بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 123142 / تحميل: 6216
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

مؤلف:
العربية
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد السادس

الشيخ محمد تقي التّستري

١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

المجلد السادس

الشيخ محمّد تقي التّستري (الشوشتري)

٣

المجلد السادس

تتمة الفصل التاسع

١٨

من الخطبة ( ١٣٦ ) كَأَنِّي بِهِ قَدْ نَعَقَ ؟ بِالشَّامِ ؟ وَ فَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي ؟ كُوفَانَ ؟ فَعَطَفَ عَلَيْهَا عَطْفَ اَلضَّرُوسِ وَ فَرَشَ اَلْأَرْضَ بِالرُّءُوسِ قَدْ فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ وَ ثَقُلَتْ فِي اَلْأَرْضِ وَطْأَتُهُ بَعِيدَ اَلْجَوْلَةِ عَظِيمَ اَلصَّوْلَةِ وَ اَللَّهِ لَيُشَرِّدَنَّكُمْ فِي أَطْرَافِ اَلْأَرْضِ حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْكُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ كَالْكُحْلِ فِي اَلْعَيْنِ فَلاَ تَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى تَئُوبَ إِلَى اَلْعَرَبِ عَوَازِبُ أَحْلاَمِهَا فَالْزَمُوا اَلسُّنَنَ اَلْقَائِمَةَ وَ اَلْآثَارَ اَلْبَيِّنَةَ وَ اَلْعَهْدَ اَلْقَرِيبَ اَلَّذِي عَلَيْهِ بَاقِي اَلنُّبُوَّةِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ اَلشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ لِتَتَّبِعُوا عَقِبَهُ أقول : قوله : كأنّي به قد نعق بالشام ، و فحص براياته في ضواحي كوفان » كقوله عليه السلام في سابقه : « لكأنّي أنظر إلى ضلّيل قد نقع بالشام ، و فحص براياته في ضواحي كوفان » في إرادة عبد الملك به كما عرفت بل الأصل فيهما واحد .

« فعطف عليها عطف الضروس » أي : ناقة سيّئة الخلق تعضّ حالبها . قال الجوهري : و منه قولهم هي بجنّ ضراسها أي : بحدثان نتاجها ، و إذا كانت

٤

كذلك حامت عن ولدها . قال بشر :

عطفنا لهم عطف الضروس من الملا

بشهباء لا يمشي الضراء رقيبها ١

« و فرش الأرض بالرؤوس » في حربه مع مصعب ، و في حروب عامله الحجّاج مع ابن الأشعث و غيره ، و في من قتله الحجّاج صبرا . فقالوا : قتل في مجلسه مئة ألف غير من قتله في الحروب ، و فعله فعل عبد الملك ، و لمّا انهزم ابن الأشعث بمسكن جعل الحجّاج يقتل من وجد من جنده حتّى قتل أربعة آلاف . فيقال انّ في من قتل عبد اللّه بن شداد ، و بسطام بن مصقلة ، و عمرو بن ضبيعة ، و بشر بن المنذر بن الجارود ، و الحكم بن مخزمة ، و بكير بن ربيعة .

فاتي الحجّاج ، برؤوسهم على ترس فأمر أن يوضع الترس بين يدي مسمع بن مالك . فبكى فقال : أحزنت عليهم ؟ قال : بل جزعت عليهم من النار .

و لمّا كتب مالك بن أسماء بن خارجة و كان الحجّاج حبسه و أمر بسقيه الماء المخلوط بالرماد و الملح إلى أبيه يستشفع فيه إلى الحجّاج قال أبوه :

أ بني فزارة لا تعنّوا شيخكم

ما لي و لزيارة الحجّاج

شبّهته شبلا غداة لقيته

يلقى الرؤوس شواخب الأوداج

تجري الدماء على النطاع كأنّها

راح شمول غير ذات مزاج

و قتل الحجّاج يوم الزاوية من أيامه مع ابن الأشعث أحد عشر ألفا خدعهم بالأمان أمر مناديا فنادى عند الهزيمة ألا لا أمان لفلان و لا فلان فسمّى رجالا من اولئك الأشراف ، و لم يقل الناس آمنون فقالت العامة :

قد آمن الناس كلّهم إلاّ هؤلاء النفر ، فأقبلوا إلى حجرته . فلمّا اجتمعوا أمرهم بوضع أسلحتهم ثمّ أمر بقتلهم و قالوا : بلغ ما قتل الحجّاج صبرا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٢ : ٩٣٩ ، مادة ( ضرس ) .

٥

مئة و عشرين أو ثلاثين ألفا .

« و قد فغرت فاغرته ، و ثقلت في الأرض و طأته ، بعيد الجولة عظيم الصولة » هو كقوله عليه السلام في سابقه : « فإذا فغرت فاغرته ، و اشتدت شكيمته ، و ثقلت في الأرض وطأته » بل الأصل فيهما واحد كما عرفت ، و ان لم ينبّه عليه الرضي رضوان اللّه عليه كما هو دأبه .

« و اللّه ليشرّدنكم » أي : يفرّقنّكم .

« في أطراف الأرض حتّى لا يبقى منكم إلاّ قليل كالكحل في العين » في ( تاريخ الطبري ) : قدم عثمان بن حيان المرّي في سنة ( ٩٤ ) المدينة فأخذ رياح بن عبيد اللّه و منقذ العراقي و فلانا . فبعث بهم في جوامع إلى الحجّاج ، و لم يترك بالمدينة أحدا من أهل العراق تاجرا ، و لا غير تاجر و أمر بهم أن يخرجوا من كلّ بلد ، و قال على المنبر : وجدناكم أهل غش و قد ضوى إليكم من يزيدكم خبالا . أهل العراق أهل الشقاق و النفاق ، و اللّه لا اوتى بأحد منكم آوى أحدا منهم أو أكراه منزلا إلاّ هدمت منزله ، و أنزلت به ما هو أهله ١ .

« حتّى تؤوب » أي : ترجع .

« إلى العرب عوازب أحلامها » من إضافة الصفة أي : ما غاب من عقولها .

فيتفكرون أنّ بني اميّة الّذين اولو الجور ، و الفجور لا يرضى بسلطنتهم ذو شعور فيجتهدون في اضمحلالهم ، و كان بدء ذلك في سنة ( ١٠١ ) أوّل خلافة يزيد بن عبد الملك .

و في ( أخبار الدينوري ) : أوّل من قدم سنة ( ١٠١ ) على محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن العباس بالحميمة من أرض الشام ، ميسرد العبدي ، و أبو عكرمة السرّاج ، و محمّد بن خنيس ، و حيان العطار . فقالوا له : ابسط يدك نبايعك ، على

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٢٥٨ ، سنة ٩٤ ، و النقل بتلخيص .

٦

طلب هذا السلطان لعل اللّه أن يحيي بك العدل ، و يميت بك الجور . فإنّ هذا وقت ذلك ، و أو انه الّذي وجدناه مأثورا . فقال لهم محمّد : هذا أوّل ما نؤمّل و نرجو من ذلك لانقضاء مئة سنة من التاريخ . فانه لم تنقض مئة سنة على امّة قط إلاّ أظهر اللّه حقّ المحقين ، و أبطل باطل المبطلين لقوله تعالى : أو كالّذي مرّ على قرية و هي خاوية على عروشها قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها فأماته اللّه مئة عام ثمّ بعثه ١ فانطلقوا و ادعوا الناس في رفق و ستر . ثمّ وجّه ميسرة و ابن خنيس إلى العراق ، و وجّه أبا عكرمة و حيّانا إلى خراسان . فجعلا يسيران من كورة إلى اخرى يدعوان إلى بيعة محمّد بن عليّ ، و يزهّدانهم في سلطان بني اميّة بخبث سيرتهم ، و عظيم جورهم . ثم قدما عليه و أخبراه أنّهما غرسا بخراسان غرسا يرجوان أن يثمر في أوانه إلى أن قال .

و في خلافة هشام بعث محمّد بن عليّ سليمان بن كثير ، و مالك بن الهيثم و موسى بن كعب ، و خالد بن هيثم ، و طلحة بن زريق . فكانوا يأتون كورة بعد كورة فيدعون الناس إلى أهل بيت نبيّهم ، و يبغّضون إليهم بني اميّة لما يظهر من جورهم و اعتدائهم حتّى استجاب لهم بشر كثير في جميع كور خراسان . . . ٢ .

هذا و قال ابن أبي الحديد : المراد بالعرب هاهنا بنو العباس ، و من اتّبعهم من العرب أيام ظهور الدولة كقحطبة الطائي ، و ابنيه ، و بني زريق و عدادهم في خزاعة ، و غيرهم من العرب من شيعة بني العباس ، و قيل : إنّ أبا مسلم أيضا عربي ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢٥٩ .

( ٢ ) الأخبار الطوال : ٣٣٤ ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٨٩ .

٧

قلت : بل المراد بالعرب في كلامه عليه السلام عرب اليمن و ربيعة فإنّهم كانوا على بني اميّة ، و إنّما كانت مضر مع بني اميّة .

و في ( العقد ) : قال أبو هاشم بن محمّد بن الحنفية لمحمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن العباس لمّا حضره الموت : انظر هذا الحي من ربيعة . فألحقهم بهم ( يعني اليمانية ) فإنّهم معهم في كلّ أمر ، و انظر هذا الحيّ من قيس ، و تميم ( و هما من مضر ) فأقصهم إلاّ من عصم اللّه منهم و ذلك قليل . . . ١ .

