الأسرة في المجتمع الإسلامي

الأسرة في المجتمع الإسلامي50%

الأسرة في المجتمع الإسلامي مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 113

الأسرة في المجتمع الإسلامي
  • البداية
  • السابق
  • 113 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79867 / تحميل: 7079
الحجم الحجم الحجم
الأسرة في المجتمع الإسلامي

الأسرة في المجتمع الإسلامي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

* المرأة كاملة لا نقص فيها:

3 - ما يَظهر من بعض الفوارق الجزئيّة بين الرجل والمرأة في الخِلْقَة والإحساسات لا يكون نقصاً في أحدهما، بل إنّ مَثَل المرأة والرجل مثل السيّارة الصغيرة المُعَدَّة لحمل المسافرين، والسيّارة الكبيرة المُعَدّة لحمل الحديد والأحجار - إنْ صحّ التعبير - فقد جُعِلَتْ كلّ واحدة منهما لشأن، فلا نقص في أحدهما، وإنّما اختلافهما هو لمصلحة.

فإنّ المرأة خُلِقَتْ عاطفيّة أكثر من الرجل؛ لدورها في تربية الأطفال، والرجل خُلق عقلانيّاً أكثر؛ وذلك لاحتياج المجتمع إلى كلا الأمرين، فَجَعْل التساوي المطلق بينهما خلاف تركيب خلقهما.

فلو أُلقي عمل الرجل على المرأة أو عمل المرأة على الرجل كان ذلك كما إذا حملتْ السيّارةُ الصغيرة الحديدَ والحجارة، أو حملتْ السيارةُ الكبيرة الركابَ، ففي الأوّل عطب السيّارة، وفي الثاني عطب المسافرين.

٢١

* مشروع الزواج:

4 - ينبغي أنْ يكون في كلّ بلد (صندوق الزواج) ليُعين على تزويج العزّاب والعازبات، ومساعدتهم في تكوين عشّ الزوجيّة، قال تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) (1) .

ونرى أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يهتمّ لتزويج مَن لم يكن متزوّجاً.. وكذلك الإمام أمير المؤمنين، وسائر الأئمّة الطاهرين (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

فقد روي عن الصادق (عليه السلام): (أنّ رسول الله زوّج المقداد بن الأسود ضِبَاعة ابنة الزبير بن عبد المطّلب، وإنّما زوّجه لتتّضع المناكح، وليتأسّوا برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وليعلموا أنّ أكرمهم عند الله أتقاهم) (2) .

كما أمر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتزويج جويبر في قصّة مفصّلة (3) .

____________________

1 - سورة المائدة: آية: 2.

2 - بحار الأنوار: ج22، ص437، ب13، ح2.

3 - راجع بحار الأنوار: ج22، ص117، ب37، ح89، وفيه: عن محمّد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة الثمالي قال:

كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) إذ استأذن عليه رجل فأَذِنَ له، فدخل عليه فسلّم، فرحّب به أبو جعفر (ع) وأدناه وساءله، فقال الرجل:

جُعِلتُ فداك إنّي خطبتُ إلى مولاك فلان بن أبي رافع ابنته فلانة فردني ورغب عنّي وازدرأني لدمامتي وحاجتي وغربتي، وقد دخلني من ذلك غضاضة، هجمة عض لها قلبي تمنّيت عندها الموت.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): (اذهب فأنت رسولي إليه، وقل له: يقول لك محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): زوّج منحج ابن رياح مولاي ابنتك فلانة ولا تردّه).

قال أبو حمزة: فوثب الرجل فرحاً مسرعاً برسالة أبي جعفر (عليه السلام)، فلمّا أنْ توارى الرجل قال أبو جعفر: ( ‎ إنّ رجلاً كان من أهل اليمامة يُقال له: جويبر أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منتجعاً للإسلام فأسلم وحسن إسلامه، وكان رجلاً قصيراً دميماً محتاجاً عارياً، وكان من قِبَاح السودان، فضمّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لحال غربته وعراه، وكان يجري عليه طعامه صاعاً من تمر بالصاع الأوّل، وكساه شملتين، وأمره أنْ يلزم المسجد ويرقد فيه بالليل، فمكث بذلك ما شاء الله حتّى كثر الغرباء ممّن يدخل في الإسلام من أهل =

٢٢

____________________

= الحاجة بالمدينة وضاق بهم المسجد، فأوحى الله عزّ وجل إلى نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنْ طهّر مسجدك، وأخرج من المسجد مَن يرقد فيه بالليل، ومُرْ بسدّ أبواب كلّ مَن كان له في مسجدك باب إلاّ باب علي ومسكن فاطمة (عليها السلام)، ولا يمرّنَّ فيه جُنُب، ولا يرقد فيه غريب).

قال: فأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بسدّ أبوابهم إلاّ باب علي (عليه السلام)، وأقرّ مسكن فاطمة (صلّى الله عليها) على حاله.

قال: ثمّ إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمر أنْ يتّخذ للمسلمين سقيفة، فعُمِلَتْ لهم وهي الصفة، ثمّ أمر الغرباء والمساكين أنْ يظلّوا فيها نهارهم وليلهم، فنزلوها واجتمعوا فيها، فكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتعاهدهم بالبُرّ والتمر والشعير والزبيب، إذا كان عنده، وكان المسلمون يتعاهدونهم ويرقونهم لرقّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويصرفون صدقاتهم إليهم.

فإنّ رسول الله نظر إلى جويبر ذات يوم برحمةٍ منه له ورقّة عليه، فقال: (يا جويبر، لو تزوّجتَ امرأة فعفّفتَ بها فرجَك وأعانتك على دنياك وآخرتك.

فقال له جويبر: يا رسول الله بأبي أنت وأمّي، مَن يرغب فيّ؟ فو الله ما مِن حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال، فأيّة امرأة ترغب فيّ؟

فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا جويبر، إنّ الله قد وضع بالإسلام مَن كان في الجاهليّة شريفاً، وشرف بالإسلام مَن كان في الجاهليّة وضيعاً، وأعزّ بالإسلام مَن كان في الجاهليّة ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان مِن نخوة الجاهليّة وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلّهم: أبيضهم وأسودهم، وقُرَشِيِّهم وعربيّهم وعجميّهم من آدم، وإنّ آدم خلقه الله من طين، وإنّ أحبّ الناس إلى الله عزّ وجل يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم، وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلاً إلاّ لِمَنْ كان أتقى لله منك وأطوع.

ثمّ قال له: انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد، فإنّه مِن أشرف بني بياضة حَسَبَاً فيهم، فقل له: إنّي رسول رسول الله إليك وهو يقول لك: زوّج جويبر ابنتك الدلفاء.

قال: فانطلق جويبر برسالة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى زياد بن لبيد وهو في منزله وجماعة من قومه عنده، فاستأذن، فأُعلم، فأُذن له وسلّم عليه، ثمّ قال: يا زياد بن لبيد: إنّي رسول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إليك، في حاجة فأبوح بها، أمْ أسرّها إليك؟ =

٢٣

____________________

=

فقال له زياد: بل بح بها فإنّ ذلك شرف لي وفخر.

فقال له جويبر: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول لك: زوّج جويبر ابنتك الدلفاء.

فقال له زياد: أَ رسول الله أرسلك إليّ بهذا يا جويبر؟

فقال له: نعم، ما كنتُ لأكذب على رسول الله (ص)؟

فقال له زياد: إنا لا نزوّج فَتَيَاتِنَا إلاّ أكفّاءنا مِن الأنصار، فانصرف يا جويبر حتّى ألقى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأُخبره بعذري.

فانصرف جويبر وهو يقول: والله ما بهذا أُنزل القرآن، ولا بهذا ظهرتْ نبوّة محمّد ‎ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

فسمعت مقالته الدلفاء بنت زياد وهي في خدرها، فأرسلتْ إلى أبيها: ادخل إليّ، فدخل إليها، فقالت له: ما هذا الكلام الذي سمعتُه منك تحاور به جويبراً؟

فقال لها: ذكر لي أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أرسله، وقال: يقول لك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): زوّج جويبراً ابنتك الدلفاء.

فقالت له: والله ما كان جويبر ليكذب على رسول الله (ص) بحضرته، فابعث الآن رسولاً يردّ عليك جويبراً.

فبعث زياد رسولاً فلحق جويبراً، فقال له زياد: يا جويبر، مرحباً بك، اطمئن حتّى أعود إليك، ثمّ انطلق زياد إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال له بأبي أنت وأمّي إنّ جويبراً أتاني برسالتك، وقال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: زوّج جويبراً ابنتك

الدلفاء، فلم أَلِنْ له في القول، ورأيتُ لقاءك، ونحن لا نزوّج إلاّ أكفّاءنا من الأنصار.

فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا زياد، جويبر مؤمن، والمؤمن كفؤ للمؤمنة، والمسلم كفؤ للمسلمة، فزوّجه يا زياد ولا ترغب عنه.

قال: فرجع زياد إلى منزله ودخل على ابنته، فقال لها ما سمعه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

فقالتْ له: إنّك إنْ عصيتَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كفرتَ، فزوّج جويبراً.

فخرج زياد فأخذ بيد جويبر، ثمّ أخرجه إلى قومه، فزوّجه على سُنّة الله وسُنَّة رسوله، وضمن صداقها.

قال: فجهَّزها زياد وهيّأها ثمّ أرسلوا إلى جويبر فقالوا له: ألك منزل فنسوقها إليك؟

فقال: والله مالي من منزل.

قال: فهيَّئوها وهيّئوا لها منزلاً وهيّئوا فيه فراشاً ومتاعاً وكسوا جويبراً ثوبّين، وأُدْخِلَتْ الدلفاء في بيتها وأُدخل جويبر عليها معتماً، فلمّا رآها نظر إلى بيت ومتاع وريح طيّبة، قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتّى طلع الفجر، فلمّا سمع النداء خرج وخرجتْ زوجته إلى الصلاة فتوضّأت وصلّتْ الصبح، فسُئلت: هل مَسَّكِ؟ =

٢٤

____________________

=

فقالت: مازال تالياً للقرآن وراكعاً وساجداً حتّى سمع النداء فخرج.

فلمّا كانت الليلة الثانية فعل مثل ذلك، وأَخْفَوا ذلك من زياد، فلمّا كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك، فأُخْبِرَ بذلك أبوها، فانطلق إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال له: بابي أنت وأمّي يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَمَرْتَنِي بتزويج جويبر، ولا والله ما كان من مناكحنا، ولكن طاعتك أوجبتْ عليّ تزويجه.

فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): فما الذي أنكرتم منه؟

قال: إنّا هيّأنا له بيتاً ومتاعاً، وأُدْخِلَتْ ابنتي البيت وأُدخل معها معتماً، فما كلّمها ولا نظر إليها ولا دنا منها، بل قام إلى زاوية البيت فلم يزل تالياً للقرآن راكعاً وساجداً حتّى سمع النداء فخرج، ثمّ فعل مثل ذلك في الليلة الثانية، ومثل ذلك في الليلة الثالثة، ولم يَدْنُ منها ولم يكلّمها إلى أنْ جِئْتُكَ، وما نراه يريد النساء، فانْظُر في أمرنا؟

فانصرف زياد، وبعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى جويبر، فقال له: أَمَا تقرب النساء؟

فقال له جويبر: أو ما أنا بفحل؟! بلى يا رسول الله إنّي لَشَبِق نَهِم إلى النساء.

فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

قد خبّرت بخلاف ما وصفتَ به نفسك، قد ذكروا لي أنّهم هيّؤوا لك بيتاً وفراشاً ومتاعاً وأُدخلتْ عليك فتاة حسناء عطرة، وأتيت معتماً فلم تنظر إليها ولم تكلّمها ولم تَدْنُ منها، فما دهاك إذن؟

فقال له جويبر: يا رسول الله دخلتُ بيتاً واسعاً، ورأيتُ فراشاً ومتاعاً وفتاةً حسناء عطرة، وذكرتُ حالي التي كنتُ عليها، وغربتي وحاجتي وضيعتي وكينونتي مع الغرباء والمساكين، فأحببتُ إذْ أَوْلاَنِي الله ذلك أنْ أشكره على ما أعطاني، وأتقرّب إليه بحقيقة الشكر، فنهضتُ إلى جانب البيت، فلم أزل في صلاتي تالياً للقرآن راكعاً وساجداً أشكر الله حتّى سمعتُ النداء فخرجتُ، فلمّا أصبحتُ رأيتُ أنْ أصوم ذلك اليوم ففعلتُ ذلك ثلاثة أيّام وليالها، ورأيتُ ذلك في جنب ما أعطاني الله يسيراً ولكنّي سأرضيها وأرضيهم الليلة إنْ شاء الله.

فأرسل رسول الله (ص) إلى زياد، فأتاه وأعلمه ما قال جويبر، فطابتْ أنفسهم.

قال: وَفَى لهم جويبر بما قال، ثمّ إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خرج في غزوة له ومعه جويبر فاستشهد رحمه الله، فما كان في الأنصار أَيِّم أنفق منها بعد جويبر.

٢٥

وقد زوّج أمير المؤمنين (عليه السلام) من بيت المال الشابّ الأعزب الذي استمنى (1) .

و في الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (جاء رجل إلى أبي، فقال له: هل لك من زوجة؟

قال: لا.

فقال أبي: ما أُحب أنّ لي الدنيا وما فيها، وإنِّي بتّ ليلة وليستْ لي زوجة.

ثمّ قال: الركعتان يصلّيهما متزوّج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره، ثمّ أعطاه أبي سبعة دنانير، ثمّ قال: تزوّج بهذه.

ثمّ قال أبي: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): اتّخذوا الأهل فإنّه أَرْزَقُ لكم) (2) .

____________________

1 - فعن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

(إنّ أمير المؤمنين أُتي برجل عبث بذكره حتّى أنزل، فضرب يدَه حتّى احمرّتْ، ثمّ زوّجه من بيت المال)، راجع: غوالي اللئالي: ج2، ص356 و 357، ح35 و 36، باب الحدود.

2 - وسائل الشيعة: ج14، ص7، ب2 من أبواب مقدّمات النكاح، ح5.

٢٦

* الزواج ومواصلة الدراسة:

5 - يلزم إلغاء العادة الغربيّة القاضية بعدم زواج الطلاّب والطالبات إلى حين التخرّج، وكذلك القاضية بعدم زواج الجندي إلى حين إتمامه دورة التدرب.. فإنّ معنى ذلك فتح دور الدعارة وفساد الشباب والفتيات، وتعميم العادة السرِّيَّة الضارّة بالصحّة، وإعطاء الفرصة للبغاء والانحراف الجنسي..

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إذا جاءكم مَن ترضون خُلُقَه ودِيْنَه فزوِّجوه، وأنْ لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) (1) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إذا أتاكم مَن ترضَون دينه وأمانته فزوّجوه، فإنْ لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) (2) .

ثمّ إنّ المتزوّج أقدر على الدراسة والخدمة من الأعزب، إذ اشتغال الفكر بقضايا الجنس يمنع الإنسان عن التركيز في الدراسة أو الخدمة..

____________________

1 - غوالي اللئالي: ج3، ص340، باب النكاح، ح252. بحار الأنوار: ج100، ص373، ب21، ح9.

2 - نوادر الراوندي: ص12. وبحار الأنوار: ج100، ص374، ب21، ح15.

٢٧

قال تعالى: ( وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (1) .

وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (النكاح سنّتي، فَمَنْ رَغِبَ عن سُنَّتي فليس منِّي) (2) .

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : (ركعتان يُصلّيهما متزوّج أفضل من سبعين ركعة يُصلّيهما غير متزوّج) (3) .

وعن الصادق (عليه السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (تزوّجوا، فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: مَن أحبّ أنْ يتّبع سُنَّتي فإنّ سُنَّتي التزويج) (4) .

وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ما بُنِيَ بناء أحبّ إلى الله عزّ وجل من التزويج) (5) .

وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن تزوّج أحرز نصف دينه، فليتَّق الله في النصف الآخر) (6) .

____________________

1 - سورة النور: آية: 32.

2 - جامع الأخبار: ص101، الفصل52. وبحار الأنوار: ج100، ص220، ب1، ح23.

3 - ثواب الأعمال: ص40، ثواب صلاة المتزوّج. و بحار الأنوار: ج100، ص219، ب1، ح15.

4 - وسائل الشيعة: ج14، ص6، ب1 من أبواب مقدّمات النكاح، ح14.

5 - وسائل الشيعة: ج14، ص3، ب1 من أبواب مقدّمات النكاح، ح4.

6 - وسائل الشيعة: ج14، ص5، ب1 من أبواب مقدّمات النكاح، ح11.

٢٨

وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (المتزوّج النائم أفضل عند الله من الصائم القائم العزب) (1) .

وفي قبال ذلك قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ‎ (رُذَّال موتاكم العزّاب) (2) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أكثر أهل النار العزّاب) (3) .

____________________

1 - مستدرك الوسائل: ج4، ص155، ب2 من أبواب مقدّمات النكاح، ح3.

2 - وسائل الشيعة: ج14، ص7، ب2 من أبواب مقدّمات النكاح، ح3.

3 - وسائل الشيعة: ج14، ص8، ب2 من أبواب مقدّمات النكاح، ح7.

