الأسرة في المجتمع الإسلامي

الأسرة في المجتمع الإسلامي50%

الأسرة في المجتمع الإسلامي مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 113

الأسرة في المجتمع الإسلامي
  • البداية
  • السابق
  • 113 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79968 / تحميل: 7094
الحجم الحجم الحجم
الأسرة في المجتمع الإسلامي

الأسرة في المجتمع الإسلامي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وقصدت أن احلي هذا المصنف المشنّف بما لا يرده جمع الإجماع ، وأردت أن يرتفع مستطير الشعاع ، مكشوف القناع ، ولم المظه ما يرويه الغلاة ، ولم احبّره بما يستلذه الغواة ، وختمت مجموعي هذا بقصة المختار ، الذي شفى صدور الأبرار ، من تلك الأوتار ، وبمقتل عبيد الله بن زياد الأبتر ، بصمصام إبراهيم بن الأشتر ، لا طفئ من قلوب أهل الإسلام نائرة أرثتها عصابة لا تنطفي في الآجلة نارها ، واسترحض عار باغية لا يرحض في العاجلة عارها ، حين استهانوا برد المعقول ، وعصوا دواعي العقول ، وباءوا من الله بالغضب والمقت ، واستحقوا منه ما استحق أصحاب السبت ، وإن استمرت في خلال ذلك للأشقياء جولة على السعداء ، واستفحلت للبغاة وطأة على الشهداء ، ليكرم الله تعالى منقلب ذريه الرسول ومآبهم. ويجزل لهم بالشهادة ثوابهم ، ثمّ إنّ الله تعالى أرسل على عبيد الله بن زياد ، صاعقة ابراهيم بن الأشتر الكمي ابن الكمي ، والسري ابن السري ، فأزهق نفسه ، وكوّر شمسه ؛ فاذاقه شطر وبال ما احتطب ، وجزاء ما اكتسب ، وجعل الذي بجبينه معصوبا ، والسيف على رأسه مصبوبا ، وسلّ عليه وعلى من انحاز إليه ؛ من تلك الفرقة اللعينة ، وضامه من تلك الجثث الخبيثة ، سيفا دامي الغرار ، يحكم على رقاب هؤلاء الأغرار ، ومد يده الطويلة الباع الى اجتياحهم ، وأشرع رمحا مسبوكا من ريقة الرقشاء الى انتهاكهم ، وطهر أديم الأرض من أدناس هؤلاء العارمين الالمين ، وتركهم في مصابهم جاثمين ،( فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) الأنعام / ٤٥.

٢١
٢٢

الفصل الاول

في ذكر شيء من فضائل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

٢٣
٢٤

١ ـ انبأني شيخ الدّين أبو الحسن عليّ بن أحمد بن حمويه الجويني ، أخبرنا أحمد بن قتيبة الحروجردي ، أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الله العبدي ، أخبرنا محمّد بن أحمد بن أبي العوام ، أخبرنا بهلول بن المورق ، أخبرنا موسى بن عبيدة ، أخبرنا عمرو بن عبد الله بن نوفل ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قال لي جبرائيلعليه‌السلام : قلبت الأرض مشارقها ومغاربها ، فلم أجد رجلا أفضل من محمّد ، وقلبت الأرض مشارقها ومغاربها ، فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم».

٢ ـ وأخبرنا الشيخ الصالح العالم العدل أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم بن أبي سهل الكروخي الهروي ، عن مشايخه الثلاثة : القاضي أبي عامر محمود بن القاسم الأزدي ؛ وأبي نصر عبد العزيز بن محمّد الترياقي ؛ وأبي بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجي (رحمهم‌الله ) ثلاثتهم ، عن أبي محمّد عبد الجبار بن محمّد الجراحي ، عن أبي العبّاس محمّد بن أحمد

٢٥

المحبوبي ، عن الإمام الحافظ عيسى بن محمّد بن عيسى الترمذي ، أخبرنا الحسين بن زيد الكوفي ، أخبرنا عبد السلم بن حرب ، عن ليث ، عن الرّبيع ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا أوّل النّاس خروجا إذا بعثوا ، وأنا خطيبهم إذا وفدوا ، وأنا مبشرهم إذا يئسوا ، لواء الحمد يومئذ بيدي ، وأنا أكرم ولد آدم على ربّي ولا فخر».

٣ ـ وبهذا الإسناد عن أبي عيسى الترمذي ، أخبرنا الحسين بن يزيد ، أخبرنا عبد السلم بن حرب ، عن يزيد بن أبي جالد ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي عبد الله بن الحرث ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا أوّل من تنشق عنه الأرض فأكسى الحلّة من حلل الجنّة ، ثمّ أقوم عن يمين العرش وليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري».

٤ ـ وبهذا الإسناد عن أبي عيسى الترمذي ، أخبرنا محمّد بن بشار ، أخبرنا أبو عاصم ، أخبرنا سفيان الثوري ، عن ليث ـ وهو ابن أبي سليم ـ حدّثني كعب ، حدّثني : أبو هريرة ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «سلوا الله لي الوسيلة» قالوا : يا رسول الله! وما الوسيلة؟ قال : «أعلى درجة في الجنّة لا ينالها إلّا رجل واحد أرجو أن أكون أنا».

٥ ـ وبهذا الإسناد عن أبي عيسى الترمذي ، أخبرنا ابن أبي عمر ، أخبرنا سفيان ، عن ابن جدعان ، عن أبي نصرة ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبيّ يومئذ ، آدم فمن سواه إلّا تحت لوائي ، وأنا أوّل من تشقّ عنه الأرض ولا فخر».

٦ ـ وبهذا الإسناد عن أبي عيسى الترمذي ، أخبرنا عليّ بن نصر بن عليّ الجهضمي ، أخبرنا عبد الله بن عبد المجيد ، أخبرنا رفعة بن صالح ، عن

٢٦

سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : جلس ناس من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينتظرونه ، قال : فخرج حتّى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم ، فقال بعضهم : عجبا انّ الله اتّخذ من خلقه خليلا اتّخذ إبراهيم خليلا! وقال آخر : ما ذا بأعجب من كلام موسى كلمه تكليما! وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه! وقال آخر : آدم اصطفاه الله!

فخرج عليهم فسلّم وقال : «قد سمعت كلامكم وعجبكم ان ابراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى نجي الله وهو كذلك ، وعيسى روح الله وكلمته وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أوّل شافع وأوّل مشفع يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أوّل من يحرك حلق الجنّة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأوّلين والآخرين ولا فخر».

٧ ـ أخبرنا العلّامة فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ره) ، أخبرنا الشيخ الفقيه الإمام أبو عليّ الحسن بن علي بن أبي طالب الفرزادي ـ بالري ـ ، أخبرنا الشيخ الفقيه الزاهد أبو بكر طاهر بن الحسين بن عليّ السّمان ، أخبرنا عمّي الشيخ الزاهد الحافظ أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين السّمان الرّازي ، أخبرنا أبو عمر ؛ وعبد الواحد ابن محمّد بن عبد الله الفارسي ، أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن أحمد بن إسحاق المصري ، أخبرنا الرّبيع بن سليمان المرادي ، أخبرنا عبد الله بن وهب ، أخبرني سليمان بن بلال ، حدّثني العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «فضلت على الأنبياء بست : اعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، واحلّت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا

٢٧

ومسجدا ، وأرسلت إلى النّاس كافة ، وختم بيّ الأنبياء».

٨ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي سعد السّمان هذا ، أخبرنا أبو نصر محمّد ابن عليّ بن الحسين الخفاف ، وعليّ بن محمّد بن أحمد بن يعقوب ـ قراءة عليهما ـ قالا : حدّثنا أبو عبد الله أحمد بن خالد ، أخبرنا أبو سهل موسى ابن نصر ، أخبرنا يعلى بن عبيد ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن مالك ، عن مكحول ، قال : كان لعمر على رجل من اليهود حق فأتاه فطلبه ، فقال عمر : لا ، والّذي اصطفى محمّدا على البشر لا افارقك وأنا أطلبك بشيء ، فقال اليهودي : ما اصطفى محمّدا على البشر.

فلطمه عمر ، فقال : بيني وبينك أبو القاسم ، فجاءه فقال : إنّ عمر قال : والّذي اصطفى محمّدا على البشر ، فقلت : ما اصطفى محمّدا على البشر فلطمني ، فقال (صلّى الله عليه) : «أنت يا عمر! فارضه من لطمه. بلى يا يهودي! آدم صفي الله ؛ وإبراهيم خليل الله ؛ وموسى نجي الله ؛ وعيسى روح الله ؛ وأنا حبيب الله. بلى يا يهودي! تسمى الله باسمين سمى بهما امتي : هو السّلام وسمى أمّتي المسلمين ، وهو المؤمن وسمى أمّتي المؤمنين. بلى يا يهودي! طلبتم يوما ذخر لنا اليوم ، وغد لكم ، وبعد غد للنصارى. بلى يا يهودي! أنتم الأوّلون ونحن الآخرون السّابقون يوم القيامة. بلى يا يهودي! إنّ الجنّة محرمة على الأنبياء حتّى أدخلها ، وهي محرمة على الامم حتّى تدخلها امتي».

