أحكام المرأة و الاُسرة

أحكام المرأة و الاُسرة20%

أحكام المرأة و الاُسرة مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: المرأة
الصفحات: 300

أحكام المرأة و الاُسرة
  • البداية
  • السابق
  • 300 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159429 / تحميل: 6126
الحجم الحجم الحجم
أحكام المرأة و الاُسرة

أحكام المرأة و الاُسرة

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

«فإنّ المرء المسلم ما لم يغش دناءة تظهر فيخشع لها إذا ذكرت» قالت ليلى الأخيلية:

لعمرك ما بالموت عار على امرى‏ء

إذا لم تصبه في الحياة المعاير

في (الأغاني): مرّ مالك بن الريب بليلى الأخيلية فجلس إليها يحادثها طويلا و أنشدها، فأقبلت عليه و أعجبت به حتّى طمع في وصلها ثم إذا هو بفتى قد جاء إليها كأنّه نصل سيف فجلس إليها فأعرضت عن مالك و تهاونت حتّى كأنّه عندها عصفور، و أقبلت على صاحبها مليّا من نهارها فغاظه ذلك من فعلها و أقبل على الرجل فقال: من أنت؟ فقال توبة بن الحميّر. فقال: هل لك في المصارعة؟ قال: و ما دعاك إلى ذلك و أنت ضيفنا و جارنا. قال: لا بدّ منه. فظنّ أنّ ذلك يخوفه منه فازداد لجاجا، فقام توبة فصارعه فصرعه، فلمّا سقط إلى الأرض صدرت منه ريح ذات صوت، فضحكت ليلى منه فاستحى مالك فاكتتب بخراسان و قال: لا أقيم ببلد العرب أبدا و قد تحدثت عني بهذا الحديث، فأقام ثمة حتّى مات و قبره هناك معروف( ١) .

و كان المخبّل السعدي خطب كما في (الأغاني) إلى الزبرقان بن بدر أخته خليدة فمنعه ثم زوّجها بآخر فقال المخبّل:

فأنكحته زهوا كأنّ عجانها

مشقّ إهاب أوسع السلخ ناجله

ثم مر المخبل بعد ما أسن و ضعف بصره بخليدة فأنزلته و قرّبته و أكرمته و وهبت له وليدة قالت له: إني آثرتك بها يا أبا يزيد فاحتفظ بها. فقال:

و من أنت حتّى أعرفك و أشكرك. قالت: لا عليك. قال: بلى و اللّه. قالت: أنا بعض من هتكت بشعرك ظلما أنا خليدة بنت بدر. فقال: و اسوأتاه منك فإنّي استغفر اللّه و أستقيلك، ثم قال:

____________________

(١) الأغاني ٢٢: ٢٩٧، دار احياء التراث العربي بيروت.

٦١

لقد ضلّ حلمي في خليدة إنّني

سأعتب نفسي بعدها و أتوب

فأقسم بالرّحمن إنّي ظلمتها

و جرت عليها و الهجاء كذوب( ١)

«و تغرى» من الإغراء أو التغرية أي: تولع.

«به لئام الناس» في (المعجم): اجتاز القاضي التنوخي يوما في بعض الدروب فسمع امرأة تقول لأخرى: كم عمر بنتك يا اختي؟ فقالت لها: رزقتها يوم شهر بالقاضي التنوخي و ضرب بالسياط فرفع رأسه إليها و قال: يا بظراء صار صفعي تاريخك ما وجدت تاريخا غيره.

و في (العيون): دخل اعرابي على المساور الضبّي و هو بندار الريّ فسأله فلم يعطه فقال:

أتيت المساور في حاجة

فما زال يسعل حتّى ضرط

و حكّ قفاه بكرسوعه

و مسّح عثنونه و امتخط

فأمسك عن حاجتي خيفة

لاخرى تقطّع شرخ السفط

فأقسم لو عدت في حاجتي

للطّخ بالسلح و شي النمط

و قال غلطنا حساب الخراج

فقلت من الضرط جاء الغلط

فكان مساور كلّما ركب صاح به الصبيان: «من الضرط جاء الغلط» فهرب من غير عزل إلى بلاد أصبهان( ٢) .

«كان كالفالج الياسر» هكذا في النهج بتقديم «الفالج» في الاول و بتقديم الياسر بلفظ «كالياسر الفالج» في الثاني، و الظاهر أنّه أخذ الأول من رواية (الكافي) و أخذ الثاني من كتب عريب الحديث، بدليل أنّ النهاية أيضا نقله

____________________

(١) الاغاني ١٣: ١٩٦.

(٢) عيون الأخبار لابن قتيبة ٣: ١٥٤.

٦٢

كالثاني( ١ ) و هو الصحيح لأن الفالج صفة الياسر و الصفة لا تتقدم على الموصوف و كذلك نقله اليعقوبي كما مر.

و أما قول ابن أبي الحديد و لم يتفطّن للإختلاف بين لموضعين كغيره: إنّه من باب تقديم الصفة على الموصوف كقوله تعالى: و غرابيب سود( ٢ ) ...( ٣ ) ، ففي غير محله، فإنّ المواضع التي تتقدّم فيها الصفة تجعل مضافة لا موصوفة، كأن يقال في «الليالي السود» «سود الليالي»، و أما «غرابيب سود» فقال الجوهري «سود» بدل من «غرابيب» لأن تواكيد الألوان لا تتقدم( ٤ ) ، مع أنه بعد وجود الرواية الصحيحة لا نحتاج إلى تأويل.

ثم إنّ المصنّف في الأوّل لم يتعرّض لتفسير الكلمتين، و إنّما فسّرهما في الثاني بأنّ الياسرين هم الذين يتضاربون بالقداح على الجزور، و الفالج القاهر الغالب، و اعترض عليه ابن أبي الحديد ثمّة في تفسير الفالج بأنّ الغالب لا ينتظر كما قد وصف به بعد و إنّما يعني بالفالج الميمون النقيبة الّذي له عادة مطّردة أن يغلب، و قلّ أن يكون مقهورا( ٥ ) ، مع أنه نفسه في الأول فسره بما فسّره المصنّف ثمّة فقال: الفالج الظافر الفائز( ٦ ) ، فالاعتراض عليه نفسه، مع أنّه لم يفسّر أحد الفالج بالميمون النقيبة، و كان عليه أن يقول ليس المراد بالغالب الغالب فعلا بل شأنا، و هو الّذي يغلب غالبا. و فسّره ابن ميثم( ٧ ) بأن

____________________

(١) النهاية ٥: ٢٩٦.

(٢) فاطر: ٢٧.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٨: ٣١٤.

(٤) شرح ابن ميثم ٢: ٣.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ١١٥.

(٦) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٤.

(٧) شرح ابن ميثم ٢: ٣.

٦٣

المراد الفائز الذي ينتظر قبل فوزه أول فوزة من قداحه.

«الذي ينتظر أول فوزة من قداحه» بالكسر جمع القدح بالكسر، و أمّا القدح بفتحتين فجمعه أقداح للشرب، و القداح للميسر.

«توجب له المغنم» أي: الغنيمة.

«و يرفع بها عنه» هكذا في (المصرية) و الصواب: (و يرفع عنه بها) كما في (ابن أبي الحديد)( ١ ) و (ابن ميثم)( ٢ ) و (الخطية).

«المغرم» أي: الغرامة، قال ابن دريد في (جمهرته)، أسماء قداح الميسر ممّا اتّفق عليه الأصمعي و غيره من أهل العلم الفائزة منها سبعة و هي الفذ و التوأم و الضريب و هو المصفح و الحلس و النافس و المسبل و المعلّى، فهذه سبعة و منها ما لا نصيب له الفسيح و المنيح و الرقيب و الوغد( ٣) .

و قال ابن ميثم: المنقول أنّ الخشبات المسمّيات قداحا و هي التي كانت لأيسار الجزور سبعة: أولها الفذ و فيه فرض واحد، و الثاني التوأم و فيه فرضان، و ثالثها الضريب و فيه ثلاثة فروض، و رابعها الحلس و فيه أربعة، و الخامس النافس و فيه خمسة، و السادس المسبل و فيه ستة، و السابع المعلّى و له سبعة، و ليس بعده قدح فيه شي‏ء من الفروض إلاّ أنّهم يدخلون مع هذه السبعة أربعة اخرى تسمّى أو غادا لا فروض فيها و إنّما تنقل بها القداح و أسماؤها: المصدر ثم المضعف ثم المنيح ثم السفيح، فإذا اجتمع أيسار الحي أخذ كلّ منهم قدحا و كتب عليه اسمه أو علّمه بعلامة ثم أتوا بجزور فينحرها صاحبها و يقسمها عشرة أجزاء على الوركين و الفخذين و العجز

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٢.

(٢) شرح ابن ميثم ٢: ٣.

(٣) جمهرة اللغة ١: ٥٠٤.

٦٤

و الكاهل و الزور و الملجأ و الكتفين، ثم يعمد إلى الطفاطف و خرز الرقبة فيقسمها على تلك الأجزاء بالسويّة، فإذا استوت و بقي منها عظم أو بضعة لحم انتظر به الجازر من أراده ممن يفوز قدحه، فإذا أخذه عيّر به و إلاّ فهو للجازر. ثم يؤتى برجل معروف أنّه لم يأكل لحما قط بثمن إلاّ ان يصيبه عند غيره و يسمى الحرضة فيجعل على يديه ثوب و يعصب رؤوس أصابعه بعصابة كيلا يجد مس الفروض، ثم يدفع إليه القداح و يقوم خلفه رجل يقال له الرقيب فيدفع إليها قدحا منها من غير أن ينظر إليها، فمن خرج قدحه أخذ من أجزاء الجزور بعدد الفروض التي في قدحه، و من لم يخرج قدحه حتّى استوفيت أجزاء الجزور غرم بعدد فروض قدحه كأجزاء تلك الجزور من جزور اخرى لصاحب الجزور الذي نحرها، فإنّ اتّفق أن خرج المعلّى أوّلا فأخذ صاحبه سبعة أجزاء من أجزاء الجزور، ثم خرج المسبل فلم يجد صاحبه إلاّ ثلاثة أجزاء أخذها و غرم له من لم يفز قدحه ثلاثة أجزاء من جزور اخرى.

