بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 122972 / تحميل: 6184
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

منسوخة بل هي ثابتة الحكم إذا كان المراد بها الشيخ المأيوس منه القضاء العاجز عن الصوم والله الموفق بمنه وكرمه.

ذكر اختلاف الفقهاء في الشيخ الفاني

قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام يفطر ويطعم عنه كل يوم نصف صاع من حنطة ولا شيء عليه غير ذلك وقال الثوري يطعم ولم يذكر مقداره وقال المزني عن الشافعى يطعم مدا من حنطة كل يوم وقال ربيعة ومالك لا أرى عليه الإطعام وإن فعل فحسن* قال أبو بكر قد ذكرنا في تأويل الآية ما روى عن ابن عباس في قراءته [وعلى الذين يطوقونه] وإنه الشيخ الكبير فلو لا أن الآية محتملة لذلك لما تأولها ابن عباس ومن ذكر ذلك عنه عليه فوجب استعمال حكمها من إيجاب الفدية في الشيخ الكبير وقد روى عن على أيضا أنه تأول قوله( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) على الشيخ الكبير وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم (من مات وعليه صوم فليطعم عنه وليه مكان كل يوم مسكينا) وإذا ثبت ذلك في الميت الذي عليه الصيام فالشيخ أولى بذلك من الميت لعجز الجميع عن الصوم فإن قيل هلا كان الشيخ كالمريض الذي يفطر في رمضان ثم لا يبرأ حتى يموت ولا يلزمه القضاء* قيل له لأن المريض مخاطب بقضائه في أيام أخر فإنما تعلق الفرض عليه في أيام القضاء لقوله( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) فمتى لم يلحق العدة لم يلزمه شيء كمن لم يلحق رمضان وأما الشيخ فلا يرجى له القضاء في أيام أخر فإنما تعلق عليه حكم الفرض في إيجاب الفدية في الحال فاختلفا من أجل ذلك وقد ذكرنا قول السلف في الشيخ الكبير وإيجاب الفدية عليه في الحال من غير خلاف أحد من نظرائهم فصار ذلك إجماعا لا يسمع خلافه وأما الوجه في إيجاب الفدية نصف صاع من بر فهو ما حدثنا عبد الباقي ابن قانع قال حدثنا أخو خطاف قال حدثنا محمد بن عبد الله بن سعيد المستملي قال حدثنا إسحاق الأزرق عن شريك عن أبى ليلى عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم (من مات وعليه رمضان فلم يقضه فليطعم عنه مكان كل يوم نصف صاع لمسكين) وإذا ثبت ذلك في المفطر في رمضان إذا مات ثبت في الشيخ الكبير من وجوه أحدها إنه عموم في الشيخ الكبير وغيره لأن الشيخ الكبير قد تعلق عليه حكم التكليف على ما وصفنا فجائز بعد موته أن يقال أنه قد مات وعليه صيام رمضان فقد تناوله عموم اللفظ ومن جهة

٢٢١

أخرى أنه قد ثبت أن المراد بالفدية المذكورة في الآية هذا المقدار وقد أريد بها الشيخ الكبير فوجب أن يكون ذلك هو المقدار الواجب عليه ومن جهة أخرى أنه إذا ثبت ذلك فيمن مات وعليه قضاء رمضان وجب أن يكون ذلك مقدار فدية الشيخ الكبير لأن أحدا من موجبى الفدية على الشيخ الكبير لم يفرق بينهما وقد روى عن ابن عباس وقيس ابن السائب الذي كان شريك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في الجاهلية وعائشة وأبى هريرة وسعيد ابن المسيب في الشيخ الكبير أنه يطعم عن كل يوم نصف صاع بر وأوجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم على كعب بن عجرة إطعام ستة مساكين كل مسكين نصف صاع بر وهذا يدل على أن تقدير فدية الصوم بنصف صاع أولى منه بالمد لأن التخيير في الأصل قد تعلق بين الصوم والفدية في كل واحد منهما وقد روى عن ابن عمر وجماعة من التابعين عن كل يوم مد والأول أولى لما رويناه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ولما عضده قول الأكثرين عدادا من الصحابة والتابعين وما دل عليه من النظر وقوله تعالى( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) قد اختلف في ضمير كنايته فقال قائلون هو عائد على الصوم وقال آخرون إلى الفدية والأول أصح لأن مظهره قد تقدم والفدية لم يجز لها ذكر والضمير إنما يكون لمظهر متقدم ومن جهة أخرى أن الفدية مؤنثة والضمير في الآية للمذكر في قوله( يُطِيقُونَهُ ) وقد دل ذلك على بطلان قول المجبرة القائلين بأن الله يكلف عباده ما لا يطيقون وأنهم غير قادرين على الفعل قبل وقوعه ولا مطيقين له لأن الله قد نص على أنه مطيق له قبل أن يفعله بقوله( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ) فوصفه بالإطاقة مع تركه للصوم والعدول عنه إلى الفدية ودلالة اللفظ قائمة على ذلك أيضا إذا كان الضمير هو الفدية لأنه جعله مطيقا لها وإن لم يفعلها وعدل إلى الصوم وقوله عز وجل( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ ) يدل على بطلان مذهب المجبرة في قولهم إن الله لم يهد الكفار لأنه قد أخبر في هذه الآية إن القرآن هدى لجميع المكلفين كما قال في آية أخرى( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ـ وقوله تعالى ـفَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ) يجوز أن يكون ابتداء كلام غير متعلق بما قبله لأنه قائم بنفسه في إيجاب الفائدة يصح ابتداء الخطاب به فيكون حثا على التطوع بالطاعات وجائز أن يريد به التطوع بزيادة طعام الفدية لأن المقدار المفروض منه نصف صاع فإن تطوع بصاع أو صاعين فهو خير له

٢٢٢

وقد روى هذا المعنى عن قيس بن السائب أنه كبر فلم يقدر على الصوم فقال يطعم عن كل إنسان لكل يوم مدين فأطعموا عنى ثلاثا وغير جائز أن يكون المراد أحد ما وقع عليه التخيير فيه من الصيام أو الإطعام لأن كل واحد منهما إذا فعله منفردا فهو فرض لا تطوع فيه فلم يجز أن يكون واحد منهما مراد الآية وجائز أن يكون المراد الجمع بين الصيام والطعام فيكون الفرد أحدهما والآخر التطوع وأما قوله تعالى( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) فإنه يدل على أن أول الآية فيمن يطيق الصوم من الأصحاء المقيمين غير المرضى ولا المسافرين ولا الحامل والمرضع وذلك لأن المريض الذي يباح له الإفطار هو الذي يخاف ضرر الصوم وليس الصوم بخير لمن كان هذا حاله لأنه منهى عن تعريض نفسه للتلف بالصوم والحامل والمرضع لا تخلو ان من أن يضربهما الصوم أو بولديهما وأيهما كان فالإفطار خير لهما والصوم محظور عليهما وإن كان لا يضربهما ولا بولديهما فعليهما الصوم وغير جائز لهما الفطر فعلمنا أنهما غير داخلتين في قوله تعالى( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) وقوله( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) عائد إلى من تقدم ذكره في أول الخطاب وجائز أن يكون قوله( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) عائدا إلى المسافرين أيضا مع عوده على المقيمين المخيرين بين الصوم والإطعام فيكون الصوم خيرا للجميع إذ كان أكثر المسافرين يمكنهم الصوم في العادة من غير ضرر وإن كان الأغلب فيه المشقة ودلالته واضحة على أن الصوم في السفر أفضل من الإفطار وفيه الدلالة على أن صوم يوم تطوعا أفضل من صدقة نصف صاع لأنه في الفرض كذلك ألا ترى أنه لما خيره في الفرض بين صوم يوم وصدقة نصف صاع جعل الصوم أفضل منها فكذلك يجب أن يكون حكمهما في التطوع والله الموفق.

باب الحامل والمرضع

قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والثوري والحسن بن حي وإذا خافتا على ولديهما أو على أنفسهما فإنهما تفطران وتقضيان ولا كفارة عليهما وقال مالك في المرضع إذا خافت على ولدها ولا يقبل الصبى من غيرها فإنها تفطر وتقضى وتطعم عن كل يوم مدا مسكينا والحامل إذا أفطرت لا إطعام عليها وهو قول الليث بن سعد وقال مالك وإن خافتا على أنفسهما فهما مثل المريض وقال الشافعى إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وعليهما

٢٢٣

القضاء والكفارة وإن لم تقدرا على الصوم فهما مثل المريض عليهما القضاء بلا كفارة وروى عنه في البويطى أن الحامل لا إطعام عليها واختلف السلف في ذلك على ثلاثة أوجه فقال على كرم الله وجهه عليهما القضاء إذا أفطرتا ولا فدية عليهما وهو قول إبراهيم والحسن وعطاء وقال ابن عباس عليهما الفدية بلا قضاء وقال ابن عمر ومجاهد عليهما الفدية والقضاء والحجة لأصحابنا ما حدثنا جعفر بن محمد بن أحمد الواسطي قال حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب قال حدثني أبو قلابة هذا الحديث ثم قال هل لك في صاحب الحديث الذي حدثني قال فدلني عليه فلقيته فقال حدثني قريب لي يقال له أنس بن مالك قال أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في إبل لجار لي أخذت فوافقته وهو يأكل فدعاني إلى طعامه فقلت إنى صائم فقال إذا أخبرك عن ذلك إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم وعن الحامل والمرضع قال فكان يتلهف بعد ذلك يقول ألا أكون أكلت من طعام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حين دعاني * قال أبو بكر شطر الصلاة مخصوص به المسافر إذ لا خلاف أن الحمل والرضاع لا يبيحان قصر الصلاة ووجه دلالته على ما ذكرنا أخباره عليه السلام بأن وضع الصوم عن الحامل والمرضع هو كوضعه عن المسافر ألا ترى أن وضع الصوم الذي جعله من حكم المسافر هو بعينه جعله من حكم المرضع والحامل لأنه عطفهما عليه من غير استئناف ذكر شيء غيره فثبت بذلك أن حكم وضع الصوم عن الحامل والمرضع هو في حكم وضعه عن المسافر لا فرق بينهما ومعلوم أن وضع الصوم عن المسافر إنما هو على جهة إيجاب قضائه بالإفطار من غير فدية فوجب أن يكون ذلك حكم الحامل والمرضع وفيه دلالة على أنه لا فرق بين الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما إذ لم يفصل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما وأيضا لما كانت الحامل والمرضع يرجى لهما القضاء وإنما أبيح لهما الإفطار للخوف على النفس أو الولد مع إمكان القضاء وجب أن تكونا كالمريض والمسافر فإن احتج القائلون بإيجاب القضاء والفدية بظاهر قوله( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) لم يصح لهم وجه الدلالة منه على ما ادعوه وذلك لما روينا عن جماعة من الصحابة الذين قدمنا ذكرهم إن ذلك كان فرض المقيم الصحيح وأنه كان مخيرا بين الصيام والفدية وبينا أن ما جرى مجرى ذلك فليس القول فيه من طريق الرأى وإنما يكون

٢٢٤

توقيفا فالحامل والمرضع لم يجر لهما ذكر فيما حكوا فوجب أن يكون تأويلهما محمولا على ما ذكرنا وقد ثبت نسخ ذلك بقوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ومن جهة أخرى لا يصح الاحتجاج لهم به وهو قوله تعالى في سياق الخطاب( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) ومعلوم أن ذلك خطاب لمن تضمنه أول الآية وليس ذلك حكم الحامل والمرضع لأنهما إذا خافتا الضرر لم يكن الصوم خيرا لهما بل محظور عليهما فعله وإن لم تخشيا ضررا على أنفسهما أو ولديهما فغير جائز لهما الإفطار وفي ذلك دليل واضح على أنهما لم ترادا بالآية ويدل على بطلان قول من تأول الآية على الحامل والمرضع من القائلين بإيجاب الفدية والقضاء أن الله تعالى سمى هذا الطعام فدية والفدية ما قام مقام الشيء وأجزأ عنه فغير جائز على هذا الوضع اجتماع القضاء والفدية لأن القضاء إذا وجب فقد قام مقام المتروك فلا يكون الإطعام فدية وإن كان فدية صحيحة فلا قضاء لأن الفدية قد أجزأت عنه وقامت مقامه* فإن قيل ما الذي يمنع أن يكون القضاء والإطعام قائمين مقام المتروك قيل له لو كان مجموعهما قائمين مقام المتروك من الصوم لكان الإطعام بعض الفدية ولم يكن جميعها والله تعالى قد سمى ذلك فدية وتأويلك يؤدى إلى خلاف مقتضى الآية وأيضا إذا كان الأصل المبيح للحامل والمرضع الإفطار والموجب عليهما الفدية هو قوله تعالى( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) وقد ذكر السلف الذين قدمنا قولهم أن الواجب كان أحد شيئين من فدية أو صيام لا على وجه الجمع فكيف يجوز الاستدلال به على إيجاب الجمع بينهما على الحامل والمرضع ومن جهة أخرى أنه معلوم أن في قوله تعالى( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) حذف الإفطار كأنه قال وعلى الذين يطيقونه إذا أفطروا فدية طعام مسكين فإذا كان الله تعالى إنما اقتصر بالإيجاب على ذكر الفدية فغير جائز إيجاب غيرها معها لما فيه من الزيادة في النص وغير جائز الزيادة في المنصوص إلا بنص مثله وليستا كالشيخ الكبير الذي لا يرجى له الصوم لأنه مأيوس من صومه فلا قضاء عليه والإطعام الذي يلزمه فدية له إذ هو بنفسه قائم مقام المتروك من صومه والحامل والمرضع يرجى لهما القضاء فهما كالمريض والمسافر وإنما يسوغ الاحتجاج بظاهر الآية لابن عباس لاقتصاره على إيجاب الفدية دون القضاء ومع ذلك فإن الحامل والمرضع إذا كانتا إنما تخافان على ولديهما دون أنفسهما فهما تطيقان الصوم فيتناولهما ظاهر قوله( وَعَلَى