٩ ـ قال : وفي «المراسيل» عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ : «إذا كان يوم القيامة فأوّل من يقوم من قبره الصّادق النّاطق النّاصح المشفق محمّدعليه‌السلام فيأتيه جبرائيل بالبراق ، وميكائيل بالتاج ، وإسرافيل بالقضيب ، ورضوان بالحلتين ، ثمّ ينادي جبرائيل : أين قبر

٢٨

محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فتقول الأرض : حملتني الرياح مع الجبال فدكتا دكة واحدة ، فلا أدري أين قبر محمّدعليه‌السلام ؟ فيرتفع من قبره عمود من نور إلى عنان السماء ، فيبكي جبرائيل بكاء شديدا ، فيقول له ميكائيل : ما يبكيك؟ فيقول : وما يمنعني من البكاء وهذا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم من قبره ويسألني عن امته ، وأنا لا أدري أين أمّته؟

قال : ثم ينصدع القبر فإذا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله قاعد ينفض التراب من رأسه ولحيته ، ثمّ يلتفت يمينا وشمالا ، فلا يرى من العمران شيئا ، فيقول : يا جبرائيل! بشرني ، فيقول ابشّرك بالبراق السباق الطائر في الآفاق ، فيقول : بشرني ، فيقول : ابشرك بالتاج ، فيقول بشّرني ، فيقول : ابشرك بالقضيب والخلتين ، فيقول : بشّرني بامتي لعلّك خلفتهم بين أطباق النيران ، أو لعلّك تركتهم على شفير جهنم ، أو لعلّك تركتهم في أيدي الزبانية ، فيقول : ما رأيتهم؟ ولكنّهم بعد في لحودهم ، وما انشقّت الأرض عن آدمي قبلك؟ فيقوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويخرج من قبره ، ويمسح جبرائيل التراب من رأسه ولحيته ، ويضع التّاج على رأسه ، ويأخذ القضيب بيده ، فيدنو الى البراق ليركبها فتفرّ عنه ، فيقول جبرائيل : أما تستحين أيّتها البراق ، فهذا محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! فتقول البراق : وعزة ربّي وجلاله ، لا يركبني حتّى يضمن لي أن أكون في شفاعته ، فإنّ ربّي غضب اليوم غضبا لم يغضبه فيما مضى ، ولا يغضبه فيما بقي ، فيضمن لها محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله شفاعته فتخضع برأسها ثمّ يركبها ، فإذا هو ـ بيت المقدس ـ على درّة بيضاء ، والكعبة بجنبها ، والمساجد حولها.

قال : فيسجد النبيّعليه‌السلام ، ويثني على الله بما لم يثن عليه أحد قبله ، فيقول له الجبّار: يا محمّد! فيقول : لبيك وسعديك ، والخير بين يديك ؛

٢٩

والمهدي من هديت ، عبدك بين يديك ، لا ملجأ ولا منجأ إلّا إليك ، تباركت ربّنا وتعاليت ، وهذا هو المقام المحمود في قوله تعالى :( عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) الاسراء / ٧٩ ، فيقول تعالى : ارفع رأسك ، سل تعط واشفع تشفع ، وإذا نداء : يا رضوان! زخرف الجنان ، ويا مالك! سعر النيران ، ويا محمّد! قرب امتك الى الميزان ، فيقولعليه‌السلام : هلموا إلى العرض على الرحمن ، فيقولون : دعنا نشبع من النظر إلى وجهك فقد عشنا في حبّك ومتنا في حبّك وبعثنا في حبّك ؛ وإذا اكتحلنا من عزتك فسقنا الى من شئت ، فإنّ شوقنا إليك أكبر من شوقنا إلى الجنان والجواري والغلمان.

فينظرون إلى وجهه ساعة ثمّ يسوقهم سوق الراعي الشفيق غنمه ، وهو مع الملائكة جاث بين يدي الجبّار ، فيتعلّق بإزاء محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعة من الرّسل : إبراهيم خليل الرّحمن ؛ فيقول : لا أسألك ولدي ؛ وموسى كليم الله ، فيقول : لا أسألك أخي هارون ؛ وداود صفي الله ، ويقول : لا أسألك سليمان ؛ وعيسى روح الله ، ويقول : لا أسألك مريم ؛ ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول : لا أسألك نفسي أسألك المذنبين من أمّتي.

فتقول جهنم : من هذا الّذي يشفع كلّ إنسان لنفسه وهو يشفع لامته؟ فيقول جبرائيل : هذا محمّد المصطفى ، فتقول جهنم : يا ربّي وإلهي وسيّدي! نج محمّد وامّته من حرّي وبردي وهوامي وسلاسلي وأغلالي وألوان عذابي» ـ والقصة طويلة.

١٠ ـ وقال أهل التذكر : فضل الحبيب على الخليل ، لأن الخليل طلب الطهارة لنفسه ولأهل بيته على ما قال :( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ) ابراهيم / ٣٥ ، والحبيب اعطي ذلك من غير مسألة على ما قال تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) الأحزاب / ٣٣.

٣٠

والخليل طلب الذكر على ما قال :( وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) الشعراء / ٨٤ ، والحبيب كفي ذلك على ما قال تعالى :( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) الشرح / ٤.

والخليل سأله الجنّة على ما قال :( وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ) الشعراء / ٨٥ ، والحبيب اعطي ذلك من غير مسألة على ما قال :( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) الكوثر / ١.

والخليل يحتسب الله عند المحنة فيقول :( حَسْبُنَا اللهُ ) آل عمران / ١٧٣ ، والحبيب كفي ذلك على ما قال :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ ) الأنفال / ٦٤.

والخليل يقتدى به في خصلة من خصاله على ما قال تعالى :( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) البقرة / ١٢٥. والحبيب يقتدى به في جميع خصاله على ما قال تعالى :( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) الأحزاب / ٢١.

والخليل يطلب الهداية على ما قال :( إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ ) الصافات / ٩٩ ، والحبيب كفي ذلك على ما قال تعالى :( وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ) الضحى / ٧ ،( وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً ) الفتح / ٢.

والخليل يقول :( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) الشعراء / ٨٢ ، والحبيب يقال له :( لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) الفتح / ٢.

والخليل سأل الرؤية للمناسك على ما قال :( وَأَرِنا مَناسِكَنا ) البقرة / ١٢٨ ، والحبيب أري الآيات من غير مسألة على ما قال :( لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا ) الإسراء / ١.

وقالوا أيضا : فضل الحبيب على الكليم ؛ لأن الكليم سأل شرح الصدر على ما قال:( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ) طه / ١٢٥ ، والحبيب اعطي ذلك من غير مسألة على ما قال تعالى :( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) الشرح / ١.

٣١

والكليم سجدت السحرة لعصاه ؛ والحبيب سجدت الأوثان لقضيبه.

والكليم قال في حقّ قومه( فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ ) المائدة / ٢٥ ؛ والحبيب قال : «اللهمّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون».

والكليم حصل عند ضرب عصاه على ما قال :( فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) الشعراء / ٦٣ ؛ والحبيب حصل عند تفرق أصابعه على ما قال :( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) القمر / ١.

والكليم طلب رضى الله على ما قال :( وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى ) طه / ٨٤ ؛ والحبيب يطلب رضاه على ما قال :( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ) الضحى / ٥.

والكليم معراجه الى الطور ؛ والحبيب معراجه الى البيت المعمور وإلى بساط النور.

والكليم ضرب الحجر فانفجر منه الماء ؛ والحبيب انفجر من أصابعه الماء.

ونوح له السفينة على الماء ؛ ومحمّد له البراق الطيار في الهواء (صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم‌السلام ).

١١ ـ أخبرنا عين الأئمة أبو الحسن عليّ بن أحمد الكرباسي ، أخبرنا عماد الدّين محمّد بن إبراهيم الوتري ، أخبرنا الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد البخاري ، أخبرنا إسحاق الرّازي ، أخبرنا القاضي أبو العباس أحمد ابن محمّد بن إبراهيم ـ بخوارزم الري ـ ، أخبرنا أبو بكر محمّد بن حمويه النيشابوري بها ، أخبرنا محمّد بن الوليد البغدادي ـ بمكة ـ ، أخبرنا إبراهيم ابن صرمة ، عن يحيى بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فضلت على آدم بخصلتين : كان شيطاني كافرا فأعانني الله تعالى

٣٢

عليه حتى أسلم ، وأزواجي كنّ عونا لي ، وكان شيطان آدم كافرا وزوجته كانت عونا له على خطيئته».

١٢ ـ وفي رواية أبي سعيد الخدري ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : جاء جبرائيل إلى النبيّعليه‌السلام وقال : إنّ ربّك يقرؤك السّلام ، ويقول : أتدري بما رفعت ذكرك؟ قال : «لا أدري» ، قال : يقول : إذا ذكرت ذكرت معي.