و أمّا القداح الأربعة الأوغاد فليس في خروج أحدها غنم و لا من عدم خروجه غرم، و المنقول عن الأيسار أنّهم كانوا يحرّمون ذلك اللحم على أنفسهم و يعدّونه للأضياف( ١) .

«و كذلك المرء المسلم البري‏ء من الخيانة ينتظر من اللّه إحدى الحسنيين إمّا داعي اللّه فما عند اللّه خير له) الذين تتوفّاهم الملائكة طيّبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون( ٢ ) ، إنّ الذين قالوا ربّنا اللّه ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا و لا تحزنوا و أبشروا بالجنة الّتي

____________________

(١) شرح ابن ميثم ٢: ٦.

(٢) النحل: ٣٢.

٦٥

كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم و لكم فيها ما تدّعون. نزلا من غفور رحيم( ١) .

و عنهمعليهم‌السلام : ما بين أحدكم و بين الجنة إلاّ أن تبلغ نفسه حلقه.

و لما انتهى الحسينعليه‌السلام إلى عذيب الهجانات فإذا هم بأربعة قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم و معهم دليلهم الطرمّاح بن عديّ على فرسه و هو يقول:

يا ناقتي لا تذعري من زجري

و شمّري قبل طلوع الفجر

بخير ركبان و خير سفر

حتّى تحلي بكريم النجر

أتى به اللّه لخير أمر

ثمّة أبقاه بقاء الدهر

فقال الحسينعليه‌السلام : و اللّه أرجو أن يكون ما أراد اللّه بنا خيرا قتلنا أم ظفرنا.

«و إمّا رزق اللّه فإذا هو ذو أهل و مال و معه دينه و حسبه» روى (الكافي): أنّ الصادقعليه‌السلام قال لسفيان الثوري و أصحابه الصوفية لما رأى عليه ثيابا بيضا كأنها غرقى‏ء البيض و أنكره فيما ردّ عليه: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ما عجبت من شي‏ء كعجبي من المؤمن إنّه إن قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيرا له، و ان ملك ما بين مشارق الأرض و مغاربها كان خيرا له، و كلّ ما يصنع اللّه عز و جل به فهو خير له. و أخبروني أين أنتم عن سليمان بن داودعليه‌السلام حيث سأل اللّه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه اللّه تعالى ذلك و كان يقول الحق و يعمل به، و داود النبي قبله في ملكه و شدّة سلطانه، ثم يوسف النبيّ حيث قال لملك مصر إجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ

____________________

(١) فصلت: ٣٠ ٣٢.

٦٦

عليم( ١ ) ، ثم ذو القرنين عبد أحبّ اللّه فأحبه و طوى له الأسباب و ملكه مشارق الأرض و مغاربها و كان يقول الحق و يعمل به ثم لم نجد أحدا عاب عليه ذلك...( ٢) .

و روى (روضة الكافي) عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان عابد في بني اسرائيل و كان محارفا لا يتوجه في شي‏ء فيصيب فيه شيئا فأنفقت عليه امرأته حتّى لم يبق عندها شي‏ء، فجاعوا يوما من الأيام فدفعت إليه فضلا من غزل و قالت له بعه و اشتر شيئا نأكله، فانطلق به فوجد السوق قد أغلقت فقال لو أتيت هذا الماء فتوضأت منه و صببت عليّ منه و انصرفت، فجاء إلى البحر فإذا هو بصيّاد قد ألقى شبكته فأخرجها و ليس فيها إلاّ سمكة ردّية قد مكثت عنده حتّى صارت رخوة منتنة، فقال له بعني هذه السمكة و أعطيك هذا الغزل تنتفع به في شبكتك. قال: نعم، فأخذ السمكة و دفع إليه الغزل و انصرف بالسمكة إلى منزله، فلمّا شقّت امرأته السمكة بدت في جوفها لؤلؤة فأرتها زوجها فانطلق بها إلى السوق فباعها بعشرين ألف درهم و انصرف إلى منزله بالمال، فإذا سائل يدقّ الباب و يقول: يا أهل الدار تصدّقوا على المسكين. فقال له الرجل: ادخل فدخل، فقال له: خذ أحد الكيسين فأخذ أحدهما و انطلق، فقالت له امرأته: بينما نحن مياسير إذ ذهب بنصف يسارنا، فلم يكن ذلك بأسرع من أن دق السائل الباب و وضع الكيس مكانه ثم قال له: كل هنيئا مريئا إنّما أنا ملك أراد ربّك أن يبلوك فوجدك شاكرا( ٣) .

«إن المال و البنين حرث الدنيا» في (العقد الفريد): من قبائل مذحج سعد

____________________

(١) يوسف: ٥٤.

(٢) الكافي ٥: ٦٥ ٧٠.

(٣) الكافي ٨: ٣٨٥ و ٣٨٦ ح ٥٨٥.

٦٧

العشيرة بن مالك بن أدد، و إنّما سمّي سعد العشيرة لأنّه لم يمت حتّى ركب معه من ولده و ولد ولده ثلاثمئة رجل( ١) .

«و العمل الصالح حرث الآخرة» قال تعالى: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه و من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها و ماله في الآخرة من نصيب( ٢) .

«و قد يجمعهما اللّه لأقوام» قال تعالى: و منهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار. أولئك لهم نصيب مما كسبوا( ٣) .

و روى الكشي: إن الصادقعليه‌السلام إذا رأى اسحاق بن عمّار، و إسماعيل بن عمّار قال: قد يجمعهما اللّه لأقوام يعني الدنيا و الآخرة( ٤) .

هذا، و قالوا: دخل أبو ورق على هارون و بين يديه جارية حسناء فقال له: صفها و إنّ اسمها دنيا، فقال:

ان دنيا هي التي

تملك القلب قاهره

ظلموا شطر اسمها

فهي دنيا و آخره

و لما قتل طاهر ذو اليمينين الأمين كتب إلى المأمون: وجّهت إليك بالدنيا و هو رأس المخلوع و بالآخرة و هي البردة و القضيب.

«فاحذروا ما حذركم اللّه من نفسه» لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من اللّه في شي‏ء إلاّ أن تتّقوا منهم تقاة

____________________

(١) العقد الفريد ٣: ٣٠٧.

(٢) الشورى: ٢٠.

(٣) البقرة: ٢٠٢.

(٤) رجال الكشي: ٤٠٢ ح ٧٥٢.

٦٨

و يحذّركم اللّه نفسه و إلى اللّه المصير( ١ ) ، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تودّ لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا و يحذّركم اللّه نفسه و اللّه رؤوف بالعباد( ٢) .

و في (الارشاد): لما عاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تبوك قدم إليه عمرو بن معد يكرب فقال له النبي: أسلم يا عمرو يؤمنك اللّه من الفزع الأكبر. قال: يا محمّد ما الفزع الأكبر؟ فإنّي لا أفزع. فقال: يا عمرو انّه ليس كما تظنّ و تحسب، إنّ الناس يصاح بهم صيحة واحدة فلا يبقى ميّت إلاّ نشر و لا حيّ إلاّ مات إلاّ ما شاء اللّه، ثم يصاح بهم صيحة اخرى فينشر من مات و يصفّون جميعا و تنشقّ السماء و تهدّ الأرض و تخرّ الجبال هدّا، و ترمي النّار بمثل الجبال شرارا فلا يبقى ذو روح إلاّ انخلع قلبه و ذكر ذنبه و شغل بنفسه إلاّ ما شاء اللّه( ٣) .

«و اخشوه خشية» عن الحقيقة.

«ليست بتعذير» أي: بإظهار العذر و ليس له عذر، و لكن قال الجوهري:

كان ابن عباس يقرأ و جاء المعذرون( ٤ ) من أعذر و يقول: و اللّه لهكذا أنزلت، و يقول لعن اللّه المعذرين كان الأمر عنده أنّ المعذر هو المظهر للعذر اعتلالا من غير حقيقة له في العذر، و المعذر من له عذر( ٥) .

في الخبر: ان اللّه تعالى أنزل كتابا من كتبه على نبي من أنبيائه أنّه يكون من خلقي لمحسّنون الدنيا بالدين يلبسون مسوك الضأن على قلوب كقلوب الذئاب أشدّ مرارة من الصبر و ألسنتهم أحلى من العسل و أعمالهم الباطنة

____________________

(١) آل عمران: ٢٨.

(٢) آل عمران: ٣٠.

(٣) إرشاد المفيد: ٨٤.

(٤) التوبة: ٩٠.

(٥) الصحاح للجوهري ٢: ٧٤١١.

٦٩

أنتن من الجيف، بي يغترّون أم إيّاي يخادعون أم عليّ يجترئون؟ فبعزّتي حلفت لأبعثن عليهم فتنة تطأ في خطامها حتّى تبلغ أطراف الأرض، تترك الحليم منها حيران( ١) .

«و اعملوا في غير رياء و لا سمعة فإنّه من يعمل لغير اللّه يكله اللّه» أي: يدعه.

«لمن» هكذا في (المصرية) و الصواب: (إلى من) كما في (ابن أبي الحديد)( ٢ ) و (ابن ميثم)( ٣ ) و (الخطية).

«عمل له» روى (الكافي): أنّ الصادقعليه‌السلام قال لعباد البصري: ويلك يا عباد إيّاك و الرياء فإنّه من عمل لغير اللّه وكله اللّه إلى من عمل له.

و قالعليه‌السلام : قال تعالى: «أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلاّ ما كان لي خالصا».

و قالعليه‌السلام في قوله تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربّه أحدا( ٤ ) هو الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه اللّه إنّما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربه. ثم قالعليه‌السلام : ما من عبد ستر خيرا فذهبت الأيام أبدا حتّى يظهر اللّه له خيرا، و ما من عبد يستر شرّا فذهبت الايام حتّى يظهر اللّه له شرّا.

و قالعليه‌السلام في قوله تعالى: بل الإنسان على نفسه بصيرة. و لو ألقى معاذيره( ٥ ) ما يصنع الإنسان أن يتقرب إلى اللّه تعالى بخلاف ما يعلمه اللّه، ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول: من أسر سريرة رداه اللّه ردائها ان خيرا

____________________

(١) الجوهري ٢: ٧٤١.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٢.

(٣) شرح ابن ميثم ٢: ٣.

(٤) الكهف: ١١٠.

