أحكام المرأة و الاُسرة

أحكام المرأة و الاُسرة20%

أحكام المرأة و الاُسرة مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: المرأة
الصفحات: 300

أحكام المرأة و الاُسرة
  • البداية
  • السابق
  • 300 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159330 / تحميل: 6116
الحجم الحجم الحجم
أحكام المرأة و الاُسرة

أحكام المرأة و الاُسرة

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قطعة من خطابه جاء فيه بعد حمد الله والثناء عليه:

« أمّا بعد! فان هذا الطاغية ـ يعني معاوية ـ قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتهم، وشهدتم، وانّي أريد أن أسألكم عن شيء، فان صدقت فصدقوني وان كذبت فكذّبوني، اسمعوا مقالتي، واكتبوا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم، وقبائلكم، فمن أمنتم من الناس، ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا، فانّي أتخوّف أن يدرس هذا الأمر، ويغلب، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون ».

ويقول سُليم بن قيس: وما ترك الحسين شيئاً مما أنزله الله فيهم من القرآن إلاّ تلاه وفسّره، ولا شيئاً مما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أبيه وأخيه، وفي نفسه وأهل بتيه إلاّ رواه، وفي كل ذلك يقول أصحابه: اللهم نعم قد سمعنا وشهدنا، ويقول التابعي: اللهمّ قد حدّثني به من أصدقه، وأئتمنه من الصحابة، فقالعليه‌السلام : أنشدكم الله إلاّ حدّثتم به من تثقون به وبدينه »(١) .

وكان هذا أوّل مؤتمر سياسي عرفه المسلمون في ذلك الوقت، فقد شجب فيه الامام سياسة معاوية الهادفة إلى حجب المسلمين عن أهل البيتعليهم‌السلام وستر فضائلهم، وقد دعا الإمام حضّار ذلك المؤتمر إلى إشاعة مآثرهم، وإذاعة مناقبهم، وما ورد في حقّهم من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ليعرف المسلمون النوايا الشريرة التي يبّيتها معاوية ضدّ أهل البيت الذين هم العصب في جسم الأمة الإسلامية.

هلاك معاوية:

واستقبل معاوية الموت، ونفسه قلقة ومضطربة مما اقترفه من

__________________

(١) حياة الإمام الحسين ٢: ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

١٢١

الأحداث الجسام التي باعدت بينه وبين الله، فكان يقول متبرّماً: ويلي من ابن الأدبر ـ يعني حجر بن عدي ـ ان يومي منه لطويل، نعم ان يومه لطويل وان حسابه لعسير أمام الله لا في حجر فقط، وانّما لدماء المسلمين التي سفكها بغير حقّ، فقد قتل عشرات الآلاف من المسلمين، وأشاع في بيوتهم الثّكل والحزن والحداد، وهو الذي حارب دولة الإسلام، وأقام الدولة الأموية التي اتخذت مال الله دولاً، وعباد الله خولاً، وهو الذي سلّط على المسلمين عصابة من أشرار خلق الله أمثال زياد بن أبيه الذي أمعن في إذلال المسلمين، وظلمهم بغير حقّ، وهو الذي استخلف من بعده ولده يزيد صاحب الأحداث والموبقات في الإسلام، وشبيه جدّه أبي سفيان في اتجاهاته وميوله المعادية لله ولرسوله، وهو الذي دسّ السمّ إلى ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسبطه الإمام الزكي أبي محمدعليه‌السلام ، وهو الذي أعلن سبّ أهل البيت: على المنابر، وجعل ذلك جزءاً من حياة المسلمين العقائدية إلى غير ذلك من الموبقات التي اقترفها والتي تجعل حسابه شاقاً وعسيراً أمام الله.

وعلى أيّ حال فقد هلك معاوية فأهون به هالكاً ومفقوداً فقد انكسر باب الجور، وتضعضعت أركان الظلم، كما أبّنه بذلك الزعيم العراقي الكبير يزيد بن مسعود النهشلي، أما خليفته وولي عهده يزيد فلم يكن حاضراً عند وفاته، وإنما كان مشغولاً برحلات الصيد وعربدات السكر ونغمة العيدان.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن حكومة معاوية التي هي أثقل كابوس مرّ على العالم الإسلامي في ذلك العصر، وقد شاهد سيّدنا أبو الفضل العباسعليه‌السلام المآسي الرهيبة التي دهمت المسلمين في ظلال هذا الحكم.

١٢٢

مَعَ الثورة الحُسيْنيّة

١٢٣

١٢٤

ورافق أبو الفضل العباسعليه‌السلام الثورة الإسلامية الكبرى التي فجّرها أخوه أبو الأحرار وسيّد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام ، تلك الثورة العملاقة التي كانت من أهمّ الثورات العالمية، ومن أكثرها عطاءً لشعوب الأرض، فقد غيّرت مجرى التاريخ وهزّت العالم بأسره، وحرّرت الانسان المسلم، ودفعت القطعات الشعبية من المسلمين إلى التمرّد على الظلم، ومناهضة الجور والطغيان.

وقد ساهم قمر بني هاشم وفخر عدنان في هذه الثورة المباركة مساهمة إيجابية وفعّالة، وشارك أخاه الحسين في جميع فصولها، وقد وعى جميع أهدافها وما تنشده من خير ورحمة للشعوب المحرومة والمضطهدة، فآمن بها إيماناً مطلقاً.

لقد كان العبّاس أهمّ عضو بارز في هذه الثورة المشرقة، وقد لازم أخاه ممتثلاً لأمره، منفّذاً لرغباته، شادّاً لعضده، مؤمناً بقوله، مصدقاً لمبادئه، لم يفارقه في مسيرته الخالدة من يثرب إلى مكّة، ثم إلى أرض الكرامة والشهادة، ففي كل موقف من ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام ، كان العبّاس معه، وشريكاً له، ونتحدّث ـ عن بعض الفصول التأريخية لهذه الثورة العظمى التي كان العباس العلم البارز فيها.

 

١٢٥

رفض الامام الحسين لبيعة يزيد:

وأعلن الإمام الحسينعليه‌السلام رسمياً رفضه الكامل لبيعة يزيد، وذلك حينما استدعاه حاكم المدينة الوليد بن عقبة في غلس الليل، وقد فهم الإمام ما أراد منه، فاستدعى عضده وأخاه أبا الفضل العبّاس وسائر الفتية من أهل بيته ليقوموا بحمايته، وأمرهم بالجلوس في خارج الدار فاذا سمعوا صوته قد علا فعليهم أن يقتحموا الدار لانقاذه، ودخل الامام على الوليد فاستقبله بحفاوة وتكريم، ثم نعى إليه هلاك معاوية، وما أمره به يزيد من أخذ البيعة من أهل المدينة عامة ومن الحسين خاصة، فاستمهله الإمام حتى الصبح، ليجتمع الناس، وقد أراد أن يعلن أمامهم رفضه الكامل لبيعة يزيد، ويدعوهم إلى التمرّد على حكومته، وكان مروان بن الحكم الذي هو من رؤوس المنافقين، ومن أعمدة الباطل حاضراً، فاندفع لاشعال نار الفتنة، فصاح بالوليد:

« لئن فارقك الساعة، ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، أحبسه فان بايع، وإلاّ ضربت عنقه ».

ووثب أبي الضيم في وجه مروان، فقال محتقراً له:

« يا بن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو؟، كذبت والله ولؤمت ».

ثم التفت أبو الأحرار إلى الوليد فأخبره عن عزمه، وتصميمه في رفضه لبيعة يزيد قائلاً:

«أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع

١٢٦

مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة »(١) .

لقد أعلن الإمام رفضه لبيعة يزيد في بيت الامارة ورواق السلطة، وهو غير حافل بالحكم القائم، فقد وطّن نفسه على التضحية والفداء لينقذ المسلمين من حكم إرهابي عنيف يستهدف إذلالهم، وإرغامهم على ما يكرهون.

لقد كان أبو الأحرار عالماً بفسق يزيد وفجوره ومروقه من الدين، ولو أقرّ لحكومته لساق المسلمين إلى الذلّ والعبودية، وعصف بالعقيدة الإسلامية في متاهات سحيقة من مجاهل هذه الحياة، ولكنّه سلام الله عليه صمد في وجه الاعاصير هازئاً من الحياة، ساخراً من الموت، فبنى للمسلمين عزّاً شامخاً، ومجداً رفعياً، ورفع كلمة الإسلام عالية في الأرض.

إلى مكّة المكرّمة:

وصمّم أبو الأحرار على مغادرة يثرب، والتوجه إلى مكّة المكرّمة ليتّخذ منها مقرّاً لبثّ دعوته، ونشر أهداف ثورته، ويدعو المسلمين إلى الانتفاضة على الحكم الأموي الذي يمثّل الجاهلية بجميع أبعادها الشريرة، وقبل أن يتوجّه إلى مكّة خفّ إلى قبر جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو حزين قد أحاطت به الأزمات فشكى إليه ما ألمّ به من المحن والبلوى، ثم توجّه إلى قبر سيّدة النساء أمّه الزكيّة فألقى عليها نظرات الوداع الأخير، وزار بعد ذلك قبر أخيه الزكيّ أبي محمدعليه‌السلام ثم توجّه مع جميع أفراد عائلته إلى مكّة التي هي

__________________

(١) حياة الإمام الحسين ٢: ٢٥٥.

