العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام

العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام25%

العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام مؤلف:
الناشر: انتشارات مهديّة
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 230

العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 230 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 104098 / تحميل: 6004
الحجم الحجم الحجم
العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام

العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام

مؤلف:
الناشر: انتشارات مهديّة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قطعة من خطابه جاء فيه بعد حمد الله والثناء عليه:

« أمّا بعد! فان هذا الطاغية ـ يعني معاوية ـ قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتهم، وشهدتم، وانّي أريد أن أسألكم عن شيء، فان صدقت فصدقوني وان كذبت فكذّبوني، اسمعوا مقالتي، واكتبوا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم، وقبائلكم، فمن أمنتم من الناس، ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا، فانّي أتخوّف أن يدرس هذا الأمر، ويغلب، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون ».

ويقول سُليم بن قيس: وما ترك الحسين شيئاً مما أنزله الله فيهم من القرآن إلاّ تلاه وفسّره، ولا شيئاً مما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أبيه وأخيه، وفي نفسه وأهل بتيه إلاّ رواه، وفي كل ذلك يقول أصحابه: اللهم نعم قد سمعنا وشهدنا، ويقول التابعي: اللهمّ قد حدّثني به من أصدقه، وأئتمنه من الصحابة، فقالعليه‌السلام : أنشدكم الله إلاّ حدّثتم به من تثقون به وبدينه »(١) .

وكان هذا أوّل مؤتمر سياسي عرفه المسلمون في ذلك الوقت، فقد شجب فيه الامام سياسة معاوية الهادفة إلى حجب المسلمين عن أهل البيتعليهم‌السلام وستر فضائلهم، وقد دعا الإمام حضّار ذلك المؤتمر إلى إشاعة مآثرهم، وإذاعة مناقبهم، وما ورد في حقّهم من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ليعرف المسلمون النوايا الشريرة التي يبّيتها معاوية ضدّ أهل البيت الذين هم العصب في جسم الأمة الإسلامية.

هلاك معاوية:

واستقبل معاوية الموت، ونفسه قلقة ومضطربة مما اقترفه من

__________________

(١) حياة الإمام الحسين ٢: ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

١٢١

الأحداث الجسام التي باعدت بينه وبين الله، فكان يقول متبرّماً: ويلي من ابن الأدبر ـ يعني حجر بن عدي ـ ان يومي منه لطويل، نعم ان يومه لطويل وان حسابه لعسير أمام الله لا في حجر فقط، وانّما لدماء المسلمين التي سفكها بغير حقّ، فقد قتل عشرات الآلاف من المسلمين، وأشاع في بيوتهم الثّكل والحزن والحداد، وهو الذي حارب دولة الإسلام، وأقام الدولة الأموية التي اتخذت مال الله دولاً، وعباد الله خولاً، وهو الذي سلّط على المسلمين عصابة من أشرار خلق الله أمثال زياد بن أبيه الذي أمعن في إذلال المسلمين، وظلمهم بغير حقّ، وهو الذي استخلف من بعده ولده يزيد صاحب الأحداث والموبقات في الإسلام، وشبيه جدّه أبي سفيان في اتجاهاته وميوله المعادية لله ولرسوله، وهو الذي دسّ السمّ إلى ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسبطه الإمام الزكي أبي محمدعليه‌السلام ، وهو الذي أعلن سبّ أهل البيت: على المنابر، وجعل ذلك جزءاً من حياة المسلمين العقائدية إلى غير ذلك من الموبقات التي اقترفها والتي تجعل حسابه شاقاً وعسيراً أمام الله.

وعلى أيّ حال فقد هلك معاوية فأهون به هالكاً ومفقوداً فقد انكسر باب الجور، وتضعضعت أركان الظلم، كما أبّنه بذلك الزعيم العراقي الكبير يزيد بن مسعود النهشلي، أما خليفته وولي عهده يزيد فلم يكن حاضراً عند وفاته، وإنما كان مشغولاً برحلات الصيد وعربدات السكر ونغمة العيدان.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن حكومة معاوية التي هي أثقل كابوس مرّ على العالم الإسلامي في ذلك العصر، وقد شاهد سيّدنا أبو الفضل العباسعليه‌السلام المآسي الرهيبة التي دهمت المسلمين في ظلال هذا الحكم.

١٢٢

مَعَ الثورة الحُسيْنيّة

١٢٣

١٢٤

ورافق أبو الفضل العباسعليه‌السلام الثورة الإسلامية الكبرى التي فجّرها أخوه أبو الأحرار وسيّد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام ، تلك الثورة العملاقة التي كانت من أهمّ الثورات العالمية، ومن أكثرها عطاءً لشعوب الأرض، فقد غيّرت مجرى التاريخ وهزّت العالم بأسره، وحرّرت الانسان المسلم، ودفعت القطعات الشعبية من المسلمين إلى التمرّد على الظلم، ومناهضة الجور والطغيان.

وقد ساهم قمر بني هاشم وفخر عدنان في هذه الثورة المباركة مساهمة إيجابية وفعّالة، وشارك أخاه الحسين في جميع فصولها، وقد وعى جميع أهدافها وما تنشده من خير ورحمة للشعوب المحرومة والمضطهدة، فآمن بها إيماناً مطلقاً.

لقد كان العبّاس أهمّ عضو بارز في هذه الثورة المشرقة، وقد لازم أخاه ممتثلاً لأمره، منفّذاً لرغباته، شادّاً لعضده، مؤمناً بقوله، مصدقاً لمبادئه، لم يفارقه في مسيرته الخالدة من يثرب إلى مكّة، ثم إلى أرض الكرامة والشهادة، ففي كل موقف من ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام ، كان العبّاس معه، وشريكاً له، ونتحدّث ـ عن بعض الفصول التأريخية لهذه الثورة العظمى التي كان العباس العلم البارز فيها.

 

١٢٥

رفض الامام الحسين لبيعة يزيد:

وأعلن الإمام الحسينعليه‌السلام رسمياً رفضه الكامل لبيعة يزيد، وذلك حينما استدعاه حاكم المدينة الوليد بن عقبة في غلس الليل، وقد فهم الإمام ما أراد منه، فاستدعى عضده وأخاه أبا الفضل العبّاس وسائر الفتية من أهل بيته ليقوموا بحمايته، وأمرهم بالجلوس في خارج الدار فاذا سمعوا صوته قد علا فعليهم أن يقتحموا الدار لانقاذه، ودخل الامام على الوليد فاستقبله بحفاوة وتكريم، ثم نعى إليه هلاك معاوية، وما أمره به يزيد من أخذ البيعة من أهل المدينة عامة ومن الحسين خاصة، فاستمهله الإمام حتى الصبح، ليجتمع الناس، وقد أراد أن يعلن أمامهم رفضه الكامل لبيعة يزيد، ويدعوهم إلى التمرّد على حكومته، وكان مروان بن الحكم الذي هو من رؤوس المنافقين، ومن أعمدة الباطل حاضراً، فاندفع لاشعال نار الفتنة، فصاح بالوليد:

« لئن فارقك الساعة، ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، أحبسه فان بايع، وإلاّ ضربت عنقه ».