١٣ ـ أخبرنا الشيخ الإمام فخر الأئمّة أبو الفضل بن عبد الرّحمن الحفر بندي إجازة ، أخبرنا الشيخ الإمام أبو محمّد الحسن بن أحمد السمرقندي ، أخبرنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن أحمد بن محمّد بن عبدان العطار ؛ وإسماعيل بن أبي نصر عبد الرّحمن الصابوني ؛ وأحمد بن الحسين البيهقي ، قالوا : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا عليّ بن حمّاد العدل إملاء ، أخبرنا هارون بن العبّاس الهاشمي ، أخبرنا جندل بن والق ، أخبرنا عمرو ابن أوس الأنصاري ، أخبرنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن سعيد بن المسيّب ، عن ابن عبّاس ، قال : أوحى اللهعزوجل إلى عيسى : يا عيسى! آمن بمحمّد ، ومر من أدركه من أمّتك أن يؤمنوا به ؛ فلولا محمّد ما خلقت آدم ، ولو لا محمّد ما خلقت الجنّة والنّار ، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه : لا إله إلا الله مح ـ أي نصف اسم محمّد ـ فسكن.

قال أبو عبد الله الحافظ : هذا حديث صحيح الإسناد ؛ ولم يخرجه الشيخان.

١٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو سعد عمرو ابن محمّد بن منصور العدل ، أخبرنا أبو الحسن محمّد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري ، أخبرنا إسماعيل بن مسلمة ، أخبرنا عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن

٣٣

جدّه ، عن عمر بن الخطّاب قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لما اقترف آدم الخطيئة ، قال : يا ربّ! أسألك بمحمّد لما غفرت لي ، فقال الله تعالى : يا آدم! كيف عرفت محمّدا ولم أخلقه؟ قال : يا ربّ! لأنّك لمّا خلقتني بيدك ، ونفخت فيّ من روحك ؛ رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فعلمت أنّك لم تضف لاسمك إلّا أحبّ الخلق إليك.

فقال اللهعزوجل : صدقت يا آدم! إنّه لا حبّ الخلق إليّ إذا سألتني بحقّه فقد غفرت لك ، ولو لا محمّد ما خلقتك.

قال أبو عبد الله الحافظ : وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجه الشيخان.

١٥ ـ أخبرنا الثقة أبو بكر محمّد بن عبيد الله بن نصر بن الزاغوني ـ بمدينة السّلام ـ ، أخبرنا محمّد بن إسحاق أبو الحسن الباقرحي ، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم ، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ، أخبرنا أبي أحمد بن عامر ، أخبرنا أبو الحسن عليّ بن موسى الرّضا ، حدّثني أبي موسى بن جعفر ، حدّثني أبي جعفر بن محمّد ، حدّثني أبي محمّد بن عليّ الباقر ، حدّثني أبي عليّ بن الحسين ، حدّثني أبي الحسين بن عليّ ، حدّثني أبي عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام قال : «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ موسى سأل ربّه فقال : يا ربّ! اجعلني من أمّة أحمد؟ فأوحى الله إليه : يا موسى! إنّك لا تصل إلى ذلك».

١٦ ـ أخبرنا عين الأمّة أبو الحسن علي بن أحمد الكرباسي ، أخبرنا عماد الدّين أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم التوبري ، أخبرنا الشيخ الإمام شمس الأئمّة أبو محمّد عبد العزيز بن أحمد الحلواني (ره) ، حدّثنا الشيخ

٣٤

الحافظ أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن محمّد ، أخبرنا الشيخ الفقيه أبو نصر أحمد بن سهل ، أخبرنا ابن شهاب قال : قال عليّ بن إبراهيم ، قال مقاتل ابن سليمان ـ رفعه ـ :

إنّما فضل الله تعالى نبيّه محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله على النبيّينعليهم‌السلام ، وفضل امّته على جميع الامم لفضل منزلته عنده : إنّه من أسرع النّاس خروجا من الارض يوم القيامة إذا بعثوا ، وسيّد النبيين إذا حشروا ، وإمامهم إذا سجدوا ، وخطيبهم إذا وفدوا ، وشافعهم إذا جنوا ، وقائدهم إلى الجنّة إذا دخلوا ، وأقربهم مجلسا من الله تعالى إذا اجتمعوا ، يتكلّم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عند الربّ تعالى فيصدقه ، ويسأله فيعطيه ، ويشفع فيشفعه ، ويعطيه الحوض المورود ، والشفاعة المقبولة ، ويبعثه المقام المحمود ، والكرم يومئذ له ، ومفاتيح الجنّة بيده ، وقد اتّخذه الله خليلا ، وكلّمه تكليما ، وجعله حكيما ، وبعثه نبيّا ، واتخذه شهيدا ، وغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وغفر له ما لم يعلم ومما هو عامل ، وعلّمه الأسماء ، وزينه بالتقوى ، ودنا إليه فتدلّى عند سدرة المنتهى ، وأعطاه مكان التوراة السبع المثاني ، ومكان الزبور المئين ، وفضله ربّه بالحواميم والمفصل ، وأعطاه جوامع الخير وفواتحه ، وأعطاه اسمه الأعظم ، وخواتيم سورة البقرة ـ وهو كنز الرّحمن ـ ، وأعطاه الكوثر ـ وهو نهر في الجنّة حافتاه قباب الدر ـ فيها أزواجه ، وذلك النهر يطرّد مثل الشهد أشدّ بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، طينته مسك أذفر ورضراضه الدر.

ومما فضله الله تعالى به أنّ ليلة أسرى به مثل له النبيّونعليه‌السلام فصلّى بهم وهم خلفه يقتدون به ، وممّا فضله الله تعالى به أنّه عاين تلك الليلة الجنّة والنّار فلما عرج الى السّماء وسلّمت عليه الملائكة عاين قوم موسى فآمنوا به وهم الّذين من وراء الصين ، وذلك أنّ بني إسرائيل حين عملوا بالمعاصي ،

٣٥

وقتلوا الّذين يأمرون بالقسط ، دعا قوم موسى وهم بالأرض المقدّسة ، فقالوا : اللهم! اخرجنا من بين أظهرهم ، فاستجاب الله لهم فجعل لهم سربا في الأرض فدخلوا فيه ، وجعل لهم نهرا يجري ، وجعل لهم مصباحا من نور بين أيديهم فساروا فيه سنة ونصفا وذلك من بيت المقدس إلى مجلسهم الّذي هم فيه ، فأخرجهم الله تعالى إلى الأرض الّتي يجتمع فيها الهوام والبهائم والسباع مختلطين فيها ليست لهم ذنوب ولا معاصي ، فأتاهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تلك الليلة ومعه جبرائيل فآمنوا به وصدقوه ، فعلمهم الصّلاة ثم قالوا : إنّ موسى قد بشرهم به.

ومما فضله الله تعالى به أنّه بعث إليه ملكا يخبره بملك من كان قبله ، وملك من يكون بعده الى يوم القيامة ، وملك الآخرة ، فقال : «اللهمّ! اجمعهما لي في الآخرة».

وممّا فضله الله تعالى به أنّ ملك الموت أتاه ليقبض روحه فلم يدخل عليه إلا بإذنه ، وأمر ملك الموت أن يخيره بين تركه وقبض روحه ، فاستنظره النبيّ حتّى يلقى أخاه جبرائيل ـ صلوات الله عليهما ـ ، فعرج ملك الموت ولقي جبرائيل ، فخيره جبرائيل : إما ميتة طيبة ، واما حياة لا هرم فيها.

وممّا فضله الله تعالى به أنّ اسرافيل هبط عليه ولم يهبط على أحد من الرّسل قبله ولا بعده ، وميكائيل عن يساره فعرض عليه : إمّا أن يكون نبيّا عبدا ، وإمّا أن يكون ملكا ، فأوما إليه جبرائيل بالتواضع ، فقال نبيّا عبدا ، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله «فرأيت بين عيني إسرافيل كلّ شيء نزل عليّ قبل نزوله».

ومما فضله الله به أنّه أعطاه خمسا لم يعطهن أحد قبله : أنّه بعث إلى الجن والإنس الى يوم القيامة ، وإنما كان يبعث الأنبياء إلى قومهم والى أرضهم ، وأنّه جعلت له الأرض طهورا ومسجدا ، وأنّه حلت له الغنائم ولم

٣٦

تكن للأنبياء والرّسل حلالا ، وأنّه نصر على عدوه بالرعب مسيرة شهر ، وأنّه اعطي الشفاعة دون النبيّين في الآخرة وتلك الشفاعة العامة ، وذلك أنّ الله جعل لكلّ نبيّ دعوة في الدّنيا والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخّرها في الآخرة لامته.

وهذه الخصال لم تكن لأحد من ولد آدم.

ومما فضله الله به ان السماء لم تحرس ولم ترم بالكواكب قبل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا بعث حرست الملائكة السماء ، ورمت الشياطين بالشهب.

ومما فضله الله بن أنّه أخذ الله ميثاقه قبل النبيّين وأخذ له ميثاق النبيين بالتسليم والرضا والتصديق به.

وممّا فضله الله به في الآخرة أنّه أوّل من يسأل ، وأوّل من يدعى ، وأوّل من يشفع ، وأوّل من يأخذ بحلقة الجنّة.