هذا و عكس نصر بن سيار لكونه من عمّال بني اميّة كلامه عليه السلام فجعل قيام العرب على خلاف بني اميّة ذهاب العقل . فقال مخاطبا لهم :

أبلغ ربيعة في مرو و إخوتهم

فليغضبوا قبل ألاّ ينفع الغضب

و لينصبوا الحرب إنّ القوم قد نصبوا

حربا يحرّق في حافاتها الحطب

ما بالكم تلقحون الحرب بينكم

كأنّ أهل الحجا عن رأيكم غرب

هذا ، و في ( الأغاني ) : اعترض الرشيد قينة فغنّت في قول الشاعر :

ما نقموا من بني اميّة إلاّ أنّهم

يحملون إن غضبوا

و إنّهم سادة الملوك فما

تصلح إلاّ عليهم العرب

فلمّا إبتدأت به تغيّر وجه الرشيد ، و علمت أنّها قد غلطت ، و أنّها إن مرّت فيه قتلت فغنّت .

ما نقموا من بني اميّة إلاّ أنّهم

يجهلون ان غضبوا

و أنّهم معدن النفاق فما

تفسد إلاّ عليهم العرب

ــــــــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد ٥ : ٢٠٥ .

٨

فقال الرشيد ليحيى بن خالد : أ سمعت ؟ قال : تبتاع و تثنى لها الجايزة و تعجل لها الإذن ليسكن قلبها قال : ذلك جزاؤها . فقال لها : قومي فأنت منّي بحيث تحبّين فاغمي على الجارية هذا . و قال البحتري :

فهل لا بني عدي من رشيد

يردّ شريد حلمهما الغريب

و معنى اعترض الرشيد جارية ، في الأوّل جعلها في معرض الابتياع .

١٩

من الخطبة ( ١٤٢ ) آثَرُوا عَاجِلاً وَ أَخَّرُوا آجِلاً وَ تَرَكُوا صَافِياً وَ شَرِبُوا آجِناً كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وَ قَدْ صَحِبَ اَلْمُنْكَرَ فَأَلِفَهُ وَ بَسِئَ بِهِ وَ وَافَقَهُ حَتَّى شَابَتْ عَلَيْهِ مَفَارِقُهُ وَ صُبِغَتْ بِهِ خَلاَئِقُهُ ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً كَالتَّيَّارِ لاَ يُبَالِي مَا غَرَّقَ أَوْ كَوَقْعِ اَلنَّارِ فِي اَلْهَشِيمِ لاَ يَحْفِلُ مَا حَرَّقَ أَيْنَ اَلْعُقُولُ اَلْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ اَلْهُدَى وَ اَلْأَبْصَارُ اَللاَّمِحَةُ إِلَى مَنَارِ اَلتَّقْوَى أَيْنَ اَلْقُلُوبُ اَلَّتِي وُهِبَتْ لِلَّهِ وَ عُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اَللَّهِ اِزْدَحَمُوا عَلَى اَلْحُطَامِ وَ تَشَاحُّوا عَلَى اَلْحَرَامِ وَ رُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ اَلْجَنَّةِ وَ اَلنَّارِ فَصَرَفُوا عَنِ اَلْجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ وَ أَقْبَلُوا إِلَى اَلنَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ وَ دَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا وَ وَلَّوْا وَ دَعَاهُمُ اَلشَّيْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَ أَقْبَلُوا أقول : « آثروا عاجلا ، و أخرّوا آجلا » قال تعالى : كلاّ بل تحبّون العاجلة و تذرون الآخرة ١ . و مراده عليه السلام بيان سبب اتباع الناس للمتقدمين عليه .

و في ( تاريخ الطبري ) في عنوان بيعة عثمان : قال عليّ عليه السلام :

« إنّ الناس ينظرون إلى قريش ، و قريش تنظر إلى بيتها . فتقول :

إن ولي عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبدا ، و ما كانت في غيرهم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) القيامة : ٢٠ ٢١ .

٩

من قريش تداولتموها بينكم » ١ .

و قال عليه السلام لابن عوف لمّا بايع عثمان : « حبوته حبو دهر . ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا . فصبر جميل ، و اللّه المستعان على ما تصفون ، و اللّه ما ولّيت عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك و اللّه كلّ يوم هو في شأن » ٢ .

« و تركوا صافيا ، و شربوا آجنا » أي : غير الصافي ، و في ( تاريخ الطبري ) :

لمّا بايع ابن عوف عثمان قال له المقداد : يا عبد الرحمن أما و اللّه لقد تركته من الذين يقضون بالحق و به يعدلون إلى أن قال .

ما رأيت مثل ما اتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم . إنّي لأعجب من قريش .

إنّهم تركوا رجلا ما إقول أنّ أحدا أعلم ، و لا أقضى منه بالعدل أما و اللّه لو أجد عليه أعوانا ٣ .

و في ( مقاتل أبي الفرج ) : إنّ معاوية أمر الحسن عليه السلام لمّا سلّم الأمر إليه أن يخطب ، و ظنّ أنه سيحصر . فقال الحسن عليه السلام في خطبته : « إنّما الخليفة من سار بكتاب اللّه تعالى و سنة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ليس الخليفة من سار بالجور . ذلك ملك ملك ملكا يتمتّع فيه قليلا ثم تنقطع لذته ، و تبقى تبعته ، و إن أدري لعلّه فتنة لكم و متاع إلى حين ٤ .

« كأنّي أنظر إلى فاسقهم » لا يبعد أن يكون إشارة إلى عبد الملك كقوله في سابقيه : « لكأنّي أنظر إلى ضلّيل قد نقع بالشام » و « كأنّي به قد نعق بالشام » و تأخّره عن قريش كانوا بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عادوه عليه السلام لا ينافيه . فالكلّ واحد ،

و بواسطتهم وصل كباقي بني اميّة إلى ما وصل .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٩٨ ، سنة ٢٣ .

( ٢ ) رواه الطبري في تاريخه ٣ : ٢٩٧ ، سنة ٢٣ ، و الجوهري في السقيفة : ٨٥ ، و غيرهما .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٩٧ ، سنة ٢٣ .

( ٤ ) مقاتل الطالبيين : ٤٧ ، و الآية ١١١ من سورة الأنبياء .

١٠

و قال النظام عند قول عبد الملك « ما أنا بالخليفة المستضعف يعني عثمان و لا فلا و لا فلان » : « لو لا هم لما وصلت إلى ما وصلت » ١ .

« و قد صحب المنكر فألفه » في ( تاريخ اليعقوبي ) : منع عبد الملك أهل الشام من الحج ، و ذلك أنّ ابن الزبير كان يأخذهم إذا حجّوا بالبيعة فمنعهم عبد الملك من الخروج . فضجّ الناس ، و قالوا : منعنا من حجّ بيت اللّه ، و هو فرض من اللّه علينا . فقال لهم : هذا ابن شهاب الزهري يحدّثكم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، و مسجدي ، و مسجد بيت المقدس ، و هو يقوم لكم مقام المسجد الحرام ، و هذه الصخرة الّتي يروي أنّ النبيّ وضع قدمه عليها لما اصعد إلى السماء تقوم لكم مقام الكعبة . فبنى على الصخرة قبة ، و علّق عليها ستور الديباج ، و أقام لها سدنة ، و أخذ الناس بأن يطوفوا حولها كالكعبة ٢ .

« و بسئ به » في ( الصحاح ) : بسأت به بالفتح و الكسر إذا استأنست به ٣ .

« و وافقه حتّى شابت عليه مفارقه » في ( الصحاح ) : « المفرق وسط الرأس كأنّهم جعلوا كلّ موضع منه مفرقا ، و هو الّذي يفرق فيه الشعر ٤ . فقالوا مفارق و شيب المفارق على المنكر كناية عن طول صحابته عليه كقولهم : من دبّ الى شبّ » .

« و صبغت به خلائقه » أي : طبائعه و هو أيضا كناية عن صيرورته كالطبيعة الثانية له كالثوب الّذي يصبغ . فيصير صبغه كلون طبيعي له ، و في ( نسب قريش مصعب الزبيري ) غضب عبد الملك غضبة . فكتب إلى هشام بن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الجاحظ في البيان و التبيين ٢ : ٢٧٣ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٦١ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) صحاح اللغة ١ : ٣٦ ، مادة ( بسأ ) .

( ٤ ) صحاح اللغة ٤ : ١٥٤١ ، مادة ( فرق ) .

١١

إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة عامله على المدينة أن أقم آل عليّ يشتمون عليا فقيل له : إنّه أمر غير ممكن ١ .

« ثمّ اقبل مزبدا » أي : كبحر يقذف بالزبد .

« كالتيّار » أي : الموج .

« لا يبالي ما غرّق أو كوقع النار في الهشيم » أي : النبات اليابس المتكسّر ،

و الشجرة اليابسة يأخذها الحاطب كيف يشاء .

« لا يحفل » أي : لا يبالي :

« ما حرّق » في ( العقد ) : أنّ عبد الملك لمّا قتل الأشدق غدرا به و أراد أن يخرج إلى الكوفة لقتال مصعب جعل يستفزّ أهل الشام . فيبطئون عليه . فقال له الحجّاج : سلّطني عليهم . ففعل ، فكان لا يمرّ على بيت تخلّف إلاّ حرّقه . فلمّا رأى ذلك أهل الشام أسرعوا إليه فخرج إلى مصعب فقتله ٢ .