٢٢٥

الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) وكذلك قال ابن عباس حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا إبان قال حدثنا قتادة أن عكرمة حدثه أن ابن عباس حدثه في قوله( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) قال أثبتت للحامل والمرضع وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا ابن المثنى قال حدثنا ابن أبى عدى عن سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) قال كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا فاحتج ابن عباس بظاهر الآية وأوجب الفدية دون القضاء عند خوفهما على ولديهما إذ هما تطيقان الصوم فشملهما حكم الآية* قال أبو بكر ومن أبى ذلك من الفقهاء ذهب إلى أن ابن عباس وغيره ذكروا أن ذلك كان حكم سائر المطيقين للصوم في إيجاب التخيير بين الصوم والفدية وهو لا محالة قد يتناول الرجل الصحيح المطيق للصوم فغير جائز أن يتناول الحامل والمرضع لأنهما غير مخيرتين لأنهما إما أن تخافا فعليهما الإفطار بلا تخيير ولا تخافا فعليهما الصيام بلا تخيير وغير جائز أن تتناول الآية فريقين بحكم يقتضى ظاهرها إيجاب الفدية ويكون المراد في أحد الفريقين التخيير بين الإطعام والصيام وفي الفريق الآخر إما الصيام على وجه الإيجاب بلا تخيير أو الفدية بلا تخيير وقد تناولهما لفظ الآية على وجه واحد فثبت بذلك أن الآية لم تتناول الحامل والمرضع ويدل عليه أيضا في نسق التلاوة( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) وليس ذلك بحكم الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما لأن الصيام لا يكون خيرا لهما ويدل عليه أيضا ما قدمنا من حديث أنس بن مالك القشيري في تسوية النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بين المريض والمسافر وبين الحامل والمرضع في حكم الصوم وقوله تعالى( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) الآية* قال أبو بكر قد بينا فيما سلف قول من قال إن الفرض الأول كان صوم ثلاثة أيام من كل شهر بقوله( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) وقوله تعالى( أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ) وأنه نسخ بقوله( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) وقوله من قال إن شهر رمضان بيان للموجب بقوله( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) وقوله( أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ) فيصير تقديره أياما معدودات هي شهر رمضان فإن كان صوم الأيام المعدودات منسوخا بقوله( شَهْرُ رَمَضانَ ) إلى قوله

٢٢٦

( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) فقد انتظم قوله( شَهْرُ رَمَضانَ ) نسخ حكمين من الآية الأولى أحدهما الأيام المعدودات التي هي غير شهر رمضان والآخر التخيير بين الصيام والإطعام في قوله( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) على نحو ما قدمنا ذكره عن السلف وإن كان قوله( شَهْرُ رَمَضانَ ) بيانا لقوله( أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ) فقد كان لا محالة بعد نزول فرض رمضان التخيير ثابتا بين الصوم والفدية في أول أحوال إيجابه فكان هذا الحكم مستقرا ثابتا ثم ورد عليه النسخ بقوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) إذ غير جائز ورود النسخ قبل وقت الفعل والتمكن منه والصحيح هو القول الثاني لاستفاضة الرواية عن السلف بأن التخيير بين الصوم والفدية كان في شهر رمضان وأنه نسخ بقوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) فإن قيل في فحوى الآية دلالة على أن المراد بقوله( أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ) غير شهر رمضان لأنه لم يرد إلا مقرونا بذكر التخيير بينه وبين الفدية ولو كان قوله( أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ) فرضا مجملا موقوف الحكم على البيان لما كان لذكر التخيير قبل ثبوت الفرض معنى قيل له لا يمتنع ورود فرض مجملا مضمنا بحكم مفهوم المعنى موقوف على البيان فمتى ورد البيان بما أريد منه كان الحكم المضمن به ثابتا معه فيكون تقديره أياما معدودات حكمها إذا بين وقتها ومقدارها أن يكون المخاطبون به مخيرين بين الصوم والفدية كما قال تعالى( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ) فاسم الأموال عموم يصح اعتباره فيما علق به من الحكم والصدقة مجملة مفتقرة إلى البيان فإذا ورد بيان الصدقة كان اعتبار عموم اسم الأموال سائغا فيها ولذلك نظائر كثيرة ويحتمل أن يكون قوله( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) متأخرا في التنزيل وإن كان مقدما في التلاوة فيكون تقدير الآيات وترتيب معانيها أياما معدودات هي شهر رمضان( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) فيكون هذا حكما ثابتا مستقرا مدة من الزمان ثم نزل قوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) فنسخ به التخيير بين الفدية والصوم على نحو ما ذكرنا في قوله عز وجل( وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) مؤخرا في اللفظ وكان ذلك يعتوره معنيان أحدهما أنه وإن كان مؤخرا في التلاوة فهو مقدم في التنزيل والثاني أنه معطوف عليه بالواو وهي لا توجب الترتيب فكأن الكل مذكور معا فكذلك قوله( أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ـ إلى قوله ـشَهْرُ رَمَضانَ )

٢٢٧

يحتمل ما احتملته قصة البقرة وأما قوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ففيه عدة أحكام منها إيجاب الصيام على من شهد الشهر دون من لم يشهد فلو كان اقتصر قوله( كُتِبَ عَلَيْكُمُ ـ إلى قوله ـشَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) لاقتضى ذلك لزوم الصوم سائر الناس المكلفين فلما عقب ذلك بقوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) بين أن لزوم صوم الشهر مقصور على بعضهم دون بعض وهو من شهد الشهر دون من لم يشهده وقوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ ) يعتوره معان منها من كان شاهدا يعنى مقيما غير مسافر كما يقال للشاهد والغائب المقيم والمسافر فكان لزوم الصوم مخصوصا به المقيمون دون المسافرين ثم لو اقتصر على هذا لكان المفهوم منه الاقتصار بوجوب الصوم عليهم دون المسافرين ثم لو اقتصر على هذا لكان المفهوم منه الاقتصار بوجوب الصوم عليهم دون المسافرين إذ لم يذكروا فلا شيء عليهم من صوم ولا قضاء فلما قال تعالى( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) بين حكم المريض والمسافر في إيجاب القضاء عليهم إذا أفطروا هذا إذا كان التأويل في قوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ ) الإقامة في الحضر ويحتمل قوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) أن يكون بمعنى شاهد الشهر أى علمه ويحتمل قوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ ) فمن شهده بالتكليف لأن المجنون ومن ليس بأهل التكليف في حكم من ليس بموجود في انتفاء لزوم الفرض عنه فأطلق اسم شهود الشهر عليهم وأراد به التكليف كما قال تعالى( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) لما كانوا في عدم الانتفاع بما سمعوا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع سماهم بكما عميا وكذلك قوله( إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ) يعنى عقلا لأن من لم ينتفع بعقله فكأنه لا قلب له إذ كان العقل بالقلب فكذلك جائز أن يكون جعل شهود الشهر عبارة عن كونه من أهل التكليف إذ كان من ليس من أهل التكليف بمنزلة من ليس بموجود في باب سقوط حكمه عنه ومن الأحكام المستفادة بقوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) غير ما قدمنا ذكره تعيين فرض رمضان فإن المراد بشهود الشهر كونه فيه من أهل التكليف وأن المجنون ومن ليس من أهل التكليف غير لازم له صوم الشهر والله أعلم بالصواب.

باب ذكر اختلاف الفقهاء فيمن جن رمضان كله أو بعضه

قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والثوري إذا كان مجنونا في رمضان كله فلا قضاء عليه وإن أفاق في شيء منه قضاه كله وقال مالك ابن أنس فيمن بلغ وهو مجنون مطيق

٢٢٨

فمكث سنين ثم أفاق فإنه يقضى صيام تلك السنين ولا يقضى الصلاة وقال عبيد الله بن الحسن في المعتوه يفيق وقد ترك الصلاة والصوم فليس عليه قضاء ذلك وقال في المجنون الذي يجن ثم يفيق أو الذي يصيبه المرة ثم يفيق أرى على هذا أن يقضى وقال الشافعى في البويطى ومن جن في رمضان فلا قضاء عليه وإن صح في يوم من رمضان قبل أن تغيب الشمس كذلك لا قضاء عليه* قال أبو بكر قوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) يمنع وجوب القضاء على المجنون الذي لم يفق في شيء من الشهر إذ لم يكن شاهد الشهر وشهوده الشهر كونه مكلفا فيه وليس المجنون من أهل التكليف لقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم (رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق) فإن قيل إذا أحتمل قوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) شهوده بالإقامة وترك السفر دون ما ذكرته من شهوده بالتكليف فما الذي أوجب حمله على ما ادعيت دون ما ذكرنا من حال الإقامة قيل له لما كان اللفظ محتملا للمعنيين وهما غير متنافيين بل جائز إرادتهما معا وكونهما شرطا في لزوم الصوم وجب حمله عليهما وهو كذلك عندنا لأنه لا يكون مكلفا للصوم غير مرخص له في تركه إلا أن يكون مقيما من أهل التكليف ولا خلاف أن كونه من أهل التكليف شرط في صحة الخطاب به وإذا ثبت ذلك ولم يكن المجنون من أهل التكليف في الشهر لم يتوجه إليه الخطاب بالصوم ولم يلزمه القضاء ويدل عليه ظاهر قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق وعن الصبى حتى يحتلم) ورفع القلم هو إسقاط التكليف عنه ويدل عليه أيضا أن الجنون معنى يستحق به الولاية عليه إذا دام به فكان بمنزلة الصغير إذا دام به الشهر كله في سقوط فرض الصوم ويفارق الإغماء هذا المعنى بعينه لأنه لا يستحق عليه الولاية بالإغماء وإن طال وفارق المغمى عليه المجنون والصغير وأشبه الإغماء النوم في باب نفى ولاية غيره عليه من أجله* فإن قيل لا يصح خطاب المغمى عليه كما لا يصح خطاب المجنون والتكليف زائل عنهما جميعا* فوجب أن لا يلزمه القضاء بالإغماء* قيل له الإغماء وإن منع الخطاب بالصوم في حال وجوده فإن له أصلا آخر في إيجاب القضاء وهو قوله( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) وإطلاق اسم المريض على المغمى عليه جائز سائغ فوجب اعتبار عمومه في إيجاب القضاء عليه وإن لم يكن مخاطبا به حال الإغماء وأما المجنون فلا يتناوله اسم المريض