ووثب أبي الضيم في وجه مروان، فقال محتقراً له:

« يا بن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو؟، كذبت والله ولؤمت ».

ثم التفت أبو الأحرار إلى الوليد فأخبره عن عزمه، وتصميمه في رفضه لبيعة يزيد قائلاً:

«أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع

١٢٦

مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة »(١) .

لقد أعلن الإمام رفضه لبيعة يزيد في بيت الامارة ورواق السلطة، وهو غير حافل بالحكم القائم، فقد وطّن نفسه على التضحية والفداء لينقذ المسلمين من حكم إرهابي عنيف يستهدف إذلالهم، وإرغامهم على ما يكرهون.

لقد كان أبو الأحرار عالماً بفسق يزيد وفجوره ومروقه من الدين، ولو أقرّ لحكومته لساق المسلمين إلى الذلّ والعبودية، وعصف بالعقيدة الإسلامية في متاهات سحيقة من مجاهل هذه الحياة، ولكنّه سلام الله عليه صمد في وجه الاعاصير هازئاً من الحياة، ساخراً من الموت، فبنى للمسلمين عزّاً شامخاً، ومجداً رفعياً، ورفع كلمة الإسلام عالية في الأرض.

إلى مكّة المكرّمة:

وصمّم أبو الأحرار على مغادرة يثرب، والتوجه إلى مكّة المكرّمة ليتّخذ منها مقرّاً لبثّ دعوته، ونشر أهداف ثورته، ويدعو المسلمين إلى الانتفاضة على الحكم الأموي الذي يمثّل الجاهلية بجميع أبعادها الشريرة، وقبل أن يتوجّه إلى مكّة خفّ إلى قبر جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو حزين قد أحاطت به الأزمات فشكى إليه ما ألمّ به من المحن والبلوى، ثم توجّه إلى قبر سيّدة النساء أمّه الزكيّة فألقى عليها نظرات الوداع الأخير، وزار بعد ذلك قبر أخيه الزكيّ أبي محمدعليه‌السلام ثم توجّه مع جميع أفراد عائلته إلى مكّة التي هي

__________________

(١) حياة الإمام الحسين ٢: ٢٥٥.

١٢٧

حرم الله ليعوذ ببيتها الحرام الذي فرض الله فيه الأمن لجميع عباده، وكان أخوه أبو الفضل إلى جانبه قد نشر رايته ترفرف على رأسه، وقد تولّى جميع شؤونه وشؤون عائلته، وقام خير قيام بما يحتاجون إليه.

وسلك أبو الأحرار في مسيره الطريق العام فأشار عليه بعض من كان معه بأن يحيد عنه ـ كما فعل ابن الزبير ـ مخافة أن يدركه الطلب من السلطة فأجابه بكل شجاعة وثقة في النفس:

« لا والله ما فارقت هذا الطريق، أو أنظر إلى أبيات مكة حتى يقضي الله في ذلك ما يحبّ ويرضى ».

وانتهى ركب الإمام إلى مكّة ليلة الجمعة لثلاث ليال مضين من شعبان وحطّ رحله في دار العبّاس بن عبد المطلب، وقد احتفى به المكّيون خير احتفاء، وجعلوا يختلفون إليه بكرة وعشية، وهم يسألونه عن أحكام دينهم، وأحاديث نبيّهم، كما توافد لزيارته القادمون إلى بيت الله الحرام من الحجّاج والمعتمرين من سائر الآفاق، ولم يترك الإمامعليه‌السلام لحظة تمرّ من دون أن يبثّ الوعي الديني والسياسي في نفوس زائريه من المكيّين وغيرهم، ويدعوهم إلى التمرّد على الحكم الأموي الذي عمد على إذلالهم وعبوديتهم.

فزع السلطة بمكّة:

وفزعت السلطة المحلّية بمكة من قدوم الإمام إليها، واتخاذها مقراً لدعوته، ومركزاً لإعلان ثورته، وكان حاكم مكّة الطاغية عمرو بن سعيد الأشدق، فقد رأى بنفسه تزاحم المسلمين على الإمام، وسمع ما يقولونه ان الإمام أولى بالخلافة الإسلامية وأحقّ بها من آل أبي سفيان الذين لا

١٢٨

يرجون لله وقاراً، فخف مسرعاً نحو الإمام فقال له بغيظ:

« ما أقدمك إلى البيت الحرام؟.. ».

وكأن بيت الله العظيم ملك لبني أميّة، وليس هو لجميع المسلمين، فأجابه الإمام بثقة وهدوء:

« أنا عائذ بالله، وبهذا البيت ».

ورفع الطاغية بالوقت رسالة إلى سيّده يزيد بن معاوية أحاطه بها علماً بمجيء الامام إلى مكّة، واختلاف الناس إليه، والتفافهم حوله، وان ذلك يشكّل خطراً على حكومته، ففزع يزيد كأشدّ ما يكون الفزع حينما قرأ رسالة الأشدق فرفع في الوقت مذكّرة إلى ابن عباس يتهدّد فيها الحسين على تحرّكه، ويطلب منه التدخّل فوراً لإصلاح الأمر وحجب الحسين عن مناهضته، فأجابه ابن عبّاس برسالة، نصحه فيها بعدم التعرّض للحسين، وانه انّما هاجر إلى مكّة فراراً من السلطة المحلّية في يثرب التي لم ترع مكانته، ومقامه.

ومكث الإمامعليه‌السلام في مكّة، والناس تختلف إليه، وتدعوه إلى إعلان الثورة على الأمويين، وكانت مباحث الأمن تراقبه أشدّ ما تكون المراقبة، وتسجّل جميع تحرّكاته ونشاطاته السياسية، وما يدور بينه وبين الوافدين عليه، وتبعث بجميع ذلك إلى دمشق لاطلاع يزيد عليه.