(٥) القيامة: ١٤ ١٥.

٧٠

فخير و ان شرا فشر( ١) .

و روى (عقاب الأعمال) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الرياء الشرك باللّه، و إن المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر، حبط عملك، و بطل أجرك، فلا خلاص لك اليوم، فالتمس أجرك ممّن كنت تعمل له( ٢) .

و قال ابن أبي الحديد: قال عليعليه‌السلام : ليست الصلاة قيامك و قعودك، إنّما الصلاة إخلاصك و أن تريد بها اللّه وحده.

و توصّل ابن الزبير إلى امرأة ابن عمر و هي أخت المختار في أن تكلّم بعلها أن يبايعه، فكلّمته في ذلك و ذكرت قيامه و صيامه، فقال لها: أما رأيت البغلات الشهب الّتي كنّا نراها تحت معاوية بالحجر إذا قدم مكة. قالت: بلى.

قال: فإيّاها يطلب ابن الزبير بصومه و صلاته( ٣) .

هذا، و ذكروا أن رجلا من قريش قال لأشعب الطمّاع: ما شكرت معروفي عندك. فقال له: ان معروفك كان من غير محتسب فوقع عند غير شاكر.

«نسأل اللّه منازل الشهداء و معايشة السعداء و مرافقة الأنبياء» إشارة إلى قوله تعالى: و من يطع اللّه و الرسول فأولئك مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيّين و الصدّيقين و الشّهداء و الصّالحين و حسن أولئك رفيقا( ٤) .

«أيها الناس إنّه لا يستغني الرجل و إن كان ذا مال عن عشيرته» و في (القاموس): قال عليعليه‌السلام «من يطل هن أبيه ينتطق به» أي: من كثر بنو أبيه

____________________

(١) الكافي ٢: ٢٩٣ ٢٩٥، ١، ٤، ٦، ٩.

(٢) عقاب الأعمال: ٣٠٣ ح ١.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٥ ٣١٦.

(٤) النساء: ٦٩.

٧١

يتقوّى بهم، و قال غيلان بن سلمة الثقفي:

و إنّ ابن عمّ المرء مثل سلاحه

يقيه إذا لاقى الكميّ المقنّعا

و قال:

لم أر عزا لامرى‏ء كعشيرة

و لم أر ذلا مثل نأي عن الأهل( ١)

«و دفاعهم عنه بأيديهم و ألسنتهم» في (العقد الفريد): كان مهلهل صار إلى قبيلة من اليمن يقال لهم جنب فخطبوا إليه فزوجهم و هو كاره لاغترابه عن قومه، و مهروا ابنته أدما، فقال:

أنكحها فقدها الأراقم في

جنب و كان الحباء من أدم

لو بأبانين جاء يخطبها

رمّل ما أنف خاطب بدم( ٢)

«و هم أعظم النّاس حيطة» أي: رعاية.

«من ورائه» في (كامل المبرد): قال ذو الرمّة لهلال بن أحوز المازني:

رفعت مجد تميم يا هلال لها

رفع الطراف على العلياء بالعمد

حتّى نساء تميم و هي نازحة بقلّة الحزن فالصمّان فالعقد

لو يستطعن إذا ضافتك مجحفة

و قينك الموت بالآباء و الولد( ٣)

و في (الأغاني): قال الشمردل في أخيه حكم لما أتاه نعيه:

و كنت سنان رمحي من قناتي

و ليس الرمح إلاّ بالسّنان

و كنت بنان كفّي من يميني

و كيف صلاحها بعد البنان

و كان يرى فيما يرى النائم كأن سنان رمحه سقط فأتاه نعي أخيه وائل، فقال:

____________________

(١) القاموس ٣: ٣٨٥.

(٢) العقد الفريد ٦: ٧٧.

(٣) الكامل للمبرد ١: ٥٠.

٧٢

و تحقيق رؤيا في المنام رأيتها

فكان أخي رمحا ترقّص عامله( ١)

«و ألمّهم» أي: أجمعهم.

«لشعثه» أي: تفرّقه.

«و أعطفهم» أي: أشفقهم.

«عليه عند نازلة» أي: شديدة نازلة.

«إذا» هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد) و لكن في (ابن ميثم)( ٢ ) و (الخطية) (ان)( ٣ ) و هو أحسن.

«نزلت به» في (العقد): قال عليّعليه‌السلام : عشيرة الرجل خير للرجل من غير العشيرة فإنّ كفّ عنهم يدا واحدة كفّوا عنه أيديا كثيرة مع مودتهم و حفاظهم و نصرتهم، ان الرجل ليغضب للرجل لا يعرفه إلاّ بنسبه. و سأتلوا عليكم من ذلك آيات من كتاب اللّه قال عزّ و جلّ فيما حكاه عن لوط: لو أنّ لي بكم قوّة أو آوي إلى ركن شديد( ٤ ) يعني العشيرة و لم يكن للوط عشيرة، فو الّذي نفسي بيده ما بعث اللّه نبيا من بعده إلاّ في ثروة من قومه و منعة من عشيرته، ثم ذكر شعيبا و قال له قومه إنّا لنراك فينا ضعيفا و لو لا رهطك لرجمناك( ٥ ) و كان مكفوفا و اللّه ما هابوا إلاّ عشيرته( ٦) .

في (الطبري) بعد ذكر قتل أصحاب معاوية لحجر و ستة من أصحابه فقال عبد الرحمن بن حسان العنزي و كريم بن عفيف الخثعمي: إبعثوا بنا إلى

____________________

(١) الأغاني ١٣: ٣٥٣ و ٣٥٦.

(٢) شرح ابن ميثم ٢: ٤.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٣.

(٤) هود: ٨٠.

(٥) هود: ٩١.

(٦) العقد ٢: ٢٠٨.

٧٣

معاوية فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته، فبعثوا إلى معاوية يخبرونهما بمقالتهما فأجاز، فأدخلا عليه فقال معاوية للخثعمي: ما تقول في عليّ؟ قال:

أقول فيه قولك، أتبرّأ من دين عليّ الذي كان يدين اللّه به، فسكت معاوية و كره أن يجيبه فقال شمر بن عبد اللّه من بني قحافة: هب لي ابن عمي. فقال: هو لك.

قال: فخلى سبيله على أن لا يدخل الكوفة ما كان له سلطان. فقال له: تخيّر بلدا، فاختار الموصل، و كان يقول: لو قد مات معاوية قدمت المصر، فمات قبل معاوية بشهر، ثم أقبل معاوية على العنزيّ فقال له: يا أخا ربيعة ما قولك في عليّ؟ قال: دعني و لا تسألني. قال: لا أدعك. قال: أشهد أنّه كان من الذاكرين اللّه كثيرا و من الآمرين بالحق و القائمين بالقسط. قال: فما قولك في عثمان؟ قال:

هو أوّل من فتح باب الظلم و أرتج أبواب الحقّ. قال: قتلت نفسك. قال: بل إيّاك قتلت «و لا ربيعة بالوادي»، قال ذلك لأن شمر الخثعمي كلّم معاوية في كريم الخثعمي و لم يكن له أحد من قومه يكلّمه فيه، فبعث به إلى زياد و قال له: إنّ هذا شرّهم فاقتله شرّ قتلة، فدفنه زياد حيا بقسّ الناطف( ١) .

و فيه: كان عبد اللّه بن خليفة الطائي شهد مع حجر فطلبه زياد فتوارى، فبعث إليه الشرط فأخذوه فقالت أخته: يا معشر طيّ أ تسلمون سنانكم و لسانكم عبد اللّه بن خليفة؟ فشد الطائيّون عليهم و انتزعوه، فرجعوا إلى زياد فأخبروه فوثب على عدي بن حاتم و هو في المسجد فقال: إئتني بابن خليفة.

فقال: هذا شي‏ء كان في الحيّ لا علم لي به. قال: و اللّه لتأتينّي به. قال: أجيئك بابن عمّي تقتله، و اللّه لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه، فأمر بعديّ إلى السجن فلم يبق بالكوفة يماني و لا ربعي إلاّ أتاه و كلّمه و قالوا تفعل هذا بعدي بن حاتم صاحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: فإنّي أخرجه على أن يخرج ابن عمه عنّي

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٢٧٦.

٧٤

فلا يدخل الكوفة ما دام لي بها سلطان. فقال عديّ لعبد اللّه: إنّ هذا لجّ في أمرك فالحق بالجبلين( ١) .

و مرّ في الفصل في وصيتهعليه‌السلام إلى ابنه قوله: «و أكرم عشيرتك فإنّهم جناحك الذي به تطير و يدك التي بها تصول...»، مع شروح مفيدة.

«و لسان الصدق يجعله اللّه للمرء في الناس خير له من المال يورثه غيره» قال إبراهيمعليه‌السلام : و اجعل لي لسان صدق في الآخرين( ٢ ) أي: ثناء حسنا، و قال تعالى في نوح و إبراهيم و موسى و هارون و إلياس: و تركنا عليه في الآخرين. سلام على نوح في العالمين( ٣ ) ، و تركنا عليه في الآخرين.

سلام على إبراهيم( ٤ ) ، و تركنا عليه في الآخرين. سلام على إلياسين( ٦ ) أي: تركنا قول «سلام عليهم» في الآخرين.

و في (الكافي): قال الصادقعليه‌السلام لأبي كهمس: إقرأ عبد اللّه بن أبي يعفور السلام و قل له: إنّ جعفر بن محمّد يقول لك: أنظر ما بلغ به عليّ عند النبي فالزمه و إنّ عليّا إنّما بلغ ما بلغ به بصدق الحديث و أداء الامانة( ٧) .

و روى: أنّ الرجل ليصدق حتّى يكتبه اللّه صديقا. و في (كامل المبرد):

قال ابن حلزة اليشكري:

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥: ٢٦٧.

(٢) الشعراء: ٨٤.

(٣) الصافات: ٧٨ ٧٩.

(٤) الصافات: ١٠٨ ١٠٩.

(٥) الصافات: ١١٩ ١٢٠.

(٦) الصافات: ١٢٩ ١٣٠.

(٧) الكافي ٢: ١٠٤ ح ٥.