١٢٧

حرم الله ليعوذ ببيتها الحرام الذي فرض الله فيه الأمن لجميع عباده، وكان أخوه أبو الفضل إلى جانبه قد نشر رايته ترفرف على رأسه، وقد تولّى جميع شؤونه وشؤون عائلته، وقام خير قيام بما يحتاجون إليه.

وسلك أبو الأحرار في مسيره الطريق العام فأشار عليه بعض من كان معه بأن يحيد عنه ـ كما فعل ابن الزبير ـ مخافة أن يدركه الطلب من السلطة فأجابه بكل شجاعة وثقة في النفس:

« لا والله ما فارقت هذا الطريق، أو أنظر إلى أبيات مكة حتى يقضي الله في ذلك ما يحبّ ويرضى ».

وانتهى ركب الإمام إلى مكّة ليلة الجمعة لثلاث ليال مضين من شعبان وحطّ رحله في دار العبّاس بن عبد المطلب، وقد احتفى به المكّيون خير احتفاء، وجعلوا يختلفون إليه بكرة وعشية، وهم يسألونه عن أحكام دينهم، وأحاديث نبيّهم، كما توافد لزيارته القادمون إلى بيت الله الحرام من الحجّاج والمعتمرين من سائر الآفاق، ولم يترك الإمامعليه‌السلام لحظة تمرّ من دون أن يبثّ الوعي الديني والسياسي في نفوس زائريه من المكيّين وغيرهم، ويدعوهم إلى التمرّد على الحكم الأموي الذي عمد على إذلالهم وعبوديتهم.

فزع السلطة بمكّة:

وفزعت السلطة المحلّية بمكة من قدوم الإمام إليها، واتخاذها مقراً لدعوته، ومركزاً لإعلان ثورته، وكان حاكم مكّة الطاغية عمرو بن سعيد الأشدق، فقد رأى بنفسه تزاحم المسلمين على الإمام، وسمع ما يقولونه ان الإمام أولى بالخلافة الإسلامية وأحقّ بها من آل أبي سفيان الذين لا

١٢٨

يرجون لله وقاراً، فخف مسرعاً نحو الإمام فقال له بغيظ:

« ما أقدمك إلى البيت الحرام؟.. ».

وكأن بيت الله العظيم ملك لبني أميّة، وليس هو لجميع المسلمين، فأجابه الإمام بثقة وهدوء:

« أنا عائذ بالله، وبهذا البيت ».

ورفع الطاغية بالوقت رسالة إلى سيّده يزيد بن معاوية أحاطه بها علماً بمجيء الامام إلى مكّة، واختلاف الناس إليه، والتفافهم حوله، وان ذلك يشكّل خطراً على حكومته، ففزع يزيد كأشدّ ما يكون الفزع حينما قرأ رسالة الأشدق فرفع في الوقت مذكّرة إلى ابن عباس يتهدّد فيها الحسين على تحرّكه، ويطلب منه التدخّل فوراً لإصلاح الأمر وحجب الحسين عن مناهضته، فأجابه ابن عبّاس برسالة، نصحه فيها بعدم التعرّض للحسين، وانه انّما هاجر إلى مكّة فراراً من السلطة المحلّية في يثرب التي لم ترع مكانته، ومقامه.

ومكث الإمامعليه‌السلام في مكّة، والناس تختلف إليه، وتدعوه إلى إعلان الثورة على الأمويين، وكانت مباحث الأمن تراقبه أشدّ ما تكون المراقبة، وتسجّل جميع تحرّكاته ونشاطاته السياسية، وما يدور بينه وبين الوافدين عليه، وتبعث بجميع ذلك إلى دمشق لاطلاع يزيد عليه.

تحرّك الشيعة في الكوفة:

وحينما أشيع هلاك معاوية في الكوفة أعلنت الشيعة أفراحها بموته وعقدوا مؤتمراً شعبياً في بيت أكبر زعمائهم، وهو سليمان بن صرد الخزاعي، واندفعوا إلى إعلان الخطب الحماسية فيها وقد عرضوا بصورة

١٢٩

شاملة إلى ما عانوه من الاضطهاد والتنكيل، في أيّام معاوية، وأجمعوا على بيعة الإمام الحسين، ورفض بيعة يزيد، وأرسلوا في نفس الوقت وفداً منهم ليحثّ الإمام على القدوم إلى مصرهم لتشكيل حكومته ليعيد لهم الحياة الكريمة التي فقدوها في ظلال الحكم الأموي ويبسط في بلادهم الأمن والرخاء، وترجع بلدهم عاصمة للدولة الإسلامية كما كانت أيّام أبيه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان من بين ذلك الوفد عبد الله البجلي، وأخذ الوفد يسرع في سيره حتّى انتهى إلى مكّة، فعرض على الامام مطاليب أهل الكوفة، وألحّوا عليه بالاسراع إلى القدوم إليهم.

رسائل الكوفة:

ولم يكتف الكوفيون بالوفد الذي بعثوه إلى الإمام، وانّما عمدوا إلى إرسال آلاف الرسائل إليه أعربوا فيها عن عزمهم الجادّ على نصرته، والوقوف إلى جانبه، وانّهم يفدونه بأرواحهم وأموالهم، ويطلبون منه الإسراع إلى مصرهم ليشكّل فيه دولة القرآن والإسلام التي هي غاية آمالهم وحملوا الإمام المسؤولية أمام الله والتأريخ إن لم يستجب لدعوتهم.

ورأى الإمامعليه‌السلام أنّه قد قامت عليه الحجّة الشرعية، وان الواجب يحتّم عليه إجابتهم.

إيفاد مسلم إلى الكوفة:

ولمّا تتابعت الوفود والرسائل من أهل الكوفة على الإمام، وهي تحثّه على القدوم إليهم، لم يجد بُدّاً من إجابتهم، فأوفد إليهم ثقته وكبير أهل بيته، والمبرز من بينهم بالفضيلة وتقوى الله ابن عمّه مسلم بن عقيل،

١٣٠

وكانت مهمّته خاصة ومحدودة، وهي الوقوف على واقع الكوفيين، ومعرفة أمرهم، فان صدقوا فيما قالوا توجّه الإمام إليهم وأقام في مصرهم دولة القرآن.

ومضى مسلم يجد في السير لا يلوي على شيء حتى انتهى إلى الكوفة فنزل في بيت زعيم من زعماء الشيعة، وسيف من سيوفهم، وهو المختار بن أبي عبيدة الثقفي، الذي كان يتمتّع بخبرة سياسية واسعة، وشجاعة فائقة، ودراية تامة بالشؤون النفسية والاجتماعية، وقد فتح المختار أبواب داره إلى مسلم، وصار بيته مركزاً للسفارة الحسينيّة. ولما علمت الشيعه بقدوم مسلم سارعوا إليه مرحّبين به، ومقدمين له جميع ألوان الحفاوة والدعم، والتفوا حوله، طالبين منه أن يأخذ منهم البيعة للإمام الحسينعليه‌السلام ، واستجاب لهم مسلم ففتح سجلاً للمبايعين وقد أحصي عددهم في الأيام القليلة بما يزيد على ثمانية عشر ألفاً، وفي كل يوم يزداد عدد المبايعين منهم، وألحّوا عليه أن يراسل الإمام بالإسراع إلى القدوم إليهم ليتولّى قيادة الأمة، ومن الجدير بالذكر أن السلطة المحليّة في الكوفة كانت على علم بمجريات الثورة، وقد وقفت منها موقف الصمت، فلم تتخذ أي اجراءات ضدّها، ويعود السبب في ذلك إلى ان حاكم الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري كان من المنحرفين عن يزيد بسبب مواقفه المعادية للأنصار، ومضافاً إلى ذلك فان ابنته كانت زوجة المختار الذي استضاف مسلماً ووقف إلى جانبه.

ومن الطبيعي أنّه لم يرق لعملاء الأمويين وأذنابهم موقف النعمان المتّسم بالليونة وعدم المبالاة بالثورة، فبادروا إلى الاتصال بدمشق، وعرّفوا يزيد بموقف النعمان، وطلبوا المبادرة بإقصائه، وتعيين حاكماً حازماً

١٣١

يستطيع القضاء على الثورة، وإخضاع الجماهير إلى حكمه، وفزع يزيد من الأمر، فأرسل إلى مستشاره الخاص سرجون، وكان دبلوماسياً محنّكاً، فعرض عليه ما ألمّ به وطلب منه أن يرشده إلى حاكم يتمكّن من السيطرة على الأوضاع المتفجّرة في الكوفة، فأشار عليه بتولّيه الإرهابي عبيدالله بن زياد فانّه شبيه بأبيه في التجرّد من كلّ نزعة إنسانية، وعدم المبالاة في اقتراف أبشع الجرائم، فاستجاب يزيد لرأيه، وكتب لابن زياد مرسوماً بولايته على الكوفة بعد أن كان والياً على البصرة فقط، وبذلك فقد أصبح العراق كلّه خاضعاً لسيطرته، وأصدر إليه الأوامر المشدّدة بالإسراع إلى الكوفة لاستئصال الثورة، والقضاء على مسلم.

