تنزيه الانبياء

تنزيه الانبياء20%

تنزيه الانبياء مؤلف:
تصنيف: النبوة
الصفحات: 189

تنزيه الانبياء
  • البداية
  • السابق
  • 189 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46780 / تحميل: 5457
الحجم الحجم الحجم
تنزيه الانبياء

تنزيه الانبياء

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وقد تقدم نص هذه اللعنة النبوية في رواية تحف العقول من مصادرنا، وقد نصت مصادر السنيين على أنها صدرت من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع.

- ففي سنن ابن ماجة: 2 / 905

عن عمرو بن خارجة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم وهو على راحلته، وإن راحلته لتقصع بجرتها، وإن لغامها ليسيل بين كتفي، قال ومن ادعى الى غير أبيه، أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ. أو قال: عدلٌ ولا صرفٌ.

- وفي سنن الترمذي: 3 / 293

عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع ومن ادعى الى غير أبيه، أو انتمى الى غير مواليه، فعليه لعنة الله التابعة الى يوم القيامة.

- وفي مسند أحمد: 4 / 239

عن عمرو بن خارجة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمنى على راحلته، وإني لتحت جران ناقته، وهي تقصع بجرتها، ولعابها يسيل بين كتفي، فقال: ألا ومن ادعى الى غير مواليه رغبةً عنهم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ورواه أحمد: 4 / 187 بلفظ: ألا ومن ادعى الى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً أو عدلاً ولا صرفاً. انتهى. ورواه بعدة روايات في نفس الصفحة والتي قبلها، وفي ص 238 و 186، ورواه الدارمي في سننه: 2 / 244 و 344، ومجمع الزوائد: 5 / 14، عن أبي مسعود، ورواه البخاري في صحيحه: 2 / 221، و: 4 / 67

ولعلك تسأل: ما علاقة هذه اللعنة المشددة المذكورة في خطب حجة الوداع وغيرها بوصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأهل بيته؟! فهي تنصب على الذي ينكر نسبه من أبيه وينسب نفسه الى شخص آخر، وعلى العبد الذي ينكر مالكه ويدعي أنه عبد

١٢١

لشخص آخر، أو ينكر ولاءه وسيده الذي أعتقه، ويدعي أن ولاءه لشخص آخر!

فهذا هو معنى ( من ادعى لغير أبيه أو تولى غير مواليه )!

والجواب: أن مقصود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأبوة في هذه الأحاديث الشريفة: أبوته هو المعنوية للأمة، وبالولاء: ولايته وولاية أهل بيته عليها، وليس مراده الأبوة النسبية وولاء المالك لعبده!

والدليل على ذلك: لو أن ولداً هرب من أبيه، وسجل نفسه باسم والدٍ آخر، ثم تاب من فعلته وصحح هويته، واستغفر الله تعالى فإن الفقهاء جميعاً يفتون بأن توبته تقبل!

ولو أن عبداً مملوكاً هرب من سيده ولجأ الى شخص، وادعى أنه سيده، وبعد مدة رجع الى سيده واستغفر الله تعالى فإن الفقهاء يفتون بأن توبته تقبل.

بينما الشخص الملعون في كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصبوبٌ عليه الغضب الالهي الى الأبد! ( فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ). والصرف هو التوبة، والعدل الفدية، وقد فسرتهما الأحاديث الشريفة بذلك.

فهذه العقوبة الإلهية المذكورة في خطب حجة الوداع، إنما تصح لحالات الخيانة العظمى، مثل الإرتداد وشبهه، ولا يعقل أن تكون لولدٍ جاهلٍ يدعو نفسه لغير أبيه، أو لعبدٍ مملوكٍ أو مظلومٍ يدعو نفسه لغير سيده!

ويؤيد ذلك أن بعض رواياتها صرحت بكفر من يفعل ذلك، وخروجه من الإسلام! كما في سنن البيهقي: 8 / 26، ومجمع الزوائد: 1 / 97، وكنز العمال: 5 / 872. وفي كنز العمال: 10 / 324 ( من تولى غير مواليه فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. أحمد عن جابر ).

- وفي / 326 ( من تولى غير مواليه فليتبوأ بيتاً في النار. ابن جرير عن عائشة )

- وفي / 327 ( من تولى غير مواليه فقد كفر. ابن جرير عن أنس ).

- وفي: 16 / 255 ( ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله على رسوله. ش )

١٢٢

ولا نحتاج الى تتبع هذه الأحاديث في مصادرها وأسانيدها، لأنها مؤيداتٌ لحكم العقل القطعي بأن مقصوده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يمكن أن يكون الأب النسبي، ومالك العبد.

ويؤيد ذلك أيضاً: أن بعض رواياته كالتي مرت آنفاً وغيرها من روايات أحمد، ليس فيها ذكر للولد والوالد، بل اقتصرت على ذكر العبد الذي هو أقل جرماً من الولد ومع ذلك زادت العقوبة واللعنة عليه، ولم تخففها!

ويؤيد ذلك أيضاً: أن هذه اللعنة وردت في بعض روايات الخطب الشريفة، بعد ذكر ما ميز به الله تعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام من مالية خاصة هي الخمس، وحرم عليهم الصدقات والزكوات!

- ففي مسند أحمد: 4 / 186

خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته فقال: ألا إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي، وأخذ وبرةً من كاهل ناقته، فقال: ولا ما يساوي هذه، أو ما يزن هذه. لعن الله من ادعى الى غير أبيه، أو تولى غير مواليه. انتهى.

ورواه في كنز العمال: 5 / 293، وفي كنز العمال: 10 / 235 ( ومن تولى غير مواليه، فليتبوأ بيتاً في النار. ابن عساكر عن عائشة ) انتهى.

أما في مصادر أهل البيت عليهم‌السلام فالحديث ثابتٌ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطب حجة الوداع في المناسك وهو أيضاً جزءٌ من حديث الغدير ..

- ففي بحار الأنوار: 37 / 123

عن أمالي المفيد، عن علي بن أحمد القلانسي، عن عبد الله بن محمد، عن عبد الرحمان بن صالح، عن موسى بن عمران، عن أبي إسحاق السبيعي، عن زيد بن أرقم قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم يقول: إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي، لعن الله من ادعى الى غير أبيه، لعن من تولى الى غير مواليه، الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر، وليس لوارث وصية.

١٢٣

ألا وقد سمعتم مني، ورأيتموني ألا من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.

ألا وإني فرطكم على الحوض ومكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة، فلا تسودوا وجهي.

ألا لأستنقذن رجالاً من النار، وليستنقذن من يدي أقوامٌ.

إن الله مولاي، وأنا مولى كل مؤمن ومؤمنة.

ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه. انتهى.

وروى نحوه في / 186، عن بشارة الإسلام.

- وقال ابن البطريق الشيعي في كتابه العمدة / 344

وأما الأخبار التي تكررت من الصحاح من قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لعن الله من انتمى الى غير أبيه، أو توالى غير مواليه، فهي من أدل على الحث على اتباع أمير المؤمنين عليه‌السلام والأمر بولائه دون غيره، يريد بقوله: من تولى غير مواليه يعني نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلياً عليه‌السلام بعده، بدليل ما تقدم من الصحاح من غير طريق، في فصل مفرد مستوفى، وهو قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم قال مؤكداً لذلك: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.

فمن كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مولاه فعلي مولاه، ومن كان مؤمناً فعلي مولاه أيضاً، بدليل ما تقدم من قول عمر بن الخطاب لعلي لما قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال له عمر: بخٍ بخٍ لك يا علي، أصبحت مولى كل مؤمن و مؤمنة. وفي رواية: مولاي ومولى كل مؤمنة ومؤمن.

وهذه منزلة لم تكن إلا لله سبحانه وتعالى، ثم جعلها الله لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعلي عليه‌السلام بدليل قوله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون ...

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من انتمى الى غير أبيه فالمراد به: من انتمى الى غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام في الولاء، مأخوذٌ من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : أنا وأنت أبوا هذه الأمة، فعلى عاق والديه لعنة الله. انتهى.

١٢٤

كما ورد في مصادر الفريقين أن هذا الحديث جزءٌ مما كان مكتوباً في صحيفة صغيرة معلقة في ذؤابة سيف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي ورَّثه لعلي عليه‌السلام فقد رواه البخاري في صحيحه: 4 / 67، ومسلم: 4 / 115، و 216، بعدة روايات، والترمذي: 3 / 297 .. ورواه غيرهم أيضاً، وأكثروا من روايته، لأن الراوي ادعى فيه على لسان علي عليه‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يورث أهل بيته شيئاً من العلم، إلا القرآن وتلك الصحيفة المعلقة في ذؤابة السيف!!

وقد وجدنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطلق هذه اللعنة في مناسبة رابعة، عندما كثر طلقاء قريش في المدينة، وتصاعد عملهم مع المنافقين ضد أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا: ( إنما مثل محمد في بني هاشم كمثل نخلة نبتت في كبا، أي مزبلة ) فبلغ ذلك النبي فغضب، وأمر علياً أن يصعد المنبر ويجيبهم!!

- فقد روى في بحار الأنوار: 38 / 204

عن أمالي المفيد، عن محمد بن عمر الجعابي، عن ابن عقدة، عن موسى بن يوسف القطان، عن محمد بن سليمان المقري، عن عبد الصمد بن علي النوفلي، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الأصبغ بن نباتة قال:

لما ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، غدونا نفر من أصحابنا أنا والحارث وسويد بن غفلة، وجماعة معنا، فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن علي فقال: يقول لكم أميرالمؤمنين: انصرفوا الى منازلكم، فانصرف القوم غيري فاشتد البكاء من منزله فبكيت، وخرج الحسن وقال: ألم أقل لكم: انصرفوا؟ فقلت: لا والله ياابن رسول الله لا تتابعني نفسي ولا تحملني رجلي أنصرف حتى أرى أمير المؤمنين عليه‌السلام .