تحرّك الشيعة في الكوفة:

وحينما أشيع هلاك معاوية في الكوفة أعلنت الشيعة أفراحها بموته وعقدوا مؤتمراً شعبياً في بيت أكبر زعمائهم، وهو سليمان بن صرد الخزاعي، واندفعوا إلى إعلان الخطب الحماسية فيها وقد عرضوا بصورة

١٢٩

شاملة إلى ما عانوه من الاضطهاد والتنكيل، في أيّام معاوية، وأجمعوا على بيعة الإمام الحسين، ورفض بيعة يزيد، وأرسلوا في نفس الوقت وفداً منهم ليحثّ الإمام على القدوم إلى مصرهم لتشكيل حكومته ليعيد لهم الحياة الكريمة التي فقدوها في ظلال الحكم الأموي ويبسط في بلادهم الأمن والرخاء، وترجع بلدهم عاصمة للدولة الإسلامية كما كانت أيّام أبيه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان من بين ذلك الوفد عبد الله البجلي، وأخذ الوفد يسرع في سيره حتّى انتهى إلى مكّة، فعرض على الامام مطاليب أهل الكوفة، وألحّوا عليه بالاسراع إلى القدوم إليهم.

رسائل الكوفة:

ولم يكتف الكوفيون بالوفد الذي بعثوه إلى الإمام، وانّما عمدوا إلى إرسال آلاف الرسائل إليه أعربوا فيها عن عزمهم الجادّ على نصرته، والوقوف إلى جانبه، وانّهم يفدونه بأرواحهم وأموالهم، ويطلبون منه الإسراع إلى مصرهم ليشكّل فيه دولة القرآن والإسلام التي هي غاية آمالهم وحملوا الإمام المسؤولية أمام الله والتأريخ إن لم يستجب لدعوتهم.

ورأى الإمامعليه‌السلام أنّه قد قامت عليه الحجّة الشرعية، وان الواجب يحتّم عليه إجابتهم.

إيفاد مسلم إلى الكوفة:

ولمّا تتابعت الوفود والرسائل من أهل الكوفة على الإمام، وهي تحثّه على القدوم إليهم، لم يجد بُدّاً من إجابتهم، فأوفد إليهم ثقته وكبير أهل بيته، والمبرز من بينهم بالفضيلة وتقوى الله ابن عمّه مسلم بن عقيل،

١٣٠

وكانت مهمّته خاصة ومحدودة، وهي الوقوف على واقع الكوفيين، ومعرفة أمرهم، فان صدقوا فيما قالوا توجّه الإمام إليهم وأقام في مصرهم دولة القرآن.

ومضى مسلم يجد في السير لا يلوي على شيء حتى انتهى إلى الكوفة فنزل في بيت زعيم من زعماء الشيعة، وسيف من سيوفهم، وهو المختار بن أبي عبيدة الثقفي، الذي كان يتمتّع بخبرة سياسية واسعة، وشجاعة فائقة، ودراية تامة بالشؤون النفسية والاجتماعية، وقد فتح المختار أبواب داره إلى مسلم، وصار بيته مركزاً للسفارة الحسينيّة. ولما علمت الشيعه بقدوم مسلم سارعوا إليه مرحّبين به، ومقدمين له جميع ألوان الحفاوة والدعم، والتفوا حوله، طالبين منه أن يأخذ منهم البيعة للإمام الحسينعليه‌السلام ، واستجاب لهم مسلم ففتح سجلاً للمبايعين وقد أحصي عددهم في الأيام القليلة بما يزيد على ثمانية عشر ألفاً، وفي كل يوم يزداد عدد المبايعين منهم، وألحّوا عليه أن يراسل الإمام بالإسراع إلى القدوم إليهم ليتولّى قيادة الأمة، ومن الجدير بالذكر أن السلطة المحليّة في الكوفة كانت على علم بمجريات الثورة، وقد وقفت منها موقف الصمت، فلم تتخذ أي اجراءات ضدّها، ويعود السبب في ذلك إلى ان حاكم الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري كان من المنحرفين عن يزيد بسبب مواقفه المعادية للأنصار، ومضافاً إلى ذلك فان ابنته كانت زوجة المختار الذي استضاف مسلماً ووقف إلى جانبه.

ومن الطبيعي أنّه لم يرق لعملاء الأمويين وأذنابهم موقف النعمان المتّسم بالليونة وعدم المبالاة بالثورة، فبادروا إلى الاتصال بدمشق، وعرّفوا يزيد بموقف النعمان، وطلبوا المبادرة بإقصائه، وتعيين حاكماً حازماً

١٣١

يستطيع القضاء على الثورة، وإخضاع الجماهير إلى حكمه، وفزع يزيد من الأمر، فأرسل إلى مستشاره الخاص سرجون، وكان دبلوماسياً محنّكاً، فعرض عليه ما ألمّ به وطلب منه أن يرشده إلى حاكم يتمكّن من السيطرة على الأوضاع المتفجّرة في الكوفة، فأشار عليه بتولّيه الإرهابي عبيدالله بن زياد فانّه شبيه بأبيه في التجرّد من كلّ نزعة إنسانية، وعدم المبالاة في اقتراف أبشع الجرائم، فاستجاب يزيد لرأيه، وكتب لابن زياد مرسوماً بولايته على الكوفة بعد أن كان والياً على البصرة فقط، وبذلك فقد أصبح العراق كلّه خاضعاً لسيطرته، وأصدر إليه الأوامر المشدّدة بالإسراع إلى الكوفة لاستئصال الثورة، والقضاء على مسلم.

سفر ابن زياد إلى الكوفة:

وحينما تسلّم ابن زياد المرسوم في ولايته على الكوفة توجّه إليها فوراً، وأخذ يجد في السير لا يلوي على شيء مخافة أن يسبقه إليها الإمام الحسينعليه‌السلام ، وحينما أشرف على الكوفة غيّر ملابسه، ولبس ثياباً يمانية وعمامة سوداء ليوهم على الكوفيين أنّه الامام الحسين، وقد اعتقدوا بذلك فأحاطوا به مرحّبين بقدومه، وهاتفين بحياته، فاستاء ابن زياد من ذلك كأشدّ ما يكون الاستياء، وأسرع في سيره مخافة أن ينكشف أمره، فيقتل، ولما انتهى إلى قصر الامارة، وجد الباب مغلقاً فطرقه فأشرف عليه النعمان، وقد توهّم أنه الامام الحسينعليه‌السلام فانبرى يخاطبه بلطف قائلاً:

« ما أنا بمؤدّ إليك أمانتي يا بن رسول الله، وما لي في قتالك من ارب » ..

فصاح به ابن مرجانة:

« افتح لا فتحت فقد طال ليلك ».

١٣٢

وعرفه بعض من كان خلفه فصاح بالجماهير:

« انّه ابن مرجانة، وربّ الكعبة ».