سفر ابن زياد إلى الكوفة:

وحينما تسلّم ابن زياد المرسوم في ولايته على الكوفة توجّه إليها فوراً، وأخذ يجد في السير لا يلوي على شيء مخافة أن يسبقه إليها الإمام الحسينعليه‌السلام ، وحينما أشرف على الكوفة غيّر ملابسه، ولبس ثياباً يمانية وعمامة سوداء ليوهم على الكوفيين أنّه الامام الحسين، وقد اعتقدوا بذلك فأحاطوا به مرحّبين بقدومه، وهاتفين بحياته، فاستاء ابن زياد من ذلك كأشدّ ما يكون الاستياء، وأسرع في سيره مخافة أن ينكشف أمره، فيقتل، ولما انتهى إلى قصر الامارة، وجد الباب مغلقاً فطرقه فأشرف عليه النعمان، وقد توهّم أنه الامام الحسينعليه‌السلام فانبرى يخاطبه بلطف قائلاً:

« ما أنا بمؤدّ إليك أمانتي يا بن رسول الله، وما لي في قتالك من ارب » ..

فصاح به ابن مرجانة:

« افتح لا فتحت فقد طال ليلك ».

١٣٢

وعرفه بعض من كان خلفه فصاح بالجماهير:

« انّه ابن مرجانة، وربّ الكعبة ».

وكان ذلك الصاعقة على رؤوسهم فولّوا منهزمين إلى دورهم، وقد ملئت قلوبهم خوفاً ورعباً، وبادر الطاغية نحو القصر فاستولى على المال والسلاح، وأحاط به عملاء الأمويين أمثال عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن، ومحمد بن الأشعث وغيرهم من وجوه الكوفة فجعلوا يحدثونه عن الثورة، ويعرفونه بأعضائها البارزين، ويضعون معه المخططات الرهيبة للقضاء عليها.

ولمّا أصبح الصبح جمع ابن مرجانة الناس في المسجد الأعظم، فأعلمهم بولايته على مصرهم، ومنّى أهل الطاعة بالصلة، وأهل المعصيّة بالعقاب الصارم ثم عمد إلى نشر الخوف والإرهاب بين الناس، وقد أمسك جماعة لم يجر معهم أي تحقيق فأمر بإعدامهم، وملأ السجون بالمعتقلين، واتخذ من ذلك وسيلة للسيطرة على البلاد.

ولمّا علم مسلم بقدوم ابن مرجانة، وما قام به من الأعمال الإرهابية تحوّل من دار المختار إلى دار الزعيم الكبير هانئ بن عروة، وهو سيّد الكوفة، وزعيمها المطاع، وقد عرف بالولاء والمودّة لأهل البيتعليهم‌السلام ، وقد استقبله هانئ بحفاوة وتكريم، ورحّب به كأعظم ما يكون الترحيب وفتح داره على مصراعيها لشيعة مسلم، واتخاذ القرارات لدعم الثورة، ومناهضة خصومها.

المخطّطات الرهيبة:

واتّخذ ابن مرجانة سلسلة من المخططات أدّت إلى نجاحه في الميادين السياسية، والتغلّب على الأحداث، فبعد أن كانت الكوفة تحت

١٣٣

قبضة مسلم انقلبت رأساً على عقب، وصارت مع ابن زياد، ومن بين تلك المخططات التي تمّ تنفيذها ما يلي:

التجسّس على مسلم:

وأول بادرة سلكها ابن مرجانة هي التجسس على مسلم، ومعرفة نشاطاته السياسية، والاحاطة بنقاط الضعف والقوة عنده والوقوف على جميع ما يجري عنده من الأحداث، وقد اختار للقيام بهذه المهمة مولاه معقلاً، وكان فطناً ذكياً ذا معرفة بالسياسة الماكرة، وأعطاه ثلاثة آلاف درهم، وأمره بالاتصال بأعضاء الثورة، وإعلامهم بأنه من الموالي الذين عرف أكثرهم بالولاء لأهل البيتعليهم‌السلام ، وانه قد جاء إلى مصرهم حينما بلغه أن داعية الإمام الحسينعليه‌السلام قدم إليهم ليأخذ البيعة منهم له، وان عنده مالاً ليوصله له ليستعين به على حرب عدوّه.

ومضى معقل في مهمته، وجعل يفتّش عمن له معرفة بسفير الحسين فأرشد إلى مسلم بن عوسجة وهو من أعلام الشيعة، وأحد القادة الطليعيين في الثورة، فاتصل به، وأظهر له الولاء المزيّف لأهل البيت، والتعطّش الكاذب لرؤية سفيرهم مسلم، فانخدع ابن عوسجة بكلامه، وغرّه تلهّفه المصطنع لرؤية داعية الحسين، فأدخله على مسلم فبايعه، وأخذ المال منه، وجعل يتردّد عليه في كل يوم فكان ـ فيما يقول المؤرّخون أوّل داخل عليه، وآخر خارج عنه، وقد وقف على جميع شؤون الثورة، وعرف أعضاءها، والمتحمّسين لها وما يستجدّ فيها من شؤون، وكان ينقل ذلك حرفياً إلى سيّده ابن مرجانة وبذلك فقد أحاط بجميع مجريات الأحداث، ولم يخف عليه أي شيء منها.

١٣٤

اعتقال هانئ:

وقدم ابن زياد على أخطر عملية كُتب له فيها النجاح لتنفيذ مخططاته، فقد قام باعتقال هانئ بن عروة سيد الكوفة، والزعيم الأوحد لقبائل مذحج التي كانت تشكّل الأكثرية الساحقة من سكّان الكوفة، وقد أشاع بذلك موجة من الخوف والإرهاب عند جميع الكوفيين، كما وجّه ضربة قاسية ومدمّرة للثورة فقد استولى الرعب والفزع على انصار مسلم، ومنوا بهزيمة نفسية ساحقة وعلى أي حال فان هانئ حينما مثل أمام الطاغية استقبله بشراسة وعنف وطلب منه بالفور تسليم ضيفه الكبير مسلم، فأنكر هانئ أن يكون عنده لأنّه أحاط أمره بكثير من السرية والكتمان، فأمر ابن زياد بإحضار الجاسوس معقل، فلما حضر سقط ما في يد هانئ وأطرق برأسه إلى الأرض. ولكن سرعان ما سيطرت شجاعته على الموقف، فانتفض كالأسد ساخراً من ابن زياد ومتمرداً على سلطته، فامتنع كأشدّ ما يكون الامتناع من تسليم ضيفه إليه لأنّه بذلك يسجّل عاراً وخزياً عليه، فثار الطاغية في وجهه، وثم أمر غلامه مهران أن يدنيه منه، فأدناه، فاستعرض وجهه المكرم بالقضيب، وضربه ضرباً عنيفاً حتى كسر أنفه، ونثر لحم خدّيه وجنبيه على لحيته حتى تحطّم القضيب، وسالت الدماء على ثيابه، ثم أمر باعتقاله في أحد بيوت القصر.

انتفاضة مذحج:

ولمّا شاع اعتقال هانئ اندفعت قبائل مذحج نحو قصر الامارة، وقد قاد جموعها الانتهازي القذر عمرو بن الحجاج، وهو من أذناب السلطة

١٣٥

ومن أحقر عملائها، وقد رفع عقيرته ليسمعه ابن زياد قائلاً:

« أنا عمرو بن الحجاج، وهذه فرسان مذحج، ووجوهها لم نخلع طاعة، ولم نفارق جماعة ».

وحفل كلامه بالخنوع والمسالمة للسلطة، وليس فيه أي اندفاع لإنقاذ هانئ، وانّما فيه التأييد والدعم لابن زياد، ولذا لم يكترث به، وأوعز إلى شريح القاضي، وهو من وعاظ السلاطين، ومن دعائم الحكم الأموي فأمره أن يدخل على هانئ، ويخرج لهم، ويخبرهم بأنّه حيّ سالم وانّه يأمرهم بالانصراف إلى منازلهم، ودخل على هانئ فلما بصر به صاح مستجيراً:

« يا للمسلمين أهلكت عشيرتي!! أين أهل الدين، أين أهل المصر، أيخلوني وعدوهم ».

والتفت إلى شريح، وقد سمع أصوات أسرته قائلاً:

« يا شريح انّي لأظنّها أصوات مذحج وشيعتي من المسلمين، انّه إن دخل عليَّ عشرة نفر أنقذوني ».

وخرج شريح الذي باع آخرته وضميره على ابن مرجانة، فقال لمذحج:

« نظرت إلى صاحبكم، انّه حي لم يقتل ».

وبادر ابن الحجاج عميل الأمويين وخادمهم فرفع صوته لتسمعه مذحج قائلاً:

« إذا لم يقتل فالحمد لله ».

وولّت قبائل مذحج منهزمة كأنّما أتيح لها الخلاص من سجن، وقد صحبت معها الخيانة والخزي، ومن المؤكّد أن هزيمة مذحج بهذه السرعة كانت نتيجة اتفاق سرّي بين زعمائها وبين ابن مرجانة للقضاء على هانئ،

١٣٦

ولولا ذلك لهجمت على السجن وأخرجته.

لقد تنكّرت مذحج لزعيمها الكبير الذي كان محسناً عليها فلم تف بحقوقه، وتركته أسيراً بيد الإرهابي ابن مرجانة، وهو يمعن في إذلاله وقهره، في حين أن مذحج كانت لهم السيادة على الكوفة.

ثورة مسلم:

ولما علم مسلم ما جرى على هانئ العضو البارز في الثورة من الاعتداء والاعتقال، بادر إلى اعلان الثورة على ابن زياد، فأوعز إلى أحد قاده جيشه عبد الله بن حازم أن ينادي في أصحابه، وقد ملأ بهم الدور، فاجتمع إليه زهاء أربعة آلاف مقاتل أو أربعون ألفاً، كما في رواية أخرى، وتعالت أصواتهم بشعار المسلمين يوم بدر « يا منصور أمت ».