٧٥

قلت لعمرو حين ارسلته

و قد خبا من دوننا عالج

لا تكسع الشول بأغبارها

انك لا تدري من الناتج

و أصبب لأضيافك ألبانها

فإنّ شر اللبن الوالج

و فيه: قال معاوية لابن الأشعث بن قيس: ما كان جدّك قيس بن معد يكرب أعطى الأعشى؟ فقال: أعطاه مالا و ظهرا و رقيقا و أشياء أنسيتها. فقال معاوية: لكن ما أعطاكم الأعشى لا ينسى.

هذا، و في (نسب قريش مصعب الزبيري): أتى عمرو بن سعيد الأشدق فتى من قريش يذكر حقا له في كراع من أديم بعشرين ألف درهم على أبيه بخط مولى أبيه و شهادة أبيه بخطه على نفسه، فقال له: و ما سبب مالك؟ قال:

رأيته و هو معزول يمشي وحده، فقمت فمشيت معه حتّى بلغ إلى باب داره ثم وقفت فقال: هل لك من حاجة؟ فقلت: لا إلاّ أنّي رأيتك تمشي وحدك فأحببت أن أصل جناحك. قال: وصلتك رحم يا ابن أخي، فكتب هذا الكتاب و قال: ليس اليوم عندنا شي‏ء فإذا أتانا شي‏ء فأتنا به، فمات قبل أن يصل إليه. فقال له عمرو: لا جرم، لا تأخذها إلاّ وافية.

قول المصنّف: «و منها» هكذا في (المصرية) و نسخة (ابن أبي الحديد) و لكن في (ابن ميثم و الخطية) «منها»( ١ ) و هو الأحسن فلم تتقدمها اخرى.

قوله «ألا لا يعدلنّ» هكذا في (المصرية) و الصواب: «ألا لا يعدلنّ أحدكم» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢) .

«عن القرابة يرى بها الخصاصة» أي: الفاقة.

«ان يسدّها بالذي لا يزيده إن أمسكه و لا ينقصه إن أهلكه».

روى (الكافي) عن البزنطي قال: قرأت في كتاب أبي الحسن الرضاعليه‌السلام

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٣.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٣.

٧٦

إلى ابنه أبي جعفر الجواد: بلغني أنّ الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير، فإنّما ذلك من بخل منهم لئلا ينال منك أحد خيرا، و أسألك بحقي عليك لا يكن مدخلك و مخرجك إلاّ من الباب الكبير، فإذا ركبت فليكن معك ذهب و فضة ثم لا يسألك أحد شيئا إلاّ أعطيته، و من سألك من عمومتك ان تبرّه فلا تعطه أقلّ من خمسين دينارا و الكثير إليك، و من سألك من عمّاتك فلا تعطها أقلّ من خمسة و عشرين دينارا و الكثير إليك، إنّما أنا اريد بذلك أن يرفعك اللّه، فأنفق و لا تخش من ذي العرش إقتارا.

و روى أنّ الباقرعليه‌السلام قال للحسين بن أيمن: أنفق و أيقن بالخلف من اللّه، فإنّه لم يبخل عبد و لا أمة بنفقة فيما يرضي اللّه عزّ و جلّ إلاّ أنفق أضعافها فيما يسخط اللّه.

و روى انّهعليه‌السلام قال: ان الشمس لتطلع و معها أربعة أملاك ملك ينادي يا صاحب الخير أتمّ و أبشر، و ملك ينادي يا صاحب الشرّ إنزع و أقصر، و ملك ينادي أعط منفقا خلفا و ممسكا تلفا، و ملك ينضحها بالماء و لو لا ذلك اشتعلت الأرض.

و روى عن الصادقعليه‌السلام قال: من يضمن أربعة بأربعة أبيات في الجنة:

انفق و لا تخف فقرا، و أنصف الناس من نفسك، و أفش السلام في العالم، و اترك المراء و إن كنت محقّا( ١) .

«و من يقبض يده عن عشيرته فإنّما تقبض منه عنهم يد واحدة و تقبض منهم عنه أيد كثيرة» روى (أمالي المفيد) عن الشعبي قال: قال صعصعة: عادني أمير المؤمنينعليه‌السلام في مرضي ثم قال: أنظر فلا تجعلنّ عيادتي إيّاك فخرا على قومك، و إذا رأيتهم في أمر فلا تخرج منه فإنّه ليس بالرجل غنى عن

____________________

(١) الكافي ٤: ٤٢ ٤٤ ح ١ و ٥ و ٧ و ١٠.

٧٧

قومه، إذا خلع منهم يدا واحدة يخلعون منه أيدي كثيرة، فإذا رأيتهم في خير فأعنهم عليه، و إذا رأيتهم في شر فلا تخذلنهم، و ليكن تعاونكم على طاعة اللّه فإنّكم لن تزالوا بخير ما تعاونتم على طاعة اللّه تعالى و تناهيتم عن معاصيه( ١ ) . و من الشعر في ذلك:

أخاك أخاك إنّ من لا أخا له

كساع إلى الهيجا بغير سلاح

و إنّ ابن عم المرء فاعلم جناحه

و هل ينهض البازي بغير جناح

أيضا:

إن كان ذا عضد يدرك ظلامته

إنّ الذليل الذي ليست له عضد

تنبو يداه إذا ما قلّ ناصره

و يأنف الضيم إن أثرى له عدد

أيضا:

تناس ذنوب الأقربين فإنّه

لكلّ حميم راكب هو راكبه

له هفوات في الرخاء يشوبها

بنصرة يوم لا توارى كواكبه

تراه عدوّا ما أمنت و يتّقي

بجبهته يوم الوغى من يحاربه

لكلّ امرى‏ء اخوان بؤس و نعمة

و أعظمهم في النائبات أقاربه

أيضا:

ألم تر أنّ جمع القوم يخشى

و ان حريم واحدهم مباح

و أنّ القدح حين يكون فردا

فيهصر لا يكون له اقتداح

و إنّك ان قبضت بها جميعا

أبت ما سمت واحدها القداح

كذاك تفرّق الإخوان مما

يذلهم و في الذلّ افتضاح

و عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حافتا الصّراط يوم القيامة الرحم و الأمانة، فإذا مرّ الوصول للرحم المؤدي للأمانة نفذ إلى الجنّة، و إذا مرّ الخائن للأمانة القطوع

____________________

(١) لم يوجد هذا الحديث في أمالي المفيد، بل رواه الطوسي في أماليه (١ ١٢٥٧ الجزء ١٢.

٧٨

للرحم لم ينفعه معه عمل فتكفى‏ء به الصراط في النار.

هذا، و قال ابن أبي الحديد: قال عثمان: إنّ عمر كان يمنع أقرباءه ابتغاء وجه اللّه، و أنا أعطيتهم ابتغاء وجه اللّه( ١) .

قلت: ما قاله عثمان مغالطة، فإعطاء الأقرباء إن كان من مال المعطي فلا يمكن أن يكون منعه كما فعل عمر ابتغاء وجه اللّه، لأنّه قطع الرحم المذموم الذي فاعله ملوم، و إن كان من مال اللّه و كان المعطي غير مستحقه فأعطاؤه كما فعل عثمان و نهب بيت المال و وهبه لبني الشجرة الملعونة في القرآن كيف يكون ابتغاء وجه اللّه، لقدمني الناس لعمر اللّه من هؤلاء بخبط و شماس.

«و من تلن حاشيته يستدم من قومه المودّة» هو نظير قولهعليه‌السلام : «من لان عوده كثفت أغصانه».

في (الكافي) عن أبي جعفرعليه‌السلام : لما خرج أمير المؤمنينعليه‌السلام يريد البصرة نزل بالرّبذة فأتاه رجل من محارب فقال: إنّي تحمّلت في قومي حمالة و إنّي سألت في طوائف منهم المواساة و المعونة فسبقت إليّ ألسنتهم بالنكد فمرهم بمعونتي. فقال: أين هم؟ فقال: هؤلاء فريق منهم حيث ترى، فنصّعليه‌السلام راحلته فأدلفت كأنّها ظليم فدلف بعض أصحابه في طلبها فلاى بلاى ما لحقت، فانتهى إلى القوم فسلّم عليهم و سألهم ما يمنعهم من مواساة صاحبهم، فشكوه و شكاهم فقالعليه‌السلام «وصل امرؤ عشيرته فانّهم أولى ببره و ذات يده و وصلت العشيرة أخاها إن عثر به دهر و أدبرت عنه دنيا فإنّ المتواصلين المتباذلين مأجورون و ان المتقاطعين المتدابرين موزورون» ثم بعث راحلته( ٢) .

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣٣٠.

(٢) الكافي ٢: ١٥٣، ١٨.

٧٩

قول المصنف في الأول (قال الشريف أقول) هكذا في (المصرية) و إنّما في (ابن أبي الحديد) قال الرضي، و في (ابن ميثم)( ١ ) قال السّيد( ٢ ) ، و هو دليل على أن أصله من كلام الشّراح و أنّ «أقول» زائدة (الغفير هاهنا) انما قال ههنا لأن الغفيرة تأتي في موضع آخر بمعنى آخر، قال الجوهري يقال «ما فيهم غفيرة» أي: لا يغفرون ذنبا لأحد، قال الراجز:

يا قوم ليست فيهم غفيرة

فامشوا كما تمشي جمال الحيرة( ٣)

و قال ابن دريد: و كلّ شي‏ء غطيته فقد غفرته، و منه المغفرة و الغفيرة( ٤ ) (الزيادة و الكثرة من قولهم للجمع الكثير، الجمّ الغفير و الجماء الغفير) المفهوم من الجوهري انهما يأتيان بالوصفية معرفة و نكرة و بالاضافة، فقال و قولهم «جاءوا جماء غفيرا و الجماء الغفير و جم الغفير و جماء الغفير» أي: جاءوا بجماعتهم: الشريف و الوضيع( ٥) .

(و يروى: عفوة من أهل أو مال) هو رواية اليعقوبي، فقد عرفت أنّ في خبره «فمن أصابه نقص في أهله و ماله و رأى عند أخيه عفوة فلا يكوننّ ذلك عليه فتنة» و الغفيرة رواية (الكافي) كما مر و كذا (النهاية)( ٦) .

(و العفوة الخيار من الشي‏ء، يقال عفوة الطعام أي: خياره) و قال الجوهري و قال بعضهم العفاوة بالكسر أول المرق و أجوده، و العفاوة بالضم آخره يردّها مستعير القدر مع القدر يقال منه «عفوة

____________________

(١) شرح ابن ميثم ٢: ١١.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١: ٣١٣.

