أحكام المرأة و الاُسرة

أحكام المرأة و الاُسرة20%

أحكام المرأة و الاُسرة مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: المرأة
الصفحات: 300

أحكام المرأة و الاُسرة
  • البداية
  • السابق
  • 300 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159323 / تحميل: 6114
الحجم الحجم الحجم
أحكام المرأة و الاُسرة

أحكام المرأة و الاُسرة

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

للزوج أن يتّخذ ضدّها إجراءً آخر ، كأن يهدّدها قائلاً : أقتلك أو أقطع لسانك ، أو يعدها بأيّ شيء آخر لا يجوز له فعله ، ويجوز له أن يعدها بما هو جائز له كأن يقول لها : إن لم تطيعي أمري أتزوّج عليك أو أطلّقك ، وكذلك لا يجوز له تهديدها بالفعل ، كفرك إذنها أو جرّ شعرها أو حبسها ، أو غير ذلك من الإجراءات ، نعم يجوز له أن يرفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ ليلزمها بما يراه مناسباً له من التعزير وغيره.

٤ ـ إذا نشز الزوج على زوجته ـ بمعنى أنّه منعها من حقوقها الواجبة عليه ـ فيحقّ لها أن تطالبه بذلك وتعظه وتحذّره من تركه حقوقها ، فان لم ينفع فيجوز لها أن ترفع الأمر إلى الحاكم الشرعيّ ، ولا يجوز لها أن تهجره أو تضربه أو تعتدي عليه بأيّ نحو كان.

٥ ـ لو امتنع الزوج عن بذل نفقة الزوجة المستحقّة لها ، لا التي لم تستحقّها من قبيل الزوجة العاصية كما مرّ ، وكانت أيضاً تطالبه بها لا أنّها ساكته ، ففي هذه الأحوال يجوز لها أن تأخذ نفقتها من أمواله بدون إذنه ، ويجوز لها أيضاً أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ حتى يجبره على الإنفاق ، فإن لم تتمكّن من رفع أمرها لسبب مّا ـ كما إذا كانت في بلد بعيد عن الحاكم الشرعيّ مثلاً ـ واضطرت أن تتخذ وسيلة لتحصيل معاشها لم يجب عليها إطاعته حال اشتغالها وتهيئة معيشتها بنفسها ، وأمّا في غير وقت اشتغالها فالأحوط وجوباً أن لا تترك إطاعته.

٦ ـ إذا امتنع الزوج عن الإنفاق مع قدرته عليه ، فرفعت الزوجة أمرها إلى الحاكم الشرعيّ ، أبلغه الحاكم باختيار أحد الأمرين : إما أن ينفق عليها أو يطلّقها ، فإن امتنع عن الأمرين معاً ـ فإن أمكن الإنفاق عليها من ماله ولو ببيع عقاره إذا توقّف الإنفاق عليه ، وإن لم يمكن الإنفاق عليها مطلقاً ولم يمكن إجباره على الطلاق

١٦١

وإعطائها النفقة جاز للحاكم أن يطلّقها إذا طلبت ذلك.

وإذا كان الزوج غير قادر على الإنفاق على زوجته وجب عليه طلاقها إذا لم ترض بالصبر معه بدون نفقة ، فإن لم يفعل فيجوز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي فيأمر الزوج بالطلاق ، فإن امتنع وكان إجباره على الطلاق غير ممكن طلّقها الحاكم بنفسه ، ويكون الطلاق في هاتين الحالتين من نوع الطلاق البائن لا الرجعي ، وهذا الحكم شامل لما إذا كان الزوج غائباً عنها أيضاً.

٧ ـ قد نرى بعض الأزواج يمتنعون عن أداء نفقة أزواجهم ، أو يكونون عاجزين عنها ، فيتعمّدون إخفاء محلّ سكونتهم وإقامتهم كي لا يتسنّى للحاكم الشرعيّ أن يتّخذ بشأنهم الإجراءات اللازمة لو رفعت المرأة أمرها إليه ، وحينئذٍ يجوز للحاكم الشرعيّ أن يطلّقها لو طلبت منه ذلك إذا تعذّر عليه القيام بالإجراءات التي سبق ذكرها من إبلاغه وإجباره وغير ذلك.

