنة، و حلفاء كآبة و ذلّة. اللّهم و قد استحصد زرع الباطل و بلغ نهايته، و استحكم عموده،

و استجمع طريده، و حذف وليده، و ضرب بجرانه فأتح له من الحقّ يدا حاصدة، تجذّ سنامه و تهشم سوقه و تصرع قائمه، ليستخفي الباطل بقبح حليته و يظهر الحقّ بحسن صورته».

و وجدت هذه الألفاظ في دعاء منسوب إلى علي بن الحسينعليه‌السلام ، و لعلّه من كلامه و قد كان سديف يدعو به( ١) .

قلت: ان كان أصل الكلام من السجادعليه‌السلام إلاّ أنّه لا بدّ أن يكون بعض فقراته من غيره، فهو لا يقول «عادت إمارتنا غلبة بعد المشورة وعدنا ميراثا بعد الاختيار للامّة»، فهل تلك المفاسد التي عدّت إلاّ نتيجة ذاك الاختيار يوم السقيفة و تلك المشورة يوم الدار؟

قولهعليه‌السلام «اللّهم أفضت اليك» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «اللّهم إليك أفضت» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) «القلوب» أي: تظهر القلوب أسرارها لك.

«و مدّت الأعناق» أي: تتضرع لك «و شخصت الأبصار» شخص بصره: إذا فتحه و جعله لا يطرف.

«و نقلت الأقدام» أي: مسيرنا كان لك «و انضيت الأبدان» يقال: انضيت

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١١٣.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١١٢، و شرح ابن ميثم ٤: ٣٨٥.

٣٩

الثوب إذا ابليته، و انضى فلان بعيره أي: هزله، و تقديم الظرف للحصر، أي: ان وقوع جميع هذه الامور كان مختصا لك.

«اللّهم قد صرح» أي: انكشف و ظهر «مكتوم» هكذا في (المصرية)،

و الصواب: «مكنون» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ١ ) «الشنآن» أي:

البغض.

«و جاشت» من جاشت القدر أي: غلت «مراجل» جمع المرجل قدر من نحاس «الأضغان».

و روى نصر بن مزاحم في (صفينه): لما أراد عليّعليه‌السلام الشخوص إلى صفين التفت عبد اللَّه بن بديل الخزاعي إلى الناس و قال: كيف يبايع معاوية عليّاعليه‌السلام و قد قتل أخاه حنظلة و خاله الوليد و جدّه عتبة في موقف واحد( ٢) .

«اللّهم إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا و كثرة عدوّنا» قالت سيدة النساء مخاطبة لأبيها أو صفية لابن أخيها كما في (بيان الجاحظ):

قد كان بعدك أنباء و هنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض و ابلها

فاحتل لقومك و اشهدهم و لا تغب(٣)

و قالت أروى بنت عبد المطلب كما في (طبقات كاتب الواقدي):

لعمرك ما أبكي النبي لموته

و لكن لهرج كان بعدك آتيا(٤)

و في (أنساب البلاذري): قالت امّ الفضل: كنت جالسة عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو مريض، فبكيت فقال: ما يبكيك؟ قلت: أخشى عليك و لا أدري ما نلقى من

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١١٢، لكن في شرح ابن ميثم ٤: ٣٨٥ نحو المصرية.

(٢) وقعة صفين: ١٠٢.

(٣) نقله عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) الطبرسي في الاحتجاج ١: ٩٢، و عن صفية الجاحظ في البيان ٣: ٣١٩ و عن هند بنت اثاثة ابن سعد في الطبقات ٢ ق ٢: ٩٧ بفرق يسير بين الألفاظ.

(٤) طبقات ابن سعد ٢ ق ٢: ٩٣.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

و أمّا قوله : انه لم يشهد معه عليه السلام حروبه ، فغير معلوم ، فقد صرّح ابن عبد البر في ( استيعابه ) في شأن عبد اللّه بن عباس ، بأن عقيلا شهد معه عليه السلام الجمل و صفين و النهروان كابن عباس ١ .

و أغرب من ذلك ما رواه صاحب ( عمدة الطالب ) ، فقال : شهد عقيل صفين مع معاوية غير أنّه لم يقاتل ، و لم يترك نصح أخيه و التعصّب له ، فروي أنّ معاوية قال يوم صفين : لا نبالي و أبو يزيد معنا . قال عقيل : و قد كنت معكم يوم بدر فلم أغن عنكم من اللّه شيئا الخ ٢ ، و ما رواه ( صاحب العمدة ) و هم فاحش ، و أنّ معاوية لم يقل ما ذكر ، يوم صفين ، بل قال ذلك يوم وفد إليه عقيل بعد صفين ، فإنّما لفظ الجاحظ : قال معاوية لعقيل مرّة : أنت معنا يا أبا يزيد الليلة ، قال : و يوم بدر قد كنت معكم ٣ .

كما أن صاحب ( عمدة الطالب ) أيضا و هم في مكان آخر ، فقال : كان عقيل أعور ٤ ، مع أنّه صار أخيرا أعمى . قال في العقد الفريد : دخل عقيل على معاوية و قد كفّ بصره ، فأجلسه على سريره ثم قال له : أنتم معشر بني هاشم تصابون في أبصاركم . قال : و أنتم معشر بني اميّة تصابون في بصائركم ٥ .

و أمّا قول ابن أبي الحديد : هل التحق بمعاوية في حياته عليه السلام أو بعده ٦ ،

فخبط ، فلم يلتحق بمعاوية أصلا ، و انّما وفد عليه كما كان غيره يفد عليه ، و لم أر من أهل السير من أنكر وفوده في حياته عليه السلام ، بل رووا وفوده على معاوية

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاستيعاب ٢ : ٣٥٦ و ٣٥٧ .

( ٢ ) عمدة الطالب : ٣١ .

( ٣ ) البيان و التبيين ٢ : ٣٦٧ .

( ٤ ) عمدة الطالب : ٣١ .