وقام مسلم بتنظيم جيشه فاسند القيادات العامة إلى من عرفوا بالولاء والإخلاص لأهل البيتعليهم‌السلام ، وزحف بجيشه نحو قصر الإمارة، وكان ابن زياد قد خرج إلى الجامع، وقد ألقى خطاباً على الجماهير تهدّد فيه على كل من يخلع يد الطاعة، ويناهض الدولة، وحينما أنهى خطابه سمع الضجّة وأصوات الثوّار وهتافاتهم بسقوطه فهاله ذلك، وسأل عن السبب فأخبر أن مسلم بن عقيل قد أقبل في جمهور من شيعته لحربه، ففزع الجبان، واختطف الرعب لونه، وأسرع نحو القصر يلهث كالكلب من شدّة الفزع والخوف وضاقت عليه الدنيا إذ لم تكن عنده قوة عسكرية تحميه سوى ثلاثين شرطياً وعشرين رجلاً من أشراف الكوفة الذين عرفوا بالعمالة للأمويين.

وتضاعف جيش مسلم، وقد نشروا الاعلام والسيوف، ودقّت طبول

١٣٧

الحرب، وأيقن الطاغية بالهلاك إذ لم يكن يأوي إلى ركن شديد.

حرب الأعصاب:

وأمعن الطاغية في أقرب الوسائل، وأكثرها ضماناً لإنقاذه فرأى أن لا طريق له سوى حرب الأعصاب، ونشر الدعايات الكاذبة، وكان عالماً بتأثيرها على نفوس الكوفيين، فأوعز إلى عملائه من أشراف الكوفة ووجوهها أن يندسّوا بين صفوف جيش مسلم، فيذيعون الإرهاب، وينشرون الخوف، وانطلق العملاء بين قطعات جيش مسلم، فأخذوا يبثّون الأراجيف والكذب، وتناولت دعاياتهم ما يلي:

أ ـ تهديد أصحاب مسلم بجيوش أهل الشام، وانّها سوف تنكل بهم إن بقوا مصرّين على متابعة مسلم.

ب ـ ان الحكومة سوف تقطع مرتباتهم وتحرمهم من جميع مواردهم الاقتصادية.

ج ـ إن الدولة ستزجّ بهم في مغازي أهل الشام.

د ـ إن الحكومة ستعلن فيهم الأحكام العرفية، وتسوسهم بسياسة زياد بن أبيه التي تحمل اشارات الموت والدمار.

وكانت هذه الاشاعات كالقنابل على رؤوسهم، فقد انهارت أعصابهم واضطربت قلوبهم، وجبنوا كأبشع ما يكون الجبن، وولّوا منهزمين على أعقابهم، وهم يقولون:

« ما لنا والدخول بين السلاطين ».

ولم يمض قليل من الوقت حتى فرّ معظمهم، وبقي ابن عقيل مع جماعة قليلة وقصد بهم نحو الجامع الأعظم ليؤدّي صلاة العشائين، ففرّوا

١٣٨

منهزمين في أثناء الصلاة، فقد قذف في قلوبهم الرعب، وسرت فيهم أوبئة الخوف، وما أنهى ابن عقيل صلاته حتى انهزموا جميعاً ولم يبق معه إنسان يدلّه على الطريق أو يأويه، وقد لبس الكوفيون بذلك ثياب العار والخزي، وأثبتوا أن ولاءهم لأهل البيت: كان عاطفياً، وغير مستقرّ في دخائل قلوبهم، وأعماق نفوسهم وأنّهم لا ذمّة ولا وفاء لهم.

وسار مسلم فخر بني هاشم متلدّداً في أزقّة الكوفة، وشوارعها يلتمس فيها داراً لينفق فيه بقية الليل، فلم يظفر بذلك، فقد خلت المدينة من المارة، كأنّما أعلن فيها منع التجول، فقد أغلق الكوفيون عليهم الأبواب مخافة أن تعرفهم مباحث الأمن، وعيون ابن زياد بأنّهم كانوا مع ابن عقيل فتلقي عليهم القبض، وتعرّضهم للتنكيَل وسوء العذاب.

في ضيافة طوعة:

وبقي ابن عقيل حائراً لا يدري إلى ابن مأواه وملجئه، فقد أحاطت به تيّارات من الهموم، وكاد قلبه أن ينفجر من شدّة الألم العاصف واستبان له انّه ليس في المصر رجل شريف يقوم بضيافته وحمايته، ومضى متلدّداً في أزقّة الكوفة، وانهى به السير إلى سيّدة كريمة، يقال لها طوعة هي سيّدة من في المصر بما تملكه من إنسانية وشرف ونبل، وكانت واقفة على باب دارها تنتظر قدوم ابنها، وهي فزعة عليه، من الأحداث الرهيبة التي مُني بها المصر، ولما رآها مسلم بادر نحوها فسلّم عليها، فردّتعليه‌السلام ، ووقف مسلم، فأسرعت قائلة:

« ما حاجتك؟ ».

« اسقيني ماءاً ».

١٣٩

وبادرت السيدة فجاءته بالماء فشرب منه، ثم جلس فارتابت منه فقالت له:

« ألم تشرب الماء؟.. ».

« بلى ».

« اذهب إلى أهلك ان مجلسك مجلس ريبة ».

وسكت مسلم فأعادت عليه القول، وطلبت منه الانصراف من باب دارها ومسلم ساكت، فذعرت منه، وصاحت به:

« سبحان الله!! إنّي لا أحلّ لك الجلوس على بابي ».

ولمّا حرّمت عليه الجلوس نهض، وقال لها بصوت خافت حزين النبرات:

« ليس لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة، فهل لك إلي أجر ومعروف أن تقومي بضيافتي في هذه الليلة، ولعلّي أكافئك بعد هذا اليوم ».

وشعرت المرأة بأن الرجل غريب، وانّه ذو شأن كبير، ومكانه عظمى، وانّه سيقوم بمكافئتها إن أسدت عليه إحساناً ومعروفاً فبادرته قائلة:

« ما ذاك يا عبد الله؟!! »

فقال لها وعيناه تفيضان دموعاً:

« أنا مسلم بن عقيل كذّبني القوم وغرّوني ».

فذهلت السيّدة، وقالت في دهشة وإكبار:

« انت مسلم بن عقيل؟. ».

« نعم ».

وسمحت السيّدة بخضوع وإكبار لضيفها الكبير بتشريف منزلها وقد

١٤٠

وبعد تعيين المدّة والمهر قالت المرأة مخاطبة الرجل : ( أنكحتك نفسي ، أو أنكحت نفسي منك أو لك في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم ) فقال الرجل : ( قبلت النكاح ) صح العقد ، وكذا إذا قالت المرأة : ( زوّجتك نفسي ، أو زوّجت نفسيّ منك في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم ) فقال الرجل : ( قبلت التزويج ) وهكذا إذا قالت المرأة : ( متّعتك نفسي إلى الأجل المعلوم بالصداق المعلوم ) فقال الرجل : ( قبلت المتعة ).

٤ ـ لو وكّلا غَيرهما وكان اسم الرجل أحمد واسم المرأة فاطمة مثلاً ، فقال وكيل المرأة : ( أنكحتُ موكِّلَك أحمد موَكّلَتي فاطمة ، أو أنكحت موَكّلَتي فاطمة موكِّلِك ، أو من موكِّلِك ، أو لموكِّلِك أحمد في المدّة المعيّنة على الصداق المعلوم ) فقال وكيل الزوج : ( قبلت النكاح لموكّلي أحمد في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم ) صح العقد.

وكذا لو قال وكيلها : ( زوّجت موكِّلَك أحمد موكِّلَتي فاطمة ، أو زوّجت موكِّلَتي فاطمة موكّلَك ، أو من موكّلِك ، أو بموكّلِك أحمد في المدّة المعيّنة على الصداق المعلوم ) فقال وكيله : ( قبلت التزويج لموكّلي أحمد في المدّة المعيّنة على الصداق المعلوم ).

وهكذا لو قال وكيلها : ( متّعتُ موكَّلَك أحمد موَكّلَتي فاطمة إلى الأجل المعلوم بالصداق المعلوم ) ، فقال وكيل الزوج : ( قبلتُ المتعة لموكّلي أحمد إلى الأجل المعلوم بالصداق المعلوم ).

ولو كان المباشر للعقد وليهما ، فقال ولي المرأة : ( أنكحت ابنك أو حفيدك أحمد ابنتي أو حفيدتي فاطمة ، أو أنكحت ابنتي أو حفيدتي فاطمة ابنك أو

١٤١

حفيدك ، أو من ابنك أو حفيدك ، أو لإبنك أو حفيدك أحمد في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم ) أو قال ولي المرأة : ( زوّجت ابنك أو حفيدك أحمد ابنتي أو حفيدتي فاطمة ، أو زوّجت ابنتي أو حفيدتي فاطمة ابنك أو حفيدك ، أو من ابنك أو حفيدك أو بابنك أو حفيدك أحمد في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم ) أو قال ولي المرأة : ( متّعتُ ابنك أو حفيدك أحمد ابنتي أو حفيدتي فاطمة إلى الأجل المعلوم بالصداق المعلوم ) فقال وليّ الزوج : ( قبلت النكاح أو التزويج أو المتعة لابني أو لحفيدي أحمد في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم ) صح العقد.