وكان ذلك الصاعقة على رؤوسهم فولّوا منهزمين إلى دورهم، وقد ملئت قلوبهم خوفاً ورعباً، وبادر الطاغية نحو القصر فاستولى على المال والسلاح، وأحاط به عملاء الأمويين أمثال عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن، ومحمد بن الأشعث وغيرهم من وجوه الكوفة فجعلوا يحدثونه عن الثورة، ويعرفونه بأعضائها البارزين، ويضعون معه المخططات الرهيبة للقضاء عليها.

ولمّا أصبح الصبح جمع ابن مرجانة الناس في المسجد الأعظم، فأعلمهم بولايته على مصرهم، ومنّى أهل الطاعة بالصلة، وأهل المعصيّة بالعقاب الصارم ثم عمد إلى نشر الخوف والإرهاب بين الناس، وقد أمسك جماعة لم يجر معهم أي تحقيق فأمر بإعدامهم، وملأ السجون بالمعتقلين، واتخذ من ذلك وسيلة للسيطرة على البلاد.

ولمّا علم مسلم بقدوم ابن مرجانة، وما قام به من الأعمال الإرهابية تحوّل من دار المختار إلى دار الزعيم الكبير هانئ بن عروة، وهو سيّد الكوفة، وزعيمها المطاع، وقد عرف بالولاء والمودّة لأهل البيتعليهم‌السلام ، وقد استقبله هانئ بحفاوة وتكريم، ورحّب به كأعظم ما يكون الترحيب وفتح داره على مصراعيها لشيعة مسلم، واتخاذ القرارات لدعم الثورة، ومناهضة خصومها.

المخطّطات الرهيبة:

واتّخذ ابن مرجانة سلسلة من المخططات أدّت إلى نجاحه في الميادين السياسية، والتغلّب على الأحداث، فبعد أن كانت الكوفة تحت

١٣٣

قبضة مسلم انقلبت رأساً على عقب، وصارت مع ابن زياد، ومن بين تلك المخططات التي تمّ تنفيذها ما يلي:

التجسّس على مسلم:

وأول بادرة سلكها ابن مرجانة هي التجسس على مسلم، ومعرفة نشاطاته السياسية، والاحاطة بنقاط الضعف والقوة عنده والوقوف على جميع ما يجري عنده من الأحداث، وقد اختار للقيام بهذه المهمة مولاه معقلاً، وكان فطناً ذكياً ذا معرفة بالسياسة الماكرة، وأعطاه ثلاثة آلاف درهم، وأمره بالاتصال بأعضاء الثورة، وإعلامهم بأنه من الموالي الذين عرف أكثرهم بالولاء لأهل البيتعليهم‌السلام ، وانه قد جاء إلى مصرهم حينما بلغه أن داعية الإمام الحسينعليه‌السلام قدم إليهم ليأخذ البيعة منهم له، وان عنده مالاً ليوصله له ليستعين به على حرب عدوّه.

ومضى معقل في مهمته، وجعل يفتّش عمن له معرفة بسفير الحسين فأرشد إلى مسلم بن عوسجة وهو من أعلام الشيعة، وأحد القادة الطليعيين في الثورة، فاتصل به، وأظهر له الولاء المزيّف لأهل البيت، والتعطّش الكاذب لرؤية سفيرهم مسلم، فانخدع ابن عوسجة بكلامه، وغرّه تلهّفه المصطنع لرؤية داعية الحسين، فأدخله على مسلم فبايعه، وأخذ المال منه، وجعل يتردّد عليه في كل يوم فكان ـ فيما يقول المؤرّخون أوّل داخل عليه، وآخر خارج عنه، وقد وقف على جميع شؤون الثورة، وعرف أعضاءها، والمتحمّسين لها وما يستجدّ فيها من شؤون، وكان ينقل ذلك حرفياً إلى سيّده ابن مرجانة وبذلك فقد أحاط بجميع مجريات الأحداث، ولم يخف عليه أي شيء منها.

١٣٤

اعتقال هانئ:

وقدم ابن زياد على أخطر عملية كُتب له فيها النجاح لتنفيذ مخططاته، فقد قام باعتقال هانئ بن عروة سيد الكوفة، والزعيم الأوحد لقبائل مذحج التي كانت تشكّل الأكثرية الساحقة من سكّان الكوفة، وقد أشاع بذلك موجة من الخوف والإرهاب عند جميع الكوفيين، كما وجّه ضربة قاسية ومدمّرة للثورة فقد استولى الرعب والفزع على انصار مسلم، ومنوا بهزيمة نفسية ساحقة وعلى أي حال فان هانئ حينما مثل أمام الطاغية استقبله بشراسة وعنف وطلب منه بالفور تسليم ضيفه الكبير مسلم، فأنكر هانئ أن يكون عنده لأنّه أحاط أمره بكثير من السرية والكتمان، فأمر ابن زياد بإحضار الجاسوس معقل، فلما حضر سقط ما في يد هانئ وأطرق برأسه إلى الأرض. ولكن سرعان ما سيطرت شجاعته على الموقف، فانتفض كالأسد ساخراً من ابن زياد ومتمرداً على سلطته، فامتنع كأشدّ ما يكون الامتناع من تسليم ضيفه إليه لأنّه بذلك يسجّل عاراً وخزياً عليه، فثار الطاغية في وجهه، وثم أمر غلامه مهران أن يدنيه منه، فأدناه، فاستعرض وجهه المكرم بالقضيب، وضربه ضرباً عنيفاً حتى كسر أنفه، ونثر لحم خدّيه وجنبيه على لحيته حتى تحطّم القضيب، وسالت الدماء على ثيابه، ثم أمر باعتقاله في أحد بيوت القصر.

انتفاضة مذحج:

ولمّا شاع اعتقال هانئ اندفعت قبائل مذحج نحو قصر الامارة، وقد قاد جموعها الانتهازي القذر عمرو بن الحجاج، وهو من أذناب السلطة

١٣٥

ومن أحقر عملائها، وقد رفع عقيرته ليسمعه ابن زياد قائلاً:

« أنا عمرو بن الحجاج، وهذه فرسان مذحج، ووجوهها لم نخلع طاعة، ولم نفارق جماعة ».

وحفل كلامه بالخنوع والمسالمة للسلطة، وليس فيه أي اندفاع لإنقاذ هانئ، وانّما فيه التأييد والدعم لابن زياد، ولذا لم يكترث به، وأوعز إلى شريح القاضي، وهو من وعاظ السلاطين، ومن دعائم الحكم الأموي فأمره أن يدخل على هانئ، ويخرج لهم، ويخبرهم بأنّه حيّ سالم وانّه يأمرهم بالانصراف إلى منازلهم، ودخل على هانئ فلما بصر به صاح مستجيراً:

« يا للمسلمين أهلكت عشيرتي!! أين أهل الدين، أين أهل المصر، أيخلوني وعدوهم ».