« أين العقول المستصبحة بمصابيح » أي : سرج .

« الهدى » حتّى تتبع أهل بيت نبيّه الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس ، و طهّرهم تطهيرا ، و تمتنع من اولئك الأجلاف الفجرة .

هذا و في ( بيان الجاحظ ) : قام أعرابي ليسأل فقال : « أين الوجوه الصباح ،

و العقول الصحاح و الألسن الفصاح ، و الأنساب الصراح ، و المكارم الرباح ،

و الصدور الفساح تعيذني من مقامي هذا » ٣ .

« و الأبصار اللامحة الى منار التقوى » في ( الصحاح ) : لأرينك لمحا باصرا ،

أي : أمرا واضحا ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) نسب قريش : ٤٧ .

( ٢ ) العقد الفريد ٥ : ١٤٨ ، و النقل بالمعنى .

( ٣ ) البيان و التبيين ٣ : ٤٠٧ .

( ٤ ) صحاح اللغة ١ : ٤٠٢ ، مادة ( لمح ) .

١٢

« أين القلوب الّتي وهبت للّه ، و عوقدت على طاعته » و في ( صفّين نصر ) : أنّ عمّار بن ياسر نادى يوم صفّين : « أين من يبغي رضوان ربّه ، و لا يؤوب إلى مال و لا ولد » فأتته عصابة من الناس فقال : « أيّها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الّذين يبغون دم عثمان ، و يزعمون أنه قتل مظلوما ، و اللّه إن كان إلاّ ظالما لنفسه ، الحاكم بغير ما أنزل اللّه ، و قال : أللّهم إنّك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك أن أضع ظبة سيفي في بطني ثمّ أنحني عليها حتّى يخرج من ظهري لفعلت . اللّهم إنك تعلم أنّي لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت . اللّهم و إنّي أعلم ممّا أعلمتني أنّي لا أعمل اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين » ١ .

« إزدحموا على الحطام » اليابس المتكسّر .

« و تشاحّوا » ألشّحّ : البخل مع حرص .

« على الحرام » في ( صفين نصر ) : قام عمّار بصفّين . فقال : امضوا عباد اللّه إلى قوم يطلبون في ما يزعمون بدم الظالم لنفسه ، الحاكم على عباد اللّه بغير ما في كتاب اللّه ، إنّما قتله الصالحون المنكرون للعدوان ، الآمرون بالاحسان .

فقال : هؤلاء الّذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم لو درس هذا الدين : لم قتلتموه ؟ فقلنا : لإحداثه . فقالوا : إنّه ما أحدث شيئا ، و ذلك لأنّه مكنّهم من الدنيا فهم يأكلونها و يرعونها ، و لا يبالون لو انهدّت عليهم الجبال ، و اللّه ما أظنّهم يطلبون دمه ، إنّهم ليعلمون أنّه لظالم ، و لكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبّوها و استمرؤوها و علموا لو أنّ الحق لزمهم لحال بينهم و بين ما يرعون فيه منها ،

و لم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقّون بها الطاعة و الولاية . فخدعوا أتباعهم بأن قالوا : قتل إمامنا مظلوما ، ليكونوا بذلك جبابرة و ملوكا ، و تلك

ــــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين : ٣٢٠ و ٣٢٦ ، النقل بتقديم و تأخير .

١٣

مكيدة قد بلغوا بها ما ترون إلى أن قال .

و قال لعمرو بن العاص بعت دينك بمصر تبّا لك و طالما بغيت الإسلام عوجا إلى أن قال .

و قال لعبيد اللّه بن عمر « صرعك اللّه بعت دينك بالدنيا من عدوّ اللّه و عدوّ الإسلام ؟ قال : كلاّ . و لكن أطلب بدم عثمان الشهيد المظلوم ، قال : كلاّ أشهد على علمي فيك أنّك أصبحت لا تطلب بشي‏ء من فعلك وجه اللّه ، و أنك إن لم تقتل اليوم فستموت غدا . فانظر إذا أعطى اللّه على نياتهم ما نيتك ١ ؟

« و رفع لهم علم الجنّة و النار فصرفوا عن الجنّة وجوههم ، و أقبلوا إلى النار بأعمالهم » لكون النار محفوفة بالشهوات كالجنّة بالمكاره . و في ( كامل الجزري ) : قال ابن سيرين : قال عليّ عليه السلام لعمر بن سعد : كيف أنت إذا قمت مقاما تخيّر فيه بين الجنّة و النار فتختار النار ؟ ٢ فخيّره عبيد اللّه بين ردّه عهد الري أو خروجه لقتال الحسين عليه السلام و قتله فاختار الثاني و قال :

أ أترك ملك الريّ و الريّ رغبتي

أم أرجع مذموما بقتل حسين

و في قتله النار الّتي ليس دونها

حجاب و ملك الري قرّة عيني

« دعاهم ربّهم فنفروا و ولّوا » و لا تسمع الصم الدعاء إذا ولّوا مدبرين ٣ كأنّهم حمر مستنفرة فرّت من قسورة ٤ .

« و دعاهم الشيطان فاستجابوا و أقبلوا » و قال الشيطان لما قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم و عد الحقّ و وعدتكم فاخلفتكم ، و ما كان لي عليكم من سلطان إلاّ أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني و لوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم و ما

ــــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين : ٣١٩ .

( ٢ ) الكامل ٤ : ٢٤٢ ، سنة ٦٦ .

( ٣ ) النمل : ٨٠ .

( ٤ ) المدثر : ٥٠ ٥١ .

١٤

أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل ١ .

٢٠

من الخطبة ( ١١٤ ) أَمَا وَ اَللَّهِ لَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْكُمْ غُلاَمُ ؟ ثَقِيفٍ ؟ اَلذَّيَّالُ اَلْمَيَّالُ يَأْكُلُ خَضِرَتَكُمْ وَ يُذِيبُ شَحْمَتَكُمْ إِيهٍ ؟ أَبَا وَذَحَةَ ؟ أقول الوذحة الخنفساء و هذا القول يومئ به إلى ؟ الحجاج ؟ و له مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره‏أقول : الوذحة : الخنفساء . و هذا القول يومئ به إلى الحجّاج ، و له مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره .

أقول : روى ( المسعودي في مروجه ) : عن المنقري عن عبد العزيز بن الخطاب عن فضيل بن مرزوق قال : لمّا غلب بسر بن أرطاة على اليمن ، و كان من قتله لابني عبيد اللّه بن العباس و لأهل مكّة و المدينة و اليمن ما كان ، قام عليّ عليه السلام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه ، و صلّى على نبيه محمّد صلّى اللّه عليه و آله ثم قال : إنّ بسرا قد غلب على اليمن ، و اللّه ما أرى هؤلاء القوم إلاّ سيغلبون على ما في أيديكم و ما ذلك بحق في أيديهم ، و لكن بطاعتهم ، و استقامتهم لصاحبهم ،

و معصيتكم لي ، تناصرهم و تخاذلكم ، و إصلاح بلادهم و إفساد بلادكم إلى أن قال .

اللّهمّ عجّل عليهم بالغلام الثقفي الذيّال الميّال يأكل خضرتها ، و يلبس فروتها ، و يحكم فيها بحكم الجاهلية لا يقبل من محسنها ، و لا يتجاوز عن مسيئها و ما كان ولد الحجّاج يومئذ ٢ .

و روى ( ابو الفرج في مقاتله ) ، عن إسماعيل بن موسى من بيت السدي ،

عن عليّ بن مسهر ، عن الأحلج ، عن موسى بن أبي النعمان قال : جاء الأشعث

ــــــــــــــــــ

( ١ ) ابراهيم : ٢٢ .

( ٢ ) مروج الذهب ٣ : ١٤٢ .

١٥

إلى أمير المؤمنين عليه السلام يستأذن عليه فردّه قنبر . فأدمى الأشعث أنفه ، فخرج عليّ عليه السلام و هو يقول : مالي و لك يا أشعث أما و اللّه لو بعبد ثقيف تمرست لا قشعرّت شعيراتك . قيل يا أمير المؤمنين و من غلام ثقيف ؟ قال : غلام يليهم لا يبقي أهل بيت من العرب إلاّ أدخلهم ذلاّ . قيل : يا أمير المؤمنين كم يلي ، و كم يمكث ؟ قال عشرين إن بلغها ١ .

و روى عثمان بن سعيد و قد نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر عن يحيى التيمي عن الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء قال : قام أعشى باهلة و هو يومئذ غلام حدث إلى عليّ عليه السلام و هو يخطب و يذكر الملاحم . فقال : يا أمير المؤمنين ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة . فقال عليّ عليه السلام : إن كنت آثما في ما قلت يا غلام فرماك اللّه بغلام ثقيف ثم سكت فقام رجال فقالوا : و من غلام ثقيف يا أمير المؤمنين ؟ قال : غلام يملك بلدتكم هذه لا يترك للّه حرمة إلاّ انتهكها يضرب عنق هذا الغلام بسيفه . فقالوا : كم يملك يا أمير المؤمنين ؟ قال :

عشرين إن بلغها . قالوا : فيقتل قتلا ام يموت موتا ؟ قال عليه السلام : « بل يموت حتف أنفه بداء البطن يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه » .

قال إسماعيل بن رجاء : فو اللّه لقد رأيت بعيني أعشى باهلة ، و قد أحضر في جملة الأسرى الذين اسروا من جيش ابن الأشعث بين يدي الحجّاج فقرعه و وبّخه ، و استنشده شعره الّذي يحرّض فيه ابن الأشعث على الحرب ، ثمّ ضرب عنقه في ذاك المجلس ٢ .

و روى ( الاحتجاج ) : أنّ عباد بن قيس من بكر بن وائل قام إلى عليّ عليه السلام بعد فتح البصرة ، و قال له : جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالترهات . فقال

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مقاتل الطالبيين : ٢٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٠٩ ، شرح الخطبة ٣٧ .

١٦

له أمير المؤمنين عليه السلام : إن كنت كاذبا فلا اماتك اللّه حتّى يدركك غلام ثقيف .

قالوا : و من غلام ثقيف ؟ قال : رجل لا يدع للّه حرمة إلاّ انتهكها : قالوا : أفيموت أو يقتل ؟ فقال عليه السلام : يقتله قاصم الجبارين بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه ١ .

و نقل ( المختلف ) في أحكام البغاة عن العماني قال : إنّ رجلا من عبد القيس قام يوم الجمل . فقال : يا أمير المؤمنين ما عدلت حين تقسم بيننا أموالهم ، و لا تقسم بيننا نساءهم ، و لا أبناءهم . فقال له : إن كنت كاذبا فلا أماتك اللّه حتى تدرك غلام ثقيف ، و ذلك أنّ دار الهجرة حرّمت ما فيها ، و دار الشرك أحلّت ما فيها . فأيّكم يأخذ امّه من سهمه . فقام رجل فقال : و ما غلام ثقيف يا أمير المؤمنين ؟ قال : عبد لا يدع للّه ، حرمة إلاّ هتكها . قال : يقتل أو يموت ؟ قال :

بل يقصمه اللّه قاصم الجبارين ٢ .

و في ( كامل الجزري ) : قال الحسن البصري : سمعت عليّا عليه السلام على المنبر يقول : اللّهمّ ائتمنتهم فخانوني ، و نصحتهم فغشّوني . اللّهمّ فسلّط عليهم غلام ثقيف يحكم في دمائهم و أموالهم بحكم الجاهلية . فوصفه و هو يقول : الزيال مفجّر الأنهار . يأكل خضرتها ، و يلبس فروتها . قال الحسن : هذه و اللّه صفة الحجّاج . قال حبيب بن أبي ثابت قال عليّ عليه السلام لرجل : لا تموت حتّى تدرك فتى ثقيف . قيل له : يا أمير المؤمنين ما فتى ثقيف ؟ قال : ليقالنّ له يوم القيامة إكفنا زاوية من زوايا جهنّم . رجل يملك عشرين أو بعضا و عشرين سنة لا يدع للّه معصية إلاّ ارتكبها حتّى لو لم تبق إلاّ معصية واحدة بينه و بينه باب مغلق لكسره حتّى يرتكبها ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاحتجاج ١ : ١٦٨ .

( ٢ ) المختلف : ٣٣٧ .

( ٣ ) الكامل ٤ : ٥٨٧ ، سنة ٩٥ .

١٧

« أما و اللّه ليسلّطن عليكم غلام ثقيف » مراده عليه السلام بغلام ثقيف الحجّاج ، و أخبر عليه السلام في موضع آخر بغلام ثقيف آخر ابن عم الحجّاج باسمه و نسبه يوسف بن عمر .

ففي ( إرشاد المفيد ) : قال عليه السلام أيّها الناس إنّي دعوتكم إلى الحقّ فتوليتم عني ، و ضربتكم بالدرّة فأعييتموني . أما إنّه سيليكم من بعدي ولاة لا يرضون منكم بهذا حتّى يعذّبوكم بالسياط و الحديد إنّه من عذّب الناس في الدنيا عذّبه اللّه في الآخرة ، و آية ذلك أن يأتيكم صاحب اليمن حتّى يحلّ بين أظهركم . فيأخذ العمال و عمّال العمال . رجل يقال له يوسف بن عمر ١ . قلت :

و صار الأمر كما ذكر عليه السلام فغضب هشام على خالد القسري عمله على العراق .

فكتب إلى يوسف باليمن بعهده على العراق فقدم و أخذ خالدا و عمّاله . فعذّبهم و صادرهم و مات خالد و عامله بلال بن أبي بردة في عذابه .

و نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر بلفظ آخر . أخبر عليه السلام بالحجاج و يوسف معا بوصفهما فقال : قال عليه السلام : « لقد دعوتكم إلى الحق فتولّيتم ،

و ضربتكم بالدرّة . فما استقمتم و ستليكم ولاة يعذّبونكم بالسياط و الحديد ،

و سيأتيكم غلاما ثقيف أخفش و حصوب يقتلان و يظلمان ، و قليل ما يمكّنان » و قال : الأخفش ضعيف البصر خلقة . و كان الحجّاج كذلك ، و الحصوب القصير الدميم ، و كان يوسف كذلك .

ثمّ كما أنّه عليه السلام أخبر بتسلّط غلام ثقيف و هو الحجّاج في مواضع كثيرة عموما و خصوصا خبرا و دعاء ، و بتسلّطه مع ابن عمّه كما عرفت في موضع كذلك دعا الحسين عليه السلام على قتلته من أهل الكوفه بتسلّط غلام ثقيف أي المختار عليهم لينتقم منهم . فروى ( المناقب ) مسندا عن عبد اللّه بن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الارشاد : ١٦٩ .

١٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

الحسن أنّه عليه السلام قال لهم في جملة ما قال لهم : « ألا ثمّ لا تلبثون بعدها إلاّ كريث ما يركب الفرس حتّى تدرو بكم الرحى ، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي فأجمعوا أمركم و شركاءكم ثم كيدوني جميعا ، و لا تنظرون . إنّي توكّلت على اللّه ربي و ربّكم ما من دابة إلاّ و هو آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراط مستقيم اللّهمّ احبس عنهم قطر السماء ، و ابعث عليهم سنين كسني يوسف و سلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبّرة ، و لا يدع فيهم أحدا إلاّ قتلة بقتلة و ضربة بضربة ينتقم لي و لأوليائي ، و أهل بيتي و أشياعي منهم . فإنّهم غرّونا و كذبونا و خذلونا . . . و رواه ( التحف ) و ( الاحتجاج ) و ( اللهوف ) ١ .

هذا ، و في ( الأغاني ) : قال عبد الملك لا بن الزبير الشاعر الأسدي : انشدني أبياتك فيّ و في الحجّاج و ابن الزبير بعد قتل الحجّاج لابن الزبير و بعثه برأسه إليه فانشده .

كأنّي بعبد اللّه يركب ردعه

و فيه سنان زاعبيّ محرّب

و قد فرّ عنه الملحدون و حلّقت

به و بمن آساه عنقاء مغرب

تولّوا فخلّوه فشال بشلوه

طويل من الاجذاع عار مشذّب

بكفّي غلام من ثقيف نمت به

قريش و ذو المجد التليد معتب

فقال له عبد الملك : لا تقل غلام ، و لكن قل : همام .

و في السير : قدمت لبلى الأخيلية على الحجّاج فأنشدته :

إذا ورد الحجّاج أرضا مريضة

تتبّع أقصى دائها فشفاها

شفاها من الداء العقام الذي فيها

غلام إذا هزّ القناة ثناها

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن كتاب المناقب و هو غير مناقب السروي و أيضا عن التحف و الاحتجاج و اللهوف المجلسي في بحار الأنوار ٤٥ : ٩ ، لكن روى ابن شعبة في تحف العقول : ٢٤٢ ، و ابن طاووس في اللهوف : ٤٣ ، بعضه و روى الطبرسي في الاحتجاج ٢ : ٣٠٠ ، صدره فقط .

١٩

فقال لها : لا تقولي غلام ، و لكن قولي همام .

و أما ثقيف فاختلف فيها هل هي من بقايا ثمود أو أياد أو هوازن . و في ( كامل المبرد ) : قال الحجّاج على المنبر : تزعمون أنّا من بقايا ثمود . و اللّه تعالى يقول : « و ثمود فما أبقى » ١ .

و قال الحجّاج لأبي العسوس الطائي : أيّ أقدم أنزول ثقيف الطائف أم نزول طيئ الجبلين ؟ فقال له : إن كانت ثقيف من بكر بن هوازن فنزول طيئ قبلها ، و إن كانت ثقيف من ثمود فهي أقدم . فقال له الحجّاج : إتّقني فإنّي سريع الخطفة ٢ .

و قال الشاعر :

فلو لا بنو مروان كان ابن يوسف

كما كان عبدا من عبيد أياد

ثمّ تسلط الحجّاج على أهل العراق كما أخبر عليه السلام كان في سنة ( ٧٥ ) و سبب توليته أنّ المهلب بن أبي صفرة لمّا كان يقاتل الخوارج بالعراق . و كان الناس بطاء عنه ، كتب إلى عبد الملك كما في ( المروج ) إمّا بعثت إليّ بالرجال و إمّا خلّيت بينهم و بين البصرة . فخرج إلى أصحابه . فقال : ويلكم من للعراق ؟

فصمتوا و قام الحجّاج فقال : أنا ، و قال الثانية و الثالثة و يقول الحجّاج : أنا . فقال له في الثالثة : أنت زنبورها . فكتب له عهده فشخص . فلمّا بلغ القادسيّة أمر الجيش أن يقيلوا ، و يروّحوا ، و دعا بجمل عليه قتب . فجلس عليه بغير حشية و لا وطاء و أخذ الكتاب بيده ، و لبس ثياب السفر ، و تعمم بعمامة حتّى دخل الكوفة وحده . فجعل ينادي : الصلاة جامعة ، و ما منهم رجل جلس في مجلسه إلاّ و معه العشرون و الثلاثون و أكثر من أهله و مواليه . فصعد المنبر متلثما

ــــــــــــــــــ

( ١ ) النجم : ٥١ .