( ٥ ) العقد الفريد ٤ : ٧٩ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٥١ ، و النقل بالمعنى .

٥٢١

في حياته عليه السلام و بعده .

و قد قال ابن أبي الحديد نفسه في شرح قوله عليه السلام « أيّها النّاس المجتمعة أبدانهم » : رووا أنّ عقيلا قدم على أمير المؤمنين عليه السلام فوجده جالسا في صحن مسجد الكوفة ، و قد كان كفّ بصره ، فالتفت عليه السلام إلى ابنه الحسن فقال : قم فأنزل عمّك ، فقام فأنزله ثم عاد إليه ، فقال له : فاذهب و اشتر لعمّك قميصا جديدا و رداء جديدا و إزارا جديدا و نعلا ، فذهب فاشترى له ، فغدا عقيل عليه السلام و قال له : ما أراك أصبت من الدنيا شيئا ، و إنّي لا ترضى نفسي من خلافتك بما رضيت لنفسك فقال عليه السلام له : يخرج عطائي فأدفعه إليك ، فلما ارتحل عنه عليه السلام أتى معاوية فنصب له كراسيه و أجلس جلساءه حوله ، فلما ورد عليه أمر له بمائة ألف ، فقبضها ثمّ غدا عليه يوما بعد ذلك و جلساء معاوية حوله ، فقال له معاوية : أخبرني عن عسكري ، و عسكر أخيك ، فقد وردت عليهما فقال : أخبرك ، مررت و اللّه بعسكر أخي ، فإذا ليل كليل رسول اللّه و نهار كنهار رسول اللّه ، إلاّ أنّ رسول اللّه ليس في القوم ، ما رأيت إلاّ مصلّيا و لا سمعت إلاّ قارئا ، و مررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممّن نفر بالنّبي ليلة العقبة ثم قال : من هذا عن يمينك يا معاوية ؟ قال : هذا عمرو بن العاص ، قال : هذا الذي اختصم فيه ستة نفر فغلب عليه جزار قريش ، فمن الآخر ؟ قال : هو الضحّاك بن قيس الفهري ، قال : أما و اللّه لقد كان أبوه جيد الأخذ لعسب التيوس ، فمن هذا الآخر ؟ قال : هو أبو موسى الأشعري . قال : هذا ابن السرّاقة ،

فلما رأى معاوية أنّه قد أغضب جلساءه علم أنّه إن استخبره عن نفسه ، قال فيه سوء ، فأحبّ أن يسأله ، ليقول فيه ما يعلمه من السوء فيذهب بذلك غضب جلسائه ، فقال له : ما تقول فيّ ؟ قال : دعني من هذا . قال : لتقولن قال : أتعرف حمامة ؟ قال : و من حمامة ؟ قال : قد اخبرتك ، ثم قام فمضى ، فأرسل معاوية إلى

٥٢٢

نسّابة فقال له : من حمامة قال : ولي الأمان ؟ قال : نعم . قال : جدّتك أم أبي سفيان كانت بغيا في الجاهلية صاحب راية ، فقال معاوية لجلسائه : قد ساويتكم و زدت عليكم فلا تغضبوا ١ .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : ذكروا أنّ عقيلا قدم من المدينة على أخيه بالكوفة فقال له : ما أقدمك ؟ قال : تأخّر العطاء عنّا و غلاء السعر ببلدتنا ، و ركبنا دين عظيم فجئت لتصلني فقال عليه السلام : و اللّه ما لي ممّا ترى شيئا إلاّ عطائي ، فإذا خرج فهو لك فقال عقيل : و إنّما شخوصي من الحجاز إليك لأجل عطائك ، و ماذا يبلغ منّي عطاؤك و ما يدفع من حاجتي فقال عليه السلام له : هل تعلم لي مالا غيره ، أم تريد أن يحرقني اللّه في نار جهنّم في صلتك بأموال المسلمين فقال : و اللّه لأخرجن إلى رجل هو أوصل لي منك يريد معاوية فقال له : راشدا مهديا فخرج حتى أتى معاوية الخ ٢ .

و في ( المروج ) : وفد عقيل على معاوية منتجعا و زائرا فرحّب به معاوية و سرّ بوروده لاختياره إيّاه على أخيه ، فقال له : كيف تركت عليّا ؟ قال :

على ما يحبّ اللّه و رسوله ، و ألفيتك على ما يكره اللّه و رسوله . فقال له معاوية :

لو لا أنّك زائر منتجع جنابنا لرددت عليك جوابا تألم منه . ثم أحبّ أن يقطع كلامه مخافة أن يأتي بشي‏ء يخفّضه ، فوثب عن مجلسه ، و أمر له بنزل و حمل إليه مالا عظيما ، فلما كان من غد جلس ، و أرسل إليه ، فأتاه ، فقال له : يا أبا يزيد كيف تركت عليّا أخاك ؟ قال : تركته خيرا لنفسه منك ، و أنت خير لي منه فقال له معاوية : ما تغيّرك الأيام و الليالي . فقال له عقيل : و لكن أنت يا معاوية إذا افتخرت بنو اميّة بمن تفخر ؟ فقال له معاوية : عزمت

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٢٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الامامة و السياسة ١ : ٨١ .

٥٢٣

عليك لما أمسكت الخ ١ .

و في ( العقد ) : دخل عقيل على معاوية فقال معاوية لأصحابه : هذا عقيل عمّه أبو لهب فقال عقيل : و هذا معاوية عمّته حمّالة الحطب ثم قال : يا معاوية ، إذا دخلت النّار فاعدل ذات اليسار ، فانّك ستجد عمّي أبا لهب مفترشا عمّتك حمّالة الحطب ، فانظر أيّهما خير ، الفاعل أو المفعول به ؟ و قال له معاوية : و اللّه إنّ فيكم لخصلة يا بني هاشم ما تعجبني ، قال : و ما هي ؟ قال : لين فيكم ، قال : لين ماذا ؟

قال هو ذاك ، قال : إيّانا تعيّر يا معاوية ؟ قال : أجل و اللّه إنّ فينا للينا من غير ضعف ، و عزّا من غير جبروت ، و أما انتم يا بني اميّة ، فإن لينكم غدر ، و عزّكم كفر ، و أيم اللّه يا معاوية لئن كانت الدنيا مهّدتك مهادها ، و اظلّتك بحذافيرها و مدت عليك أطناب سلطانها ما ذاك بالذي يزيدك منّي رغبة ، و لا تخشّعا لرهبة ٢ .