قال: فبكيت، ودخل فلم يلبث أن خرج فقال لي: أدخل، فدخلت على أميرالمؤمنين عليه‌السلام فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء، قد نزف واصفر وجهه، ما أدري وجهه أصفر أو العمامة؟ فأكببت عليه فقبلته وبكيت.

١٢٥

فقال لي: لا تبك يا أصبغ، فإنها والله الجنة.

فقلت له: جعلت فداك إني أعلم والله أنك تصير الى الجنة، وإنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين. جعلت فداك حدثني بحديث سمعته من رسول الله، فإني أراك لا أسمع منك حديثاً بعد يومي هذا أبداً، قال:

نعم يا أصبغ: دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فقال لي: يا علي انطلق حتى تأتي مسجدي، ثم تصعد منبري، ثم تدعو الناس إليك، فتحمد الله تعالى وتثني عليه وتصلي عليَّ صلاةً كثيرة، ثم تقول:

أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم، وهو يقول لكم: إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى الى غير أبيه أو ادعى الى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره.

فأتيت مسجده وصعدت منبره، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي فحمدت الله وأثنيت عليه، وصليت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاةً كثيرةً، ثم قلت:

أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم، وهو يقول لكم: ألا إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي، على من انتمى الى غير أبيه، أو ادعى الى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره.

قال: فلم يتكلم أحدٌ من القوم إلا عمر بن الخطاب، فإنه قال: قد أبلغت يا أبا الحسن، ولكنك جئت بكلامٍ غير مفسر، فقلت: أُبْلِغُ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فرجعت الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته الخبر، فقال: إرجع الى مسجدي حتى تصعد منبري، فاحمد الله وأثن عليه وصل علي، ثم قل:

أيها الناس، ما كنا لنجيئكم بشيء إلا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإني أنا أبوكم ألا وإني أنا مولاكم، ألا وإني أنا أجيركم. انتهى.

وقد وجدنا لهذا الحديث مناسبة خامسة أيضاً، فقد روى فرات بن ابراهيم الكوفي في تفسيره / 392 قال: حدثنا عبد السلام بن مالك قال: حدثنا محمد بن موسى بن

١٢٦

أحمد قال: حدثنا محمد بن الحارث الهاشمي قال: حدثنا الحكم بن سنان الباهلي، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لفاطمة بنت الحسين: أخبريني جعلت فداك بحديث أحدث، واحتج به على الناس.

قالت: نعم، أخبرني أبي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان نازلاً بالمدينة، وأن من أتاه من المهاجرين عرضوا أن يفرضوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فريضة يستعين بها على من أتاه، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا: قد رأينا ما ينوبك من النوائب، وإنا أتيناك لتفرض فريضة تستعين بها على من أتاك.

قال: فأطرق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طويلاً ثم رفع رأسه فقال: إني لم أؤمر أن آخذ منكم على ما جئتم به شيئاً، إنطلقوا فإني لم أؤمر بشيء، وإن أمرت به أعلمتكم.

قال: فنزل جبرئيل عليه‌السلام فقال: يا محمد إن ربك قد سمع مقالة قومك وما عرضوا عليك، وقد أنزل الله عليهم فريضة: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى .

قال فخرجوا وهم يقولون: ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأشياء، وتخضع الرقاب ما دامت السماوات والأرض لبني عبد الطلب.

قال: فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى علي بن أبي طالب أن اصعد المنبر وادع الناس إليك ثم قل: أيها الناس من انتقص أجيراً أجره فليتبوأ مقعده من النار، ومن ادعى الى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار، ومن انتفى من والديه فليتبوأ مقعده من النار.

قال: فقام رجلٌ وقال: يا أبا الحسن ما لهن من تأويل؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره، فقال رسول الله: ويلٌ لقريشٍ من تأويلهن، ثلاث مرات! ثم قال: يا علي انطلق فأخبرهم أني أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء، ثم أنا وأنت مولى المؤمنين، وأنا وأنت أبوا المؤمنين. انتهى.

* *

١٢٧

١٢٨

البحث الرابع

حاجة الأنبياء عليهم السلام في تبليغ رسالاتهم الى حماية الناس

ارتكب المنظرون للخلافة القرشية من المحدثين والمفسرين، خطأين أساسيين في تفسير آية التبليغ، فشوهوا بذلك معناها:

الخطأ الأول، في مفهوم تبليغ الأنبياء عليهم‌السلام ومنهم نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والخطأ الثاني، محاولتهم إخفاء واقع قريش بعد الفتح، وإبعاد الآية عنها، وأن يصوروا للمسلمين أن قريشاً المشركة منجم الفراعنة وأتباعهم، قد تحولت بين عشية وضحاها، الى قبيلة مسلمةٍ مؤمنةٍ تقيةٍ، تقود الناس بالإسلام والهدى!

معنى التبليغ في القرآن

مفهوم التبليغ في القرآن مفهومٌ بسيط، فتبليغ الرسل يعني بيانهم الرسالة الإلهية للناس ثم الناس بعد ذلك مختارون في أن يقبلوا، أو يتولوا، وحسابهم على الله تعالى، وليس على أنبيائه!

ومن هذا الأساس العميق تتفرع عدة مبادئ:

أولاً: أن النبي يحتاج الى ضمان حرية التعبير عن الرأي، لكي يتمكن من إيصال رسالة ربه الى العباد وإبلاغهم إياها. وقد كان ذلك مطلب الأنبياء عليهم‌السلام الأول من أممهم.

١٢٩

ثانياً: مهمة الأنبياء عليهم‌السلام هي التبليغ فقط ( الإبلاغ ) حتى أن الجهاد لم يكن مفروضاً على أحد من الأنبياء قبل ابراهيم عليهم‌السلام وقد فرضه الله تعالى عليه وعلى الأنبياء من ذريته ( وكل الأنبياء والأوصياء بعده من ذريته ) من أجل إزاحة العقبات المانعة من التبليغ، أو رد اعتداءات الكفار على الذين اختاروا الدين الالهي وإقامة حياتهم على أساسه.

ثالثاً: لا إكراه في الدين، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فينبغي أن يبقى قانون الهداية والإضلال فعالاً، والقدرة على عمل الخير والشر متوفرة.

رابعاً: الهدف من الإبلاغ هو إقامة الحجة لله على عباده، واضحة كاملة تامة حتى لا يقولوا يوم القيامة: لم يقل النبي لنا، لم يبلغنا ذلك، لم نعرف ذلك، وكنا عنه غافلين. فإقامة الحجة في الدين الالهي محورٌ أصلي دائم في عمل الأنبياء عليهم‌السلام سواء على مستوى الكافرين، أو على مستوى أممهم المؤمنين بهم.

فالمهم عند النبي عليه‌السلام أن يوصل العقيدة والأحكام الى الناس أن يقول لهم، ويبين لهم، ويوضح لهم ويفهمهم وبذلك يقيم الحجة لربه عز وجل وبذلك يؤدي ما عليه، ويسقط المسؤولية عن عاتقه.

أما استجابتهم أو تكذيبهم وأما عملهم وسلوكهم، فهو شأنهم وليس النبي مسؤولاً عنه، بل هو من اختصاص الله تعالى.

قال الله تعالى: قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين . الأنعام - 149

وأدلة هذه الحقائق التي ذكرناها كثيرة، من آيات القرآن وأحاديث السنة، نشير منها الى ما ذكره الله تعالى من قول نوح عليه‌السلام : أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم، وأعلم من الله ما لا تعلمون . الأعراف - 62

وقول شعيب عليه‌السلام : فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين . الأعراف - 93

١٣٠

وقول هود عليه‌السلام : فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضرونه شيئاً إن ربي على كل شيء حفيظ . هود - 57

وقوله تعالى عن مهمة جميع الرسل الذين بعثهم عليهم‌السلام :

فهل على الرسل إلا البلاغ المبين . النحل - 35

قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون. وما علينا إلا البلاغ المبين . يس 16 - 17

ولا يتسع المجال لاستعراض مفاهيم التبليغ وأحكامه في القرآن والحديث، فهي أجزاء مشرقة من ( نظرية متكاملة ) نشير منها الى أنه تعالى وصف دينه وقرآنه بأنه بلاغ فقال: هذا بلاغٌ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب . ابراهيم - 52

وقال إنه بلاغ يشمل الأجيال الآتية التي يَبْلُغها الإسلام:

قل أي شيء أكبر شهادةً؟ قل الله شهيد بيني وبينكم، وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ . الأنعام - 19

وأثنى تعالى على أمانة أنبيائه وشجاعتهم في تبليغ رسالاته، رغم مقاومة الناس واستهزائهم، فقال عز وجل: الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيبا . الأحزاب - 39

كما وصف سبحانه عملية تلقي الوحي وتبليغه بأنه من الأعمال الدقيقة الخطيرة التي تحتاج الى شخصيات من نوع خاص، وحراسة ربانية خاصة لهم أيضاً، فقال:

عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً، إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً، ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا . الجن 26 - 28

مهمة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التبليغ

والذي يتصل بموضوعنا مباشرةً هو تبليغ نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد قال تعالى عن مهمته ومسؤوليته: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا، فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين . المائدة - 92

١٣١

قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم. وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين . النور - 54

فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد . آل عمران - 20

فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ . الشورى - 48

فقد أرسل الله نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أساس نظام الرسالة والتبليغ الالهي، الذي أرسل به جميع الأنبياء عليهم‌السلام وهو قاعدة: إقامة الحجة وإتمامها على الناس، وعدم إجبارهم على العمل. وهذا هو معنى ( فإنما عليك البلاغ ) فقط، وفقط!

وهذا هو معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم.

فالإجبار الذي جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو إجبار أهل الكتاب على التعايش مع المسلمين، وليس على الدخول في الإسلام، وإجبار المشركين الوثنيين على الدخول في الإطار العام للإسلام وما عداه متروكٌ للأمة، داخل هذا الإطار، يطيع منها من يطيع، ويعصي من يعصي، ويهتدي منها من يهتدي، ويضل من يضل والمحاسب هو الله تعالى.