٢٢٩

على الإطلاق فلم يدخل فيمن أوجب الله عليه القضاء وأما من أفاق من جنونه في شيء من الشهر فإنما ألزموه القضاء بقوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) وهذا قد شهد الشهر إذ كان من أهل التكليف في جزء منه إذ لا يخلو قوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ ) أن يكون المراد به شهود جميع الشهر أو شهود جزء منه وغير جائز أن يكون شرط لزوم الصوم شهود الشهر جميعه من وجهين (أحدهما) تناقض اللفظ به وذلك لأنه لا يكون شاهدا لجميع الشهر إلا بعد مضيه كله ويستحيل أن يكون مضيه شرطا للزوم صومه كله لأن الماضي من الوقت يستحيل فعل الصوم فيه فعلمنا أنه لم يرد شهود الشهر جميعه والوجه الآخر أنه لا خلاف أن من طرئ عليه شهر رمضان وهو من أهل التكليف أن عليه الصوم في أول يوم منه لشهوده جزأ من الشهر فثبت بذلك أن شرط تكليف صوم الشهر كونه من أهل التكليف في شيء منه* فإن قيل فواجب إذا كان ذلك على ما وصفت من أن المراد إدراك جزء من الشهر أن لا يلزمه إلا صوم الجزء الذي أدركه دون غيره إذ قد ثبت أن المراد شهود بعض الشهر شرطا للزوم الصوم فيكون تقديره فمن شهد بعض الشهر فليصم ذلك البعض* قيل له ليس ذلك على ما ظننت من قبل أنه لو لا قيام الدلالة على أن شرط لزوم الصوم شهود بعض الشهر لكان الذي يقتضيه ظاهر اللفظ استغراق الشهر كله في شرط اللزوم فلما قامت الدلالة على أن المراد البعض دون الجميع في شرط اللزوم حملناه عليه وبقي حكم اللفظ في إيجاب الجميع إذ كان الشهر اسما لجميعه فكان تقديره فمن شهد منكم شيئا من الشهر فليصم جميعه* فإن قيل فإذا أفاق وقد بقيت أيام من الشهر يلزمك أن لا توجب عليه قضاء ما مضى لاستحالة تكليفه صوم الماضي من الأيام وينبغي أن يكون الوجوب منصرفا إلى ما بقي من الشهر* قيل له إنما يلزمه قضاء الأيام الماضية لا صومها بعينها وجائز لزوم القضاء مع امتناع خطابه بالصوم فيما أمر به من القضاء ألا ترى أن الناسي والمغمى عليه والنائم كل واحد من هؤلاء يستحيل خطابه بفعل الصوم في هذه الأحوال ولم تكن استحالة تكليفهم فيها مانعة من لزوم القضاء وكذلك ناسى الصلاة والنائم عنها فإن الخطاب بفعل الصوم يتوجه إليه على معنيين أحدهما فعله في وقت التكليف والآخر قضاؤه في وقت غيره وإن لم يتوجه إليه الخطاب بفعله في حال الإغماء والنسيان والله أعلم.

٢٣٠

باب الغلام يبلغ والكافر يسلم ببعض رمضان

قال الله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) وقد بينا أن المراد شهود بعضه واختلف الفقهاء في الصبى يبلغ في بعض رمضان أو الكافر يسلم فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر ومالك بن أنس في الموطأ وعبيد الله بن الحسن والليث والشافعى يصومان ما بقي وليس عليهما قضاء ما مضى ولا قضاء اليوم الذي كان فيه البلوغ أو الإسلام وقال ابن وهب عن مالك أحب إلى أن يقضيه وقال الأوزاعى في الغلام إذا احتلم في النصف من رمضان أنه يقضى منه فإنه كان يطيق الصوم وقال في الكافر إذا أسلم لا قضاء عليه فيما مضى وقال أصحابنا يستحب لهما الإمساك عما يمسك عنه الصائم في اليوم الذي كان فيه الاحتلام أو الإسلام* قال أبو بكر رحمه الله قال الله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) وقد بينا معناه وأن كونه من أهل التكليف شرط في لزومه والصبى لم يكن من أهل التكليف قبل البلوغ فغير جائز إلزامه حكمه وأيضا الصغر ينافي صحة الصوم لأن الصغير لا يصح صومه وإنما يؤمر به على وجه التعليم وليعتاده ويمرن عليه ألا ترى أنه متى بلغ لم يلزمه قضاء الصلاة المتروكة ولا قضاء الصيام المتروك في حال الصغر فدل ذلك على أنه غير جائز إلزامه القضاء فيما تركه في حال الصغر ولو جاز إلزامه قضاء ما مضى من الشهر لجاز إلزامه قضاء الصوم للعام الماضي إذا كان يطيقه فلما اتفق المسلمون على سقوط القضاء للسنة الماضية مع إطاقته للصوم وجب أن يكون ذلك حكمه في الشهر الذي أدرك في بعضه وأما الكافر فهو في حكم الصبى من هذا الوجه لاستحالة تكليفه للصوم إلا على شرط تقديم الإيمان ومنافاة الكفر لصحة الصوم فأشبه الصبى وليسا كالمجنون الذي يفيق في بعض الشهر في إلزامه القضاء لما مضى من الشهر لأن الجنون لا ينافي صحة الصوم بدلالة أن من جن في صيامه لم يبطل صومه وفي هذا دليل على أن الجنون لا ينافي صحة صومه وإن الكفر ينافيها فأشبه الصغير من هذا الوجه وإن اختلفا في باب استحقاق الكافر العقاب على تركه والصغير لا يستحقه ويدل على سقوط القضاء لما مضى عمن أسلم في بعض رمضان قوله تعالى( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) وقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم (الإسلام يجب ما قبله والإسلام يهدم ما قبله) وإنما قال أصحابنا يمسك المسلم في بعض رمضان والصبى بقية يومهما عن الأكل والشرب من قبل أنه قد طرئ عليهما وهما مفطران

٢٣١

حال لو كانت موجودة في أول النهار كانا مأمورين بالصيام فواجب أن يكونا مأمورين بالإمساك في مثله إذا كانا مفطرين والأصل فيه ما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه بعث إلى أهل العوالي يوم عاشوراء فقال من أهل فليمسك بقية يومه ومن لم يأكل فليصم وروى أنه أمر الآكلين بالقضاء وأمرهم بالإمساك مع كونهم مفطرين لأنهم لو لم يكونوا قد أكلوا لأمروا بالصيام فاعتبرنا بذلك كل حال تطرأ عليه في بعض النهار وهو مفطر بما لو كانت موجودة في أوله كيف كان يكون حكمه فإن كان مما يلزمه بها الصوم أمر بالإمساك وإن كان مما لا يلزمه لم يؤمر به ومن أجل ذلك قالوا في الحائض إذا طهرت في بعض النهار والمسافر إذا قدم وقد أفطر في سفره أنهما مأموران بالإمساك إذ لو كانت حال الطهر والإقامة موجودة في أول النهار كانا مأمورين بالصيام وقالوا لو حاضت في بعض النهار لم تؤمر بالإمساك إذ الحيض لو كان موجودا في أول النهار لم تؤمر بالصيام فإن قيل فهلا أبحت لمن كان مقيما في أول النهار ثم سافر أن يفطر لأن حال السفر لو كانت موجودة في أول النهار ثم سافر كان مبيحا للإفطار قيل له لم نجعل ما قدمنا علة للإفطار ولا للصوم وإنما جعلناه علة لإمساك المفطر فأما إباحة الإفطار وحظره فله شرط آخر غير ما ذكرنا وقد حوى قوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) أحكاما أخر غير ما ذكرنا* منها دلالته على أن من استبان له بعد ما أصبح أنه من رمضان فعليه أن يبتدئ صومه لأن الآية لم تفرق بين من علمه من الليل أو في بعض النهار وهي عامة في الحالين جميعا فاقتضى ذلك جواز ترك نية صوم رمضان من الليل وكذلك المغمى عليه والمجنون إذا أفاقا في بعض النهار ولم يتقدم لهما نية الصوم من الليل فواجب عليهما أن يبتدئا الصيام في ذلك الوقت لأنهما قد شهدا الشهر وقد جعل الله شهود الشهر شرطا للزوم الصوم وفي الآية حكم آخر تدل أيضا على أن من نوى بصيامه في شهر رمضان تطوعا أو عن فرض آخر أنه مجزئ عن رمضان لأن الأمر بفعل الصوم فيه ورد مطلقا غير مقيد بوصف ولا مخصوص بشرط نية الفرض فعلى أى وجه صام فقد قضى عهدة الآية وليس عليه غيره وفيها حكم آخر تدل أيضا على لزوم صوم أول يوم من رمضان لمن رأى الهلال وحده دون غيره وأنه غير جائز له الإفطار مع كون اليوم محكوما عند سائر الناس أنه من شعبان وقد روى روح بن عبادة عن هشام وأشعث عن الحسن فيمن رأى الهلال

٢٣٢

وحده أنه لا يصوم إلا مع الإمام وروى ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء بن أبى رباح في رجل رأى هلال شهر رمضان قبل الناس بليلة لا يصوم قبل الناس ولا يفطر قبلهم أخشى أن يكون شبه له فأما الحسن فإنه أطلق الجواب في أنه لا يصوم وهذا يدل على أنه وإن تيقن الرؤية من غير شك ولا شبهة أنه لا يصوم وأما عطاء فإنه يشبه أن يكون أباح له الإفطار إذا جوز على نفسه الشبهة في الرؤية وأنه لم يكن رأى حقيقة وإنما تخيل له ما ظنه هلالا وظاهر الآية يوجب الصوم على من رآه إذ لم يفرق بين من رآه وحده ومن رآه مع الناس وفيها حكم آخر ومن الناس من يقول أنه إذا لم يكن عالما بدخول الشهر لم يجزه صومه ويحتج بقوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) قال فإنما ألزم الفرض على من علم به لأن قوله( فَمَنْ شَهِدَ ) بمعنى شاهد وعلم فمن لم يعلم فهو غير مؤد لفرضه وذلك كنحو من يصوم رمضان على شك ثم يصير إلى اليقين ولا اشتباه كالأسير في دار الحرب إذا صام شهرا فإذا هو شهر رمضان فقالوا لا يجزى من كان هذا وصفه ويحكى هذا القول عن جماعة من السلف وعن مالك والشافعى فيه قولان أحدهما أنه يجزى والآخر أنه لا يجزى وقال الأوزاعى في الأسير إذا أصاب عين رمضان اجزأه وكذلك إذا أصاب شهرا بعده وأصحابنا يجيزون صومه بعد أن يصادف عين الشهر أو بعده ولا نعلم خلافا بين الفقهاء أنه إذا تحرى شهر أو غلب على ظنه أنه رمضان ثم صار إلى اليقين ولا اشتباه أنه رمضان أنه يجزيه وكذلك إذا تحرى وقت صلاة في يوم غيم وصلّى على غالب الظن ثم تيقن أنه الوقت يجزيه وقوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) إن احتمل العلم به فغير مانع من جوازه وإن لم يعلم به من قبل أن ذلك إنما هو شرط في لزومه ومنع تأخيره وأما نفى الجواز فلا دلالة فيه عليه ولو كان الأمر على ما قال من منع جوازه لوجب أن لا يجب على من اشتبهت عليه الشهور وهو في دار الحرب ولم يعلم برمضان القضاء لأنه لم يشاهد الشهر ولم يعلم به فلما اتفق المسلمون على لزوم القضاء على من لم يعلم بشهر رمضان دل ذلك على أنه ليس شرط جواز صومه العلم به كما لم يكن شرط وجوب قضائه العلم به ولما كان من وصفنا حاله من فقد علمه بالشهر شاهدا له في باب لزومه قضاءه إذا لم يصم وجب أن يكون شاهدا له في باب جواز صومه متى صادف عينه وأيضا إذا احتمل قوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ ) أن يعنى به كونه من أهل التكليف في الشهر على ما تقدم

٢٣٣

بيانه فواجب أن يجزيه على أى حال شهد الشهر وهذا شاهد للشهر من حيث كان من أهل التكليف فاقتضى ظاهرا الآية جوازه وإن لم يكن عالما بدخوله واحتج أيضا من أبى جوازه عند فقد العلم بقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) قالوا فإذا كان مأمورا بفعل الصوم لرؤيته متقدمة فإنه متى لم يره أن يحكم به أنه من شعبان فغير جائز له صومه مع الحكم به من شعبان إذ كان صوم شعبان غير مجزئ عن رمضان وهذا أيضا غير مانع جوازه كما لا يمنع وجوب القضاء إذا علم بعد ذلك أنه من رمضان وإنما كان محكوما بأنه من شعبان على شرط فقد العلم فإذا علم بعد ذلك أنه من رمضان فمتى علم أنه من رمضان فهو محكوم له به من الشهر وينتقض ما كنا حكمنا به بديا من أنه من شعبان فكان حكمنا بذلك منتظرا مراعى وكذلك يكون صوم يومه ذلك مراعى فإن استبان أنه من رمضان أجزأه وإن لم يستبن له فهو تطوع* فإن قيل وجوب قضائه إذا أفطر فيه غير دال على جوازه إذا صامه لأن الحائض يلزمها القضاء ولم يدل وجوب القضاء على الجواز* قيل له إذا كان المانع من جواز صومه فقد العلم به فواجب أن يكون هذا المعنى بعينه مانعا من لزوم قضائه إذا أفطر فيه كالمجنون والصبى لأنك زعمت أن المانع من جوازه كونه غير شاهد للشهر وغيره عالم به ومن لم يشهد الشهر فلا قضاء عليه إن كان حكم الوجوب مقصورا على من شهده دون من لم يشهده ولا يختلف على هذا الحد حكم الجواز إذا صام وحكم القضاء إذا أفطر وأما الحائض فلا يتعلق عليها حكم تكليف الصوم من جهة شهودها للشهر وعلمها به لأنها مع علمها به لا يجزيها صومه ولم يتعلق مع ذلك وجوب القضاء بإفطارها إذ ليس لها فعل في الإفطار فلذلك لم يجب سقوط القضاء عنها من حيث لم يجزها صومها* وفيها وجه آخر من الحكم وهو أن من الناس من يقول إذا طرئ عليه شهر رمضان وهو مقيم ثم سافر فغير جائز له الإفطار ويروى ذلك عن على كرم الله وجهه وعن عبيدة وأبى مجلز وقال ابن عباس والحسن وسعيد بن المسيب وإبراهيم والشعبي إن شاء أفطر إذا سافر وهو قول فقهاء الأمصار واحتج الفريق الأول بقوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) وهذا قد شهد الشهر فعليه إكمال صومه بمقتضى ظاهر اللفظ وهذا معناه عند الآخرين إلزام فرض الصوم في حال كونه مقيما لأنه قد بين حكم المسافر عقيب ذلك بقوله( وَمَنْ كانَ