ومما فضله الله به أنّ في الجنّة درجة تسمى ـ الوسيلة ـ في أعلى عليين من الجنان فهي له خاصة. وكانعليه‌السلام كثيرا ما يقول : «إنّ في الجنّة درجة لا ينالها إلا رجل واحد ـ يعني نفسه ـ وهي الوسيلة.

وممّا فضله الله به انّه جعل نساءه معه في الجنّة في خير البقاع ، ورفع ذكره في العالمين ، فكلما ذكر اللهعزوجل ذكر النبيعليه‌السلام معه في : يوم الجمعة ، وفي العيدين ، وفي مواقف الحج والعمرة ، وحول البيت والصفا والمروة ، وعند الجهاد ، وفي كل خطبة ـ حتّى خطبة النساء عند النكاح ـ ، وفي الأذان والإقامة والصلاة ، فكلّما ذكر الله تعالى ذكرعليه‌السلام معه ، وهو قوله :( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) الشرح / ٤.

وممّا فضله الله به أنّ الشيطان لم يسلط عليه في شيء.

وممّا فضله الله به أنّه أمر جبرائيل أن يأمر خازن النّار أن يكشف عن باب من أبواب النّار لينظر إليها.

٣٧

ومما فضله الله تعالى به أنّ ابليس أمر ماردا من الجن يقال له : «الأبيض» أن يأتيه فأتى ، وتمثل بصورة كأنّه يوحى إليه وهو يصلي ، فبعث الله جبرائيل ، فلمّا انصرف النبيّ إذا جبرائيل بينه وبين الشيطان فدفعه جبرائيل بيده ، فوقع من «مكّة» إلى «الهند» فانزل الله فيه :( ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) التكوير / ٢١ ، فتلك قوة جبرائيلعليه‌السلام .

وممّا فضله الله تعالى به أنّ جبرائيل أتاه بسورة الأنعام ، ومعه سبعون ألف ملك ـ لهم زجل من التسبيح والتحميد ـ حتّى كادت الأرض ترج فخر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ساجدا.

ومما فضله الله تعالى به أنّ الله تعالى أمر ملائكته يحفظونه من بين يديه ومن خلفه.

ومما فضله الله تعالى به أنّ الشياطين كانوا يختلسون من الأنبياء عند الوحي ، ثمّ تلقي الشياطين على ألسن الكهنة والعرافين ممّا يستمعون من السّماء ، ثمّ يخبرون النّاس بما هو كائن ، فإذا قال نبيّهم : يكون كذا وكذا ، قالوا : قد سمعنا هذا قبل هذا ، فعصم الله تعالى نبيّه (صلواته عليه وآله) وآمنه ، وحرست السماء بالملائكة ، ورميت الشياطين بالشهب ، وحفظت الملائكة محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله عند الوحي فلا يستمعون.

وممّا فضله الله تعالى به أنّه لا يدخل جنّة عدن احد قبله ـ وهي دار الرّحمن وموضع عرشه ـ ، وجنّة عدن قصبة الجنّة وهي مشرفة على الجنان ، وباب جنّة عدن لها مصراعان من زمرد من نور بينهما كما بين المشرق والمغرب.

ومما فضله الله تعالى به أنّه جعلت له ليلة القدر خيرا من ألف شهر يستبشر بها حملة العرش.

٣٨

ومما فضله الله تعالى به أنّه غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وفتح له فتحا يسيرا ، ونصره نصرا عزيزا ، وهداه صراطا مستقيما.

١٧ ـ أخبرنا سيّد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي ـ فيما كتب إليّ من همدان ـ ، قال : سمعت في «مسند» أحمد بن حنبل ، و «معجم» الطبراني ، باسنادهما عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا محمّد النبيّ الأمين ـ ثلاث مرات ـ ولا نبيّ بعدي ، اوتيت فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه ، وعلمت كم خزنة النّار؟ وكم حملة العرش؟ ومحو ربّي ، وعوفيت امتي ، فاسمعوا واطيعوا ما دمت فيكم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله ، أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه.

١٨ ـ قال : وسمعت في «المفاريد» برواية ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، إنّي لا افتخر بالعطاء والنعم ، وإنّما أفتخر بالمعطي والمنعم».

١٩ ـ قال : وفي ـ رواية عائشة ـ قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا أشبه بأبي آدم ، وكان إبراهيم خليل الرّحمن أشبه النّاس بيّ خلقا وخلقا».

٢٠ ـ قال : وفي ـ رواية أنس ـ قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا أوّل من يأخذ بحلقة الجنّة فاقعقعها».

٢١ ـ قال : وفي ـ رواية ابن عمر ـ وهو في «جامع» أبي عيسى ، و «معجم» الطبراني ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا أوّل من تنشق عنه الأرض فأجلس جالسا في قبري فينفتح لي باب الى السماء بحيال رأسي حتّى أنظر إلى العرش ، ثمّ ينفتح لي باب من تحتي إلى الأرض السّابعة فأنظر إلى الثرى ، ثمّ ينفتح لي باب عن يميني فأنظر إلى الجنّة ومنازل أصحابي ، وأنّ الأرض تحرّكت تحتي ، فقلت لها : مالك ، أيتها الأرض؟

٣٩

قالت : إنّ ربي أمرني أن ألقي ما في جوفي فأكون كما كنت إذ لا شيء فيّ».

٢٢ ـ قال : وفي ـ رواية أبي هريرة ؛ وأبي سعيد ـ قالا : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا أوّل من يوضع له الصراط على النّار فأمر عليه فأدخل الجنّة».

وفضائل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر من أن نحيط بها ، وإنّما أشرنا إلى نبذ منها ليتبرك بيداءة الكتاب ، فمن أراد الاكثار من ذلك فعليه بمجموعي في فضائل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابي الموسوم «بالأربعين» ، وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم.

٤٠

إنَّ الغلو في المهور يشكّل عقبة اقتصاديّة تحول دون الإقدام على الزواج، وعليه يُمارس الإسلام حواراً إقناعيّاً مع النساء وأولياء أمورهنّ ويُرَّغبهم في تيسير المهر، قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (إنَّ من يُمن المرأة تَيسير خطبتها، وتَيسير صداقها..) (١)

وقال أيضاً: (أفضل نساء أُمّتي أحسنهنَّ وجهاً، وأقلّهنَّ مهراً) (٢) .

وفي مقابل أُسلوب الترغيب اتّبع الإسلام مع المتشدّدين في المهور أُسلوب التوبيخ والتنفير، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (الشؤم في ثلاثة أشياء: في الدابّة، والمرأة، والدار. فأمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها...).

وفي حديث آخر يَجمَع بين الأُسلوبين، فيقول: (من بركة المرأة قلّة مؤونتها، وتيسير ولادتها، ومن شؤمها شدّة مؤونتها، وتعسير ولادتها) (٣) .

ويذهب الإسلام أبعد من ذلك، فهو يعد المرأة التي تَتَصدّق بصداقها على زوجها بالثواب الجزيل وينظر إليها بعين الإكبار والإجلال، فعن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) ما من امرأة تصدّقت على زوجها بمهرها قبل أنْ يدخل بها، إلاّ كَتَب الله لها بكلِّ دينار عتق رقبة) (٤) .

جدير ذكره أنّ الإسلام قد حذّر من المعطيات السلبيّة النفسيّة فضلاً عن الاقتصاديّة التي تَتَرتّب على المُغالاة في المهور، ولعلّ من أبرزها العداوة

____________________

١) كنز العمّال ١٦: ٣٢٢ | ٤٤٧٢١.

٢) مكارم الأخلاق: ١٩٨.

٣) مكارم الأخلاق: ١٩٨.

٤) المصدر السابق: ٢٣٧.

٤١

والضغينة التي قد تجد متنفّساً لها في إثارة المَشاكل لأهل المرأة من طرف الزوج الذي يحسّ بالإجحاف والتعسّف، فيُبيّت نيّة السوء لإلحاق الأذى بالمرأة وأهلها فيما بعد، ومن أجل ذلك قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (تياسروا في الصداق، فإنّ الرّجل لَيُعطي المرأة حتّى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة) (١) .

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تُغالوا في مُهور النساء فتكون عداوة) (٢) .

وهنا يبدو من الضرورة بمكان الإشارة إلى أنّ الإسلام يحثُّ على عدم تجاوز السُنّة المحدّدة للصداق، وهي خمسمائة درهم، يقول السيّد محسن العاملي: (إنَّ الروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء (عليها السلام) والصواب أنَّه كان خمسمائة درهم، اثنتي عشرة أوقية ونصفاً، والأوقية أربعون درهماً؛ لأنّه مهر السُنّة كما ثبت من طريق أهل البيت (عليهم السلام)) (٣) .

والظاهر أنّ نبيّ الإسلام (صلّى الله عليه واله وسلّم) أراد من تحديده لمهر الزهراء (عليها السلام) بهذا المقدار، أنّ يضع حدّاً مثاليّاً يُمثّل الحلّ النسبي والوسط الذي ينسجم مع العقل والمنطق لقضيّة الصداق، خصوصاً إذا ما علِمنا بأنّ اليد الغيبيّة كانت من وراء تحديد مهر الزهراء (عليها السلام)، فعن جابر الأنصاري قال: لما زوّج رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) فاطمة (عليها السلام) من علي (عليه السلام) أتاه أُناس من قريش فقالوا: إنّك زوَّجت عليّاً بمهرٍ خسيس، فقال: (ما أنا زوّجت عليّاً، ولكنّ الله زوّجه) (٤) .

