أحكام المرأة و الاُسرة

أحكام المرأة و الاُسرة20%

أحكام المرأة و الاُسرة مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: المرأة
الصفحات: 300

أحكام المرأة و الاُسرة
  • البداية
  • السابق
  • 300 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159443 / تحميل: 6126
الحجم الحجم الحجم
أحكام المرأة و الاُسرة

أحكام المرأة و الاُسرة

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) (١) .

سواء كانت هذه البنت للزوجة مباشرةً أو لأبنها أو بنتها ، ولكن لا تحرم البنت على ابن الزوج ولا على أبيه ، كما لا تحرم عليه بنت زوجته التي لم يدخل بها ، وتكون الحرمة بينهما على نحو الجمع لا على نحو التعيين(٢) ، فلو طلّق الأُمّ أو ماتت عنه جاز له الزواج من بنتها ، وأمّا قبل ذلك فيحتاط بعدم الزواج ، ولو تزوّج ولم يراع الاحتياط لم يحكم بصحة زواج البنت ، ولا ببقاء زوجيّة الأُم.

٤ ـ تحرم بنت الزوجة سواء كانت في حجر الزوج(٣) أم لم تكن ، وسواء كانت موجودة في زمان زوجيّة أُمّها أو أنّها ولدت بعد خروج الأُم عن الزوجيّة ، فلو عقد على امرأة ودخل بها ثمّ طلّقها ثمّ تزوّجت زوجاً ثانياً فولدت بنتاً من الزوج الثاني حرمت هذه البنت على الزوج الأوّل.

٥ ـ لا يصح نكاح بنت الأخ على العمّة ، وبنت الأُخت على الخالة ، الاّ بإذن العمّة أو الخالة ، سواء كان النكاح دائماً أو مؤقتاً ، أو كان أحدهما دائماً والآخر مؤقتاً ، وسواء علمت العمّة أو الخالة أو جهلتا بالنكاح حال العقد ، أو اطّلعتا بعد ذلك أو لم تطّلعا أبداً ، ولو تزوّجها توقّفت صحة الزواج على إذنهما ، فان أجازتا صح العقد وإلاّ بطل ، ولو علمتا بالتزويج فسكتتا ثمّ صدرت منهما الإجازة بعد ذلك صح الزواج أيضاً.

__________________

(١) النساء ٤ : ٢٣.

(٢) أي لا يجوز له الزواج من هذه البنت مادامت أُمّها مقيّدة بعصمة الزواج منه ، كما إذا كانت في بيته مثلاً.

(٣) كانت في حجره : أي كان هو المربيّ لها.

١٢١

٦ ـ يجوز نكاح العمّة والخالة على بنت الأخ وبنت الأُخت ، سواء علمت الخالة أو العمّة أو جهلتا ، ولا يحقّ لهما فسخ عقد أنفسها ، ولا فسخ عقد بنتي الأخ والأُخت على الأقوى.

٧ ـ ما مر من الحكم في اشتراط الإجازة من العمّة والخالة في زواج بنتي الأخ والأُخت يشمل العمّة والخالة الدنيا والعليا ، أي سواء كانت أُخت الأب والأُمّ مباشرة أو عمّتهما أو خالتهما ، وسواء كانت عمةً أو خالةً بالنسب أو الرضاع ، فالحكم في الجميع واحد.

٨ ـ لو أذنت العمّة أو الخالة ثمّ تراجعتا عن الإذن ، فإن كان الرجوع بعد العقد لم يبطل ، وإن كان قبله بطل الإذن السابق ، ولو لم يعلم الزوج بالرجوع وتزوّج اعتماداً على الرخصة الأُولى توقّفت صحة الزواج على الإجازة اللاحقة ، ولا عبرة بالإذن السابق.

٩ ـ الظاهر أن اعتبار إذنهما ليس حقّاً لهما كالخيار فلا يسقط بالإسقاط(١) ، فلو اشترط(٢) في ضمن عقدهما أن لا يكون لهما حقّ الإذن في زواج بنتي الأخ أو الأُخت لم يؤثّر ذلك الشرط في العقد ، ولو اشترط عليهما أن يكون له العقد على بنت الأخ أو الأُخت فرضيتا كان هذا الرضى منهما إذناً له ، ولكن يحقّ لهما أن يرجعا عن إذنهما قبل إجراء العقد ، ولو جعل الإذن شرطاً في العقد عليهما وجب عليهما الوفاء بالشرط ولو تخلفتا استحقتا الإثم ولا يصح العقد إن لم تأذنا.

__________________

(١) أيّ إنّ إذن العمّة والخالة من الحقوق التي لا تسقط حتّى لو شرطت في ضمن العقد ، لا كالحقوق الأُخرى التي يمكن التنازل عنها لو اشترطت فيه.

(٢) أيّ الزوج في ضمن عقد الخالة والعمة.

١٢٢

١٠ ـ إذا عقد على العمّة وابنة أخيها وشكّ في كون أيّهما سابقاً على الآخر حُكم بصحة العقدين ، وكذلك يصح لو تزوّج بابنة الأخ أو الأُخت وشكّ أنّه كان بإذن العمّة أو الخالة. ولو طلّق العمّة أو الخالة ، فإن كان الطلاق بائناً صح العقد على بنت الأخ أو الأُخت بمجرّد وقوع الطلاق ، وإن كان الطلاق رجعيّاً لم يجز العقد على بنت الأخ أو الأُخت إلاّ بعد انتهاء العدّة.

١١ ـ إذا زنى بخالته أو عمّته قبل أن يعقد على بنتها حرمت عليه بنتيهما على الأحوط وجوباً ، وأمّا لو زنى بامرأة أجنبية فالأحوط استحباباً أن لا يتزوّج ببنتها ، ولو زنى بامرأة فالأحوط استحباباً أن لا يتزوّج بها أبوه وإن علا ، ولا ابنه وإن نزل.

١٢ ـ لا يلحق بالزنا الوطء اشتباهاً ، ولا الأقسام الأُخرى من أنواع التمتّع غير النكاح كالنظر والتقبيل واللمس المحرّمين للعمة أو الخالة ، فلو قام بهذه المحرّمات لم تحرم عليه بنتيهما.

١٣ ـ إنّما يؤدّي الزنا بالعمّة أو الخالة إلى حرمة بنتيهما إذا كان قبل العقد عليهما ، أمّا إذا كان بعد العقد والدخول بها لم تحرم عليه ، وكذلك فيما إذا كان الزنا بهما بعد العقد على البنت وقبل الدخول بها على الأظهر(١) ، ولو علم بالزنا وشكّ في كونه قبل العقد أو بعده بنى على كونه بعد العقد.

١٤ ـ من الموارد التي يحرم فيها الزواج جمعاً ، زواج الأُختين والجمع بينهما ، سواء كانتا أُختين بالنسب أو بالرضاع ، وسواء كان العقد دائماً أو منقطعاً ، أو دائماً في إحداهما ومنقطعاً في الأُخرى ، فإذا تزوّج بالأُخرى بطل عقد الثانية دون الاُولى ، سواء دخل بالأُولى أم لا ، ولو اقترن عقدهما بأن تزوجهما بعقد واحد أو عقد هو على واحدة ووكيلة

__________________

(١) كلمة الأظهر تدل على الفتوى.

١٢٣

على الثانية في زمان واحد بطل عقدهما معاً.

١٥ ـ إذا عقد على الأُختين وجهل تاريخ أحد العقدين أو تاريخهما ، فإن احتمل تقارنهما زمنيّاً حكم ببطلان كلا العقدين ، وإن لم يحتمل التقارن بينهما ، ولكنه لم يعلم السابق منهما من اللاحق فقد علم إجمالاً بصحة أحدهما وبطلان الآخر ، فلا يجوز له أن يتعامل مع إحداهما معاملة الزوجة ما دام هذا الاشتباه موجود ، وحينئذٍ فلو طلّقهما أو طلّق الزوجة الواقعيّة منهما ، أو رضيتا بالصبر على عدم ترتّب آثار الزوجيّة ، سواء أنفق عليهما أم لم ينفق فلا إشكال ، وإن أبى الزوج عن الطلاق ولم ترضيا بالصبر أجبره الحاكم الشرعي على الطلاق ، ولو بأن يطلّق إحداهما على وجه التعيين ويجدّد العقد على الأُخرى برضاها بعد انقضاء عدّة طلاق الأُولى; إذا كانت الأُولى مدخولاً بها ، وأمّا لو لم يدخل بها فيجوز له العقد على الثانية بمجرّد طلاق الأُولى.

١٦ ـ إذا طلق زوجته ، فإن كان الطلاق رجعيّاً فلا يجوز نكاح أُختها ، ولا يصح العقد على الأُخت ما لم تنقض عدّة الأُولى ، وأمّا إن كان الطلاق بائناً كالتطليقة الثالثة ، أو كون المطلّقة ممّن لا عدّة لها كالصغيرة ، وغير المدخول بها واليائسة ، فيجوز له العقد على أُختها في الحال ، ولو كانت الأُولى متمتّعاً بها وانقضت مدّة عقدها ، أو أنّه وهب لها المدّة فالأحوط وجوباً عدم جواز العقد على أُختها قبل انقضاء العدّة وإن كانت بائنة.

١٧ ـ يجوز أن يتزوّج فاطميّتين في وقت واحد ، ولكن الأحوط استحباباً ترك ذلك.

١٨ ـ لو زنت الزوجة فلا تحرم على زوجها ولو كانت مصرّةً على الزنا ، والأفضل للزوج طلاقها إن لم تتب.