(٣) شرح ابن ميثم ٢: ١١.

(٤) الصحاح للجوهري ٢: ٧٧١.

(٥) جمهرة اللغة ٢: ٧٧٨.

(٦) تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٠٧، و النهاية ٣: ٣٧٤.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وبعد تعيين المدّة والمهر قالت المرأة مخاطبة الرجل : ( أنكحتك نفسي ، أو أنكحت نفسي منك أو لك في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم ) فقال الرجل : ( قبلت النكاح ) صح العقد ، وكذا إذا قالت المرأة : ( زوّجتك نفسي ، أو زوّجت نفسيّ منك في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم ) فقال الرجل : ( قبلت التزويج ) وهكذا إذا قالت المرأة : ( متّعتك نفسي إلى الأجل المعلوم بالصداق المعلوم ) فقال الرجل : ( قبلت المتعة ).

٤ ـ لو وكّلا غَيرهما وكان اسم الرجل أحمد واسم المرأة فاطمة مثلاً ، فقال وكيل المرأة : ( أنكحتُ موكِّلَك أحمد موَكّلَتي فاطمة ، أو أنكحت موَكّلَتي فاطمة موكِّلِك ، أو من موكِّلِك ، أو لموكِّلِك أحمد في المدّة المعيّنة على الصداق المعلوم ) فقال وكيل الزوج : ( قبلت النكاح لموكّلي أحمد في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم ) صح العقد.

وكذا لو قال وكيلها : ( زوّجت موكِّلَك أحمد موكِّلَتي فاطمة ، أو زوّجت موكِّلَتي فاطمة موكّلَك ، أو من موكّلِك ، أو بموكّلِك أحمد في المدّة المعيّنة على الصداق المعلوم ) فقال وكيله : ( قبلت التزويج لموكّلي أحمد في المدّة المعيّنة على الصداق المعلوم ).

وهكذا لو قال وكيلها : ( متّعتُ موكَّلَك أحمد موَكّلَتي فاطمة إلى الأجل المعلوم بالصداق المعلوم ) ، فقال وكيل الزوج : ( قبلتُ المتعة لموكّلي أحمد إلى الأجل المعلوم بالصداق المعلوم ).

ولو كان المباشر للعقد وليهما ، فقال ولي المرأة : ( أنكحت ابنك أو حفيدك أحمد ابنتي أو حفيدتي فاطمة ، أو أنكحت ابنتي أو حفيدتي فاطمة ابنك أو

١٤١

حفيدك ، أو من ابنك أو حفيدك ، أو لإبنك أو حفيدك أحمد في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم ) أو قال ولي المرأة : ( زوّجت ابنك أو حفيدك أحمد ابنتي أو حفيدتي فاطمة ، أو زوّجت ابنتي أو حفيدتي فاطمة ابنك أو حفيدك ، أو من ابنك أو حفيدك أو بابنك أو حفيدك أحمد في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم ) أو قال ولي المرأة : ( متّعتُ ابنك أو حفيدك أحمد ابنتي أو حفيدتي فاطمة إلى الأجل المعلوم بالصداق المعلوم ) فقال وليّ الزوج : ( قبلت النكاح أو التزويج أو المتعة لابني أو لحفيدي أحمد في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم ) صح العقد.

٥ ـ كلّ من لا يجوز نكاحها دواماً ، سواء كان عيناً كالزواج من أُم الزوجة ، أو جمعاً كالزواج من الأُختين ، ذاتاً كالأُخت والعمّة والخالة ، أو عرضاً كالتي تَحرم بالرّضاعة مثلاً لا يجوز نكاحها متعة حتّى بنت أخ الزوجة أو بنت أختها فلا يجوز التمتع بهما من دون إذن الزوجة التي تكون عمّتها أو خالتها ، نعم لا بأس بالتّمتع بالنصرانيّة واليهوديّة متعة(١) وإن كان لا يجوز الزواج منهما دواماً على الأحوط وجوباً كما مر.

٦ ـ يشترط في النكاح المؤقّت ذكر المهر ، فلو عقد بلا ذكر في العقد عمداً أو جهلاً أو نسياناً أو غفلة ، أو لغير ذلك بطل ، وكذا لو جعل المهر ممّا لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير وكذلك لو جعله من مال الغير مع عدم إذنه وردّه بعد العقد.

٧ ـ يجوز أن يجعل المهر عيناً خارجيةً كقطعة أرض مثلاً ، أو كليّاً في الذمّة كألف دينار ، كما يصح أن يجعل المهر منفعة كإجارة بيت أو محلّ عمل ، أو أن يكون المهر عملا محلّلا صالحاً للعوضيّة وإعطاء الأُجرة ، وكذلك يجوز أن يكون حقّاً من

__________________

(١) ويشترط فيه إذن الزوجة المسلمة بل الأحوط وجوباً الترك حتى مع رضاها كما مر.

١٤٢

الحقوق الماليّة القابلة للانتقال ، كحقّ التحجير مثلاً ، كما إذا وجد أرضاً مواتاً فجعل لها جداراً حتّى لا يتصرّف فيها أحد فعملُه هذا مقدّمة لإحياء هذه الأرض.

٨ ـ يعتبر أن يكون المهر في الزواج المؤقّت معلوماً ، فلا تصح المتعة بالمهر المجهول ، فالأحوط وجوباً أن يكون معلوماً على النحو المعتبر في المعاوضات ، بأن يكن معلوماً بالكيل إذا كان مكيلاً ، وبالوزن إذا كان موزوناً ، وبالعدّ كذلك إذا كان معدوداً ، وبالمشاهدة فيما يعتبر فيه المشاهدة.

٩ ـ لا تقدير للمهر شرعاً بل يصح بأيّ مقدار تراضيا عليه ، قليلاً كان أم كثيراً ، ولو كان كفّاً من الطعام.

١٠ ـ تملك المرأة المتمتّع بها تمام المهر بالعقد ، ولكن استقراره بتمامه مشروط بعدم إخلالها بالتمكين الواجب عليها بمقتضى العقد ، فلو أخلّت به ولم تمكّنه من نفسها في بعض المدّة ، فيحقّ له أن ينقص من مقدار المهر بنسبة ما أخلّت من المدّة ، فإذا أخلّت مثلاً بنصف مدّة نكاحها فينقص النصف ، وإذا كان ثلثاً من المدّة فينقص الثلث من المهر ، وهكذا.

وأمّا الأيام التي يحرم عليها التمكين بالوطء فيها كالحيض ، وكذا ما يحرم فيه الوطء على الزوج دونها كحال إحرامه فلا ينقص من المهر شيء ، وكذا فترات عدم تمكينها لعذر يتعارف حصوله للمرأة خلال المدّة المعيّنة للعقد من مرض مدنف(١) أو سفر لازم أو غيرهما.

١١ ـ لو خاف الزوج من تخلّف الزوجة المتمتّع بها عن التمكين في تمام المدّة ، جاز له تقسيط المهر ودفعه إليها أقساطاً حسبما تمكّنه من نفسها.

__________________

(١) مدنف ، من دَنِفَ المريض بالكسر ، أي ثقل ، فهوُ مدنِفٍ ومُدْنَف ، الصحاح ٤ : ١٣٦١ « دنف ».

١٤٣

١٢ ـ لو حُبس الزوج أو سافر أو مرض مثلاً أو مات أو تركها اختياراً حتى مضت المدّة المحدّدة للنكاح حين العقد ولو بتمامها ، لا يسقط من المهر شيء وإن كان ذلك قبل الدخول ، وكذا لا يسقط من المهر شيء لو ماتت هي أثناء المدّة على الأحوط وجوباً.

١٣ ـ لو وهبها المدّة ولم يكملها معها ، فإن كان ذلك قبل الدخول يجب عليه أن يعطي نصف المهر ، وإن كان بعده أعطى جميع المهر حتّى وإن مضت من المدّة ساعة وبقيت منها شهور أو أعوام.

١٤ ـ لو تبيّن فساد العقد بأن ظهر للمرأة المتمتّع بها زوج ، أو كانت أُخت زوجة الرجل الذي يريد أن يتمتّع بها أو أمّها مثلاً ، فلا تستحقّ المهر قبل الدخول ، ولو كانت قد أخذته المرأة أرجعته إليه ، ولو تلف وجب عليها إعطاء بدله ، وكذلك الحال لو دخل بها وكانت عالمة بفساد العقد ، وأمّا إن كانت جاهلة بفساد العقد فلها أقلّ الأمرين من المهر المسمّى ومهر المثل في الزواج المؤقت لا الدائمي ، فلو كان المهر المسمّى خمسة آلاف ديناراً ومهر المثل الذي يعطى للمرأة المتمتّع بها عادة أربعة آلاف ديناراً مثلاً فيعطيها أربعة آلاف ، فإن كان الذي أخذته أكثر من المقدار أرجعت الباقي.

١٥ ـ يشترط في النكاح المؤقت ذكر المدّة ، فلو لم يذكرها عمداً أو نسياناً أو غفلةً أو حياءً أو لسبب آخر ، بطل العقد متعة بل ودائماً أيضاً.

١٦ ـ لا تقدير للأجل في العقد المؤقت شرعاً ، بل هو إليهما يتراضيان على ما أرادا ، طال أو قصر ، نعم لا يجوز جعله أزيد من محتمل عمر أحد الزوجين أو عمرهما معاً ، ولو جعلاه أزيد من ذلك بطل العقد ، كما يشكل جعله أقلّ من مدّة تسع شيئاً من الاستمتاع بالنسبة إليهما ، ومن هنا يشكل العقد على الصغير أو الصغيرة مع

١٤٤

عدم قابلية المدّة المعيّنة للاستمتاع فيها من الصغيرة ، أو لاستمتاع الصغير فيها بوجه.

١٧ ـ لا بدّ في الأجل أن يكون معيّناً بالزمان بنحو لا يحتمل الزيادة ولا النقصان ، فلو كان مقدّراً بالمرّة أو المرّتين من دون تقدير بالزمان ، أو كان مقدّراً بزمان مجهول ، كشهر من السنة أو يوم من الشهر ، أو كان مردّداً بين الأقلّ والأكثر كشهر أو شهرين أو قدوم الحاج أو نضوج الثمرة بطل العقد ، نعم لا بأس بما يكون مضبوطاً في نفسه وإن توقّف تشخيصه على الفحص.