٢٣٤

مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) ولم يفرق بين من كان مقيما في أول الشهر ثم سافر وبين من كان مسافرا في ابتدائه فدل ذلك على أن قوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) مقصور الحكم على حال الإقامة دون حال السفر بعدها وأيضا لو كان المعنى فيه ما ذكروا لوجب أن يجوز لمن كان مسافرا في أول الشهر ثم أقام أن يفطر لقوله تعالى( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) وقد كان هذا مسافرا وكذلك من كان مريضا في أوله ثم برىء وجب أن يجوز له الإفطار بقضية ظاهرة إذ قد حصل له اسم المسافر والمريض فلما لم يكن قوله( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) مانعا من لزوم صومه إذا أقام أو برىء في بعض الشهر وكان هذا الحكم مقصورا على حال بقاء السفر والمرض كذلك قوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ ) مقصور على حال بقاء الإقامة وقد نقل أهل السير وغيرهم إنشاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم السفر في رمضان في عام الفتح وصومه في ذلك السفر وإفطاره بعد صومه وأمره الناس بالإفطار مع آثار مستفيضة وهي مشهورة غير محتاجة إلى ذكر الأسانيد وهذا يدل على أن مراد الله في قوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) مقصور على حال بقاء الإقامة في إلزام الصوم وترك الإفطار قوله تعالى( فَلْيَصُمْهُ ) قال أبو بكر رحمه الله قد تكلمنا في معنى قوله جل وعلا( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ ) وما تضمنه من الأحكام وحواه من المعاني بما حضر ونتكلم الآن بمشيئة الله وعونه في معنى قوله( فَلْيَصُمْهُ ) وما حواه من الأحكام وانتظمه من المعاني فنقول أن الصوم على ضربين صوم لغوى وصوم شرعي فأما الصوم اللغوي فأصله الإمساك ولا يختص بالإمساك عن الأكل والشرب دون غيرهما بل كل إمساك فهو مسمى في اللغة صوما قال الله تعالى( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً ) والمراد الإمساك عن الكلام يدل عليه قوله عقيبه( فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ) وقال الشاعر :

وخيل صيام يلكن اللجم

وقال النابغة :

خيل صيام وخيل غير صائمة

تحت العجاج وخيل تعلك اللجما

وتقول العرب صام النهار وصامت الشمس عند قيام الظهيرة لأنها كالممسكة عن الحركة وقال امرؤ القيس :

٢٣٥

فدعها وسل الهم عنك بجسرة

ذمول إذا صام النهار وهجرا

فهذا معنى اللفظ في اللغة وهو في الشرع يتناول ضربا من الإمساك على شرائط معلومة لم يكن الاسم يتناوله في اللغة ومعلوم أنه غير جائز أن يكون الصوم الشرعي هو الإمساك عن كل شيء لاستحالة كون ذلك من الإنسان لأن ذلك يوجب خلو الإنسان من المتضادات حتى لا يكون ساكنا ولا متحركا ولا آكلا ولا تاركا ولا قائما ولا قاعدا ولا مضطجعا وهذا محال لا يجوز ورود العبادة به فعلمنا أن الصوم الشرعي ينبغي أن يكون مخصوصا بضرب من الإمساك دون جميع ضروبه فالضرب الذي حصل عليه اتفاق المسلمين هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وشرط فيه عامة فقهاء الأمصار مع ذلك الإمساك عن الحقنة والسعوط والاستقاء عمدا إذا ملأ الفم ومن الناس من لا يوجب في الحقنة والسعوط قضاء وهو قول شاذ والجمهور على خلافه وكذلك الاستقاء وروى عن ابن عباس أنه قال الفطر مما دخل وليس مما خرج وهو قول طاوس وعكرمة وفقهاء الأمصار على خلافه لأنهم يوجبون على من استقاء عمدا القضاء واختلفوا فيما وصل إلى الجوف من جراحة جائفة وآمة فقال أبو حنيفة والشافعى عليه القضاء وقال أبو يوسف ومحمد لا قضاء عليه وهو قول الحسن بن صالح وقد اختلف في ترك الحجامة هل هو من الصوم فقال عامة الفقهاء الحجامة لا تفطره وقال الأوزاعى تفطره واختلف أيضا في بلع الحصاة فقال أصحابنا ومالك والشافعى تفطره وقال الحسن بن صالح لا تفطره واختلفوا في الصائم يكون بين أسنانه شيء فيأكله متعمدا فقال أصحابنا ومالك والشافعى لا قضاء عليه وروى الحسن بن زياد عن زفر أنه قال إذا كان بين أسنانه شيء من لحم أو سويق وخبز فجاء على لسانه منه شيء فابتلعه وهو ذاكر فعليه القضاء والكفارة قال وقال أبو يوسف عليه القضاء ولا كفارة عليه وقال الثوري استحب له أن يقضى وقال الحسن اين صالح إذا دخل الذباب جوفه فعليه القضاء وقال أصحابنا ومالك لا قضاء عليه ولا خلاف بين المسلمين أن الحيض يمنع صحة الصوم واختلفوا في الجنب فقال عامة فقهاء الأمصار لا قضاء عليه وصومه تام مع الجنابة وقال الحسن بن حي مستحب له أن يقضى ذلك اليوم وكان يقول يصوم تطوعا وإن أصبح جنبا وقال في الحائض إذا طهرت من الليل ولم تغتسل حتى أصبحت فعليها قضاء ذلك اليوم فهذه أمور منها متفق

٢٣٦

عليه في أن الإمساك عنه صوم ومنها مختلف فيه على ما بينا فالمتفق عليه هو الإمساك عن الجماع والأكل والشرب في المأكول والمشروب والأصل فيه قوله تعالى( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ـ إلى قوله ـفَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) فأباح الجماع والأكل والشرب في ليالي الصوم من أولها إلى طلوع الفجر ثم أمر بإتمام الصيام إلى الليل وفي فحوى هذا الكلام ومضمونه حظر ما أباحه بالليل مما قدم ذكره من الجماع والأكل والشرب فثبت بحكم الآية أن الإمساك عن هذه الأشياء الثلاثة هو من الصوم الشرعي ولا دلالة فيه على أن الإمساك عن غيرها ليس من الصوم بل هو موقوف على دلالته وقد ثبت بالسنة واتفاق علماء الأمة أن الإمساك عن غير هذه الأشياء من الصوم الشرعي على ما سنبينه إن شاء الله تعالى ومما هو من شرائط لزوم الصوم الشرعي وإن لم يكن هو إمساكا ولا صوما الإسلام والبلوغ إذ لا خلاف أن الصغير غير مخاطب بالصوم في أحكام الدنيا فإن الكافر وإن كانا مخاطبا به معاقبا على تركه فهو في حكم من لم يخاطب به في أحكام الدنيا فإنه لا يجب عليه قضاء المتروك منه في حال الكفر وطهر المرأة عن الحيض من شرائط تكليف صوم الشهر وكذلك العقل والإقامة والصحة وإن وجب القضاء في الثاني والعقل مختلف فيه على ما بينا من أقاويل أهل العلم في المجنون في رمضان والنية من شرائط صحة سائر ضروب الصوم وهو على ثلاثة أنحاء صوم مستحق العين وهو صوم رمضان ونذر يوم بعينه وصوم التطوع وصوم في الذمة فالصوم المستحق العين وصوم التطوع يجوز فيهما ترك النية من الليل إذا نواه قبل الزوال وما كان في الذمة فغير جائز إلا بتقدمة النية من الليل وقال زفر يجوز صوم رمضان بغير نية وقال مالك يكفى للشهر كله نية واحدة وإنما قلنا إن بلع الحصاة ونحوها يوجب الإفطار وإن لم يكن مأكولا في العادة وأنه ليس بغذاء ولا دواء من قبل أن قوله( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) قد انطوى تحته الأكل فهو عموم في جميع ما أكل ولا خلاف أنه لا يجوز له بلع الحصاة مع اختلافهم في إيجاب الإفطار واتفاقهم على أن النهى عن بلع الحصاة صدر عن الآية فيوجب ذلك أن يكون مرادا بها فاقتضى إطلاق الأمر بالصيام عن الأكل والشرب دخول الحصاة فيه كسائر المأكولات فمن حيث دلت الآية على وجوب القضاء

٢٣٧

في سائر المأكولات فهي دالة أيضا على وجوبه في أكل الحصاة* ويدل عليه أيضا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من أكل أو شرب ناسيا فلا قضاء عليه وهذا يدل على أن حكم سائر ما يأكله لا يختلف في وجوب القضاء إذا أكله عمدا وأما السعوط والدواء الواصل بالجائفة أو الآمة فالأصل فيه حديث لقيط بن صبرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما فأمره بالمبالغة في الاستنشاق ونهاه عنها لأجل الصوم فدل ذلك على أن ما وصل بالاستنشاق إلى الحلق أو إلى الدماغ أنه يفطر لو لا ذلك لما كان لنهيه عنها لأجل الصوم معنى مع أمره بها في غير الصوم وصار ذلك أصلا عند أبى حنيفة في إيجاب القضاء في كل ما وصل إلى الجوف واستقر فيه مما يستطاع الامتناع منه سواء كان وصوله من مجرى الطعام والشراب أو من مخارق البدن التي هي خلقة في بنية الإنسان أو من غيرها لأن المعنى في الجميع وصوله إلى الجوف واستقراره فيه مع إمكان الامتناع منه في العادة ولا يلزم على ذلك الذباب والدخان والغبار يدخل حلقه لأن جميع ذلك لا يستطاع الامتناع منه في العادة ولا يمكن التحفظ منه بإطباق الفم فإن قيل فإن أبا حنيفة لا يوجب بالإفطار في الإحليل القضاء* قيل له إنما لم يوجبه لأنه كان عنده أنه لا يصل إلى المثانة وقد روى ذلك عنه منصوصا وهذا يدل على أن عنده إن وصل إلى المثانة أفطر وأما أبو يوسف ومحمد فإنهما اعتبرا وصوله إلى الجوف من مخارق البدن التي هي خلقة في بنية الإنسان وأما وجه إيجاب القضاء على من استقاء عمدا دون من ذرعه القيء فإن القياس أن لا يفطره الاستقاء عمدا لأن الفطر في الأصل هو من الأكل وما جرى مجراه من الجماع كما قال ابن عباس أنه لا يفطره الاستقاء عمدا لأن الإفطار مما يدخل وليس مما يخرج والوضوء مما يخرج وليس مما يدخل وكسائر الأشياء الخارجة من البدن لا يوجب الإفطار بالاتفاق فكان خروج القيء بمثابتها وإن كان من فعله إلا أنهم تركوا القياس للأثر الثابت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك ولاحظ للنظر مع الأثر والأثر الثابت هو حديث عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذرعه القيء لم يفطر ولا قضاء عليه ومن استقاء عمدا فعليه القضاء * فإن قيل خبر هشام بن حسان* عن ابن سيرين في ذلك غير محفوظ وإنما الصحيح من هذا الطريق في الأكل ناسيا* قيل له قد روى عيسى بن يونس لخبرين معا عن هشام بن حسان وعيسى بن يونس هو

