العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام

العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام25%

العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام مؤلف:
الناشر: انتشارات مهديّة
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 230

العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 230 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 104031 / تحميل: 6003
الحجم الحجم الحجم
العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام

العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام

مؤلف:
الناشر: انتشارات مهديّة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

در مدرسه مرحوم ثقة الاسلام عموى والد بزگوارشان وامام جماعت مورد وثوق قاطبهء طبقات اجتماع در مسجد نو بازار آثار زهد وتقوى از سيماى او نمودار كه « سيماهم في وجوههم من اثر السجود » متجاوز از چهل سال پس از فوت پدر در مسجد ايشان در ظهر وشب اقامهء جماعت مى نمود وعدهء كثيرى از مؤمنين حضور به جماعتش را غنيمت مى شمرند ».

مجالس درسه وبعض من استفاد منه :

كان يدرس مختلف العلوم الإسلاميّة من الفقه والاصول والحكمة والكلام والهيئة والرياضي واشتهر بالاخيرين اشتهاراً واسعاً.

كان يلقي دروسه في الرياضي في المسجد الجامع العباس ( مسجد الإمام ) سابقاً. ودروس الهيئة كانت بمسجد « نو بازار » والفقه بمدرسة عمه آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد علي النجفي الشهير بثقة الاسلام.

وقد حضر أبحاثه جمع من الآيات والحجج والأعلام، نذكر بعضهم على ترتيب الحروف من دون ذكر الألقاب مع الاعتذار منهم:

- السيّد أحمد الفقيه الامامي

- الشيخ أحمد المهديان

- الشيخ اسماعيل الغروي

- السيّد محمد باقر الأحمدي

- السيّد محمد تقي الموسوي البيد آبادي، صهره

- السيّد حسن الحسيني

- الشيخ حسن الدياني النجف آبادي

- السيّد حسن الفقيه الامامي

٢١

- الشيخ حسينعلي المنتظري

- الشيخ حيدر علي الجبل عاملي

- الشيخ رحمت الله الفشاركي

- الشيخ محمد رضا مداح الحسيني

- الشيخ عبد الرحيم الفضيلتي

- الشيخ علي أكبر الفقيه

- المرحوم الشيخ محمد علي الاقائي

- الشيخ علي الشمس

- الشيخ قاسم الكاظميني

- السيّد محمد الفقيه الاحمد آبادي

- السيّد محمود الإمام جمعه زاده

- الشيخ مرتضى التمنائي

- الشيخ مرتضى الشفيعي

- الشيخ مرتضى المقتدائي

- الشيخ مظفر الكاظميني

- الشيخ مهدي مجد الاسلام النجفي، نجله

- الشيخ هادي النجفي، حفيده

تأليفاته القيّمة :

له تأليفات قيمة في غاية الحسن والفصاحة كما ينبغي له، ألفها مع عدم تفرغه لهذا الشأن واشتغاله في أكثر الأوقات بالتدريس وتربية الطلاب، وتوليه للشؤون الاجتماعيّة وقضاء حوائج العامّة، وإليك سرد أسمائها:

٢٢

* - إيرادات وانتقادات على دائرة المعارف لفريد وجدي.

* - ترجمة « نقد فلسفة داروين » من العربية إلى الفارسية في مجلدين ضخمين.

* - حاشية الروضات: طبع بعض منها مع حاشية والده على الروضات.

* - حاشية « سمط اللئال في مسئلتى الوضع والاستعمال » طبعت.

* - حاشية « وقاية الأذهان » في علم الأصول: طبعت.

* - دروس في فقه الاماميّة ( كتاب الصلاة وكتاب الصوم ) وهي دروسه التي كان يلقيها على تلامذته في البحث المعروف بالخارج.

* - رسالتان في ترجمة والده ونفسه.

* - رسالة في ترجمة جده العلّامة الحاج الشيخ محمد حسين النجفي الاصفهاني « قده » كتبها بعنوان المقدمة لتفسيره ( طبعت ).

* - صرف أفعال، رسالة ألفها في صغره.

* - الفوائد الرضوية في شرح الفصول الغروية، أو حاشية على فصول عمه العلّامة الشيخ محمد حسين الاصفهاني في علم الأصول.

* - گل گلشن: انتخبها من منظومة ( گلشن راز ) للعارف المشهور الشيخ محمود الشبستري.

* - المختار من القصائد والاشعار، وهي الرسالة الثانية في هذه المجموعة.

* - مسائل العلوم.

* - اليواقيت الحسان في تفسير سورة الرحمن، وهي الرسالة الأولى في هذه المجموعة.

نموذج من نثره :

هذا كتاب إلى نجله العلّامة الشيخ مهدي مجد الاسلام النجفي كتبه بتاريخ

٢٣

٢ / ١١ / ١٣٣٦ ش:

« ولدي العزيز، جعلني الله فداك وزرقك العزة والسعادة في آخرتك ودنياك وجعل من يحسدك وقاك وعمرك الله عمراً طويلا مع الصحة والسلامة وأبقاك. قد وصل كتابك وسررت كثيراً من بلاغة أسلوبه وفصاحة مرقومه، وخصوصاً الأشعار الرنانة التي كتبتم في الصفحة الثانية من كتابكم، ولاسيما أشعار أحمد شوقي وكذا ما ذكرتم في ترجمة الاشعار التي كتبتها إليكم، فقد أحسنتم كل الاحسان وأجدتم كل الاجادة، فلله دركم وعلى الله أجركم.

أمّا ماذكرتم في أوّل الكتاب من أن هذه الأشعار من لامية العرب فغير صحيح لأنها لاميّة العجم التي عارض بها لاميّة العرب. ولاميّة العجم للطغرائي وهو مؤيد الدين حسن بن علي بن محمد الطغرائي الاصفهاني المنشئ الدئلي من ولد أبي أسود الدئلي المقتول في سنة ٥١٥ خمس عشرة وخمسمائة بتهمة فساد العقيدة وقد جاوز ستين سنة في الحرب التي وقعت بين السلطان مسعود السلجوقي والسلطان محمود السلجوقي، فأخذ الطغرائي أسيراً وقتل صبراً وكان وزيراً للسلطان مسعود المذكور، وسمّي بالطغرائي لأنه كان متولياً ديوان الطغراء.

وأمّا ما ذكرتم في وصف لاميّة العرب وان قائلها الشنفري - إلى آخرما ذكرتم - فصحيح جداً وقد أجدتم في بيانها

وأرجو منك أن تبلغ سلامي وتحياتي إلى السيّدين السندين الموسوي(١) والنوربخش(٢) والشيخين الجليلين الحائري(٣) وابن الدين(٤) ».

__________________

١) هو السيّد مجتبى الموسوي صهر المصنف.

٢) هو العلّامة الاستاذ السيّد كمال الدين النور بخش.

٣) هو العلّامة الفيلسوف نجل المحقق الحائري الشيخ مهدي اليزدي.

٤) هو العلّامة الاستاذ الشيخ عبد الحسين ابن الدين.