و اما قول ابن أبي الحديد : المنكرون استدلوا بالكتاب الذي كتبه عقيل إليه في آخر خلافته ، فذكرناه في فصل الغارات إنّه كان في أوّل خلافته و لا دلالة فيه ٣ .

هذا ، و في ( بيان الجاحظ ) : كان علماء قريش بالأنساب و الأخبار أربعة ،

و كان عقيل أكثرهم ذكرا لمثالب النّاس ، فعادوه لذلك ، و قالوا فيه و حمّقوه حتى قالوا : ثلاثة حمقى ، كانوا إخوة ثلاثة عقلاء : عقيل أخي علي ، و عقبة أخي معاوية ، و معاوية أخي عبد الملك . و كيف يكون ذلك ؟ و جعدة بن هبيرة يقول :

« و خالي علي ذو الندى و عقيل » و قال قدّامة بن موسى :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٣٦ ٣٧ .

( ٢ ) العقد الفريد ٤ : ٨١ و النقل بتقطيع .

( ٣ ) موضعه في العنوان ١٢ من الفصل الرابع و الثلاثين .

٥٢٤

و جدّي علي ذو التقى و ابن امّه

عقيل و خالي ذو الجناحين جعفر ١

« و قد أملق » أي : افتقر ، قال تعالى : و لا تقتلوا أولادكم من املاق ٢ « حتى استماحني » أي : استعطاني « من برّكم » البرّ : الحنطة « صاعا » الصاع : أربعة أمداد « و رأيت صبيانه شعث » قال الجوهري : الشّعث : انتشار الأمر ، فقال « لمّ اللّه شعثك » أي : جمع أمرك المنتشر ، و الشعث : مصدر الأشعث ، و هو المغبرّ الرأس ٣ .

« الشعور غبر » هكذا في ( المصرية ) و هما زائدان فليسا في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٤ .

« الألوان من فقرهم كأنّما سوّدت وجوههم بالعظلم » قال الجوهري : العظلم :

نبت يصبغ به ، و هو بالفارسية « فقل » و يقال هو الوسمة و العظلم الخ ٥ .

و للمطراني :

يحملن أطفالا كأنّ وجوههم

طليت بصمغ من يبيس مخاط ٦

« فأصغيت » أي : ملت « إليه سمعي ، فظنّ أنّي أبيعه ديني » قال الشاعر :

تحسّب هواس و أيقن أنّني

بها مفتد من واحد لا أغامره

أي : تشمّم الأسد ناقتي ، و ظنّ أنّي أتركها له و لا اقاتله .

في الخبر : شرّ النّاس من باع دينه بدنياه ، و شرّ منه من باع دينه بدنيا غيره ٧ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) البيان و التبيين ٢ : ٣٦٤ و ٣٦٥ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) الانعام : ١٥١ .

( ٣ ) صحاح اللغة ١ : ٢٨٥ ، مادة ( شعث ) .

( ٤ ) يوجد في شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٥ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٨٣ .

( ٥ ) صحاح اللغة ٥ : ١٩٨٨ ، مادة ( عظلم ) .

( ٦ ) اسقط الشارح هنا فقرتي « و عاودني مؤكدا و كرر على القول مرددا » .

( ٧ ) أخرجه الصدوق في معاني الاخبار : ١٩٨ ، و في أماليه : ٣٢٣ ، المجلس ٦٢ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ٢ : ٥٠ ، جزء ١٥ ، و النقل بالمعنى .

٥٢٥

هذا ، و في ( المروج ) : كتب بارزاق شريك القاضي إلى الجهبذ فضايقه في النقص ، فقال له الجهبذ : إنّك لم تبع بزا ، قال له شريك : بلى و اللّه لقد بعت أكبر من البز لقد بعت ديني ١ .

« و اتّبع قياده » أيّ : قوّده لي كجمل يقوده صاحبه « مفارقا طريقتي » « أخوك دينك فاحتط لدينك » ٢ و قال تعالى : يوم يفرّ المرء من أخيه . و امّه و أبيه .

و صاحبته و بنيه . لكلّ امرى‏ءٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يُغنيه ٣ .

« فأحميت له » بالنّار « حديدة ثمّ أدنيتها من جسمه ليعتبر بها » من نار الآخرة و أغلالها .

في ( المناقب ) : ذكر عمرو بن العلاء أنّ عقيلا لمّا سأله إعطاءه من بيت المال قال عليه السلام له : تقيم إلى يوم الجمعة ، فأقام فلمّا صلاّها بالنّاس قال له : ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين ؟ قال : بئس الرجل ذاك ، قال : فأنت تأمرني أن أخون هؤلاء و اعطيك ٤ .

و فيه قدم عقيل عليه السلام ، فلمّا حضر العشاء إذا هو خبز و ملح ، فقال : ليس إلاّ ما أرى فقال : أو ليس هذا من نعمة اللّه و له الحمد كثيرا ، فقال : أعطني ما أقضي به ديني و كانا يتكلّمان فوق قصر الإمارة مشرفين على صناديق أهل السوق فقال عليه السلام له : إذا بتّ فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر قفالها و خذ ما فيها .

فقال : و ما فيها ؟ قال : أموال التجار ، قال : أتأمرني أن أكسر صناديق قوم توكّلوا على اللّه و جعلوا فيها أموالهم فقال عليه السلام : ءأنا أفتح بيت مال المسلمين

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٣١٠ .