٨ ـ تقدّم في المسائل السابقة أنّه لا يجوز للرجل هجر زوجته دون مبرّر شرعيّ ، فلو هجرها بالمرّة فصارت كالمعلّقة لا هي صاحبة زوج ولا هي مطلّقة ، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ ، فيُلزم الزوج ويخيّره بين الرجوع إليها وترك هجرها ، أو طلاقها لتتمكّن من الزواج من رجل آخر ، فإذا امتنع الزوج عن كلا هذين الأمرين جاز للحاكم أن يطلّقها إذا طلبت ذلك ، وبعد تنفيذ كلّ الإجراءات الشرعيّة حتى حبسه ـ لو أمكن من أجل اجباره على وضع حلّ لهذه المشكلة ـ وفي هذه الحالة يقع الطلاق بائناً أو رجعيّاً حسب اختلاف الموارد ، وتجري هذه الأحكام على الزوج سواء كان باذلاً لها نفقتها أو تاركاً ذلك.

٩ ـ إذا كان الزوج غير قادر على العود إلى زوجته لسبب ، كما إذا كان محكوماً عليه بالحبس مدّة طويلة فصارت كالملّعقة بغير اختيار الزوج ، فلا هي صاحبة زوج

١٦٢

فعلاً ولا هي مطلّقة ، ولم ترض بالصبر على هذا الوضع ، فيجب على الزوج أن يطلّقها على الأحوط وجوباً ، ولكن لو امتنع وجب عليها الانتظار حتى يفرّج الله تعالى عنه.

١٠ ـ إذا كان الزوج يؤذي زوجته ويظلمها دون مبرر شرعيّ ، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي لينهاه عن الإيذاء والظلم ، ويأمره بحسن المعاشرة ، فإن غيّر أُسلوبه معها ونفعت فيه الموعظة فبها ونعمت ، وإن لم تنفع عزّره وضربه بالمقدار الذي يراه كافياً ، فإن لم ينفع التعزير جاز للمرأة أن تطلب الطلاق من الزوج ، فلو امتنع عنه طلّقها الحاكم الشرعيّ.

١١ ـ يجوز للمرأة أن تبذل مالا للزوج أو تتنازل عن بعض حقوقها من المبيت والنفقة لجلب رضاه ، ولكي يسمح لها بالخروج من الدار للنزهة أو زيارة العتبات المقدّسة مثلاً ، أو طلبها للعلوم المفيدة أو لقيامها ببعض العبادات المستحبة كصوم المستحب فيما لو كان الزوج مخالفاً لذلك ، أو غيره من الحقوق الغير واجبة عليه ، أو كان يحدّث نفسه بطلاقها لأنّه يكرهها ، أو أراد الزواج عليها بمرأة اُخرى ، ويحلّ له التصرّف بهذا المال وترك الحقوق التي وهبتها إليه لهذه الأسباب.

أمّا لو ترك بعض حقوقها الواجبة ، أو آذاها بالضرب أو الشتم أو غير ذلك ، فبذلت له مالاً لإرجاع حقّها إليها وترك أذاها ، أو ليطلّقها فتتخلّص من يده فيحرم عليه أخذه ، حتّى لو كان يظلمها لا لغرض حصوله على هذا المال وإلجائها إلى بذله إياه.

١٢ ـ لو حصل خلاف شديد وشقاق ومنافرة بين الزوجين فلا يمكن التسرّع في الطلاق ـ الذي هو أبغض حلال عند الله تعالى ـ بل ينبغي التأنّي فيه ومحاولة حلّ المشاكل الزوجيّة بما هو أحسن ، فلو رفع الأمر إلى الحاكم الشرعيّ يقوم الحاكم

١٦٣

ببعث حكمين ، حكماً من جانب الزوج وآخر من جانب الزوجة كي يتمّ بواسطتهما الإصلاح ، ورفع الخلافات بما رأياه صالحاً من الفراق أو الجمع بين الزوجين.

ويجب على الحكمين البحث بدقّة عن حال الزوجين ، والأسباب التي دعت إلى نشوب هذا الخلاف والشقاق بينهما ، وبعد ذلك يسعيان في أمرهما ، فكلّما استقرّ عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرضى به بشرط أن يكون سائغاً وغير محرّم شرعاً ، كما إذا شرطاً على الزوج أن يُسكِن الزوجة في بلد معيّن ، أو في مسكن مخصوص أو عند أبويها ، أو لا يُسكن معها في الدار أمّه واُخته ، ولو في بيت منفرد ، أو لا تسكن معها ضرّتها في دار واحدة ونحو ذلك.