١٢٤

١٩ ـ لو زنى بامرأة لها زوج فعلاً حرمت عليه أبداً على الأحوط وجوباً ، فلا يجوز له نكاحها بعد موت زوجها ، أو انفصالها عنه بموت أو بطلاق أو فسخ لعقدها ، أو انقضاء مدّة أو هبتها ، إلى غير ذلك من أسباب زوال العقد ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون زواجها دائماً أم مؤقّتاً ، أو كونها مسلمة أو كافرة ، صغيرة أو كبيرة ، مدخولاً بها أو لا ، عالمة كانت بالحكم أو لا ، كان بعلها صغيراً أو كبيراً ، وكذلك لا فرق إن كان الزاني عالماً بكونها ذات بعل أو جاهلاً ، أو كان متعمّداً في زناه أم مكرهاً عليه.

٢٠ ـ لو زنى بامرأة قد فُقِدَ زوجها ثمّ تبيّن أنّ الزوج قد مات قبل وقوع الزنا فلم تحرم هذه المرأة على الزاني ، فيجوز له أن يتزوّجها بعد انقضاء مدّة الوفاة ، وأمّا إن لم يتبيّن موته ، وشكّ في كونه حيّاً أو ميتاً قبل الزنا فلا يجوز له أن يتزوّجها على الأحوط وجوباً.

٢١ ـ لو زنى بامرأة في عدّتها الرجعيّة حرمت عليه أبداً ، أمّا لو كانت عدّتها عدّة البائنة أو عدّة الوفاة أو عدّة المتعة أو الوطء اشتباهاً ، فلا يؤدي هذا الزنا إلى حرمتها أبداً ، ويجوز للزاني أن يتزوّجها بعد انتهاء العدّة.

ولكن لو علم بأنّها ذات عدّة ، ولا يعلم بأنّها رجعيّة أو بائنة فلا يحرم عليه الزواج منها ما دام شاكّاً ، نعم لو علم أنّ عدّتها رجعيّة وشكّ في انقضائها فيحرم عليه أن يتزوّجها.

٢٢ ـ الأحوط وجوباً ترك الزواج من المرأة التي زنى بها ولم تكن صاحبة بعل ، ولا ذي عدّة قبل توبتها ، وأمّا غيره فيجوز له الزواج منها مطلقاً. إلاّ إذا كانت معروفة ومشتهرة بالزنا فالأحوط وجوباً على الجميع ترك الزواج منها قبل التوبة ، والأحوط استحباباً أن يستبرئ رحمها بحيضة واحدة فلا يجامعها إلاّ بعد الحيضة كي يطمئن

١٢٥

من خلوّ رحمها من ماء الفجور ، وكذلك لا يجوز على الأحوط وجوباً زواج المرأة من الرجل المشهور بالزنا إلاّ بعد توبته.

١٢٦

الاعتداد

إنّ مسألة الاعتداد من المسائل الفقهيّة المهمّة التي شغلت حيّزاً في الرسائل العمليّة وكُتب الفقهاء ، والمراد منه صبر المرأة بعد الطلاق أو الوفاة مدّة معيّنة شرعاً ، فلا يجوز لها الزواج في هذه المدّة ، مضافاً إلى الحداد الذي يجب على المرأة المتوفى زوجها ـ والذي هو عبارة عن ترك التزيّن في اللباس والبدن ـ كما سيأتي ، وقد يقال : إن العلّة في صبر المرأة عن الزواج ـ هذه المدّة ـ هو الاطمئنان من عدم وجود جنين في رحمها ، ولكن نجد في بعض الأحيان جريان هذا الحكم حتى على من يتيقّن من عدم قدرتها على الحمل لمرض مثلاً ، ولذا نستطيع أن نقول : إنّه لم يخلُ حكم في الشريعة من وجود مصلحة وترك مفسدة ، فالغاية من تشريع هذا الحكم احترام كيان الزوج ، وتقديس العلاقة والرابطة التي بنيت بين الزوجين ، ولذا فانّ انفكاك هذه العلقة يترتّب عليه حكم العدّة ، وصبر المرأة عن الزواج وعدم التسرّع في قطع جميع الأواصر التي كانت بين الزوجين.

وكما احترم الإسلام العلاقة بين الزوجين فقد حفظ المرأة من الوقوع في أشراك المعصية ، فحلّل لها الزواج بعد انقضاء عدّتها خلافاً لما نرى في المجتمعات التي تتظاهر بالإسلام وخصوصاً العربيّة منها فقد جعلت الزواج على المرأة بعد موت زوجها أو طلاقها منه عاراً وشناراً ، حتّى أدّى ذلك إلى كثرة الفساد في أجواء غير المتديّنات ، ووجود العقد النفسيّة والأمراض الروحيّة عند المتديّنات.

١٢٧

وأُريد أن أسأل هؤلاء الذين يسمّون أنفسهم بأصحاب الغيرة ، أليست الغيرة موضوعاً من صلب الإسلام ، أترانا نحرّم شيئاً حلّلته الشريعة ، أم أنّنا نقدّر المصالح والضرورات أكثر من أئمتناعليهم‌السلام وساداتنا ؟ لماذا نحرّم شيئاً أحلّه الله تعالى ، ونحمل على المرأة التي تريد الزواج بكلّ موضوعيّة ومع حفظ وصون شخصيّتها ، ومع اتّزان تصرّفها وكونه وفقاً للمعايير الإلهيّة ؟

وهل يستطيع الأب أو الأخ أو الابن أن يقوم مقام الزوج الذي يعتبر وجوده ظلاً وارفاً على رأس المرأة ، وسؤدداً ترتفع به شخصيتها ، وتشيّد به كرامتها ؟ ناهيك عن هؤلاء النسوة اللاتي لم يبق لهن حتى أخ أو ابن أو أب !!

أسأل الله تعالى أن تكون جميع تصرّفاتنا وفقاً لما تريده الشريعة السمحاء لنا إن شاء الله.

أحكام الاعتداد

١ ـ يحرم الزواج بالمرأة دواماً أو متعةً في عدّتها من الغير ، رجعيّة كانت أو بائنة ، عدّة الوفاة أو غيرها(١) ، من نكاح دائم أو منقطع أو من وطء شبهة أو غيرها ، فلو علم الرجل أو المرأة بأنّها في العدّة وبحرمة الزواج فيها وتزوّج بها حرمت عليه أبداً وإن لم يدخل بها بعد العقد ، وإذا كانا جاهلين(٢) بأنّها في العدّة أو بحرمة الزواج فيها وتزوّج بها بطل العقد ، فإن كان قد دخل بها ـ ولو دبراً ـ حرمت عليه مؤبّداً أيضاً ، وإلاّ جاز الزواج بها بعد اتمام العدّة.

٢ ـ إذا وكّل أحداً في تزويج امرأة ولم يعيّن الزوجة ، فزوّجه امرأة ذات عدّة

__________________

(١) أي سواء كانت في عدة الطلاق الرجعي أم البائن ، في عدة الوفاة أو غيرها.

(٢) أي إذا جهل الرجل والمرأة كون المرأة ذات عدّة.

١٢٨

وقع العقد فضوليّاً متوقّفاً على إجازة الموكِّل لهذا العقد ، فلو أمضاه قبل خروجها من العدّة جرى عليه حكم الزواج في العدّة ، فيجري فيه التفصيل الذي ذكرناه في الفرع السابق ، وإن لم يمضه قبل خروجها من العدّة كان العقد لغواً ولا يوجب الحرمة ، ولو زوّج الصغيرَ وليّه من امرأة ذات عدّة فلا يوجب الحرمة إلاّ إذا أمضى العقد بعد البلوغ والرشد قبل انقضاء عدّتها وحرمت عليه على التفصيل المذكور ، ولا فرق في ذلك سواء كان الوكيل والوليّ عالماً بالحال أو لا.

٣ ـ لو وكّل أحداً في تزويج امرأة معيّنة في وقت معيّن ، فزوّجه إيّاها في ذلك الوقت وهي ذات عدّة ، فإن كان الزوج الموكِّل عالماً بالحكم والموضوع(١) حرمت عليه أبداً وإن كان الوكيل جاهلاً بهما.

أما لو كان الموكّل ( الزوج ) جاهلاً بهذين الأمرين وإن كان الوكيل عالماً بهما فإنّها لا تحرم عليه ، إلاّ مع الدخول بها أو أنها كانت عالمةً بالحال.

٤ ـ ليس الزواج في حال العدّة كالوطء شبهةً ، أو الزنى بالمرأة المعتدّة ، فلو زنى بإمرأة أو وطئها شبهةً في حال عدّتها لم تحرم عليه مؤبّداً ، أيّة عدّة كانت ، إلاّ العدّة الرجعيّة فإذا زنى بها فيها فإنّه يوجب الحرمة على الأحوط وجوباً.

٥ ـ يعتبر في الدخول ـ الذي هو شرط للحرمة الأبديّة في صورة الجهل ـ أنَّ يكون في العدّة ، فلا يكفي وقوع العقد في العدّة ، إذا كان الدخول قد تحقّق بعد انقضائها.

٦ ـ لو شكّ الرجل في كون المرأة التي يريد الزواج منها أنّها في العدّة أو لا جاز له أن يتزوّجها ، وأن يبني على كونها غير ذات عدّة ، ولا يجب عليه الفحص عن

__________________

(١) علمه بالحكم : أيّ بحرمة الزواج بذات العدّة ، وعلمه بالموضوع : أي بكونها ذات عدّة.

١٢٩

حالها ، وكذلك يجوز له الزواج منها لو علم بأنّها كانت في العدّة وإذا أخبرت هي بالانقضاء ما لم تكن متهمة(١) ، وإلاّ فالأحوط لزوماً تركه ، ما لم يتمّ التحقّق من صدقها.