٢٩

* المرأة في المجتمع الغربي (1) :

المرأة موضوع كَثُر الكلام حوله، وغالب الكتّاب الإسلاميِّين - الداعين إلى الفضيلة والعفاف - يقارنون بين حال المرأة قبل الإسلام وحال المرأة في ظلّ الإسلام، وهي مقارنة صحيحة.. لكنّ الكلام لا ينتهي عند هذا الحدّ، وإنّنا بحاجة إلى الفرق بين المرأة في المجتمع الإسلامي وبين المرأة في المجتمع الغربي.

ولا نريد الإسهاب في هذا الموضوع، وإنّما نريد عَرْض طرف من أحوال المرأة في المجتمَعَين، لنرى هل تتوفّر راحة المرأة جسديّاً وفكريّاً، وصحّتها وثقافتها، ونظافة سمعتها، وإشباع غرائزها، وطهارة المجتمع الذي تعيش فيه.. في ظلّ الإسلام أمْ في ظلّ الكفر؟

تعيش المرأة في ظلّ الإسلام ولها من الحقوق والواجبات مثل ما للرجل من الحقوق والواجبات.. فهي شق له في كلّ شيء.. إلاّ بعض الأمور التي استُثنيتْ من جهة عدم المقتضي أو وجود المانع.

____________________

1 - نقلنا هذا المبحث عن كتاب (في ظلّ الإسلام) للإمام الشيرازي.

٣٠

* فهي تشارك الرجل في:

الصلاة، والصيام، والخُمس، والزكاة، والحج..

ولكن، حيث إنّ لها وظائف بيتيّة، بالإضافة إلى خشونة الجهاد التي لا يناسب ضعفها ودقّة جهازها ووفرة مشاعرها الرقيقة، لا يحمّلها الإسلام الجهاد على الإطلاق، بل في ضرورة الضرورة فقط، كما هو مشروح في كتب الفقه (1) . كما تشاركه في:

الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وولاية الصالحين، والبراءة من المجرمين..

هذا بالنسبة إلى العبادة..

____________________

1 - راجع: موسوعة الفقه: ج47 - ج48 كتاب الجهاد للإمام المؤلّف.

٣١

* أمّا المعاملة بمعناها الوسيع، فلها:

التجارة، والرهن، والضمان، والوديعة، والمزارعة

والمساقاة، والمضاربة، والشركة، والصلح، والعارية، والإجارة

والوكالة، والوقف، والهِبَة، والوصيّة، كما يجري عليها الحَجْر والفلس

* ولها:

النكاح والطلاق - إذا اشترطت - والنذر، والحلف، والعهد

والعتق، والتدبير، والمكاتبة، والإقرار، والجُعَالة، والصيد، والذباحة

والشُفْعَة، وإحياء الموات، واللقطة، والشهادة، والديات، والقصاص، والإرث..

٣٢

كما أنّ الطعام والشراب بالنسبة إليها، كسائر الرجال، وغير ذلك.

نعم لها بعض الأحكام الخاصّة في بعض هذه الأبواب لأمور خارجة، مثلاً:

في الإرث لها أقل من حقّ الرجل؛ لأنّ الرجل هو القائم بالنفقة، وعليه تَبِعَة المسكن والمَلْبَس، وليس الطلاق بيدها، لأنّ حقّ القيّمومة للرجل، وذلك لأنّ إدارة البيت لا بدّ وأنْ توكل إلى واحد، وحَزْم الرجل أكثر من المرأة؛ ولذا جُعِلَتْ إليه، وفي قبال هذا الواجب جُعِلَ حقّ الطلاق؛ لتكافئ الحقوق والواجبات. وهكذا.. وهكذا..

قد كانت المرأة في ظلّ الإسلام تعيش آمنة سعيدة مرفّهة، لها حقوقها، وعليها واجباتها.. حتّى جاء الغرب فرآها محرومة من حقوقها!! فدافع بكلّ ما أوتي من حول وطول لإرجاع الحقوق إليها!! وجنّد لذلك كلّ عميل وذَنَب بإمكانيّاته المنتفخة.. فشوّقها للذهاب والإيّاب إلى المراقص والملاهي ودور السينما والمسابح والمدارس المختلطة، كما جعل من حقّها التبرّج والسفور واتّخاذ الأخدان والحضور في الحفلات الساهرة

٣٣

وتعاطي اللذّة البريئة: النظر، والكلام المتكسّر، والملامسة، والأمر الأخير!! واعتبر كلّ دعوة إلى الحشمة والوقار، والحياء والعفاف والفضيلة والأخلاق.. دعوة رجعيّة تنافي الحرِّيَّة!

فالمرأة إلى أين وصلتْ حالتُها في ظلّ النُظُم الغربيّة، بعدما كان لها كلّ تجلّة واحترام في ظلّ النُظُم الإسلاميّة، لنرى كيف انهارت المرأة وانهارت معها الحياة العائليّة، مِن جرّاء الدساتير الكافرة التي لا تدين بالله واليوم الآخر.

وبعد هذا نسأل حماة الغرب: هل المرأة في ظلّ أنظمتكم أرفه حالاً و أهنأ عيشاً وأكثر سعادة، أمْ في ظلّ الإسلام؟

ولقد شهد المنصفون من الأجانب بما للإسلام من فضل على المرأة (1) :

* يقول (سيديو):

والقرآن - وهو دستور المسلمين - رفع شأن المرأة بدلاً من خفضها، فقد جعل محمّد حصّة البنت في الميراث تعدل نصف حصّة أخيها،

____________________

1 - انظر: الإسلام بين الإنصاف والجحود.

٣٤

مع أنّ البنات كنّ لا يَرِثْنَ في زمن الجاهليّة، ومحمّد - وان جعل الرجال قوّامين على النساء - بيد أنّ للمرأة حقّ الرعاية والحماية على زوجها.

* ويقول (غوستاف لوبون):

والإسلام قد رفع حال المرأة الاجتماعي وشأنها رفعاً عظيماً، بدلاً من خفضها، خلافاً للمزاعم المُكَرَّرة على غير هدى، والقرآن قد منح المرأة حقوقاً إرثيّة أحسن ممّا في أكثر قوانيننا الأوروبِّيّة.

ويقول: هنا نستطيع أنْ نكرّر إذن قولنا: إنّ الإسلام الذي رفع المرأة كثيراً، بعيد من خفضها، ولم يقتصر فضل الإسلام على رفع شأن المرأة، بل نضيف إلى هذا: أنّه أوّل دين فعل مثل ذلك، ويسهل إثبات هذا ببياننا: إنّ جميع أديان الأمم التي جاءت قبل العرب أساءت إلى المرأة.

٣٥

وهنا مقتطفات من كتاب (الحجاب) للمودودي، للبرهنة على مدى انحطاط المرأة في ظلّ الكفر وما يسمّى بالديمقراطيّة، ونكتفي هنا بالنقل من دون ذكر المصادر التي نقلها الكتاب عنها.. واليك النصوص:

- (وجاء قوم، فمهّدوا الأسباب لإكراه النساء، وتقدّموا بِحِرْفَة البغاء، إلى أنْ أصبحت تجارة دوليّة منظّمة).

- (أمر الإجهاض.. ليس هناك قطر من الأقطار إلاّ وتقترف فيه هذه الشنيعة علناً وعلى نطاق واسع، فهذه إنكلترا يسقط فيها تسعون ألف حمل في كلّ سنة على أقل تقدير، وتكون في كلّ مئة من المتزوّجات فيها خمس وعشرون - على الأقل - إمّا يُبَاشرْنَ الإسقاط بأيديهنّ، أو يَسْتَعِنّ عليه بالمتخصِّصين، وترتفع هذه النسبة فوق هذا في غير المتزوّجات، فقد أُنشئتْ في بعض المدن هناك نوادٍ منظّمة للإسقاط.. ويكثر في لندن عدد دور التمريض التي تكون معظم المريضات فيها من المسقطات).

٣٦

- (وفي فرنسا: نشر قائد لبعض الفِرَق العسكريّة إعلاناً للجنود التابعة له، جاء فيه: قد بلغنا أنّ عامّة الرجّالة والخيّالة يشتكون من تزاحم رجال البنادق على دور بغاء الجنديّة.. وأنّ مكتب القيادة لا يزال يسعى لزيادة عدد النساء؛ حتّى يكفينَ لجميع الجنود، ولكن قبل أنْ يتمّ ذلك نوصي رجال البنادق أنْ لا يطيلوا مكثهم داخل تلك الدور ويتعجّلوا بقضاء شهواتهم ما استطاعوا).

- (وفي فرنسا: ليس على مَن كان يريد الاتصال بآنسة من الآنسات إلاّ أنْ يُعْلِم الوكالة - الوكالة البغائيّة - بعنوان تلك الآنسة، وعلى الوكالة بعد ذلك أنْ تراود الآنسة على الأمر، ودلّتْ سجلاّت هذه الوكالة على أنّه لم تكن طبقة من طبقات المجتمع الفرنسي إلاّ وعامل كثير من أناسها هذه الوكالة وتمتّعوا بخدماتها).