٢٣٨

الثقة المأمون المتفق على ثبته وصدقه قد حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال روى أيضا حفص بن غياث عن هشام مثله وروى الأوزاعى عن يعيش بن الوليد أن معدان ابن أبى طلحة حدثه أن أبا الدرداء حدثه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قاء فأفطر قال فلقيت ثوبان فذكرت له ذلك فقال صدق وأنا صببت له وضوءه وروى وهب ابن جرير قال حدثنا أبى قال سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى مرزوق عن حبيش عن فضالة بن عبيد قال كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فشرب ماء فقلت يا رسول الله ألم تك صائما فقال بلى ولكني قئت وإنما تركوا القياس في الاستقاء لهذه الآثار فإن قيل قد روى أن القيء لا يفطر حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحابه عن رجل من الصحابة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال (لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم) قيل له وروى هذا الحديث محمد بن أبان عن زيد ابن أسلم عن أبى عبيد الله الصنابحى قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم (من أصبح صائما فذرعه القيء فلم يفطر ومن احتلم فلم يفطر ومن احتجم فلم يفطر) فبين في هذا الحديث القيء الذي لا يوجب الإفطار ولو لم يذكره على هذا البيان لكان الواجب حمله على معناه وأن لا يسقط أحد الحديثين بالآخر وذلك لأنه متى روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم خبران متضادان وأمكن استعمالهما على غير وجه التضاد استعملناهما جميعا ولم يبلغ أحدهما وإنما قالوا أنه إذا استقاء أقل من ملء فيه لم يفطره من قبل أنه لا يتناوله اسم القيء ألا ترى أن من ظهر على لسانه شيء بالجشاء لا يقال أنه قد تقيأ وإنما يتناوله هذا الاسم عند كثرته وخروجه وقد كان أبو الحسن الكرخي رحمه الله تعالى يقول في تقدير ملء الفم هو الذي لا يمكنه إمساكه في الفم لكثرته فيسمى حينئذ قيئا* وأما الحجامة فإنما قالوا إنها لا تفطر الصائم لأن الأصل أن الخارج من البدن لا يوجب الإفطار كالبول والغائط والعرق واللبن ولذلك لو جرح إنسان أو افتصد لم يفطره فكانت الحجامة قياس ذلك ولأنه لما ثبت أن الإمساك عن كل شيء ليس من الصوم الشرعي لم يجزلنا أن نلحق به إلا ما ورد به التوقيف أو اتفقت الأمة عليه وقد ورد بإباحة الحجامة للصائم آثار عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فمن ذلك ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا عبيد بن شريك البزاز قال حدثنا أبو الجماهر قال حدثنا عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدري أن رسول

٢٣٩

اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال (ثلاث لا يفطرن الصائم القيء والاحتلام والحجامة) وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا شعبة عن يزيد بن أبى زيادة عن مقسم عن ابن عباس أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم احتجم صائما محرم وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا حسين بن إسحاق قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهم قال حدثنا عيسى بن يونس عن أيوب بن محمد اليماني عن المثنى بن عبد الله عن أنس بن مالك قال مر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صبيحة ثماني عشرة من رمضان برجل وهو يحتجم فقالصلى‌الله‌عليه‌وسلم (أفطر الحاجم والمحجوم) ثم أتاه رجل بعد ذلك فسأله عن الحجامة في شهر رمضان فقال (إذا تبيغ أحدكم بالدم فليحتجم) وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا محمد بن الحسن بن حبيب أبو حصن الكوفي قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون قال حدثنا أبو مالك عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال احتجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو صائم فغشى عليه فلذلك كرهه وحدثنا محمد بن أبى بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القعنبي قال حدثنا سليمان يعنى ابن المغيرة عن ثابت قال قال أنس ما كنا ندع الحجامة للصائم إلا كراهية الجهد فإن قال قائل قد روى مكحول عن ثوبان عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال أفطر الحاجم والمحجوم وروى أبو قلابة عن أبى الأشعث عن شداد بن أوس أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى على رحل بالبقيع وهو يحتجم وهو آخذ بيدي لثماني عشرة خلت من رمضان فقال أفطر الحاجم والمحجوم * قيل له قد اختلف في صحة هذا الخبر وهو غير صحيح على مذهب أهل النقل لأن بعضهم رواه عن أبى قلابة عن أبى أسماء عن ثوبان وبعضهم رواه عن أبى قلابة عن شداد بن أوس ومثل هذا الاضطراب في السند يوهنه فأما حديث مكحول فإن أصله عن شيخ من الحي مجهول عن ثوبان وعلى أنه ليس في قوله أفطر الحاجم والمحجوم إذا أشار به إلى عين دلالة على وقوع الإفطار بالحجامة لأن ذكر الحجامة في مثله تعريف لهما كقولك أفطر القائم والقاعد وأفطر زيد إذا أشرت به إلى عين فلا دلالة فيه على أن القيام يفطر وعلى أن كونه زيدا يفطره كذلك قوله أفطر الحاجم والمحجوم لما أشار به إلى رجلين بأعينهما فلا دلالة فيه على وقوع الفطر بالحجامة وجائز أن يكون شاهدهما على حال توجب الإفطار من أكل أو غيره فأخبر بالإفطار من غير ذكر علته وجائز أن يكون شاهدهما على غيبة منهما للناس فقال إنهما أفطرا كما روى يزيد بن أبان عن أنس أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال (الغيبة تفطر

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

آخرتك ، و كن حافظا لما ائتمنتك عليه راعيا لحقّ اللّه فيه ، حتّى تأتي نادي بني فلان ، فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ، ثم امض إليهم بسكينة و وقار حتى تقوم بينهم و تسلّم عليهم ، ثمّ قل لهم : يا عباد اللّه أرسلني إليكم وليّ اللّه ، لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم ، فهل للّه في أموالكم من حقّ فتؤدّون إلى وليّه . فإن قال لك قائل ، لا ، فلا تراجعه ،

و ان أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخفيه أو تعده إلاّ خيرا ،

فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلاّ بإذنه فان أكثره له ، فقل : يا عبد اللّه أتأذن لي في دخول مالك ، فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلّط عليه فيه و لا عنف به ، فاصدع المال صدعين ، ثمّ خيّره أيّ الصدعين شاء ، فأيّهما اختار فلا تعرض له ثمّ اصدع الباقي صدعين ثم خيّره فأيّهما اختار فلا تعرض له ، و لا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه تعالى من ماله ، فإذا بقي ذلك فاقبض حقّ اللّه منه و ان استقالك فأقله ، ثمّ اخلطها و اصنع مثل الذي صنعت أولا ، حتّى تأخذ حقّ اللّه في ماله ، فإذا قبضته فلا توكل به إلاّ ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنف لشي‏ء منها ، ثمّ احدر كلّما اجتمع عندك من كلّ ناد إلينا ، نصيّره حيث أمر اللّه عزّ و جلّ ، فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه ألاّ يحول بين ناقة و بين فصيلها ، و لا يفرّق بينهما و لا يمصّرن لبنها فيضرّ ذلك بفصيلها ، و لا يجهد بها ركوبا و ليعدل بينهنّ في ذلك ، و ليوردهنّ كلّ ماء يمرّ به ، و لا يعدل بهنّ عن نبت الأرض إلى جواد الطريق في الساعة التي فيها تريح و تغبق ، و ليرفق بهن جهده حتى يأتينا بإذن اللّه تعالى سحاحا سمانا غير متعبات و لا مجهدات ، فيقسّمن بإذن اللّه على كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيّه على أولياء اللّه ، فإن ذلك أعظم لأجرك و أقرب لرشدك ، ينظر اللّه اليها و إليك و إلى جهدك و نصيحتك لمن بعثك ، و بعثت في حاجته ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : ما ينظر اللّه إلى وليّ له، يجهد نفسه بالطاعة

٥٤١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و النصيحة له و لإمامه إلاّ كان معنا الخبر .

و رواه الشيخان في ( المقنعة ) و ( التهذيب ) كما رواه ( الكافي ) ، و روته ( غارات الثقفي ) عن يحيى بن صالح عن أبي العباس الوليد بن عمرو عن عبد الرحمن بن سليمان عن الصادق عليه السلام أيضا ١ .

قول المصنف : « و من وصيّة له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات » و كذلك كان عليه السلام يعين لعمال خراجه آداب الخرج . روى البلاذري في ( فتوحه ) عن مصعب بن يزيد الأنصاري عن أبيه قال : بعثني علي عليه السلام على ما سقى الفرات فذكر رساتيق و قرى ، فسمّى نهر الملك و كوثي و بهر سير و الردمقان و نهر جوير و نهر درقيط و البهقباذات و أمرني أن أضع على كلّ جريب زرع غليظ من البّر و درهما و نصفا و صاعا من طعام ، و على كلّ جريب وسط درهما ، و على كلّ جريب من البرّ رقيق الزرع ثلثي درهم ، و على الشعير نصف ذلك ، و أمرني أن أضع على البساتين التي تجمع النخل و الشجر على كلّ جريب عشرة دراهم ، و على جريب الكرم إذا أتت عليه ثلاث سنين و دخل في الرابعة و أطعم عشرة دراهم ، و أن ألغي كلّ نخل شاذّ عن القرى يأكله من مرّ به ، و أن لا أضع على الخضروات شيئا ، المقائي ، و الحبوب و السماسم ،

و القطن ، و أمرني أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البراذين و يتختمون بالذهب على الرجل ثمانية و أربعين درهما ، و على أوسطهم من التجار على رأس كلّ رجل أربعة و عشرين درهما في السّنة ، و أن أضع على الاكرة و سائر من بقي منهم على الرجل اثني عشر درهما .

و روى عن الحسن بن صالح قال : بلغني أنّ عليّا عليه السلام ألزم أهل ( أجمة برس ) أربعة آلاف درهم و كتب لهم بذلك كتابا في قطعة أديم . قال أحمد بن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٣ : ٥٣٦ ح ١ ، و المقنعة : ٤٢ ، و التهذيب ٤ : ٩٦ ح ٨ ، و الغارات ١ : ١٢٦ .

٥٤٢

حمّاد الكوفي « أجمة برس » بحضرة صرح نمرود ببابل ١ .

« و انما ذكرنا هنا جملا منها » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : « و إنّما ذكرنا منها جملا ههنا » كما ( في ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٢ .

« ليعلم بها أنّه عليه السلام كان يقيم عماد الحقّ » يعرف ذلك منه عليه السلام كلّ أحد حتّى أقرّ بذلك فاروقهم . قال ابن قتيبة قال يوم الشورى لعليّ عليه السلام : و إنّك أحرى القوم إن ولّيتها أن تقيم على الحقّ المبين و الصراط المستقيم ٣ .

و كان عليه السلام في زمان إمارة المتقدّمين عليه أيضا كذلك ، فأقام الحدّ على الوليد بن عقبة أخا عثمان لامّه في خلافة عثمان رغما لأنفه ، و أراد قتل عبد اللّه بن عمر في خلافة عثمان قصاصا بهرمزان ملك تستر لأنّه قتل بغير حقّ ،

و أبى عثمان عن إجراء الحدّ عليه ففرّ منه عليه السلام و خرج من المدينة ، كما انّه لمّا وصل الأمر إليه عليه السلام فرّ إلى معاوية ، و لذلك كانوا لا يرضون بولايته عليه السلام للأمر ، و لذا قالت سيّدة النساء عليها السلام يوم السقيفة : ما نقموا من أبي الحسن إلاّ تنمّره في ذات اللّه ٤ .

« و يشرع أمثلة العدل في صغير الامور و كبيرها و دقيقها و جليلها » في خبر ( الكافي ) المتقدّم بعد ما مرّ ثم بكى أبو عبد اللّه عليه السلام و قال لبريد : لا و اللّه ما بقيت للّه حرمة إلاّ انتهكت ، و لا عمل بكتاب اللّه و سنّة نبيّه في هذا العالم ، و لا أقيم في هذا الخلق حدّ منذ قبض اللّه أمير المؤمنين ، و لا عمل بشي‏ء من الحقّ إلى يوم النّاس هذا . ثم قال : أما و اللّه لا تذهب الأيام و الليالي حتى يحيي اللّه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) فتوح البلدان : ٢٧٠ .

( ٢ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥١ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٤١٠ .

( ٣ ) الامامة و السياسة ١ : ٢٥ .

( ٤ ) قالت هذا في مرضها الذي ماتت فيه و هذا بعض من خطبة لها عليها السلام رواها الجوهري في السقيفة : ١١٧ ، و الصدوق في معاني الأخبار : ٣٥٤ ، و الطبري في دلائل الإمامة : ٣٩ ، و البغدادي في بلاغات النساء : ٣٣ و غيرهم .