٧ ـ لا يجوز التصريح بالخطبة ـ أيّ الدعوة إلى الزواج صريحاً ـ ولا التعريض بها ـ بمعنى أنّه يشعرها برغبته في تزويجها بالكلام من دون تصريح بالخطبة ـ لذات البعل ، ولذات العدّة الرجعيّة مع عدم الأمن من كون التعريض سبباً لنشوزها ، وخروجها عن طاعة الزوج ، والأحوط وجوباً ترك التعريض حتّى لو أمن النشوز ، وأمّا ذات العدّة البائنة ، سواء كانت عدة الوفاة أم غيرها فيجوز ـ لمن لا مانع شرعاً من زواجه منها لولا كونها معتدّة ـ التعريض لها بالخطبة بغير الألفاظ المستهجنة المنافية للحياء ، بل لا يبعد جواز التصريح لها بذلك ولو من غير زوجها السابق.

٨ ـ من كان عنده أربع زوجات دائمة تحرم عليه الخامسة ، ما دامت الأربع في عصمته الزوجيّة ، فلو طلّق إحداهنّ طلاقاً رجعيّاً لم يجز له الزواج بالأُخرى إلاّ بعد خروجها من العدّة ، وانقطاع عصمة الزوجيّة بينهما ، وأمّا لو طلّقها طلاقاً بائناً فالمشهور عند الفقهاء جواز التزويج بالخامسة قبل انقضاء عدّتها ، والأحوط وجوباً أن يصبر الزوج حتى انتهاء العدّة ، وهكذا لو ماتت إحداهن فإنّ الأحوط وجوباً أن يصبر على التزويج من الخامسة بعد انقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام من موتها ، وأمّا لو فارق إحداهنّ بفسخ العقد(٢) ، أو بطروء شيء أدّى إلى انفساخ العقد(٣) فالأظهر عدم وجوب الصبر إلى انقضاء المدّة ، ولو لم تكن عليها(٤) كغير المدخول بها

__________________

(١) أي ما لم يُشكّ في صدق ادّعائها انقضاء العدة.

(٢) كما إذا فسخه أحد الزوجين لعيب أو نحوه.

(٣) كالارتداد أو الرضاع أو غير ذلك.

(٤) أي كانت ممن ليس عليها عدّة.

١٣٠

واليائسة فلا موضوع لوجوب الصبر.

٩ ـ إذا عقد من له زوجات ثلاث على زوجتين اثنتين مرتّباً ـ أي بالتوالي لا بعقد واحد ـ بطل عقد الثانية ، وأمّا لو عقد عليهما معاً في وقت واحد فالعقد باطل.

١٠ ـ يجوز الجمع بين أكثر من أربع زوجات إذا كان عقد عليهن بالعقد المؤقت ، وان كان عنده أربع زوجات دائميّات.

١٣١

الكفر وعدم الكفاءة

لقد جاء الكتاب الكريم حاملاً لواء الدفاع عن كرامة المرأة المسلمة ، فما أراد أن تقع تحت سيطرة الكافر بأيّ نحو تتصوّر فيه السيطرة ، وهكذا كلّ فرد من المسلمين ، ولهذا يشير قوله تعالى :( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيل ) (١) ، وبما أنّ الزواج يحمل في طيّاته ولايةً على المرأة كما جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« النكاح رقّ ، فإذا أنكح أحدكم وليدةً فقد أرقّها ، فلينظر أحدكُم لمن يرق كريمته » (٢) لذا حرّم الاسلام زواج المسلمة من الكافر ، سواء كان الزواج دائماً أم مؤقتاً ، وسواء كان الكافر كتابيّاً كاليهودي والمسيحي والمجوسي ، أم لم يكن كذلك ، أو كان مرتّداً عن فطرة أي أنّ أحد أبويه أو كليهما كانا مسلمين ، وأظهر إسلامه بعد التمييز ثمّ خرج عن الإسلام واختار الكفر ، أو عن ملّة وهو من يقابل الفطري ، وكذا لا يجوز للمسلم أن يتزوّج غير الكتابيّة من أصناف الكفّار ، ولا المرتدّة ، سواء كانت عن فطرة أو عن ملّة. وأما النصرانيّة واليهوديّة فيجوز له أن يتزوّجها متعة(٣) ، والأحوط وجوباً أن لا يتزوّجها دواماً.

__________________

(١) النساء ٤ : ١٤١.

(٢) وسائل الشيعة ٢٠ : ٧٩ ، الحديث ٨.

(٣) ولا يجوز الزواج من الكتابيّة إلاّ بعد الاستئذان من زوجته المسلمة ـ إن كان له زوجة ـ سواء كان الزواج دائماً أم مؤقتاً ، بل الاحوط وجوباً ترك التزويج منها مؤقتاً حتى مع اذن الزوجة المسلمة كما سيأتي.

١٣٢

١ ـ الأحوط وجوباً ترك زواج المسلم من المجوسيّة حتّى لو كان الزواج مؤقتاً ، وأما الصابئة فلم يعرف حقيقة دينهم ، وقد يقال : إنّهم على قسمين : الصابئة الحرّانيين وهم الوثنية فلا يجوز الزواج منهم ، والصابئة المندلائيين : وهم طائفة من النصارى فيكون حكمهم حكم النصارى ، هذا إذا ثبت كونهم منهم ، وان لم يثبت فالأحوط وجوباً ترك الزواج منهم مطلقاً من أي فرقة كانوا.

٢ ـ لو كان عنده زوجة مسلمة فلا يجوز له أن يتزوّج بالكتابيّة حتّى مؤقتاً إلاّ بإذنها ، بل الأحوط وجوباً ترك التزويج مؤقتاً حتّى مع إذن المسلمة.

٣ ـ لو كان عنده أكثر من أربع زوجات غير كتابيات وأسلم على هذه الحالة وأسلمنّ معه أيضاً فيختار أربعاً منهنّ وينفسخ نكاح الأُخريات ، ولو أسلم وعنده أربع زوجات كتابيّات بقي معهنّ على النكاح وثبت عقده الأوّل ولم يبطل ، ولو كن أكثر اختار أربعاً وبطل عقد الباقي.

٤ ـ إذا ارتدّ الزوج عن ملّة أو ارتدّت الزوجة عن ملّة أو عن فطرة ـ وقد مرّ بيان معنى هذين النوعين من الارتداد ـ فان كان الارتداد قبل الدخول بها ، أو كانت الزوجة يائسة أو صغيرة بطل نكاحها وليس عليها عدّة ، وأمّا إن كان الارتداد بعد الدخول وكانت المرأة في سنّ من تحيض وجب عليها أن تعتدّ عدّة الطلاق ، وتوقّف بطلان نكاحها عل انقضاء العدّة ، فإذا رجع المرتد عن ارتداده إلى الإسلام قبل انقضاء العدّة بقي الزواج على حاله ، والاّ انكشف بطلانه من حين الارتداد.

٥ ـ إذا ارتدّ الزوج عن فطرة ـ حرمت عليه زوجته ، ووجب عليها أن تعتدّ عدّة الوفاة ، والأحوط لزوماً ثبوت الحكم لها حتّى إذا كانت يائسة أو صغيرة أو غير مدخول بها ، وأمّا إذا رجع إلى الإسلام قبل انقضاء العدّة فالأحوط لزوماً عدم ترتّب

١٣٣

آثار الزوجيّة أو الفراق إلاّ بعد تجديد العقد أو الطلاق.

٦ ـ العقد الواقع بين الكفّار لو وقع عندهم صحيحاً ، وعلى طبق مذهبهم تترتّب عليه آثار العقد الصحيح عندنا ، فلا يجوز الزواج من زوجاتهم ، إلى غير ذلك من الآثار ، سواء كانا كتابيّين أم غير ذلك ، أم كان أحدهما كتابيّاً والآخر غير كتابيّ.

ولو أسلما معاً دفعةً واحدة أُقرّا على نكاحهما ، ولا حاجة لعقد جديد على طبق مذهبنا ، بل وكذا لو أسلم أحدهما أيضاً في بعض الحالات التي سيأتي بيانها ، نعم لو كان نكاحهم مشتملاً على ما يقتضي الفساد عندنا ابتداءً ـ كنكاح اُمّ الزوجة مثلاً ، أو أنّه عرض عليه ما أفسده كما لو عقد على أُخت زوجته ـ جرى على زواجهما هذا حكم الإسلام بعد إسلامهما أو إسلام أحدهما.

٧ ـ إذا أسلم زوج الكتابيّة بقيا على نكاحهما الأوّل ، ولا حاجة لعقد جديد ، سواء كان قبل إسلامه كتابيّاً أم لم يكن ، وسواء كان إسلامه قبل الدخول بها أم بعده ، وأمّا إذا أسلم زوج غير الكتابيّة ـ سواء كان كتابيّاً أم لا ـ فإن كان إسلامه قبل الدخول بها انفسخ النكاح فوراً ، وإن كان إسلامه بعد الدخول بها يفرّق بينهما وينتظر إلى إنتهاء عدّتها ، فإن أسلمت الزوجة قبل انقضائها بقيا على نكاحهما ، وإن لم تسلم انفسخ العقد وتبيّن انفساخه من حين إسلام الزوج.

٨ ـ إذا أسلمت زوجة غير المسلم ، سواء كانت كتابيّة أم غيرها ، فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، وإن كان بعده فالأحوط لزوماً أن يفترقا بالطلاق أو يجدّد العقد إذا أسلم قبل انقضاء العدّة.

٩ ـ لا يجوز للمؤمن ـ وهو الشيعي الاثنا عشري ـ أو المؤمنة أن ينكح ـ مؤقتاً أو دائماً ـ بعض المنتحلين لدين الإسلام ممّن يحكم بنجاستهم كالنواصب وغيرهم.

١٠ ـ يجوز زواج المؤمن من المخالفة غير الناصبيّة ، كما يجوز زواج المؤمنة

١٣٤

من المخالف غير الناصبي على كراهة ، ولو خيف على الزوج أو الزوجة الضلال والانحراف عن العقيدة الحقّة حرم الزواج.