وكذلك يمكن أن يشرطا عليها أن تؤجّل المهر الحالّ(١) إلى مدّة من الزمن ، أو تردّ على الزوج ما أخذته من المهر فيكون قرضاً عليه ونحو ذلك ، فتصحّ جميع هذه الشروط ، بخلاف الشروط المحرّمة من قبيل أن يترك الزوج بعض حقوق الضرّة كالنفقة والمبيت أو غير ذلك.

١٣ ـ إذا استقرّ رأي الحكمين على أن يفرّقا بين الزوجين مع الفدية أو بدونها لم ينفذ حكمهما بذلك ، إلاّ إذا كانا قد شرطا على الزوجين ـ حين بعثهما ـ بأنّ الأمر أمرهما ، إن شاءا جمعا ، وإن شاءا فرّقا ، أو أنّهما استأذنا الزوجين في الطلاق وبذل الفدية حينما يريدان ذلك ، وحيث إنّ التفريق لا يتحقق إلاّ بالطّلاق فلابدّ من وقوع الطلاق عند اجتماع شرائطه ، ومنها أن تكون المرأة طاهرة من الحيض ، ولا يواقعها الزوج حال طهرها هذا ، ومنها أن يقع الطلاق بحضور عدلين وغير ذلك من شرائط الطلاق.

__________________

(١) الحالّ : أي الحاضر.

١٦٤

١٤ ـ الأحوط وجوباً أن يكون الحكمان من أهل الزوج والزوجة ، فإن لم يكن لهما أهل ، أو لم تكن لهم الأهليّة والقدرة على أن يكون منهم حكم تعيّن الحَكَم من غيرهم ، ولا يعتبر أن يكون من جانب كلّ منهما حَكَم واحد بل لو اقتضت المصلحة بعث أكثر من واحد تعيّن.

١٦٥

من يصوّر الجنين في الرحم

لو فكّرنا قليلاً في قدرة الله تعالى على الإنشاء وكيف صوّرنا في الأرحام ، لارتقينا إلى مدارج الكمال.

والتفكّر من أفضل العبادات التي يثاب الإنسان عليها ، ويعرج من خلالها إلى معارج المعرفة ، ويسبح في غمرات الربانيّين.

من الذي يصوّر الجنين في رحم أُمّه ؟

هذا السؤال حيّر عقول الفلاسفة والعظماء ، لا سيما ارسطو وتلامذته ومن كان قبلهم وبعدهم ، وقفوا لا يهتدون إلى شيء ولا يجدون حلاً لهذا اللّغز العظيم ، والكلّ يبدي برأيه ويتحاور مع صاحبه كي يتوصّل إلى الحلّ.

ولكنّ الجواب لا يتأتّى إلاّ على يد منقذ البشرية ، الذي خاطبه خبر السماء يا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إِنَّا خَلَقْنَا الاِنسَانَ مِنْ نُطْفَة أَمْشَاج نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ) (١) .

والأمشاج : كناية عن اختلاط النطفة وتداخلها ، فلا الطبيعة المحتاجة ولا كلّ ممكن يقوم بهذا الإنشاء ويصوّر هذا المخلوق في الرحم.

قال البعض : إنّ الجنين يتصوّر بطبيعته ، وطبيعته هي التي تصوّره ، وبها يتكوّن وينمو ، وقد غفلوا أنَّ المصوَّر والمصوِّر سيكونا شيئاً واحداً ، ولو أمكن ذلك لجاز أن

__________________

(١) الانسان ٧٦ : ٢.

١٦٦

يكون المؤلِّف والمولَّف شيئاً واحد.

وقال آخر : إنّ في الرحم قالب يصوّر الجنين ، فيقال لهم : هل شاهدتم قطعة من الطين توضع في القالب ثمّ تقذف بعد تسعة أشهر ؟ وهل في البيضة قالب يتصوّر فيه الفرخ ؟ وهل توجد قوالب في أجواف الغنم وأرحام إناثها التي تمّ تشريحها على يد الأخصائيّين ؟ هذا إذا قيل بعدم إمكان تشريح رحم المرأة ، الذي صار ممكناً مع تقدّم العلم وتطوّره.

وقال ثالث : إنّ الجنين بمنزلة النبات.