٢٤

نموذج من شعره :

كان قليل الشعر انشاءاً وكثير الشعر نشاداً بحيث نقل عنه الشيخ محمد علي المعلّم الحبيب آبادي «ره» في كتابه « مكارم الاثار » أبياتاً لجدّه من طريق الأمّ السيّد محمد علي بن السيّد صدر الدين المعروف بآقا مجتهد ( ت ١٢٧٤ ) قال «ره» ما نصّه: « آقاى مجد العلماء (١٣٢٦) اين اشعار را از او نقل مى كرد:

محتسب مستان زمستان جام مى

تازه مستان از زمستان رسته اند

شيخ را از پارسائي چاره نيست

چون در ميخانه بروى بسته اند

باستشارهء مستان گسسته ام تسبيح

كجااست خوشه تاكى كه استخاره كنم(١)

وقال المترجم «ره» في بعض مصنفاته: « أيضا شعر عربى له طاب ثراه ( أي لشيخنا البهائي ):

قد صرفت العمر في قيل وقال

يا نديمى قم فقد ضاق المجال

وقد قلت في هذا المعنى على نهج شعره «ره»:

آنچه ندارد عوضى در جهان

عمر عزيز است غنيمت بدان

وترجم هذا البيت من لامية العجم:

لو كان في شرف المأوى بلوغ منى

لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل

بقوله:

اگر درمكان بود عزَّ وخوشى

هميشه بدى شمس أندر حمل

وترجم إلى الفارسية أيضا هذه الابيات من لامية العجم :

__________________

١) مكارم الاثار ٤ / ١٠٩٦.

٢٥

فان علاني من دوني فلا عجب

لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل

فانما رجل الدنيا وواحدها

من لايعول في الدنيا على رجل

غاض الوفا وفاض الغدر وانفرجت

مسافة الخلف بين القول والعمل

بقوله:

اگر برترى جست پستر زمن

مرا اسوه باشد به شمس وزحل

يگانه رجل در جهان آن كس است

كه تعويل نارد بديگر رجل

همانا وفا رفت وغدر آمده است

مسافت بود بين قول وعمل

راجع كتاب « المختار من القصائد والأشعار » للمترجم له.

إمامته للجماعة :

كان يقيم الجماعة في المسجدين الأعظمين المزدحمين « مسجد نو » في سوق إصبهان و « مسجد الإمام » أكثر من أربعين عاماً.

واقتدى به جماعة كبيرة من مختلف الطبقات من وجوه الفضلاء والمتدينين والوجهاء.

اخلاقه الفاضلة :

كان مؤدَّباً بالاخلاق الإسلاميّة والاداب القرآنيّة متبعاً للتعاليم النبوية متأدباً بالأخلاق المحمدية، كما وصف الله تعالى نبيه الأكرم في كتابه الكريم بقوله

٢٦

عزّ من قائل: «انك لعلى خلق عظيم »(١) وكما قال النبيصلّى الله عليه وآله : « بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ».

وهو من غير ملق ومجاملة اقتدى بالنبي الأكرم والأئمة الهداة المهديين عليهم صلوات رب العالمين، ولذا كان محبوب القلوب ووجيه الملة عند جميع الطبقات من الخواص والعوام.

أولاده :

له اربعة ابناء وخمس بنات:

أمّا أبناؤه فأكبرهم العلّامة آية الله الحاج الشيخ مهدي مجد الاسلام النجفي وهو امام الجماعة في المسجدين المذكورين اللذين أقام الجماعة فيهما والده والمدرس في مختلف العلوم الاسلامية.

وثانيهم: المهندس محمد رضا النجفي.

وثالثهم: المهندس محمد النجفي أدام الله تعالى ايامهم وتوفيقاتهم.

ورابعهم: حسين النجفي، توفى وهو طفل في عام ١٣٣٢ ش.

وفاته ومدفنه :

توفي رحمه الله تعالى في صبيحة يوم الأربعاء عشرين من ذي الحجّة سنة ١٤٠٣ ق المطابق لسادس شهر مهر ١٣٦٢ ش في طهران، ونقل جثمانه الشريف إلى اصبهان فوصل إليها يوم الخميس وغسل في بيته ثم شيع تشييعاً ضخماً إلى مسجد الإمام ومنها إلى مسجد « نو » ( الذي بناه جده الاكبر العلّامة الفقيه الرئيس آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد باقر النجفي الاصفهاني من تلاميذ الشيخ

__________________

١) سورة القلم: ٠٤.

٢٧

الاعظم الأنصاريرحمه الله ) بعد أن تعطلت الأسواق ودفن هناك في إيوان الشمال الشرقي، رحمة الله عليه رحمة واسعة.

ومن طريف البيان، ان سمع منه انه كان يقول: « نعم اليوم يوم الأربعاء » ولعله كان يشير إلى هذا البيت الفارسي:

خرم آن روز كه زين منزل ويران بروم

پى جانان طلبم در پى آنان بروم

تسلية المراجع بوفاته :

لما انتشر نبأ وفاته في البلاد بواسطة الراديو والتلفزيون والجرائد، انهالت برقيات كثيرة إلى نجله من علماء البلاد والمراجع العظام، تعزية بالمصاب الجلل وتسلية له ولسائر الاسرة، وممن أبرق:

١ - آية الله العظمى الإمام الخميني مد ظله العالي

٢ - آية الله العظمى السيّد ابوالقاسم الموسوي الخوئي مد ظله العالي

٣ - آية الله العظمى الحاج الشيخ حسينعلي المنتظري مد ظله العالي

٤ - آية الله العظمى السيّد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني مد ظله العالي

٥ - آية الله العظمى السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي مد ظله العالي

٦ - آية الله العظمى المرحوم السيّد عبد الله الشيرازي طاب ثراه

مراثيه :

رثاه جمع من العلماء والشعراء بما جادته به قريحتهم من المراثي بالعربية والفارسية، وإليك نماذج من تلك المراثي:

٢٨

١ - منهم العلّامة الحجّة الحاج السيّد مجتبى الصادقي أدام الله ايامه بأبيات أرخ فيها سنة الوفاة ايضا:

لهفي لموت البطل العليم

ذي المجد ثم الحسب القديم

أف لدهر يقنطف ثمر الهدى

من دوحة العلم ذي النسب الكريم

فأردت ان اورخ عام وفاته

ليكون تذكرة الاخلاف والحميم

ألحق إلى المجموع سبعاً ثم قل

«نرجو لمجد العلم مثوى في النعيم»

( ١٣٦٢ش )

٢ - ومنهم الأديب الاستاذ علي المظاهري، قال في ابيات بالفارسية:

مجد العلماء ومجد دين رفت

آن عالم عالم يقين رفت

آن مظهر زهد وپارسائى

آن رهبر راه راستين رفت

از مجمع عالمان معلم

از حلقه زاهدان نگين رفت

محراب نشين مسجد نو

بر منبر عرش از زمين رفت

آن دم كه از اين جهان به جنت

آن پاك نهاد پاك بين رفت

تاريخ وفات او رقم شد

«رونق ده علم وحصن دين رفت»

(١٣٦٢ش)

والشطر الاخير الذي نظم فيه التاريخ هو للاستاذ الاديب السيّد قدرت الله الهاتفي وفقه الله تعالى.