ومن الطبيعي إذن، أن تحتاج مهمة التبليغ الى حماية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يؤديها وإلا فإن قبائل قريش الذين يدركون خطر دعوته على نفوذهم وآلهتهم، سرعان ما يدبرون قتله، أو تشويه سمعته وعزله، وحجب الناس عن سماع صوته.

ورغم أن الألطاف الإلهية على أنبيائه عليهم‌السلام كثيرة ومتنوعة، وما خفي عنا منها أعظم مما عرفناه، أو ما يمكن أن يبلغه فهمنا لكن سنته سبحانه في الرسل أن يترك حمايتهم للأسباب ( الطبيعية ) مضافاً الى تلك الألطاف.

ولا يوجد دليلٌ واحدٌ على ما ذكروه من ضمان الله تعالى عصمة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الجرح والقتل، وأنواع الأذى التي قد يتعرض لها وقد تقدمت النصوص الدالة على استمرار حراسته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى آخر حياته، ونضيف هنا ما رواه الجميع من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يطلب من قبائل العرب تأمين هذه الحماية حتى يبلغ رسالة ربه.

١٣٢

- ففي سيرة ابن هشام: 2 / 23 عن ربيعة بن عباد، قال:

إني لغلامٌ شاب مع أبي بمنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب فيقول: يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به. انتهى. ورواه الطبري في تاريخه: 2 / 83، وابن كثير في سيرته: 2 / 155

- وقال اليعقوبي في تاريخه: 2 / 35:

وكان رسول الله يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم، ويكلم شريف كل قوم، لايسألهم إلا أن يؤووه ويمنعوه، ويقول: لا أكره أحداً منكم، إنما أريد أن تمنعوني مما يراد بي من القتل، حتى أبلغ رسالات ربي، فلم يقبله أحد، وكانوا يقولون: قوم الرجل أعلم به! انتهى.

كذلك نصت المصادر على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب البيعة من الانصار، على حمايته وحماية أهل بيته مما يحمون أنفسهم وأهليهم ففي سيرة ابن هشام: 2 / 38: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن، ودعا الى الله، ورغب في الإسلام ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم. قال فأخذ البراء بن معرور بيده، ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق نبيا لنمعنك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب، وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر.

- ورواه في تاريخ الطبري: 2 / 92، وأسد الغابة: 1 / 174، وعيون الأثر: 1 / 217، وسيرة ابن كثير: 2 / 198، ورواه أحمد: 3 / 461، وقال عنه في مجمع الزوائد: 6 / 44: رواه أحمد والطبراني بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن اسحق وقد صرح بالسماع. ورواه في كنز العمال: 1 / 328، و 8 / 29

* *

١٣٣

الى هنا يتسق الموضوع فقد طلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحماية لتبليغ رسالة ربه على سنة الله تعالى في من مضى من الأنبياء عليهم‌السلام وحصل عليها من الأنصار، ونصره الله تعالى وهزم أعداءه من المشركين واليهود، وشملت دولته شبه الجزيرة العربية واليمن والبحرين وساحل الخليج، وامتدت الى أطراف الشام، وصار جيش الإسلام يهدد الروم في الشام وفلسطين وها هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السنة العاشرة يودع المسلمين في حجة الوداع، ويتلقى سورة المائدة ويتلقى فيها آية تأمره بالتبليغ وتطمئنه بالعصمة من الناس!!

فما عدا مما بدا، حتى نزل الأمر بالتبليغ في آخر التبليغ، وصار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآن وهو قائد الدولة القوية، بحاجة الى حماية وعصمة من الناس!!

إن الباحث ملزمٌ هنا أن يستبعد حاجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الحماية المادية، لأن الله تعالى أراد أن تجري بالأسباب الطبيعية، ووفرها على أحسن وجه فلا بد أن تكون العصمة في الآية من نوع الحماية المعنوية.

والباحث ملزمٌ ثانياً، أن يفسر الأمر بالتبليغ في الآية بأنه تبليغُ موضوعٍ ثقيلٍ على الناس وأن يفسر الناس الذين يثقل عليهم ذلك بالمنافقين من المسلمين، لأنه لم يبق أمرٌ ثقيلٌ على الكفار إلا وبلغه لهم، كما أنه لم يبلغهم أمراً بارزاً بعد نزول الآية.

وبهذا لا يبقى معنى للعصمة النازلة من عند الله تعالى، إلا العصمة من الطعن في نبوته، إذا بلغهم أن الحكم من بعده في أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فبذلك فقط يتسق معنى الآية ويكون معناها:

يأيها الرسول : إنما أنت رسول مبلغ، ولست مسؤولاً عن النتيجة وما يحدث، بل هو من اختصاص ربك تعالى.

بلغ ما أنزل اليك من ربك : وأمرك به جبرئيل في علي، وحاولت تبليغه مرات في حجة الوداع، فشوش المنافقون عليك.

١٣٤

وإن لم تفعل فما بلغت رسالته : ولم تكمل إقامة الحجة لربك، لأن ولاية عترتك ليست أمراً شخصياً يخصك، وإن ظنه المنافقون كذلك، بل هي جزءٌ لا يتجزأ من هذه الرسالة الخاتمة الموحدة، وإذا انتفى الجزء انتفى الكل.

والله يعصمك من الناس : من طعن قريش بنبوتك بسبب هذا التبليغ، وإن كان ثقيلاً عليها فسوف يمنعها الله أن ترفض نبوتك بسببه وسوف تمر المسألة بسلام ولا يكون تشويش عليك في التبليغ ولا ردة وبذلك تكون بلغت عن ربك، وأتممت له الحجة على أمتك ولكن علياً سوف يحتاج الى قتالها على تأويل القرآن كما قاتلتها أنت على تنزيله!

إن الله لا يهدي القوم الكافرين : الذين يظلمون عترتك من بعدك، ويظلمون الأمة بذلك، ويبدلون نعمة الله كفراً، ويحلون الأمة دار البوار!

* *

١٣٥

١٣٦

البحث الخامس

قريش هي السبب في حاجة نبينا صلى الله عليه وآله الى عصمة إضافية

تدل الآية الكريمة والنصوص العديدة على أن تبليغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرسالة ربه في عترته عليهم‌السلام كان من شأنه أن يحدث زلزلة في الأمة وتهديداً لنبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

فما هو السبب، وما هي الظروف التي كانت قائمة؟!

إن مصدر الخطر على ترتيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمر الخلافة من بعده، كان محصوراً في قريش وحدها فلا قبائل العرب غير قريش، ولا اليهود، ولا النصارى يستطيعون التدخل في هذا الموضوع الداخلي وإعطاء الرأي فيه، فضلاً عن عرقلة تبليغه أو تنفيذه!

والظاهر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان آيساً من إمكانية تنفيذ هذا الموضوع، بدليل أنه كان يخشى ظهور الردة من مجرد تبليغه بشكل صريح ورسمي!!

والسبب في ذلك طبيعة قريش وتركيبتها القبلية!

قريش منجم الفراعنة

زعماء قريش الذين واجهوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إذا صحت أنسابهم الى إسماعيل عليه‌السلام - فإنهم يكونون ذرية إسماعيل الفاسدة، وقد جمعوا بين صفات اليهود المعقدة من أبناء عمهم إسحاق، وبين غطرسة رؤساء القبائل الصحراوية الخشنة!

١٣٧

وقريش، باستثناء بني هاشم والقليل القليل من غيرهم، منجماً للتكبر! فقد حكم الله سبحانه على زعمائها بأنهم فراعنة تماماً، بالجمع لا بالمفرد، فقال تعالى: إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهدا عليكم كما أرسلنا الى فرعون رسولا. فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلا . المزمل - 15 - 16

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عدد منهم لما وقف على قتلى بدر:

جزاكم الله من عصابة شراً! لقد كذبتموني صادقاً وخونتموني أميناً.

ثم التفت الى أبي جهل بن هشام، فقال: إن هذا أعتى على الله من فرعون! إن فرعون لما أيقن بالهلاك وحِّدَ الله، وهذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات والعزى!!

( حلية الأبرار: 1 / 127، أمالي الطوسي: 1 / 316، وعنه البحار: 19 / 272 ح 11 وكذا في مجمع الزوائد: 6 / 91 ) .

- وروى ابن هشام في: 1 / 207 قول أبي جهل:

تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب، وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبيٌّ يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه! والله لا نؤمن به أبداً، ولا نصدقه! انتهى. ورواه في عيون الأثر: 1 / 146، وابن كثير في سيرته: 1 / 506.

- وفي تفسير القمي: 1 / 276

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقريش: إن الله بعثني أن أقتل جميع ملوك الدنيا وأجرَّ الملك اليكم، فأجيبوني الى ما أدعوكم اليه تملكوا بها العرب، وتدين لكم بها العجم، وتكونوا ملوكاً في الجنة. فقال أبو جهل: اللهم إن كان هذا الذي يقوله محمد هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو آتنا بعذاب أليم، حسداً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال: كنا وبنو هاشم كفرسي رهان، نحمل إذا حملوا، ونطعن إذا طعنوا، ونوقد إذا أوقدوا، فلما استوى بنا وبهم الركب، قال قائل منهم: منا نبي! لا نرضى بذلك أن يكون في بني هاشم، ولا يكون في بني مخزوم!!

١٣٨

- وقال الأبشيهي في المستطرف: 1 / 58

قال معاوية لرجل من اليمن: ما كان أجهل قومك حين ملكوا عليهم أمرأة! فقال: أجهلُ من قومي قومك الذين قالوا حين دعاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم إن كان هذا الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، ولم يقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فاهدنا اليه.