١٣٥

مسائل تتعلّق بالزواج

١ ـ لا يتشرط في صحة الزواج تمكّن الزوج من النفقة ـ نعم لو زوّج الولي البنت الصغيرة بغير القادر على الإنفاق عليها وكان في ذلك مفسدة بالنسبة إلى الصغيرة من دون مزاحمة تلك المفسدة لمصلحة غالبة عليها ، وقع العقد فضولياً فيتوقّف على إجازتها بعد كمالها.

٢ ـ القدرة على الإنفاق وإن لم تكن شرطاً في صحة العقد ولا في لزومه ، فلا يثبت الخيار(١) للمرأة لو تبيّن عدم تمكّن الزوج منها حين العقد ، فضلاً عمّا لو تجدّد عجز الزوج عن النفقة بعد ذلك ، ولكن لو دلّس الرجل نفسه على المرأة وأظهر نفسه بأنّه غنيّ قبل العقد عند الخطبة والمقاولة ثمّ وقع العقد مبنيّاً عليه ، ثمّ تبيّن خلافه ثبت الخيار لها ، فضلاً عمّا لو ذكر اليسار والقدرة على الإنفاق بنحو الاشتراط أو التوصيف في متن العقد ثمّ تبيّن عدمه.

٣ ـ يصح نكاح المريض بالمرض المتصل بموته بشرط الدخول ، فإذا مات ولم يدخل بها بطل العقد ولا مهر لها ولا ميراث ولا عدّة عليها بعد موته ، وكذا لو ماتت المرأة في أيام مرض زوجها ـ المتصل بموته ـ قبل أن يدخل بها فإنّه يبطل نكاحها.

__________________

(١) اي ليس لها أن تختار البقاء على العقد أو فسخه لأن هذا المورد ليس من الموارد التي يثبت فيها الخيار.

١٣٦

٤ ـ المرض الذي تحدّثنا عنه هو خصوص مرض الموت ـ الذي يكون معه المريض في معرض الهلاك ـ فلا يشمل مثل حمّى يوم خفيف اتفق إن مات بها على خلاف العادة.

٥ ـ ورد عنوان الكفؤ في باب ولاية الأب والجدّ للأب على البنت الباكرة الرشيدة ، ويكفي فيه أن يكون الخاطب مؤمناً عاقلاً ، فالمؤمن كفؤ المؤمنة حتّى لو كان أعجميّاً(١) وكانت هي عربيّة ، أو كان عاميّاً وكانت هاشميّة أو بالعكس ، وكذلك لو كانت تنحدر من بيوتات شريفة ومعروفة اجتماعياً وكان هو ممّن له صنعة وحرفة دنيئة عرفاً كالكنّاس وغيره ، وهذا الأمر يدلّ على أنّ الإسلام لا يعتبر هذه القضايا العرفيّة ، والمدار عنده في الكفاءة الإيمان والعقل الذان يوصلان الإنسان لكلّ شيء ، وينال بهما خير الدنيا والآخرة.

__________________

(١) المقصود من الأعجمي هو غير العربي.

١٣٧

الزواج المؤقت

إباحة المتعة

قال الله تعالى :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) (١) .

جاء في تفسير هذه الآية الكريمة قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن المتعة ؟ فقال : « نزلت في القرآن » ، وتلا هذه الآية الكريمة(٢) .

وفي عيون الأخبار عن الفضل بن شاذان ، عن الرضاعليه‌السلام في كتابه إلى المأمون : « محض الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله ـ إلى أن قال ـ : وتحليل المتعتين اللّتين أنزلهما الله في كتابه ، وسنّهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : متعة النساء ، ومتعة الحجّ »(٣) .

ولكننا ـ مع الأسف ـ نرى البعض ممّن يتخذها غاية لا وسيلة ، ويستغلّ هذا الأمر المشروع لأجل أغراضه الشخصيّة ، ولذا نرى أئمتناعليهم‌السلام قد وضعوا لهذا الأمر ضوابط وشرائط ينبغي للمؤمن تطبيقها.

فقد جاء عن الفتح بن يزيد قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن المتعة فقال : « هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه الله بالتزويج فليستعفف بالمتعة ، فإن استغنى عنها

__________________

(١) النساء ٤ : ٢٤.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ : ٥ ، الحديث١.

(٣) وسائل الشيعة ٢١ : ٩ ، الحديث ١٥.

١٣٨

بالتزويج فهي مباح له إذا غاب عنها »(١) .

وعن الحسن بن شمون قال : كتب أبو الحسنعليه‌السلام إلى بعض مواليه : « لا تلحّوا على المتعة إنّما عليكم إقامة السنّة ، فلا تشتغلوا بها عن فرشكم وحرائركم ، فيكفرن ويتبرّين ويدعين على الآمر بذلك ويلعنونا »(٢) .

استحباب المتعة

جاء عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال :« يستحب للرجل أن يتزوّج المتعة ، وما أُحبّ للرجل منكم أن يخرج من الدنيا حتى يتزوّج المتعة ولو مرّة » .

وكذلك ما جاء عنه عليه‌السلام في رواية أُخرى وهو يسأل أحد أصحابه ـ محمد بن مسلم ـ قال له : « تمتّعت؟ » .

قال : لا ، قال عليه‌السلام : « لا تخرج من الدنيا حتّى تحيي السنّة » (٣) .

وممّا سبق تبيّن إباحة المتعة ومشروعيّتها فضلاً عن استحبابها والإثابة على القيام بها إحياءً للسنّة.

ولكن المشكلة التي يعاني منها مجتمعنا وبالخصوص معشر النساء هو الأثر السلبي الذي تتركه المتعة على نفوس الرجال ، ممّا يؤدّي إلى تهديد بناء الأُسرة بالسقوط والانهيار ، والجواب على هذا الإشكال واضح ; لأنّ الشريعة لا تقرّ بشيء يكون مصدراً للمفسدة ، ولا تقبل بعمل يؤدّي إلى انحطاط كيان المرأة ، والتلاعب

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ : ٢٢ ، الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ : ٢٣ ، الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ٢١ : ١٥ ، الحديث ١١.

١٣٩

بشخصيتها ، ولا يسمح لأيّ فرد سواء من داخل الأُسرة أم من خارجها أن يحول بين استحكام ورّص العلاقة بين الزوجين ، بل الذي نشاهدُه في الكتاب الكريم وكلمات المعصومينعليهم‌السلام هو التأكيد على حفظ البيت المسلم ، وإعطاء المرأة المكانة اللائقة بها.

ولم تشرّع المتعة إلاّ لغرض السير على الجادة المستقيمة التي رسمها لنا الشارع المقدّس.

أحكام زواج المتعة

١ ـ وهو النكاح المؤجّل ، والذي يتمّ العقد فيه لمدّة معيّنة زمناً ، وهو كالعقد الدائم من حيث توقّفه على الإيجاب والقبول اللفظيّين ، فلا يكفي في وقوع العقد مجرّد الرضى القلبي من الطرفين ، كما لا يكفي المعاطاة ولا الكتابة ولا الإشارة إلاّ للأخرس ، والأحوط وجوباً أن يكون لفظ الإيجاب والقبول باللغة العربية لمن يتمكّن منها ، وأمّا الذي لا يتمكّن فيكفية اللغة المفهِمة للطرف المقابل وإن كان قادراً على أن يوكّل أحداً غيره.

٢ ـ ألفاظ الإيجاب في هذا العقد ثلاثة : ( متَّعتُ ) ، و ( زوَّجْت ) ، و ( أنكحت ). فأيّ واحد من هذا الألفاظ حصل ، وقع الإيجاب ، ولا ينعقد بغير هذه الألفاظ كلفظ ( ملّكت ) أو ( وهبتُ ) او ( أجّرتُ ).

وأمّا القبول فإنّه يتحقّق بكل لفظ دالّ على إنشاء الرضى بذلك الإيجاب كقوله : ( قبِلتُ المتعة ، أو التزويج ، أو النكاح ) ولو قال : ( قبلتُ ) أو ( رضيتُ ) واقتصر كفى ذلك.

٣ ـ إذا باشر الزوجان العقد المؤقت وعقدا لأنفسهما من دون وكالة إلى أحد ،

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ونخرج من هذه النقاط بالنتائج التالية :

أوّلاً : أنّ المدرسة المادّية تفترق عن المدرسة الإلهية في ناحية سلبية ، أي : الإنكار لما هو خارج الحقل التجريبي

ثانياً : أنّ المادّية مسئولة عن الاستدلال على النفي ، كما يجب على الإلهية الاستدلال على الإثبات

ثالثاً : أنّ التجربة لا يمكن أن تُعتَبر برهاناً على النفي ؛ لأنّ عدم وجدان السبب الأعلى في ميدان التجربة ، لا يبرهن على عدم وجوده في مجال أعلى لا تمتدّ إليه يد التجربة المباشرة

رابعاً : أنّ الأسلوب الذي تتّخذه المدرسة الإلهية للاستدلال على مفهومها الإلهي ، هو نفس الأسلوب الذي نثبت به علمياً جميع الحقائق والقوانين العلمية

الاتّجاه الديالكتيكي للمفهوم المادّي :

قلنا : إنّ للمادّية اتّجاهين : أحدهما اتّجاه الآلية الميكانيكية ، والآخر اتّجاه المادّية الديالكتيكية.