٥ ـ كلّ من لا يجوز نكاحها دواماً ، سواء كان عيناً كالزواج من أُم الزوجة ، أو جمعاً كالزواج من الأُختين ، ذاتاً كالأُخت والعمّة والخالة ، أو عرضاً كالتي تَحرم بالرّضاعة مثلاً لا يجوز نكاحها متعة حتّى بنت أخ الزوجة أو بنت أختها فلا يجوز التمتع بهما من دون إذن الزوجة التي تكون عمّتها أو خالتها ، نعم لا بأس بالتّمتع بالنصرانيّة واليهوديّة متعة(١) وإن كان لا يجوز الزواج منهما دواماً على الأحوط وجوباً كما مر.

٦ ـ يشترط في النكاح المؤقّت ذكر المهر ، فلو عقد بلا ذكر في العقد عمداً أو جهلاً أو نسياناً أو غفلة ، أو لغير ذلك بطل ، وكذا لو جعل المهر ممّا لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير وكذلك لو جعله من مال الغير مع عدم إذنه وردّه بعد العقد.

٧ ـ يجوز أن يجعل المهر عيناً خارجيةً كقطعة أرض مثلاً ، أو كليّاً في الذمّة كألف دينار ، كما يصح أن يجعل المهر منفعة كإجارة بيت أو محلّ عمل ، أو أن يكون المهر عملا محلّلا صالحاً للعوضيّة وإعطاء الأُجرة ، وكذلك يجوز أن يكون حقّاً من

__________________

(١) ويشترط فيه إذن الزوجة المسلمة بل الأحوط وجوباً الترك حتى مع رضاها كما مر.

١٤٢

الحقوق الماليّة القابلة للانتقال ، كحقّ التحجير مثلاً ، كما إذا وجد أرضاً مواتاً فجعل لها جداراً حتّى لا يتصرّف فيها أحد فعملُه هذا مقدّمة لإحياء هذه الأرض.

٨ ـ يعتبر أن يكون المهر في الزواج المؤقّت معلوماً ، فلا تصح المتعة بالمهر المجهول ، فالأحوط وجوباً أن يكون معلوماً على النحو المعتبر في المعاوضات ، بأن يكن معلوماً بالكيل إذا كان مكيلاً ، وبالوزن إذا كان موزوناً ، وبالعدّ كذلك إذا كان معدوداً ، وبالمشاهدة فيما يعتبر فيه المشاهدة.

٩ ـ لا تقدير للمهر شرعاً بل يصح بأيّ مقدار تراضيا عليه ، قليلاً كان أم كثيراً ، ولو كان كفّاً من الطعام.

١٠ ـ تملك المرأة المتمتّع بها تمام المهر بالعقد ، ولكن استقراره بتمامه مشروط بعدم إخلالها بالتمكين الواجب عليها بمقتضى العقد ، فلو أخلّت به ولم تمكّنه من نفسها في بعض المدّة ، فيحقّ له أن ينقص من مقدار المهر بنسبة ما أخلّت من المدّة ، فإذا أخلّت مثلاً بنصف مدّة نكاحها فينقص النصف ، وإذا كان ثلثاً من المدّة فينقص الثلث من المهر ، وهكذا.

وأمّا الأيام التي يحرم عليها التمكين بالوطء فيها كالحيض ، وكذا ما يحرم فيه الوطء على الزوج دونها كحال إحرامه فلا ينقص من المهر شيء ، وكذا فترات عدم تمكينها لعذر يتعارف حصوله للمرأة خلال المدّة المعيّنة للعقد من مرض مدنف(١) أو سفر لازم أو غيرهما.

١١ ـ لو خاف الزوج من تخلّف الزوجة المتمتّع بها عن التمكين في تمام المدّة ، جاز له تقسيط المهر ودفعه إليها أقساطاً حسبما تمكّنه من نفسها.

__________________

(١) مدنف ، من دَنِفَ المريض بالكسر ، أي ثقل ، فهوُ مدنِفٍ ومُدْنَف ، الصحاح ٤ : ١٣٦١ « دنف ».

١٤٣

١٢ ـ لو حُبس الزوج أو سافر أو مرض مثلاً أو مات أو تركها اختياراً حتى مضت المدّة المحدّدة للنكاح حين العقد ولو بتمامها ، لا يسقط من المهر شيء وإن كان ذلك قبل الدخول ، وكذا لا يسقط من المهر شيء لو ماتت هي أثناء المدّة على الأحوط وجوباً.

١٣ ـ لو وهبها المدّة ولم يكملها معها ، فإن كان ذلك قبل الدخول يجب عليه أن يعطي نصف المهر ، وإن كان بعده أعطى جميع المهر حتّى وإن مضت من المدّة ساعة وبقيت منها شهور أو أعوام.

١٤ ـ لو تبيّن فساد العقد بأن ظهر للمرأة المتمتّع بها زوج ، أو كانت أُخت زوجة الرجل الذي يريد أن يتمتّع بها أو أمّها مثلاً ، فلا تستحقّ المهر قبل الدخول ، ولو كانت قد أخذته المرأة أرجعته إليه ، ولو تلف وجب عليها إعطاء بدله ، وكذلك الحال لو دخل بها وكانت عالمة بفساد العقد ، وأمّا إن كانت جاهلة بفساد العقد فلها أقلّ الأمرين من المهر المسمّى ومهر المثل في الزواج المؤقت لا الدائمي ، فلو كان المهر المسمّى خمسة آلاف ديناراً ومهر المثل الذي يعطى للمرأة المتمتّع بها عادة أربعة آلاف ديناراً مثلاً فيعطيها أربعة آلاف ، فإن كان الذي أخذته أكثر من المقدار أرجعت الباقي.

١٥ ـ يشترط في النكاح المؤقت ذكر المدّة ، فلو لم يذكرها عمداً أو نسياناً أو غفلةً أو حياءً أو لسبب آخر ، بطل العقد متعة بل ودائماً أيضاً.

١٦ ـ لا تقدير للأجل في العقد المؤقت شرعاً ، بل هو إليهما يتراضيان على ما أرادا ، طال أو قصر ، نعم لا يجوز جعله أزيد من محتمل عمر أحد الزوجين أو عمرهما معاً ، ولو جعلاه أزيد من ذلك بطل العقد ، كما يشكل جعله أقلّ من مدّة تسع شيئاً من الاستمتاع بالنسبة إليهما ، ومن هنا يشكل العقد على الصغير أو الصغيرة مع

١٤٤

عدم قابلية المدّة المعيّنة للاستمتاع فيها من الصغيرة ، أو لاستمتاع الصغير فيها بوجه.

١٧ ـ لا بدّ في الأجل أن يكون معيّناً بالزمان بنحو لا يحتمل الزيادة ولا النقصان ، فلو كان مقدّراً بالمرّة أو المرّتين من دون تقدير بالزمان ، أو كان مقدّراً بزمان مجهول ، كشهر من السنة أو يوم من الشهر ، أو كان مردّداً بين الأقلّ والأكثر كشهر أو شهرين أو قدوم الحاج أو نضوج الثمرة بطل العقد ، نعم لا بأس بما يكون مضبوطاً في نفسه وإن توقّف تشخيصه على الفحص.

١٨ ـ بعض الأشهر الهلاليّة تنقص عن الثلاثين يوماً ، وهذا لا يؤدّي إلى بطلان العقد فيما لو جعل المدّة شهراً هلاليّاً مع أنّه مردّد بين الثلاثين والتسعة والعشرين يوماً ، وكذلك لا بأس لو جعل المدّة إلى آخر هذا الشهر ، أو آخر هذا اليوم مع عدم معرفة ما بقي منهما.

١٩ ـ لو قالت المرأة المتمتّع بها : ( زوّجتك نفسي شهراً ، أو إلى مدّة شهر ) مثلاً وأطلقت ولم تعيّن أيّ شهر هو ، أو إلى أيّ شهر ، بدأ الحساب من حين العقد ، ولا تنفصل المدّة عنه ، ولا يجوز على الأحوط وجوباً أن تُجعل المدّة منفصلة عن العقد ، بأن يكون مبدؤها بعد أُسبوع من حين وقوعه ، نعم لا مانع من اشتراط تأخير الاستمتاع مع كون التزويج من حال العقد.

٢٠ ـ لو جعل للعقد مدّة معيّنة ثمّ شكّ في انتهائها ، فيبني على عدم انتهائها حتّى يتيقّن من الانتهاء.

٢١ ـ لا يصح تجديد العقد على المرأة المتمتّع بها ، سواء أراد أن يجعل العقد الجديد دائماً أم منقطعاً ، قبل أن تنقضي المدّة السابقة ، أو قبل أن يهبها لها ، فلو كانت المدّة شهراً وأراد أن تكون شهرين فلا بدّ أن يهبها المدّة أوّلاً ثمّ يعقد عليها مرةً

١٤٥

أُخرى ، ويجعل المدّة شهرين ، ولا يجوز أن يعقد عليها عقداً آخر ويجعل المدّة شهراً آخر بعد الشهر الأوّل فيكون المجموع شهرين.

٢٢ ـ لا طلاق في المتعة ، وإنّما تبين المرأة المتمتّع بها عن الرجل بانقضاء المدّة المذكورة في العقد ، أو أن يهبها لها ، فإذا انفصلت عنه وجبت عليها العدّة ، ولا رجعة الزوج في عدّتها وإنّما يجوز أن يجع عليها بعقد جديد فقط.