( ٢ ) أخرجه أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ١٠٩ ، جزء ٤ .

( ٣ ) عبس : ٣٤ ٣٧ .

( ٤ ) مناقب السروي ٢ : ١٠٩ ، و النقل بتصرف يسير .

٥٢٦
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

فأعطيك أموالهم و قد توكلوا على اللّه و أقفلوا عليها . و قال له : إن شئت أخذت سيفك و أخذت سيفي و خرجنا جميعا إلى الحيرة ، فإنّ بها تجارا مياسير ،

فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله . فقال : أو سارقا جئت ؟ قال : نسرق من واحد خير من أن نسرق من المسلمين جميعا ١ .

« فضجّ ضجيج ذي دنف » بفتحتين المرض الملازم « من ألمها و كاد أن يحترق من ميسمها » قال الجوهري : الميسم : المكواة ، و أصل الياء واو ٢ .

« فقلت له ثكلتك الثواكل » قال الجوهري : الثكل : فقدان المرأة ولدها ٣ « يا عقيل أ تئنّ » من « أنّ أنينا » قال ذو الرمة « كما أنّ المريض إلى عواده الوصب » ٤ .

« من حديدة أحماها » أي : أحرّها « إنسانها للعبه و تجرّني إلى نار سجرها جبّارها لغضبه » إذا رأتهم من مكانٍ بعيدٍ سمعوا لها تغيّظاً و زفيراً . و إذا ألقوا منها مكاناً ضيّقاً مقرّنين دَعَوْا هنالك ثبوراً . لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً و ادعوا ثبوراً كثيراً ٥ .

في ( تاريخ بغداد ) : كان سعد بن حذيفة على قضاء المدائن ، و كلّمه ابن جعدة بن هبيرة في شي‏ء من الحكم ، و بين يديه نار ، فقال له سعد : ضع إصبعك في هذه النّار ، قال : سبحان اللّه تأمرني أن أحرق بعض جسدي ، قال :

فأنت تأمرني أن أحرق جسدي ٦ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مناقب السروي ٢ : ١٠٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) صحاح اللغة ٥ : ٢٥١ ، مادة ( وسم ) .

( ٣ ) صحاح اللغة ٤ : ١٦٤٧ ، مادة ( ثكل ) .

( ٤ ) أورده لسان العرب ١٣ : ٢٨ ، مادة ( ان ) .

( ٥ ) الفرقان : ١٢ ١٤ .

( ٦ ) تاريخ بغداد ٩ : ١٣٣ .

٥٢٧

و في ( الحلية ) : استعمل هرم بن حيّان ، فظنّ أنّ قومه سيأتونه ، فأمر بنار ،

فأوقدت بينه و بين من يأتيه من القوم ، فجاءه قومه يسلّمون عليه من بعيد ،

فقال : مرحبا بقومي ادنوا ، قالوا : و اللّه ما نستطيع أن ندنو منك ، لقد حال النّار بيننا و بينك . قال : و أنتم تريدون أن تلقوني في نار أعظم منها في نار جهنم فرجعوا ١ .

« أ تئنّ من الأذى و لا أئنّ من لظى » قال الجوهري : لظى : اسم من أسماء النار معرفة لا تنصرف ٢ كلاّ إنّها لظى . نزّاعة للشوى ٣ أي جلدة الرأس فأنذرتكم نارا تلظى ٤ أي : تتوقّد .

قال ابن أبي الحديد : سأل معاوية عقيلا عن قصّة الحديدة المحماة ، فبكى ،

و قال : نعم أصابتني مخمصة شديدة ، فسألته فلم تند صفاته ، فجمعت صبياني و جئته بهم و البؤس و الضر ظاهران عليهم ، فقال : إيتني عشيّة لأدفع إليك شيئا ، فجئته يقودني أحد ولدي فأمره بالتنحّي ، ثم قال : ألا فدونك .

فأهويت حريصا قد غلبني الجشع أظنّها صرّة ، فوضعت يدي على حديدة تلتهب نارا ، فلما قبضتها خرت كما يخور الثور تحت يد جازره ، فقال : ثكلتك امك هذا من حديدة أو قدت لها نار الدنيا ، فكيف بي و بك غدا إن سلكنا في سلاسل جهنم ؟ ثم قرأ إذ الأغلال في أعناقهم و السلاسل يسحبون ٥ ، ثم قال : ليس لك عندي فوق حقّك الذي فرضه اللّه لك إلاّ ما ترى فانصرف . فجعل

ــــــــــــــــــ

( ١ ) حلية الأولياء ٢ : ١٢٠ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٤٨٢ مادة ( لظى ) .

( ٣ ) المعارج : ١٥ ١٦ .

( ٤ ) الليل : ١٤ .

( ٥ ) غافر : ٧١ .

٥٢٨

معاوية يتعجّب و يقول : هيهات هيهات عقمت النساء أن يلدن بمثله ١ .

قلت : و قد عرفت أن ( أمالي الصدوق ) رواه مع زيادات منها « أ أمتنع من وبرة من قلوصها ساقطة و أبتلع إبلا في مبركها رابطة » ٢ .

و في ( بلاغات نساء البغدادي ) : حجّ معاوية سنة ، فسأل عن امرأة يقال لها الدارمية الحجونية و كانت امرأة سوداء كثيرة اللحم فأخبر بسلامتها ،

فبعث فجي‏ء بها فقال لها : كيف حالك يا ابنة حام ؟ قالت : بخير و لست لحام ، إنّما أنا امرأة من قريش من بني كنانة ، ثمّ من بني أبيك . قال : صدقت هل تعلمين لم بعثت إليك ؟ قالت : لا ، قال : لأسألك علام أحببت عليّا و أبغضتني ، و علام واليته و عاديتني ؟ قالت : أ و تعفيني ؟ قال : لا ، قالت : فأمّا إذ أبيت فإنّي أحببت عليّا على عدله في الرعيّة و قسمه بالسويّة ، و أبغضتك على قتالك من هو أولى بالأمر منك ، و طلبك ما ليس لك ، و واليت عليّا على ما عقد له النبي من الولاية و لحبّه المساكين و إعظامه أهل الدين ، و عاديتك على سفكك الدماء و شقك العصا إلى أن قال قال : فهل سمعت كلامه ؟ قالت : نعم ، قال : فكيف سمعته ؟ قالت :

كان كلامه و اللّه يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت الطست من الصدى .