وقد استعرضنا الاتّجاه الأوّل استعراضاً سريعاً في الجزء الثاني من نظرية المعرفة ، حين تناولنا بالدرس والتمحيص المثالية الفيزيائية التي قامت على

____________________

(*)

الذاتي للمعرفة ، وفي ضوء هذا المذهب وإن كنّا بحاجة إلى ضمّ بعض المعارف العقليّة التي لا مناص عنها إلى التجربة ، كالمعرفة العقليّة القائلة باستحالة اجتماع النقيضين ، ولكن يمكن أن ينتقل الذهن ـ في ضوء المذهب المذكور ـ من استقراء الموضوعات الجزئيّة الخاضعة للتجربة إلى قواعد وقوانين عامّة ، بحيث يكون السير الفكري فيها من الخاصّ إلى العامّ ، ولا حاجة فيها إلى ضمّ المعارف العقليّة القبليّة التي تحوّل السير الفكري فيها من العامّ إلى الخاصّ ، كما يدّعيه أصحاب المذهب العقلي للمعرفة(لجنة التحقيق)

٢٤١

حطام المادّية الميكانيكية

وأمّا الاتّجاه المادّي الآخر الذي يفسّر العالم تفسيراً مادّياً بقوانين الديالكتيك ، فهو الاتّجاه الذي اتّخذته المدرس الماركسية ، فوضعت مفهومها المادّي عن العالم على أساس هذا الاتّجاه

قال ستالين :

(تسير مادّية ماركس الفلسفيّة من المبدأ القائل : إنّ العالم بطبيعته مادّي ، وإنّ حوادث العالم المتعدّدة هي مظاهر مختلفة للمادّة المتحرّكة ، وإنّ العلاقات المتبادلة بين الحوادث وتكييف بعضها بعضاً بصورة متبادلة كما تقرّرها الطريقة الديالكتيكية ، هي قوانين ضرورية لتطوّر المادّة المتحرّكة ، وإنّ العالم يتطوّر تبعاً لقوانين حركة المادّة ، وهو ليس بحاجة لأيّ عقل كلّي)(١)

ويُعتبر المفهوم المادّي (المادّة = الوجود) هو النقطة المركزية في الفلسفة الماركسية ؛ لأنّها التي تحدّد نظرة الماركسية إلى الحياة ، وتنشئ لها فهماً خاصّاً للواقع وقيمه ، ومن دونها لا يمكن أن تقام الأسس المادّية الخالصة للمجتمع والحياة

وقد فرضت هذه النقطة على المذهب الماركسي تسلسلاً فكرياً خاصّاً ، واقتضت منه أن يقيم شتّى جوانبه الفلسفية لصالحها فلأجل أن تملك الماركسية الحقّ في تقرير النقطة المركزية تقريراً نهائياً ، اختارت أن تكون يقينية ، كما عرفنا في نظرية المعرفة ، وأعلنت أنّ لدى الإنسان من الطاقات العلمية ما يتيح له الجزم بفلسفة معيّنة عن الحياة ، واستكناه أسرار

____________________

(١) المادّية الديالكتيكية والمادّية التاريخية : ٢٨

٢٤٢

الوجود والعالم ، ورفضت مذهب الشكّ المطلق ، وحتّى النسبية الجامدة ، وحاولت بذلك أن تعطي صفة قطعية للمحور الرئيسي ، أي : المفهوم المادّي

ووضعت بعد ذلك المقياس العامّ للمعرفة والحقيقة في التجربة ، واستبعدت المعارف العقلية الضرورية ، وأنكرت وجود منطق عقلي مستقلّ عن التجربة ؛ كلّ ذلك حذراً من إمكان محو النقطة المركزية بالمنطق العقلي ، وحدّاً للطاقة البشرية بالميدان التجريبي خاصّة

وواجهت الماركسية في هذه المرحلة مشكلة جديدة ، وهي : أنّ الميزان الفكري للإنسان إذا كان هو الحسّ والتجربة ، فلا بدّ أن تكون المعلومات التي يكوّنها عن طريق الحسّ والتجربة صحيحة دائماً ، ليمكن اعتبارها ميزاناً أوّلياً توزن به الأفكار والمعارف ، فهل نتائج الحسّ العلمي كذلك حقّاً ؟ وهل النظريات القائمة على التجربة مضمونة الصدق أبداً ؟

وهكذا وقعت الماركسية بين خطرين :

فإن اعترفت بأنّ المعلومات القائمة على أساس التجربة ليست معصومة من الخطأ ، فقد سقطت التجربة عن كونها ميزاناً أوّلياً للحقائق والمعارف

وإن ادّعى الماركسيون أنّ النظرية المستمدّة من التجربة والتطبيق فوق الخطأ والاشتباه ، اصطدموا بالواقع الذي لا يسع لأحد إنكاره ، وهو : أنّ كثيراً من النظريات العلمية ، بل القوانين التي توصّل إليها الإنسان عن طريق درس الظواهر المحسوسة ، قد ظهر خطؤها وعدم مطابقتها للواقع ، فسقطت عن عرشها العلمي بعد أن تربّعت عليه مئات السنين

وإذا كانت المفاهيم العلمية التجريبية قد تخطئ ، وكان المنطق العقلي ساقطاً من الحساب ، فكيف يُعلَن عن فلسفة يقينية ؟! أو تشاد مدرسة ذات صفة جزمية في أفكارها ؟!

٢٤٣

وقد أصرّت الماركسية على وضع التجربة مقياساً أعلى ، وتخلّصت من هذا المأزق بوضع قانون الحركة والتطوّر في العلوم والأفكار ؛ نظراً إلى أنّ الفكر جزء من الطبيعة ، وهو بهذا الاعتبار يحقّق قوانين الطبيعة كاملة ، فيتطوّر وينمو كما تتطوّر الطبيعة وليس التطوّر العلمي يعني سقوط المفهوم العلمي السابق ، وإنّما يعبّر عن حركة تكاملية في الحقيقة والمعرفة فالحقيقة والمعرفة هي الحقيقة والمعرفة ، غير أنّها تنمو وتتحرّك وتتصاعد بصورة مستمرّة

وهكذا قضى بذلك على جميع البدهيات والحقائق ؛ لأنّ كلّ فكر سائر في صراط التطوّر والتغيّر ، فليست توجد حقيقة ثابتة في دنيا الفكر مطلقاً ، ولا يؤمن على ما ندركه الآن من البديهيات ـ نظير إدراكنا : أنّ الكلّ أكبر من الجزء ، وأنّ ٢ + ٢ = ٤ ـ أن يكتسب شكلاً آخر في حركته التطوّرية ، فندرك الحقيقة عند ذاك على وجه آخر

ولمّا كانت الحركة التي وضعتها الماركسية كقانون للفكر وللطبيعة بصورة عامّة لا تنبثق إلاّ عن قوّة وسبب ، ولم تكن في العالم حقيقة إلاّ المادّة في زعمها ، فقد قالت : إنّ الحركة حصيلة تناقضات في المحتوى الداخلي للمادّة ، وإنّ هذه المتناقضات تتصارع فتدفع بالمادّة وتطوّرها ؛ ولهذا ألغت الماركسية مبدأ عدم التناقض ، واتّخذت من الديالكتيك طريقة لفهم العالم ، ووضعت مفهومها المادّي في إطاره وهكذا يتّضح : أنّ جميع الجوانب الفلسفية للمادّية الديالكتيكية ، مرتبطة بالنقطة المركزية (المفهوم المادّي) ، وقد صيغت لأجل تركيزها والحفاظ عليها وليس إسقاط البديهيات وجعلها عرضةً للتغيّر ، أو الإيمان بالتناقض واعتباره قانوناً عاماً للطبيعة ، وما إليها من النتائج الغريبة التي انتهت إليها الماركسية ، إلاّ تسلسلاً حتمياً للانطلاق الذي بدأ من المفهوم المادّي الماركسي ، وتبريراً له في المجال الفلسفي

٢٤٤

المفهوم الفلسفي للعالم / ٢

الديالكتيك أو الجدل

١- حركة التطوّر

٢- تناقضات التطوّر

٣- قفزات التطوّر

٤- الارتباط العامّ

٢٤٥

٢٤٦

إنّ الجدل كان يعني في المنطق الكلاسيكي طريقة خاصّة في البحث ، وأسلوباً من أساليب المناظرة التي تطرح فيها المتناقضات الفكرية ووجهات النظر المتعارضة بقصد أن تحاول كلّ واحدة منها أن تظهر ما في نقيضها من نقاط الضعف ومواطن الخطأ على ضوء المعارف المسلّمة والقضايا المعترف بها سلفاً وهكذا يقوم الصراع بين النفي والإثبات في ميدان البحث والجدل حتّى ينتهي إلى نتيجة تتقرّر فيها إحدى وجهات النظر المتصارعة ، أو تنبثق عن الصراع الفكري بين المتناقضات وجهة رأي جديدة توفّق بين الوجهات كلّها ، بعد إسقاط تناقضاتها ، وإفراز نقاط الضعف من كلّ واحدة منها

ولكنّ الجدل في الديالكتيك الجديد ، أو الجدل الجديد ، لم يعد منهجاً في البحث وأسلوباً لتبادل الآراء ، بل أصبح طريقة لتفسير الواقع ، وقانوناً كونياً عاماً ينطبق على مختلف الحقائق وألوان الوجود فالتناقض ليس بين الآراء ووجهات النظر فحسب ، بل هو ثابت في صميم كلّ واقع وحقيقة ، فما من قضية إلاّ وهي تنطوي في ذاتها على نقيضها ونفيها

وكان (هيجل) أوّل من أشاد منطقاً كاملاً على هذا الأساس ، فكان التناقض الديالكتيكي هو النقطة المركزية في ذلك المنطق ، والقاعدة الأساسية التي يقوم

٢٤٧

عليها فهم جديد للعالم ، وتنشأ [ بها ](١) نظرية جديدة نحوه ، تختلف كلّ الاختلاف عن النظرة الكلاسيكية التي اعتادها البشر منذ قُدّر له أن يدرِك ويفكّر

وليس (هيجل) هو الذي ابتدع أصول الديالكتيك ابتداعاً ، فإنّ لتلك الأصول جذوراً وأعماقاً في عدّة من الأفكار التي كانت تظهر بين حين وآخر على مسرح العقل البشري ، غير أنّها لم تتبلور على أسلوب منطق كامل واضح في تفسيره ونظرته ، محدّد في خططه وقواعده ، إلاّ على يد (هيجل) فقد أنشأ (هيجل) فلسفته المثالية كلّها على أساس هذا الديالكتيك ، وجعله تفسيراً كافياً للمجتمع والتاريخ والدولة وكلّ مظاهر الحياة ، وتبنّاه بعده (ماركس) فوضع فلسفته المادّية في تصميم ديالكتيكي خالص