ونقول في جوابه : وهل يمكن أن يبقى إذا قطع رأسه ، كما يبقى النبات لو قطعت أُصوله ، أو قُصّرت أغصانه فإنّ ذلك يؤدّي إلى حيويّته.

وكذلك قالوا : إنّ كلّ عضو يتخلّق من مثيله ، بمعنى أنّ كلّ جزء من أجزاء ( الأب ) يخرج منه جزءاً شبيهاً له ، ولو صحّ هذا لخرج من الأب الأعمى ولد أعمى مثله ، وهكذا باقي العاهات الموجودة في بدن الأبوين ، وها هو القرآن الكريم يعطي الجواب الفصل بقوله :( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) (١) .

__________________

(١) آل عمران ٣ : ٦.

١٦٧

في أحكام الأولاد والولادة

١ ـ لا يجوز إسقاط الحمل وإن كان من سفاح ـ أي من زنا ـ إلاّ فيما إذا خافت الأُمّ الضرر على نفسها من استمرار وجوده ، أو كان موجباً لوقوعها في حرج شديد لا يتحمّل عادةً ، فإنه يجوز لها حينئذٍ إسقاطه ما لم تلج فيه الروح.

وقد ثبت علميّاً أنّ ولوج الروح في الجنين يتمّ بعد انتهاء الشهر الثالث ، وأمّا بعد ولوج الروح فلا يجوز الإسقاط حتى إذا خافت الاُمّ الضرر على نفسها أو استلزم الحرج على الأحوط وجوباً ، وإذا أسقطت الأُمّ حملها وجبت عليها ديّته لأبيه أو غيره من ورثة الأب ، وإن كان الأب هو الجاني والمسقط للجنين كانت ديّته لأُمّه ، وإن أسقطه غير الأبوين كالطبيب لزمته الديّة لهما وإن كان الإسقاط بطلبهما ، ولمستحقّها العفو عنها(١) .

٢ ـ يكفي في ديّة الحمل بعد ولوج الروح فيه دفع خمسة آلاف ومائتين وخمسين مثقالاً من الفضة إن كان ذكراً ، ونصف ذلك إن كان اُنثى ، سواء كان موته بعد خروجه حيّاً أم مات في بطن اُمّه على الأحوط وجوباً ويكفي في ديّته قبل ولوج الروح فيه دفع مائة وخمسة مثاقيل إن كان علقة ، وثلاثمائة وخمسة عشر مثقالاً إن كان مضغة ، وأربعمائة وعشرين مثقالاً إن كانت قد بنيت له العظام ، وخمسمائة وخمسة وعشرين مثقالاً إن كان تامّ الأعضاء والجوارح ، ولا فرق في ذلك بين الذكر

__________________

(١) أي يحقّ لهما أن يعفوا عن الطبيب أو غيره ممّن أسقط الجنين.

١٦٨

والاُنثى على الأحوط وجوباً(١) .

٣ ـ يجوز للمرأة استعمال ما يمنع الحمل من العقاقير المعدّة لذلك بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً ، بلا فرق في ذلك بين رضى الزوج وعدمه.

في أحكام الولادة وما يلحقها

للولادة والمولود سنن وآداب بعضها واجبة وبعضها مستحبة ، وأهمها ما يلي :

١ ـ ينبغي مساعدة المرأة عند ولادتها بل يجب ذلك كفاية ؛ بمعنى أنّه إذا قام به شخص سقط عن الآخرين ، هذا إذا خيف على المرأة أو على جنينها من التلف ، أو ما بحكمه ، كالضرر الذي يلحق بأحدهما نتيجة عدم مساعدة المرأة ؛ ولو توقّفت ولادة المرأة على النظر أو اللمس المحرّمين على الرجال الأجانب لزم أن يتكفّلها الزوج ، أو النساء ، أو محارمها من الرجال.

ولو توقّفت الولادة على النظر أو اللمس من غير الزوج وكان متمكّناً من توليدها من دون عسر ولا حرج فلا يبعد تعيّن اختياره ، إلاّ أن تكون القابلة أرفق بحالها ، فيجوز للمرأة حينئذٍ أن تختار القابلة كي تولّدها ، هذا في حال الاختيار ، أمّا في حال الاضطرار فيجوز أن يولّدها الأجنبي ، بل قد يجب ذلك ، نعم لا بدّ معه من الاقتصار في كلّ من اللمس والنظر على مقدار الضرورة ، فإنّ الضرورات تقدّر بقدرها.