والتفت إلى شريح، وقد سمع أصوات أسرته قائلاً:

« يا شريح انّي لأظنّها أصوات مذحج وشيعتي من المسلمين، انّه إن دخل عليَّ عشرة نفر أنقذوني ».

وخرج شريح الذي باع آخرته وضميره على ابن مرجانة، فقال لمذحج:

« نظرت إلى صاحبكم، انّه حي لم يقتل ».

وبادر ابن الحجاج عميل الأمويين وخادمهم فرفع صوته لتسمعه مذحج قائلاً:

« إذا لم يقتل فالحمد لله ».

وولّت قبائل مذحج منهزمة كأنّما أتيح لها الخلاص من سجن، وقد صحبت معها الخيانة والخزي، ومن المؤكّد أن هزيمة مذحج بهذه السرعة كانت نتيجة اتفاق سرّي بين زعمائها وبين ابن مرجانة للقضاء على هانئ،

١٣٦

ولولا ذلك لهجمت على السجن وأخرجته.

لقد تنكّرت مذحج لزعيمها الكبير الذي كان محسناً عليها فلم تف بحقوقه، وتركته أسيراً بيد الإرهابي ابن مرجانة، وهو يمعن في إذلاله وقهره، في حين أن مذحج كانت لهم السيادة على الكوفة.

ثورة مسلم:

ولما علم مسلم ما جرى على هانئ العضو البارز في الثورة من الاعتداء والاعتقال، بادر إلى اعلان الثورة على ابن زياد، فأوعز إلى أحد قاده جيشه عبد الله بن حازم أن ينادي في أصحابه، وقد ملأ بهم الدور، فاجتمع إليه زهاء أربعة آلاف مقاتل أو أربعون ألفاً، كما في رواية أخرى، وتعالت أصواتهم بشعار المسلمين يوم بدر « يا منصور أمت ».

وقام مسلم بتنظيم جيشه فاسند القيادات العامة إلى من عرفوا بالولاء والإخلاص لأهل البيتعليهم‌السلام ، وزحف بجيشه نحو قصر الإمارة، وكان ابن زياد قد خرج إلى الجامع، وقد ألقى خطاباً على الجماهير تهدّد فيه على كل من يخلع يد الطاعة، ويناهض الدولة، وحينما أنهى خطابه سمع الضجّة وأصوات الثوّار وهتافاتهم بسقوطه فهاله ذلك، وسأل عن السبب فأخبر أن مسلم بن عقيل قد أقبل في جمهور من شيعته لحربه، ففزع الجبان، واختطف الرعب لونه، وأسرع نحو القصر يلهث كالكلب من شدّة الفزع والخوف وضاقت عليه الدنيا إذ لم تكن عنده قوة عسكرية تحميه سوى ثلاثين شرطياً وعشرين رجلاً من أشراف الكوفة الذين عرفوا بالعمالة للأمويين.

وتضاعف جيش مسلم، وقد نشروا الاعلام والسيوف، ودقّت طبول

١٣٧

الحرب، وأيقن الطاغية بالهلاك إذ لم يكن يأوي إلى ركن شديد.

حرب الأعصاب:

وأمعن الطاغية في أقرب الوسائل، وأكثرها ضماناً لإنقاذه فرأى أن لا طريق له سوى حرب الأعصاب، ونشر الدعايات الكاذبة، وكان عالماً بتأثيرها على نفوس الكوفيين، فأوعز إلى عملائه من أشراف الكوفة ووجوهها أن يندسّوا بين صفوف جيش مسلم، فيذيعون الإرهاب، وينشرون الخوف، وانطلق العملاء بين قطعات جيش مسلم، فأخذوا يبثّون الأراجيف والكذب، وتناولت دعاياتهم ما يلي:

أ ـ تهديد أصحاب مسلم بجيوش أهل الشام، وانّها سوف تنكل بهم إن بقوا مصرّين على متابعة مسلم.

ب ـ ان الحكومة سوف تقطع مرتباتهم وتحرمهم من جميع مواردهم الاقتصادية.

ج ـ إن الدولة ستزجّ بهم في مغازي أهل الشام.

د ـ إن الحكومة ستعلن فيهم الأحكام العرفية، وتسوسهم بسياسة زياد بن أبيه التي تحمل اشارات الموت والدمار.

وكانت هذه الاشاعات كالقنابل على رؤوسهم، فقد انهارت أعصابهم واضطربت قلوبهم، وجبنوا كأبشع ما يكون الجبن، وولّوا منهزمين على أعقابهم، وهم يقولون:

« ما لنا والدخول بين السلاطين ».

ولم يمض قليل من الوقت حتى فرّ معظمهم، وبقي ابن عقيل مع جماعة قليلة وقصد بهم نحو الجامع الأعظم ليؤدّي صلاة العشائين، ففرّوا

١٣٨

منهزمين في أثناء الصلاة، فقد قذف في قلوبهم الرعب، وسرت فيهم أوبئة الخوف، وما أنهى ابن عقيل صلاته حتى انهزموا جميعاً ولم يبق معه إنسان يدلّه على الطريق أو يأويه، وقد لبس الكوفيون بذلك ثياب العار والخزي، وأثبتوا أن ولاءهم لأهل البيت: كان عاطفياً، وغير مستقرّ في دخائل قلوبهم، وأعماق نفوسهم وأنّهم لا ذمّة ولا وفاء لهم.

وسار مسلم فخر بني هاشم متلدّداً في أزقّة الكوفة، وشوارعها يلتمس فيها داراً لينفق فيه بقية الليل، فلم يظفر بذلك، فقد خلت المدينة من المارة، كأنّما أعلن فيها منع التجول، فقد أغلق الكوفيون عليهم الأبواب مخافة أن تعرفهم مباحث الأمن، وعيون ابن زياد بأنّهم كانوا مع ابن عقيل فتلقي عليهم القبض، وتعرّضهم للتنكيَل وسوء العذاب.

في ضيافة طوعة:

وبقي ابن عقيل حائراً لا يدري إلى ابن مأواه وملجئه، فقد أحاطت به تيّارات من الهموم، وكاد قلبه أن ينفجر من شدّة الألم العاصف واستبان له انّه ليس في المصر رجل شريف يقوم بضيافته وحمايته، ومضى متلدّداً في أزقّة الكوفة، وانهى به السير إلى سيّدة كريمة، يقال لها طوعة هي سيّدة من في المصر بما تملكه من إنسانية وشرف ونبل، وكانت واقفة على باب دارها تنتظر قدوم ابنها، وهي فزعة عليه، من الأحداث الرهيبة التي مُني بها المصر، ولما رآها مسلم بادر نحوها فسلّم عليها، فردّتعليه‌السلام ، ووقف مسلم، فأسرعت قائلة:

« ما حاجتك؟ ».