قال : صدقت ، هل لك من حجّة ؟ قالت : و تفعل إذا سألت ؟ قال : نعم ، قالت تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها و راعيها ، قال : ماذا تصنعين بها ؟ قالت : أغذو بألبانها الصغار ، و استحيى بها الكبار ، و اكتسب بها المكارم ، و أصلح بها بين عشائر العرب إلى أن قال فقال لها معاوية : أما و اللّه لو كان علي ما أعطاك شيئا ، قالت : أي و اللّه و لا برّة واحدة من مال المسلمين . ثم أمر لها بما سألت ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٥٣ .

( ٢ ) أمالي الصدوق : ٤٩٨ .

( ٣ ) بلاغات النساء : ١٠٥ ، و النقل بتصرف يسير .

٥٢٩

هذا ، و في ( سيرة ابن هشام ) : ذكر زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عقيلا دخل يوم حنين على إمرأته فاطمة بنت شيبة بن ربيعة ، و سيفه متطلخ دما ، فقالت : إنّي قد عرفت أنّك قد قاتلت فماذا أصبت من غنائم المشركين ؟ فقال : دونك هذه الابرة تخيطين بها ثيابك فدفعها إليها ، فسمع منادي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : من أخذ شيئا فليرده حتى الخياط و المخيط ، فرجع عقيل فقال : ما أرى أبرتك إلاّ قد ذهبت فأخذها فألقاها في الغنائم ١ .

« و أعجب من ذلك » أي : من طلب عقيل منه عليه السلام صاعا زائدا عن حقّه « طارق » أي : من جاء ليلا « طرقنا بملفوفة في وعائها و معجونة شنئتها » أي : أبغضتها « كأنّما عجنت بريق » ماء الفم « حيّة أو قيئها » لأنّ الحرام عند أولياء اللّه مبغوض كريق الحية و قيئها .

و قد عرفت أنّ في رواية ( الأمالي ) ، إنّه عليه السلام قال : و لدنياكم أهون عندي من ورقة في فمّ جرادة تقضمها ، و أقذر عندي من عراقة خنزير يقذف بها أجذمها ،

و أمرّ على فؤادي من حنظلة يلوكها ذو سقم فيبشمها ٢ .

و قال البحتري :

و ما كان ما أسدى إلي ابن يلبخ

سوى حمة من عارض السم تنزع

و من بديع التشبيه في الشي‏ء المكروه في مجدور قول ابن طباطبا :

ذو جدري وجهه يحكيه جلد السمكة

أو جلد أفعى سلخت أو قطعة من شبكه

أو حلق الدرع إذا أبصرتها مشتبكة

أو سفر محبّب أو كرش منفركه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) سيرة ابن هشام ٤ : ١٠١ .

( ٢ ) أمالي الصدوق : ٤٩٨ .

٥٣٠

أو منخل أو عرض رقعته منهتكة

أو حجر الحمام كم من وسخ قد دلكه

أو كور زنبور إذا فرّخ فيه تركه

أو كدر الماء إذا أظهر فيه حبكه

أو سلحة جامدة تنقر فيها الدّيكة

يبغضه من قبحه كلّ طريق سلكه

و قيل لرجل : رأيناك في دهليز فلان و بين يديك قصعة و أنت تأكل ، فمن أي شي‏ء كانت القصعة و أي شي‏ء كان فيها ؟ قال : قي‏ء كلب في حقف خنزير .

و في الخبر : العائد في هبته كالعائد في قيئه ١ .

و في آخر : و مثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل ، فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه ٢ .

قالوا : و مثل الكلب الضب ، و يسمى الهرم لطول عمره ، قال خدّاش كما في ( الأساس ) « كما أكبّ على ذي بطنة الهرم » قال : أي : رجع على قيئه فأكله ٣ .

« فقلت أ صلة أم زكاة أم صدقة ، فذلك محرم علينا أهل البيت » قال ابن أبي الحديد : الصلة : العطية لا يراد بها الأجر ، بل الوصلة إلى الموصول و أكثر ما يفعل للصيت ، و الزكاة ما يجب في النصاب من المال ، و الصدقة هاهنا صدقة التطوّع ، و أراد بأهل البيت محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام ،

و هؤلاء خاصة يحرم عليهم الصدقة ، و أما غيرهم من بني هاشم فلا يحرم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه البخاري في صحيحه ٢ : ٩٦ ، و مسلم في صحيحه ٣ : ١٢٤١ ح ٧ ، و أبو داود في سننه ٣ : ٢٩١ ح ٣٥٣٨ ، و النسائي في سننه ٦ : ٢٦٦ و ٢٦٧ ، و ابن ماجة في سننه ٢ : ٧٩٧ ح ٢٣٨٥ .

( ٢ ) أخرجه أبو داود في سننه ٣ : ٢٩١ ح ٣٥٣٩ ، و الترمذي في سننه ٤ : ٤٤١ و ٤٤٢ ح ٢١٣١ و ٢١٣٢ ، و النسائي في سننه ٦ : ٢٦٥ و ٢٦٦ ، و ابن ماجه في سننه ٢ : ٧٩٧ و ٧٩٩ ح ٢٣٨٤ و ٢٣٩١ .

( ٣ ) لم يوجد في موضعه من أساس البلاغة : ٤٨٣ ، مادة ( هرم ) .