- (لم يعد الآن من الغريب الشاذ وجود العلاقات الجنسيّة بين الأقارب في النسب: كالأب والبنت، والأخ والأخت، في بعض الأقاليم الفرنسيّة).

٣٧

- (ولقد كان عدد النساء اللواتي كنّ يحترفن البغاء قبل الحرب العالميّة الأولى: نصف مليون).

* وصرّح (مسيو فردينان دريفوس) أحد أعضاء المجلس الفرنسي منذ بضع سنوات:

إنّ حرفة البغاء لم تُعَدُّ الآن عملاً شخصيّاً بل قد أصبحت تجارة رئيسيّة، وحرفة منظّمة، بفضل ما تجلب وكالاتها من الأرباح الغزيرة، فلها في هذه الأيّام وكلاء يهيّئون (المواد الخام) وآخرون يتجوّلون في البلاد، ولها الآن أسواق منظّمة تستورد فيها وتصدّر منها الفتيات والصبايا كالأموال التجاريّة، وأكثر ما يُطلب في هذه الأسواق من الأموال هو بنات دون العاشرة.

وربّما تبلغ البهيميّة في القائمين بها أقصى حدود الظلم والقساوة، فيقال: إنّ محافظ بلديّة في شرقي فرنسا اضطرّ إلى التدخّل في هذا الأمر؛ لنجدة فتاة كانت قد فرغت في يومها من سبعة وأربعين وارداً، وكان عدد منهم بَعْدُ بالباب يترقّبون!

٣٨

وجاءت الحرب العالميّة الأولى، فابتدعتْ بدعة (البغاء المتطوّع) علاوة على (البغاء التجاري) .. فجعلت هؤلاء النساء يتعاطين بصورة منظّمة، وأصبح تشجيعهنّ وإعانتهنّ فضيلة خُلُقِيَّة، عند أولي الدعارة والفجور، وعنيتْ الجرائد اليوميّة الكبرى عناية بالغة باستمالة رجال العمل إليهنّ.. وقد نشرت جريدة واحدة في عدد واحد (199 إعلاناً) عن أمرهنّ.

يقول (بول بيورو): إنّ جميع الأزواج المتزوّجون في مجتمعاتنا قوم خونة متجرّدون من الوفاء اللازم للعِشْرَة الزوجيّة.

وقد نجم عن هذه الموبقات الأمراض السرِّيَّة الفتَّاكة، فقد أعفتْ الحكومة الفرنسيّة في السنتَين الأوّلين من سِنِيّ الحرب العالميّة الأُولى خمسة وسبعين ألفاً؛ لكونهم مصابين بمرض الزهري، وابتلي بهذا المرض وحده (242 جنديّاً) في آن واحد في ثكنة متوسّطة.

* ويقول الدكتور الفرنسي (ليريد):

إنّه يموت في فرنسا (ثلاثون ألف نسمة بالزهري) وما يتبعها من الأمراض الكثيرة في كلّ سنة (1) .

____________________

1 - الإسلام بين الإنصاف والجحود.

٣٩

ولهذه الأمور رغبت الرجال عن النكاح، فبقيت النساء والرجال - على حدّ سواء - يتعاطون البغاء، وفسد النظام العائلي.

فسبعة أو ثمانية في الألف هو معدّل الرجال والنساء الذين يتزوّجون في فرنسا اليوم.

وكثر الطلاق كثرة مدهشة، حتّى إنّ محكمة الحقوق بمدينة (سين) فسختْ (294 نكاحاً) في يوم واحد.

إلى كثير.. وكثير.. من أمثال هذه المآسي التي حلّت على البشريّة من جرّاء إعطاء المرأة هذه الحرِّيَّة!!

فهل في ذلك خدمة للمرأة؟

أو للرجل؟

أو للمجتمع؟

٤٠

إنَّ الغلو في المهور يشكّل عقبة اقتصاديّة تحول دون الإقدام على الزواج، وعليه يُمارس الإسلام حواراً إقناعيّاً مع النساء وأولياء أمورهنّ ويُرَّغبهم في تيسير المهر، قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (إنَّ من يُمن المرأة تَيسير خطبتها، وتَيسير صداقها..) (١)

وقال أيضاً: (أفضل نساء أُمّتي أحسنهنَّ وجهاً، وأقلّهنَّ مهراً) (٢) .

وفي مقابل أُسلوب الترغيب اتّبع الإسلام مع المتشدّدين في المهور أُسلوب التوبيخ والتنفير، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (الشؤم في ثلاثة أشياء: في الدابّة، والمرأة، والدار. فأمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها...).

وفي حديث آخر يَجمَع بين الأُسلوبين، فيقول: (من بركة المرأة قلّة مؤونتها، وتيسير ولادتها، ومن شؤمها شدّة مؤونتها، وتعسير ولادتها) (٣) .

ويذهب الإسلام أبعد من ذلك، فهو يعد المرأة التي تَتَصدّق بصداقها على زوجها بالثواب الجزيل وينظر إليها بعين الإكبار والإجلال، فعن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) ما من امرأة تصدّقت على زوجها بمهرها قبل أنْ يدخل بها، إلاّ كَتَب الله لها بكلِّ دينار عتق رقبة) (٤) .

جدير ذكره أنّ الإسلام قد حذّر من المعطيات السلبيّة النفسيّة فضلاً عن الاقتصاديّة التي تَتَرتّب على المُغالاة في المهور، ولعلّ من أبرزها العداوة

____________________

١) كنز العمّال ١٦: ٣٢٢ | ٤٤٧٢١.

٢) مكارم الأخلاق: ١٩٨.

٣) مكارم الأخلاق: ١٩٨.

٤) المصدر السابق: ٢٣٧.

٤١

والضغينة التي قد تجد متنفّساً لها في إثارة المَشاكل لأهل المرأة من طرف الزوج الذي يحسّ بالإجحاف والتعسّف، فيُبيّت نيّة السوء لإلحاق الأذى بالمرأة وأهلها فيما بعد، ومن أجل ذلك قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (تياسروا في الصداق، فإنّ الرّجل لَيُعطي المرأة حتّى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة) (١) .

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تُغالوا في مُهور النساء فتكون عداوة) (٢) .

وهنا يبدو من الضرورة بمكان الإشارة إلى أنّ الإسلام يحثُّ على عدم تجاوز السُنّة المحدّدة للصداق، وهي خمسمائة درهم، يقول السيّد محسن العاملي: (إنَّ الروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء (عليها السلام) والصواب أنَّه كان خمسمائة درهم، اثنتي عشرة أوقية ونصفاً، والأوقية أربعون درهماً؛ لأنّه مهر السُنّة كما ثبت من طريق أهل البيت (عليهم السلام)) (٣) .

والظاهر أنّ نبيّ الإسلام (صلّى الله عليه واله وسلّم) أراد من تحديده لمهر الزهراء (عليها السلام) بهذا المقدار، أنّ يضع حدّاً مثاليّاً يُمثّل الحلّ النسبي والوسط الذي ينسجم مع العقل والمنطق لقضيّة الصداق، خصوصاً إذا ما علِمنا بأنّ اليد الغيبيّة كانت من وراء تحديد مهر الزهراء (عليها السلام)، فعن جابر الأنصاري قال: لما زوّج رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) فاطمة (عليها السلام) من علي (عليه السلام) أتاه أُناس من قريش فقالوا: إنّك زوَّجت عليّاً بمهرٍ خسيس، فقال: (ما أنا زوّجت عليّاً، ولكنّ الله زوّجه) (٤) .

وبنظرةٍ فاحصة نجد أنّ الإسلام عالج هذه القضيّة بمنتهى المُرونة إذ إنّه لم يجعل

____________________

١) كنز العمّال ١٦: ٣٢٤ | ٤٤٧٣١.

٢) مكارم الأخلاق: ٢٣٧.

٣) في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ١: ١٦٢ - ١٦٣ دار التعارف ط ١٤٠٠ هـ.

٤) مكارم الأخلاق: ٢٠٨.

٤٢

مهر السُنّة الذي هو مهر الزهراء (عليها السلام) واجباً على الجميع، بل جعله حدّاً لا يجوز تعدّيه وتجاوزه من قِبل ذَوِي الثراء والأغنياء، بشكل يجعل الزواج مُتعسّراً، سيّما على الفقراء وذَوي الدخل المحدود الذين فَتَح لهم الإسلام الباب على مصراعيه في الحثّ على تزويجهم ولو بتعليم سورة من القرآن.