٢٣ ـ إذا كان الزوج صغيراً فيحقّ للولي أن يهبّ المدّة لزوجته المتمتّع بها قبل انتهائها إذا كان في الإبراء مصلحةً للصبيّ ، وإن كانت المدّة تزيد على زمن صباه كما إذا كان عمر الصبيّ سنتان وكانت مدّة المتعة أربع عشرة سنة مثلاً.

٢٤ ـ لا يثبت بالنكاح المنقطع التوارث بين الزوجين ، ولو شرطا التوارث بينهما أو خصوص توريث أحدهما كتوريث المرأة ففي نفوذ الشرط إشكال ، فالأحوط وجوباً تصالح الورثة معها ، أو الرجوع في هذه المسألة إلى الغير مع رعاية الأعلم فالأعلم.

٢٥ ـ لا تجب نفقة الزوجة المتمتّع بها على زوجها وإن حملت منه ، ولا تستحقّ من زوجها المبيت عندها الاّ إذا اشترطت ذلك في العقد ، أو شرطته عليه في ضمن عقد آخر لازم كعقد البيع مثلاً.

٢٦ ـ لو جهلت الزوجة بعدم استحقاقها النفقة والمبيت لا يؤثّر جهلها هذا على صحة العقد ، ولا يثبت لها حقّ على الزوج من جهة جهلها ، ويحرم عليها الزوج من الدار بغير إذن زوجها إذا كان خروجها منافياً لحقّ الاستمتاع ، والأحوط استحباباً أن لا تخرج من دون إذنه حتى إذا لم يكن الخروج منافياً لحقّه أيضاً.

٢٧ ـ إذا انقضت مدّة المتعة أو وهبها للمرأة قبل الدخول بها فلا عدّة عليها ، وإن وهبها المدّة بعد الدخول ولم تكن صغيرة أو يائسة فيجب عليها أن تعتدّ ،

١٤٦

ومقدار عدّتها حيضتان كاملتان ، ولا تكفي فيها حيضة واحدة على الأحوط وجوباً ، وإن كانت لا تحيض لمرض أو سبب آخر وهي في سنّ من تحيض وليست في سنّ اليأس فعدّتها خمسة وأربعون يوماً ، ولو حلّ الأجل أو وهبها المدّة في أثناء الحيض لم تحسب تلك الحيضة من العدّة ، بل لا بدّ من حيضتين تامتين بعد هذه الحيضة إذا لم تكن حاملاً ، أما إذا كانت حاملاً فعدّتها إلى أن تضع حملها وإن كان الأحوط استحباباً أن تعتدّ بأبعد الأجلين ، والأجلين هما : وضع حملها وانقضاء حيضتين أو مضى خمسة وأربعين يوماً.

وأما عدّة المتمتّع بها في الوفاة فهي أربعة أشهر وعشرة أيام إن لم تكن حاملاً ، وإن كانت حاملاً فتعتدّ بأبعد الأجلين من أربعة أشهر وعشرة أيام ووضع حملها كالدائمة.

٢٨ ـ يستحب أن تكون المرأة المتمتّع بها مؤمنة عفيفة ، وأن يسأل عن حالها قبل الزواج مع عدم التهمة من أنّها ذات بعل أو ذات عدّة أم لا ، وأمّا بعد الزواج فلا يستحب السؤال ، وليس السؤال عن حالها والفحص شرطاً في الصحة.

٢٩ ـ يجوز التمتّع بالزانية على كراهة ، نعم إذا كانت مشهورة بالزنا فالأحوط وجوباً ترك التمتّع بها إلاّ بعد توبتها.

١٤٧

في المهر

لقد احترم الإسلام المرأة وجعل لها كياناً واستقلاليّة ، بخلاف ما يدّعيه البعض من حجبها وعدم الاعتراف بشخصيّتها ، لذا شرّع لها المهر الذي تأخذه من الزوج مقابل ما تقدّم له من طاقات أفنت في طلبها عمرها ، وليس ذلك ثمناً لأن العمر لا يثمّن ، ولكنّها سنّة إلهيّة جعلها الإسلام شرطاً في الزواج الذي هو أسمى من أن يقيّم بالمادّيات ، وممّا يؤسف له أنّ البعض حوّلوا المهور إلى تجارة والمرأة إلى بضاعة ، فأضاعوا الهدف السامي الذي سُنّ الزواج لأجله وشُرّع المهر لِسببه.

وقد يكون التعامل السلبي لبعض الرجال مع زوجاتهم أدّى بالأولياء أن ينظروا للمهر هذه النظرة ، والحقّ معهم لأنّهم أرادوا أن يضمنوا مستقبل بناتهم ، ويجعلوهنّ في أمان من تهوّر بعض الأزواج ، ولكن لا يُقطع دابر المعروف بسبب عدم أهليّة البعض له ، ولا نجعل غلاء المهور سبباً مخوّفاً للشباب ورادعاً إيّاهم عن الزواج ، بل كما قالعليه‌السلام : إعمل المعروف مع أهله فإن لم يكن له أهل فانت أهله.

بعض المسائل التي ترتبط بالمهر

١ ـ ويسمّى المهر الصداق أيضاً : وهو ما تستحقّه المرأة بجعله في العقد أو بتعيّنه بعده أو بسبب الوطئ ، أو ما هو بحكمه من مبلغ أو شيء آخر يمكن أن يملكه المسلم ، بشرط أن يكون قابلاً للانتقال عرفاً على الأحوط لزوماً ، سواء كان ديناً في ذمّة الزوج ، أو عيناً يملكها كدار مثلاً ، أو منفعة لعين مملوكة من دار أو عقار

١٤٨

أو حيوان أو نحوهما ، وكذلك يصح أن يكون المهر عمل الزوج نفسه كتعليمها قراءة سورة من القرآن الكريم مثلاً أو تعليمها صنعة وحرفة ، وهكذا كلّ عمل محلّل ، بل ويجوز أن يجعله حقّاً ماليّاً قابلاً للنقل والانتقال كحقّ التحجير(١) .

٢ ـ لا يوجد مقدار معيّن للمهر شرعاً من جانب القلّة ، ويكفي ما تراضيا عليه الزوجان ولو كان حبّة حنطة ، وكذلك لا تقدير له من جانب الكثرة ، ولكن يستحب أن لا يجوز مهر السّنّة ، وهو المهر الذي كان لمولاتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام ومقداره خمسمائة درهم ، فلو أراد أن يجعله أكثر جعل الزائد عن مهر السنّة هدية لها.

٣ ـ لا بدّ من تعيين المهر بما يخرجه عن الإبهام والترديد ، فلو أمهرها أحد شيئين مردّداً أو خياطة أحد ثوبين بطل المهر ولم يبطل العقد وكان بهاء(٢) الدخول بها مهر المثل وهو مهر النساء اللواتي مثلها بحسب شأنها إلاّ إن يزيد على أقلهما قيمة فيتصالحان في مقدار التفاوت. ولا يعتبر أن يكون المهر معلوماً على النحو المعتبر في البيع وشبهه من المعاوضات ، فيكفي مشاهدة عين حاضرة وإن جهل كيلها أو وزنها ، أو الصبرة من الطعام أيّ ( الكومه ) منه ، أو قطعة من الذهب ، أو طاقة ( طول ) مشاهدة من القماش أو صبرة حاضرة من الجوز ، وأمثال ذلك.

٤ ـ لو تزوّج كافران من أهل الذمّة وكان المهر في زواجهما خمراً أو خنزيراً صحّ العقد والمهر ، ولو أسلما قبل القبض فللزوجة قيمته عند مستحليّه(٣) ، ولو أسلم أحدهما قبله فلا يبعد لزوم القيمة أيضاً.

__________________

(١) وقد مرّ بيان المقصود من حقّ التحجير في أحكام زواج المتعة المسألة رقم (٧).

(٢) البهاء هو الثمن.

(٣) أي عند من يعتقد صحّة تملّك الخمر والخنزير.

١٤٩

ولو تزوّج المسلم على أحدهما(١) صحّ العقد وبطل المهر ، وللمرأة ـ إذا دخل بها ـ مهر المثل ، إلاّ أن يكون المسمّى أقلّ قيمة منه فيتصالحا في مقدار التفاوت.

٥ ـ ذكر المهر ليس شرطاً في صحة العقد الدائم ، فلو عقد على امرأة ولم يذكر لها مهراً أصلاً ، بأن قالت الزوجة للزوج مثلاً : ( زوجّتك نفسي ) ، أو قال وكيلها : ( زوجت موكّلتي فلانه ) ، فقال الزوج : ( قبلت ) صحّ العقد ، بل لو صرّحت الزوجة بعدم المهر بأن قالت : ( زوّجتك نفسي بلا مهر ) فقال الزوج ( قبلت ) صحّ العقد ، ويقال لذلك تعويض المبلغ.

٦ ـ لو عقد المرأة ولم يعيّن لها مهراً جاز أن يتراضيا بعد العقد على شيء ، سواء كان المقدار الذي يتراضيا عليه بمقدار مهر أمثالها أو أقلّ منه أو أكثر ، فيصبح ذلك مهراً لها كالمهر المذكور في العقد.

٧ ـ لو عقد على المرأة ولم يسمّ لها مهراً ، ولم يتفقا على تعيينه بعده لم تستحقّ المرأة شيئاً قبل الدخول ، إلاّ إذا طلّقها فحينئذٍ تستحقّ أن يعطيها شيئاً بحسب حاله من الفقر والغنى واليسار والإعسار ، ويسمّى ذلك الشيء الذي يعطى ( بالمتعة ) ولهذا يشير قوله تعالى :( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى المُحْسِنِينَ ) (٢) .