فالجدل الجديد في زعم الديالكتيكيين قانون للفكر والواقع على السواء ؛ ولذلك فهو طريقة للتفكير ، ومبدأ يرتكز عليه الواقع في وجوده وتطوّره

قال لينين :

(فإذا كان ثمة تناقضات في أفكار الناس ؛ فذلك لأنّ الواقع الذي يعكسه فكرنا يحوي تناقضات فجدل الأشياء ينتج جدل الأفكار ، وليس العكس)(٢)

وقال ماركس :

(ليست حركة الفكر إلاّ انعكاساً لحركة الواقع ، منقولة ومحوّلة في مخ الإنسان)(٣)

والمنطق (الهيجلي) بما قام عليه من أساس الديالكتيك والتناقض ، يعتبر في النقطة المقابلة للمنطق الكلاسيكي ، أو المنطق البشري العامّ تماماً ؛ ذلك أنّ

____________________

(١) في الطبعة الأُولى : به ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه(لجنة التحقيق)

(٢) و (٣) المادّية والمثالية في الفلسفة : ٨٣

٢٤٨

المنطق العام يؤمن بمبدأ عدم التناقض ، ويعتبره المبدأ الأوّل الذي يجب أن تقوم كلّ معرفة على أساسه ، والمبدأ الضروري الذي لا يشذّ عنه شيء في دنيا الوجود ، ولا يمكن أن يبرهن على حقيقة مهما كانت لولاه

ويرفض المنطق (الهيجلي) هذا المبدأ كلّ الرفض ، ولا يكتفي بالتأكيد على إمكان التناقض ، بل يجعل التناقض ـ بدلاً عن سلبه ـ المبدأ الأوّل لكلّ معرفة صحيحة عن العالم ، والقانون العامّ الذي يفسّر الكون كلّه بمجموعة من التناقضات فكلّ قضية في الكون تعتبر إثباتاً ، وتثير نفيها في نفس الوقت ، ويأتلف الإثبات والنفي في إثبات جديد فالنهج المتناقض للديالكتيك أو الجدل الذي يحكم العالم ، يتضمّن ثلاث مراحل تُدعى : الأطروحة ، والطباق ، والتركيب وفي تعبير آخر : الإثبات ، والنفي ، ونفي النفي(١) وبحكم هذا النهج الجدلي يكون كلّ شيء مجتمعاً مع نقيضه ، فهو ثابت ومنفي ، وموجود ومعدوم في وقت واحد

وقد ادّعى المنطق (الهيجلي) أنّه قضى ـ بما زعمه للوجود من جدل ـ على الخطوط الرئيسية للمنطق الكلاسيكي ، وهي ـ في زعمه ـ كما يأتي :

أوّلاً- مبدأ عدم التناقض وهو يعني : أنّ الشيء الواحد لا يمكن أن يتّصف بصفة وبنقيض تلك الصفة في وقت واحد

ثانياً- مبدأ الهوية وهو المبدأ القائل : إنّ كلّ ماهية فهي ما هي بالضرورة ، ولا يمكن سلب الشيء عن ذاته

ثالثاً- مبدأ السكون والجمود في الطبيعة الذي يرى سلبية الطبيعة وثباتها ، وينفي الديناميكية عن دنيا المادّة

____________________

(١) Thesis ـ Antihesis ـ Synthesis

٢٤٩

فالمبدأ الأوّل لا موضع له في المنطق الجديد ما دام كلّ شيء قائماً في حقيقته على التناقض وإذا ساد التناقض كقانون عام ، فمن الطبيعي أن يسقط المبدأ الثاني للمنطق الكلاسيكي أيضاً ؛ فإنّ كلّ شيء تسلب عنه هويته في لحظة الإثبات بالذات ؛ لأنّه في صيرورة مستمرّة ، وما دام التناقض هو الجذر الأساسي لكلّ حقيقة ، فلا غرو فيما إذا كانت الحقيقة تعني شيئين متناقضين على طول الخطّ ولمّا كان هذا التناقض المركز في صميم كلّ حقيقة مثيراً لصراع دائم في جميع الأشياء ، والصراع يعني : الحركة والاندفاع ، فالطبيعة في نشاط وتطوّر دائم ، وفي اندفاعة وصيرورة مستمرّة

هذه هي الضربات التي زعم المنطق الديالكتيكي أنّه سدّدها إلى المنطق الإنساني العام ، والمفهوم المألوف للعالم الذي ارتكزت عليه الميتافيزيقية آلاف السنين

وتتلخّص الطريقة الجدلية لفهم الوجود في افتراض قضية أُولى ، وجعلها أصلاً ، ثمّ ينقلب هذا الأصل إلى نقيضه بحكم الصراع في المحتوى الداخلي بين المتناقضات ، ثمّ يأتلف النقيضان في وحدة ، وتصبح هذه الوحدة بدورها أصلاً ونقطة انطلاق جديد ، وهكذا يتكرّر هذا التطوّر الثلاثي تطوّراً لا نهاية له ولا حدّ ، يتسلسل مع الوجود ، ويمتدّ ما امتدّت ظواهره وحوادثه

وقد بدأ (هيجل) بالمفاهيم والمقولات العامّة ، فطبّق عليها الديالكتيك ، واستنبطها بطريقة جدلية قائمة على التناقض المتمثّل في الأطروحة ، والطباق ، والتركيب وأشهر ثواليثه في هذا المجال وأوّلها هو : الثالوث الذي يبدأ من أبسط تلك المفاهيم وأعمّها ، وهو : مفهوم الوجود فالوجود موجود ، وهذا هو الإثبات أو الأطروحة ، بيد أنّه ليس شيئاً ؛ لأنّه قابل لأن يكون كلّ شيء فالدائرة وجود ، والمربّع ، والأبيض ، والأسود ، والنبات ، والحجر ، كلّ هذا هو موجود فليس

٢٥٠

- إذن- شيئاً محدّداً ، وهو بالتالي ليس موجوداً ، وهذا هو الطباق الذي أثارته الأطروحة ، وهكذا حصل التناقض في مفهوم الوجود ، ويحلّ هذا التناقض في التركيب بين الوجود واللاوجود الذي ينتج موجوداً لا يوجد على التمام ، أي : صيرورة وحركة ، وهكذا ينتج أنّ الوجود الحقّ هو الصيرورة

هذا مثال سقناه لنوضّح كيف يتسلسل أبو الجدل الحديث في استنباط المفاهيم العامّة من الأعمّ إلى الأخصّ ، ومن الأكثر خواءً وضعفاً ، إلى الأكثر ثراءً والأقرب إلى الواقع الخارجي

وليس هذا الجدل في استنباط المفاهيم عنده إلاّ انعاكساً لجدل الأشياء بذاتها في الواقع ، فإذا استثارت فكرة من الأفكار فكرة مقابلة لها ، فلأنّ الواقع الذي تمثّله هذه الفكرة يتطلّب الواقع المضادّ(١)

ونظرة بسيطة على الأطروحة ، والطباق والتركيب ، في قضية الوجود التي هي أشهر ثواليثه ، تدلّنا بوضوح على أنّ (هيجل) لم يفهم مبدأ عدم التناقض حق الفهم حين ألغاه ، ووضع موضعه مبدأ التناقض ولا أدري كيف يستطيع (هيجل) أن يشرح لنا التناقض ، أو النفي والإثبات المجتمعين في مفهوم الوجود ؟ إنّ مفهوم الوجود مفهوم عام دون شكّ ، وهو لذلك قابل لأن يكون كلّ شيء ، قابل لأن يكون نباتاً أو جماداً ، أبيض أو أسود ، دائرة أو مربّعاً ولكن هل معنى هذا : أنّ هذه الأضداد والأشياء المتقابلة مجتمعة كلّها في هذا المفهوم ، ليكون ملتقىً للنقائض والأضداد ؟ طبعاً لا ؛ فإنّ اجتماع الأمور المتقابلة في موضوع واحد شيء ، وإمكان صدق مفهوم واحد عليها شيء آخر فالوجود مفهوم ليس فيه من نقائض

____________________

(١) انظر للتفصيل : زكريا إبراهيم ، هيجل ، أو المثاليّة المطلقة : ١٣٨ ـ ١٧٢ إمام عبد الفتّاح إمام : هيجل / ج ١ (= المنهج الجدلي عند هيجل)

٢٥١

السواد والبياض ، أو النبات والجماد شيء ، وإنّما يصحّ أن يكون هذا أو ذاك ، لا أنّه هو هذا وذاك معاً في وقت واحد(١)

ولندع مقولات هيجل ، لندرس الجدل الماركسي في خطوطه العريضة التي وضع تصميمها الأساسي هيجل نفسه

والخطوط الأساسية أربعة ، وهي : حركة التطوّر ، وتناقضات التطوّر ، وقفزات التطوّر ، والإقرار بالارتباط العام

____________________

(١) أضف إلى ذلك : أنّ هذا التناقض المزعوم في ثالوث الوجود ، يرتكز على خلط آخر بين فكرة الشيء ، والواقع الموضوعي لذلك الشيء ؛ فإنّ مفهوم الوجود ليس إلاّ عبارة عن فكرة الوجود في أذهاننا ، وهي غير الواقع الموضوعي للوجود وإذا ميّزنا بين فكرة الوجود وواقع الوجود زال التناقض ؛ فإنّ واقع الوجود معيّن ومحدود لا يمكن سلب صفة الوجود عنه مطلقاً ، وأمّا فكرتنا عن الوجود فهي ليست وجوداً واقعياً ، وإنّما هي المفهوم الذهني المأخوذ عنه (المؤلّف قدس‌سره )