خامساً: مراسيم الزّواج:

نظراً لأهميّة وقدسيّة الزوّاج فقد وضعت له مراسيم خاصّة تنسجم مع مبادئ الإسلام ورؤيته السليمة، وتمتاز بالبساطة والابتعاد عن مظاهر الإسراف والتكلّف، ولا تخرج عن قواعد وحدود الشرع.

وتبدأ هذه المراسيم العبادّيّة - الاجتماعيّة مُنذ أنْ يقرّر الشاب الزواج بأنْ يُصلّي ركعتين ويدعو بعدهما بمأثور الدعاء، فقد رُوي أنَّ الإمام الباقر (عليه السلام) سأل أبا بصير، قائلاً له: (إذا تزوج أحدكم كيف يصنع؟ فقال: لا أدري،

فقال (عليه السلام): إذا همَّ بذلك فليصلِ ركعتين وليحمد الله عزَّ وجل وليقل: (اللهمَّ إني أُريد أنْ أتزوّج، اللهمَّ فقدّر لي من النساء أحسنهنَّ خَلقاً وخُلقاً، وأعفّهن فرجاً، وأحفظهنَّ لي في نفسِها ومالي، وأوسعهن رزقاً، وأعظمهنّ بركةً، واقضِ لي منها ولداً طيّباً، تجعله لي خَلَفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي)) (١) .

بعد ذلك يَنتخِب الزوجة الصالحة، وفق المواصفات التي ذكرناها آنفاً وتبدأ مراسيم الخطبة قبل العقد وذلك بإحضار جماعة من أهل الفضل والمعرفة إلى أهل المرأة، ويُستحب أنْ يُلقي الخطيب أو مَن ينوب عنه خطبةً يَستهلّها بآيٍ مِن

____________________

١) مكارم الأخلاق: ٢٠٥.

٤٣

القرآن الكريم والحديث الشريف، ثُمّ يُفضى إلى ذِكر الغرض، وهو خطبة المرأة وذكر مواصفاتها الصالحة وإيمانها وما إلى ذلك، وفي السيرة النبويّة وتُراث الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) كثير من الخُطب المأثورة عنهم (عليهم السلام) في الزواج، منها خطبة الإمام الرضا (عليه السلام) لنفسه في زواجه من أمّ حبيبة، وخطبة ولده الإمام الجواد (عليه السلام) لنفسه في زواجه من أمّ الفضل، وغيرهما.

ويُستحب الإعلان عن العقد والإشهاد عليه، وإيقاعه ليلاً،

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (زفّوا عرائسكم ليلاً، وأطعموا ضُحى) (١) .

ويُستحب الوليمة عند الزفاف يوماً أو يَومين، وأنْ يُدعى لها المؤمنون.

واتّضح من خلال هذه المراسيم أنّ السمة الغالبة عليها هي عباديّة فضلاً عن كونها اجتماعيّة، تُوجّه الزوجين للارتباط بالله تعالى واستمداد العون والتوفيق منه، ثُمّ يتخلّلها أداء الصلاة والأذكار وقراءة القرآن والإطعام الذي يُذكر فيه - عادة - الجيران ويشمل الفقراء والمساكين.

ثمّ تأتي مراسيم الزفاف، وممّا يدل على أهميّتها أنّه (لمّا كانت ليلة الزفاف - لفاطمة على الإمام عليّ (عليهما السلام) - أتى النبيّ (صلّى الله عليه واله وسلّم) ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة، وقال لفاطمة: (اركبي)، وأمَرَ سلمان رضي الله عنه أنْ يقودها، والنبيّ … (صلّى الله عليه واله وسلّم) يسوقها، وكبّر (صلّى الله عليه واله وسلّم) فوضع التكبير على العرائس من تلك الليلة) (٢) .

وهكذا تتمّ هذه المراسيم العالية في أجواء من الطُّهر والفضيلة، تَتَفجّر فيها ينابيع المشاعر والأحاسيس الخيّرة، وتنطلق فيها الدعوات المخلصة إلى الله تعالى؛ لكي يُبارك للعروسين حياتهما الجديدة.

____________________

١) مكارم الأخلاق: ٢٠٨.

٢) مكارم الأخلاق: ٢٠٨.

٤٤

الفصل الثاني

عناية الإسلام بالأُسرة عند نشأتها

المبحث الأول: عناية الإسلام بالجانب الروحي بين الزوجين

يضع الإسلام في طليعة اهتمامه مسألة توثيق العلاقة الروحيّة بين الزوجين قبل وبعد عقد قرانهما، حتّى يصمدا في وجه رياح المصاعب والمصائب التي يُمكن أنْ تعصف بِعُش الزوجيّة.

فليس خافياً بأنّ توثيق العلاقة مع الخالق تنعكس آثاره النافعة على المخلوق، والملاحظ أنّ الإسلام يتّبع خطّة ثلاثيّةِ الأركان من أجل الارتقاء الروحي بالزوجين، يُمكننا الإشارة إليها بالنقاط التالية:

أولاً: المواظبة على الطاعات:

الطاعة تَتَحقّق - واقعاً - من خلال تطبيق المنهج الربّاني المعد سلفاً من أجل الارتقاء الروحي بالإنسان المسلم، وتأتي (الصلاة) في طليعة تلك الطاعات، فهي تربط الإنسان بربّه في أوقات متعاقبة ومنتظمة، فيستمدّ من خلالها شحنات روحيّة عالية، الأمر الذي يَنعكس - إيجابيّاً - على سلوكه وتعامله مع

٤٥

عائلته، لا سيّما وأنّ الصلاة تقوم بدور الرّدع للإنسان المسلم عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى مخاطباً الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): ( ..وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ.. ) (العنكبوت:٤٥) (١) .

ولذلك نجد أنّ الرسل والأنبياء، يأمرون أهلهم بالمحافظة على الصلاة، ومن أبرز الشواهد على ذلك ما حكاه القرآن عن سلوك إسماعيل (عليه السلام) السوّي، وكيف كان يأمر أهله بالطاعات، قال تعالى: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْماعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أهْلَهُ بِالصَّلأةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ) (مريم:٥٤-٥٥) (٢) .

كما نجد في القرآن خطاباً موجّهاً للرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) بأنْ يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها، والمُلفت للنظر هنا أنّ هذا الخطاب قد ورد بعد النهي عن النظر إلى نساء الآخرين، الأمر الذي يعني أنّ الطاعات وخاصّة الصلاة، تُحصّن الإنسان وأهله من المَفاسِد الاجتماعيّة.

تدبّر جيّداً في هذا المقطع القرآني الزاخر بالمعاني: ( وَلأ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأبْقَى * وَأْمُرْ أهْلَكَ بِالصَّلأةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لأ نَسْألُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) (طه:١٣١-١٣٢) (٣) .

فمن الضرورة بمكان أنْ يَحثّ ويُشجع كلّ من الزوجين أحدهما الآخر على المحافظة على الصلاة التي تُقرّبهما إلى الله تعالى وتُبعّدهما عن الفحشاء والمنكر، خصوصاً وأنّ هذا الحثّ والتشجيع المُتبادل يَستتبع الثواب الجزيل، قال

____________________

١) سورة العنكبوت: ٢٩ | ٤٥.

٢) سورة مريم: ١٩ | ٥٤ - ٥٥.

٣) سورة طه: ٢٠ | ١٣١ - ١٣٢.

٤٦

النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم): (رحِم اللهُ رجلاً قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأته فصلّت، فإنْ أبت نضح في وجهِها الماء، رحِم الله امرأةً قامَت من الليل فصلّت وأيقظت زوجها، فإنْ أبى نَضَحَت في وجهِه الماء) (١) .

وفي هذا الإطار لابدّ من إلفات النظر إلى أنْ الإسلام قد ربط بين قبول الصلاة وكمالها، وبين العلاقة الزوجيّة وطبيعتها، ويكفي شاهداً على ذلك ما ورد في وصيّة النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم) للإمام عليّ (عليه السلام): (.. يا علي ثمانية لا يُقبل منهم الصلاة.. والناشزة وزوجها عليها ساخط..) (٢) .

من جانب آخر يُعتبر الصيام أحد الطاعات التي تفرز معطيات روحيّة واجتماعيّة أبرزها التقوى وابتلاء إخلاص الخُلق، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (البقرة:١٣٨) (٣) .

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر، والزكاة تسبيباً للرزق، والصيام ابتلاءً لإخلاص الخُلق..) (٤) .

ولاشكّ بأنّ الإخلاص للخالق يَستتبع إخلاصاً في التعامل مع المخلوقين وخاصّة مع الأهل أو الزوج.

ثمّ إنَّ الصيام يكتسب قبوله وكماله من الالتزام السلوكي العالي للفرد المسلم مع الآخرين، عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) أنّها قالت: (ما يصنع الصائم بصيامه إذا

____________________

١) سنن أبي داود ٢: ٧٠ | ١٤٥٠ باب الحث على قيام الليل. ط - دار الفكر.