وبنظرةٍ فاحصة نجد أنّ الإسلام عالج هذه القضيّة بمنتهى المُرونة إذ إنّه لم يجعل

____________________

١) كنز العمّال ١٦: ٣٢٤ | ٤٤٧٣١.

٢) مكارم الأخلاق: ٢٣٧.

٣) في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ١: ١٦٢ - ١٦٣ دار التعارف ط ١٤٠٠ هـ.

٤) مكارم الأخلاق: ٢٠٨.

٤٢

مهر السُنّة الذي هو مهر الزهراء (عليها السلام) واجباً على الجميع، بل جعله حدّاً لا يجوز تعدّيه وتجاوزه من قِبل ذَوِي الثراء والأغنياء، بشكل يجعل الزواج مُتعسّراً، سيّما على الفقراء وذَوي الدخل المحدود الذين فَتَح لهم الإسلام الباب على مصراعيه في الحثّ على تزويجهم ولو بتعليم سورة من القرآن.

خامساً: مراسيم الزّواج:

نظراً لأهميّة وقدسيّة الزوّاج فقد وضعت له مراسيم خاصّة تنسجم مع مبادئ الإسلام ورؤيته السليمة، وتمتاز بالبساطة والابتعاد عن مظاهر الإسراف والتكلّف، ولا تخرج عن قواعد وحدود الشرع.

وتبدأ هذه المراسيم العبادّيّة - الاجتماعيّة مُنذ أنْ يقرّر الشاب الزواج بأنْ يُصلّي ركعتين ويدعو بعدهما بمأثور الدعاء، فقد رُوي أنَّ الإمام الباقر (عليه السلام) سأل أبا بصير، قائلاً له: (إذا تزوج أحدكم كيف يصنع؟ فقال: لا أدري،

فقال (عليه السلام): إذا همَّ بذلك فليصلِ ركعتين وليحمد الله عزَّ وجل وليقل: (اللهمَّ إني أُريد أنْ أتزوّج، اللهمَّ فقدّر لي من النساء أحسنهنَّ خَلقاً وخُلقاً، وأعفّهن فرجاً، وأحفظهنَّ لي في نفسِها ومالي، وأوسعهن رزقاً، وأعظمهنّ بركةً، واقضِ لي منها ولداً طيّباً، تجعله لي خَلَفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي)) (١) .

بعد ذلك يَنتخِب الزوجة الصالحة، وفق المواصفات التي ذكرناها آنفاً وتبدأ مراسيم الخطبة قبل العقد وذلك بإحضار جماعة من أهل الفضل والمعرفة إلى أهل المرأة، ويُستحب أنْ يُلقي الخطيب أو مَن ينوب عنه خطبةً يَستهلّها بآيٍ مِن

____________________

١) مكارم الأخلاق: ٢٠٥.

٤٣

القرآن الكريم والحديث الشريف، ثُمّ يُفضى إلى ذِكر الغرض، وهو خطبة المرأة وذكر مواصفاتها الصالحة وإيمانها وما إلى ذلك، وفي السيرة النبويّة وتُراث الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) كثير من الخُطب المأثورة عنهم (عليهم السلام) في الزواج، منها خطبة الإمام الرضا (عليه السلام) لنفسه في زواجه من أمّ حبيبة، وخطبة ولده الإمام الجواد (عليه السلام) لنفسه في زواجه من أمّ الفضل، وغيرهما.

ويُستحب الإعلان عن العقد والإشهاد عليه، وإيقاعه ليلاً،

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (زفّوا عرائسكم ليلاً، وأطعموا ضُحى) (١) .

ويُستحب الوليمة عند الزفاف يوماً أو يَومين، وأنْ يُدعى لها المؤمنون.

واتّضح من خلال هذه المراسيم أنّ السمة الغالبة عليها هي عباديّة فضلاً عن كونها اجتماعيّة، تُوجّه الزوجين للارتباط بالله تعالى واستمداد العون والتوفيق منه، ثُمّ يتخلّلها أداء الصلاة والأذكار وقراءة القرآن والإطعام الذي يُذكر فيه - عادة - الجيران ويشمل الفقراء والمساكين.

ثمّ تأتي مراسيم الزفاف، وممّا يدل على أهميّتها أنّه (لمّا كانت ليلة الزفاف - لفاطمة على الإمام عليّ (عليهما السلام) - أتى النبيّ (صلّى الله عليه واله وسلّم) ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة، وقال لفاطمة: (اركبي)، وأمَرَ سلمان رضي الله عنه أنْ يقودها، والنبيّ … (صلّى الله عليه واله وسلّم) يسوقها، وكبّر (صلّى الله عليه واله وسلّم) فوضع التكبير على العرائس من تلك الليلة) (٢) .

وهكذا تتمّ هذه المراسيم العالية في أجواء من الطُّهر والفضيلة، تَتَفجّر فيها ينابيع المشاعر والأحاسيس الخيّرة، وتنطلق فيها الدعوات المخلصة إلى الله تعالى؛ لكي يُبارك للعروسين حياتهما الجديدة.

____________________

١) مكارم الأخلاق: ٢٠٨.

٢) مكارم الأخلاق: ٢٠٨.

٤٤

الفصل الثاني

عناية الإسلام بالأُسرة عند نشأتها

المبحث الأول: عناية الإسلام بالجانب الروحي بين الزوجين

يضع الإسلام في طليعة اهتمامه مسألة توثيق العلاقة الروحيّة بين الزوجين قبل وبعد عقد قرانهما، حتّى يصمدا في وجه رياح المصاعب والمصائب التي يُمكن أنْ تعصف بِعُش الزوجيّة.

فليس خافياً بأنّ توثيق العلاقة مع الخالق تنعكس آثاره النافعة على المخلوق، والملاحظ أنّ الإسلام يتّبع خطّة ثلاثيّةِ الأركان من أجل الارتقاء الروحي بالزوجين، يُمكننا الإشارة إليها بالنقاط التالية:

أولاً: المواظبة على الطاعات:

الطاعة تَتَحقّق - واقعاً - من خلال تطبيق المنهج الربّاني المعد سلفاً من أجل الارتقاء الروحي بالإنسان المسلم، وتأتي (الصلاة) في طليعة تلك الطاعات، فهي تربط الإنسان بربّه في أوقات متعاقبة ومنتظمة، فيستمدّ من خلالها شحنات روحيّة عالية، الأمر الذي يَنعكس - إيجابيّاً - على سلوكه وتعامله مع

٤٥

عائلته، لا سيّما وأنّ الصلاة تقوم بدور الرّدع للإنسان المسلم عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى مخاطباً الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): ( ..وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ.. ) (العنكبوت:٤٥) (١) .

ولذلك نجد أنّ الرسل والأنبياء، يأمرون أهلهم بالمحافظة على الصلاة، ومن أبرز الشواهد على ذلك ما حكاه القرآن عن سلوك إسماعيل (عليه السلام) السوّي، وكيف كان يأمر أهله بالطاعات، قال تعالى: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْماعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أهْلَهُ بِالصَّلأةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ) (مريم:٥٤-٥٥) (٢) .

كما نجد في القرآن خطاباً موجّهاً للرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) بأنْ يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها، والمُلفت للنظر هنا أنّ هذا الخطاب قد ورد بعد النهي عن النظر إلى نساء الآخرين، الأمر الذي يعني أنّ الطاعات وخاصّة الصلاة، تُحصّن الإنسان وأهله من المَفاسِد الاجتماعيّة.

تدبّر جيّداً في هذا المقطع القرآني الزاخر بالمعاني: ( وَلأ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأبْقَى * وَأْمُرْ أهْلَكَ بِالصَّلأةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لأ نَسْألُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) (طه:١٣١-١٣٢) (٣) .

فمن الضرورة بمكان أنْ يَحثّ ويُشجع كلّ من الزوجين أحدهما الآخر على المحافظة على الصلاة التي تُقرّبهما إلى الله تعالى وتُبعّدهما عن الفحشاء والمنكر، خصوصاً وأنّ هذا الحثّ والتشجيع المُتبادل يَستتبع الثواب الجزيل، قال

____________________

١) سورة العنكبوت: ٢٩ | ٤٥.

٢) سورة مريم: ١٩ | ٥٤ - ٥٥.

٣) سورة طه: ٢٠ | ١٣١ - ١٣٢.

٤٦

النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم): (رحِم اللهُ رجلاً قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأته فصلّت، فإنْ أبت نضح في وجهِها الماء، رحِم الله امرأةً قامَت من الليل فصلّت وأيقظت زوجها، فإنْ أبى نَضَحَت في وجهِه الماء) (١) .