١٨ ـ بعض الأشهر الهلاليّة تنقص عن الثلاثين يوماً ، وهذا لا يؤدّي إلى بطلان العقد فيما لو جعل المدّة شهراً هلاليّاً مع أنّه مردّد بين الثلاثين والتسعة والعشرين يوماً ، وكذلك لا بأس لو جعل المدّة إلى آخر هذا الشهر ، أو آخر هذا اليوم مع عدم معرفة ما بقي منهما.

١٩ ـ لو قالت المرأة المتمتّع بها : ( زوّجتك نفسي شهراً ، أو إلى مدّة شهر ) مثلاً وأطلقت ولم تعيّن أيّ شهر هو ، أو إلى أيّ شهر ، بدأ الحساب من حين العقد ، ولا تنفصل المدّة عنه ، ولا يجوز على الأحوط وجوباً أن تُجعل المدّة منفصلة عن العقد ، بأن يكون مبدؤها بعد أُسبوع من حين وقوعه ، نعم لا مانع من اشتراط تأخير الاستمتاع مع كون التزويج من حال العقد.

٢٠ ـ لو جعل للعقد مدّة معيّنة ثمّ شكّ في انتهائها ، فيبني على عدم انتهائها حتّى يتيقّن من الانتهاء.

٢١ ـ لا يصح تجديد العقد على المرأة المتمتّع بها ، سواء أراد أن يجعل العقد الجديد دائماً أم منقطعاً ، قبل أن تنقضي المدّة السابقة ، أو قبل أن يهبها لها ، فلو كانت المدّة شهراً وأراد أن تكون شهرين فلا بدّ أن يهبها المدّة أوّلاً ثمّ يعقد عليها مرةً

١٤٥

أُخرى ، ويجعل المدّة شهرين ، ولا يجوز أن يعقد عليها عقداً آخر ويجعل المدّة شهراً آخر بعد الشهر الأوّل فيكون المجموع شهرين.

٢٢ ـ لا طلاق في المتعة ، وإنّما تبين المرأة المتمتّع بها عن الرجل بانقضاء المدّة المذكورة في العقد ، أو أن يهبها لها ، فإذا انفصلت عنه وجبت عليها العدّة ، ولا رجعة الزوج في عدّتها وإنّما يجوز أن يجع عليها بعقد جديد فقط.

٢٣ ـ إذا كان الزوج صغيراً فيحقّ للولي أن يهبّ المدّة لزوجته المتمتّع بها قبل انتهائها إذا كان في الإبراء مصلحةً للصبيّ ، وإن كانت المدّة تزيد على زمن صباه كما إذا كان عمر الصبيّ سنتان وكانت مدّة المتعة أربع عشرة سنة مثلاً.

٢٤ ـ لا يثبت بالنكاح المنقطع التوارث بين الزوجين ، ولو شرطا التوارث بينهما أو خصوص توريث أحدهما كتوريث المرأة ففي نفوذ الشرط إشكال ، فالأحوط وجوباً تصالح الورثة معها ، أو الرجوع في هذه المسألة إلى الغير مع رعاية الأعلم فالأعلم.

٢٥ ـ لا تجب نفقة الزوجة المتمتّع بها على زوجها وإن حملت منه ، ولا تستحقّ من زوجها المبيت عندها الاّ إذا اشترطت ذلك في العقد ، أو شرطته عليه في ضمن عقد آخر لازم كعقد البيع مثلاً.

٢٦ ـ لو جهلت الزوجة بعدم استحقاقها النفقة والمبيت لا يؤثّر جهلها هذا على صحة العقد ، ولا يثبت لها حقّ على الزوج من جهة جهلها ، ويحرم عليها الزوج من الدار بغير إذن زوجها إذا كان خروجها منافياً لحقّ الاستمتاع ، والأحوط استحباباً أن لا تخرج من دون إذنه حتى إذا لم يكن الخروج منافياً لحقّه أيضاً.

٢٧ ـ إذا انقضت مدّة المتعة أو وهبها للمرأة قبل الدخول بها فلا عدّة عليها ، وإن وهبها المدّة بعد الدخول ولم تكن صغيرة أو يائسة فيجب عليها أن تعتدّ ،

١٤٦

ومقدار عدّتها حيضتان كاملتان ، ولا تكفي فيها حيضة واحدة على الأحوط وجوباً ، وإن كانت لا تحيض لمرض أو سبب آخر وهي في سنّ من تحيض وليست في سنّ اليأس فعدّتها خمسة وأربعون يوماً ، ولو حلّ الأجل أو وهبها المدّة في أثناء الحيض لم تحسب تلك الحيضة من العدّة ، بل لا بدّ من حيضتين تامتين بعد هذه الحيضة إذا لم تكن حاملاً ، أما إذا كانت حاملاً فعدّتها إلى أن تضع حملها وإن كان الأحوط استحباباً أن تعتدّ بأبعد الأجلين ، والأجلين هما : وضع حملها وانقضاء حيضتين أو مضى خمسة وأربعين يوماً.

وأما عدّة المتمتّع بها في الوفاة فهي أربعة أشهر وعشرة أيام إن لم تكن حاملاً ، وإن كانت حاملاً فتعتدّ بأبعد الأجلين من أربعة أشهر وعشرة أيام ووضع حملها كالدائمة.

٢٨ ـ يستحب أن تكون المرأة المتمتّع بها مؤمنة عفيفة ، وأن يسأل عن حالها قبل الزواج مع عدم التهمة من أنّها ذات بعل أو ذات عدّة أم لا ، وأمّا بعد الزواج فلا يستحب السؤال ، وليس السؤال عن حالها والفحص شرطاً في الصحة.

٢٩ ـ يجوز التمتّع بالزانية على كراهة ، نعم إذا كانت مشهورة بالزنا فالأحوط وجوباً ترك التمتّع بها إلاّ بعد توبتها.

١٤٧

في المهر

لقد احترم الإسلام المرأة وجعل لها كياناً واستقلاليّة ، بخلاف ما يدّعيه البعض من حجبها وعدم الاعتراف بشخصيّتها ، لذا شرّع لها المهر الذي تأخذه من الزوج مقابل ما تقدّم له من طاقات أفنت في طلبها عمرها ، وليس ذلك ثمناً لأن العمر لا يثمّن ، ولكنّها سنّة إلهيّة جعلها الإسلام شرطاً في الزواج الذي هو أسمى من أن يقيّم بالمادّيات ، وممّا يؤسف له أنّ البعض حوّلوا المهور إلى تجارة والمرأة إلى بضاعة ، فأضاعوا الهدف السامي الذي سُنّ الزواج لأجله وشُرّع المهر لِسببه.

وقد يكون التعامل السلبي لبعض الرجال مع زوجاتهم أدّى بالأولياء أن ينظروا للمهر هذه النظرة ، والحقّ معهم لأنّهم أرادوا أن يضمنوا مستقبل بناتهم ، ويجعلوهنّ في أمان من تهوّر بعض الأزواج ، ولكن لا يُقطع دابر المعروف بسبب عدم أهليّة البعض له ، ولا نجعل غلاء المهور سبباً مخوّفاً للشباب ورادعاً إيّاهم عن الزواج ، بل كما قالعليه‌السلام : إعمل المعروف مع أهله فإن لم يكن له أهل فانت أهله.

بعض المسائل التي ترتبط بالمهر

١ ـ ويسمّى المهر الصداق أيضاً : وهو ما تستحقّه المرأة بجعله في العقد أو بتعيّنه بعده أو بسبب الوطئ ، أو ما هو بحكمه من مبلغ أو شيء آخر يمكن أن يملكه المسلم ، بشرط أن يكون قابلاً للانتقال عرفاً على الأحوط لزوماً ، سواء كان ديناً في ذمّة الزوج ، أو عيناً يملكها كدار مثلاً ، أو منفعة لعين مملوكة من دار أو عقار

١٤٨

أو حيوان أو نحوهما ، وكذلك يصح أن يكون المهر عمل الزوج نفسه كتعليمها قراءة سورة من القرآن الكريم مثلاً أو تعليمها صنعة وحرفة ، وهكذا كلّ عمل محلّل ، بل ويجوز أن يجعله حقّاً ماليّاً قابلاً للنقل والانتقال كحقّ التحجير(١) .

٢ ـ لا يوجد مقدار معيّن للمهر شرعاً من جانب القلّة ، ويكفي ما تراضيا عليه الزوجان ولو كان حبّة حنطة ، وكذلك لا تقدير له من جانب الكثرة ، ولكن يستحب أن لا يجوز مهر السّنّة ، وهو المهر الذي كان لمولاتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام ومقداره خمسمائة درهم ، فلو أراد أن يجعله أكثر جعل الزائد عن مهر السنّة هدية لها.

٣ ـ لا بدّ من تعيين المهر بما يخرجه عن الإبهام والترديد ، فلو أمهرها أحد شيئين مردّداً أو خياطة أحد ثوبين بطل المهر ولم يبطل العقد وكان بهاء(٢) الدخول بها مهر المثل وهو مهر النساء اللواتي مثلها بحسب شأنها إلاّ إن يزيد على أقلهما قيمة فيتصالحان في مقدار التفاوت. ولا يعتبر أن يكون المهر معلوماً على النحو المعتبر في البيع وشبهه من المعاوضات ، فيكفي مشاهدة عين حاضرة وإن جهل كيلها أو وزنها ، أو الصبرة من الطعام أيّ ( الكومه ) منه ، أو قطعة من الذهب ، أو طاقة ( طول ) مشاهدة من القماش أو صبرة حاضرة من الجوز ، وأمثال ذلك.

٤ ـ لو تزوّج كافران من أهل الذمّة وكان المهر في زواجهما خمراً أو خنزيراً صحّ العقد والمهر ، ولو أسلما قبل القبض فللزوجة قيمته عند مستحليّه(٣) ، ولو أسلم أحدهما قبله فلا يبعد لزوم القيمة أيضاً.

__________________

(١) وقد مرّ بيان المقصود من حقّ التحجير في أحكام زواج المتعة المسألة رقم (٧).

(٢) البهاء هو الثمن.

(٣) أي عند من يعتقد صحّة تملّك الخمر والخنزير.