٢) مكارم الأخلاق | الطبرسي: ٥٠٠.

٣) سورة البقرة: ٢ | ١٨٣.

٤) نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: ٥١٢ | حكم ٢٥٢.

٤٧

لم يغضّ لسانه، وسمعه، وبصره، وجوارحه) (١) .

فهو يقوم بعمليّة ضبط واعية لجوارح الفرد ويردعه عن الإساءة للآخرين، كما يُساهم في خَلق حالة من السكينة والاطمئنان في نفسه، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (والصيام والحجّ تسكين للقلوب) (٢) .

ثانياً: مُمارسة المَندوبات:

وتأتي في المرحلة التالية بعد أداء الواجبات، فَتُساهم في رفع إيمان الزوجين إلى آفاق عالية، وتحيط حياتهما الزوجيّة بهالة من الروحانيّة، وقبل كلّ ذلك تُقرّبهما إلى الله زُلفى، قال الإمام الكاظم (عليه السلام): (صلاة النَّوافل قُربانٌ إلى الله لكلِّ مُؤمن) (٣) .

ويأتي ذكر الله تعالى في طليعة المندوبات، إذ يعمل على زرع الطمأنينة في القلوب، وقَشعِ غيوم المخاوف التي تزخر بها الحياة، قال تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ ألأ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (الرعد:٢٨) (٤) .

ثمّ إنَّ ذكر الله لا تقتصر آثاره النافعة على الناحية الروحيّة، بل يشتمل الجوانب السلوكيّة أيضاً، فلا شكّ أنّها تنعكس على العائلة، وتُحقّق الحياة الطيّبة والسعيدة لأفرادها، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (مَن عَمّر قلبَه بدوام الذكر، حسنت أفعاله في السر والجهر) (٥) ،

وقال أيضاً: (اذكروا الله ذكراً خالصاً،

____________________

١) دعائم الإسلام: ٢٦٨، وبحار الأنوار ٩٦: ٢٩٥.

٢) أمالي الطوسي ١: ٣٠٢، وبحار الأنوار ٧٨: ١٨٣.

٣) تحف العقول: ٤٠٣.

٤) سورة الرعد: ١٣ | ٢٨.

٥) غرر الحكم ح ٨٨٧٢.

٤٨

تَحيوا به أفضل الحياة، وتَسلكوا بهِ طُرُق النجاة) (١) .

وما يُعزز ذلك، نجد أنّ بيوت الأنبياء وأهل البيت (عليهم السلام) خاصّة تُخيم عليها السعادة والسكينة والاحترام المُتبادل؛ وذلك نتيجة لمواظبتهم على الطاعات وكثرة ذكرهم لله سبحانه.

ذَكَر صاحب مَجمع البيان في معرض تفسيره لقوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) (٢) .

أنّه سُئل النبيّ (صلّى الله عليه واله وسلّم) لما قرأ الآية، أيّ بيوتٍ هذه؟ فقال: (هي بيوت الأنبياء) فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها؟ يعني بيت عليّ وفاطمة (عليهما السلام) قال (نَعم، مِن أفضلِها). ويَعضِد هذا القول قوله تعالى: ( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣)

وقوله: ( رَحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ عَليكُم أهلَ البيتِ ) (هود:٧٣) (٤) .

من جهة ثانية نَجد أنّ البيوت التي تبتعد عن جادّة الإيمان وطاعة الله تعالى وتُعرِض عن ذكره، تكون عُرضةً للمشاكل والمشاجرات بين الزوجين، ويَنفَرِط فيما بينها عَقد المحبّة والأُلفة، كما أخبر تعالى: ( ومَن أعرَضَ عن ذِكري فإنَّ لهُ معيشَةً ضنكاً.. ) (٥) .

وينبغي الإشارة هنا إلى أنّ صلاة اللّيل هي من المندوبات التي تُساهم في

____________________

١) تحف العقول: ٢٠ حكم ومواعظ أمير المؤمنين (عليه السلام).

٢) سورة النور: ٢٤ | ٣٦.

٣) سورة الأحزاب: ٣٣ | ٣٣.

٤) مجمع البيان | الطبرسي ٥: ٥٠ - ٥١ | ١٩ منشورات مكتبة الحياة - بيروت.

٥) سورة طه: ٢٠ | ١٢٤.

٤٩

رَفع المؤشّر الروحي للزوجين، وتُدخِلَهما في عِداد الذاكرين؛ لذلك قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (مَن استَيقَظ من الليل وأيقظ امرأته فصلّيا ركعتين جميعاً، كُتِبا مِن الذاكرين الله كثيراً والذاكرات) (١) .

أضف إلى ذلك أنّ الصوم المندوب يُطهّر القلب والصدر، من الوساوِس والشُكوك والنوايا السيّئة، التي قد تُعكّر صفو الحياة الزوجيّة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (.. صوم ثلاثة أيّام من كلِّ شهر، أربعاء بين خميسين وصوم شعبان، يُذهب بِوَساوس الصدر وبَلابِل القَلب) (٢) .

ثالثاً: اجتناب المعاصي والآثام:

ذلك لأنّ المعاصي والذنوب تُسَبّب قساوة القلوب، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما جفّت الدموع إلاّ لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلاّ لكثرة الذنوب) (٣) .

ولاشكّ أنّ صاحب القلب القاسي يكون عديم الإحساس، وضعيف العاطفة تجاه العائلة، ويَتعامل معهم في منتهى القسوة، ثمّ إنّ الذنوب تجلِب البلاء وتُنقّص الرزق،

قال الإمام عليّ (عليه السلام) محذّراً: (.. توقّوا الذنوب، فما مِن بليّةٍ ولا نقصِ رزقٍ، إلاّ بذنب حتّى الخَدش والكبوة والمُصيبة) (٤) .

وهناك صنف من الذنوب تَنعكس آثارها السلبيّة مباشرة على الأُسرة

____________________

١) سنن أبي داود ٢: ٧٠ | ١٤٥١ باب الحث على صلاة الليل.

٢) الخصال، للصدوق ٢: ٦١٢ | ٤٠٠ منشورات جماعة المدرسين - قم طبع ١٤٠٣ هـ.

٣) علل الشرائع، للصدوق: ٨١ | ٧٤ باب علم جفاف الدموع وقسوة القلوب.

٤) الخصال، للصدوق ٢: ٦١٦ | ٤٠٠.

٥٠

كشِرب الخَمر والزنا وقَطيعة الرحِم وعُقوق الوالدين، وقد جاءت الإشارة إلى الآثار الضارة لكلٍّ منها في الذكر الحكيم والحديث الشريف، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (الذنوب التي تغير النِّعم، البَغي... والتي تَهتِك السِّتر شرب الخمر، والتي تَحبِس الرزق الزنا، والتي تُعجِّل الفناء قطيعة الرحِم، والتي تردُّ الدعاء وتُظلم الهواء عقوق الوالدين) (١) .

المبحث الثاني:

عناية الإسلام بالجانب التربوي والأخلاقي بين الزوجين

أولاً: جانب التربية:

لقد أولى الإسلام عنايتَهُ الفائقة لجانب التربية في الأُسرة، ويتّضح لنا ذلك من خلال جُملة من التعاليم التربويّة العالية، التي طلَب من الزوجين مراعاتها والعمل بها، وسوف نُشير هنا إلى أبرزها:

أ - الحبّ المتبادل:

الحبُّ المُتبادل يشكّلُ سوراً عاطفيّاً يُحيط بأفراد الأُسرة، ويشيع أجواء الأُلفة والودّ فيما بينهم، وقد أبرزت الدراسات الاجتماعيّة الحديثة أهميّة الحبُّ المُتبادل بين الزوجين، وأطلقت عليه مُصطلح (الوظيفة العاطفيّة).

ولقد سَبق الإسلام الدراسات الاجتماعيّة الحديثة، فأكّد على أهميّة الحبّ المتبادل بين أفراد العائلة، وحدّد العوامل التي تُورث المحبّة وتُساعد على

____________________

١) أُصول الكافي ٢: ٤٤٧ - ٤٤٨ | ١ باب تفسير الذنوب من كتاب الإيمان والكفر.

٥١

استمرارها كالإحسان والخُلق الحسن والبِشر وطلاقة الوجه.

قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): (جُبلت القلوب على حُبِّ من أحسن إليها، وبُغضِ مَن أساء إليها) (١) ، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (حُسن الخُلق مَجلَبة للمودّة) (٢) ، وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (البشر الحسن وطلاقةُ الوجه، مكسبةٌ للمَحبّة، وقُربةٌ إلى الله، وعبوس الوجه وسوءُ البشر، مكسبة للمَقت وبُعد مِن الله) (٣) .