« اسقيني ماءاً ».

١٣٩

وبادرت السيدة فجاءته بالماء فشرب منه، ثم جلس فارتابت منه فقالت له:

« ألم تشرب الماء؟.. ».

« بلى ».

« اذهب إلى أهلك ان مجلسك مجلس ريبة ».

وسكت مسلم فأعادت عليه القول، وطلبت منه الانصراف من باب دارها ومسلم ساكت، فذعرت منه، وصاحت به:

« سبحان الله!! إنّي لا أحلّ لك الجلوس على بابي ».

ولمّا حرّمت عليه الجلوس نهض، وقال لها بصوت خافت حزين النبرات:

« ليس لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة، فهل لك إلي أجر ومعروف أن تقومي بضيافتي في هذه الليلة، ولعلّي أكافئك بعد هذا اليوم ».

وشعرت المرأة بأن الرجل غريب، وانّه ذو شأن كبير، ومكانه عظمى، وانّه سيقوم بمكافئتها إن أسدت عليه إحساناً ومعروفاً فبادرته قائلة:

« ما ذاك يا عبد الله؟!! »

فقال لها وعيناه تفيضان دموعاً:

« أنا مسلم بن عقيل كذّبني القوم وغرّوني ».

فذهلت السيّدة، وقالت في دهشة وإكبار:

« انت مسلم بن عقيل؟. ».

« نعم ».

وسمحت السيّدة بخضوع وإكبار لضيفها الكبير بتشريف منزلها وقد

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وهي القطعة من ورق أو جلد ونحو ذلك. والاكتاف : جمع كتف ، وهو عظم عريض يكون على أعلى الظهر. والعسب : جمع عسيب ، وهو جريد النخل العريض.

في أُحد

( 453 ) عن سهل : لمّا كسرت بيضة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رأسه واُدمي وجهه وكسرت رباعيته ، وكان علي يختلف بالماء في المجن ، وكانت فاطمة تغسله ، فلمّا رأت الدم يزيد على الماء كثرة ، عمدت الى حصير فاحرقتها والصقتها على جرحه فرقا الدم(1) .

رقا : اي سكن وانقطع.

جزيرة العرب

( 454 ) عن يعقوب : انّه سأل المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة العرب ، فقال : مكة والمدينة واليمامة واليمن.

قال يعقوب : والعرج أول تهامة(2) .

عدد المسلمين

( 455 ) عن حذيفة : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اكتبوا لي من تلفّظ بالاسلام من الناس » فكتبنا له ألف وخمسمائة رجل ، قلنا أنخاف ونحن ألف وخمسمائة ، فلقد رأيتنا ابتلينا حتى انّ الرجل ليصلّي وحده وهو خائف.

وفي رواية اُخرى : فوجدناهم خمسمائة وقيل ما بين ستمائة الى سبعمائة(3) قيل : انَّ هذا القول ( فقلنا ) عند حفر الخندق ، والمراد بالابتلاء

____________

(1) صحيح البخاري رقم 2747 كتاب الجهاد.

(2) صحيح البخاري ذيل رقم 2888.

(3) صحيح البخاري رقم 2895 كتاب الجهاد.

٢٢١

هو ما اصاب المسلمين بعد رسول الله من الفتن.

تأثير بني اُميّة واهمال ذكر علي

( 456 ) عن ابن عباس : شهدت العيد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكلّهم يصلّون قبل الخطبة(1) .

( 457 ) وعن ابن عمر : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبو بكر وعمر يصلّون العيدين قبل الخطبة(2) .

أقول : وترى ذكر الخليفة الرابع مهملاً لا يذكر في عدّة من المقامات ، وكأنّه لم يكن خليفة ، ثم أن مروان جعل الخطبة قبل الصلاة بدعة ، والبخاري يروى عنه!

نزول عيسىعليه‌السلام

( 458 ) عن أبي هريرة ، عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ويضع الجزية ، ويفيض المال ، حتى لا يقبله أحد »(3) .

ومن الظاهر بقاء الاَحكام ، فوضع الجزية من زيادة أبي هريرة احتمالاً.

فاطمة وميراث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

( 459 ) عن عائشة : انّ فاطمةعليها‌السلام ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقسم لها ميراثها ـ ما ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا أفاء الله عليه ـ فقال أبو بكر : انّ رسول الله قال : « لا نورث ، ما تركنا

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 919 كتاب العيدين.

(2) صحيح البخاري رقم 920.

(3) صحيح البخاري رقم 2344 كتاب المظالم.

٢٢٢

صدقة » فغضب فاطمة بنت رسول الله ، فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيّت ، وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر.

قالت : وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خيبر وفدك وصدقته(1) بالمدينة ، فأبى أبو بكر عليها ذلك ، وقال : لست تاركاً شيئاً كان رسول الله يعمل به إلاّ عملت به ، فانّي أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن ازيغ.

فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر الى علي وعباس(2) .

وأمّا خيبر وفدك فامسكهما عمر وقال : هما صدقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانتا لحقوقه التي تعروه(3) ونوائبه ، وأمرهما الى من ولي الاَمر.

قال : فهما على ذلك الى اليوم(4) .

( 460 ) وعنها : انّ فاطمةعليها‌السلام أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ممّا افاء الله على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ تطلب صدقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر.

فقال أبو بكر : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا نورث ما تركنا فهو صدقة ، انّما يأكل آل محمّد من هذا المال ـ يعني مال الله ـ ليس لهم أن يزيدوا على المأكل » وانّي والله لا اغير شيئاً من صدقات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التي كانت عليها في عهد النبي(5) .

__________________

(1) أي املاكه التي صارت بعده صدقة موقوفة.

(2) قيل : ان دفعها اليهما ليتصرفا وينتفعا بقدر حقّهما كما كان يتصرّف النبي ( ص ) ، ولم يدفع اليهما على وجه التمليك.

(3) اي تنزل به وتنتابه. والنائبة : الحادثة.

(4) صحيح البخاري رقم 2926 كتاب الخمس.

(5) صحيح البخاري رقم 3508 كتاب فضائل الصحابة.

٢٢٣

 ( 461 ) وعنها أيضاً : انّ فاطمةعليها‌السلام والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما ـ ارضه من فدك وسهمه من خيبر ـ فقال أبو بكر : سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « لا نورث ما تركنا صدقة ، انما يأكل آل محمّد في هذا المال »(1) .