- وقال البياضي في الصراط المستقيم: 3 / 49

قال معاوية: فضل الله قريشاً بثلاث: وأنذر عشيرتك الأقربين، ونحن الأقربون. وإنه لذكرٌ لك ولقومك، ونحن قومه. لإيلاف قريش، ونحن قريش.

فقال رجلٌ أنصاري: على رسلك يا معاوية، قال الله: وكذب به قومك، وأنت من قومه. إذا قومك عنه يصدون، وأنت من قومه. إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا، وأنت من قومه!! فهذه ثلاثٌ بثلاث، ولو زدتنا لزدناك!! فأفهمه. انتهى.

وفرعون وقومه عندما أخذهم الله بالسنين، طلبوا من موسى عليه‌السلام أن يدعو لهم ربه ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا ربه على قريش فأخذهم الله بالسنين، وأصيبوا بالفقر والقحط، حتى أكلوا العلهز وما استكانوا لربهم وما يتضرعون!!

- قال الحاكم في المستدرك: 2 / 394

عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم، قد أكلنا العلهز! يعني الوبر والدم، فأنزل الله عز وجل: ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون. هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. انتهى.

ولكن أتباع الخلافة الأموية لا يعجبهم هذا الحديث، ولا يفسرون به الآية، ويقولون إن القرشيين خضعوا لربهم وتضرعوا، ودعا لهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !! فانظرالى ما قاله ابن كثير في البداية والنهاية: 6 / 101.

١٣٩

لما دعا على قريش حين استعصت أن يسلط الله عليها سبعاً كسبع يوسف، فأصابتهم سنة حصدت كل شيء، حتى أكلوا العظام والكلاب والعلهز. ثم أتى أبو سفيان يشفع عنده في أن يدعو الله لهم، فدعا لهم فرفع ذلك عنهم!!. انتهى.

ومشكلة ابن كثير أنه يحب رائحة أبي سفيان، وإلا فهو مؤلفٌ في السيرة، يعرف أن مجيء أبي سفيان كان بعد أن أشفق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حالة قريش، وأرسل اليهم بأحمال من المواد الغذائية وبعض الأموال، لعلهم يستكينوا لله تعالى ويؤمنوا به وبرسوله، فاغتنموا لفتة القلب النبوي الرحيم، وبعثوا أبا سفيان بمشروع ( صلح ) مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نوع مشاريع السلام الإسرائيلية في عصرنا، فرفضه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذهب أبو سفيان الى علي وفاطمة عليهما‌السلام يرجوهما التوسط الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يقبلا، وعرض عليهم أن يكون هذا ( الصلح ) باسم الحسن والحسين عليهما‌السلام حتى يكون فخراً لهما في العرب، فقالا: إنا لا نجير أحداً على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

- قال في معجم البلدان: 3 / 458

والعلهز: دم القراد والوبر، يلبك ويشوى ويؤكل في الجدب! وقال آخرون: العلهز دم يابس يدق مع أوبار الإبل في المجاعات. وأنشد بعضهم:

وإن قرى قحطان قرفٌ وعلهزٌ

فأقبح بهذا ويحَ نفسك من فعلِ!

قبائل قريش

وكانت قريش أكثر من عشرين قبيلة منها:

بنو هاشم بن عبد مناف

بنو أمية بن عبد شمس

بنو عبد الدار بن قصي

بنو مخزوم بن يقظة بن مرة

بنو زهرة بن كلاب

بنو أسد بن عبد العزى

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

على المؤمنين فهو حلال طيب للمؤمنين. (الجواب) : إنا قد بينا قبل هذا الموضع أنه لا يعترض على أمير المؤمنين عليه السلام في أحكام الشريعة ويطمع فيه من عثرة أو زلة إلا معاند لا يعرف قدره ، ومن شهد له النبي (صلى الله عليه وآله) بأنه أقضى الامة وان الحق معه كيف ما دار ، وضرب بيده على صدره وقال : اللهم أهد قلبه وثبت لسانه لما بعثه إلى اليمن حتى قال أمير المؤمنين (عليه السلام) فما شككت في قضاء بين اثنين. وقال النبي فيه : «انا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب» لا يجوز أن يعترض أحكامه عليه السلام ، ولا يظن بها إلا الصحة والسداد. وأعجب من هذا كله الطعن على هذه الاحكام وأشباهها بأنها خلاف الاجماع وأي إجماع ليت شعرى يكون وأمير المؤمنين عليه السلام خارج منه ولا أحد من الصحابة الذين لهم في الاحكام مذاهب وفتاوى وقيام ، إلا وقد تفرد بشئ لم يكن له عليه موافق ، وما عد مذهبه خروجا عن الاجماع ولو لا التطويل لذكرنا شرح هذه الجملة ومعرفتها وظهورها بغنينا عن تكلف ذلك ولو كان للطعن على أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الاحكام مجال وله وجه لكان أعداؤه من بني أمية والمتقربين إليهم من شيعتهم بذلك أخبر وإليه اسبق ، وكانوا يعيبونه عليه ويدخلونه في جملة مثالبهم ومعايبهم التى تمحلوها ، ولما تركوا ذلك حتى يستدركه النظام بعد السنين الطويلة وفى أضرابهم عن ذلك دليل على أنه لا مطعن بذلك ولا معاب. وبعد ، فكل شئ فعله أمير المؤمنين (عليه السلام) من هذه الاحكام وكان له مذهبا ، ففعله له واعتقاده إياه هو الحجة فيه ، وأكبر البرهان على صحته لقيام الادلة على أنه عليه السلام لا يزل ولا يغلط ولا يحتاج إلى بيان وجوه زايدة على ما ذكرناه إلا على سبيل الاستظهار والتقرير على الخصوم وتسهيل طريق الحجة عليهم.

١٦١

فأما بيع أمهات الاولاد

فلم يسر فيهن إلا بنص الكتاب وظاهره ، قال الله تعالى :( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) ولا شبهة في أن أم الولد يطؤها سيدها بملك اليمين ، لانها ليست زوجة ولا هو عاد في وطئها إلى ما لا يحل ، وإذا كانت مملوكة مسترقة بطل ما يدعونه من أن ولدها اعتقها ، ويبين ذلك أيضا أنه لا خلاف في أن لسيدها أن يعتقها. ولو كان الولد قد أعتقها لما صح ذلك ، لان عتق المعتق محال. وهذه الجملة توضح عن بطلان ما يروونه من أن ولدها أعتقها ، ثم يقال لهم اليس هذا الخبر لم يقتض أن لها جميع أحكام المعتقات ، لانه لو اقتضى ذلك لما جاز أن يعتقها السيد ، ولا أن يطأها إلا بعقد ، وانما اقتضى بعض أحكام المعتقات. فلابد من مزيل فيقال لهم : فما انكرتم من أن مخالفكم يمكنه أن يستعمله أيضا على سبيل التخصيص كما استعملتموه ، فنقول انه لو أراد بيعها لم يجز إلا في دين ، وعند ضرورة ، وعند موت الولد. فكأنها يجري مجرى المعتقات فيما لا يجوز بيعها فيه ، وان لم يجز من كل وجه كما أجريتموها مجراهن في وجه دون آخر.

فأما قطع السارق من الاصابع

فهو الحق الواضح الجلي ، لان الله تعالى قال (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) واسم اليد يقع على جملة هذا العضو إلى المنكب ، ويقع عليه أيضا إلى المرافق والى الزند والى الاصابع كل ذلك على سبيل الحقيقة. ولهذا يقول أحدهم أدخلت يدي في الماء إلى أصول الاصابع والى الزند والى المرفق والى المنكب ، فيجعل كل ذلك غاية. وقال الله تعالى :( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) ومعلوم أن الكتابة تكون بالاصابع ، ولو يرى أحدنا

١٦٢

قلما فعقرت السكين أصابعه لقيل قطع يده وعقرها ونحو ذلك. وقال الله تعالى في قصة يوسف عليه السلام (فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن) ومعلوم أنهن ما قطعن اكفهن إلى الزند ، بل على ما ذكرناه. وإذا كان الامر على ما ذكرناه ولم يجز ان يحمل اليد على كل ما تناولته هذه اللفظة حتى يقطع من الكتف على مذهب الخوارج ، لان هذا باطل عند جميع الفقهاء ، وجب ان نحمله على أدنى ما تناوله ، وهو من أصول الاشاجع ، والقطع من الاصابع أولى بالحكمة وأرفق بالمقطوع ، لانه إذا قطع من الزند فاته من المنافع أكثر مما يفوته إذا قطع من الاشاجع. وقد روي ان علي بن أصمع سرق عيبة لصفوان ، فأتى به إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقطعه من أشاجعه ، فقيل له يا أمير المؤمنين افلا من الرسغ. فقال عليه السلام فعلى أي شئ يتوكأ وبأي شي يستنجي. ومهما شككنا فإنا لا نشك في أن أمير المؤمنين عليه السلام كان أعلم باللغة العربية من النظام وجميع الفقهاء والذين خالفوه في القطع ، وأقرب إلى فهم ما نطق به القرآن. وان قوله (عليه السلام) حجة في العربية وقدوة ، وقد سمع الآية وعرف اللغة التي نزل بها القرآن ، فلم يذهب إلى ما ذهب إليه إلا عن خبرة ويقين.

واما دفع السارق إلى الشهود

فلا أدري من أي وجه كان عيبا وهل دفعه إليهم ليقطعوه إلا كدفعه إلى غيرهم ممن يتولى ذلك منه. وفي هذا فضل استظهار عليهم وتهييب لهم من أن يكذبوا فيعظم عليهم تولي ذلك منه ومباشرته بنفوسهم ، وهذا نهاية الحزم والاحتياط في الدين.

وأما جلد الوليد بن عقبة

أربعين سوطا فإن المروي انه عليه السلام جلده بنسعة لها رأسان فكان الحد ثمانين كاملة : وهذا مأخوذ من قوله تعالى :( وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث ) .