٥٤٣

الموتى و يميت الأحياء و يردّ الحقّ إلى أهله و يقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه الخبر ١ .

و في ( مقنعة المفيد ) : روى إسماعيل بن مهاجر عن رجل من ثقيف قال :

استعملني علي عليه السلام على بانقيا و سواد من سواد الكوفة فقال لي و الناس حضور أنظر خراجك فجدّ فيه و لا تترك منه درهما ، فإذا أردت أن تتوجّه إلى عملك فمرّ بي ، فأتيته فقال : إنّ الذي سمعت منّي خدعة ، إيّاك أن تضرب مسلما أو يهوديا أو نصرانيا في درهم خراج أو تبيع دابة عمل في درهم فإنّا أمرنا أن نأخذ منهم العفو ، و لا تجمع بين متفرّق و لا تفرّق بين مجتمع ٢ .

و رواه أبو حاتم السجستاني في ( وصاياه ) هكذا : حدّثونا عن أبي نعيم عن إسماعيل بن ابراهيم بن المهاجر عن عبد الملك بن عمير عن رجل من ثقيف قال : استعملني علي بن أبي طالب عليه السلام على عكبرى و لم يكن السواد يسكنه المصلّون ، فقال لي بين أيديهم : إستوف خراجهم منهم فلا يجدوا فيك ضعفا و لا رخصة ، ثم قال لي : رح إلي عند الظهر . فرحنا إليه فلم أجد عليه حاجبا و وجدته جالسا و عنده قدح و كوز من ماء ، فدعا بظبة يعني جرابا صغيرا فقلت في نفسي : لقد أمنّني حين يخرج إليّ جوهرا ، فإذا عليه خاتم فكسر الخاتم فإذا فيها سويق فصبه في القدح فشرب منه و سقاني ، فلم أصبر و قلت : أتصنع هذا بالعراق ، طعام العراق أكثر من ذلك ؟ فقال ، إنّما اشتري قدر ما يكفيني ، و أكره أن يفنى فيضع فيه غيري ، و إنّي لم أختم عليه بخلا عليه ،

و انما حفظي لذاك و إنّما أكره أن أدخل بطني إلاّ طيّبا ، و إنّي قلت لك بين أيديهم الذي قلت لأنّهم يوم خدع و أنا آمرك الآن بما تأخذهم به إن أنت فعلت و إلاّ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٣ : ٥٣٨ .

( ٢ ) المقنعة : ٤٢ .

٥٤٤

أخذك اللّه به دوني ، و إن بلغني عنك خلاف ما آمرك به عزلتك ، لا تبيعنّ لهم رزقا يأكلونه و لا كسوة شتاء و لا صيف ، و لا تضربنّ رجلا سوطا في طلب درهم فإنّا لم نؤمر بذلك ، و لا تبيعنّ لهم دابة يعملون عليها ، إنّا أمرنا أن نأخذ منهم العفو . قال : إذن أجيئك كما ذهبت . قال : و ان فعلت .

و في ( بلاغات البغدادي ) في وفود أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية و كلام بينهما ، قالت أروى لمعاوية : تأمر لي بألفي دينار و ألفي دينار و ألفي دينار . قال : ما تصنعين يا عمّة بألفي دينار ؟ قالت : اشتري بها عينا فوّارة في أرض خوّارة تكون لولد الحارث ، قال : نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : ازوّج بها فتيان بني عبد المطلب من أكفائهم . قال :

نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : استعين بها على عسر المدينة و زيارة بيت اللّه الحرام . قال : نعم الموضع وضعتها ، هي لك نعمة و كرامة ثم قال : أما و اللّه لو كان علي ما أمر لك بها . قالت : صدقت إنّ عليّا عليه السلام أدّى الأمانة و عمل بأمر اللّه و أخذ به ، و أنت ضيّعت أمانتك و خنت اللّه في ماله ،

فأعطيت مال اللّه من لا يستحقّه ، و قد فرض اللّه الحقوق لأهلها و بيّنها فلم تأخذ بها ، و دعانا علي عليه السلام الى أخذ حقّنا الذي فرض اللّه لنا ، فشغل بحربك عن وضع الامور مواضعها ، و ما سألتك من مالك شيئا فتمنّ به ، إنّما سألتك من حقّنا ،

و لا نرى أخذ شي‏ء غير حقّنا ، أتذكر عليّا فضّ اللّه فاك و أجهد بلاك . ثم علا بكاها و قالت :

ألا يا عين ويحك فاسعدينا

ألا و ابكي أمير المؤمنينا

و فيه في وفود سودة بنت عمارة على معاوية بعد ذكر كلام بينهما قالت سودة لمعاوية : قدم علينا بسر بن إرطأة من قبلك فقتل رجالي و أخذ مالي ، تقول : فوهي بما أستعصم اللّه منه و ألجأ اليه فيه ، و لو لا الطاعة لكان فينا عزّ و منعة ، فإمّا عزلته عنّا فشكرناك ، و إمّا لا ، فعرفناك . فقال لها معاوية :

٥٤٥

أتهددينني بقومك ؟ لقد هممت أن أحملك على قتب أشرس فأردّك إليه ينفذ فيك حكمه . فأطرقت تبكي ثمّ قالت :

صلّى الإله على جسم تضمّنه

قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلا

فصار بالحقّ و الإيمان مقرونا

قال لها معاوية : و من ذلك ؟ قالت : علي بن أبي طالب عليه السلام . قال : و ما صنع بك حتى صار عندك كذلك ؟ قالت : قدمت عليه في رجل ولاّه صدقاتنا فكان بيني و بين الرجل ما بين الغث و السمين ، فأتيته لأشكوه إليه فوجدته قائما يصلّي ، فلما نظر إليّ انفتل من صلاته ثم قال لي برأفة و تعطّف : ألك حاجة ؟

فأخبرته فبكى ثم قال : اللّهم إنّك أنت الشاهد علي و عليهم ، إنّي لم آمرهم بظلم خلقك و لا بترك حقّك ثم أخرج من جيبه قطعة جلد ، فكتب قد جاءتكم بيّنة من ربكم فأوفوا الكيل و الميزان بالقسط و لا تبخسوا النّاس أشياءهم و لا تعثوا في الأرض مفسدين . بقيّة اللّه خير لكم إن كنتم مؤمنين . و ما أنا عليكم بحفيظ ١ . إذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك الخبر ٢ .

و قولها « يقول فوهي بما استعصم اللّه منه » أي تكلّمي بالسبّ له عليه السلام و استعيذ باللّه من ذلك .

قوله عليه السلام « انطلق على تقوى اللّه وحده لا شريك له » و من يتق اللّه يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب ٣ .

« و لا تروّعنّ » أي : لا تفزعن « مسلما و لا تجتازن » أي : لا تمرّن « عليه كارها

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هذا خلط بين آية ( الاعراف : ٨٥ ) و آيتي ( هود : ٨٥ و ٨٦ ) .

( ٢ ) بلاغات النساء : ٤٣ و ٤٧ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) الطلاق : ٢ ٣ .

٥٤٦

و لا تأخذن منه أكثر من حقّ اللّه في ماله » لأنّه ظلم .

« فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم » لكون ذلك أذى لهم « ثم امض إليهم بالسكينة » من السكون « و الوقار » من الوقر « حتى تقوم بينهم فتسلّم عليهم » فالسلام من آداب الإسلام ، قال تعالى : فإذا دخلتم بيوتاً فسلّموا على أنفسكم تحيّةً من عند اللّه مباركةً طيّبةً كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تعقلون ١ .

« و لا تخدج » من الاخداج « بالتحية لهم » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ، و الصواب : « التحية لهم » كما في ( ابن ميثم ) ٢ لتصديق ( النهاية ) له ،

فقال : و في حديث علي عليه السلام « لا تخدج التحية لهم » أي : لا تنقصها ، يقال أخدجت الناقة ولدها إذا ولدته ناقص الخلق ، و خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوانه و ان كان تام الخلق ٣ .

« ثم تقول عباد اللّه أرسلني إليكم وليّ اللّه و خليفته لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم » انما قال عليه السلام « عباد اللّه » دون « أيّها الناس » و قال « وليّ اللّه و خليفته » دون « علي أمير المؤمنين » و قال « حقّ اللّه » دون « الصدقات » ليكون الإضافة إلى اللّه تعالى في المواضع الثلاثة لتسهيل الاعطاء على نفوسهم ، فإن اعطاء المال شديد على النفوس ، و لذا قال تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أخذ الصدقات من الناس : و صلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم ٤ كما إنّه عليه السلام أتى بلفظة « اللّه » ظاهرا في الآخرين مع تقدّم ذكره تأكيدا لذلك .

« فهل لكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه » و في ( العقد ) عن بعضهم قال : وقف

ــــــــــــــــــ

( ١ ) النور : ٦١ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥١ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٤١٠ نحو المصرية .

( ٣ ) النهاية ٢ : ١٢ و ١٣ مادة ( خدج ) .

( ٤ ) التوبة : ١٠٣ .

٥٤٧

علينا إعرابي فقال : أخ في كتاب اللّه ، و جار في بلاد اللّه ، و طالب خير من رزق اللّه ،

فهل فيكم من مواس في اللّه ؟ ١ « فان قال قائل لا فلا تراجعه » فقوله مقبول ما دام لم يعلم كذبه و مينه ، و لا يحتاج إلى بيّنة أو يمين .

« و ان أنعم لك منعم » أي : قال قائل « نعم لك عندي حقّ اللّه » « فانطلق معه من غير أن تخيفه » بالشدّة عليه « و » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « أو » كما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ « توعده » بايذائه « أو تعسفه » قال الجوهري : العسف الأخذ على غير الطريق ٣ ، قال البحتري :

حيث لا عند مجتبى منه الطاط

و لا في سياق جابيه عسف

« أو ترهقه » أي : تعسره .

هذا ، و في ( تاريخ الطبري ) قال مسلم العجلي : مررت بالمسجد فجاء رجل إلى سمرة بن جندب و كان زياد يستخلفه على البصرة إذا سار إلى الكوفة و على الكوفة إذا سار إلى البصرة و أقرّه معاوية بعد زياد ستة أشهر فأدّى زكاة ماله ، ثم دخل ، فجعل يصلّي في المسجد ، فجاء رجل فضرب عنقه فإذا رأسه في المسجد و بدنه ناحية ، فمر أبو بكرة فقال : يقول اللّه سبحانه :

قد أفلح من تزكّى . و ذكر اسم ربّه فصلّى ٤ فما مات سمرة حتى أخذه الزمهرير فمات شرّ ميتة ٥ .

« فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة » من زكاة النقدين أو قيمة الغلات الأربعة

ــــــــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد ٤ : ٢٠ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥١ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٤١٠ « و » .

( ٣ ) صحاح اللغة ٤ : ١٤٠٢ مادة ( عسف ) .

( ٤ ) الاعلى : ١٤ و ١٥ .

( ٥ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢١٧ سنة ٥٣ .

٥٤٨

« فان كان » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( فان كانت ) كما في ( ابن أبي الحديد و ثمّ و الخطية ) ١ « له ماشية » الماشية تطلق على الغنم و البقر و الإبل ، و المراد هنا الأولان « أو إبل فلا تدخلها إلاّ بإذنه فإن أكثرها له ، فإذا أتيتها فلا تدخل عليها » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( فلا تدخلها ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٢ « دخول متسلّط عليه و لا عنيف به » قال الجوهري : العنيف : الذي ليس له رفق بركوب الخيل ٣ .

« و لا تنفرّن بهيمة و لا تفزعنّها » فانّه ظلم و عمل قبيح .

« و لا تسؤنّ صاحبها فيها » قال بعضهم في وصف مصدقهم :

يا كروانا صك فاكبأنا

فشن بالسلح فلما شنا

بل الذنابي عبسا مبنّا

أإبلى تأكلها مصنّا

خافض سن و مشيل سنا

قال ابن السكّيت : معنى قوله « خافض سن » إنّ المصدق يأخذ ابنة لبون و يقول إنّها ابنة مخاض ، « و مشيل سنا » إنّ للمصدق ابنة لبون فيأخذ حقّة ٤ .

« و أصدع المال صدعين » قال الجوهري « الصدعة » بالكسر : الصرمة من الإبل و الفرقة من الغنم ، يقال صدعت الغنم صدعتين أي : فرقتين ٥ .

« ثم خيّره » بين الصدعين « فإذا اختار » أحدهما « فلا تعرضنّ لما اختاره » منهما .

« ثم اصدع الباقي » مما اختاره « صدعين ثمّ خيّره » بين الصدعين « فإذا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥١ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٤١٠ نحو المصرية .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥١ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٤١٠ نحو المصرية .