( 462 ) وعنها أيضاً : انّ فاطمةعليها‌السلام بنت النبي أرسلت فأبى أبو بكر أن يدفع الى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت ـ أي غضبت ـ فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته ، فلم تكلّمه حتى توفيّت ، وعاشت فاطمة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ستة أشهر(2)

أقول : المقام من المعضلات ، بل من المهلكات عند من يحرّر نفسه من العصبية وتقليد الاباء ، ولا يرجح المشهورات على عقله وضميره ، ويعتقد انّ الحقّ أحقّ أن يتبّع ، ولا يرى وجوب تأويل النصوص ـ بمجرد حسن الظن بالرواة وغفلة المحدّثين ـ على نفسه باهمال دلالة النصوص والرجوع الى معان بعيدة عن سيرة العقلاء كما هي عادة الغلاة المتأوّلين( ومن يضلل الله فلا هادي له ).

أولاً : تدّعي الشيعة الامامية ـ مستندين الى دلائل وشواهد ـ انّ النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله نحل فاطمة فدكاً في حياته واقبضها أيّاها ، فلمّا تولّى ابو بكر الاُمور قبض فدك وطرد عاملها منها ، فادّعت أولاً فاطمة انّ فدك مملوكة لها ، ثم في مقام المحاجة تنزلت وقال : افرض لم يملكني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ايّاها في حياته فهي ميراث ، وفي القرآن آيات تخبر عن انّ الانبياء كغيرهم يورثون. ويزيدون انّ فاطمة ممّن اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وانّها سيدة نساء أهل الجنة ، فلا تدّعي باطلاً وحراماً ، فنفس مطالبتها بفدك

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 3710 كتاب المغازي.

(2) صحيح البخاري رقم 3998 كتاب المغازي.

٢٢٤

تثبت الهبة وبطلان الحديث اثباتاً قاطعاً.

ونحن غير نائبين عن الشيعة في اثبات ادّعائهم ولا هم محتاجون الى دفاعنا ، ولكن لا بد لنا كمسلمين عاقلين راغبين في فهم الحقائق : ان نقول : انّ ورثة النبي هم فاطمة وازواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بزيادة عباس على القول بارث العصبة ، فكيف يمكن ان نقبل انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخبر ورثته بانّه لا يورث ، مع انّ الحكم يختصّ بهم ولا يتعدى غيرهم ، وانما ذكره لفرد اجنبي خارج عن الورثة.

أمّا عدم علم فاطمة بالحديث ، بل انكارها فواضح ، حيث غضبت على أبي بكر فهجرته ، ثم بقيت على هذه الحال ولم تكلمّه حتى ماتت ، فهي تراه ظالماً لها وغاصباً لحقّها ، فتنفّرت منه اشد النفرة بحيث لم تكلّمه حتى آخر لحظة في حياتها ، وربّما قيل أن عدم تكلّمها معه لاَجل اقتناعها بقوله! لكنّه باطل مخالف لصريح الحديث بانّها ( وجدت عليه ).

وأمّا نساؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهنّ أيضاً غير عالمات بالحديث والحكم كما ينقل البخاري :

( 463 ) عن عائشة : انّ أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين توفّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اردن أن يبعثن عثمان الى أبي بكر يسألنه ميراثهن ، فقالت عائشة : أليس قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا نورث ما تركنا صدقة »(1) .

وأمّا العباس ، فيظهر ممّا سبق انّه أيضاً يجهل الحكم المذكور ، وكان مدعياً لميراثه منهصلى‌الله‌عليه‌وآله (2) .

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 6349 كتاب الفرائض.

(2) وأما احتمال انّ ورثة النبي ( ص ) طلبوا الارث مع علمهم بالوقف فهو باطل

٢٢٥

والعمدة ، انّ عليّاً لا يرى الحديث صحيحاً ولا أبا بكر صادقاً في نقله ، وإلاّ لاَقنع فاطمة واصلح بينها وبين أبي بكر ، وما في بعض الروايات من اقرار العباس وعلي بالحديث المذكور في محضر عمر فهو اشبه بالهزل من الجد. وسيأتي ان علياً والعباس ادعيا الميراث من عمر بعد وفاة أبي بكر ، فيظهر من هذه الدعوى انّهما ينكران على أبي بكر حديثه ، ويرى علي زوجته مستحقة للميراث ، وكذا العباس يرى نفسه وارثاً ، فهما ليسا غير عالمين بالحديث فقط ، بل هما عالمان بعدمه ، فانّهما ينكران الحديث ، وان كان راويه مثل أبي بكر ، لكن مع كلّ ذلك يشكل تكذيب أبي بكر في نقل الحديث ، وهذه هي المشكلة العويصة.

وربّما يخطر بالبال أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انّما قال : « لا نورث » في مال خاص وقفه ، فحسبه أبو بكر عاماً في كلّ ما تركه وان لم يوقفه في حياته ، أو ألحقه به اجتهاداً لمصلحة النظام الجديد بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويشهد له انّ أبا هريرة استثنى في حديثه هذا نفقة الزوجات ، إذ لم يؤخذ من أحد الزوجات شيء من بيوتهن بدعوى انه صدقة ، بل كان ازاره وكساؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند عائشة(1) ، وقد مر هذا البحث قبل قريب.

ويمكن أيضاً ان تكون كلمة « ما » الموصولة مع صلتها مفعولة لكلمة « لا نورث » وقرأصلى‌الله‌عليه‌وآله كلمة صدقة بالوقف ، فحسب أبو بكر انّها مرفوعة ، وانّه خبر للموصول وصلته(2) .

__________________

باجماع المسلمين حتى عند الشيعة في حق الازواج ، فانّهم لا يقبلون فسق زوجاته ( ص ) بارتكاب الحرام وينزهوهن من هذا المعصية ، فانكار اصالة العدالة أو تعديل كلّ فرد من الصحابة أمر ونسبة الحرام الى جميع الزوجات أمر آخر ، وبينهما فرق كثير ، فلا تشتبه.

(1) صحيح مسلم 14 : 56.

(2) لا يقال على هذا يعم الحكم جميع المسلمين ، ولا يخصّ النبي ( ص ) وورثته. فانّه

٢٢٦

وأمّا كلمة : فهو « فهو صدقة » في بعض الروايات ، فلم تثبت ، لخلو غالب الروايات عنها.

وأما الجملة الاَخيرة : « انّما يأكل آل محمّد ». فهي إما من كلام عائشة توضيحاً للحديث ، وإما ناظرة الى المال الخاص الذي وقفهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته أي إذا احتاج آل محمّد الى ما وقفه فلا يأكل منه غيرهم ، والله العالم. هذا بالنظر الى رواية البخاري ، واما بالنظر الى رواية مسلم فسيأتي البحث فيها.