( ٢ ) كامل المبرد ٤ : ٢٠١ .

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

طلبت الملائكة وحملة العرش في أدعيتهم الأخرى أن يحفظ الله المؤمنين ويقيهم من أي سوء أو مكروه في ذلك اليوم ، كي يدخلوا جنّة الخلد براحة بال واطمئنان واحترام كامل.

ثانيا : آداب الدعاء

في هذه الآيات يعلّم حملة العرش والملائكة المؤمنين أسلوب الدعاء.

ففي البداية ينبغي بالتمسك بكلمة «ربّنا».

ثمّ مناداته تعالى بصفات الجلال والجمال ، وطلب العون من مقام رحمته المطلقة وعلمه غير المتناهي :( وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً ) .

وأخيرا الدعاء وطلب الحاجة بحسب أهميتها وبشروط توفّر الأرضية للاستجابة :( فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ) .

ثم ينتهي الدعاء بذكر صفاته تعالى الجمالية والجلالية ، والتوسّل برحمته تعالى مرّة اخرى.

والطّريف في الأمر أنّ حملة العرش الإلهي يعتمدون على خمسة أوصاف إلهية مهمّة في دعائهم وهي : الربوبية ، والرحمة ، والقدرة ، والعلم ، والحكمة.

ثالثا : لماذا تبدأ الأدعية بكلمة «ربّنا»؟

عند قراءة آيات القرآن الكريم نرى أنّ أولياء الله ـ سواء منهم الأنبياء أو الملائكة أو الصالحون ـ كانوا يبدأون كلامهم بـ «ربّنا» أو «ربّي» عند الدعاء

فآدمعليه‌السلام يقول :( رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا ) .

ونوحعليه‌السلام يقول :( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ ) وإبراهيمعليه‌السلام يقول :( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ ) .

أما يوسفعليه‌السلام فيقول :( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ) .

٢٠١

وموسى الكليمعليه‌السلام يقول :( رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) .

أما سليمانعليه‌السلام فيقول : رب هب( لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) .

أما عيسى المسيحعليه‌السلام فيقول :( رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ ) (١) .

والرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ ) (٢) .

وعلى لسان المؤمنين نقرأ في أماكن متعدّدة كلمة «ربّنا» في فاتحة الدعاء ، ففي آخر سورة «آل عمران» نرى دعائهم :( رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً ) .

من خلال هذه النماذج والمواقف نستنتج أنّ أفضل الدعاء هو ما يبدأ بالربوبية صحيح أنّ الاسم المبارك «الله» هو أكثر شمولية لأسماء الخالق ، ولكن لارتباط الحاجات بمقام الرّبوبية ، هذا المقام الذي يرتبط به الإنسان منذ اللحظة الأولى من وجوده وحتى آخر عمره ، وتستمر بعد ذلك صفة الارتباط بـ «الربوبية» التي تغرق الإنسان بالألطاف الإلهية ، لذا فإنّ ذكر هذه الكلمة في بداية الأدعية يعتبر أكثر تناسبا من باقي الأسماء الأخرى(٣) .

رابعا : ما هو العرش الإلهي؟

لقد أشرنا مرارا إلى أن ألفاظنا ـ الموضوعة أصلا لتوضيح مشخصات الحياة المحدودة ـ لا تستطيع أن توضّح عظمة الخالق ، أو حتى أن تحيط بعظمة مخلوقاته جلّ وعلا ، لهذا السبب فليس أمامنا سوى استخدام ألفاظ ومعاني للكناية عن تلك العظمة.

وفي طليعة الألفاظ التي يشملها هذا الوضع كلمة (العرش) التي تعني لغويا (السقف) أو (السرير ذا المسند المرتفع) في قبال (الكرسي) الذي هو (سرير ذو

__________________

(١) المائدة ، الآية ١١٤.

(٢) المؤمنين ، الآية ٩٧.

(٣) التّفسير الكبير ، الفخر الرازي في نهاية الآية مورد البحث.

٢٠٢

مسند منخفض). ثمّ استخدمت هذه الكلمة لتشمل (عرش) القدرة الإلهية.

وللمفسّرين والفلاسفة والمناطقة كلام كثير حول المقصود بالعرش ، وما ينطوي عليه من معنى كنائي.

فأحيانا فسّروا العرش بمعنى (العلم اللامتناهي لله تبارك وتعالى).

واخرى قالوا بأن المعنى هو (المالكية والحاكمية الإلهية).

وفسّروا العرش أيضا بأنّه إشارة إلى أي واحدة من الصفات الكمالية والجلالية لله تبارك وتعالى ، لأنّ كلّ واحدة من هذه الصفات توضح عظمة منزلته جلّ وعلا ، كما أنّ عرش السلطان (والأمثال تضرب ولا تقاس) يوضح عظمته.

فالخالق جلّ وعلا يملك عرش العلم ، وعرش القدرة ، وعرش الرحمانية ، وعرش الرحيمية.

وطبقا للتفاسير والآراء الثلاثة هذه ، فإنّ مفهوم (العرش) يعود إلى صفات الخالق جل وعلا ، ولا يعني وجود خارجي آخر له.

وفي بعض الرّوايات الواردة عن أهل البيتعليه‌السلام ، ما يشير إلى هذا المعنى ، ففي رواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه أجاب عند ما سئل عن معنى قوله تعالى :( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) أنّ المقصود بذلك علمه تعالى شأنه(١) .

وفي حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام أيضا أنّه فسّر (العرش) بأنّه «العلم» الذي كشفه وعلّمه الله للأنبياءعليهم‌السلام ، بينما (الكرسي) هو «العلم» الذي لم يعلمه لأحد ولم يطلع عليه أحد(٢) .

وبين أيدينا تفاسير اخرى استندت إلى روايات إسلامية ، ففسّرت العرش والكرسي بأنّهما موجودات عظيمة من مخلوقات الله تبارك وتعالى.

قالوا ـ مثلا ـ إنّ المقصود بالعرش هو مجموع عالم الوجود.

__________________

(١) بحار الأنوار ، المجلد ٥٨ ، صفحة ٢٨ ، الحديث رقم ٤٦ ، ٤٧.

(٢) المصدر السابق.

٢٠٣

وقالوا أيضا : هو مجموع الأرض والسماء المتجسدة ضمن هذا الكرسي ، بل إنّ السماء والأرض كالخاتم في الصحراء الواسعة مقايسة بينهما وبين (الكرسي) ثم قالوا : إنّ «الكرسي» في مقابل العرش كالخاتم في الصحراء الواسعة.

وفي تفاسير اخرى تستند بدورها إلى روايات إسلامية ، أطلقوا كلمة (العرش) للكناية عن قلوب الأنبياء والأوصياء والمؤمنين التامين الكاملين ، كما جاء ذلك

في الحديث : «إنّ قلب المؤمن عرش الرحمن»(١) .

وفي حديث قدسي نقرأ قوله تعالى : «لم يسعني سمائي ولا أرضي ، ووسعني قلب عبدي المؤمن»(٢) .

أما أفضل الطرق لإدراك معنى العرش ـ بمقدار ما تسمح به قابلية الإنسان واستيعابه ـ فهو أن نبحث موارد استعمال هذه الكلمة في القرآن الكريم ، ونتفحص مدلولاتها بشكل متأن.

في آيات كثيرة من كتاب الله نلتقي مع هذا التعبير ، كما في قوله تعالى :( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ) (٣) . ثمّ يرد تعبر( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) في بعض الآيات التي تأتي بعد مفاد الآية أعلاه (آية العرش) أو ترد جمل اخرى تعبّر عن علم الله ودراية الخالق جلّ وعلا.

في آية اخرى من القرآن الكريم يوصف العرش بالعظمة :( وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) (٤) .

وأحيانا تتحدث الآية عن حملة العرش ، كما في الآية التي نحن بصددها.

ومن الآيات ما تتحدث عن الملائكة المحيطة بالعرش ، كما في قوله تعالى :

__________________

(١) بحار الأنوار ، المجلد ٥٨ ، صفحة ٣٩.

(٢) بحار الأنوار ، المجلد ٥٨ ، صفحة ٣٩.

(٣) الأعراف ، الآية ٥٤.

(٤) التوبة ، الآية ١٢٩.

٢٠٤

( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) (١)

وفي آية اخرى نقرأ قوله تعالى :( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) .

من خلال مجموع هذه الموارد ، والتعابير الأخرى الواردة في الأحاديث والروايات الإسلامية ، نستنتج بشكل واضح أنّ كلمة (العرش) تطلق على معاني مختلفة بالرغم من أنّها تشترك في أساس واحد.

فأحد معاني العرش هو مقام (الحكومة والمالكية وخلق عالم الوجود) إذ تلاحظ أنّ الاستخدام الشائع للعرش يدلل ـ من خلال الكناية ـ على سيطرة الحاكم على أمور دولته ، فنقول مثلا : «فلان شلّ عرشه» والتعبير كناية عن انهيار قدرته وحكومته.