٣ - ومنهم الاديب الاستاذ الجمشيدى بقوله بالفارسية:

عالمى چون بگذرد از روزگار

عالمى گريان شود بى اختيار

از وجود عالمان دين بود

نظم اين گردنده گيتى بر قرار

هر كه شد با عالمان دين قرين

شد بدور زندگانى كامكار

٢٩

ملت ايران از اين دانشوران

يافت در دور جهانى اقتدار

رهبران دين ز جانبازى خويش

خوش بر آوردند از دشمن دمار

مجد دين مجد شرف مجد كمال

بود عمرى در ره حق استوار

تا كه از جمع عزيزان شد جدا

قلب أهل دين شد از غم داغدار

گرچه آن بحر كمال ومعرفت

رفته او از عالم ناپايدار

مانده از او شاخه هاى بارور

در جهان علم ودانش يادگار

اين مصيبت را به أهل علم ودين

خاصه بر آن رهبر والا تبار

تسليت گوييم وداريم آرزو

عمرشان باشد به گيتى پايدار

خاندانش را بخواهم تا ابد

در پناه حضرت پروردگار

٤ - ومنهم الشاعر البارع الاستاذ فضل الله اعتمادى ( برنا ):

مجد العلماء كه مجد دين نامش بود

حب حق وحب دين مى جامش بود

آن حبر كه كسب فضل وتدريس علوم

رسم وروش وسيرت مادامش بود

آن عالم عاملى كه روحانيت

سنخيت خاندان واقوامش بود

آن مجتهد مسلمى كاندر فقه

داراى اجازات ز اعظامش بود

هم زاده از كياى دانش بابش

هم وارث رهبران دين مامش بود

هم حب بتول ومرتضى داشت بدل

هم حامى مصطفى واسلامش بود

٣٠

مهر حسن وحسين واولاد حسين

چون جان وروان بجسم واندامش بود

در بندگى خدا لياليش گذشت

تعليم وهدايت كار ايامش بود

در هر عمل خير كه ميكرد قيام

كوشا زدل وجان پى اتمامش بود

نه فكر فريب خلق در سر پرورد

نه ميل به پيرروى اوهامش بود

نه ظلم وستم كسى در اعمالش ديد

نه نقص وخلاف وغش در احكامش بود

هر جا كه شدى ز كثرت حسن سلوك

هر كس پى احترام واكرامش بود

گفت ارجعى دعوت حق را لبيك

چون وقت فرا خواندن واعزامش بود

برنا پى تاريخ وفاتش بنوشت

بيتى كه بشمسى جمع ارقامش بود

(مجد العلماء كه مجد دين نامش بود

حب حق وحب دين مى جامش بود)

( ١٣٦٢ ش )

٣١

مصادرالترجمة :

ترجمته بقلمه - امجدية. الطبعة الثالثة / ١١ - ٣٤.

تاريخ علمى واجتماعى اصفهان در دو قرن اخير (بيان سبل الهداية فى ذكر أعقاب صاحب الهداية) المجلد الثانى والثالث.

دانشمندان وبزرگان اصفهان / ٣٢٩.

گنجينهء دانشمندان ٥ / ٣٨٤ - ٣٨٦.

مكارم الاثار ٤ / ١٠٩٦.

نقباء البشر ٢ / (ع)٥٣.

جريدة (عرفان) شهر فروردين ١٣٢٢ ش.

٣٢

٣٣

اليواقيت الحسان

في تفسير سورة الرحمن

٣٤

٣٥

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله بارىء النسَم وخالق العالم، الذي أوجدنا من كتم العدم، والصّلاة والسّلام على المنقذ الأعظم، والنبى الأفخم، والرسول الأكرم، سيّد ولد آدم، وعلى إله الأئمّة الأطهار، هداة الأمم ومفاتيح الظلم.

وبعد: يقول المفتقر إلى رحمة ربِّ العالمين العبد المسكين مجد الدين ابن العلّامة جامع المعقول والمنقول أبي المجد الشيخ محمد الرضا النجفي طاب الله ثراه وجعل الجنّة مثواه:

سألني بعض الاخوان عن سرّ تكرير الآية الشريفة في سورة الرحمن، فأجبته جواباً كافياً بازاحة ما خلج بباله شافياً - فالتمس مني أن أذكر ذلك في كتاب، وأن أضيف إليه تفسير هذه السورة المباركة في ضمن فصول وأبواب، فنكلت عن ذلك زمانا وأخرت الاقدام على ذلك أوانا، علما مني بأنّا في زمان كثر فيه العناد وظهر فيه الفساد واتخذ أهله اللغو عادة واللهو سعادة والجهل علما والخديعة فخرا، وسكن الأفاضل زوايا الخمول وقربت شمس الهداية على الأفول.

٣٦

لما رأيت الجهل في الناس فاشيا

تجاهلت حتّى ظن أني جاهل

فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص

ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل

ولما طال الحافه في ذلك واصرّ على ذلك أجبته إلى مسئوله في نيل مأموله وسميته ( اليواقيت الحسان في تفسير سورة الرّحمن ).

ونسأل الله الكريم المنّان بحرمة رسوله نبي الرحمة وآله البررة أولياء الرحمن صلوات الله عليهم والرضوان أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم وذخري ليوم الدين، وأن ينفعني به واخواني المؤمنين، إنّه على كل شىء قدير وبالاجابة جدير، عليه توكّلت وإليه أنيب.

وهذا أوان الشروع في المقصود متوكّلا على الله الملك المعبود:

٣٧

مقدمة

( في إعجاز القرآن )

القرآن العظيم والفرقان الكريم امتاز عن سائر معجزات نبينا المنقذ الأعظم صلّى الله عليه وآله - على كثرتها - بأنّه المعجزة الباقية على مر الدهر وصفحات الأيّام، فهو باق في كل زمان ومكان، ولايختص بعصر الرسالة كما لا اختصاص له بقرن دون قرن ومكان دون مكان، ينادي اليوم كما نادى أوّلا في الجوامع والمجامع التى اجتمعت الإنس والجن «على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا »(١) .

وتحدّى المرسل به صلّى الله عليه وآله ودعا فصحاء العرب من مصفى خطبائها وفحوا شعرائها، فقال بتعليم الله تعالى له: «فأتوا بسورة من مثله »(٢) «فأتوا بعشر سور مثله مفتريات »(٣) ، فنكصوا على أعقابهم خائبين وظهر عجزهم للعالمين، واختاروا اللئام على الكلام والقتال على المقال، لعلمهم بأنّه معجز للبشر

__________________

١) سورة الاسراء: ٨٨.

٢) سورة البقرة: ٢٣.

٣) سورة هود: ١٣.

٣٨

ولجأوا إلى الافتراء فقالوا: «ان هذا الا سحر يؤثر »(١) .

القرآن أكبر معجزة باقية إلى الان في جميع الأصقاع والبلدان، معجزة من الوجهة التاريخية، معجزة من جهة الاحتجاج، معجزة من وجهة التشريع العادل ونظام المدنية، معجزة من وجهة الاستقامة والسلامة من الاختلاف والتناقض، معجزة من الوجهة الاخلاقية، معجزة في اخباره عن المغيبات، معجزة من الوجهة العلمية(٢) .