٢٥٢

١- حركة التطوّر

قال ستالين :

(إنّ الديالكتيك ـ خلافاً للميتافيزية ـ لا يعتبر الطبيعة حالة سكون وجمود ، حالة ركود واستقرار ، بل يعتبرها حالة حركة وتغيّر دائمين ، حالة تجدّد وتطوّر لا ينقطعان ، ففيها دائماً شيء يولد ويتطوّر وشيء ينحلّ ويضمحلّ ولهذا تريد الطريقة الديالكتيكية أن لا يكتفى بالنظر إلى الحوادث من حيث علاقات بعضها ببعض ، ومن حيث تكييف بعضها لبعض بصورة متقابلة ، بل أن ينظر إليها ـ أيضاً ـ من حيث حركتها ، من حيث تغيّرها وتطوّرها ، من حيث ظهورها واختفائها)(١)

وقال أنجلز :

(ينبغي لنا ألاّ ننظر إلى العالم وكأنّه مركّب من أشياء ناجزة ، بل ينبغي أن ننظر إليه وكأنّه مركّب في أدمغتنا إنّ هذا المرور ينمّ عن تغيّر لا ينقطع من الصيرورة والانحلال ، حيث يشرق نهار النمو المتقدّم في النهاية رغم جميع الصدف الظاهرة والعودات إلى الوراء)(٢)

____________________

(١) المادّية الديالكتيكية والمادّية التاريخية : ١٦

(٢) هذه هي الديالكتيكية : ٩٧ ـ ٩٨

٢٥٣

فكلّ شيء خاضع لقوانين التطوّر والصيرورة ، وليس لهذا التطوّر أو الصيرورة حدّ يتوقّف عنده ؛ لأنّ الحركة هي المسألة اللامتناهية للوجود كلّه

ويزعم الديالكتيكيون أنّهم وحدهم الذين يعتبرون الطبيعة حالة حركة وتغيّر دائمين وينعون على المنطق الميتافيزيقي والأسلوب التقليدي للتفكير طريقة دراسته للأشياء وفهمها ؛ إذ يفترض الطبيعة في حالة سكون وجمود مطلقين ، فهو لا يعكس الطبيعة على واقعها المتطوّر المتحرّك فالفرق بين المنطق الجدلي الذي يعتقد في الطبيعة حركة دائمة وصاعدة أبداً ، والمنطق الشكلي ـ في زعمهم ـ كالفرق بين شخصين أرادا أن يسبرا أغوار كائن حيّ في شتّى أدواره ، فأجرى كلّ منهما تجاربه عليه ، ثمّ وقف أحدهما يراقب تطوّره وحركته المستمرّة ، ويدرسه على ضوء تطوّراته كلّها ، واكتفى الآخر بالتجربة الأُولى معتقداً أنّ ذلك الكائن جامد في كيانه ، ثابت في هويّته وواقعه فالطبيعة برمّتها شأنها شأن هذا الكائن الحيّ ، من النبات أو الحيوان في تطوّره ونموّه ، فلا يواكبها الفكر إلاّ إذا جاراها في حركتها وتطوّرها

والواقع : أنّ قانون التطوّر الديالكتيكي الذي يعتبره الجدل الحديث من مميّزاته الأساسية ليس شيئاً جديداً في الفكر الإنساني ، وإنّما الجديد طابعه الديالكتيكي الذي يجب نزعه عنه ، كما سنعرف فهو في حدوده الصحيحة ينسجم مع المنطق العامّ ، ولا صلة له بالديالكتيك ، ولا فضل للديالكتيك في اكتشافه ، فليس علينا لأجل أن نقبل هذا القانون ، ونعرف سبق الميتافيزيقا إليه ، إلاّ أن نجرّده عن قالب التناقض ، وأساس الجدل القائم عليه في عرف الديالكتيك

إنّ الميتافيزيقي في زعم الديالكتيكي يعقتد أنّ الطبيعة جامدة يخيّم عليها السكون ، وأنّ كلّ شيء فيها ثابت لا يتغيّر ولا يتبدّل ، كأنّ الميتافيزيقي المسكين قد حُرِم من كلّ ألوان الإدراك ، وسُلِب منه الشعور والحسّ معاً ، فأصبح لا يحسّ

٢٥٤

ولا يشعر بما يشعر به جميع الناس وحتّى الأطفال من ضروب التغيّر والتبدّل في دنيا الطبيعة

ومن الواضح لدى كلّ أحد : أنّ الإيمان بوجود التغيّر في عالم الطبيعة مسألة لا تحتاج إلى دراسات علمية سابقة ، وليست موضعاً لخلاف أو نقاش ، وإنّما الجدير بالدرس هو ماهية هذا التغيّر ، ومدى عمقه وعمومه ؛ فإنّ التغيّر نحوان : أحدهما التعاقب البحت ، والآخر الحركة والتاريخ الفلسفي يروي صراعاً حادّاً لا في مسألة التغيّر بصورة عامّة ، بل في كنهه وتفسيره الفلسفي الدقيق ويدور الصراع حول الجواب عن الأسئلة التالية :

هل التغيّر الذي يطرأ على الجسم حين يطوي مسافةً ما ، عبارة عن وقفات متعدّدة في أماكن متعدّدة تعاقبت بسرعة ، فتكوّنت في الذهن فكرة الحركة ؟ أو أنّ مردّ هذا التغيّر إلى سير واحد متدرّج لا وقوف فيه ولا سكون ؟ وهل التغيّر الذي يطرأ على الماء حين تتضاعف حرارته وتشتدّ ، يعني مجموعة من الحرارات المتعاقبة ، يتلو بعضها بعضاً ؟ أو أنّه يعبّر عن حرارة واحدة تتكامل وتتحرّك وتترقّى درجتها ؟

وهكذا نواجه هذا السؤال في كلّ لون من ألوان التغيّر التي تحتاج إلى شرح فلسفي بأحد الوجهين الذين يقدّمهما السؤال

والتاريخ الإغريقي يحدّث عن بعض المدارس الفلسفية : أنّها أنكرت الحركة ، وأخذت بالتفسير الآخر للتغيّر الذي يردّ التغيّر إلى تعاقب أمور ساكنة ومن رجالات تلك المدرسة (زينون) الذي أكّد على أنّ حركة المسافر من أقصى الأرض إلى أقصاها ليست إلاّ سلسلة من سكنّات متعاقبة فهو لا يتصوّر التدرج في الوجود والتكامل فيه ، بل يرى كلّ ظاهرة ثابتة ، وأنّ التغيّر يحصل بتعاقب الأمور الثابتة ، لا بتطوّر الأمر الواحد وتدرّجه وعلى هذا تكون حركة الإنسان

٢٥٥

في مسافة ما عبارة عن وقوفه في المنطقة الأولى من تلك المسافة ، فوقوفه في النقطة الثانية ، ففي الثالثة ، وهكذا فإذا رأينا شخصين أحدهما واقف في نقطة معيّنة ، والآخر يمشي نحو اتّجاه خاصّ ، فكلاهما في رأي (زينون) واقف ساكن ، غير أنّ الأوّل ساكن في نقطة معيّنة على طول الخطّ ، وأمّا الآخر فله سكنات متعدّدة ؛ لتعدّد النقاط التي يطويها ، وله في كلّ لحظة مكانيّة خاصّة ، وهو في كلّ تلك اللحظات لا يختلف مطلقاً عن الشخص الأوّل الواقف في نقطة معيّنة ، فهما معاً ساكنان ، وإن كان سكون الأوّل مستمرّاً ، وسكون الثاني يتبدّل بسرعة إلى سكون آخر في نقطة أخرى من المسافة فالاختلاف بينهما هو الاختلاف بين سكون قصير الأمد وسكون طويل الأمد

هذا ما كان يحاوله (زينون) وبعض فلاسفة الإغريق وقد برهن على وجهه نظره بالأدلّة الأربعة المشهورة عنه التي لم يقدّر لها النجاح والتوفيق في الميدان الفلسفي ؛ لأنّ مدرسة أرسطو ـ وهي المدرسة الفلسفية الكبرى في العهد الإغريقي ـ آمنت بالحركة ، وردّت على تلك الأدلّة وزيّفتها ، وبرهنت على وجود الحركة والتطوّر في ظواهر الطبيعة وصفاتها ، بمعنى : أنّ الظاهرة الطبيعية قد لا توجد على التمام في لحظة ، بل توجد على التدريج وتستنفذ إمكاناتها شيئاً فشيئاً ، وبذلك يحصل التطوّر ويوجد التكامل فالماء حين تتضاعف حرارته لا يعني ذلك : أنّه في كلّ لحظة يستقبل حرارة بدرجة معيّنة ، توجد على التمام ثمّ تُفنى وتُخلق من جديد حرارة أخرى بدرجة جديدة ، بل محتوى تلك المضاعفة : أنّ حرارة واحدة وجدت في الماء ، ولكنّها لم توجد على التمام ، بمعنى : أنّها لم تستنفذ في لحظتها الأُولى كلّ طاقاتها وإمكاناتها ، ولذلك أخذت تستنفذ إمكاناتها بالتدريج ، وتترقّى بعد ذلك وتتطوّر وبالتعبير الفلسفي : أنّها حركة مستمرّة متصاعدة.