٢ ـ يستحب غسل المولود عند وضعه ، مع الأمن عليه من الضرر ، والأذان في أُذنه اليمنى والإقامة في اليسرى ، فإنّه عصمة من الشيطان الرجيم كما ورد في الخبر ، ويستحب أيضاً تحنيكه بماء الفرات وتربة الحسينعليه‌السلام ، والتحنيك هو : أن يدلك

__________________

(١) والجنس الذي يعطى فيه الديّة يكون فضّة في جميع مقاديره.

١٦٩

بهما حنك الوليد أي باطن أسفل الفم من الداخل(١) .

وجاء عن الكليني عن أبي جعفرعليه‌السلام :« حنّكوا أولادكم بماء الفرات وبتربة قبر الحسين عليه‌السلام ، فإن لم يكن فبماء السماء » (٢) .

استحباب تسمية الوليد

من الأُمور التي أكد عليها أهل بيت الرحمة ( عليهم الصلاة والسلام ) في كلماتهم هو تسمية الوليد لما في ذلك أثر على شخصيته ، فقد ورد استحباب التسمية قبل أن يولد الطفل ، وإن لم يسمّه قبل الولادة سمّاه بعدها ، حتّى إن كان الوليد سقطاً ، وإن اشتبه أنّه ذكر أو اثنى فيختار له اسماً مشتركاً ، وفي هذا الباب جاء عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال :« سمّوا أولادكم قبل أن يولدوا ، فإن لم تدروا أذكر أم اُنثى فسمّوهم بالأسماء التي تكون للذكر والاُنثى ، فإنّ أسقاطكم إذا لقوكم في القيامة ولم تسمّوهم يقول السقط لأبيه : ألاّ سمّيتني وقد سمّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محسناً قبل أن يولد » ؟(٣)

٣ ـ يستحب تسمية الوليد بالأسماء المستحسنة ، فإنّ ذلك من حق الولد على والده ، وفي الخبر : « إنّ أصدق الأسماء ما يتضمّن العبودية لله جلّ شأنه(٤) ، وأفضلها

__________________

(١) حنكت لسان الصبي وحنّكته ، إذا مضَغتَ تمراً أو غيره ثمّ دلكته بحنكه ، الصحاح ٤ : ١٥٨١ « حنَكَ ».

(٢) وسائل الشيعة ٢١ : ٤٠٧ ، الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ٢١ : ٣٨٧ ، الحديث ١.

(٤) المقصود ما يكون نحو : عبدالله وعبدالرحيم وعبدالكريم.

١٧٠

أسماء الأنبياء »(١) صلوات الله عليهم ، وكذا أسماء الأئمةعليهم‌السلام ، وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « من ولد له أربعة أولاد لم يسمّ أحدهم بأسمي فقد جفاني »(٢) .

وجاء عن أبي هارون مولى آل جعدة قال :كنت جليساً لأبي عبدالله عليه‌السلام بالمدينة ، ففقدني أيّاماً ، ثم إنّي جئتُ إليه فقال : « لم أرك منذ أيام يا أبا هارون » ؟ فقلت : وُلد لي غلام ، فقال : « بارك الله لك ، فما سمّيته » ؟ قلت : سمّيته محمّداً ، فأقبل بخدّه نحو الأرض وهو يقول : « محمّد محمّد محمّد » ، حتّى كادّ يلصق خدّه بالأرض ، ثمّ قال : « بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبويَّ ، وبأهل الأرض كلّهم جميعاً الفداء لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا تسبّه ، ولا تضربه ، ولا تسئ إليه ، وأعلم أنّه ليس في الأرض دار فيها اسم محمّد الاّ وهي تقدَّس كلّ يوم » (٣) .

ولا يخفى تكريم الله تعالى لاسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد روي أيضاً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « ما من قوم كانت لهم مشورة فحضرها من إسمه محمّد أو أحمد فأدخلُوه في مشورتهم إلاّ كان خيراً لهم(٤) ».

وكذلك ورد عن أهل البيتعليهم‌السلام استحباب التسمية بعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، ونهي عن ضرب وسب البنت التي سميّت بفاطمة.

كما وجاء عنهمعليهم‌السلام استحباب تغيير اسم الولد أو البنت إن لم يكونا

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ : ٣٩١ ، الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ : ٣٩٣ ، الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة ٢١ : ٣٩٣ ، الحديث ٤.