فان الفلكي لما يتلو قوله تعالى «الم نجعل الأرض مهادا »(٣) أو قوله تعالى «وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرمر السحاب »(٤) يتعجب كيف قال القرآن العظيم بتحرك الأرض ودورانها على نفسها منذ أربعة عشر قرنا تقريبا بينما كانت الهيئة البطلميوسية قائلة بسكون الأرض ودوران الأجرام. وكذلك المجسطي المرجع الوحيد والمعوّل عليه في تعليم الهيئة والفلك قبل ذهاب غاليلة وكبرنيك وأضرابهما إلى ذلك الرأي بقرون وأجيال، وقد حبس غاليلة في أروبا لقوله بتحرّك الأرض وحكم البابا بكفره لقوله بذلك وأنّ زعمه ينافي العهدين القديم والجديد.

هذا في أرقى ممالك ذلك العصر، أعني المملكتين الشرقية والغربية ( الفرس والروم )، وأمّا الجزيرة العربية فلم تعرف حتّى هذه الفلسفة ولاعلمت حتّى هذه النظريّة ولاسمعت إسم بطلميوس ولا جالينوس ولا أفلاطون وأرسطاطاليس، ولاعرفت من الظواهر الطبيعية إلّا أنَّ الحرّ في الصيف شديد وفي الشتاء تقل حرارة الهواء، يغزو أهلها بعضهم بعضا ويقتل ويسلب بعضهم بعضا، يوؤدون البنات ويأكلون

__________________

١) سورة المدثر: ٢٤.

٢) راجع لتفصيل البحث إلى مقدمات آلاء الرحمن فى تفسير القرآن.

٣) سورة النبأ: ٦.

٤) سورة النمل: ٨٨.

٣٩

الحيات يقال: إنّه سئل بعضه عن مأكله ومشربه؟ فأجاب بأنّاً نأكل كلّما دبّ ودرج إلّا [ ](١) أوالجبل.

نعم، برع بينهم في العصر الجاهلي شعراء أذكياء، ولكن في الفصاحة الطبيعية والمعاني الساذجة ووصف الغمراء والبيداء ومدح المرأة الحسناء، لا في المعاني الدقيقة والحقائق العلميّة.

أمّا في الدولتين السابقتين الحكمة على المسكونة فقد ظهر فيهم أيضا ما يشين وجه التاريخ من العادات الفاسدة والاراء الكاسدة، ولا نطول الكلام بالتفصيل بل نقنع بالاشارة إليها.

في ذلك الظلام الدامس والوحشية السوداء وتلك الجزيرة البعيدة عن المدنية والبلاد القاحلة، نزل القرآن المبين على قلب سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الطاهرين، ناطقا بالحقائق العلمية وادق الاراء الفلسفية واصح المذاهب النظرية والحق الأبلج من المطالب الدينية، فنهضت تلك الأمّة المغلوبة على أمرها ببركة القرآن [ ](٢) وفتحت الشرق والغرب والشمال والجنوب، ووصلت جنودها واعلامها إلى حدود الصين من جهة والى المحيط [ الأطلسي ] من جهة أخرى، فتحوا البلاد الأندلسية والممالك الساحلية على المحيط الغربى وفتح المسلمون بعد ذلك بلاد روسيا وممالك بلغانيا والقسم الاعظم من أروبا، فصارت تلك الأمّة الوحشية أرقى الأمم وسيد العالم، ونبغ بينهم علماء وفلاسفه أذكياء، واسسوا المجامع العلمية والمعاهد المدرسية ومدنية راقية، وعلى أثره والاقتباس منه ظهر التمدن الحديث على أعلامها، ولكن تلك كانت خالية من هذه الويلات وتلك العيوبات و(٣) .

نعم، ان القرآن أوحي على محمد النبي صلّى الله عليه وآله وكانت معجزته

__________________

١ و ٢ ) كلمات لاتقرأ.

٣ ) خرجنا عما هو المقصود والشىء يذكر. منهرحمه الله .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

أصحابه وهم مجزّرون كالأضاحي في رمضاء كربلاء تصهرهم الشمس، وسمع عويل الأطفال، وهم ينادون العطش العطش، وسمع صراخ عقائل الوحي، وهنّ يندبن قتلاهنّ، ورأى وحدة أخيه سيّد الشهداء، وقد أحاط به أنذال أهل الكوفة يبغون قتله تقرّباً لسيّدهم ابن مرجانة، رأى أبو الفضل كل هذه الشدائد الجسام فلم يجزع وسلّم أمره إلى الله تعالى، مبتغياً الأجر من عنده.

٥ ـ الوفاء:

ومن خصائص أبي الفضلعليه‌السلام الوفاء الذي هو من أنبل الصفات وأميزها، فقد ضرب الرقم القياسي في هذه الصفة الكريمة وبلغ أسمى حدّ لها، وكان من سمات وفائه ما يلي:

أ ـ الوفاء لدينه:

وكان أبو الفضل العباسعليه‌السلام من أوفى الناس لدينه، ومن أشدّهم دفاعاً عنه، فحينما تعرّض الإسلام للخطر الماحق من قبل الطغمة الأموية الذين تنكّروا كأشدّ ما يكون التنكّر للإسلام، وحاربوه في غلس الليل وفي وضح النهار، فانطلق أبو الفضل إلى ساحات الوغى فجاهد في سبيله جهاد المنيبين والمخلصين لترتفع كلمة الله عالية في الأرض، وقد قطعت يداه، وهوى إلى الأرض صريعاً في سبيل مبادئه الدينية.

ب ـ الوفاء لأمّته:

رأى سيّدنا العبّاسعليه‌السلام الأمّة الإسلامية ترزح تحت كابوس مظلم من الذلّ والعبودية قد تحكّمت في مصيرها عصابة مجرمة من الأمويين فنهبت

٦١

ثرواتها، وتلاعبت في مقدراتها، وكان أحد أعمدتهم السياسية يعلن بلا حياء ولا خجل قائلاً: ( إنما السواد بستان قريش ) فأي استهانة بالأمة مثل هذه الاستهانة، ورأى أبو الفضلعليه‌السلام أن من الوفاء لأمّته أن يهبّ لتحريرها وإنقاذها من واقعها المرير، فانبرى مع أخيه أبي الأحرار والكوكبة المشرقة من فتيان أهل البيت:، ومعهم الأحرار الممجدون من أصحابهم، فرفعوا شعار التحرير، وأعلنوا الجهاد المقدّس من أجل إنقاذ المسلمين من الذلّ والعبودية، وإعادة الحياة الحرّة الكريمة لهم، حتى استشهدوا من أجل هذا الهدف السامي النبيل، فأي وفاء للاَمة يضارع مثل هذا الوفاء؟

ج ـ الوفاء لوطنه:

وغمرت الوطن الإسلامي محن شاقّة وعسيرة أيام الحكم الأموي، فقد استقلاله وكرامته، وصار بستاناً للأمويين وسائر القوى الرأسمالية من القرشيين وغيرهم من العملاء، وقد شاع البؤس والحرمان، وذلّ فيه المصلحون والأحرار، ولم يكن فيه أي ظلّ لحرية الفكر والرأي، فهبّ العباس تحت قيادة أخيه سيّد الشهداءعليه‌السلام إلى مقاومة ذلك الحكم الأسود وتحطيم أروقته وعروشه، وقد تمّ ذلك بعد حين بفضل تضحياتهم، فكان حقاً هذا هو الوفاء للوطن الإسلامي.