٢٥٦

ومن الواضح : أنّ التكامل ـ أو الحركة التطوّرية ـ لا يمكن أن يُفهم إلاّ على هذا الأساس ، وأمّا تتابع ظواهر متعدّدة يوجد كلّ واحدة منها بعد الظاهرة السابقة ، وتفسح المجال بفنائها لظاهرة جديدة ، فليس هذا نموّاً وتكاملاً ، وبالتالي ليس حركة ، وإنّما هو لون من التغيّر العامّ

فالحركة سير تدريجي للوجود ، وتطوّر للشيء في الدرجات التي تتّسع لها إمكاناته ؛ ولذلك حدّد المفهوم الفلسفي للحركة بأنّها خروج الشيء من القوّة إلى الفعل تدريجياً(١)

ويتركز هذا التحديد على الفكرة التي قدّمناها عن الحركة ، فإنّ الحركة ـ كما عرفنا ـ ليست عبارة عن فناء الشيء فناءً مطلقاً ووجود شيء آخر جديد ، وإنّما هي تطوّر الشيء في درجات الوجود فيجب ـ إذن ـ أن تحتوي كلّ حركة على وجود واحد مستمرّ منذ تنطلق إلى أن تتوقّف ، وهذا الوجود هو الذي يتحرّك ، بمعنى : أنّه يتدرّج ويثرى بصورة مستمرّة ، وكلّ درجة تعبّر عن مرحلة من مراحل ذلك الوجود الواحد ، وهذه المراحل إنّما توجد بالحركة ، فالشيء المتحرّك أو الوجود المتطوّر لا يملكها قبل الحركة وإلاّ لما وجدت حركة ، بل هو في لحظة الانطلاق يتمثّل لنا في قوىً وإمكانات ، وبالحركة تستنفذ تلك الإمكانات ، ويُستبدَل في كلّ درجة من درجات الحركة الإمكانُ بالواقع والقوّةُ بالفعليّة

فالماء قبل وضعه على النار لا يملك من الحرارة المحسوسة إلاّ إمكانها ، وهذا الإمكان الذي يملكه ليس إمكاناً لدرجة معيّنة من الحرارة ، بل هي بجميع درجاتها ـ التي تؤدّي إلى الحالة الغازية في النهاية ـ ممكنة للماء ، وحين يبدأ

____________________

(١) القوّة : عبارة عن إمكان الشيء ، والفعل : عبارة عن وجوده حقيقة (المؤلّف قدس‌سره )

٢٥٧

الماء بالانفعال والتأثّر بحرارة النار تبدأ حرارته بالحركة والتطوّر ، بمعنى : أنّ القوى والإمكانات التي كانت تملكها تتبدّل إلى حقيقة ، والماء في كلّ مرحلة من مراحل الحركة يخرج من إمكان إلى فعلية ، ولذلك تكون القوّة والفعلية متشابكتين في جميع أدوار الحركة ، وفي اللحظة التي تستنفذ جميع الإمكانات تقف الحركة

فالحركة ـ إذن ـ في كلّ مرحلة ذات لونين : فهي من ناحية فعلية وواقعية ؛ لأنّ الدرجة التي تسجّلها المرحلة موجودة بصورة واقعية وفعلية ومن ناحية أخرى هي إمكان وقوّة للدرجات الأخرى الصاعدة التي ينتظر من الحركة أن تسجّلها في مراحلها الجديدة فالماء في مثالنا إذا لاحظناه في لحظة معيّنة من الحركة ، نجد أنّه ساخن بالفعل بدرجة ثمانين مثلاً ، ولكنّه في نفس الوقت ينطوي على إمكان تخطّي هذه الدرجة ، وقوّة تطوّر للحرارة إلى أعلى ففعلية كلّ درجة في مرحلتها الخاصّة مقارنة لقوّة فنائها

ولنأخذ مثالاً أعمق للحركة ، وهو الكائن الحيّ الذي يتطوّر بحركة تدريجية ، فهو بويضة ، فنطفة ، فجنين ، فطفل ، فمراهق ، فراشد إنّ هذا الكائن في مرحلة محدودة من حركته هو نطفة بالفعل ، ولكنّه في نفس الوقت شيء آخر مقابل للنطفة وأرقى منها ، فهو جنين بالقوّة ، ومعنى هذا : أنّ الحركة في هذا الكائن قد ازدوجت فيها الفعلية والقوّة معاً فلو لم يكن في الكائن الحيّ قوّة درجة جديدة وإمكاناتها لما وجدت حركة ، ولو لم يكن شيئاً من الأشياء بالفعل لكان عدماً محضاً ، فلا توجد حركة أيضاً فالتطوّر يأتلف دائماً من شيء بالفعل وشيء بالقوّة وهكذا تستمرّ الحركة ما دام الشيء يحتوي على الفعلية والقوّة معاً ، على الوجود والإمكان معاً ، فإذا نفذ الإمكان ، ولم تبقَ في الشيء طاقة على درجة جديدة ، انتهى عمر الحركة

هذا هو معنى خروج الشيء من القوّة إلى الفعل تدريجاً ، أو تشابك القوّة

٢٥٨

والفعل أو اتّحادهما في الحركة

وهذا هو المفهوم الفلسفي الدقيق الذي تعطيه الفلسفة الميتافيزيقية للحركة ، وقد أخذته المادّية الديالكتيكية فلم تفهمه ولم تتبيّنه على وجهه الصحيح ، فزعمت أنّ الحركة لا تتمّ إلاّ بالتناقض ، التناقض المستمرّ في صميم الأشياء ، كما سوف نعرف عن قريب

وجاء بعد ذلك دور الفلسفة الإسلامية على يد الفيلسوف الإسلامي الكبير (صدر الدين الشيرازي) ، فوضع نظرية الحركة العامّة ، وبرهن فلسفياً على أنّ الحركة بمفهومها الدقيق الذي عرضناه ، لا تمسّ ظواهر الطبيعة وسطحها العرضي فحسب ، بل الحركة في تلك الظواهر ليست إلاّ جانباً من التطوّر يكشف عن جانب أعمق ، وهو التطوّر في صميم الطبيعة وحركتها الجوهرية ؛ ذلك أنّ الحركة السطحية في الظواهر لمّا كان معناها التجدّد والانقضاء ، فيجب لهذا أن تكون علّتها المباشرة أمراً متجدّداً غير ثابت الذات أيضاً ؛ لأنّ علّة الثابت ثابتة ، وعلّة المتغيّر المتجدّد متغيّرة متجدّدة ، فلا يمكن أن يكون السبب المباشر للحركة أمراً ثابتاً ، وإلاّ لم تنعدم أجزاء الحركة ، بل تصبح قراراً وسكوناً(١)

____________________

(١) ويتلخّص الاستدلال الرئيسي على الحركة الجوهرية بالأمرين التاليين :

الأوّل : أنّ العلّة المباشر للحركات العرضية والسطحية في الأجسام ـ من الميكانيكية والطبيعية ـ قوّة خاصّة قائمة بالجسم ، وهذا المعنى صادق حتّى على الحركات الآلية التي يبدو لأوّل وهلة أنّها منبثقة عن قوّة منفصلة ، كما إذا دفعت بجسم في خطّ أُفقي أو عمودي ، فإنّ المفهوم البدائي من هذه الحركة أنّها معلولة للدفعة الخارجية والعامل المنفصل ، ولكنّ الواقع غير هذا ؛ فإنّ العامل الخارجي لم يكن إلاّ شرطاً من شروط الحركة وأمّا المحرّك الحقيقي فهو : القوّة القائمة بالجسم ، ولأجل ذلك كانت الحركة تستمرّ بعد انفصال الجسم

(*)

٢٥٩

.............................................

____________________

(*)

المتحرّك عن الدفعة الخارجية والعامل المنفصل ، وكان الجهاز الميكانيكي المتحرّك يسير مقداراً ما بعد بطلان العامل الآلي المحرّك ، وعلى هذا الأساس وضع الميكانيك الحديث قانون القصور الذاتي القائل : إنّ الجسم إذا حُرِّك استمرّ في حركته ما لم يمنعه شيء خارجي عن مواصلة نشاطه الحركي غير أنّ هذا القانون أسيء استخدامه ؛ إذ اعتبر دليلاً على أنّ الحركة حين تنطلق لا تحتاج بعد ذلك إلى سبب خاصّ وعلّة معيّنة ، واتّخذ أداة للردّ على مبدأ العلّية وقوانينها

ولكنّ الصحيح : أنّ التجارب العلمية في الميكانيك الحديث ، إنّما تدلّ على أنّ العامل الخارجي المنفصل ليس هو العلّة الحقيقية للحركة ، وإلاّ لما استمرّت حركة الجسم بعد انفصال الجسم المتحرّك عن العامل الخارجي المستقلّ ويجب لهذا أن تكون العلّة المباشرة للحركة قوّة قائمة بالجسم ، وأن تكون العوامل الخارجية شرائط ومثيرات لتلك القوّة

الثاني : أنّ المعلول يجب أن يكون مناسباً للعلّة في الثبات والتجدّد ، فإذا كانت العلّة ثابتة كان المعلول ثابتاً ، وإذا كان المعلول متجدّداً ومتطوّراً كانت العلّة متجدّدة ومتطوّرة ومن الضروري على هذا الضوء أن تكون علّة الحركة متحرّكة ومتجدّدة ، طبقاً لتجدّد الحركة وتطوّرها نفسها ؛ إذ لو كانت علّة الحركة ثابتة ومستقرّة ، لكان كلّ ما يصدر منها ثابتاً ومستقرّاً ، فتعود الحركة سكوناً واستقراراً ، وهو يناقض معنى الحركة والتطوّر

وعلى أساس هذين الأمرين نستنتج :

أوّلاً : أنّ القوّة القائمة بالجسم والمحرّكة له ، قوّة متحرّكة ومتطوّرة ، فهذه القوّة بسبب تطوّرها تكون علّة للحركات العرضية والسطحية جميعاً ، وهي قوّة جوهرية ؛ إذ لا بدّ أن تنتهي إلى قوّة جوهرية ؛ لأنّ العرض يتقوّم بالجوهر وهكذا ثبتت الحركة الجوهرية في الطبيعة

ثانياً : أنّ الجسم يأتلف دائماً من مادّة تعرضها الحركات ، وقوّة جوهرية متطوّرة ،

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300