(٤) وسائل الشيعة ٢١ : ٣٩٢ ، الحديث ٨.

١٧١

حسنين(١) .

٤ ـ يكره أن يكنّى الوليد ( أبا القاسم ) إذا كان اسمه محمّد(٢) ، كما يكره تسميته بأسماء أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم(٣) .

٥ ـ يستحب أن يحلق رأس الوليد ( الذكر ) في اليوم السابع من عمره ، وأن يتصدّق بوزنه ذهباً أو فضّة ، ويكره أن يحلق موضعاً ويترك موضعاً.

استحباب الوليمة

جاء عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :« لا وليمة إلاّ في خمس : في عُرس ، أو خُرس ، أو عِذار ، أو وِكار ، أو ركاز. فالعُرس التزويج ، والخُرس النُفاس بالولد ، والعِذار الختان ، والوِكار الرجل يشتري الدّار ، والرّكاز الرجل يقدم من مكّة » (٤) .

٦ ـ تستحب الوليمة عند الولادة ، وهي إحدى الخمس التي سُنَّ فيها الوليمة ، كما أن إحداها عند الختان ، ولا يعتبر في وليمة الوليد إيقاعها في يوم الولادة ، فلا بأس بتأخيرها عنه بأيام قلائل ، والظاهر أنّه إن ختن في اليوم السابع فأولم ( أي عمل وليمةً ) في يوم الختان بقصدهما ـ أي الولادة والختان ـ تتأدّى السنّة.

أحكام الختان

٧ ـ الختان واجب لنفسه ، أي ليس واجباً لغيره ، كالوضوء الذي يجب للصلاة

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ : ٣٨٨ ، الحديث ٦.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ : ٤ ، الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة ٢١ : ٣٩٨ الحديث ٤.

(٤) وسائل الشيعة ٢٠ : ٩٥ ، الحديث ٥.

١٧٢

وغير ذلك ، ولكنّه شرط في صحة الطواف ، واجباً كان أم مندوباً ، عدا طواف الصبيّ غير المميّز الذي يطوّفه وليّه.

ولا فرق في الطواف الواجب بين ماكان جزءاً لحجّ أو عمرة ، واجبين أو مندوبين ، وليس الختان شرطاً في صحة الصلاة فضلاً عن سائر العبادات.

٨ ـ لا بأس أن يكون الختّان كافراً حربيّاً أو ذميّاً ، فلا يعتبر فيه الإسلام.

٩ ـ لو ولد الصبيّ مختوناً سقط الختان عنه وإن استحب إمرار الموسى على المحلّ لإصابة السنّة.

١٠ ـ يستحب للولي أن يختن الصبيّ في اليوم السابع من ولادته ، ولا بأس بتأخيره عنه ، ويجوز له أن يترك ختانه حتى يبلغ ، ولكن الأحوط استحباباً عدم تأخيره حتّى البلوغ ، وإذا لم يُختَن الصبيّ حتى بلغ وجب عليه أن يختن نفسه ـ بمعنى أنّه يذهب إلى الختّان كي يختنه ، لا أن يختن نفسه بنفسه ـ حتّى الكافر إذا أسلم وهو غير مختون فيجب عليه الختان وإن طعن في السنّ ما لم يتضرّر به.

كلام في الختان

ليس الختان سنّة إسلامية فحسب ، بل هو من سوابق عقائد اليهود كما دلّ على ذلك كتابهم المقدّس ، فالقاعدة الأساسيّة في التوراة هي وجوب الختان لكلّ مولود ذكر يهوديّ في يومه الثامن ، وحملت هذه القاعدة في طياتها عدّة مشاكل :

أوّلها : تعيين مَن هو اليهودي ؟

والثانية : هل يختن الذكر إذا وقع موعد الختان يوم السبت ؟

والثالثة : هل يمكن تأخير الختان أو تركه في حالة المرض والخوف من خطر

١٧٣

الموت ؟

فأمّا من هو اليهوديّ حسب التعاليم اليهودية ؟ فجوابه : إنّه من ولد من أُمّ يهوديّة ، مهما كان دين والده ، وإذا أصبحت الأُمّ يهوديّة قبل ميلاد الطفل ـ وإن كان في زمن الحمل ـ فإنّ طفلها يصبح يهوديّاً بالتبعيّة ، أمّا إذا أصبحت يهوديّة بعد ولادته فيجب أن يحوّل الطفل يهوديّاً قبل أن يختن.