وثمّة عوامل رئيسة دينيّة وخُلقيّة وحتّى اقتصاديّة، تُورث المَحبّة، حصرها الإمام الصادق (عليه السلام) بثلاثة خصال، فقال: (ثلاثةٌ تورثُ المحبَّة: الدِّينُ، والتواضع، والبذل) (٤) .

ب - المُعاشرة بالمعروف:

لقد حثّت تعاليم الإسلام الزوجين على حُسن المُعاشرة فيما بينهما؛ وذلك لأنّها ركيزة أساسيّة لدوام المحبّة والأُلفة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (بحسن العشرة تدوم المودّة) (٥) ،

وقال أيضاً: (بِحُسن العِشرة تَدوم الوَصلة) (٦) .

وفي هذا السياق نجد توصيات خاصّة للزوج بصفتِه قيّماً على الزوجة قد ملّكه الله تعالى عِصمتها، وجعلها تحت قيُّمومّته تحثّه على العِشرة الحسنة معها، قال تعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمعرُوفِ ) (٧) ، وقد ورد في توصيات الإمام

____________________

١) تحف العقول: ٣٧ من مواعظ النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم).

٢) تحف العقول: ٣٥٦.

٣) تحف العقول: ٢٩٦.

٤) تحف العقول: ٣١٦.

٥) غرر الحكم ح ٤٢٠٠ و ٤٢٧٠.

٦) غرر الحكم ح ٤٢٠٠ و ٤٢٧٠.

٧) سورة النساء: ٤ | ١٩.

٥٢

عليّ (عليه السلام) التربويّة لابنه الإمام الحسن (عليه السلام): (.. ولا يَكُن أهلك أشقى الخَلق بك..) (١) ، والإمام الصادق (عليه السلام) أبعد من ذلك في تأكيده على الزوج بضرورة العشرة الحسنة مع زوجته، والتطبّع بها وإنْ لم تكن له طبعاً، الأمر الذي يَكشِف لنا عن أهميّتها التربويّة العالية، قال (عليه السلام): (إنَّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها، وإنْ لم تَكُن في طَبعه ذلك: مُعاشرةٌ جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصّن) (٢) .

ونجد بالمقابل أنّ السُنّة المطهّرة تحثُّ النساء على حسن العشرة مع الرجال، وتعتبر ذلك بمثابة الجهاد لهنَّ، قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (جهادُ المرأة حُسن التبعّل لزوجها) (٣) .

ثمّ إنّ مِن دواعي العِشرة الحسنة، التسامُح والتساهُل بين الزوجين، وخاصّة في الأُمور العاديّة، التي قد تصدر بصورة عفويّة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (مَن لم يَتَغافل ولا يغضّ عن كثير من الأُمور تَنَغّصت عيشته) (٤) .

جـ - الشعور بالمسؤوليّة:

لقد أكّد القرآن على مسؤوليّة الإنسان بصورة عامّة، فقال: ( وقفُوهُم إنَّهُم مسؤُولونَ ) (٥) . كما أكّدت السيرة النبويّة على شُمول هذه المسؤوليّة للرجل والمرأة معاً في محيطهما العائلي، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ألا كلّكم راعٍ وكلّكم

____________________

١) نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: ٤٠٣ كتاب ٣١.

٢) تحف العقول: ٣٢٢ من حديث الإمام الصادق (عليه السلام) المعروف بـ (نثر الدرر).

٣) تحف العقول: ٣٢٢.

٤) تحف العقول: ٦٠ من مواعظ النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم). ٥) سورة الصافات: ٣٧ | ٢٤.

٥٣

مسؤول عن رعيّته، فالأمير الذي على النّاس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيتِ بعلها وولده وهي مسؤولةٌ عنهم) (١) .

مِن كلِّ ذلك يظهر لنا بأنّ الإسلام يحثُّ الزوجين على الشعور بالمسؤوليّة الإنسانيّة بصفة عامّة وعلى المسؤوليّة الأُسرية بصفة خاصّة.

د - الإنصاف والعدل:

الإنصاف من العوامل التربويّة التي تديم المحبّة وتُوجب الأُلفة بين الزوجين، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (الإنصاف يستديم المحبّة) (٢) ،

ويقول أيضاً: (الإنصاف يَرفع الخلاف ويُوجب الائتلاف) (٣) ،

ومَن يُطالع كتابه (عليه السلام) الذي أرسله إلى الأشتر لمّا بعثه إلى مصر، يجد أنّه يُشير فيه صراحةً إلى أنّ عدم الإنصاف يُؤدّي إلى الظلم: (... أنصف الله وأنصف الناس من نفسك، ومِن خاصّة أهلك، ومَن لك فيه هوى من رعيّتك، فإنّك إلاّ تفعل تَظلم..) (٤) .

وهناك دعوةً مُلحّة للعدل بين النساء، لمَن يتزّوج بأكثر من امرأة، وتحذير مِن مغبّة الظلم لهما أو لإحداهما، ورد ذلك في آخر خطبة للرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) التي تضمّنت تعاليم تربويّة عديدة منها - في ما يتّصل بهذه الفقرة - قوله: (.. ومَن كانت لهُ امرأتان، فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه، وماله، جاء يوم القيامة

____________________

١) تنبيه الخواطر ١: ٦.

٢) غرر الحكم ح ١٠٧٦.

٣) غرر الحكم ح ١٧٠٢.

٤) تحف العقول: ١٢٧.

٥٤

مغلولاً مائلاً شقه، حتّى يَدخل النار) (١) .

هـ - تقسيم العمل وبيان الأدوار:

وهُما من الأساليب الناجحة في إدارة أُمور الأُسرة، فالرجل عليه العمل والكسب خارج البيت لتوفير سُبل العيش الكريم للعائلة، والمرأة تضطلع بمهمّة إدارة المنزل ورعاية الأطفال.

وتروي لنا مصادرنا التراثيّة حالة التعاون وتقسيم العمل الرائعة بين فاطمة الزهراء والإمام عليّ (عليهما السلام)، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (كان أمير المؤمنين يحطب ويستقي ويَكنس، وكانت فاطمة تَطحَن وتَعجِن وتَخبز) (٢) .

لقد قامت فاطمة عليها السلام بأداء واجباتها المنزليّة خير قيام، وخير شاهد على ذلك ما أفاده زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) بحقّها عندما قال لرجل من بني سعد:

(ألا أحدّثك عنّي وعن فاطمة، إنّها كانت عندي، وكانت من أحبّ أهلهِ إليه - أي للرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) - وإنّها استَقَت بالقِربة حتّى أثّرت في صدرِها، وطَحنت بالرحى حتّى مَجِلت يداها، وكَسَحت البيت حتّى اغبَرّت ثيابها، وأوقَدَت النار تحت القِدر حتّى دكِنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضِمارٌ شديد) (٣) .

ثمّ إنَّ الإسلام لا يُحرّم العمل على المرأة، كما يزعم بعض الناس، بل يُفضّل أنْ تعمل المرأة في بيتها صيانةً لها، والإسلام يُشجّع المرأة أنْ تُزاول الأعمال المنزليّة؛ لكي تُساهم في دعم اقتصاد العائلة وتخفّف العبء عن كاهل الزوج عند الضرورة،

يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (مُروا نِساءكم بالغَزْل، فإنّه خيرٌ لهنَّ

____________________

١) عقاب الأعمال، للصدوق: ٣٣٣ | ١ باب يجمع عقوبات الأعمال.

٢) تنبيه الخواطر ٢: ٧٩.

٣) علل الشرائع، للصدوق: ٣٦٦ باب ٨٨ علّة تسبيح فاطمة (عليها السلام).

٥٥

وأزين)، ويقول أيضاً: (المِغْزَل في يد المرأة الصالحة، كالرمح في يَد الغازي المُريد وجه الله) (١) .

د - عدم إلحاق الضرر:

فقد ورد في الحديث تحذير شديد للزوجين من العواقب المُترتّبة على إلحاق الضرر من قبل أحدهما بالآخر، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (مَن كان لهُ امرأة تُؤذيه، لم يَقبل الله صلاتَها ولا حسنةً من عمَلها، حتّى تُعينه وتُرضيه، وإن صامت الدهر.. وعلى الرجل مثل ذلك الوزر إذا كان لها مُؤذياً ظالماً) (٢) .

ومن الخطابات المُوجّهة للزوجة خاصّة، قول الإمام الصادق (عليه السلام): (ملعونةٌ ملعونة، امرأة تُؤذي زوجها وتَغمّه، وسعيدةٌ سعيدة، امرأة تُكرِم زوجَها ولا تُؤذيه، وتطيعه في جميع أحواله) (٣) .

ومن الخطابات المُوجّهة للزوج في هذا الصدد قول الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ومن أضرَّ بإمرأة حتّى تَفتدي منه نفسها، لم يرضَ الله تعالى له بعقوبة دون النار؛ لأنَّ الله تعالى يغضب للمرأة كما يغضَب لليتيم) (٤) .