٥٣١

عليهم إلاّ الزكاة الواجبة ، و قبول الحسنين عليهما السلام لصلات معاوية من جهة حقّهما ، فإن سهم ذوي القربى منصوص في الكتاب ١ .

قلت : ما فسّر الصلة به غير جيد ، أما ما قاله أولا من أنّ الصلة ، العطية التي لا يراد بها الآخرة ، فهي في معنى الهدية ، فتباح له عليه السلام ، و أمّا ما قاله ثانيا من كونها الوصلة إلى الموصول فهي في معنى الرشوة ، فتحرم على الجميع ، و لا يبعد زيادة الكلمة من النساخ و الأصل « أ زكاة أم صدقة » بدليل جوابه « لا ذا و لا ذاك » و مثله ما في رواية ( الأمالي ) من تبديلها بالنذر و سهم ذوي القربى منصوص في الكتاب ٢ ، إلاّ أن أوّل من أسقطه صدّيقهم و فاروقهم كما أخذا فدك .

هذا ، و روى كاتب الواقدي في ( طبقاته ) عن عبد الوهاب العجلي عن عوف عن الحسن ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : إنّ اللّه حرّم علي الصدقة و على أهل بيتي ٣ .

« فقالا لا ذا » المذكور أولا « و لا ذاك » المذكور ثانيا « و لكنّها هدية » و كانوا أعطوا بريرة لحما صدقة ، فأهدته إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، فقالت عائشة لها : إنّ النّبيّ لا يأكل الصدقة . فقال لها : انّما كانت عليها صدقة ، و هي منها هدية ٤ .

« فقلت هبلتك » أي : ثكلتك « الهبول » في ( الجمهرة ) : الهبل الثّكل ، هبلت فلانا امّه فهي هابل و هبول ، و ابن الهبولة ملك من ملوكهم ، و بنو هبل بطن من كلب يقال لهم الهبلات ٥ « أ عن دين اللّه أتيتني لتخدعني » بإعطاء الرشوة باسم الهدية

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٨ .

( ٢ ) النظر الى قوله تعالى في ( الأنفال : ٤١ ) .

( ٣ ) طبقات ابن سعد ١ : ق ٢ : ١٠٧ .

( ٤ ) رواه البخاري في صحيحه ٣ : ٢٧٤ و ٢٩٨ ، و النسائي في سننه ٦ : ٢٨٠ .

( ٥ ) جمهرة اللغة ١ : ٣٣٠ .

٥٣٢

« أ مختبط أنت » يقال تخبطه الشيطان أي : أفسده « أم ذو جنّة » بالكسر أي : جنون أ و لم يتفكّروا ما بصاحبهم من جنّة ١ و تأتي الجنّة معرفة للجنّ كجنّة منكرة للجنون .

« أم تهجر » من هجر المريض هذى ، قال الجوهري : فالمريض هاجر و الكلام مهجور ، قال أبو عبيد و عن إبراهيم و منه قوله تعالى : إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا ٢ .

قلت : و منه قول عمر فيما رواه ( كاتب الواقدي ) و غيره أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال :

إيتوني بالكتف و الدواة أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا . فقال : إنّما يهجر الخبر ٣ .

و من أين انه ليس المراد بالآية ؟ فهل أنّ النّبيّ لم يكن من قريش ؟ أو ليس جاء في هذا القرآن : و ما ينطق عن الهوى . إن هو إلاّ وحي يوحى ٤ و مع ذلك فعل ما فعل ، و قال ما قال قال ابن أبي الحديد : كان المهدي له الأشعث ، أهدى له نوعا من الحلواء في طبق مغطى ، و ظن أنّه يستميله بالمهاداة لغرض دنيوي ، و كان عليه السلام يبغض الأشعث لأنّه كان يبغضه ٥ .

قلت : و في ( مقاتل أبي الفرج ) : أن الأشعث جاء يستأذن عليه عليه السلام ، فردّه قنبر فأدمى أنفه ، فخرج عليه السلام و هو يقول : ما لي و لك يا أشعث أما و اللّه لو بعبد ثقيف

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاعراف : ١٨٤ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٥١ ، مادة ( هجر ) . و الآية ٣٠ من سورة الفرقان .

( ٣ ) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢ : ق ٢ : ٣٦ و ٣٧ ، و البخاري في صحيحه ١ : ٣٢ و ٤ : ٧ و ٢٧١ ، و مسلم في صحيحه ٣ : ١٢٥٩ ح ٣٢ و غيرهم .

( ٤ ) النجم : ٣ ٤ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٧ ، و النقل بالمعنى .

٥٣٣

تمرّست ، لأقشعرت شعيراتك ، قال : و من غلام ثقيف ؟ قال : غلام يليهم لا يبقى أهل بيت من العرب إلاّ أدخلهم ذلاّ ١ .

قلت : صحيح ، أن غلام ثقيف لم يتمرّس بشخص الأشعث ، و لكنّه تمرّس بحفيده عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث و اقشعرّت شعيراته به ، بل أذهب أكثر شعره .

« و اللّه لو اعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها » روى ( الخصال ) في عنوان « الدنيا سبعة أقاليم » عن أبي يحيى الواسطي باسناده رفعه إلى الصادق عليه السلام : الدنيا سبعة أقاليم يأجوج و مأجوج و الردم و الصين و الزنج و قوم موسى و أقاليم بابل ٢ .

و قال المسعودي في ( تنبيهه ) ، سمّوا الأقاليم السبعة على الكواكب السبعة على قدر تواليها و تتابعها في الفلك ، فالإقليم الأوّل لزحل و هو ( كيوان ) بالفارسية له من البروج الجدي و الدلو ، و الإقليم الثاني للمشتري و هو بالفارسية ( أورمزد ) له من البروج القوس و الحوت ، و الإقليم الثالث للمريخ و هو بالفارسية ( بهرام ) له من البروج الحمل و العقرب ، و الإقليم الرابع للشمس و هو بالفارسية ( خرشاد ) لها من البروج الأسد ، و الإقليم الخامس للزهرة و هي بالفارسية ( اناهيد ) لها من البروج الثور و الميزان ، و الإقليم السادس لعطارد و هو بالفارسية ( تير ) له من البروج الجوزاء و السنبلة ، و الإقليم السابع للقمر و هو بالفارسية ( ماه ) له من البروج السرطان ، و اسم الإقليم بالفارسية ( كشور ) و اسم الفلك ( اسبهر ) الخ ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مقاتل الطالبيين : ٢٠ .