والمعنى الآخر من معاني العرش هو ، «مجموع عالم الوجود» لأنّ كلّ الوجود هو دليل على العظمة.

وأحيانا يستخدم العرش بمعنى «العالم الأعلى» والكرسي بمعنى «العالم الأدنى».

ويستخدم العرش أحيانا بمعنى (عالم ما وراء الطبيعة) والكرسي بمعنى (مجموع عالم المادة) بما في ذلك الأرش والسماء ، كما جاء في آية الكرسي :( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) .

ولأنّ علم الخالق لا ينفصل عن ذاته المنزهة ، لذا فانّ كلمة (عرش) تطلق أحيانا على «علم الله».

وإذا أطلق وصف (عرش الرحمن) على القلوب الطاهرة لعباد الله المؤمنين ، فذلك يعود إلى أنّ هذا المكان هو محل معرفة الذات الإلهية المنزهة ، وهو بحدّ ذاته أحد أدلة عظمته وقدرته جلّ وعلا.

من كلّ ذلك يتضح أنّ كافة معاني العرش ـ التي وردت آنفا ـ توضح عظمة

__________________

(١) الزمر ، الآية ٧٥.

٢٠٥

الخالق جلّ وعلا.

وفي الآية التي نحن بصدد بحثها يمكن أن يكون المقصود من العرش هو نفس حكومة الله تعالى وتدبيره لعالم الوجود ، وحملة العرش يقومون بتنفيذ إرادة الله الحاكمة في الخلق.

ويمكن أن يكون المعنى هو مجموع عالم الوجود أو عالم ما وراء الطبيعة. أمّا حملة العرش الإلهي فهم الملائكة الذين تقع عليهم مسئولية تدبير أمر هذا العالم بأمر الله تعالى.

* * *

٢٠٦

الآيات

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢) )

التّفسير

اعترفنا بذنوبنا فهل من خلاص؟

تحدثت الآيات السابقة عن شمول الرحمة الإلهية للمؤمنين ، أمّا مجموعة الآيات التي بين أيدينا فهي تتحدث عن «غضب» الله تعالى على الكافرين ، كي يكون بالمستطاع المقارنة بين صورتين ومشهدين متقابلين.

في البداية تقول الآية :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ ) .

من الذي ينادي هؤلاء بهذا النداء؟

يبدو أن ملائكة العذاب ينادونهم بهذا النداء لتوبيخهم وفضحهم ، في مقابل ما

٢٠٧

تفعله ملائكة الرحمة من إكرام المؤمنين والصالحين.

ويحتمل أن يكون هذا النداء من نوع التخاطب والتخاصم الذي يقوم بين الكفار في القيامة ، لكن المعنى الأوّل أرجح كما يبدو ، وعلى كلّ حال سينطلق هذا النداء يوم القيامة ، كما أنّ الآيات اللاحقة شاهد على هذا المعنى.

«المقت» تعني في اللغة البغض والعداوة الشديدة. وهذه الآية تبيّن أن غضب الله تعالى على الكافرين هو أشد من عداوتهم لأنفسهم أمّا فيم يتعلق بمقت الكفار لأنفسهم ، فهناك تفسيران :

الأوّل : يتمثل في ارتكاب هؤلاء في الحياة الدنيا لأكبر عداوة إزاء أنفسهم برفضهم لنداء التوحيد ، فهم لم يهملوا مصابيح الهداية وحسب ، بل عمدوا إلى تحطيمها. فهل ثمّة عداء للنفس أكثر من أن يغلق الإنسان أمامه أبواب السعادة الأبدية ، ويفتح على نفسه أبواب العذاب.

وطبقا لهذا التّفسير يكون قوله تعالى :( إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ ) بيانا لكيفية مقت وعداوة الكافرون أنفسهم.

الثّاني : أن يكون المقصود بغضبهم وعدائهم لأنفسهم هو أن تصيبهم حالة من الألم والندم الشديد عند ما يشاهدون يوم القيامة نتيجة أعمالهم وما اقترفت أيديهم في هذه الدنيا ، حيث ترتفع آهاتهم وصرخاتهم ، ويعضون على أناملهم من الندم ، ولات ساعة مندم يقول تعالى :( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ ) (١) . ويتمنون أن يكونوا ترابا :( وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ) (٢) .

وفي ذلك اليوم تنفتح آفاق البصر :( فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) (٣) وتنكشف الأسرار والحقائق الخفية :( يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ) (٤) . وفي ذلك اليوم تنشر الصحف وتكشف

__________________

(١) فرقان ، الآية ٢٧.

(٢) نبأ ، الآية ٤٠.

(٣) سورة ق ، الآية ٢٢.

(٤) الطارق ، الآية ٩.

٢٠٨

الأعمال :( وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ) (١) . وعندها تكون النتيجة :( كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) (٢) . لذلك سيلوم هؤلاء أنفسهم بشدة ويتنفرون منها ويبكون على مصيرهم.

وهنا يأتي النداء :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ ) .

وطبقا لهذا التّفسير تكون جملة :( إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ ) بيانا لدليل شدة الغضب الإلهي عليهم(٣) .

بالطبع فإن كلا التّفسيرين مناسب ، إلّا أنّ التّفسير الأوّل بلحاظ بعض الأمور ـ أرجح.

عند ما يشاهد المجرمون أوضاع يوم القيامة وأهوالها ، ويرون مشاهد الغضب الإلهي حيالهم ، سينتبهون من غفلتهم الطويلة ويفكرون بطريق للخلاص ، فيعترفون بذنوبهم ويقولون :( قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ) .

عند ما تزول حجب الغرور والغفلة ، وينظر الإنسان بالعين الحقيقية ، فلا سبيل عندها سوى الاعتراف بالذنوب!

إنّ هؤلاء كانوا يصرون على إنكار المعاد ، ويستهزئون بوعيد الأنبياء لهم ،

__________________

(١) التكوير ، آية ١٠.

(٢) الإسراء ، الآية ١٤

(٣) طبقا للتفسير الأوّل تكون (إذ) ظرفية ومتعلقة بـ «مقتكم أنفسكم» أمّا طبق التّفسير الثّاني فتعتبر (إذ) تعليلية ومتعلقة بـ «مقت الله» والجدير بالملاحظة أنّ المقتين الواردين في الآية أعلاه يرتبطان بأربعة احتمالات هي :

الأوّل : أن يكون مكان الإثنين في يوم القيامة.

الثّاني : أن يكون مكانهما في هذه الدنيا.

الثّالث : أن يكون المقت الأوّل في الدنيا والثّاني في الآخرة.

أما الرابع : فهو عكس الثّالث.

ولكن الأفضل وفقا للتفسير أعلاه أن يختص الأوّل بالآخرة. والثّاني بالدنيا ، أو أن يختص الاثنان بالآخرة.

٢٠٩

ولكن بعد توالي الموت والحياة لا يبقى مجال للإنكار ، وقد يكون سبب تكرارهم للموت والحياة ، أنّهم يريدون القول : يا خالقنا الذي تملك الموت والحياة ، أنت قادر على أن تعيدنا إلى الدنيا مرة اخرى كي نعوّض ما مضى.

* * *

ذكر المفسرون عدّة تفاسير حول المقصود من قوله تعالى :( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) و( أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) ومن بين هذه التفاسير هناك ثلاثة آراء نقف عليها فيما يلي :

أوّلا : أن يكون المقصود من( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) هو الموت في نهاية العمر ، والموت في نهاية البرزخ. أمّا المقصود من( أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) فهي الإحياء في نهاية البرزخ والإحياء في القيامة.

ولتوضيح لذلك ، نرى أنّ للإنسان حياة اخرى بعد الموت تسمى الحياة البرزخية ، وهذه الحياة هي نفس حياة الشهداء التي يحكي عنها قوله تعالى :( بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) ، وهي نفس حياة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة من أهل البيتعليهم‌السلام ، حيث يسمعون سلامنا ويردون عليه.

وهي أيضا نفس حياة الطغاة والأشقياء كالفراعنة الذين يعاقبون صباحا ومساء بمقتضى قوله تعالى :( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) (٢) .

ومن جانب آخر نعرف أنّ الجميع ، من الملائكة والبشر والأرواح ، ستموت في نهاية هذا العالم مع أوّل نفخة من الصور :( فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ) (٣) . ولا يبقى أحد سوى الذات الإلهية (بالطبع على خلاف ما أوضحناه في نهاية الآية (٨٦) من سورة الزمر بين موت وحياة الملائكة والأرواح ، وبين موت وحياة الإنسان).

__________________

(١) آل عمران ، الآية ١٦٩.

(٢) غافر ، الآية ٤٦.

(٣) الزمر ، الآية ٦٨.

٢١٠

وعلى هذا الأساس فإنّ هناك حياة جسمانية وحياة برزخية ، ففي نهاية العمر يحل الموت بحياتنا الجسمانية ، لكن في نهاية العالم يحل بحياتنا البرزخية.

يترتب على ذلك أن تكون هناك حياتان بعد هذين الموتتين : حياة برزخية ، وحياة في يوم القيامة.

وهنا قد يطرح البعض هذا السؤال : إنّنا في الواقع نملك حياة ثالثة هي حياتنا في هذه الدنيا ، وهي غير هاتين الحياتين ، وقبلها أيضا كنّا في موت قبل أن نأتي إلى هذه الدنيا ، وبهذا سيكون لدينا ثلاث موتات وثلاثة إحياءات.