١٦٣

واما الجهر بتسمية الرجال في القنوت

فقد سبقه (عليه السلام) إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وتظاهرت الرواية بأنه (صلى الله عليه وآله) كان يقنت في صلاة الصبح ويلعن قوما من أعدائه باسمائهم فمن عاب ذلك أو طعن به فقد طعن على أصل الاسلام وقدح في الرسول صلى الله عليه وآله.

واما قبول شهادة الصبيان

فالاحتياط للدين يقتضيه ، ولم ينفرد أمير المؤمنين عليه السلام بذلك ، بل قد قال بقوله بعينه أو قريبا منه جماعة من الصحابة والتابعين. وروي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان في شهادة الصبي يشهد بعد كبره ، والعبد بعد عتقه ، والنصراني بعد إسلامه أنها جائزة. وهذا قول جماعة من الفقهاء المتأخرين كالثوري وأبي حنيفة وأصحابه. وروى مالك بن انس عن هشام بن عروة ان عبدالله بن الزبير كان يقضي بشهادة الصبيان فيما بينهم من الجراح. وروي عن هشام بن عروة انه قال سمعت ابي يقول يجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض ، يؤخذ بأول قولهم. وروي عن مالك بن أنس انه قال : المجمع عليه عندنا يعني أهل المدينة أن شهادة الصبيان تجوز فيما بينهم من الجراح ، ولا تجوز على غيرهم إذا كان ذلك قبل ان يتفرقوا ويجيئوا ويعلموا ، فإن تفرقوا فلا شهادة لهم إلا ان يكونوا قد اشهدوا عدولا على شهادتهم قبل ان يتفرقوا ، ويوشك أن يكون الوجه في الاخذ بأوائل أقوالهم لان من عادة الصبي وسجيته إذا أخبر بالبديهة ان يذكر الحق الذي عاينه ، ولا يتعمل لتحريفه. وليس جميع الشهادات تراعى فيها العدالة. وجماعة من العلماء قد أجازوا شهادة أهل الذمة في الوصية في السفر إذا لم يوجد مسلم ، وتأولوا لذلك قول الله عز وجل :( اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ) وقد أجازوا أيضا شهادة النساء وحدهن فيما لا يجوز انت تنظر إليه الرجال ، وقبلوا شهادة القابلة. وانما اردنا بذكر

١٦٤

قبول شهادة النساء ، أن قوله تعالى( واشهدوا ذوي عدل منكم ) مخصوص غير عام في جميع الشهادات. ألا ترى ان ذلك غير مانع من قبول اليمين مع شهادة الواحد. وبعد فليس قوله تعالى( واشهدوا ذوي عدل منكم ) بمقتض غير الامر بالشهادة على هذا الوجه وليس بمانع من قبول شهادة غير العدلين ولا تعلق له بأحكام قبول الشهادات.

فاما أخذ نصف الدية

من أولياء المرأة إذ أرادوا قتل الرجل بها فهو الصحيح الواضح الذى لا يجوز خلافه ، لان دية المرأة عشرة آلاف درهم ودية المرأة نصفها فإذا أراد أولياء المرأة قتل الرجل ، فإنما يقتلون نفسا ديتها الضعف من دية مقتولهم ، فلا بد إذا إختاروا ذلك من رد الفضل بين القيمتين ولهذا لو أراد أخذ الدية لم يأخذوا أكثر من خمسة آلاف درهم. وهكذا القول في أخذ نصف الدية من المقتص من الاعور ، لان دية عين الاعور عشرة آلاف درهم ودية احدى عيني الصحيح خمسة الاف درهم. فلا بد من الرجوع بالفضل على ما ذكرناه ، وما أدري من أي وجه تطرق العيب في تخليفه عليه السلام من يصلي العيدين بالضعفاء في المسجد الاعظم ، وذلك من رأفته (عليه السلام) بالضعفاء ورفقه بهم ، وتوصله إلى ان يحظوا بفضل هذه الصلاة من غير تحمل مشقة الخروج إلى المصلى.

فأما ما حكاه من أحراقه اللوطي

فالمعروف أنه عليه السلام القى على الفاعل والمفعول به لما رآهما الجدار ، ولو صح الاحراق لم ينكران يكون ذلك الشئ عرفه من الرسول صلى الله عليه وآله. وقد روى فهد بن سليمان عن القاسم بن أميه العدوي عن عمر بن أبي حفص مولى الزبير عن شريك عن ابراهيم بن عبدالاعلى عن سويد بن غفلة ، أن أبا بكر أتى برجل ينكح فأمر به فضربت عنقه

١٦٥

ثم أمر به فأحرق ولعل أمير المؤمنين (عليه السلام) احرقه بالنار بعد القتل بالسيف كما فعل ابو بكر ، وليس ما روي من الاحراق بمانع من ان يكون القتل متقدما له. وقد روي قتل المتلوطين من طرق مختلفة عن الرسول صلى الله عليه وآله وكذلك روي رجمهما. روى داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اقتلوا الفاعل والمفعول به. وروي عبد العزيز عن ابن جريح عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) مثل ذلك. وعن عمر بن ابي عمير عن عكرمة عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال فيمن يوجد يعمل بعمل قوم لوط مثل ذلك. وروى ابو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال الذي يعمل عمل قوم لوط ارجموا الاعلى والاسفل ارجموهما جميعا. وسئل ابن عباس ما حد اللوطي؟ ينظر إلى ارفع بناء في القرية فيرمى به منكسا. ثم يتبع بالحجارة. وروي ان عثمان اشرف على الناس يوم الدار ، فقال : ألم تعلموا أنه لا يحل دم امرئ مسلم إلا أربعة : رجل قتل فقتل ، ورجل زنى بعد ان أحصن ، ورجل ارتد بعد إسلام ، ورجل عمل عمل قوم لوط. فلا شبهة على ما ترى في قتل اللوطي ، ولا ريب في وجوب ذلك عليه. وكيف يتهم بحيف في حد يقيمه من يتحرى فيما يخصه هذا التحري المشهور. فيقول عليه السلام لما ضربه اللعين ابن ملجم احسنوا أسره ، فإن عشت فأنا ولي دمي ، وان مت فضربة بضربة. ولا تمثلوا بالرجل فإن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن المثلة ولو بالكلب العقور. فمن ينهى عن التمثيل بقاتله مع الغيظ الذى يجده الانسان على ظالمه وميله إلى الاستيفاء والانتقام ، كيف يمثل بمن لا ترة بينه وبينه ولا حسيكة له في قلبه؟ وهذا ما لا يظنه به (عليه السلام) إلا مؤف العقل.

١٦٦

فأما حبسه (عليه السلام) المال المكتسب من مهور البغايا على غنى وباهلة

فله ان كان صحيحا وجه واضح ، وهو ان ذلك المال دني الاصل خسيس السبب ، ومثله ما ينزه عنه ذو الاقدار من جلة المؤمنين ووجوه المسلمين. وإن كان حلالا طلقا فليس كل حلال يتساوى الناس في التصرف فيه. فإن من المكاسب والمهن والحرف ما يحل ويطيب ويتنزه ذوو المرؤات والاقدار عنها. وقد فعل النبي صلى الله عليه وآله نظير ما فعله امير المؤمنين عليه السلام ، فإنه روي عنه انه (صلى الله عليه وآله) نهى عن كسب الحجام ، فلما روجع فيه أمر المراجع له ان يطعمه رقيقه ويعلفه ناضحه ، وإنما قصد (صلى الله عليه وآله) إلى الوجه الذي ذكرناه من التنزيه ، وان كان ذلك الكسب حلالا طلقا. وهاتان القبيلتان معروفتان بالدناءة ولؤم الاصل مطعون عليهما في ديانتهما ايضا ، فخصهما بالكسب اللئيم وعوض من له في ذلك المال سهم من الجلة ، والوجوه من غير ذلك المال. وكل هذا واضح لمن تدبره. في كذب الخبر بأنه خطب بنت أبي جهل. (مسألة :) فإن قيل اليس قد روي ان أمير المؤمنين عليه السلام خطب بنت أبي جهل بن هشام في حياة الرسول صلى الله عليه وآله حتى بلغ ذلك فاطمة عليها السلام وشكته إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقام على المنبر قائلا ان عليا آذاني بخطب بنت أبي جهل بن هشام ليجمع بينها وبين ابنتي فاطمة ، ولن يستقيم الجمع بين بنت ولي الله وبين بنت عدوه. أما علمتم معشر الناس أن من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تعالى ، فما الوجه في ذلك؟ (الجواب) : قلنا هذا خبر باطل موضوع غير معروف ولا ثابت عند أهل النقل ، وانما ذكره الكرابيسي طاعنا به أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله ، ومعارضا بذكره لبعض ما يذكره شيعته من الاخبار في اعدائه ، وهيهات أن يشبه الحق بالباطل ، ولو لم يكن في ضعفه إلا رواية