د ـ الوفاء لأخيه:

ووفى أبو الفضل ما عاهد الله عليه من البيعة لأخيه ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمنافح الأول عن حقوق المظلومين والمضطهدين.

ولم يرَ الناس على امتداد التاريخ وفاءً مثل وفاء أبي الفضل لأخيه الإمام الحسينعليه‌السلام ، ومن المقطوع به أنه ليس في سجلّ الوفاء الانساني

٦٢

أجمل ولا أنظر من ذلك الوفاء الذي أصبح قطباً جاذباً لكل إنسان حرّ شريف.

٦ ـ قوّة الإرادة:

أمّا قوّة الإرادة فانّها من أميز صفات العظماء الخالدين الذين كُتب لهم النجاح في أعمالهم إذ يستحيل أن يحقق من كان خائر الإرادة، وضعيف الهمّة أي هدف اجتماعي، أو يقوم بأي عمل سياسي.

لقد كان أبو الفضلعليه‌السلام من الطراز الأول في قوة بأسه، وصلابة إرادته، فانظمّ إلى معسكر الحق، ولم يهن، ولم ينكل، وبرز على مسرح التأريخ كأعظم قائد فذّ، ولو لم يتّصف بهذه الظاهرة لما كتب له الفخر والخلود على امتداد الأيّام.

٧ ـ الرأفة والرحمة:

وأترعت نفس أبي الفضل بالرأفة والرحمة على المحرومين، والمضطهدين وقد تجلّت هذه الظاهرة بأروع صورها في كربلاء حينما احتلّت جيوش الأمويين حوض الفرات لحرمان أهل البيت من الماء حتى يموتوا أو يستسلموا لهم، ولما رأى العباسعليه‌السلام أطفال أخيه، وسائر الصبية من أبناء اخوته، وقد ذبلت شفاهم، وتغيّرت ألوانهم من شدّة الظمأ ذاب قلبه حناناً وعطفاً عليهم، فاقتحم الفرات، وحمل الماء إليهم، وسقاهم، وفي اليوم العاشر من المحرّم، سمع الأطفال ينادون العطش العطش، فتفتت كبده رحمة ورأفة عليهم، فأخذ القربة، والتحم مع أعداء

٦٣

الله حتى كشفهم عن نهر الفرات، فغرف منه غرفة ليروي ظمأه فأبت رحمته أن يشرب قبل أخيه وأطفاله، فرمى الماء من يده.

فتّشوا في تاريخ الأمم والشعوب فهل تجدون مثل هذه الرأفة والرحمة، التي تحلَّى بها قمر بني هاشم وفخر عدنان.

هذه بعض عناصر أبي الفضل وصفاته، وقد ارتقى بها إلى قمّة المجد التي ارتقى إليها أبوه.

* * *

٦٤

مع الأحداث

٦٥

٦٦

ورافق أبو الفضل العباسعليه‌السلام منذ نعومة أظفاره كثيراً من الأحداث الجسام التي لم تكن ساذجة، ولا سطحية، وانّما كانت عميقة كأشدّ ما يكون العمق، فقد أحدثت اضطراباً شاملاً في الحياة الفكرية والعقائدية بين المسلمين، كما استهدفت بصورة دقيقة إبعاد أهل البيتعليهم‌السلام عن المراكز السياسية في البلاد، واخضاعهم لرغبات السلطة، وما تعمله على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، من أعمال لا تتفق في كثير من بنودها مع التشريع الإسلامي، وقد تجلّى ذلك بوضوح أيّام حكومة عثمان وما سلكته من التصرفات في المجالات الإدارية، فقد عمدت إلى منح مناصب الدولة، وسائر الوظائف العامة إلى بني أميّة وآل معيط، وحرمان بني هاشم، ومن يتّصل بهم من أبناء الصحابة من أي منصب من المناصب العامة، وقد استولى الأمويون على جميع أجهزة الدولة، وراحوا يعملون عامدين أو غير عامدين إلى خلق الأزمات الحادّة بين المسلمين، ومن المقطوع به أنّه لم تكن لأكثرهم أيّة نزعة إسلامية، كما لم تكن لهم أيّة دراية بأحكام القانون الإسلامي، وما تتطلّب إليه الشريعة الإسلامية من إيجاد مجتمع إسلامي متطوّر قائم على المودّة والتعاون وبعيد كلّ البعد عن التأخّر.

لقد أشاعت حكومة عثمان الرأسمالية في البلاد، فقد منحت الأمويين وبعض أبناء القرشيين الامتيازات الخاصة، وفتحت لهم الطريق لكسب

٦٧

الأموال، وتكديسها بغير وجه مشروع، وقد أدّت هذه السياسة الملتوية إلى خلق اضطراب شامل لا في الحياة الاقتصادية فحسب، وانّما في جميع مناحي الحياة، وأشاعت القلق والتذمّر في جميع الأوساط الإسلامية، فاتجهت قطعات من الجيوش المرابطة في العراق ومصر إلى يثرب، وطالبت عثمان بالاستقامة في سياسته، وإبعاد الأمويين عن جهاز الدولة، كما طالبوه بصورة خاصة بإبعاد مستشاره ووزيره مروان بن الحكم الذي كان يعمل بصورة مكشوفة لتأجيج نار الفتنة في البلاد.

ولم يستجب عثمان لمطالب الثوّار، ولم يخضع لرأي الناصحين له، والمشفقين عليه، وظلّ متمسّكاً بأسرته، ومحتضناً لبطانته، تتوافد عليه الأخبار بانحرافهم عن الطريق القويم، واقترافهم لما حرّمه الله، فلم يعن بذلك، وراح يسدّدهم ويلتمس لهم المعاذير، ويتّهم الناصحين بالعداء لأسرته.

وبعدما اختفت جميع الوسائل الهادفة لاستقامة عثمان لم يجد الثوار بُدّاً من قتله، فقَتل شرّ قتلة، ويقول المؤرّخون انّه تولّى قتله خيار أبناء الصحابة كمحمد بن أبي بكر، كما أقرّ قتله كبار الصحابة وعظماؤهم، وفي طليعتهم الصحابي الجليل صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخليله عمّار بن ياسر.

وانتهت بذلك حكومة عثمان وهي من أهمّ الأحداث الجسام التي جرت في عصر أبي الفضلعليه‌السلام وبمرأى ومسمع منه، فقد كان في شرخ الشباب وعنفوانه وقد رأى كيف تذرع الانتهازيّون من الأمويين بمقتل عثمان فطبّلوا له، ورفعوا قميصه الملطّخ بدمائه فجعلوه شعاراً لتمرّدهم على حكم الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ذلك الحكم القائم على الحق والعدل.

إنّ أسوأ ما تركت حكومة عثمان أنّها ألقت الفتنة بين المسلمين،

٦٨

وحصرت الثروة عند الأمويين وآل أبي معيط، وعملائهم من القرشيين الحاقدين على العدل الاجتماعي، وبذلك استطاعوا القيام بعصيان مسلّح ضدّ حكومة الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام التي كانت امتداداً ذاتياً لحكومة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وعلى أيّ حال فلنترك حديث عثمان، ونتوجّه إلى ذكر بقيّة الأحداث التي جرت في عصر أبي الفضلعليه‌السلام .