ولكن الجواب يتوضح عند التدقيق في نفس الآية ، فالموت قبل الحياة الدنيا (أي في الحالة التي كنّا فيها ترابا) يعتبر «موتا» لا «إماتة» وأمّا الحياة في هذه الدنيا فالبرغم من أنّها مصداق للإحياء ، إلا أنّ القرآن لم يشر إلى هذا الجانب في الآية أعلاه ، لإنّ هذا الإحياء لا يشكّل عبرة كافية بالنسبة للكافرين ، إذ الشيء الذي جعلهم يعون ويعترفون بذنوبهم هو الحياة البرزخية أوّلا ، والحياة عند البعث ثانيا.

ثانيا : إنّ المقصود بالحياتين ، هو الإحياء في القبر لأجل بعض الأسئلة ، والإحياء في يوم القيامة ، وإنّ المقصود بالموتتين ، هما الموتة في نهاية العمر ، والموتة في القبر.

لذلك اعتبر بعض المفسّرين هذه الآية دليلا على الحياة المؤقتة في القبر.

أمّا عن كيفية حياة القبر ، وفيما إذا كانت جسمانية أو برزخية. أو نصف جسمانية ، فهذه كلّها بحوث ليس هنا مجال الخوض فيها.

ثالثا : إنّ المقصود بالموتة الأولى ، هو الموت قبل وجود الإنسان في هذه الدنيا ، إذ أنّه كان ترابا في السابق ، لذا فإنّ الحياة الأولى هي الحياة في هذه الدنيا ، والموت الثّاني هو الموت في نهاية هذا العالم ، فيما الحياة الثانية هي الحياة عند

٢١١

البعث.

والذين يعتقدون بهذا التّفسير يستدلون بالآية (٢٨) من سورة «البقرة» حيث قوله تعالى :( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .

إلّا أنّ الآية التي نبحثها تتحدث عن إماتتين ، في حين أنّ آية سورة البقرة تتحدّث عن حياة واحدة وإماتة واحدة(١) .

يتّضح من مجموع التفاسير الثّلاثة هذه أنّ التّفسير الأوّل هو الأرجح.

ولا بأس أن نشير إلى أنّ بعض مؤيدي «التناسخ» أرادوا الاستدلال بهذه الآية على الحياة والموت المكرّر للإنسان ، وعودة الروح إلى الأجساد الجديدة في هذه الدنيا ، في حين أنّ الآية أعلاه تعتبر إحدى الأدلة الحية على نفي التناسخ ، لأنّها تتحدّد الموت والحياة في مرّتين ، إلّا أنّ أنصار عقيدة «التناسخ» يقولون بالموت والحياة المتعدّدة والمتوالي ، ويعتقدون بأنّ روح الإنسان الواحد يمكن أن تتجسّد وتحل مرأت اخرى في أجساد جديدة ، ونطف جديدة وترجع إلى هذه الدنيا.

من الطبيعي أن يكون الجواب على طلب الكافرين بالعودة إلى هذه الدنيا للتكفير عمّا فاتهم هو الرفض. وهذا الرفض من الوضوح بحيث لم تشر إليه الآيات التي نبحثها.

لكن نستطيع أن نعتبر الآية التي بعدها دليلا على ما نقول ، إذ تقول :( ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ) .

فعند ما يدور الكلام عن التوحيد والتقوى والأوامر الحقة تشمئزون وتحزنون ، أما إذا دار الحديث عن الكفر والنفاق والشرك فستفرحون وتنبسط

__________________

(١) احتمل بعض المفسّرين أنّ الآية أعلاه تشير إلى «الرجعة» إلّا أنّ مراعاة عمومية الآية وشمولها جميع الكافرين ، وعدم ثبوت عمومية الرجعة لهم جميعا ، يجعل هذا التّفسير قابلا للنقاش.

٢١٢

أساريركم ، لذلك ستكون عاقبتكم ما رأيتم.

وهنا نطرح هذا السؤال : كيف نربط هذا الجواب مع طلبهم العودة إلى هذه الدنيا؟

إنّ الآية تفيد أنّ حقيقة أعمال هؤلاء لم تكن محدودة بزمن معين ، ولم تكن مؤقتة ، بل كانت دائمية ، لذلك فلو عادوا إلى الحياة مرّة اخرى فإنهم سيستمرون على هذا الوضع ، أمّا هذا الإيمان والتسليم والإذعان الذي رأيناه منهم يوم القيامة ، فهو اضطراري وليس عن قناعة حقيقية.

ثمّ إنّ اعتقادات هؤلاء وأعمالهم ونياتهم السابقة تستوجب خلودهم في الجحيم ، لذا فلا يمكن عودة هؤلاء إلى الدنيا مع هذا الوضع.

وهذا الوضع يختص بالأفراد الذين تجذّر الكفر والشر والذنب في أعماقهم ، وهؤلاء هم الذين يصفهم القرآن بأنّ نفوسهم تشمئز عند ذكر الله تعالى وحده ، ويفرحون عند ذكر الأصنام :( وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) (١) .

إنّ هذا الوصف لا يختص بالمشركين في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحسب ، إذ يشهد زماننا مثل هؤلاء من ذوي القلوب الميتة ، الذين يفرون من الإيمان والتوحيد والتقوى ، ويقبلون على الكفر والنفاق والفساد.

لذلك نقرأ في بعض الروايات عن أهل البيتعليهم‌السلام ، في تفسير هذه الآية ، أنّها تختص بقضية (الولاية) إذ يتأذى البعض عند سماعها (أي الولاية) ويفرحون عند سماع أسماء أعداء أهل البيتعليهم‌السلام هذا التّفسير هو من باب انطباق المفهوم ، العام على المصداق ، وليس من باب تقييد كلّ المفهوم الذي تطوية الآية بهذا المصداق).

وفي نهاية الآية ، ومن أجل أن لا ييأس هؤلاء المشركون ذوو القلوب

__________________

(١) الزمر ، الآية ٤٥.

٢١٣

المظلمة ، تقول الآية إنّ الحاكمية تختص بذات الله سبحانه وتعالى :( فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) إذ لا يوجد غيره قاض وحاكم في محكمة الآخرة ، ولا يوجد غيره على وكبير ، فلا يستطيع أحد أن يغلبه أو أن يؤثّر عليه أو على حكمه بفدية أو غرامة أو وساطه ، فالحاكم المطلق هو ، والجميع يطيعونه ، ولا يوجد طريق للهرب من حكمه.

* * *

ملاحظة

الدعاء البعيد عن الإجابة!

ليست هذه المرّة الأولى التي تواجهنا فيها طلبات أهل النّار أو الكفار الذين يريدون العودة إلى هذه الدنيا ، فيكون الجواب بالنفي.

لقد طرحت الآيات بالقرآنية هذا الموضوع عدّة مرّات.

ففي سورة الشورى الآية (٤٤) نقرأ أن الظالمين بعد أن يروا العذاب يقولون :

( هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ) .

وفي الآية (٥٨) من سورة الزمر ، ورد على لسان المذنبين وغير المؤمنين عند رؤيتهم العذاب :( أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) .

وفي الآية (١٠٧) من سورة «المؤمنون» نقرأ قوله تعالى حكاية على لسان أمثال هؤلاء القوم :( رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ ) .

مجموعة أخير عند ما يحل بها الموت وترى ملائكة الموت تطلب من الله تعالى العودة فتقول :( رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) (١) .

إلّا أنّ هذه الطلبات تردع دوما بكلمة «كلّا» أو ما شابه ذلك.

__________________

(١) المؤمنون ، الآيتان ٩٩ ـ ١٠٠.

٢١٤

وبذلك يتضح أنّ المفهوم القرآني يؤكّد على أنّ الحياة في هذه الدنيا هي تجربة لا يمكن تكرارها بالنسبة للشخص ، لذا يجب إبعاد هذا الوهم من العقول بأنّنا إذا متنا وواجهنا العذاب فسوف نعود الى هذه الدنيا ونجبر ما فات حيث لا إمكان للعودة إلى هذه الحياة بعد الموت.

وملاك هذا الأمر واضح ، ففي قانون التكامل لا يمكن الرجوع والعودة ، كما لا يمكن عودة الطفل إلى بطن أمّه وفقا لهذا القانون ، سواء كان هذا الطفل قد اكتمل نموه في بطن أمه أو لم يكتمل وولد ناقصا ، إذ العودة غير ممكنة أصلا.

كذلك الموت الذي هو في الواقع ولادة ثانوية ، وانتقال من عالم الدنيا هذه إلى عالم آخر ، وهناك تعتبر العودة ضربا من المحال.

إضافة إلى ذلك لا يمكن اعتبار اليقظة الاضطرارية التي تنتاب الناس ـ الذين تتحدث عنهم الآية ـ دليلا على الاقتناع أو اليقظة الحقيقية ، إذ عند ما تخف أسبابها سيعود النسيان والغفلة مرة اخرى ، وسيتم تكرار نفس الأعمال ، كما نرى ذلك واضحا في هذه الدنيا لدى الكثير من الناس الذين يتوجهون إلى خالقهم عند ما تضيق عليهم الحياة ، ويلجون أبواب التوبة ، إلّا أنّهم بمجرّد هدوء العواصف ينسون كل شيء وكأنّهم لم يدعوا الله إلى ضر مسّهم!!