١٦٧

الكرابيسي له واعتماده عليه ، وهو من العداوة لاهل البيت عليهم السلام والمناصبة لهم والازراء على فضائلهم ومآثرهم على ما هو مشهور ، لكفى على أن هذا الخبر قد تضمن ما يشهد ببطلانه ويقتضى على كذبه من حيث ادعى فيه أن النبي ذم هذا الفعل وخطب بإنكاره على المنابر. ومعلوم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لو كان فعل ذلك على ما حكى ، لما كان فاعلا لمحظور في الشريعة ، لان نكاح الاربع حلال على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وآله. والمباح لا ينكره الرسول (صلى الله عليه وآله) ويصرح بذمه ، وبأنه متأذبه ، وقد رفعه الله عن هذه المنزلة واعلاه عن كل منقصة ومذمة. ولو كان عليه السلام نافرا من الجمع بين بنته وبين غيرها بالطباع التي تنفر من الحسن والقبيح ، لما جاز أن ينكره بلسانه ، ثم ما جاز أن يبالغ في الانكار ويعلن به على المنابر وفوق رؤوس الاشهاد ، ولو بلغ من إيلامه لقلبه كل مبلغ. فما هو اختص به (عليه السلام) من الحلم والكظم ، ووصفه الله بأنه من جميل الاخلاق وكريم الآداب ينافي ذلك ويحيله ويمنع من اضافته إليه وتصديقه عليه. وأكثر ما يفعله مثله (عليه السلام) في هذا الامر إذا ثقل على قلبه ان يعاتب عليه سرا ويتكلم في العدول عنه خفيا على وجه جميل وبقول لطيف. وهذا المأمون الذي لا قياس بينه وبين الرسول (صلى الله عليه.وآله) الكرابيسي : أبو علي ، الحسين بن علي ، محدث ، فقيه ، أصولي ، متكلم ، من أهل بغداد ، صحب الشافعي ، له تصانيف كثيرة في أصول الفقه وفروعه ، والجرح والتعديل. وقد انكح أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام بنته ونقلها معه إلى مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) لما ورد كتابها عليه تذكر أنه قد تزوج عليها أو تسرى ، يقول مجيبا لها ومنكرا عليها : إنا ما انكحناه لنحظر عليه ما أباحه الله له ، والمأمون أولى بالامتعاض من غيرة بنته ، وحاله أجمل للمنع من هذا الباب والانكار له. فوالله ان الطعن على النبي صلى الله عليه وآله بما تضمنه هذا الخبر الخبيث ، أعظم من الطعن على أمير المؤمنين عليه السلام. وما صنع هذا الخبر إلا ملحد قاصد للطعن عليهما ، أو ناصب معاند لا يبالي ان يشفي غيظه بما يرجع على أصوله بالقدح والهدم ، على أنه لا خلاف بين أهل النقل

١٦٨

أن الله تعالى هو الذي اختار أمير المؤمنين عليه السلام لنكاح سيدة النساء صلوات الله وسلامه عليها ، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) رد عنها جلة أصحابه وقد خطبوها وقال «صلى الله عليه وآله» : اني لم أزوج فاطمة عليا (عليه السلام) حتى زوجها الله إياه في سمائه ، ونحن نعلم أن الله سبحانه لا يختار لها من بين الخلائق من غيرها ويؤذيها ويغمها ، فإن ذلك من أدل دليل على كذب الراوي لهذا الخبر. وبعد ، فإن الشئ إنما يحمل على نضائره ويلحق بأمثاله ، وقد علم كل من سمع الاخبار أنه لم يعهد من أمير المؤمنين (عليه السلام) خلاف على الرسول ، ولا كان قط بحيث يكره على اختلاف الاحوال وتقلب الازمان وطول الصحبة ، ولا عاتبه (عليه السلام) على شئ من أفعاله ، مع أن أحدا من اصحابه لم يخل من عتاب على هفوة ونكير لاجل زلة ، فكيف خرق بهذا الفعل عادته وفارق سجيته وسنته لولا تخرص الاعداء وتعديهم. وبعد ، فأين كان أعداؤه (عليه السلام) من بني أمية وشيعتهم عن هذه الفرصة المنهزة؟ وكيف لم يجعلوها عنوانا لما يتخرصونه من العيوب والقروف؟ وكيف تحملوا الكذب وعدلوا عن الحق وفى علمنا بأن أحدا من الاعداء متقدما لم يذكر ذلك دليل على أنه باطل موضوع؟.

أبو محمد الحسن بن على عليهما السلام

الوجه في مسالمة الحسن لمعاوية. (مسألة :) فإن قال قائل : ما العذر له في خلع نفسه من الامامة وتسليمها إلى معاوية مع ظهور فجوره وبعده عن أسباب الامامة وتعريه من صفات مستحقها ، ثم في بيعته وأخذ عطائه وصلاته واظهار موالاته والقول بإمامته ، هذا مع وفور انصاره واجتماع أصحابه ومتابعيه من كان يبذل عنه دمه وماله ، حتى سموه مذل المؤمنين وعاتبوه في وجهه عليه السلام؟ (الجواب) : قلنا قد ثبت انه عليه السلام الامام المعصوم المؤيد الموفق بالحجج الظاهرة والادلة القاهرة ، فلابد من التسليم لجميع أفعاله وحملها على الصحة

١٦٩

وإن كان فيها ما لا يعرف وجهه على التفصيل ، أو كان له ظاهر ربما نفرت النفوس عنه وقد مضى تلخيص هذه الجملة وتقريرها في مواضع من كتابنا هذا. وبعد ، فإن الذي جرى منه عليه السلام كان السبب فيه ظاهرا والحامل عليه بيا جليا لان المجتمعين له من الاصحاب وان كانوا كثيري العدد وقد كانت قلوب أكثرهم دغلة غير صافية ، وقد كانوا صبوا إلى دنيا معاوية وامراحه من أحب في الاموال من غير مراقبة ولا مساترة ، فأظهروا له (عليه السلام) النصرة وحملوه على المحاربة والاستعداد لها طمعا في أن يورطوه ويسلموه ، وأحس عليه السلام بهذا منهم قبل التولج والتلبس ، فتخلى من الامر وتحرز من المكيدة التي كادت تتم عليه في سعة من الوقت وقد صرح (عليه السلام) بهذه الجملة وبكثير من تفصيلها في مواقف كثيرة بألفاظ مختلفة ، وقال إنما هادنت حقنا للدماء وصيانتها وإشفاقا على نفسي وأهلي والمخلصين من أصحابي ، فكيف لا يخاف أصحابه ويتهمهم على نفسه وأهله ، وهو عليه السلام لما كتب إلى معاوية يعلمه أن الناس قد بايعوه بعد أبيه عليه السلام ويدعوه إلى طاعته ، فأجابه معاوية بالجواب المعروف المتضمن للمغالطة فيه والمواربة وقال له فيه : لو كنت أعلم أنك أقوم بالامر واضبط للناس وأكيد للعدو وأقوى على جميع الاحوال مني لبايعتك ، لاني أراك لكل خير أهلا. وقال في كتابه ان أمري وأمرك شبيه بأمر ابي بكر وأبيك وأمركم بعد وفاة رسول الله دعاه إلى أن خطب خطبة بأصحابه بالكوفة يحثهم على الجهاد ويعرفهم فضله ، وما في الصبر عليه من الاجر ، وأمرهم أن يخرجوا إلى معسكر فما أجابه أحد ، فقال لهم عدي بن حاتم : سبحان الله ألا تجيبون إمامكم؟ أين خطباء مصر؟ فقام قيس بن سعد وفلان وفلان فبذلوا الجهاد واحسنوا القول. ونحن نعلم ان من ضمن بكلامه أولى بأن يضن بفعاله. أو ليس أحدهم قد جلس له في مظلم ساباط وطعنه بمغول

١٧٠

كان معه أصاب فخذه ، فشقه حتى وصل إلى العظم وانتزع من يده وحمل عليه السلام إلى المداين وعليها سعيد بن مسعود عم المختار ، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) ولاه إياها فأدخل منزله ، فأشار المختار على عمه ان يوثقه ويسير به إلى معاوية على أن يطعمه خراج جوخي سنة. فأبي عليه وقال للمختار : قبح الله رأيك أنا عامل أبيه وقد أئتمنني وشرفني ، وهبني نسيت بلاء أبيه أأنسى رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أحفظه في ابن بنته وحبيبه ثم أن سعد بن مسعود أتاه عليه السلام بطبيب وقام عليه حتى برئ وحوله إلى بعض المدائن. فمن ذا الذي يرجو السلامة بالمقام بين أظهر هؤلاء القوم عن النصرة والمعونة؟ وقد أجاب (عليه السلام) حجر بن عدي الكندي لما قال له سودت وجوه المؤمنين ، فقال عليه السلام ما كل أحد يحب ما تحب ولا رأيه كرأيك ، وانما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم. وروى عباس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف عن أبي الكنود عبدالرحمن بن عبيدة ، قال لما بايع الحسن عليه السلام معاوية أقبلت الشيعة تتلاقى بإظهار الاسف والحسرة على ترك القتال ، فخرجوا إليه بعد سنتين من يوم بايع معاوية فقال له (عليه السلام) سليمان بن صرد الخزاعي : ما ينقضي تعجبنا من بيعتك لمعاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من أهل الكوفة ، كلهم يأخذ العطاء وهم على أبواب منازلهم ، ومعهم مثلهم من أبنائهم وأتباعهم سوى شيعتك من أهل البصرة والحجاز ، ثم لم تأخذ لنفسك ثقة في العهد ولا حظا من العطية فلو كنت إذ فعلت ما فعلت اشهدت على معاوية وجوه أهل المشرق والمغرب ، وكتبت عليه كتابا بأن الامر لك بعده ، كان الامر علينا أيسر. ولكنه أعطاك شيئا بينك وبينه لم يف به ثم لم يلبث ان قال على رؤوس الاشهاد أني كنت شرطت شروطا ووعدت عداة إرادة لاطفاء نار الحرب ومداراة لقطع الفتنة ، فأما إذا جمع الله لنا الكلمة والالفة فإن ذلك تحت قدمي ، والله ما عنى بذلك غيرك ، ولا أراد