وقد كان هناك جدل عام ١٨٦٤ م في « نيو أورليانز » حول ختان أطفال من أب يهوديّ وأُمّ غير يهوديّة ، وقد قرّر أحد الحاخامات اليهود وأيّده على ذلك الحاخامات الاوربيون. إلاّ أن الحاخام « تسفي هيرش كاليشرى » أيّد ختان الأطفال غير اليهود عموماً ، والأطفال من أب يهوديّ خاصة ؛ لأنّ التوراة في رأيه لجميع البشريّة ، وقد خصّ بها اليهود قديماً بسبب حالة الشعوب في ذلك الوقت ، وعليه فيجب إجراء كلّ ما يمكن أن يشجّع الآخرين لقبول التوراة. وبما أنّ الختان على كبر قد يكون مانعاً لتحوّل البالغين لليهوديّة ، لذلك ينصح بإجرائه على الأطفال الذين كانوا من أب يهوديّ ، إذ أنّهم من بذر يهوديّ ، وهكذا يسهل عليهم التحوّل إلى اليهوديّة عندما يكبرون(١) .

سِنّ الختان ويوم السبت

أمّا سِنّ الختان عند اليهود فقد ذهبوا إلى أنّه في اليوم الثامن كما في التوراة ، فإذا تمّ الختان في اليوم السابع بدلاً من اليوم الثامن لا يعتبر ختاناً ، بل جرحاً كغيره من الجروح ، والخاتن يأثم ، ولو غلط الأب فختن أحد طفليه في التاريخ المحددّ

__________________

(١) ختان الذكور والإناث : ١٤٢.

١٧٤

لختن الثاني ، أي ختن الطفل الثاني يوم السبت وختن الأوّل قبله أو بعده ، يأثم ويجب عليه إعطاء الكفّارة.

وكانت شريعة اليهود تقدّس يوم السبت وتحترمه ، وتعاقب من يستبيح حرمته بالقتل. وكما مر في ختن الأطفال الأحرار عند اليهود كذلك فرض على اليهوديّ أن يختن عبيده ، وكانت العادة أنّهم يختنوهم عند شرائهم ، ولكن لا يمكن ختانهم يوم السبت إذ أنّ للسبت حرمة لا تخرق.

ولا يسمح بالختان إلاّ لطفل يكون يومه الثامن يوم السبت.

وأمّا المسيحيّون فقد رفضوا سنّة الختان التي ورثت من اليهود ، رغم أنّ بعضهم كان يمارسها !! ولكن رفضهم للختان لا ينطلق من دليل منطقي كاحترام الجسد وعدم إيصال الأذى إليه ، كما يتصوّر البعض من كون الختان جرحاً مضرّاً لطفل برئ ، غافلين عن الفوائد الصحيّة والأثار الإيجابيّة التي تترتّب عليه ، بل ألغوه عن منطق لاهوتي سياسي ( كي يجذبوا الوثنين للدخول في الدين الجديد ) ، ومن العجيب أنّ المسيح الذين رفضوا الختان آمنوا ببتر الأعضاء وإخصاء الذكر.

فتروي الاُسطورة المسيحيّة أن « أتيس » عشيق أحد الآلهة قد بتر أعضاءه الجنسيّة في حمية الشوق ، ومات من نزيف الدم تحت شجرة ، وكلّ من يريد أن يصبح خادماً ل‍ ( سيبيل ) وهو أحد الآلهة كان عليه أن يبتر أعضاءه الجنسيّة مثل عشيقها ضمن احتفالات دينيّة صاخبة ، ويرميها على جموع الحاضرين !!