أمّا لو انفصلا قبل أن يدخل بالمرأة بأمر غير الطلاق لم تستحقّ المرأة شيئاً عليه بسبب عدم الدخول ، وهكذا لو مات أحدهما قبل الدخول ، أمّا لو دخل بها

__________________

(١) أي لو جعل المسلم المهر في زواجه خمراً أو خنزيراً.

(٢) البقرة ٢ : ٢٣٦.

١٥٠

فإنّها تستحقّ مهر أمثالها من النساء.

٨ ـ المعتبر في مهر المثل ملاحظة حال المرأة وصفاتها من السنّ والبكارة والنجابة ، والعفة والعقل والأدب ، والشرف والجمال والكمال و بل يلاحظ كلّ ماله دخل في العرف والعادة في ارتفاع المهر ونقصانه ، فتلاحظ أقاربها وعشيرتها وبلدها ، وغير ذلك من الخصوصيّات التي يختلف المهر باختلافها ، والظاهر دخالة حال الزوج في ذلك أيضاً.

٩ ـ إذا عقد امرأةً على مهر معيّن وكان في نيّته أن لا يدفعه إليها صحّ العقد ، ووجب عليه دفع المهر.

١٠ ـ إذا جعل المهر مشتركاً بين الزوجة وبين أبيها ، بأن يعطي نصفاً لها ونصفاً لأبيها مثلاً ، أو جعل مهرها عشرين على أن يكون عشرة لها وعشرة لأبيها ، سقط ما سمّاه للأب ولا يستحقّ أبوها شيئاً ، ولو لم يجعل المهر شراكة بينهما ولكن اشترط عليها أن تعطيه شيئاً من مهرها صحّ.

وكذلك يصحّ لو جعل شيئاً زائداً عن مهرها لشرطها عليه ذلك ، أمّا لو شرط الزوج اشتراك المهر بينها وبين أبيها خارج العقد ولم يجعل العقد مترتّباً عليه فلا يصحّ هذا الشرط ولا يستحقّ الأب شيئاً.

١١ ـ المبلغ الذي يأخذه الأب أو بعض الأقارب وهو ما يسمى ب‍ ( شيربها )(١) ليس جزءاً من المهر ، بل هو شيء آخر يؤخذ زائداً عليه ، ويجوز إعطاؤه وأخذه إن كان على نحو الجعالة ، كأن يجعله الزوج لأحد الأقارب مقابل عمل مباح كتوسّط

__________________

(١) شيربها : عبارة فارسية والمقصود منها ثمن الحليب الذي رضعته المرأة حينما كانت طفلة ، وهو معروف عند العوام.

١٥١

الأخ مثلاً في البين بأن يرضي أخته في التزويج منه ، ويسعى في رفع بعض الموانع التي تعيق زواجه منها ، فلا يوجد إشكال في هذا العطاء ، ويستحقّ الأخ ما جُعل له ، ولا يمكن للزوج أو أحد أقربائه استرجاعه بعد إعطائه.

وإن لم يكن ما أعطاه من باب الجعاله ، فإن كان إعطاء الزوج للقريب عن طيب نفس منه وإن كان لأجل جلب خاطره وإرضائه ، سواء كان رضاه في نفسه مقصوداً له أم لتوقّف رضى البنت على رضاه ، ففي هذه الحالة يجوز للقريب أخذه ، ويجوز للزوج استرجاعه منه بعد ذلك مادام المال موجوداً عنده بعينه.

وأمّا مع عدم رضى الزوج قلباً ، وكون إعطائه من جهة استخلاص البنت ؛ لأن هذا القريب مانع من تمشية الأمر ، مع أنّها راضية بالتزويج بما بذل لها من المهر ، فلا يجوز للقريب أخذه ، ويجوز للزوج استرجاعه باقياً كان أو تالفاً.

١٢ ـ يجوز أن يجعل المهر كلّه حالاً ـ أي بلا أجل ـ ومؤجّلا ، وأن يجعل بعضه حالاً وبعضه مؤجّلاً(١) ، ولكن لا بدّ في المؤجّل من تعيين الأجل ولو في الجملة مثل ورود المسافر ووضع الحمل ونحو ذلك. ولو كان الأجل مبهماً بحتاً(٢) مثل زمان ما ، أو ورود مسافر ما صحّ العقد ، وصح المهر أيضاً على الاظهر ولغي التأجيل.

١٣ ـ يجب على الزوج تسليم المهر ، وهو مضمون عليه حتى يسلّمه(٣) ، فلو تلف قبل التسليم ولو من دون تفريط كان ضامناً له أيضاً ، فإن كان له مثل أعطى للزوجة مثله ، وإن كان من الأشياء القيميّة فيعطيها قيمته ، ولو كان الإتلاف بفعل

__________________

(١) حالاً : أي المهر الحاضر ، ومؤجّلاً أي الغائب.

(٢) أي غير معيّن أصلاً.

(٣) بمعنى أنّه يجب عليه حفظه في مكان آمن وعدم التفريط به.

١٥٢

شخص أجنبيّ غير الزوج تخيّرت المرأة بين الرجوع على الأجنبيّ أو على الزوج نفسه ، وإن كان لو رجعت على الزوج جاز له الرجوع به على الأجنبي(١) .

وإذا حدث في المهر عيب قبل أن يُسلّم بيد الزوجة فالأحوط وجوباً التصالح بين الزوجين.

١٤ ـ لو كان المهر جميعه حالاً فللزوجة الامتناع من التمكين حتى استلامه ، ولو مكّنته من نفسها قبل الاستلام على أمل أنّها تأخذه بعد ذلك فلا يجوز لها أن تمنعه بعد هذا التمكين ، وأمّا لو كان المهر كلّه أو بعضه مؤجّلاً وقد أخذت بعضه الحالّ فلا يجوز لها الامتناع عن التمكين وإن حلّ الأجل ولم تقبض المهر بعد.

١٥ ـ المهر ملك للمرأة يمكنها التصرّف به ، فإذا شاءت وهبته(٢) أو أهدته إلى أحد ، أو اشترت به أو باعته ، ويمكن لها التصرّف به حتى قبل استلامه ، نعم لا تستقر ملكيّتها لتمامه إلاّ بعد أن يدخل بها.

١٦ ـ إذا جعل مهرها تعليمها لصنعة أو حرفة ما ، ثمّ طلّقها قبل الدخول كان لها نصف أُجرة التعليم ، ولو كان قد علّمها قبل الطلاق أرجع إليها نصف الأُجرة.

__________________

(١) أي يحق للزوج أن يأخذ مثل المهر التالف أو قيمته من الأجنبي الذي أتلفه لو أخذته الزوجة منه أيّ من الزوج.

(٢) الهبة غير الهدية ؛ لأنّ للهبة أحكام خاصّة ، وقد مر ذكرها في باب الهبة.

١٥٣

في الحقوق الزوجيّة

النشوز لغة : هو : أن تستعصي المرأة على بعلها وتبغضه ؟

ونشوز الرجل امرأته هو أن يضربها ويجفوها ، ومنه قوله تعالى :( وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً ) (١) ،

والشقاق : هو الخلاف والعداوة.

وبما أنّ الأُسرة معرّضة لهذه الحوادث ومهددّة بهذه الأخطار ، لذا جعل الإسلام ـ وهو الدين المعالج لكلّ معضلة من معضلات الحياة ـ حلاً لهذه الخلافات والمشاكل ، وقرّر حقوقاً لكلّ من الزوجين على الآخر ، بعضها واجب وبعضها مستحب ، فالواجب منها على ثلاثة أقسام :

الأوّل : حقّ الزوج على الزوجة : وهو أنّ تمكّنه من نفسها للمقاربة وغيرها من الاستمتاعات الثابتة له حسب ما اقتضاه عقد النكاح ، فمِن حقّه الاستمتاع بها في أيّ وقت شاء ، ولا يجوز لها أن تمنعه إلا لعذر شرعي.

ولا أن تخرج من بيتها إلا بإذنه ، سواء كان الخروج منافياً لحقّ استمتاعه بها أولا ، بخلاف بقيّة الأفعال غير الخروج من البيت ، فإنّه لا يحرم عليها ممارستها من دون إذن الزوج إلا إن كانت منافيةً لحقّه في الاستمتاع منها.

١ ـ ينبغي للرجل أن يأذن لزوجته في زيارة أقربائها وعيادة مرضاهم ، وتشييع

__________________

(١) النساء ٤ : ١٢٨.

١٥٤

جنائزهم ونحو ذلك وإن لم يجب عليه ذلك ، وليس له منعها من الخروج إذا كان للقيام بفعل واجب.

٢ ـ لا يستحقّ الزوج على الزوجة خدمة البيت وحوائجه التي لا تتعلّق بالاستمتاع ، من الكنس أو الخياطة أو الطبخ ، أو تنظيف الملابس أو غير ذلك ، حتّى سقي الماء وتمهيد الفراش وإن كان يستحب لها أن تقوم بذلك.

الثاني : حقّ الزوجة على الزوج : وهو أن ينفق عليها بالغذاء واللباس والمسكن ، وسائر ما تحتاجه إليه بحسب حالها وما يليق بشأنها بالقياس إلى زوجها ، أي بما هي زوجة فلان.