( ٢ ) الخصال ٢ : ٣٥٧ ح ٤٠ .

( ٣ ) التنبيه و الاشراف : ٣١ ، و النقل بتصرف يسير .

٥٣٤

و في ( تاريخ اليعقوبي ) : جعلوا الدنيا سبعة أقاليم : الأول : الهند و حدّه ممّا يلي المشرق البحر ، و ناحية الصين إلى الديبل ممّا تلي أرض العراق إلى خليج البحر ممّا يلي أرض الهند إلى أرض الحجاز ، و الإقليم الثاني : الحجاز و حدّه هذا الخليج إلى عدن إلى أرض الحبشة ممّا يلي أرض مصر إلى الثعلبية ممّا يلي أرض العراق ، و الإقليم الثالث : مصر و حدّه ممّا يلي أرض الحبشة إلى أرض الحجاز إلى البحر الأخضر ممّا يلي الجنوب إلى المغرب إلى الخليج الذي يلي الروم إلى نصيبين ممّا يلي أرض العراق ، و الإقليم الرابع : العراق و حدّه ممّا يلي الهند الديبل و ممّا يلي الحجاز الثعلبية و ممّا يلي أرض مصر و الروم نصيبين و ممّا يلي أرض خراسان نهر بلخ ، و الإقليم الخامس : الروم و حدّه ممّا يلي أرض مصر الخليج و ممّا يلي المغرب البحر و ممّا يلي الترك يأجوج و مأجوج و ممّا يلي أرض العراق نصيبين ، و الإقليم السادس : يأجوج و مأجوج و حده ممّا يلي أرض المغرب الترك و ممّا يلي الخزر البحر و مفاوز بينه و بين سحور الشمال و ممّا يلي المشرق أرض نصيبين و ممّا يلي خراسان نهر بلخ ،

و الإقليم السابع : الصين و حدّه ممّا يلي المغرب يأجوج و مأجوج و ممّا يلي المشرق البحر و ممّا يلي الهند أرض قشمير و ممّا يلي خراسان نهر بلخ و قالوا : كلّ إقليم تسعمائة فرسخ في مثلها ١ .

و في ( فواتح الميبدي ) : الإقليم الأوّل أطول أيام السنة فيه اثنتي عشرة ساعة و خمس و أربعون دقيقة ، و يزاد في كلّ أقليم ثلاثون دقيقة على سابقتها إلى أن يصير الأقليم الثاني عشر أطول أيام سنته ست عشرة ساعة و خمس عشرة دقيقة . و قال بعضهم : أوّل الإقليم الأوّل أوّل خط الاستواء و آخر الإقليم السابع آخر العمارة و أطول الأيام ثمة ثلاث و عشرون ساعة إلى أن قال

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ اليعقوبي ١ : ٨٤ و ٨٥ .

٥٣٥

و أعدل أصناف الإنسان عند ابن سينا سكّان الإستواء ، و عند الفخر ، سكان الاقليم الرابع .

هذا ، و في ( المعجم ) أهدى شمس المعالي قابوس بن و شمكير لعضد الدولة سبعة أقلام و كتب إليه :

قد بعثنا إليك سبعة أقلام

لها في البهاء حظّ عظيم

مرهفات كأنّها ألسن الحيات

جاز حدّها التقويم

و تفاءلت أن ستحوي الأقاليم

بها كلّ واحد إقليم ١

« على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة » قال ابن أبي الحديد : جلب الشعيرة بضم الجيم : قشرها ٢ .

قلت : لم أقف في اللغة على من يقول جلب الشعيرة . قشرها ، و إنّما قالوا :

الجلبة بالضم : القشرة التي تعلو الجرح عند البرء ، و أين هذا ممّا قال ، و الظاهر أن المراد أسلبها شعيرة جلبتها إلى مسكنها ، يقال جلبه أي ساقه من موضع إلى آخر .

و كيف كان ، ففي الخبر : نهي عن قتل النحلة و النملة ٣ .

و عن صالح بن خوات بن جبير عن أبيه عن جدّه أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى أن يؤكل ما حملت النّمل بفيها و قوائمها ٤ .

هذا ، و في ( حياة حيوان الدّميري ) : كان الفتح بن سخرب الزاهد يفتّ الخبز للنمل كلّ يوم ، فإذا كان يوم عاشوراء لم تأكله . و فيه البيض كلّه بالضاد إلا بيظ النمل فإنه بالظاء . قال : و النمل لا تتناكح انما يسقط منه شي‏ء حقير في

ــــــــــــــــــ

( ١ ) معجم الأدباء ١٦ : ٢٢٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٩ .

( ٣ ) أخرجه أبو داود في سننه ٤ : ٣٦٧ ح ٥٢٦٧ ، و الدارمي في سننه ٢ : ٨٩ ، و غيرهما .

( ٤ ) رواه الدميري في حياة الحيوان ٢ : ٣٧٠ .

٥٣٦

الأرض فينمو حتى يصير بيظا حتى يتكوّن منه ، و سمّيت نملة لتنمّلها و هو كثرة حركتها ١ .

« ما فعلت » قال الكميت :

على تلك جرياي و هي ضريبتي

و لو أجلبوا طرا علي و أجلبوا

« و ان دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها » قال الجوهري :

القضم : الأكل بأطراف الأسنان ٢ .