* * *

٢١٥

الآيات

( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) )

التّفسير

ادع الله وحده رغما على الكافرين :

هذه الآيات المتضمنة للنصيحة والتهديد والإنذار استدلال على المسائل المطروحة في الآيات السابقة ، فهي استدلال على التوحيد والرّبوبية ونفي الشرك وعبادة الأصنام.

تقول الآية أوّلا :( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ ) .

فهي نفس الآيات والعلائم الآفاقية والأنفسية التي تملأ عالم الوجود ، وتستوعب بإشراقتها أركانه ، وتضع بصماتها وآثارها العجيبة على جدران الوجود وجميع أرجاءه.

ثم توضح واحدة من هذه الآيات :( وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً ) .

٢١٦

قطرات المطر تعطي الحياة ، ونور الشمس يحيي الكائنات ، والهواء سرّ الوجود والحياة ، حياة جميع الكائنات ، حيوانات نباتات ، أناس كلّها تنزل من السماء. وتشكّل هذه الأثافي الثلاث فيما بينها قوام الحياة ، حيث تتفرع الأشياء الأخرى من أصولها.

بعض المفسّرين أطلق على السماء اسم «عالم الغيب» وعلى الأرض اسم «عالم الشهود» ونزول الرزق من السماء إلى الأرض هو بمعنى الظهور من عالم الغيب إلى عالم الشهود.

ولكن هذا التّفسير فضلا عن منافاته لظاهر الآية ، لم نعثر له على دليل وشاهد ، صحيح أنّ الوحي والآيات ، هما غذاء الروح ، ينزلان من سماء الغيب ، وأنّ المطر والشمس والنور التي تعتبر غذاء الجسد تنزل من السماء الظاهرية ، وهما متناسقان مع بعضهما. ولكن ينبغي أن لا نتصوّر أن عبارة (آياته) التي نحن بصددها تشير إلى مفهوم أوسع ، أو تشير بالخصوص إلى الآيات التشريعية ، لأنّ عبارة( يُرِيكُمْ آياتِهِ ) وردت مرارا في القرآن الكريم ، وهي عادة ما تطلق على الآيات الدالة على التوحيد في عالم الوجود.

مثلا ، في أواخر هذه السورة (المؤمن) وبعد ذكر النعم الإلهية ، من قبيل الزواحف والفلك تقول :( وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ ) (١) .

إنّ تعبير «يريكم» ينسجم في العادة مع الآيات التكوينية ، بينما جرت العادة في الآيات التشريعية على استخدام تعابير مثل (أوحى) و (يأتيكم).

من هنا يتبيّن أنّ اعتبار هذه الآيات بمعنى الآيات التشريعية ، وأنّها أعم من التشريعية والتكوينية ، كما يذهب بعض كبار المفسّرين القدماء والمحدثين إلى ذلك ، لا يستند إلى دليل ، ولا تقوم عليه حجّة.

ولكن من الضروري أن نلتفت إلى أنّ القرآن يختار الإشارة إلى آية الرزق

__________________

(١) المؤمن ، الآية ٨١.

٢١٧

من بين آيات الله المبثوثة في السماء والأرض وفي وجود الإنسان ، ذلك لأنّ الرزق هو أكثر ما يشغل البال والفكر ، وأحيانا نرى الإنسان يستنجد بالأصنام من أجل زيادة الرزق ، وإنقاذه من وضعه المتردي ، لذا يأتي القرآن ليؤّكد أن جميع الأرزاق هي بيد الله ولا تستطيع الأصنام أو غيرها أن تفعل أي شيء.

وأخيرا تضيف الآية الكريمة : برغم جميع هذه الآيات البينات التي تسود هذا العالم الواسع ، وتغمد الوجود بضيائها ، إلّا أنّ العيون العمياء والقلوب المحجوبة لا تكاد ترى شيئا ، وإنّما يتذكر ـ فقط ـ من ينيب إلى خالقه ويغسل قلبه وروحه من الذنوب :( وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ ) .

الآية التي بعدها ترتب نتيجة على ما سبق فتقول :( فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) انهضوا واضربوا الأصنام وحطموها بفؤوس الإيمان ، وامحوا آثارها من ذاكرة الفكر والثقافة والمجتمع.

ومن الطبيعي أنّ وقفتكم الرّبانية هذه ستؤذي الكافرين والمعاندين ، لكن عليكم أن لا تسمحوا للخوف أن يسترّب الى قلوبكم ، أخلصوا نيّاتكم :( وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) .

ففي المجتمع الذي يشكل فيه عبدة الأصنام الغالبية ، يكون طريق أهل التوحيد موحشا في بادئ الأمر ، مثل شروق الشمس في بدايات الصباح الأولى وسط عالم الظلام والخفافيش ، لكن عليكم أن لا تركنوا إلى ردود الأفعال غير المدروسة ، تقدموا بحزم وإصرار ، وارفعوا راية التوحيد والإخلاص ، وانشروها في كلّ مكان.

تصف الآية التي تليها خالق الكون ومالك الحياة والموت ، بعض الصفات المهمّة ، فتقول :( رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ) فهو تعالى يرفع درجات العباد الصالحين كما في قوله تعالى :( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ) (١) .

__________________

(١) المجادلة ، الآية ١١.

٢١٨

وحتى بين النّبيين فقد فضّل الله بعضهم على بعض بسبب اجتيازهم للامتحان والاختبار أكثر من غيرهم ، فأخلصوا لله تعالى بمراتب أعلى وأفضل :( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ) (١) .

لقد استخلف الله الإنسان في هذه الأرض ، وجعل منه خليفته ، وفضّل البعض على البعض الآخر وفقا لاختلاف الخصائص والقابليات لدى الإنسان :( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ ) (٢) .

فإذا كانت الآية السابقة قد دعت إلى الإخلاص في الدين ، فإنّ الآية التي بين أيدينا تقول : إنّ الله تبارك وتعالى سوف يرفع درجاتكم بمقدار إخلاصكم ، فهو رفيع الدرجات.

إنّ صحة كلّ هذه المعاني منطوة بتفسير (رفيع) بالرافع ، إلّا أنّ البعض ذهب إلى أنّ (رفيع) في الآية بمعنى (المرتفع) وبناء على هذا المعنى فإنّ( رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ) تشير إلى الصفات العالية الرفيعة لله تعالى ، فهو رفيع في علمه ، وفي قدرته ، وفي جميع أوصافه الكمالية والجمالية ، هو تعالى رفيع في أوصافه بحيث أنّ عقل الإنسان برغم قابليته واستعداده لا يستطيع أن يدركها.

وبحكم أنّ اللغة تعطي صلاحية متساوية للمعنيين الآنفين لكلمة (رفيع) فإنّ التّفسيرين واردان ، ولكن لأنّ الآية تتحدث عن إعطاء الأجر لعباد الله الصالحين ، والذي هو الدرجات الرفيعة ، لذا فإنّ المعنى الأوّل أظهر.

لكن لا مانع من الجمع بين التّفسيرين ، لأننا نعتقد جواز استخدام اللفظ لأكثر من معنى ، خصوصا في إطار الآيات التي تشتمل ألفاظها على معاني كبيرة وواسعة.

تضيف الآية بعد ذلك قوله تعالى :( ذُو الْعَرْشِ ) .

__________________

(١) البقرة ، الآية ٢٥٣.

(٢) الأنعام ، الآية ١٦٥.

٢١٩

فكل عالم الوجود تحت حكومته وفي قبضته ، ولا منازع له في حكومته ، وهذا بحد ذاته ذليل على أنّ تحديد درجات العباد حسب أفضليتهم إنّما يتمّ بقدرته تعالى.

وبما إنّنا تحدثنا بالتفصيل عن «العرش» فلا حاجة هنا للتكرار.

وفي وصف ثالث تضيف الآية أنّه هو تعالى الذي :( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) وهذه الروح هي نفس القرآن ومقام النبوّة والوحي ، حيث تحيي هذه الأمور القلوب ، وتكون في الإنسان كالروح بالنسبة لجسد الإنسان.

إنّ قدرته من جانب ، ودرجاته الرفيعة من جانب آخر ، تقتضي أن يعلنعزوجل عن برنامجه وتكاليفه عن طريق الوحي ، وهل ثمّة تعبير أجمل من الروح ، هذه الروح التي هي سرّ الحياة والحركة والنشاط والتقدم.

لقد ذكر المفسّرون احتمالات متعدّدة لمعنى الروح ، لكن من خلال القرائن الموجودة في الآية ، وممّا تفيده الآية (٢) من سورة «النحل» التي تقول :( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) وكذلك ممّا تفيده آية (٥٢) من سورة «الشورى» التي تخاطب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوضح له نزول القرآن والإيمان والروح بقوله تعالى :( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ) من كلّ ذلك يتبيّن أنّ المقصود بالروح في الآية التي نحن بصددها ، هو الوحي والقرآن والتكليف الإلهي.

تفيد عبارة (من أمره) أنّ ملك الوحي المكلّف بإبلاغ هذه الروح ، إنّما يتحدث ويتكلّم بأمر الله لا من عند نفسه.

أمّا قوله تعالى :( عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) فلا تعني أنّ هبة الوحي تعطى لأي كان ، لأن مشيئته تعالى هي عين حكمته ، وكل من يجده مؤهلا لهذا المنصب يخصه بهذا الأمر ، كما نقرأ في الآية (١٢٤) من سورة الأنعام حيث قوله تعالى :( اللهُ أَعْلَمُ

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601