وفي هذا الإطار لابدّ من إلفات النظر إلى أنْ الإسلام قد ربط بين قبول الصلاة وكمالها، وبين العلاقة الزوجيّة وطبيعتها، ويكفي شاهداً على ذلك ما ورد في وصيّة النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم) للإمام عليّ (عليه السلام): (.. يا علي ثمانية لا يُقبل منهم الصلاة.. والناشزة وزوجها عليها ساخط..) (٢) .

من جانب آخر يُعتبر الصيام أحد الطاعات التي تفرز معطيات روحيّة واجتماعيّة أبرزها التقوى وابتلاء إخلاص الخُلق، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (البقرة:١٣٨) (٣) .

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر، والزكاة تسبيباً للرزق، والصيام ابتلاءً لإخلاص الخُلق..) (٤) .

ولاشكّ بأنّ الإخلاص للخالق يَستتبع إخلاصاً في التعامل مع المخلوقين وخاصّة مع الأهل أو الزوج.

ثمّ إنَّ الصيام يكتسب قبوله وكماله من الالتزام السلوكي العالي للفرد المسلم مع الآخرين، عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) أنّها قالت: (ما يصنع الصائم بصيامه إذا

____________________

١) سنن أبي داود ٢: ٧٠ | ١٤٥٠ باب الحث على قيام الليل. ط - دار الفكر.

٢) مكارم الأخلاق | الطبرسي: ٥٠٠.

٣) سورة البقرة: ٢ | ١٨٣.

٤) نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: ٥١٢ | حكم ٢٥٢.

٤٧

لم يغضّ لسانه، وسمعه، وبصره، وجوارحه) (١) .

فهو يقوم بعمليّة ضبط واعية لجوارح الفرد ويردعه عن الإساءة للآخرين، كما يُساهم في خَلق حالة من السكينة والاطمئنان في نفسه، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (والصيام والحجّ تسكين للقلوب) (٢) .

ثانياً: مُمارسة المَندوبات:

وتأتي في المرحلة التالية بعد أداء الواجبات، فَتُساهم في رفع إيمان الزوجين إلى آفاق عالية، وتحيط حياتهما الزوجيّة بهالة من الروحانيّة، وقبل كلّ ذلك تُقرّبهما إلى الله زُلفى، قال الإمام الكاظم (عليه السلام): (صلاة النَّوافل قُربانٌ إلى الله لكلِّ مُؤمن) (٣) .

ويأتي ذكر الله تعالى في طليعة المندوبات، إذ يعمل على زرع الطمأنينة في القلوب، وقَشعِ غيوم المخاوف التي تزخر بها الحياة، قال تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ ألأ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (الرعد:٢٨) (٤) .

ثمّ إنَّ ذكر الله لا تقتصر آثاره النافعة على الناحية الروحيّة، بل يشتمل الجوانب السلوكيّة أيضاً، فلا شكّ أنّها تنعكس على العائلة، وتُحقّق الحياة الطيّبة والسعيدة لأفرادها، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (مَن عَمّر قلبَه بدوام الذكر، حسنت أفعاله في السر والجهر) (٥) ،

وقال أيضاً: (اذكروا الله ذكراً خالصاً،

____________________

١) دعائم الإسلام: ٢٦٨، وبحار الأنوار ٩٦: ٢٩٥.

٢) أمالي الطوسي ١: ٣٠٢، وبحار الأنوار ٧٨: ١٨٣.

٣) تحف العقول: ٤٠٣.

٤) سورة الرعد: ١٣ | ٢٨.

٥) غرر الحكم ح ٨٨٧٢.

٤٨

تَحيوا به أفضل الحياة، وتَسلكوا بهِ طُرُق النجاة) (١) .

وما يُعزز ذلك، نجد أنّ بيوت الأنبياء وأهل البيت (عليهم السلام) خاصّة تُخيم عليها السعادة والسكينة والاحترام المُتبادل؛ وذلك نتيجة لمواظبتهم على الطاعات وكثرة ذكرهم لله سبحانه.

ذَكَر صاحب مَجمع البيان في معرض تفسيره لقوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) (٢) .

أنّه سُئل النبيّ (صلّى الله عليه واله وسلّم) لما قرأ الآية، أيّ بيوتٍ هذه؟ فقال: (هي بيوت الأنبياء) فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها؟ يعني بيت عليّ وفاطمة (عليهما السلام) قال (نَعم، مِن أفضلِها). ويَعضِد هذا القول قوله تعالى: ( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣)

وقوله: ( رَحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ عَليكُم أهلَ البيتِ ) (هود:٧٣) (٤) .

من جهة ثانية نَجد أنّ البيوت التي تبتعد عن جادّة الإيمان وطاعة الله تعالى وتُعرِض عن ذكره، تكون عُرضةً للمشاكل والمشاجرات بين الزوجين، ويَنفَرِط فيما بينها عَقد المحبّة والأُلفة، كما أخبر تعالى: ( ومَن أعرَضَ عن ذِكري فإنَّ لهُ معيشَةً ضنكاً.. ) (٥) .

وينبغي الإشارة هنا إلى أنّ صلاة اللّيل هي من المندوبات التي تُساهم في

____________________

١) تحف العقول: ٢٠ حكم ومواعظ أمير المؤمنين (عليه السلام).

٢) سورة النور: ٢٤ | ٣٦.

٣) سورة الأحزاب: ٣٣ | ٣٣.

٤) مجمع البيان | الطبرسي ٥: ٥٠ - ٥١ | ١٩ منشورات مكتبة الحياة - بيروت.

٥) سورة طه: ٢٠ | ١٢٤.

٤٩

رَفع المؤشّر الروحي للزوجين، وتُدخِلَهما في عِداد الذاكرين؛ لذلك قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (مَن استَيقَظ من الليل وأيقظ امرأته فصلّيا ركعتين جميعاً، كُتِبا مِن الذاكرين الله كثيراً والذاكرات) (١) .

أضف إلى ذلك أنّ الصوم المندوب يُطهّر القلب والصدر، من الوساوِس والشُكوك والنوايا السيّئة، التي قد تُعكّر صفو الحياة الزوجيّة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (.. صوم ثلاثة أيّام من كلِّ شهر، أربعاء بين خميسين وصوم شعبان، يُذهب بِوَساوس الصدر وبَلابِل القَلب) (٢) .

ثالثاً: اجتناب المعاصي والآثام:

ذلك لأنّ المعاصي والذنوب تُسَبّب قساوة القلوب، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما جفّت الدموع إلاّ لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلاّ لكثرة الذنوب) (٣) .

ولاشكّ أنّ صاحب القلب القاسي يكون عديم الإحساس، وضعيف العاطفة تجاه العائلة، ويَتعامل معهم في منتهى القسوة، ثمّ إنّ الذنوب تجلِب البلاء وتُنقّص الرزق،

قال الإمام عليّ (عليه السلام) محذّراً: (.. توقّوا الذنوب، فما مِن بليّةٍ ولا نقصِ رزقٍ، إلاّ بذنب حتّى الخَدش والكبوة والمُصيبة) (٤) .

وهناك صنف من الذنوب تَنعكس آثارها السلبيّة مباشرة على الأُسرة

____________________

١) سنن أبي داود ٢: ٧٠ | ١٤٥١ باب الحث على صلاة الليل.

٢) الخصال، للصدوق ٢: ٦١٢ | ٤٠٠ منشورات جماعة المدرسين - قم طبع ١٤٠٣ هـ.

٣) علل الشرائع، للصدوق: ٨١ | ٧٤ باب علم جفاف الدموع وقسوة القلوب.

٤) الخصال، للصدوق ٢: ٦١٦ | ٤٠٠.

٥٠

كشِرب الخَمر والزنا وقَطيعة الرحِم وعُقوق الوالدين، وقد جاءت الإشارة إلى الآثار الضارة لكلٍّ منها في الذكر الحكيم والحديث الشريف، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (الذنوب التي تغير النِّعم، البَغي... والتي تَهتِك السِّتر شرب الخمر، والتي تَحبِس الرزق الزنا، والتي تُعجِّل الفناء قطيعة الرحِم، والتي تردُّ الدعاء وتُظلم الهواء عقوق الوالدين) (١) .

المبحث الثاني:

عناية الإسلام بالجانب التربوي والأخلاقي بين الزوجين

أولاً: جانب التربية:

لقد أولى الإسلام عنايتَهُ الفائقة لجانب التربية في الأُسرة، ويتّضح لنا ذلك من خلال جُملة من التعاليم التربويّة العالية، التي طلَب من الزوجين مراعاتها والعمل بها، وسوف نُشير هنا إلى أبرزها:

أ - الحبّ المتبادل:

الحبُّ المُتبادل يشكّلُ سوراً عاطفيّاً يُحيط بأفراد الأُسرة، ويشيع أجواء الأُلفة والودّ فيما بينهم، وقد أبرزت الدراسات الاجتماعيّة الحديثة أهميّة الحبُّ المُتبادل بين الزوجين، وأطلقت عليه مُصطلح (الوظيفة العاطفيّة).

ولقد سَبق الإسلام الدراسات الاجتماعيّة الحديثة، فأكّد على أهميّة الحبّ المتبادل بين أفراد العائلة، وحدّد العوامل التي تُورث المحبّة وتُساعد على

____________________

١) أُصول الكافي ٢: ٤٤٧ - ٤٤٨ | ١ باب تفسير الذنوب من كتاب الإيمان والكفر.