* * *

٦٩

حكومة الامام

والشيء المؤكّد الذي لا خلاف فيه أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قد انتخب انتخاباً شاملاً من جميع قطعات الشعب، فقد سارعت القوات المسلحة التي أطاحت بحكومته إلى مبايعته كما بايعته الجماهير العامة في مختلف الأقاليم الإسلامية سوى الشام، ونفر قليل في يثرب كان من بينهم سعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن عمر، وبعض الأمويين الذين أيقنوا أن الإمامعليه‌السلام يبسط العدالة الاجتماعية في الأرض، ويحقق المساواة الكاملة بين المسلمين فلا امتياز لأحد على أحد، وبذلك تفوت مصالحهم، فلم يبايعوه، ولم يقف الإمام معهم موقفاً معادياً فلم يوعز إلى السلطات القضائية والتنفيذية باتخاذ الإجراءات الحاسمة ضدّهم، وذلك عملاً بما منحه الإسلام من الحريّات العامة لجميع الناس، سواء كانوا من المؤيّدين للدولة أو من المعارضين لها بشرط أن لا يحدثوا فساداً في الأرض، أو يقوموا بعصيان مسلّح ضدّ الدولة فانّها تكون مضطرّة إلى اتخاذ الاجراءات القانونية ضدّهم.

وعلى أيّ حال فقد بويع الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بيعة عامة عن رضى واختيار من جميع أبناء الشعوب الإسلامية، وأظهروا في بيعته جميع مباهج الفرح والسرور، ولم يظفر بمثل هذه البيعة أحد من الخلفاء الذين سبقوه أو تأخّروا عنه.

وفور تقلّد الإمامعليه‌السلام للخلافة تبنى بصورة إيجابية وشاملة العدل الخالص، والحق المحض، وتنكّر لكل مصلحة شخصية تعود بالنفع عليه

٧٠

أو على ذويه، وقدم مصالح الفقراء والمحرومين على جميع المصالح الأخرى كانت سعادته أن يرى الأوساط الشعبية تنعم بالخير والسعادة، ولا مكان للحاجة والاعواز عندها، ولم يعرف في تاريخ هذا الشرق حاكم مثله في عطفه وحنانه على البؤساء والمحرومين.

ولا بدّ لنا من وقفة قصيرة للحديث عن بعض شؤون الحكم عند الإمامعليه‌السلام فإن ذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسيرة ولده أبي الفضلعليه‌السلام فانّه يكشف عن روعة التربية الكريمة التي تربّى عليها في عهد أبيه رائد العدالة الاجتماعية في الأرض، والتي تركت في نفسه حبّ التضحية والفداء في سبيل الله، كما يكشف عن الأسباب الوثيقة التي دعت القوى الطامعة، والمنحرفة إلى الوقوف في وجه حكومة الإمامعليه‌السلام ، ومناهضتهم لأبنائه من بعده، وفيما يلي ذلك:

منهج حكم الإمام:

أمّا منهج الحكم وفلسفته عند الإمامعليه‌السلام فقد كان مشرقاً وحافلاً بمقومات الارتقاء، والنهوض للشعوب الإسلامية، وفيما أعتقد أنّه لم تعرف الإنسانية في جميع أدوارها نظاماً سياسياً تبنّى العدل الاجتماعي، والعدل الاقتصادي والسياسي مثل ما تبّناه الإمام، وسنّه من المناهج الرائعة في هذه الحقول ونشير إلى بعضها:

١ ـ بسط الحريّات:

وآمن الإمامعليه‌السلام بضرورة منح الحريّات العامة لجميع أبناء الأمّة، وان ذلك من اولوّيات حقوقها، والدولة مسؤولة عن توفيرها لكل فرد من أبناء

٧١

الشعب، وان حرمانهم منها يخلق في نفوسهم العقد النفسية، ويمنع من التقدّم الفكري، والتطوّر الاجتماعي في أبنائها، ويخلد لهم الخنوع والخمول، ويعود عليهم بالاضرار البالغة، أمّا مدى هذه الحرية وسعتها فهي:

أ ـ الحريّة الدينية:

يرى الإمامعليه‌السلام أن الناس أحرار فيما يعتقدون ويذهبون من أفكار دينية، وليس للدولة أن تحول بينهم وبين عقائدهم كما أنّه ليس لها أن تحول بينهم وبين طقوسهم الدينية، وانهم غير ملزمين بمسايرة المسلمين في الأحوال الشخصية، وانّما يتّبعون ما قنن من تشريع عند فقائهم.

ب ـ الحريّة السياسية:

ونعني بها منح الناس الحرية التامة في اعتناق المذاهب السياسية التي تتفق مع رغباتهم وميولهم، وليس للدولة أن تفرض عليهم رأياً سياسياً مخالفاً لما يذهبون إليه، كما أنّه ليس لها أن تفرض عليهم الإقلاع عن آرائهم السياسية الخاصة، وانّما عليها أن تقيم لهم الأدلة والحجج الحاسمة على فساد ذلك المذهب، وعدم صحّته، فان رجعوا إلى الرشاد فذاك، وإلاّ فتتركهم وشأنهم ما لم يحدثوا فساداً في الأرض، أو يخلّوا بالأمن العام، كما اتفق ذلك من الخوارج الذين فقدوا جميع المقوّمات الفكرية، والركائز العلمية، وراحوا يتمادون في جهلهم وغيّهم ويعرضون الناس للقتل والإرهاب، فاضطرّ الإمامعليه‌السلام إلى مقاومتهم بعد أن أعذر فيهم.

ومن الجدير بالذكر أن مما يتفرّع على الحرية السياسية حريّة النقد لرئيس الدولة وجميع أعضائها، فالناس أحرار فيما يتولّون، وينقدون، وقد كان الخوراج يقطعون على الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام خطابه، ويخدشون

٧٢

عواطفه بنقدهم الذي لم يكن واقعياً، وانّما كان مبنيّاً على الجهل والمغالطة، فلم يتّخذ الإمام أي إجراء ضدّهم، ولم يسقهم إلى المحاكم والقضاء لينالوا جزاءهم، وبذلك فقد عهد الإمام إلى نشر الوعي العام، وبناء الشخصية المزدهرة للإنسان المسلم.

هذه بعض صور الحرية التي طبّقت أيام حكم الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وهي تمثّل مدى أصالة منهجه السياسي الذي يساير التطور والابداع.

٢ ـ نشر الوعي الديني:

واهتم الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بصورة إيجابية بنشر الوعي الديني، وإشاعة المثل الإسلامية بين المسلمين، باعتبارها الركيزة الأولى لإصلاح المجتمع وتهذيبه.

انّ من أُولى معطيات الوعي الديني اقصاء الجريمة، ونفي الشذوذ والانحراف عن المجتمع، وإذا لم يتلوّث بذلك، فقد بلغ غاية الازدهار والتقدّم.