و مرّ أن ( الأمالي ) زاد في خبره « و أقذر عندي من عراقة خنزير يقذف بها أجذمها ، و أمرّ على فؤادي من حنظلة يلوكها ذو سقم فيبشمها إلى أن قال اللّهم انّي نفرت عنها نفار المهرة من راكبها » ٣ .

« ما لعليّ و لنعيم يفنى و لذّة لا تبقى » في قصة معاوية مع الدارمية الحجونية ، قال لها : هل رأيت عليّا ؟ قالت : أي و اللّه لقد رأيته . قال : كيف رأيته ؟

قالت : رأيته لم يفتنه الملك الذي فتنك و لم تشغله النعمة التي شغلتك ٤ .

« نعوذ باللّه من سبات العقل » أي : نومه « و قبح الزلل » و هو الزلل في الدين .

« و به نستعين » .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) حياة الحيوان ٢ : ٣٦٦ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٥ : ٢١٣ ، مادة ( قضم ) .

( ٣ ) أمالي الصدوق : ٤٩٨ .

( ٤ ) بلاغات النساء : ١٠٦ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

٥٣٧

الفصل الخامس عشر في التزامه بالحقّ و العدل و حثّه عليهما قولا و عملا

٥٣٨

١

الكتاب ( ٢٥ ) و من وصية له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات و إنّما ذكرنا هنا جملا منها ليعلم بها أنّه عليه السلام كان يقيم عماد الحق و يشرع أمثلة العدل في صغير الأمور و كبيرها و دقيقها و جليلها :

اِنْطَلِقْ عَلَى تَقْوَى اَللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَ لاَ تُرَوِّعَنَّ مُسْلِماً وَ لاَ تَجْتَازَنَّ عَلَيْهِ كَارِهاً وَ لاَ تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ اَللَّهِ فِي مَالِهِ فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى اَلْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ ثُمَّ اِمْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَ اَلْوَقَارِ حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَ لاَ تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ ثُمَّ تَقُولَ عِبَادَ اَللَّهِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اَللَّهِ وَ خَلِيفَتُهُ لِآخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اَللَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ فَهَلْ لَكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لاَ فَلاَ تُرَاجِعْهُ وَ إِنْ أَنْعَمَ لَكَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ أَوْ تَعْسِفَهُ أَوْ تُرْهِقَهُ فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلاَ تَدْخُلْهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ

٥٣٩

فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلاَ تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ وَ لاَ عَنِيفٍ بِهِ وَ لاَ تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَ لاَ تُفْزِعَنَّهَا وَ لاَ تَسُوأَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا وَ اِصْدَعِ اَلْمَالَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ فَإِذَا اِخْتَارَ فَلاَ تَعْرِضَنَّ لِمَا اِخْتَارَهُ ثُمَّ اِصْدَعِ اَلْبَاقِيَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ فَإِذَا اِخْتَارَ فَلاَ تَعْرِضَنَّ لِمَا اِخْتَارَهُ فَلاَ تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَبْقَى مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِحَقِّ اَللَّهِ فِي مَالِهِ فَاقْبِضْ حَقَّ اَللَّهِ مِنْهُ فَإِنِ اِسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ ثُمَّ اِخْلِطْهُمَا ثُمَّ اِصْنَعْ مِثْلَ اَلَّذِي صَنَعْتَ أَوَّلاً حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اَللَّهِ فِي مَالِهِ وَ لاَ تَأْخُذَنَّ عَوْداً وَ لاَ هَرِمَةً وَ لاَ مَكْسُورَةً وَ لاَ مَهْلُوسَةً وَ لاَ ذَاتَ عَوَارٍ وَ لاَ تَأْمَنَنَّ عَلَيْهَا إِلاَّ مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ رَافِقاً بِمَالِ اَلْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إِلَى وَلِيِّهِمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ وَ لاَ تُوَكِّلْ بِهَا إِلاَّ نَاصِحاً شَفِيقاً وَ أَمِيناً حَفِيظاً غَيْرَ مُعْنِفٍ وَ لاَ مُجْحِفٍ وَ لاَ مُلْغِبٍ وَ لاَ مُتْعِبٍ ثُمَّ اُحْدُرْ إِلَيْنَا مَا اِجْتَمَعَ عِنْدَكَ نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اَللَّهُ فَإِذَا أَخَذَهَا أَمِينُكَ فَأَوْعِزْ إِلَيْهِ أَلاَّ يَحُولَ بَيْنَ نَاقَةٍ وَ بَيْنَ فَصِيلِهَا وَ لاَ يَمْصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرَّ ذَلِكَ بِوَلَدِهَا وَ لاَ يَجْهَدَنَّهَا رُكُوباً وَ لْيَعْدِلْ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا فِي ذَلِكَ وَ بَيْنَهَا وَ لْيُرَفِّهْ عَلَى اَللاَّغِبِ وَ لْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ وَ اَلظَّالِعِ وَ لْيُورِدْهَا مَا تَمُرُّ بِهِ مِنَ اَلْغُدُرِ وَ لاَ يَعْدِلْ بِهَا عَنْ نَبْتِ اَلْأَرْضِ إِلَى جَوَادِّ اَلطَّرِيْقِ وَ لْيُرَوِّحْهَا فِي اَلسَّاعَاتِ وَ لْيُمْهِلْهَا عِنْدَ اَلنِّطَافِ وَ اَلْأَعْشَابِ حَتَّى تَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اَللَّهِ بُدَّناً مُنْقِيَاتٍ غَيْرَ مُتْعَبَاتٍ وَ لاَ مَجْهُودَاتٍ لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اَللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ص فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِكَ وَ أَقْرَبُ لِرُشْدِكَ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ أقول : و رواه الكليني في باب أدب المصدق : عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن بريد بن معاوية قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له : يا عبد اللّه انطلق و عليك بتقوى اللّه وحده لا شريك له ، و لا تؤثرن دنياك على

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601