٥١

استمرارها كالإحسان والخُلق الحسن والبِشر وطلاقة الوجه.

قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): (جُبلت القلوب على حُبِّ من أحسن إليها، وبُغضِ مَن أساء إليها) (١) ، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (حُسن الخُلق مَجلَبة للمودّة) (٢) ، وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (البشر الحسن وطلاقةُ الوجه، مكسبةٌ للمَحبّة، وقُربةٌ إلى الله، وعبوس الوجه وسوءُ البشر، مكسبة للمَقت وبُعد مِن الله) (٣) .

وثمّة عوامل رئيسة دينيّة وخُلقيّة وحتّى اقتصاديّة، تُورث المَحبّة، حصرها الإمام الصادق (عليه السلام) بثلاثة خصال، فقال: (ثلاثةٌ تورثُ المحبَّة: الدِّينُ، والتواضع، والبذل) (٤) .

ب - المُعاشرة بالمعروف:

لقد حثّت تعاليم الإسلام الزوجين على حُسن المُعاشرة فيما بينهما؛ وذلك لأنّها ركيزة أساسيّة لدوام المحبّة والأُلفة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (بحسن العشرة تدوم المودّة) (٥) ،

وقال أيضاً: (بِحُسن العِشرة تَدوم الوَصلة) (٦) .

وفي هذا السياق نجد توصيات خاصّة للزوج بصفتِه قيّماً على الزوجة قد ملّكه الله تعالى عِصمتها، وجعلها تحت قيُّمومّته تحثّه على العِشرة الحسنة معها، قال تعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمعرُوفِ ) (٧) ، وقد ورد في توصيات الإمام

____________________

١) تحف العقول: ٣٧ من مواعظ النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم).

٢) تحف العقول: ٣٥٦.

٣) تحف العقول: ٢٩٦.

٤) تحف العقول: ٣١٦.

٥) غرر الحكم ح ٤٢٠٠ و ٤٢٧٠.

٦) غرر الحكم ح ٤٢٠٠ و ٤٢٧٠.

٧) سورة النساء: ٤ | ١٩.

٥٢

عليّ (عليه السلام) التربويّة لابنه الإمام الحسن (عليه السلام): (.. ولا يَكُن أهلك أشقى الخَلق بك..) (١) ، والإمام الصادق (عليه السلام) أبعد من ذلك في تأكيده على الزوج بضرورة العشرة الحسنة مع زوجته، والتطبّع بها وإنْ لم تكن له طبعاً، الأمر الذي يَكشِف لنا عن أهميّتها التربويّة العالية، قال (عليه السلام): (إنَّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها، وإنْ لم تَكُن في طَبعه ذلك: مُعاشرةٌ جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصّن) (٢) .

ونجد بالمقابل أنّ السُنّة المطهّرة تحثُّ النساء على حسن العشرة مع الرجال، وتعتبر ذلك بمثابة الجهاد لهنَّ، قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (جهادُ المرأة حُسن التبعّل لزوجها) (٣) .

ثمّ إنّ مِن دواعي العِشرة الحسنة، التسامُح والتساهُل بين الزوجين، وخاصّة في الأُمور العاديّة، التي قد تصدر بصورة عفويّة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (مَن لم يَتَغافل ولا يغضّ عن كثير من الأُمور تَنَغّصت عيشته) (٤) .

جـ - الشعور بالمسؤوليّة:

لقد أكّد القرآن على مسؤوليّة الإنسان بصورة عامّة، فقال: ( وقفُوهُم إنَّهُم مسؤُولونَ ) (٥) . كما أكّدت السيرة النبويّة على شُمول هذه المسؤوليّة للرجل والمرأة معاً في محيطهما العائلي، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ألا كلّكم راعٍ وكلّكم

____________________

١) نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: ٤٠٣ كتاب ٣١.

٢) تحف العقول: ٣٢٢ من حديث الإمام الصادق (عليه السلام) المعروف بـ (نثر الدرر).

٣) تحف العقول: ٣٢٢.

٤) تحف العقول: ٦٠ من مواعظ النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم). ٥) سورة الصافات: ٣٧ | ٢٤.

٥٣

مسؤول عن رعيّته، فالأمير الذي على النّاس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيتِ بعلها وولده وهي مسؤولةٌ عنهم) (١) .

مِن كلِّ ذلك يظهر لنا بأنّ الإسلام يحثُّ الزوجين على الشعور بالمسؤوليّة الإنسانيّة بصفة عامّة وعلى المسؤوليّة الأُسرية بصفة خاصّة.

د - الإنصاف والعدل:

الإنصاف من العوامل التربويّة التي تديم المحبّة وتُوجب الأُلفة بين الزوجين، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (الإنصاف يستديم المحبّة) (٢) ،

ويقول أيضاً: (الإنصاف يَرفع الخلاف ويُوجب الائتلاف) (٣) ،

ومَن يُطالع كتابه (عليه السلام) الذي أرسله إلى الأشتر لمّا بعثه إلى مصر، يجد أنّه يُشير فيه صراحةً إلى أنّ عدم الإنصاف يُؤدّي إلى الظلم: (... أنصف الله وأنصف الناس من نفسك، ومِن خاصّة أهلك، ومَن لك فيه هوى من رعيّتك، فإنّك إلاّ تفعل تَظلم..) (٤) .

وهناك دعوةً مُلحّة للعدل بين النساء، لمَن يتزّوج بأكثر من امرأة، وتحذير مِن مغبّة الظلم لهما أو لإحداهما، ورد ذلك في آخر خطبة للرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) التي تضمّنت تعاليم تربويّة عديدة منها - في ما يتّصل بهذه الفقرة - قوله: (.. ومَن كانت لهُ امرأتان، فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه، وماله، جاء يوم القيامة

____________________

١) تنبيه الخواطر ١: ٦.

٢) غرر الحكم ح ١٠٧٦.

٣) غرر الحكم ح ١٧٠٢.

٤) تحف العقول: ١٢٧.

٥٤

مغلولاً مائلاً شقه، حتّى يَدخل النار) (١) .

هـ - تقسيم العمل وبيان الأدوار:

وهُما من الأساليب الناجحة في إدارة أُمور الأُسرة، فالرجل عليه العمل والكسب خارج البيت لتوفير سُبل العيش الكريم للعائلة، والمرأة تضطلع بمهمّة إدارة المنزل ورعاية الأطفال.

وتروي لنا مصادرنا التراثيّة حالة التعاون وتقسيم العمل الرائعة بين فاطمة الزهراء والإمام عليّ (عليهما السلام)، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (كان أمير المؤمنين يحطب ويستقي ويَكنس، وكانت فاطمة تَطحَن وتَعجِن وتَخبز) (٢) .

لقد قامت فاطمة عليها السلام بأداء واجباتها المنزليّة خير قيام، وخير شاهد على ذلك ما أفاده زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) بحقّها عندما قال لرجل من بني سعد:

(ألا أحدّثك عنّي وعن فاطمة، إنّها كانت عندي، وكانت من أحبّ أهلهِ إليه - أي للرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) - وإنّها استَقَت بالقِربة حتّى أثّرت في صدرِها، وطَحنت بالرحى حتّى مَجِلت يداها، وكَسَحت البيت حتّى اغبَرّت ثيابها، وأوقَدَت النار تحت القِدر حتّى دكِنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضِمارٌ شديد) (٣) .

ثمّ إنَّ الإسلام لا يُحرّم العمل على المرأة، كما يزعم بعض الناس، بل يُفضّل أنْ تعمل المرأة في بيتها صيانةً لها، والإسلام يُشجّع المرأة أنْ تُزاول الأعمال المنزليّة؛ لكي تُساهم في دعم اقتصاد العائلة وتخفّف العبء عن كاهل الزوج عند الضرورة،

يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (مُروا نِساءكم بالغَزْل، فإنّه خيرٌ لهنَّ

____________________

١) عقاب الأعمال، للصدوق: ٣٣٣ | ١ باب يجمع عقوبات الأعمال.

٢) تنبيه الخواطر ٢: ٧٩.

٣) علل الشرائع، للصدوق: ٣٦٦ باب ٨٨ علّة تسبيح فاطمة (عليها السلام).

٥٥

وأزين)، ويقول أيضاً: (المِغْزَل في يد المرأة الصالحة، كالرمح في يَد الغازي المُريد وجه الله) (١) .

د - عدم إلحاق الضرر:

فقد ورد في الحديث تحذير شديد للزوجين من العواقب المُترتّبة على إلحاق الضرر من قبل أحدهما بالآخر، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (مَن كان لهُ امرأة تُؤذيه، لم يَقبل الله صلاتَها ولا حسنةً من عمَلها، حتّى تُعينه وتُرضيه، وإن صامت الدهر.. وعلى الرجل مثل ذلك الوزر إذا كان لها مُؤذياً ظالماً) (٢) .

ومن الخطابات المُوجّهة للزوجة خاصّة، قول الإمام الصادق (عليه السلام): (ملعونةٌ ملعونة، امرأة تُؤذي زوجها وتَغمّه، وسعيدةٌ سعيدة، امرأة تُكرِم زوجَها ولا تُؤذيه، وتطيعه في جميع أحواله) (٣) .