ومن المقطوع به انّا لم نجد أحداً من خلفاء المسلمين وملوكهم قد عني بالتربية الدينية كما عُني الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقد حفل نهج البلاغة بالكثير من خطبه التي تهزّ أعماق النفوس، وتدفعها إلى سلوك المناهج الخيّرة، واعتناق الفضائل، وابعادها عن اقتراف الجرائم، وقد أثمرت خطبه في إيجاد طبقة من خيار المسلمين وصلحائهم، قاوموا الانهيار الأخلاقي، وناهضوا التفسخ والتحلل الذي شاع أيام حكم الأمويين، وكان من بين هؤلاء رشيد الهجري وميثم التمّار وعمرو بن الحمق الخزاعي، وغيرهم من بناة الفكر الإسلامي.

٧٣

٣ ـ نشر الوعي السياسي:

أمّا نشر الوعي السياسي في أوساط المجتمع الإسلامي فهو من أهمّ الأهداف السياسية التي تبنّاها الإمامعليه‌السلام في أيّام حكومته.

ونعني بالوعي السياسي هو تغدية المجتمع وإفهامه بجميع الطرق والوسائل بالمسؤولية أمام الله تعالى، على مراقبة الأوضاع العامة في الدولة وغيرها من سائر الشؤون الاجتماعية للمسلمين حتى لا يقع أيّ تمزّق في صفوفهم، أو ايّ تأخّر أو ضعف في حياتهم الفردية والاجتماعية، وقد ألزم الإسلام بذلك، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كلّكم راع، وكلّكم مسؤول عن رعيّته » ألقى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المسؤولية على جميع المسلمين في رعاية شؤونهم، والعمل على حفظ مصالحهم، ودرأ الفساد عنهم.

ومن بين الاَحاديث المهمّة الداعية إلى مقاومة أئمّة الظلم والجور هذا الحديث النبوي الذي ألقاه أبو الأحرار على جلاوزة ابن مرجانة وعبيدة قال: « أيّها الناس: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر ما عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله »(١) .

وكان هذا الحديث الشريف من المحفّزات لسيّد الشهداءعليه‌السلام على إعلان الجهاد المقدّس ضدّ الحكم الأموي الجائر الذي استحلّ ما حرّم الله، ونكث عهده، وخالف سنّة رسوله، وعمل في عباد الله بالإثم والعدوان.

__________________

(١) حياة الامام الحسين ٣: ٨٠.

٧٤

انّ الوعي السياسي الذي أشاعه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بين المسلمين أيّام حكمه قد خلق شعوراً ثورياً ضد الظالمين والمستبدّين، فقد انبرى المجاهدون الأبطال ممن غذّاهم الإمام بهذه الروح إلى مقارعة الطغاة، وكان على رأسهم أبو الأحرار سيّد الشهداء واخوه البطل الفذّ أبو الفضل العباسعليه‌السلام ، والكوكبة المشرقة من شباب أهل البيتعليهم‌السلام وأصحابهم المجاهدين، فقد هبّوا جميعاً في وجه الطاغية يزيد لتحرير المسلمين من الذلّ والعبوديّة وإعادة الحياة الحرّة الكريمة بين المسلمين وقد سبق هؤلاء العظماء المصلح الكبير حجر بن عديّ الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي ورُشيد الهجري، وميثم التمّار وغيرهم من أعلام الحرية ودعاة الإصلاح الاجتماعي، فقد ثاروا بوجه الطاغية معاوية بن أبي سفيان ممثّل القوى الجاهلية، ورأس العناصر المعادية للإسلام، وعلى أي حال فقد غرس الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام روح الثورة على الظلم والطغيان في نفوس المسلمين، وأهاب بهم أن لا يقارّوا على كظّة ظالم أو سغب مظلوم.

٤ ـ إلغاء المحسوبيات:

وكان مما عني به الإمامعليه‌السلام في أيّام حكومته إلغاء المحسوبيات إلغاءً مطلقاً، فالقريب والبعيد عنده سواء، فليس للقريب امتياز خاص، وانّما شأنه شأن غيره في جميع الحقوق والواجبات كما ساوى بصورة موضوعية بين العرب والموالي مما جعل الموالي يدينون له بالولاء، ويؤمنون بإمامته.

لقد ألغى الإمام جميع صنوف المحسوبيات، وصور العنصريات، وساوى بين المسلمين على اختلاف قومياتهم مساواة عادلة لم يعهد لها نظير في تاريخ الأمم والشعوب، فقد حملت مساواته روح الإسلام

٧٥

وجوهره وحقيقته النازلة من ربّ العالمين، فهي التي تجمع ولا تفرّق ولا تجعل في صفوف المسلمين أي ثغرة يسلك فيها أعداء الإسلام لتشتيت شملهم، وتصديع وحدتهم.

٥ ـ القضاء على الفقر:

أمّا فلسفة الإمامعليه‌السلام في الحكم فتبتني على محاربة الفقر ولزوم اقصاء شبحه البغيض عن الناس لأنّه كارثة مدمّرة للمواهب والأخلاق، ولا يمكّن الأمّة أن تحقّق أي هدف من أهدافها الثقافية والصحيّة وهي فقيرة بائسة، إن الفقير يقف سدّاً حائلاً بين الأمّة وبين ما تصبو إليه من التطوّر والتقدّم والرخاء بين أبنائها ومن الجدير بالذكر أن من بين المخططات التي تزيل شبح الفقر وتوجب نشر الرخاء بين الناس، والتي عني بها الإسلام بصورة موضوعية وهي:

أ ـ توفير المسكن.

ب ـ إقامة الضمان الاجتماعي.

ج ـ توفير العمل.

د ـ القضاء على الاستغلال.

ه‍ ـ سدّ أبواب المرابين.

و ـ القضاء على الاحتكار.

هذه بعض الوسائل التي عني بها الإسلام في اقتصاده، وقد تبنّاها الإمام في أيّام حكومته، وقد ناهضتها القوى الرأسمالية القرشية ودفعت بجميع إمكانياتها للإجهاز على حكم الإمام، الذي قضى على مصالحهم الضيّقة، وبهذا نطوي الحديث عن منهج الإمام وفلسفته في الحكم.

٧٦

القوى المعارضة للإمام:

ولا بدّ لنا من وقفة قصيرة للتعرّف على القوى المعارضة لحكومة الإمام، التي لم تكن لها أيّة أهداف نبيلة، وانّما كانت تبغي الاستيلاء على الحكم للظفر بخيرات البلاد، والتحكّم في رقاب المسلمين بغير حقّ، وفيما يلي ذلك.

السيّدة عائشة:

وانطوت نفس السيّدة عائشة ـ مع الأسف ـ على بغض عارم وكراهية شديدة للإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولعلّ السبب في ذلك ـ فيما نحسب ـ يعود إلى ميل زوجها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وإلى بضعته وحبيبته سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وإلى سبطيه وريحانتيه سيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسينعليهما‌السلام واشادته دوماً بفضلهم، وسموّ منزلتهم عند الله، وفرض مودّتهم على عموم المسلمين، كما أعلن الذكر الحكيم ذلك، قال تعالى:( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) وفي نفس الوقت كانت عائشة تعامل معاملة عادية، وفي كثير من الأحيان كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يشير إلى أفعالها، فقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله لنسائه: أيّتكنّ تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من ها هنا يتولّد الشرّ وأشار إلى بيتها، وغير ذلك مما أثار عواطفها.