١٧١

بذلك إلا ما كان بينه وبينك ، قد نقض. فإذا شئت فأعدت للحرب عدة ، وأذن لي في تقدمك إلى الكوفة ، فأخرج عنها عاملها وأظهر خلعه نبذه ، على سواء أن الله لا يحب الخائنين. وتكلم الباقون بمثل كلام سليمان ، فقال الحسن عليه السلام : أنتم شيعتنا وأهل مودتنا ، ولو كنت بالحزم في أمر الدنيا أعمل ولسلطانها أربض وأنصب ، ما كان معاوية بأشد مني بأسا ولا أشد شكيمة ولا أمضى عزيمة ، ولكني ارى غير ما رأيتم وما أردت بما فعلت إلا حقن الدماء ، فارضوا بقضاء حجر بن عدي الكندي : من صلحاء الصحابة. قاتل في فتوح فارس. كان مع علي في الجمل والنهروان وصفين. قاوم معاوية. قبض عليه وأمر معاوية بقتله في مرج عذراء شرقي دمشق. الله وسلموا لامره والزموا بيوتكم وامسكوا. أو قال : كفوا ايديكم حتى يستريح برأ ويستراح من فاجر. وهذا كلام منه عليه السلام يشفي الصدور ويذهب بكل شبهة. وقد روي انه عليه السلام لما طالبه معاوية بأن يتكلم على الناس ويعلمهم ما عنده في هذا الباب ، قام (عليه السلام) فحمد الله واثنى عليه ثم قال : ان أكيس الكيس التقى ، واحمق الحمق الفجور. أيها الناس انكم لو طلبتم ما بين جابلق وجابلس رجلا جده رسول الله صلى الله عليه وآله ما وجدتموه غيري ، وغير أخي الحسين عليه السلام ، وان الله قد هداكم بأولنا محمد صلى الله عليه وآله ، وان معاوية نازعني حقا هو لي فتركته لصلاح الامة وحقن دمائها ، وقد بايعتموني على ان تسالموا من سالمت وقد رأيت ان أسالمه ورأيت ان ما حقن الدماء خير مما سفكها ، واردت صلاحكم وان يكون ما صنعت حجة على من كان يتمنى هذا الامر ، وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. وكلامه عليه السلام في هذا الباب الذي يصرح في جميعه بأنه مغلوب مقهور ملجأ إلى التسليم دافع بالمسالمة الضرر العظيم عن الدين والمسلمين أشهر من الشمس وأجلى من الصبح.

فأما قول السائل

انه خلع نفسه من الامامة فمعاذ الله ، لان الامامة بعد حصولها للامام لا تخرج عنه بقوله.

١٧٢

وعند أكثر مخالفينا أيضا في الامامة أن خلع الامام نفسه لا يؤثر في خروه من الامامة ، وإنما ينخلع من الامامة عندهم وهو حي بالاحداث والكبائر ، ولو كان خلعه نفسه مؤثرا لكان انما يؤثر إذا وقع إختيارا. فأما مع الالجاء والاكراه ، فلا تأثير له لو كان مؤثرا في موضع من المواضع ، ولم يسلم أيضا الامر إلى معاوية بل كف عن المحاربة والمغالبة لفقدان الاعوان واعواز النصار وتلافي الفتنة على ما ذكرناه ، فتغلب عليه معاوية بالقهر والسلطان مع أنه كان متغلبا على أكثره ، ولو أظهر التسليم قولا لما كان فيه شئ إذا كان عن اكراه واضطهاد.

وأما البيعة

فإن أريد به الصفقة واظهار الرضا والكف عن المنازعة فقد كان ذلك لكنا قد بينا جهة وقوعه والاسباب المحوجة إليه ، ولا حاجة في ذلك عليه عليه السلام. كما لم يكن في مثله حجة على أبيه عليه السلام لما بايع المتقدمين عليه ، وكف عن نزاعهم وامسك عن خلافهم ، وإن اريد بالبيعة الرضى وطيب النفس ، فالحال شاهدة بخلاف ذلك ، وكلامه المشهور كله يدل على انه (عليه السلام) أحوج وأحرج ، وأن الامر له وهو أحق الناس به. وانما كف عن المنازعة فيه للغلبة والقهر والخوف على الدين والمسلمين.

وأما أخذ العطاء

فقد بينا في هذا الكتاب عند الكلام فيما فعله أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك من أخذه من يد الجائر الظالم المتغلب جائز ، وأنه لا لوم فيه على الاخذ ولا حرج.

وأما أخذ الصلات

فسايغ بل واجب لان لكل مال في يد الجائر المتغلب على أمر الامة يجب على الامام وعلى جميع المسلمين انتزاعه من يده كيف ما أمكن بالطوع أو الاكراه ، ووضعه في مواضعه. فإذا لم يتمكن

١٧٣

من إنتزاع جميع ما في يد معاويه من أموال الله تعالى وأخرج هو شيئا منها إليه على سبيل الصلة ، فواجب عليه أن يتناوله من يده ويأخذ منه حقه ويقسمه على مستحقه لان التصرف في ذلك المال بحق الولاية عليه لم يكن في تلك الحال إلا له ، وليس لاحد أن يقول أن الصلات التى كان يقبلها من معاوية إنما كان ينفقها على نفسه وعياله ، ولا يخرجها إلى غيره وذلك ان هذا مما لا يمكن أحد أن يدعي العلم به والقطع عليه ولا شك أنه عليه السلام كان ينفق منها لان فيها حقه وحق عياله وأهله ، ولا بد من أن يكون قد أخرج منها إلى المستحقين حقوقهم وكيف يظهر ذلك وهو عليه السلام كان قاصدا إلى إخفائه ستره لمكان التقية ، والمحوج إليه إلى قبول تلك الاموال على سبيل الصلة هو المحوج له إلى ستر اخراجها واخراج بعضها إلى مستحقها من المسلمين. وقد كان عليه السلام يتصدق بكثير من أمواله ويواسي الفقراء ويصل المحتاجين. ولعل في جملة ذلك هذه الحقوق.

فأما اظهاره (عليه السلام) موالاته

فما أظهر عليه السلام من ذلك شيئا كما لم يبطنه. وكلامه فيه بمشهد معاوية ومغيبه معروف ظاهر يشهد بذم معاوية ومعائبه ، ولو فعل ذلك خوفا واستصلاحا وتلافيا للشر العظيم لكان واجبا ، فقد فعل أبوه عليه السلام مثله مع المتقدمين عليه واعجب من هذا كله دعوى القول بإمامته ومعلوم ضرورة منه (عليه السلام) خلاف ذلك ، وأنه كان يعتقد ويصرح بأن معاوية لا يصلح أن يكون بعض ولاة الامام ولا تباعه فضلا عن الامامة نفسها ، وليس يظن مثل هذه الامور الا عامي حشوي قد قعد به التقليد. وما سبق إلى اعتقاده من تصويب القوم كلهم عن التأمل وسماع الاخبار المأثورة في هذا الباب فهو لا يسمع إلا بما يوافقه. وإذا سمع لم يصدق إلا بما اعجبه والله المستعان.

١٧٤

أبو عبد الله الحسين بن على عليهما السلام

(مسألة) : فإن قيل : ما العذر في خروجه عليه السلام من مكة بأهله وعياله إلى الكوفة والمستولى عليها أعداؤه ، والمتامر فيها من قبل يزيد منبسط الامر والنهي ، وقد رأى عليه السلام صنع أهل الكوفة بأبيه وأخيه ، وأنهم غدارون خوانون ، وكيف خالف ظنه ظن جميع أصحابه في الخروج وابن عباس يشير بالعدول عن الخروج ويقطع على العطب فيه ، وابن عمر لما ودعه يقول استودعك الله من قتيل ، إلى غير ما ذكرناه ممن تكلم في هذا الباب. ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل (رضي) وقد انفذه رائدا له ، كيف لم يرجع لما علم الغرور من القوم وتفطن بالحيلة والمكيدة ، ثم كيف استجاز ان يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها ، لها مواد كثيرة. ثم لما عرض عليه ابن زياد الامان وأن يبايع يزيد ، كيف لم يستجب حقنا لدمه ودماء من معه من أهله وشيعته ومواليه. ولم القى بيده إلى التهلكة وبدون هذا الخوف سلم أخوه الحسن عليه السلام الامر إلى معاوية ، فكيف يجمع بين فعليهما بالصحة؟ (الجواب) : قلنا قد علما أن الامام متى غلب في ظنه يصل إلى حقه والقيام بما فوض إليه بضرب من الفعل ، وجب عليه ذلك وان كان فيه ضرب من المشقة يتحمل مثلها تحملها ، وسيدنا أبو عبد الله عليه السلام لم يسر طالبا للكوفة الا بعد توثق من القوم وعهود وعقود ، وبعد ان كاتبوه عليه السلام طائعين غير مكرهين ومبتدئين غير مجيبين. وقد كانت المكاتبة من وجوه أهل الكوفة واشرافها وقرائها ، تقدمت إليه في أيام معاوية وبعد الصلح الواقع بينه وبين الحسن (عليه السلام) فدفعهم وقال في الجواب ما وجب. ثم كاتبوه بعد وفاة الحسن (عليه السلام) ومعاوية باق فوعدهم ومناهم ، وكانت أياما صعبة لا يطمع في مثلها. فلما مضى معاوية وأعادوا المكاتبة بذلوا الطاعة وكرروا

١٧٥

الطلب والرغبة ورأى (عليه السلام) من قوتهم على من كان يليهم في الحال من قبل يزيد ، وتشحنهم عليه وضعفه عنهم ، ما قوى في ظنه ان المسير هو الواجب ، تعين عليه ما فعله من الاجتهاد والتسبب ، ولم يكن في حسابه أن القوم يغدر بعضهم ، ويضعف أهل الحق عن نصرته ويتفق بما اتفق من الامور الغريبة. فإن مسلم بن عقيل رحمة الله عليه لما دخل الكوفة أخذ البيعة على أكثر أهلها. ولما وردها عبيد الله بن زياد وقد سمع بخبر مسلم ودخوله الكوفة وحصوله في دار هاني بن عروة المرادى رحمة الله عليه على ما شرح في السير ، وحصل شريك بن الاعور بها جاءه ابن زياد عايدا وقد كان شريك وافق مسلم بن عقيل على قتل ابن زياد عند حضوره لعيادة شريك ، وامكنه ذلك وتيسر له ، فما فعل واعتذر بعد فوت الامر إلى شريك بأن ذلك فتك ، وأن النبي صلى الله عليه وآله قال أن الايمان قيد الفتك. ولو كان فعل مسلم بن عقيل من قتل ابن زياد ما تمكن منه ، ووافقه شريك عليه لبطل الامر. ودخل الحسين على السلام الكوفة غير مدافع عنها ، وحسر كل أحد قناعه في نصرته ، واجتمع له من كان في قلبه نصرته وظاهره مع أعدائه. وقد كان مسلم بن عقيل أيضا لما حبس ابن زياد هانيا سار إليه في جماعة من أهل الكوفة ، حتى حصره في قصره وأخذ بكظمه ، وأغلق ابن زياد الابواب دونه خوفا وجبنا حتى بث الناس في كل وجه يرغبون الناس ويرهبونهم ويخذلونهم عن ابن عقيل ، فتقاعدوا عنه وتفرق أكثرهم ، حتى أمسى في شر ذمة ، ثم انصرف وكان من أمره ماكان. وإنما أردنا بذكر هذه الجملة أن أسباب الظفر بالاعداء كانت لا يحة متوجهة ، وان الاتفاق السئ عكس الامر وقلبه حتى تم فيه ماتم. وقد هم سيدنا أبو عبد الله عليه السلام لما عرف بقتل مسلم بن عقيل ، وأشير عليه بالعود فوثب إليه بنو عقيل وقالوا والله لا ننصرف حتى ندرك ثأرنا أو نذوق ما ذاق أبونا. فقال عليه السلام : لا خير في العيش بعد