( ٣ ) صحاح اللغة ٤ : ١٤٠٦ مادة ( عنف ) .

( ٤ ) اصلاح المنطق لابن السكيت : ٨٣ و ٨٤ .

( ٥ ) صحاح اللغة ٣ : ١٢٤٢ مادة ( صدع ) .

٥٤٩

اختار » أحدهما « فلا تعرضنّ لما اختاره » منهما .

« فلا تزال كذلك » تصدع بالباقي صدعين ثم تخيّره فإذا اختار فلم يكن لك التعرّض له « حتى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه في ماله » واحد أو أكثر « فاقبض حقّ اللّه منه » ممّا تركه « فان استقالك » من القيل من إقالة البيع بمعنى فسخه .

« فأقله ثمّ اخلطهما » ما بقي و ما اختار « ثمّ اصنع مثل الذي صنعت أوّلا » من صدع المال و يدعه و اختياره « حتى تأخذ حقّ اللّه في ماله » ممّا بقي و أعرض عنه .

هذه آداب الاسلام لعمّال الصدقات ، لا يجوز لهم أن يختاروا من أنعام من وجبت عليه الزكاة و إنّما الاختيار لمالكيها . و كان عمّال أبي بكر يختارون ما أعجبهم و لو كان من مال غير المالك مختلطا به ، فإن تكلّم المالك في ذلك رموه بالارتداد و قتلوه .

ففي ( كامل الجزري ) : كان زياد بن لبيد قد ولّى من قبل أبي بكر صدقات بني عمرو بن معاوية ، فقدم عليهم فكان أوّل من انتهى إليه منهم شيطان بن حجر ، فأخذ منهم بكرة و وسمها ، فإذا الناقة للعداء بن حجر أخيه و كان أخوه قد أوهم حين أخرجها و كان اسمها شذرة و ظنّها غيره ، فقال العداء : هذه ناقتي ، فقال أخوه : صدق فأطلقها و خذ غيرها ، فاتّهمه زياد بالكفر و مباعدة الاسلام ، فمنعهما عنها و قال : صارت في حقّ اللّه ، فلجأ في أخذها فقال لهما زياد : لا تكوننّ « شذرة » عليكم كالبسوس . فنادى العداء : يا آل عمرو أ أضام و اضهد ، إنّ الذليل من أكل في داره . و نادى حارثة بن سراقة بن معد يكرب ،

فأقبل حارثة إلى زياد و هو واقف فقال له : أطلق بكرة الرجل و خذ غيرها . فقال زياد : ما إلى ذلك سبيل ، فقال حارثة : ذاك إذا كنت يهوديا و أطلق عقالها و بعثها و قام دونها فأمر زياد شبابا من حضرموت و السكون فمنعوه و كتفوه و كتفوا أصحابه و أخذوا البكرة ، و تصايحت كندة و غضبت بنو معاوية لحارثة و أظهروا أمرهم ، و غضبت حضرموت و السكون لزياد

٥٥٠

و توافي عسكران عظيمان إلى أن قال و نهد زياد إليهم ليلا فقتل منهم و تفرّقوا ١ .

« و لا تأخذنّ عودا » بالفتح أي : مسنّة . قال الجزري : في حديث حسان « قد آن لكم أن تبعثوا إلى هذا العود ، هو الجمل كبير مسنّ مدرّب فشبّه نفسه به ،

و في حديث جابر « فعمدت إلى عنز لأذبحها فثغت فقال عليه السلام لا تقطع درّا و لا نسلا فقلت : إنّما هي عودة علفناها البلح و الرطب فسمنت » عود البعير و الشاة إذا أسنّا ٢ .

« و لا هرمة » قال ابن دريد : الهرم : بلوغ الغاية في السنّ ٣ .

و في ( القاموس ) : ابن هرمة آخر ولد الشيخ و الشيخة و شاعر ٤ .

هذا ، و ليست جملة « و لا تأخذن عودا و لا هرمة » في رواية الكليني و الشيخين .

« و لا مكسورة » لكونها ناقصة و يجب أداء سالمة « و لا مهلوسة » قال الجوهري : الهلاس ، السّل ، يقال هلسه المرض ٥ .

« و لا ذات عوار » بالفتح أي : العيب . و يقال في الأمرين المكروهين « كسير و عوير و كل غير خير » ٦ .

« و لا تأمننّ عليها » في إرسالك لها إليّ « إلاّ من تثق بدينه رافقا بمال المسلمين حتّى يوصله إلى وليّهم » غير معنّف و لا مجحف بتقديم الجيم . قال الجوهري :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كامل ابن الأثير ٢ : ٣٧٩ سنة ١١ .

( ٢ ) النهاية ٣ : ٣١٧ ، مادة ( عود ) .

( ٣ ) جمهرة اللغة ٢ : ٤١٨ .

( ٤ ) القاموس المحيط ٤ : ١٨٩ مادة ( هرم ) .

( ٥ ) صحاح اللغة ٢ : ٩٨٨ مادة ( هلس ) .

( ٦ ) أورده الميداني في مجمع الأمثال ٢ : ١٤٧ .

٥٥١

أجحف به أي : ذهب به ، و كان اسم جحفة ميقات الشام مهيعة ، فأجحف السيل بأهلها فسمّيت جحفة ١ ٢ .

« و لا ملغب » قال الجوهري : ألغبته أي : انصبته ٣ .

« و لا متعب ثمّ احدر الينا » و الأصل في الحدر ارسال السفينة إلى أسفل ،

و هنا كناية عن الإسراع ، فالإرسال إلى أسفل يحصل سريعا .

« ما اجتمع عندك نصيّره حيث أمر اللّه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب :

« أمر اللّه به » كما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم ٤ و ( الخطية ) ، أي : من موارد الصدقات .

« فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه » قال الجوهري : أو عزت إليه في كذا و كذا أي :

تقدمت ، و كذلك » وعّزت إليه توعيزا ، و قد يخفف فيقال و عزت إليه و عزا ٥ .

« ألا يحول بين ناقة و بين فصيلها » الفصيل ولد الناقة إذا فصل عن امه .

« و لا يمصّر لبنها » قال ابن السكيت : المصر : حلب كلّ ما في الضرع ٦ « فيضر ذلك بولدها » فيضعف فيموت .

في ( أدب كاتب الصولي ) : قال الحجاج يوما للدهاقين و قد اجتمعوا عنده كم كان عمر يجبي السواد ؟ قالوا مائة ألف ألف درهم . قال : فكم جباه زياد ؟ قالوا مائة ألف ألف . قال : فكم نجبيه نحن اليوم ؟ قال : ثمانين ألف ألف .

فقال : لم ذلك ؟ فقال له دهقان الفلوجيين : هذا كلّه لبيتين قاله شاعركم ابن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٤ : ١٣٣٥ ، مادة ( جحف ) .

( ٢ ) اسقط الشارح هنا : « و يقسمه بينهم » و لا توكل بها إلا ناصحا شفيقا و أمينا حفيظا .

( ٣ ) صحاح اللغة ١ : ٢٢٠ مادة ( لغب ) .

( ٤ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥٢ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٤١١ نحو المصرية .

( ٥ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٩٨ مادة ( و عز ) .

( ٦ ) نقله عنه لسان العرب ٥ : ١٧٥ مادة مصر .

٥٥٢

حلزة . قال : و ما هما ؟ قال : قوله :

لا تكسع الشول بأغبارها

إنّك لا تدري من الناتج

و أصبب لأضيافك ألبانها

فانّ شرّ اللبن الوالج

فاستعمل عمّالكم هذا فخربت الدنيا .

و معنى البيتين أنّ العرب كانت إذا أخصبت عاما لم تستقص الحلب و تركت في الضروع بقية و كسعت الضروع بالماء البارد ليترادّ اللبن فيكون أقوى لظهورها ، فان كان في العام المقبل جدب كان فيها فضل و قوّة حتى لا ينقطع اللبن ، فقال هذا الشاعر « لا تكسع الشول » و هي النوق « بأغبارها » و هي بقايا ألبانها « إنّك لا تدري من الناتج » أي : لعلّه أن يغار عليك فتؤخذ أو تموت فيأخذها الوارث ، أي : يعمل العمّال هذا و أخذوا العاجل و لم يعمروا للطعام المقبل فنقص الخراج لذلك ١ .

« و لا يجهدنّها ركوبا و ليعدل بين صواحباتها في ذلك و بينها » و قد عرفت أن رواية ( الكافي ) « و لا يجهد بها ركوبا و ليعدل بينهنّ في ذلك » ٢ .

« و ليرفه » أي : يجعل الرفاهية « على اللاغب » الذي حصل له التعب و الإعياء « و ليستأنّ » أي : ينتظر « بالنقب » أي : بعير رقّت أخفافه « و الظالع » أي : بعير غمز في مشيه .

« و ليوردها » الماء « ما تمرّ به من الغدر » جمع الغدير ، قدر من الماء يغادره السيل . و في ( الصحاح ) : و يقال الغدير فعيل بمعنى فاعل لأنّه يغدر بأهله ، أي :

ينقطع عند شدّة الحاجة إليه ، قال الكميت :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أدب الكتاب : ٢٢٠ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٥٣٧ .

٥٥٣

و من غدره نبزه الأولون

إذ لقبوه الغدير الغديرا ١

« و لا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جوادّ » بتشديد الدال من الجدد جمع الجادّة الأرض الغليظة « الطرق و ليروّحها » أي : يجعل لها راحة أو يردّها إلى المراح « في الساعات » أي : ساعات الترويح . و في رواية ( الكافي ) « في الساعة التي فيها تريح و تغبق » ٢ .

ثم إنّ ابن إدريس جعل « تعنق » في ( الكافي ) بالعين و النون ، من العنق أي : السير الشديد للابل ، فقال : معناه لا يعدل بهن عن نبت الأرض الى جوادّ الطرق في الساعات التي لها فيها راحة و لا في الساعات التي عليها فيها مشقة ، و بعضهم صحّفه فقرأه « تغبق » بالغين المعجمة و الباء من الغبوق ، و هو الشرب بالعشي ٣ .

قلت : لا معنى لما قال ، فإذا كان لا يعدل بها عن النبت في ساعة الراحة و في ساعة الشدّة فأيّ ساعة تسير ، و أيضا الأعناق لا يحصل في النبت بل في الجادة .

« و ليمهلها عند النطاف » جمع النطفة الماء الصافي قلّ أو كثر « و الأعشاب » جمع العشب : الكلاء الرطب « حتى تأتينا » هكذا في ( المصرية و ابن ميثم ) ، و لكن في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) « حتى يأتينا بها » ٤ « باذن اللّه » أي : بتقديره « بدنا » بضم الدال و سكونه ، أي : سمان « منقيات » ذات نقى أي : مخّ « غير متعبات و لا مجهودات » جهد دابته إذا حمل عليها فوق طاقتها « لنقسّمها على كتاب اللّه و سنّة نبيه » على الأصناف المستحقين .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٢ : ٧٦٧ ، مادة ( غدر ) .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٥٣٧ .

( ٣ ) السرائر لابن إدريس : ١٠٨ .

( ٤ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥١ و شرح ابن ميثم ٤ : ٤١١ نحو المصرية .

٥٥٤

« فإنّ ذلك » أي : رعيك ما ذكرت لك « أعظم لأجرك و أقرب لرشدك إن شاء اللّه » ليست كلمة « إن شاء اللّه في نسخة ( ابن ميثم ) ١ .