وثمّة سبب في كراهية عائشة للإمام وهو موقفه الصارم الذي وقفه تجاه بيعة أبيها أبي بكر، ومقاطعته لانتخابه، وشجبه لبيعته وبعد سقوط حكومة عثمان كانت تروم إرجاع الخلافة إلى قبيلتها تيم لتكون سياسة الدولة بجميع أجهزتها خاضعة لرغباتها وميولها، وهي على يقين أن

٧٧

الخلافة إذا رجعت للإمامعليه‌السلام فإنّها سوف تعامل كغيرها من أبناء الشعوب الإسلامية، ولا تحظى بأيّة ميّزة، فان جميع الشؤون السياسية والاقتصادية عند الإمامعليه‌السلام لا بدّ أن تسير على وفق الكتاب والسنّة، ولا مجال عنده للأهواء والعواطف، وكانت عائشة تعرف ذلك جيّداً، ولذا أعلنت العصيان والتمرّد على حكومته، وقد انضمّ إليها كل من الزبير وطلحة والامويين وذوي الاطماع والمنحرفين عن الحق من القبائل القرشية الذين ناهضوا الدعوة الإسلامية من حين بزوغ نورها.

وعلى أيّ حال فقد كانت عائشة من أوثق الأسباب في الإطاحة بحكومة عثمان، وقد أفتت بوجوب قتله، ولما أيقنت بهلاكه خرجت إلى مكّة، وهي تتطلع إلى الأخبار، فلما وافاها النبأ بقتله أعلنت فرحتها الكبرى، ولكنها لمّا فوجئت بالبيعة للإمامعليه‌السلام انقلب وضعها رأساً على عقب، وراحت تقول بحرارة:

«قتل عثمان مظلوماً والله لأطلبنّ بدمه .. ».

وأخذت تندب عثمان رياءً لا حقيقة، وقد رفعت قميصه الملطّخ بدمه، وجعلته شعاراً لتمرّدها على السلطة الشرعية التي أعلنت حقوق الإنسان، وتبنّت مصالح المحرومين والمضطهدين والتي كانت أمتداداً لحكومة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وعقدت عائشة في مكّة الندوات مع أعضاء حزبها البارزين كطلحة والزبير، وسائر الامويين، وأخذت تتداول معهم الآراء أي بلد يغزونه ليشكّلوا فيه حكومة لهم، ويتّخذوا منه قاعدة لانطلاقهم في محاربة الإمام، والإجهاز على حكومته، وبعد التأمّل والنظر الدقيق في أحوال المناطق الإسلامية أجمع رأيهم على احتلال البصرة لأن لهم بها شيعة وأنصاراً،

٧٨

وأعلنوا بعد ذلك العصيان المسلّح، وزحفوا نحو البصرة، وقد التحق بهم بهائم البشر، وحثالات الشعوب من الذين ليس لهم فكر ولا وعي، وساروا لا يلوون على شيء حتى انتهوا إلى البصرة، وبعد مقاومة عنيفة بينهم وبين الحكومة المركزية فيها استطاعوا احتلالها، وألقوا القبض على حاكمها سهل بن حنيف وجيء به مخفوراً إلى عائشة فأمرت بنتف لحيته، فنتفتها جلاوزتها وعاد ابن حنيف بعد لحيته العريضة شاباً أمرد.

ولما وافت الأنباء الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام بتمرّد عائشة، واحتلالها لمدينة البصرة، سارع بجيوشه للقضاء على هذا الجيب المتمرّد، خوفاً من أن تسري نار الفتنة إلى بقيّة الأمصار الإسلامية، وقد ضمّ جيشه القوى الواعية في الإسلام أمثال الصحابي العظيم عمّار بن ياسر، ومالك الأشتر، وحجر بن عدي، وابن التيهان وغيرهم ممن ساهموا في بناء الإسلام، وإقامة ركائزه في الأرض.

وسرت جيوش الإمام حتى انتهت إلى البصرة فوجدوها محتلّة بجنود مكثفة، وهم يعلنون الطاعة والولاء لأمّهم عائشة، فأرسل الإمام رسله إلى أعضاء القيادة العسكرية في جيش عائشة كطلحة والزبير، فعرضوا عليهم السلم والدخول في مفاوضات بينهم وبين الامام حقناً لدماء المسلمين، فأبوا، وأصرّوا على التمرّد والعصيان مطالبين ـ بوقاحة ـ بدم عثمان، وهم الذين أطاحوا بحكومته، وأجهزوا عليه.

ولما نفدت جميع الوسائل التي اتخذها الإمامعليه‌السلام للسلم اضطّر إلى إعلان الحرب عليهم، وجرت بين الفريقين معركة رهيبة سقط فيها أكثر من عشرة آلاف مقاتل، وأخيراً نصر الله الإمام على أعدائه، فقد قُتل طلحة والزبير، وملئت ساحة المعركة بجثث قتلاهم، وقذف الله الرعب في قلوب

٧٩

الأحياء منهم فولّوا منهزمين قابعين بالذلّ والعار.

واستولى جيش الإمام على عائشة القائدة العامة للمتمرّدين، وحملت بحفاوة إلى بعض بيوت البصرة، ولم يتّخذ الإمام معها الإجراءات الصارمة، وعاملها معاملة المحسن الكريم، وسارع الإمام فسرّحها تسريحاً جميلاً إلى يثرب، لتقرّ في بيتها الذي أمرها الله ورسوله أن تسكن فيه، ولا تتدخّل بمثل هذه الأمور التي ليست مسؤولة عنها.

وانتهت هذه الفتنة التي أسماها المؤرّخون ( بحرب الجمل ) وقد أشاعت في ربوع المسلمين الثكل والحزن والحداد، ومزّقت صفوفهم، وألقتهم في شرّ عظيم ومن المؤكّد أن دوافع هذه الحرب لم تكن سليمة، ولم تكن حجّة عائشة وحزبها منطقية، وانّما كانت من أجل المطامع، والكراهية الشديدة لحكم الإمام الذي فقدوا في ظلاله جميع الامتيازات الخاصة، وعاملهم الإمام كما يعامل سائر المسلمين.

لقد شاهد أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام هذه الحرب الدامية، ووقف على أهدافها الرامية للقضاء على حكم أبيه رائد العدالة الاجتماعية في الأرض، وقد استبان له أحقاد القبائل القرشية له واستبان له أن الدين لم ينفذ إلى أعماق قلوبهم، وانّما كانوا يلوكونه بألسنتهم حفظاً لدمائهم ومصالحهم.

معاوية وبنو أميّة:

وفي طليعة القوى المعارضة لحكومة الإمام والمعادية له، معاوية بن أبي سفيان، وبنوا أميّة، فقد نزع الله الإيمان من قلوبهم، وأركسهم في الفتنة ركساً، فكانوا من ألدّ أعداء الإمام، كما كانوا من قبل من أعداءً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهم الذين ناهضوا دعوته، وكفروا برسالته، وكادوا له في غلس الليل، وفي وضح النهار، حتى أعزّه الله وأذلّهم، ونصره وقهرهم، وقد

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230