١٧٦

هؤلاء. ثم لحقه الحر بن يزيد ومن معه من الرجال الذين انفذهم ابن زياد ، ومنعه من الانصراف ، وسامه ان يقدمه على ابن زياد نازلا على حكمه ، فامتنع. ولما رأى أن لا سبيل له إلى العود ولا إلى دخول الكوفة ، سلك طريق الشام سائرا نحو يزيد بن معاوية لعلمه عليه السلام بأنه على ما به أرق من ابن زياد وأصحابه ، فسار عليه السلام حتى قدم عليه عمر بن سعد في العسكر العظيم ، وكان من أمره ما قد ذكر وسطر ، فكيف يقال انه القى بيده إلى التهلكة؟ وقد روى أنه صلوات الله وسلامه عليه وآله قال لعمر بن سعد : اختاروا منى إما الرجوع إلى المكان الذي اقبلت منه ، أو ان اضع يدي في يد يزيد ابن عمى ليرى في رأيه ، وإما ان تسيروني إلى ثغر من ثغور المسلمين ، فأكون رجلا من أهله لى ماله وعلي ما عليه. وان عمر كتب إلى عبيد الله بن زياد بما سئل فأبى عليه وكاتبه بالمناجزة وتمثل بالبيت المعروف وهو : الآن علقت مخالبنا به * يرجو النجاة ولات حين مناص فلما رأى (ع) إقدام القوم عليه وان الدين منبوذ وراء ظهورهم وعلم أنه إن دخل تحت حكم ابن زياد تعجل الذل وآل امره من بعد إلى القتل ، التجأ إلى المحاربة والمدافعة بنفسه وأهله ومن صبر من شيعته ، ووهب دمه ووقاه بنفسه. وكان بين إحدى الحسنيين : إما الظفر فربما ظفر الضعيف القليل ، أو الشهادة والميتة الكريمة.

وأما مخالفة ظنه عليه السلام

لظن جميع من أشار عليه من النصحاء كابن عباس وغيره ، فالظنون انما تغلب بحسب الامارات. وقد تقوى عند واحد وتضعف عند آخر ، لعل ابن عباس لم يقف على ما كوتب به من الكوفة ، وما تردد في ذلك من المكاتبات والمراسلات والعهود والمواثيق. وهذه أمور تختلف أحوال الناس فيها ولا يمكن الاشارة إلا إلى جملتها دون تفصيلها.

١٧٧

فأما السبب

في أنه (ع) لم يعد بعد قتل مسلم بن عقيل ، فقد بينا وذكرنا أن الرواية وردت بأنه عليه السلام هم بذلك ، فمنع منه وحيل بينه وبينه.

فأما محاربة الكثير بالنفر القليل

فقد بينا أن الضرورة دعت إليها وان الدين والحزم ما اقتضى في تلك الحال الا ما فعله ، ولم يبذل ابن زياد من الامان ما يوثق بمثله. وإنما أراد إذلاله والغض من قدره بالنزول تحت حكمه ، ثم يفضي الامر بعد الذل إلى ما جرى من إتلاف النفس. ولو أراد به (ع) الخير على وجه لا يلحقه فيه تبعة من الطاغية يزيد ، لكان قد مكنه من التوجه نحوه استظهر عليه بمن ينفذه معه. لكن التراث البدوية والاحقاد الوثنية ظهرت في هذه الاحوال. وليس يمتنع أن يكون عليه السلام من تلك الاحوال مجوزا أن يفئ إليه قوم ممن بايعه وعاهده وقعد عنه ، ويحملهم ما يكون من صبره واستسلامه وقلة ناصره على الرجوع إلى الحق دينا أو حمية ، فقد فعل ذلك نفر منهم حتى قتلوا بين يديه شهداء. ومثل هذا يطمع فيه ويتوقع في أحوال الشدة.

فأما الجمع بين فعله (ع) وفعل أخيه

الحسن فواضح صحيح ، لان أخاه سلم كفا للفتنة وخوفا على نفسه وأهله وشيعته ، واحساسا بالغدر من أصحابه. وهذا لما قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه وتوثق له ، ورأى من أسباب قوة أنصار الحق وضعف أنصار الباطل ما وجب عليه الطلب والخروج. فلما انعكس ذلك وظهرت امارات الغدر فيه وسوء الاتفاق رام الرجوع والمكافة والتسليم كما فعل أخوه ، فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه ، فالحالان متفقان. إلا أن التسليم والمكافة عند

١٧٨

ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه ، ولم يجب إلا إلى الموادعة ، وطلب نفسه (ع) فمنع منها بجهده حتى مضى كريما إلى جنة الله ورضوانه. وهذا واضح لمن تأمله ، وإذا كنا قد بينا عذر أمير المؤمنين عليه السلام في الكف عن نزاع من استولى على ما هو مردود إليه من أمر الامة ، وأن الحزم والصواب فيما فعله ، فذلك بعينه عذر لكل إمام من أبنائه عليهم السلام في الكف عن طلب حقوقهم من الامامة ، فلا وجه لتكرار ذلك في كل إمام من الائمة (ع) والوجه أن نتكلم على ما لم يمض الكلام على مثله.

أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام

إن قيل كيف تولى على بن موسى الرضا عليه السلام العهد للمأمون ، وتلك جهة لا يستحق الامامة منها ، أو ليس هذا إيهاما فيما يتعلق بالدين؟ (الجواب) : قلنا قد مضى من الكلام في سبب دخول أمير المؤمنين في الشورى ما هو أصل في هذا الباب ، وجملته ان ذا الحق له أن يتوصل إليه من كل جهة ، وبكل سبب ، لا سيما إذا كان يتعلق بذلك الحق تكليف عليه ، فإنه يصير واجبا عليه التوصل والتحمل والتصرف في الامامة مما يستحقه الرضا صلوات الله عليه وآله بالنص من آبائه. فإذا دفع عن ذلك وجعل إليه من وجه آخر أن يتصرف فيه ، وجب عليه أن يجيب إلى ذلك الوجه ليصل منه إلى حقه. وليس في هذا إيهام لان الادلة الدالة على استحقاقه (ع) للامامة بنفسه تمنع من دخول الشبهة بذلك ، وان كان فيه بعض الايهام يحسنه دفع الضرورة إليه كما حملته وآبائه (ع) على إظهار متابعة الظالمين والقول بإمامتهم ، ولعله (ع) أجاب إلى ولاية العهد للتقية والخوف ، وأنه لم يؤثر الامتناع إلى من ألزمه ذلك وحمله عليه فيفضي الامر إلى المباينة والمجاهرة

١٧٩

والحال لا يقتضيها وهذا بين.

القائم المهدي صلوات الله عليه

إن قال قائل فما الوجه في غيبته عليه السلام واستتاره على الاستمرار والدوام حتى ان ذلك قد صار سببا لنفي ولادته وانكار وجوده؟ وكيف يجوز أن يكون اماما للخلق وهو لم يظهر قط لاحد منهم ، وآباؤه (ع) وان كانوا غير آمرين فيما يتعلق بالامامة ولا ناهين ، فقد كانوا ظاهرين بارزين يفتون في الاحكام ويرشدون عند المعضلات لا يمكن أحد نفي وجودهم وان نفي إمامتهم؟ (الجواب) : قلنا اما الاستتار والغيبة فسببهما اخافة الظالمين له على نفسه ، ومن أخيف على نفسه فقد احوج إلى الاستتار ، ولم كن الغيبة من ابتدائها على ما هي عليه الآن ، فإنه في ابتداء الامر كان ظاهر لاوليائه غائبا عن أعدائه ، ولما اشتد الامر وقوي الخوف وزاد الطلب استتر عن الولي والعدو ، فليس ما ذكره السائل من أنه لم يظهر لاحد من الخلق صحيحا.

فأما كون ذلك سببا لنفي ولادته (ع)

فلم يكن سببا لشئ من ذلك إلا بالشبهة وضعف البصيرة والتقصير عن النظر الصحيح ، وما كان التقصير داعيا إليه والشبهة سببه من الاعتقادات ، وعلى الحق فيه دليل واضح باد لمن أراده ، ظاهر لمن قصده ، ليس يجب المنع في دار التكليف والمحنة منه ، ألا ترى أن تكليف الله تعالى من علم انه يكفر قد صار سببا لا عتقادات كثيرة باطلة ، فالملحدون جعله طريقا إلى نفى الصانع ، والمجبرة جعلته طريقا إلى أن القبيح منا لا يقبح من فعله تعالى ، وآخرون جعلوه طريقا إلى الشك والحيرة الدفع عن القطع على حكمه القديم تعالى ، وكذلك فعل الآلام بالاطفال والبهائم قد شك كثير من الناس ، منهم الثنوية وأصحاب التناسخ والبكرية والمجبرة ، ولم يكن دخول الشبهة بهذه الامور على من قصر في النظر وانقاد إلى

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189