والمُلاحظ أنّ السيرة النبويّة في الوقت الذي تُوصي فيه الرجال بالرِّفق، وعدم إلحاق الضرر بالنساء، كما قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (أوصيكم بالضعيفين: النساء وما مَلَكت أيمانكم) (٥) ، كذلك تُوصي النساء بالرفق بالأزواج وعدم

____________________

١) مكارم الأخلاق: ٢٣٨.

٢) وسائل الشيعة ١٤: ١١٦ | ١ باب ٨٢.

٣) بحار الأنوار ١٠٣: ٢٥٣ عن كنز الفوائد للكراجكي: ٦٣.

٤) عقاب الأعمال، للصدوق: ٣٣٤ باب يجمع عقوبات الأعمال.

٥) تحف العقول: ١٢٠ من وصايا الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم).

٥٦

تَكليفهم فوقَ طاقتهم وبما يَشقُّ عليهم، بدليل قول الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (.. ألا وأيّما امرأة لم تَرفِق بزوجها، وحملته على ما لا يَقدر عليه، وما لا يَطيق، لم يَقبل الله منها حسنة، وتلقى الله وهو عليها غضبان) (١) .

ز - الخدمة المُتبادلة:

فمِن المُؤكّد أنّ الإسلام يدعو المسلمين إلى إسداء الخدمة ومدّ يد العون لبعضهم البعض، فعَن أبي المُعتمر قال: سمعتُ أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): (أيّما مسلم خَدَم قوماً من المسلمين، إلاّ أعطاه الله مثلَ عددهم خُدَّاماً في الجنّة) (٢) .

وإلى جانب هذا التوجّه العام، فإنّه يدعو الزوجين إلى خِدمة بعضهما البعض بما يَعود بالنفع عليهما، وعلى عُموم أفراد العائلة، ويُرتّب على هذه الخدمة مهما كانت بسيطة الثواب العظيم، فَعَن ورّام بن أبي فراس قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم):

(أيّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيّام، أغلق الله عنها سَبعة أبواب النّار، وفتح لها ثمانية أبواب الجنّة تدخل من أيّها شاءت).

وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ما مِن امرأة تَسقي زوجها شُربة مِن ماء إلاّ كان خيراً لها من عبادة سنة..) (٣) .

وتعتبر فاطمة الزهراء (عليها السلام) القدوة الحسنة في التوفّر على خدمة الزوج وأداء حقوقه، فعلى الرغم من الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي مرَّ بها الإمام عليّ (عليه السلام)

____________________

١) تنبيه الخواطر ٢: ٢٦٢.

٢) أُصول الكافي ٢، ٢٠٧ | ١ باب في خدمة المؤمن من كتاب الإيمان والكفر.

٣) وسائل الشيعة ١٤: ١٢٣ | ٢ باب استحباب خدمة الزوجة لزوجها من كتاب النكاح.

٥٧

فإنّ فاطمة (عليها السلام) وقفت إلى جانبه، ولم تُكلّفه فوق طاقته، وكانت تخدمه بإخلاص، وقد شَهِد بحقّها واعترف بخدمتها، فقال (عليه السلام): (لقد تزوّجْت فاطمة ومالي ولها فراش غير جِلد كبش، كنّا ننام عليه باللّيل، ونعلف عليه النّاقة بالنهار، ومالي خادِم غيرها) (١) .

هذا فضلاً عن أنّ تعاليم الإسلام تحثُّ الرجل على خدمة امرأته وعياله، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (إذا سقى الرجل امرأته أُجر) (٢) ، وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (إنَّ الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى في امرأته) (٣) ، وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (.. لا يَخدِم العيال إلاّ صِدّيق أو شهيد أو رجلٌ يُريد الله بهِ خير الدنيا والآخرة) (٤) .

ح - الرّضا والموافقة:

فقد ورَدَت روايات عديدة تَحثُّ الزوجين على كسب رضا أحدهما للآخر، والحصول على موافقته، وفي هذا الصدد يقدّم الإمام الصادق (عليه السلام) توصياته التربويّة القيّمة لكلٍّ من الزوجين والتي تتضمّن الإشارة إلى الأساليب التي يجب أنْ يتّبعها كلّ واحد منهما لكسب رضا وموافقة شريكه، قال (عليه السلام): (لا غِنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة ليجلِب بها موافَقَتها ومحبّتها وهواها، وحُسن خُلقِه معها، واستعماله استمالَة قلبها بالهَيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها. ولا غِنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها المُوافق لها عن ثلاث خصال، وهنَّ: صيانَة نفسَها عن كُلِّ دنسٍ حتّى

____________________

١) تنبيه الخواطر ٢: ١٢.

٢) كنز العمال ١٦: ٢٧٥ | ٤٤٤٣٥.

٣) المحجّة البيضاء ٣: ٧٠ كتاب آداب النكاح، الفائدة الخامسة.

٤) بحار الأنوار ١٠٤: ١٣٢ باب فضل خدمة العيال، عن جامع الأخبار: ١٠٢.

٥٨

يَطمَئن قلبَه إلى الثقة بها في حال المَحبوب والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عن زلَّة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة، والهيئة الحسنة لها في عينه) (١) .

والملاحظ أنّ الروايات تُؤكّد على ضرورة إرضاء المرأة لزوجها، وعدم إثارة سَخَطِه، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ويلٌ لامرأةٍ أغضبَت زوجها، وطُوبى لامرأةٍ رضِيَ عنها زوجُها) (٢) .

ط - الاهتمام بالهيئة:

وهُما من العوامل التي تُساهم في تَوثيق الروابط الزوجيّة وتُساعد على استمرارها.

فقد ورد في توصيات أمير المؤمنين (عليه السلام): (لتَتَطيّب المرأةُ لزوجِها) (٣) ، ورَوى محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): (لا يَنبغي للمرأة أنْ تُعطّل نفسها، ولو أنْ تُعلّق في عُنقها قلادة) (٤) .

وهنا لابدّ مِن التنويه على أنّ زينة المرأة المتزوّجة لابدّ أنْ تقتصر على زوجها، فَعَن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): أيّ امرأة تَتَطَيّب ثمَّ خرجت مِن بيتها، فهي تُلعن حتّى تَرجِع إلى بيتها متى رجَعَت) (٥) .

____________________

١) تحف العقول: ٣٢٣ حديث الإمام الصادق (عليه السلام) المعروف بـ (نثر الدرر). والخلابة: الملاطفة باللسان.

٢) بحار الأنوار ١٠٣: ٢٤٦ عن جامع الأخبار: ١٥٨.

٣) تحف العقول: ١١١ من وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام).

٤) مكارم الأخلاق: ٩٨.

٥) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، للصدوق: ٣٠٨ باب عقاب المرأة تتطيّب لغير زوجها.

٥٩

من جانب آخر يَتوجّب على الزوج أنْ يهتم بنظافته ومظهره حتّى يَحوز على رضا الزوجة ويُدخل البهجة إلى نفسها، خُصوصاً وأنّ انحراف الزوجة قد تقع تَبِعاته على الزوج، نتيجة لعدم اهتمامه بنظافته ومظهره، وقد أورد لنا الإمام الرضا (عليه السلام) سابقة تاريخيّة في هذا الخصوص، عندما قال:

(أخبرني أبي، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام): أنّ نساء بَنِي إسرائيل خَرجْن من العفاف إلى الفجور، ما أخرجهن إلاّ قلّة تهيئة أزواجهن، وقل: إنّها تشتهي منكَ مثل الذي تَشتهي منها) (١) .

وكان رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) يَتهيّأ لنسائهِ ويَهتمّ بمظهره ويَتطيّب: (وكان يُعرف بالرّيح الطيّب إذا أقبل) (٢) ، وسَلك أهل البيت (عليهم السلام) ذات المَسلَك النبويّ، فكانوا يهتمّون بمظهرهِم ويتهيّؤن لنسائهِم، عن الحسن بن الجهم، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) اختضب، فقلت: جُعلت فِداك اختضبت؟ فقال: (نعم، إنَّ التهيئة مِمّا يزيد في عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنَّ التهيئة).

ثمّ قال: (أيَسرّك أنْ تَراها على ما تراكَ عليه، إذا كُنت على غير تهيئة؟ قلتُ: لا، قال: فهو ذاك..) (٣) .

ثانياً: جانب الأخلاق:

تشكّل الأخلاق حجر الزاوية في إدامة التماسك والألفة بين أفراد الأُسرة

____________________

١) مكارم الأخلاق: ٨١.

٢) مكارم الأخلاق: ٢٣.

٣) وسائل الشيعة ١٤: ١٨٣ | ١ باب ١٤١ استحباب التنظيف والزينة.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113