١٤٩

ولو تزوّج المسلم على أحدهما(١) صحّ العقد وبطل المهر ، وللمرأة ـ إذا دخل بها ـ مهر المثل ، إلاّ أن يكون المسمّى أقلّ قيمة منه فيتصالحا في مقدار التفاوت.

٥ ـ ذكر المهر ليس شرطاً في صحة العقد الدائم ، فلو عقد على امرأة ولم يذكر لها مهراً أصلاً ، بأن قالت الزوجة للزوج مثلاً : ( زوجّتك نفسي ) ، أو قال وكيلها : ( زوجت موكّلتي فلانه ) ، فقال الزوج : ( قبلت ) صحّ العقد ، بل لو صرّحت الزوجة بعدم المهر بأن قالت : ( زوّجتك نفسي بلا مهر ) فقال الزوج ( قبلت ) صحّ العقد ، ويقال لذلك تعويض المبلغ.

٦ ـ لو عقد المرأة ولم يعيّن لها مهراً جاز أن يتراضيا بعد العقد على شيء ، سواء كان المقدار الذي يتراضيا عليه بمقدار مهر أمثالها أو أقلّ منه أو أكثر ، فيصبح ذلك مهراً لها كالمهر المذكور في العقد.

٧ ـ لو عقد على المرأة ولم يسمّ لها مهراً ، ولم يتفقا على تعيينه بعده لم تستحقّ المرأة شيئاً قبل الدخول ، إلاّ إذا طلّقها فحينئذٍ تستحقّ أن يعطيها شيئاً بحسب حاله من الفقر والغنى واليسار والإعسار ، ويسمّى ذلك الشيء الذي يعطى ( بالمتعة ) ولهذا يشير قوله تعالى :( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى المُحْسِنِينَ ) (٢) .

أمّا لو انفصلا قبل أن يدخل بالمرأة بأمر غير الطلاق لم تستحقّ المرأة شيئاً عليه بسبب عدم الدخول ، وهكذا لو مات أحدهما قبل الدخول ، أمّا لو دخل بها

__________________

(١) أي لو جعل المسلم المهر في زواجه خمراً أو خنزيراً.

(٢) البقرة ٢ : ٢٣٦.

١٥٠

فإنّها تستحقّ مهر أمثالها من النساء.

٨ ـ المعتبر في مهر المثل ملاحظة حال المرأة وصفاتها من السنّ والبكارة والنجابة ، والعفة والعقل والأدب ، والشرف والجمال والكمال و بل يلاحظ كلّ ماله دخل في العرف والعادة في ارتفاع المهر ونقصانه ، فتلاحظ أقاربها وعشيرتها وبلدها ، وغير ذلك من الخصوصيّات التي يختلف المهر باختلافها ، والظاهر دخالة حال الزوج في ذلك أيضاً.

٩ ـ إذا عقد امرأةً على مهر معيّن وكان في نيّته أن لا يدفعه إليها صحّ العقد ، ووجب عليه دفع المهر.

١٠ ـ إذا جعل المهر مشتركاً بين الزوجة وبين أبيها ، بأن يعطي نصفاً لها ونصفاً لأبيها مثلاً ، أو جعل مهرها عشرين على أن يكون عشرة لها وعشرة لأبيها ، سقط ما سمّاه للأب ولا يستحقّ أبوها شيئاً ، ولو لم يجعل المهر شراكة بينهما ولكن اشترط عليها أن تعطيه شيئاً من مهرها صحّ.

وكذلك يصحّ لو جعل شيئاً زائداً عن مهرها لشرطها عليه ذلك ، أمّا لو شرط الزوج اشتراك المهر بينها وبين أبيها خارج العقد ولم يجعل العقد مترتّباً عليه فلا يصحّ هذا الشرط ولا يستحقّ الأب شيئاً.

١١ ـ المبلغ الذي يأخذه الأب أو بعض الأقارب وهو ما يسمى ب‍ ( شيربها )(١) ليس جزءاً من المهر ، بل هو شيء آخر يؤخذ زائداً عليه ، ويجوز إعطاؤه وأخذه إن كان على نحو الجعالة ، كأن يجعله الزوج لأحد الأقارب مقابل عمل مباح كتوسّط

__________________

(١) شيربها : عبارة فارسية والمقصود منها ثمن الحليب الذي رضعته المرأة حينما كانت طفلة ، وهو معروف عند العوام.

١٥١

الأخ مثلاً في البين بأن يرضي أخته في التزويج منه ، ويسعى في رفع بعض الموانع التي تعيق زواجه منها ، فلا يوجد إشكال في هذا العطاء ، ويستحقّ الأخ ما جُعل له ، ولا يمكن للزوج أو أحد أقربائه استرجاعه بعد إعطائه.

وإن لم يكن ما أعطاه من باب الجعاله ، فإن كان إعطاء الزوج للقريب عن طيب نفس منه وإن كان لأجل جلب خاطره وإرضائه ، سواء كان رضاه في نفسه مقصوداً له أم لتوقّف رضى البنت على رضاه ، ففي هذه الحالة يجوز للقريب أخذه ، ويجوز للزوج استرجاعه منه بعد ذلك مادام المال موجوداً عنده بعينه.

وأمّا مع عدم رضى الزوج قلباً ، وكون إعطائه من جهة استخلاص البنت ؛ لأن هذا القريب مانع من تمشية الأمر ، مع أنّها راضية بالتزويج بما بذل لها من المهر ، فلا يجوز للقريب أخذه ، ويجوز للزوج استرجاعه باقياً كان أو تالفاً.

١٢ ـ يجوز أن يجعل المهر كلّه حالاً ـ أي بلا أجل ـ ومؤجّلا ، وأن يجعل بعضه حالاً وبعضه مؤجّلاً(١) ، ولكن لا بدّ في المؤجّل من تعيين الأجل ولو في الجملة مثل ورود المسافر ووضع الحمل ونحو ذلك. ولو كان الأجل مبهماً بحتاً(٢) مثل زمان ما ، أو ورود مسافر ما صحّ العقد ، وصح المهر أيضاً على الاظهر ولغي التأجيل.

١٣ ـ يجب على الزوج تسليم المهر ، وهو مضمون عليه حتى يسلّمه(٣) ، فلو تلف قبل التسليم ولو من دون تفريط كان ضامناً له أيضاً ، فإن كان له مثل أعطى للزوجة مثله ، وإن كان من الأشياء القيميّة فيعطيها قيمته ، ولو كان الإتلاف بفعل

__________________

(١) حالاً : أي المهر الحاضر ، ومؤجّلاً أي الغائب.

(٢) أي غير معيّن أصلاً.

(٣) بمعنى أنّه يجب عليه حفظه في مكان آمن وعدم التفريط به.

١٥٢

شخص أجنبيّ غير الزوج تخيّرت المرأة بين الرجوع على الأجنبيّ أو على الزوج نفسه ، وإن كان لو رجعت على الزوج جاز له الرجوع به على الأجنبي(١) .

وإذا حدث في المهر عيب قبل أن يُسلّم بيد الزوجة فالأحوط وجوباً التصالح بين الزوجين.

١٤ ـ لو كان المهر جميعه حالاً فللزوجة الامتناع من التمكين حتى استلامه ، ولو مكّنته من نفسها قبل الاستلام على أمل أنّها تأخذه بعد ذلك فلا يجوز لها أن تمنعه بعد هذا التمكين ، وأمّا لو كان المهر كلّه أو بعضه مؤجّلاً وقد أخذت بعضه الحالّ فلا يجوز لها الامتناع عن التمكين وإن حلّ الأجل ولم تقبض المهر بعد.

١٥ ـ المهر ملك للمرأة يمكنها التصرّف به ، فإذا شاءت وهبته(٢) أو أهدته إلى أحد ، أو اشترت به أو باعته ، ويمكن لها التصرّف به حتى قبل استلامه ، نعم لا تستقر ملكيّتها لتمامه إلاّ بعد أن يدخل بها.

١٦ ـ إذا جعل مهرها تعليمها لصنعة أو حرفة ما ، ثمّ طلّقها قبل الدخول كان لها نصف أُجرة التعليم ، ولو كان قد علّمها قبل الطلاق أرجع إليها نصف الأُجرة.

__________________

(١) أي يحق للزوج أن يأخذ مثل المهر التالف أو قيمته من الأجنبي الذي أتلفه لو أخذته الزوجة منه أيّ من الزوج.

(٢) الهبة غير الهدية ؛ لأنّ للهبة أحكام خاصّة ، وقد مر ذكرها في باب الهبة.

١٥٣

في الحقوق الزوجيّة

النشوز لغة : هو : أن تستعصي المرأة على بعلها وتبغضه ؟

ونشوز الرجل امرأته هو أن يضربها ويجفوها ، ومنه قوله تعالى :( وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً ) (١) ،

والشقاق : هو الخلاف والعداوة.

وبما أنّ الأُسرة معرّضة لهذه الحوادث ومهددّة بهذه الأخطار ، لذا جعل الإسلام ـ وهو الدين المعالج لكلّ معضلة من معضلات الحياة ـ حلاً لهذه الخلافات والمشاكل ، وقرّر حقوقاً لكلّ من الزوجين على الآخر ، بعضها واجب وبعضها مستحب ، فالواجب منها على ثلاثة أقسام :

الأوّل : حقّ الزوج على الزوجة : وهو أنّ تمكّنه من نفسها للمقاربة وغيرها من الاستمتاعات الثابتة له حسب ما اقتضاه عقد النكاح ، فمِن حقّه الاستمتاع بها في أيّ وقت شاء ، ولا يجوز لها أن تمنعه إلا لعذر شرعي.

ولا أن تخرج من بيتها إلا بإذنه ، سواء كان الخروج منافياً لحقّ استمتاعه بها أولا ، بخلاف بقيّة الأفعال غير الخروج من البيت ، فإنّه لا يحرم عليها ممارستها من دون إذن الزوج إلا إن كانت منافيةً لحقّه في الاستمتاع منها.

١ ـ ينبغي للرجل أن يأذن لزوجته في زيارة أقربائها وعيادة مرضاهم ، وتشييع

__________________

(١) النساء ٤ : ١٢٨.

١٥٤

جنائزهم ونحو ذلك وإن لم يجب عليه ذلك ، وليس له منعها من الخروج إذا كان للقيام بفعل واجب.