وأن لا يؤذيها ، أو يظلمها أو يشاكسها من دون وجه شرعي ، وقد أكّد الإمام الصادقعليه‌السلام على هذا الحقّ في كلماته النورانيّة حيث قال لسائل سأله عن حقّ الزوجة على زوجها : « يشبعها ويكسوها وان جهلت غفر لها » ، وقالعليه‌السلام أيضاً « كانت امرأة عند أبيعليه‌السلام تؤذيه فيغفر لها(١) ».

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنه » (٢) .

وعن يونس بن عمّار قال : زوّجني ابو عبداللهعليه‌السلام جارية لإبنه إسماعيل فقال :« أحسن إليها » ، قلت : وما الاحسان ؟ قال : « أشبع بطنها ، واكسو جنبها ، واغفر ذنبها » (٣) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٠ : ١٦٩ ، الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ٢٠ : ١٧٠ ، الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ٢٠ : ١٧٠ ، الحديث٣.

١٥٥

ويكفيك قوله تعالى :( وَعَاشِروُهَنَّ بالمَعْرُوفِ ) (١) .

كما وإنّ من حقوق الزوجة على زوجها أن لا يهجرها ، وأن لا يجعلها معلّقةً لا هي ذات بعل ولا هي مطلّقة.

ولا يجوز له أن يترك مقاربتها أكثر من أربعة أشهر ، بل الأحوط لزوماً ـ إذا لم تقدر على الصبر هذه المدّة ، بحيث خاف الزوج وقوعها في الحرام ـ أن يطلّقها ويخلّي سبيلها.

الثالث : حقّ كلّ من الزوجين على الآخر : وهو ما يسمّى ( بالقِسم ) ، أي بيتوتة الزوج عند زوجته ليلة واحدة من كلّ أربع ليال ، فهذا حقّ مشترك بين الزوجين ، يجوز لكلّ منهما مطالبة الآخر به ، ويجب على الآخر الاستجابة إليه ، ولو أسقطه أحد الزوجين فمن حقّ الآخر أن يطالبه به أو يتركه فلا يطالب به ، هذا بخلاف الحقوق المختصّة بكلّ واحد منهما ، كالنفقة مثلاً فهي حقّ للزوجة يمكن أن تتنازل عنه وتسقطه ، ولا يجب عليها قبول النفقة لو أنفق الزوج عليها ، وكذلك التمكين الذي هو من الحقوق المختصّة بالزوج على زوجته ، فيجوز له أن يتخلّى ويتنازل عنه ، ولا يجب عليه القبول لو مكّنته الزوجة من نفسها ، بخلاف حقّ القِسم الذي تجب فيه الإجابة لكلّ منهما.

١ ـ إذا كان للرجل زوجتان أو أكثر فبات عند إحداهنّ ليلة ، يجب عليه أن يبيت عند غيرها أيضاً ، فإذا كنّ أربع وبات عند إحداهنّ طاف عليهنّ في أربع ليال لكلّ منهنّ ليلة ، ولا يفضّل بعضهنّ على بعض ، وإذا كانت عنده ثلاث فإذا بات عند إحداهنّ ليلة يجب عليه أن يبيت عند الأُخرتين في ليلتين ، ويحقّ له أن يفضّل

__________________

(١) النساء ٤ : ١٩.

١٥٦

إحداهن على الأُخرى بالليلة الرابعة. وإذا كانت عنده زوجتان وبات عند إحداهما في ليلة لزمه المبيت في ليلة اُخرى عند الاُخرى ، ويحقّ له أن يجعل لإحداهما ثلاث ليال وللثانية ليلة واحدة ، وبعد ذلك إن شاء ترك المبيت عند الجميع وإن شاء شرع فيه على الترتيب المتقدّم.

٢ ـ يختصّ وجوب المبيت على الزوج عند الزوجة الدائمة لا المؤقتة ، سواء كانت المؤقتة واحدة أو أكثر ، والأحوط وجوباً النوم قريباً منها على النحو المتعارف ، وأن يعطيها وجهه بعض الوقت ، ولا يجب عليه مواقعتها في ليلتها بل يكفي المضاجعة معها في الفراش.

٣ ـ يجوز للزوجة أن تهب حقّها في المبيت وتتركه لزوجها إمّا بعوض أو بدون عوض ، وأمّا الزوج فهو مخيّر بين القبول وعدمه ، فإن قبل أن تترك الزوجة المبيت عنده فيحقّ له أن يقضي ليلته فيما يشاء ، ويحقّ لها أن تهب ليلتها لضرّتها. برضى الزوج ، فيكون حقّ القسم للضرّة إذا قبلت.

٤ ـ لا يثبت حقّ المبيت للزوجة الصغيرة ، ولا المجنونة في وقت جنونها ، ولا الناشزة ـ وهي المرأة العاصية لزوجها والتاركة لحقوقه ـ ، ولو سافر الزوج أو الزوجة سقط حقّ المبيت وليس له قضاء.

٥ ـ لو تزوّج بالمرأة البكر فيستحب له أن يخصّص لها سبع ليال من أوّل عرسها ، وأمّا إن كانت ثيّباً فيخصّص لها ثلاث ليالي ، تتفضلان بذلك على غيرهما من الزوجات ، ولا يجب عليه أن يقضي تلك الليالي مع زوجاته السابقات.

٦ ـ لو كان عنده أكثر من زوجة فهو مخيّر أن يبتدئ بأيّ منهنّ شاء في المبيت ، وإن كان الأحوط استحباباً أن يقرع بينهنّ فمن خرجت في القرعة جعل

١٥٧

الابتداء منها.

٧ ـ تستحب التسوية بين الزوجات في الانفاق والالتفات إليهن وطلاقة الوجه والمواقعة ، وكذلك يستحب أن يكون في صبيحة كلّ ليلة عند صاحبتها ، أي صاحبة تلك الليلة.

١٥٨

أحكام النشوز والشقاق

١ ـ النشوز بمعنى الترفّع ومنع أداء الحقوق كراهةً ، وتارةً يكون من الزوجة ، واُخرى من الزوج.

فأمّا نشوز الزوجة فيتحقّق بخروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها ، وذلك بعدّة أُمور :

منها : عدم تمكينه من حقّه في الاستمتاع بها ، ويدخل في عدم التمكين عدم إزالة الأُمور التي تنفّر الزوج عن التمتّع والالتذاذ منها ، وكذلك ترك تنظيف بدنها ، وتزيّنه حسب ما تقتضيه طبيعة الزوج لذلك.

ومنها أيضاً خروجها من بيتها من دون إذنه ، ولا يتحقّق النشوز بترك غير الواجب عليها كعدم خدمتها في البيت ونحو ذلك.

وأمّا نشوز الزوج فيتحقّق بمنع الزوجة من حقوقها التي وجبت عليه ، كترك الإنفاق عليها ، أو المبيت عندها في ليلتها ، أو هجرها وتركها بالمرّة ، أو إيذائها ومخالفتها دون مبرّر شرعي.

أمّا لو صارت الزوجة ناشزة ، فهل تسقط حقوقها الواجبة على الزوج أم لا ؟

الجواب : نعم ، فلو منعت الزوج أن يستمتع بها دائماً من دون عذر شرعي فلا تستحقّ النفقة عليه ، سواء خرجت الزوجة من عنده أم كانت معه في البيت ، أمّا لو امتنعت من التمكين في بعض الأحيان بلا عذر شرعي ، أو خرجت من بيتها دون إذنه

١٥٩

فلا تسقط نفقتها بذلك على الأحوط لزوماً ، وأمّا المهر فلا يسقط استحقاقها له إذا نشزت.

٢ ـ لو نشزت الزوجة سقط حقّها من المبيت والمواقعة كلّ أربعة أشهر ، ويستمر الحال كذلك ما دامت ناشزة وعاصيّة لزوجها ، فلو رجعت وتابت رجعت إليها هذه الحقوق مرّة اُخرى.

٣ ـ إذا عصت الزوجة زوجها وصارت ناشزة فيمكن للزوج أن يرجعها إلى طاعته ، وذلك بطرق متعدّدة ، يعمل بها تدريجاً ، فيعظها أوّلاً ، فإن لم تتعظ هجرها وأدار وجهه عنها في الفراش ، أو ترك النوم معها على فراش واحد إذا كان يشاركها في مضجعها من قبل أن تعصيه ، هذا إذا احتمل أن تعود لطاعته بالهجر.

فإن لم يؤثّر ذلك أيضاً ضربها إذا كان يأمل رجوعها إلى الطاعة ، ولا يجوز له أن يضربها ضرباً مبرّحاً(١) ، بل يكتفي بأقلّ مقدار يحتمل معه التأثير وحصول الغرض من الضرب ، الذي هو تركها النشوز.

وإن لم يجد في الضرب القليل فائدة تدرّج فيه الأقوى فالأقوى ، ولا يحقّ له أن يضربها حتّى يخرج الدم من بدنها ، أو يجعله أسود أو أحمر ، ويشترط أن يكون الضرب لإصلاحها لا التشفّي والانتقام منها ، كما يقوم بعض الرجال بضرب الزوجة سخطاً على أهلها أو أقربائها ; لأنّه لا يستطيع أن يصبّ غيظه إلاّ عليها !!!

ولو ضربها وأدّى إلى إدمائها أو اسوداد بدنها فعليه الغرامة ، كما هو المحدّد في باب الجنايات من نوع الجناية ومقدار الغرامة.

ولو لم تنفع معها هذه ، الإجراءات جميعاً ، وأصرّت على العصيان ، فلا يجوز

__________________

(١) الضرب المبرّح : هو الذي يترك الأثر على البدن.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300