ومن الخطابات المُوجّهة للزوج في هذا الصدد قول الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ومن أضرَّ بإمرأة حتّى تَفتدي منه نفسها، لم يرضَ الله تعالى له بعقوبة دون النار؛ لأنَّ الله تعالى يغضب للمرأة كما يغضَب لليتيم) (٤) .

والمُلاحظ أنّ السيرة النبويّة في الوقت الذي تُوصي فيه الرجال بالرِّفق، وعدم إلحاق الضرر بالنساء، كما قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (أوصيكم بالضعيفين: النساء وما مَلَكت أيمانكم) (٥) ، كذلك تُوصي النساء بالرفق بالأزواج وعدم

____________________

١) مكارم الأخلاق: ٢٣٨.

٢) وسائل الشيعة ١٤: ١١٦ | ١ باب ٨٢.

٣) بحار الأنوار ١٠٣: ٢٥٣ عن كنز الفوائد للكراجكي: ٦٣.

٤) عقاب الأعمال، للصدوق: ٣٣٤ باب يجمع عقوبات الأعمال.

٥) تحف العقول: ١٢٠ من وصايا الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم).

٥٦

تَكليفهم فوقَ طاقتهم وبما يَشقُّ عليهم، بدليل قول الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (.. ألا وأيّما امرأة لم تَرفِق بزوجها، وحملته على ما لا يَقدر عليه، وما لا يَطيق، لم يَقبل الله منها حسنة، وتلقى الله وهو عليها غضبان) (١) .

ز - الخدمة المُتبادلة:

فمِن المُؤكّد أنّ الإسلام يدعو المسلمين إلى إسداء الخدمة ومدّ يد العون لبعضهم البعض، فعَن أبي المُعتمر قال: سمعتُ أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): (أيّما مسلم خَدَم قوماً من المسلمين، إلاّ أعطاه الله مثلَ عددهم خُدَّاماً في الجنّة) (٢) .

وإلى جانب هذا التوجّه العام، فإنّه يدعو الزوجين إلى خِدمة بعضهما البعض بما يَعود بالنفع عليهما، وعلى عُموم أفراد العائلة، ويُرتّب على هذه الخدمة مهما كانت بسيطة الثواب العظيم، فَعَن ورّام بن أبي فراس قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم):

(أيّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيّام، أغلق الله عنها سَبعة أبواب النّار، وفتح لها ثمانية أبواب الجنّة تدخل من أيّها شاءت).

وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ما مِن امرأة تَسقي زوجها شُربة مِن ماء إلاّ كان خيراً لها من عبادة سنة..) (٣) .

وتعتبر فاطمة الزهراء (عليها السلام) القدوة الحسنة في التوفّر على خدمة الزوج وأداء حقوقه، فعلى الرغم من الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي مرَّ بها الإمام عليّ (عليه السلام)

____________________

١) تنبيه الخواطر ٢: ٢٦٢.

٢) أُصول الكافي ٢، ٢٠٧ | ١ باب في خدمة المؤمن من كتاب الإيمان والكفر.

٣) وسائل الشيعة ١٤: ١٢٣ | ٢ باب استحباب خدمة الزوجة لزوجها من كتاب النكاح.

٥٧

فإنّ فاطمة (عليها السلام) وقفت إلى جانبه، ولم تُكلّفه فوق طاقته، وكانت تخدمه بإخلاص، وقد شَهِد بحقّها واعترف بخدمتها، فقال (عليه السلام): (لقد تزوّجْت فاطمة ومالي ولها فراش غير جِلد كبش، كنّا ننام عليه باللّيل، ونعلف عليه النّاقة بالنهار، ومالي خادِم غيرها) (١) .

هذا فضلاً عن أنّ تعاليم الإسلام تحثُّ الرجل على خدمة امرأته وعياله، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (إذا سقى الرجل امرأته أُجر) (٢) ، وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (إنَّ الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى في امرأته) (٣) ، وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (.. لا يَخدِم العيال إلاّ صِدّيق أو شهيد أو رجلٌ يُريد الله بهِ خير الدنيا والآخرة) (٤) .

ح - الرّضا والموافقة:

فقد ورَدَت روايات عديدة تَحثُّ الزوجين على كسب رضا أحدهما للآخر، والحصول على موافقته، وفي هذا الصدد يقدّم الإمام الصادق (عليه السلام) توصياته التربويّة القيّمة لكلٍّ من الزوجين والتي تتضمّن الإشارة إلى الأساليب التي يجب أنْ يتّبعها كلّ واحد منهما لكسب رضا وموافقة شريكه، قال (عليه السلام): (لا غِنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة ليجلِب بها موافَقَتها ومحبّتها وهواها، وحُسن خُلقِه معها، واستعماله استمالَة قلبها بالهَيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها. ولا غِنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها المُوافق لها عن ثلاث خصال، وهنَّ: صيانَة نفسَها عن كُلِّ دنسٍ حتّى

____________________

١) تنبيه الخواطر ٢: ١٢.

٢) كنز العمال ١٦: ٢٧٥ | ٤٤٤٣٥.

٣) المحجّة البيضاء ٣: ٧٠ كتاب آداب النكاح، الفائدة الخامسة.

٤) بحار الأنوار ١٠٤: ١٣٢ باب فضل خدمة العيال، عن جامع الأخبار: ١٠٢.

٥٨

يَطمَئن قلبَه إلى الثقة بها في حال المَحبوب والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عن زلَّة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة، والهيئة الحسنة لها في عينه) (١) .

والملاحظ أنّ الروايات تُؤكّد على ضرورة إرضاء المرأة لزوجها، وعدم إثارة سَخَطِه، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ويلٌ لامرأةٍ أغضبَت زوجها، وطُوبى لامرأةٍ رضِيَ عنها زوجُها) (٢) .

ط - الاهتمام بالهيئة:

وهُما من العوامل التي تُساهم في تَوثيق الروابط الزوجيّة وتُساعد على استمرارها.

فقد ورد في توصيات أمير المؤمنين (عليه السلام): (لتَتَطيّب المرأةُ لزوجِها) (٣) ، ورَوى محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): (لا يَنبغي للمرأة أنْ تُعطّل نفسها، ولو أنْ تُعلّق في عُنقها قلادة) (٤) .

وهنا لابدّ مِن التنويه على أنّ زينة المرأة المتزوّجة لابدّ أنْ تقتصر على زوجها، فَعَن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): أيّ امرأة تَتَطَيّب ثمَّ خرجت مِن بيتها، فهي تُلعن حتّى تَرجِع إلى بيتها متى رجَعَت) (٥) .

____________________

١) تحف العقول: ٣٢٣ حديث الإمام الصادق (عليه السلام) المعروف بـ (نثر الدرر). والخلابة: الملاطفة باللسان.

٢) بحار الأنوار ١٠٣: ٢٤٦ عن جامع الأخبار: ١٥٨.

٣) تحف العقول: ١١١ من وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام).

٤) مكارم الأخلاق: ٩٨.

٥) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، للصدوق: ٣٠٨ باب عقاب المرأة تتطيّب لغير زوجها.

٥٩

من جانب آخر يَتوجّب على الزوج أنْ يهتم بنظافته ومظهره حتّى يَحوز على رضا الزوجة ويُدخل البهجة إلى نفسها، خُصوصاً وأنّ انحراف الزوجة قد تقع تَبِعاته على الزوج، نتيجة لعدم اهتمامه بنظافته ومظهره، وقد أورد لنا الإمام الرضا (عليه السلام) سابقة تاريخيّة في هذا الخصوص، عندما قال:

(أخبرني أبي، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام): أنّ نساء بَنِي إسرائيل خَرجْن من العفاف إلى الفجور، ما أخرجهن إلاّ قلّة تهيئة أزواجهن، وقل: إنّها تشتهي منكَ مثل الذي تَشتهي منها) (١) .

وكان رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) يَتهيّأ لنسائهِ ويَهتمّ بمظهره ويَتطيّب: (وكان يُعرف بالرّيح الطيّب إذا أقبل) (٢) ، وسَلك أهل البيت (عليهم السلام) ذات المَسلَك النبويّ، فكانوا يهتمّون بمظهرهِم ويتهيّؤن لنسائهِم، عن الحسن بن الجهم، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) اختضب، فقلت: جُعلت فِداك اختضبت؟ فقال: (نعم، إنَّ التهيئة مِمّا يزيد في عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنَّ التهيئة).

ثمّ قال: (أيَسرّك أنْ تَراها على ما تراكَ عليه، إذا كُنت على غير تهيئة؟ قلتُ: لا، قال: فهو ذاك..) (٣) .

ثانياً: جانب الأخلاق:

تشكّل الأخلاق حجر الزاوية في إدامة التماسك والألفة بين أفراد الأُسرة

____________________

١) مكارم الأخلاق: ٨١.

٢) مكارم الأخلاق: ٢٣.

٣) وسائل الشيعة ١٤: ١٨٣ | ١ باب ١٤١ استحباب التنظيف والزينة.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113