ثم انّ ههنا مشكلة اُخرى في وقف خمس خيبر حيث انّ للخمس أهلاً غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف يصحّ وقف ما ليس للواقف ، بل هو مناف لتشريع الخمس. وهذا دليل قوى على اشتباه أبي بكر في فهم حديثه. والواقع انّ أبا بكر لو سلم فدكاً الى سيدة نساء الجنة ولم يغضبها ـ وقد صح عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله من اغضبها اغضبني ـ لكان انفع له وللمجتمع الاسلامي في طول الزمن ، وان كان التسليم نحو تسليم مال موقوف الى ناظره لا الى مالكه ، كما سلّم عمر مال المدينة الى علي والعباس.

تنازع علي والعباس

( 464 ) عن مالك بن اوس ـ في حديث طويل ـ يذكر انّ علياً والعباس دخلا على عمر ، فقال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ـ وهما يختصمان فيما افاء الله على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بني النضير ـ فاقبل عمر على علي والعباس فقال : انشدكما الله أتعلمان انّ رسول الله قد قال ذلك ( أي لا نورث ما تركناه صدقة )؟

__________________

يقال : نعم ، وليس في الحديث ما يظهر اختصاصه به ( ص ) ، ولذ احتاج الخليفة وغيره الى تأويل وزيادة جملة ( يريد به نفسه ) كما يظهر من الروايات.

٢٢٧

قالا : قد قال ذلك.

قال عمر : فانّي احدثكم عن هذا الامر ، انّ الله قد خصّ رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره ثم قرأ :( وما أفاء اللهُ على رسولهِ منهم ـ الى قوله ـقدير ) فكانت هذه خالصة لرسول الله ، والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم ، قد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله ، فعمل رسول للهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك حياته ثم توفّى الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أبو بكر : أنا وليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقبضها أبو بكر ، فعمل فيها بما عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والله يعلم انّه فيها لصادق بار راشد تابع للحق ، ثم توفّى الله أبا بكر ، فكنت أنا وليّ أبي بكر فقبضتها سنتين من امارتي والله يعلم اني فيها لصادق بار راشد تابع للحق ، ثم جئتماني تكلّماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد ، جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك ، وجاءني هذا ـ يريد علياً ـ يريد نصيب امرأته من أبيها(1) فقلت لكما : انّ رسول الله قال : « لا نورث ما تركنا صدقة ».

ولما بدا لي أن ادفعه اليكما قلت : ان شئتما دفعتها اليكما على انّ عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله(2)

أقول : وفي محل آخر من البخاري : فاستبّ علي وعباس(3) . ( أي سب كلّ واحد صاحبه ).

__________________

(1) كلام عمر هذا كالنص في أنّهما طلبا الميراث دون القيام على المال قيام الناظر والمتولّي كما يدعيه بعض البسطاء المتأولين.

(2) صحيح البخاري رقم 2927 كتاب الجهاد.

(3) صحيح البخاري رقم 3809 كتاب المغازي.

٢٢٨

وفيه عن عائشة بعد قصة اخبارها زوجاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحديث لا نورث : فكانت هذه الصدقة بيد علي ، منعها علي عباساً فغلبه عليها ، ثم كانت بيد حسن بن علي ، ثم بيد حسين بن علي ، ثم بيد علي بن حسين ، وحسن بن حسن كلاهما كانا يتداولانها ، ثم بيد زيد بن حسن ، وهي صدقة رسول الله حقاً. انتهى.

وفي كتاب النفقات : وانتما حينئذ ـ واقبل على علي وعباس ـ تزعمان انّ أبا بكر كذا وكذا(1) .

وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة : قال العباس يا أمير المؤمنين : اقض بيني وبين الظالم استبا تزعمان انّ أبا بكر فيها كذا والله يعلم انّه فيها صادق(2) .

أقول : جمع من باحثي الشيعة ينكرون نزاع عباس مع علي ويرونه افتراء عليه ، وليس لديهم دليل قاطع ، وانا اذكر في المقام ثلاثة أُمور :

1 ـ انّ في الحديث تناقضاً حيث يذكر أوّلاً اقرار عباس وعلي بصحة الحديث وانّهما عالمان به ، ثم يذكر في الذيل انّهما كان يطلبان الميراث لا في خلافة أبي بكر ، بل في خلافة عمر ، فلو كانا عالمين بالحديث ومصدّقين به لكانا يطلبان الحرام وهو باطل اجماعاً ، فيعلم انّ ذكر اقرارهما به من زيادة النساخ أو الرواة أو من اجتهاد البخاري.

2 ـ انّ نسبة الاستباب اليهما ينافي عدالتهما الثابتة عند أهل السنة وعصمة علي عند الشيعة ، واننا وان لم نقل بعصمة علي لكننا نعتقد بعدالته وورعه فوق ما نعتقد في حقّ معظم الصحابة أو كلّهم ، وهو مع القرآن

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 5043 كتاب النفقات.

(2) صحيح البخاري رقم 6875 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.

٢٢٩

والقرآن معه ، وهو رأس أحد الثقلين ، وممّن اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

3 ـ انّ شيخنا البخاري يرى جواز التصرّف في الاَحاديث بما يهواه ، واليك شاهداً عليه من صحيح مسلم ، ففي كتاب الجهاد ، فقال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن فقال عمر فقال أبو بكر : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما نورث ما تركنا صدقة » فرأيتماه كاذباً آثماً غداراً خائناً والله يعلم انّه لصادق فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً والله يعلم(1) اني لصادق(2) .

أقول : لم يكن ثمة ابن سبأ حتى يقال انّه أوقع الخلاف بين الصحابة! ولا نحقّر عقلنا وضميرنا وبصرنا لمجرد حسن الظن بالسلف ، فلا نخضع لتأويل المقلدين ، بل نقول : انّ هنا تساباً وتكاذباً بين أبي بكر وعمر وعلي وهم من الخلفاء الراشدين ، وفاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي سيدة نساء أهل الجنة ، والعباس عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يستسقى به عمر ، ولا يمكن الحكم بصحة أقوال الطرفين ، بل الاطراف الثلاثة :

(1) الشيخين وعباس وعلي.

(2) الشيخين وفاطمة.

(3) عباس وعلي.

فلا بد من الحكم بعدم عدالة بعض الاطراف إن صحت هذه

__________________

(1) هذه الالفاظ تدلّ على انّ عليّاً والعباس يكذبان بالحديث المذكور ، وما قيل في تأويلها ضعيف سخيف لا يجوز اضاعة الوقت بنقله ونقده ، فلاحظ شرح النووي على المقام وكذا غيره.

(2) صحيح مسلم 1757 كتاب الجهاد.

٢٣٠