٢

الكتاب ( ٦٠ ) و من كتاب له عليه السلام إلى العمال الذين يطأ الجيش عملهم :

مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ ؟ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ إِلَى مَنْ مَرَّ بِهِ اَلْجَيْشُ مِنْ جُبَاةِ اَلْخَرَاجِ وَ عُمَّالِ اَلْبِلاَدِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ سَيَّرْتُ جُنُوداً هِيَ مَارَّةٌ بِكُمْ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ وَ قَدْ أَوْصَيْتُهُمْ بِمَا يَجِبُ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ كَفِّ اَلْأَذَى وَ صَرْفِ اَلشَّذَا وَ أَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكُمْ وَ إِلَى ذِمَّتِكُمْ مِنْ مَعَرَّةِ اَلْجَيْشِ إِلاَّ مِنْ جَوْعَةِ اَلْمُضْطَرِّ لاَ يَجِدُ عَنْهَا مَذْهَباً إِلَى شِبَعِهِ فَنَكِّلُوا مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهُمْ ظُلْماً عَنْ ظُلْمِهِمْ وَ كُفُّوا أَيْدِيَ سُفَهَائِكُمْ عَنْ مُضَادَّتِهِمْ وَ اَلتَّعَرُّضِ لَهُمْ فِيمَا اِسْتَثْنَيْنَاهُ مِنْهُمْ وَ أَنَا بَيْنَ أَظْهُرِ اَلْجَيْشِ فَارْفَعُوا إِلَيَّ مَظَالِمَكُمْ وَ مَا عَرَاكُمْ مِمَّا يَغْلِبُكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَا لاَ تُطِيقُونَ دَفْعَهُ إِلاَّ بِاللَّهِ وَ بِي فَأَنَا أُغَيِّرُهُ بِمَعُونَةِ اَللَّهِ إِنْ شَاءَ أقول : رواه نصر بن مزاحم في ( صفينه ) هكذا : فقال و في حديث عمر أيضا باسناده ان عليّا عليه السلام كتب إلى امراء الأجناد بعد البسملة : أما بعد ، فإنّي أبرأ إليكم و إلى أهل الذّمّة من معرّة الجيش إلاّ من جوعة إلى شبعة ، و من فقر إلى غنى ، أو عمى إلى هدى ، فإنّ ذلك عليهم ، فاعزلوا الناس عن الظلم و العدوان ،

و خذوا على أيدي سفهائكم ، و احترسوا أن تعملوا أعمالا لا يرضى اللّه بها عنّا فيردّ علينا و عليكم دعانا ، فإن اللّه تعالى يقول : قل ما يعبؤ بكم ربّي لو لا دعاؤكم فقد كذّبتم فسوف يكون لزاما ٢ ، فانّ اللّه إذا مقت قوما من السماء

ــــــــــــــــــ

( ١ ) توجد الكلمة في شرح ابن ميثم ٤ : ٤١١ .

( ٢ ) الفرقان : ٧٧ .

٥٥٥

هلكوا في الأرض ، فلا تألوا أنفسكم خيرا ، و لا الجند حسن السيرة ، و لا الرعية معونة ، و لا دين اللّه قوة ، و أبلوه في سبيله ما استوجب عليكم ، فإنّ اللّه قد اصطنع عندنا و عندكم ما نشكره بجهدنا و أن ننصره ما بلغت قوّتنا ، و لا قوّة إلاّ باللّه .

و في كتابه أيضا : و كتب عليه السلام إلى جنوده يخبرهم بالذي لهم و الذي عليهم : من عبد اللّه علي أمير المؤمنين ، أما بعد فإنّ اللّه جعلكم في الحقّ جميعا سواء أسودكم و أحمركم ، و جعلكم من الوالي و جعل الوالي منكم بمنزلة الوالد من الولد و بمنزلة الولد من الوالد ، الذي لا يكفيهم منعه إيّاهم طلب عدوّه و التهمة به ما سمعتم و أطعتم و قضيتم الذي عليكم ، و إنّ حقّكم عليه إنصافكم و التعديل بينكم و الكفّ عن فيئكم ، فإذا فعل ذلك معكم ، وجبت عليكم طاعته بما وافق الحقّ و نصرته على سيرته و الدفع عن سلطان اللّه ، فانّكم وزعة اللّه في الأرض تكونوا له أعوانا و لدينه أنصارا ، و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها إن اللّه لا يحبّ المفسدين ١ .

قول المصنف : « يطأ الجيش عملهم » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب :

« يطأ عملهم الجيش » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ، و في نسخة الأول « الجيوش » ٢ .

قوله عليه السلام « من عبد اللّه علي أمير المؤمنين إلى من مرّ به الجيش من جباة الخراج » الجباة : جمع الجابي ، و الأصل في معناه الجمع ، قال تعالى : تُجْبَى إليه ثمرات كلّ شي‏ء ٣ ، و الخراج كالخرج : الأتاوة .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين : ١٢٥ ١٢٦ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٧ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٥ : ١٩٨ نحو المصرية .

( ٣ ) القصص : ٥٧ .

٥٥٦
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« و عمّال البلاد » أي : حكّامها .

« أما بعد فإنّي قد سيّرت جنودا » إلى العدو « هي مارة بكم إن شاء اللّه » لكونكم في طريقهم « و قد أوصيتهم بما يجب للّه عليهم ، من كفّ الأذى و صرف الشذى » أي :

الشر ، يقال آذيت و أشذيت .

في ( العقد ) : حبس مروان و كان والي المدينة من قبل معاوية غلاما من بني ليث في جناية جناها ، فأتته جدّة الغلام ام سنان المذحجية فكلّمته في الغلام ، فأغلظ لها ، فخرجت إلى معاوية ، فقال لها : ما أقدمك أرضنا و قد عهدتك تشتميننا و تحضّين علينا عدوّنا ، قالت : ان لبني عبد مناف أخلاقا طاهرة ، و ان أولى الناس باتباع ما سنّ آباؤه لأنت .

قال : نحن كذلك ، فكيف قولك :

عزب الرقاد فمقلتي لا ترقد

و الليل يصدر بالهموم و يورد

يا آل مذحج لا مقام فشمّروا

إن العدو لآل أحمد يقصد

هذا علي كالهلال تحفّه

وسط السماء من الكواكب أسعد

خير الخلائق و ابن عمّ محمّد

إن يهدكم بالنور منه تهتدوا

ما زال مذ شهد الحروب مظفّرا

و النصر فوق لوائه ما يفقد

قالت : كان ذلك ، و أرجوا أن تكون لنا خلفا . فقال رجل من جلسائه : كيف و هي القائلة :

أما هلكت أبا الحسين فلم تزل

بالحقّ تعرف هاديا مهديّا

فاذهب عليك صلاة ربّك ما دعت

فوق الغصون حمامة قمريّا

قد كنت بعد محمّد خلفا كما

أوصى إليك بنا فكنت وفيّا

فقالت : لسان صدق و قول نطق ، و لئن تحقّق ما ظنّنا فحظّك الأوفر ، و اللّه ما ورّثك الشنآن في قلوب المسلمين إلاّ هؤلاء ، فأدحض مقالتهم و أبعد منزلتهم إلى أن قالت إنّ مروان تبنك بالمدينة تبنك من لا يريد البراح منها ،

٥٥٧

لا يحكم بعدل و لا يقضي بسنّة ، يتتبع عثرات المسلمين و يكشف عورات المؤمنين ١ .

« و أنا ابرأ إليكم و الى ذمّتكم من معرّة الجيش » أي : إثمهم و شرّهم .

برئ عليه السلام من معرّتهم كما برئ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من معرّة عمل خالد بن الوليد ببني جذيمة ، حيث غدر بهم فآمنهم فوضعوا السلاح فأمر بهم فكتّفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم ، فلما انتهى الخبر إلى النبي رفع يديه إلى السماء و قال كما في تاريخ الطبري اللّهم إنّي ابرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد . ثم دعا عليّا عليه السلام و قال له : أخرج إلى هؤلاء ، و بعث معه مالا فودي لهم الدماء ، و ما أصيب من الأموال ، حتّى أنّه ليدي ميلغة الكلب ، فلما فرغ قال لهم : هل بقي لكم دم أو مال لم يود إليكم ؟ قالوا : لا . قال : فإنّي أعطيكم هذه البقية و قد كان بقي من مال معه بقية احتياطا للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مما لا أعلم و لا تعلمون ، فأعطاهم ، ثم رجع إلى النبي فأخبره بما فعل ، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له : أصبت و أحسنت . ثم قال النّبيّ فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى أنّه ليرى بياض ما تحت منكبيه و هو يقول « اللّهم إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات » ٢ .

« إلاّ من جوعة المضطر لا يجد عنها » أي : عن جوعته « مذهبا » أي : مسلكا و حيلة « إلى شبعه » قال تعالى بعد ذكر حرمة الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهلّ لغير اللّه به و المنخنقة و الموقوذة و المتردّية و النّطيحة و مأكول السبع و المذبوح على النصب و مستقسم الأزلام فمن اضطرّ في مخمصة غير متجانف لإثم فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد ١ : ٢٩٦ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣٤١ ، سنة ٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) المائدة : ٣ .

٥٥٨

« فنكلوا » أي : دافعوا « من تناول » أي : أخذ « منهم شيئا » هكذا في ( المصرية ) و ليس « شيئا » في ( ابن ميثم و ابن أبي الحديد و الخطية ) ١ ، فالكلمة زائدة « ظلما » مفعول مطلق لقوله « تناول » « عن ظلمهم » متعلق بقوله « فنكلوا » .

هذا ، و في ( تاريخ الطبري ) : كان هرمز بن انوشروان ذانيّة في الإحسان إلى الضعفاء و المساكين و الحمل على الأشراف ، فأبغضوه و بلغ من عدله أنّه كان يسير إلى مياه ليصيف ، فأمر فنودي في مسيره ذلك في جنده ، و سائر من كان في عسكره أن يتحاموا مواضع الحروث و لا يضرّوا بأحد من الدهاقين فيها و يضبطوا دوابّهم عن الفساد فيها ، و وكل بتعاهد ما يكون في عسكره من ذلك و معاقبة من تعدّى أمره ، و كان ابنه كسرى ابرويز ، فعار مركب من مراكبه و وقع في محرثة كانت في طريقه ، فرتع فيها و أفسد منها ، فأخذ ذلك المركب و دفع إلى من وكله هرمز بمعاقبة من أفسد دابّته شيئا من المحارث و تغريمه ، فلم يقدر الرجل على إنفاذ أمر هرمز في كسرى و لا في أحد ممن كان معه في حشمه ، فرفع ما رئى من إفساد ذلك المركب إلى هرمز ، فأمر أن يجدع اذنيه و يبتر ذنبه و يغرم كسرى ، فخرج الرجل لينفذ أمره في كسرى و مركبه ، فدس له كسرى رهطا من العظماء ليسألوه التغبيب في أمره فلم يجب إليه ، فسألوه أن يؤخّر أمره في المركب حتى يكلّموا هرمز ، فقبل ، فلقوه و أعلموه أنّ بالمركب الذي أفسد ما أفسد زعارة و أنّه عار ، فوقع في محرثة فأخذ من فوره و ان في تبتيره سوء الطيرة على كسرى ، فلم يجبهم إلى ما سألوه من ذلك ، و أمر بالمركب فجدع أذناه و بتر ذنبه و غرّم كسرى مثل ما كان يغرّم غيره في هذا الحدّ ، ثم ارتحل من معسكره .

و فيه أيضا : كان هرمز ركب ذات يوم في أوان ايناع الكرم إلى ساباط

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٧ ، لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ١٩٨ نحو المصرية .

٥٥٩

المدائن ، و كان ممره على بساتين و كروم ، و إنّ رجلا ممّن ركب معه من أساورته اطّلع في كرم فرأى فيه حصرما فأصاب منه عناقيد و دفعها إلى غلام كان معه و قال له : إذهب بها إلى المنزل ، و اطبخها بلحم و اتخذ منها مرقة ، فانها نافعة في هذا الوقت ، فأتاه حافظ ذاك الكرم فلزمه و صرخ ، فبلغ إشفاق الرجل من عقوبة هرمز أن دفع إلى الحافظ منطقة محلاّة بذهب كانت عليه عوضا له من الحصرم الذي رزأ من كرمه ، و رأى ان قبول الحافظ للمنطقة بدون رفع أمره إلى هرمز من منّه عليه .

و فيه : رفع الهرابذة إلى هرمز قصّة يبغون فيها على النصارى ، فوقّع فيها كما أنّه لا قوام لسرير ملكنا بقائمتيه المقدمتين دون قائمتيه المؤخرتين فكذلك لا قوام لملكنا و لا ثبات له مع استفسادنا من في بلادنا من النصارى ،

و أهل سائر المخالفة لنا ، فاقصروا عن البغي عنهم و واظبوا على البر بهم ،

ليرى ذلك النّصارى و غيرهم من أهل الملل فيحمدوكم عليه و تتوق أنفسهم الى ملّتكم ١ .

« و كفّوا أيدي سفهائكم عن مضادتهم و التعرض لهم فيما استثنيناه منهم » من جوعة المضطر « و أنا بين أظهر الجيش » و قوتهم مني « فارفعوا إليّ مظالمكم » من الجيش « و ما عراكم » أي : غشيكم « مما يغلبكم من أمرهم » « و ما لا » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « و لا » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ « تطيقون دفعه إلاّ باللّه و بي » .

في ( العقد ) في قصة في وفود سودة الهمدانية على معاوية قالت له : لا يزال يقدم علينا من عندك من يحصدنا حصد السنبل و يدوسنا دياس البقر ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ١ : ٥٨٤ و ٥٨٥ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٧ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ١٩٨ .

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601