٢ ـ لا يستحقّ الزوج على الزوجة خدمة البيت وحوائجه التي لا تتعلّق بالاستمتاع ، من الكنس أو الخياطة أو الطبخ ، أو تنظيف الملابس أو غير ذلك ، حتّى سقي الماء وتمهيد الفراش وإن كان يستحب لها أن تقوم بذلك.

الثاني : حقّ الزوجة على الزوج : وهو أن ينفق عليها بالغذاء واللباس والمسكن ، وسائر ما تحتاجه إليه بحسب حالها وما يليق بشأنها بالقياس إلى زوجها ، أي بما هي زوجة فلان.

وأن لا يؤذيها ، أو يظلمها أو يشاكسها من دون وجه شرعي ، وقد أكّد الإمام الصادقعليه‌السلام على هذا الحقّ في كلماته النورانيّة حيث قال لسائل سأله عن حقّ الزوجة على زوجها : « يشبعها ويكسوها وان جهلت غفر لها » ، وقالعليه‌السلام أيضاً « كانت امرأة عند أبيعليه‌السلام تؤذيه فيغفر لها(١) ».

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنه » (٢) .

وعن يونس بن عمّار قال : زوّجني ابو عبداللهعليه‌السلام جارية لإبنه إسماعيل فقال :« أحسن إليها » ، قلت : وما الاحسان ؟ قال : « أشبع بطنها ، واكسو جنبها ، واغفر ذنبها » (٣) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٠ : ١٦٩ ، الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ٢٠ : ١٧٠ ، الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ٢٠ : ١٧٠ ، الحديث٣.

١٥٥

ويكفيك قوله تعالى :( وَعَاشِروُهَنَّ بالمَعْرُوفِ ) (١) .

كما وإنّ من حقوق الزوجة على زوجها أن لا يهجرها ، وأن لا يجعلها معلّقةً لا هي ذات بعل ولا هي مطلّقة.

ولا يجوز له أن يترك مقاربتها أكثر من أربعة أشهر ، بل الأحوط لزوماً ـ إذا لم تقدر على الصبر هذه المدّة ، بحيث خاف الزوج وقوعها في الحرام ـ أن يطلّقها ويخلّي سبيلها.

الثالث : حقّ كلّ من الزوجين على الآخر : وهو ما يسمّى ( بالقِسم ) ، أي بيتوتة الزوج عند زوجته ليلة واحدة من كلّ أربع ليال ، فهذا حقّ مشترك بين الزوجين ، يجوز لكلّ منهما مطالبة الآخر به ، ويجب على الآخر الاستجابة إليه ، ولو أسقطه أحد الزوجين فمن حقّ الآخر أن يطالبه به أو يتركه فلا يطالب به ، هذا بخلاف الحقوق المختصّة بكلّ واحد منهما ، كالنفقة مثلاً فهي حقّ للزوجة يمكن أن تتنازل عنه وتسقطه ، ولا يجب عليها قبول النفقة لو أنفق الزوج عليها ، وكذلك التمكين الذي هو من الحقوق المختصّة بالزوج على زوجته ، فيجوز له أن يتخلّى ويتنازل عنه ، ولا يجب عليه القبول لو مكّنته الزوجة من نفسها ، بخلاف حقّ القِسم الذي تجب فيه الإجابة لكلّ منهما.

١ ـ إذا كان للرجل زوجتان أو أكثر فبات عند إحداهنّ ليلة ، يجب عليه أن يبيت عند غيرها أيضاً ، فإذا كنّ أربع وبات عند إحداهنّ طاف عليهنّ في أربع ليال لكلّ منهنّ ليلة ، ولا يفضّل بعضهنّ على بعض ، وإذا كانت عنده ثلاث فإذا بات عند إحداهنّ ليلة يجب عليه أن يبيت عند الأُخرتين في ليلتين ، ويحقّ له أن يفضّل

__________________

(١) النساء ٤ : ١٩.

١٥٦

إحداهن على الأُخرى بالليلة الرابعة. وإذا كانت عنده زوجتان وبات عند إحداهما في ليلة لزمه المبيت في ليلة اُخرى عند الاُخرى ، ويحقّ له أن يجعل لإحداهما ثلاث ليال وللثانية ليلة واحدة ، وبعد ذلك إن شاء ترك المبيت عند الجميع وإن شاء شرع فيه على الترتيب المتقدّم.

٢ ـ يختصّ وجوب المبيت على الزوج عند الزوجة الدائمة لا المؤقتة ، سواء كانت المؤقتة واحدة أو أكثر ، والأحوط وجوباً النوم قريباً منها على النحو المتعارف ، وأن يعطيها وجهه بعض الوقت ، ولا يجب عليه مواقعتها في ليلتها بل يكفي المضاجعة معها في الفراش.

٣ ـ يجوز للزوجة أن تهب حقّها في المبيت وتتركه لزوجها إمّا بعوض أو بدون عوض ، وأمّا الزوج فهو مخيّر بين القبول وعدمه ، فإن قبل أن تترك الزوجة المبيت عنده فيحقّ له أن يقضي ليلته فيما يشاء ، ويحقّ لها أن تهب ليلتها لضرّتها. برضى الزوج ، فيكون حقّ القسم للضرّة إذا قبلت.

٤ ـ لا يثبت حقّ المبيت للزوجة الصغيرة ، ولا المجنونة في وقت جنونها ، ولا الناشزة ـ وهي المرأة العاصية لزوجها والتاركة لحقوقه ـ ، ولو سافر الزوج أو الزوجة سقط حقّ المبيت وليس له قضاء.

٥ ـ لو تزوّج بالمرأة البكر فيستحب له أن يخصّص لها سبع ليال من أوّل عرسها ، وأمّا إن كانت ثيّباً فيخصّص لها ثلاث ليالي ، تتفضلان بذلك على غيرهما من الزوجات ، ولا يجب عليه أن يقضي تلك الليالي مع زوجاته السابقات.

٦ ـ لو كان عنده أكثر من زوجة فهو مخيّر أن يبتدئ بأيّ منهنّ شاء في المبيت ، وإن كان الأحوط استحباباً أن يقرع بينهنّ فمن خرجت في القرعة جعل

١٥٧

الابتداء منها.

٧ ـ تستحب التسوية بين الزوجات في الانفاق والالتفات إليهن وطلاقة الوجه والمواقعة ، وكذلك يستحب أن يكون في صبيحة كلّ ليلة عند صاحبتها ، أي صاحبة تلك الليلة.

١٥٨

أحكام النشوز والشقاق

١ ـ النشوز بمعنى الترفّع ومنع أداء الحقوق كراهةً ، وتارةً يكون من الزوجة ، واُخرى من الزوج.

فأمّا نشوز الزوجة فيتحقّق بخروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها ، وذلك بعدّة أُمور :

منها : عدم تمكينه من حقّه في الاستمتاع بها ، ويدخل في عدم التمكين عدم إزالة الأُمور التي تنفّر الزوج عن التمتّع والالتذاذ منها ، وكذلك ترك تنظيف بدنها ، وتزيّنه حسب ما تقتضيه طبيعة الزوج لذلك.

ومنها أيضاً خروجها من بيتها من دون إذنه ، ولا يتحقّق النشوز بترك غير الواجب عليها كعدم خدمتها في البيت ونحو ذلك.

وأمّا نشوز الزوج فيتحقّق بمنع الزوجة من حقوقها التي وجبت عليه ، كترك الإنفاق عليها ، أو المبيت عندها في ليلتها ، أو هجرها وتركها بالمرّة ، أو إيذائها ومخالفتها دون مبرّر شرعي.

أمّا لو صارت الزوجة ناشزة ، فهل تسقط حقوقها الواجبة على الزوج أم لا ؟

الجواب : نعم ، فلو منعت الزوج أن يستمتع بها دائماً من دون عذر شرعي فلا تستحقّ النفقة عليه ، سواء خرجت الزوجة من عنده أم كانت معه في البيت ، أمّا لو امتنعت من التمكين في بعض الأحيان بلا عذر شرعي ، أو خرجت من بيتها دون إذنه

١٥٩

فلا تسقط نفقتها بذلك على الأحوط لزوماً ، وأمّا المهر فلا يسقط استحقاقها له إذا نشزت.

٢ ـ لو نشزت الزوجة سقط حقّها من المبيت والمواقعة كلّ أربعة أشهر ، ويستمر الحال كذلك ما دامت ناشزة وعاصيّة لزوجها ، فلو رجعت وتابت رجعت إليها هذه الحقوق مرّة اُخرى.

٣ ـ إذا عصت الزوجة زوجها وصارت ناشزة فيمكن للزوج أن يرجعها إلى طاعته ، وذلك بطرق متعدّدة ، يعمل بها تدريجاً ، فيعظها أوّلاً ، فإن لم تتعظ هجرها وأدار وجهه عنها في الفراش ، أو ترك النوم معها على فراش واحد إذا كان يشاركها في مضجعها من قبل أن تعصيه ، هذا إذا احتمل أن تعود لطاعته بالهجر.

فإن لم يؤثّر ذلك أيضاً ضربها إذا كان يأمل رجوعها إلى الطاعة ، ولا يجوز له أن يضربها ضرباً مبرّحاً(١) ، بل يكتفي بأقلّ مقدار يحتمل معه التأثير وحصول الغرض من الضرب ، الذي هو تركها النشوز.

وإن لم يجد في الضرب القليل فائدة تدرّج فيه الأقوى فالأقوى ، ولا يحقّ له أن يضربها حتّى يخرج الدم من بدنها ، أو يجعله أسود أو أحمر ، ويشترط أن يكون الضرب لإصلاحها لا التشفّي والانتقام منها ، كما يقوم بعض الرجال بضرب الزوجة سخطاً على أهلها أو أقربائها ; لأنّه لا يستطيع أن يصبّ غيظه إلاّ عليها !!!

ولو ضربها وأدّى إلى إدمائها أو اسوداد بدنها فعليه الغرامة ، كما هو المحدّد في باب الجنايات من نوع الجناية ومقدار الغرامة.

ولو لم تنفع معها هذه ، الإجراءات جميعاً ، وأصرّت على العصيان ، فلا يجوز

__________________

(١) الضرب المبرّح : هو الذي يترك الأثر على البدن.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300