ومع إنكار المسيح للختان فإنّهم يحتفلون باليوم الأوّل من السنة لذكرى اليوم الثامن من ميلاد المسيح ، وهو يوم ختانه ، ولتكريم العذراء مريمعليه‌السلام ، ولا يعرف دقيقاً تاريخ دخول هذا الحدث في شعائرهم ، وأوّل من ذكره هو المجمع الذي عقد

١٧٥

في مدينة « توز » الفرنسيّة عام ٥٦٧ م ، وهذا المجمع تكلّم عنه وكأنّه عادة قديمة يتمّ الاحتفال بها في أولّ يوم من السنة ، وهذا اليوم يصادف في روما وفي مدن رومانيّة اُخرى عيداً وثنياً شهيراً لتكريم « يانوس » ، ومن هنا جاء اسم الشهر « يناير » وهو يوم عبث وفواحش ، والقصد من وضع العيد المسيحي في هذا اليوم هو تجنّب المسيحيين المشاركة في العيد الوثني ، والتفكير بالصلاة والصوم بدلاً عن الآثام التي تقترف في هذا اليوم ، فانظر إلى السياسة كيف تغسل الأذهان ، وكيف تتداخل مع الدين فتفسد الأهداف التي من أجلها شرّعت الأحكام ؟!!

الختان في الشريعة الإسلامية المقدّسة

من كمال العقل أن يعتقد الإنسان للواجبات والمحرّمات ملاكات لا يعلمها إلاّ الله تعالى والراسخون في العلم ، وكلّ حكم شرعيّ قبل أن يُجعل يسبق بمرحلتين هما : الإرادة ، والملاك. أي وجود غرض لأجله يتمّ تشريع هذا الحكم ، أعمّ من كونه واجباً أو محرّماً أو مستحباً أو مكروهاً أو مباحاً اقتضائياً.

فلوكان واجباً كان ملاكه وجود المصلحة ، ولو كان محرّماً فملاكه وجود المفسدة الناتجة من القيام به ، وهي التي قد غفل عنها كثير من العصاة.

وما نحن فيه من مسألة الختان التي وجبت في شرعنا المقدّس على الذكور من مصاديق ما ذكر ، وهنا سؤال يطرح نفسه : هل يوجد دليل من القرآن الكريم على وجوب الختان ؟

والجواب : نعم ، فقد جاء في تفسير القرطبي في قوله تعالى :( صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ

١٧٦

أَحْسَنُ مِنْ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ) (١) : أن الصبغة هي الختان ، وهو صبغة الله للمسلم التي تحلّ محلّ العماد الذي يصبغ به المسيحيون أطفالهم بقصد الطهارة.

وقد استدلّوا على تشريع الختان ووجوبه أيضاً بقوله تعالى :( وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ) (٢) ففسروا حنيفاً بمعنى أنّه كان مختوناً.

وقال العلاّمة الطباطبائي في الميزان(٣) نقلاً عن تفسير القمي لقوله تعالى :( قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ المُشْرِكِينَ ) : أنزل الله على ابراهيم الحنيفيّة ، وهي الطهارة ، وهي عشرة ، خمسة في الرأس وخمسة في البدن ، فأمّا التي في الرأس : فأخذ الشارب ، وإعفاء اللحى ، وضفر الشعر(٤) ، والسواك ، والخلال. وأمّا التي في البدن : فأخذ الشعر من البدن ، والختان ، وقلم الأظفار ، والغسل من الجنابة ، والطهور بالماء. وهي الحنيفيّة التي جاء بها إبراهيمعليه‌السلام فلم تنسخ ولا تنسخ إلى يوم القيامة.

وجاء عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال :« ما أبقت الحنيفيّة شيئاً حتى أنّ منها قصّ الشارب وقلم الأظفار والختان » (٥) .

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٣٨.

(٢) البقرة ٢ : ١٣٦.

(٣) الميزان ١ : ٣٠٦.

(٤) الضفر : نسج الشعر وغيره ، والضفيرة : العقيصة : يقال : ضفرت المرأة شعرها. الصحاح ٢ : ٧٢١ ، « ضفر ».

(٥) تفسير الميزان ١ : ٣١٠.

١٧٧

وجاء عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« من كرامتي على ربّي أنّي ولدت مختوناً ، ولم ير أحدٌ سوأتي » (١) أي لأجل الختان ، وقد يقال : إنّه لم يتمّ ختانه بل تممّه ملكان أو جدّه عبدالمطلبعليه‌السلام .

فوائد الختان

قال أحد اساتذة الجامعة الدمشقيّة في مقدّمة كتابه الختان بين الطب والشريعة : أمّا السبب الذي دفعني لأن أتطرّق لموضوع الختان ، فهو أحد الأساتذة من الأطباء كان يتهجّم على عمليّة الختان أثناء إلقائه لمحاضرة أمام الطلاب ، وكان يصفها بالعمليّة الوحشيّة الهمجيّة ، إضافة الى زعمه أنّ الله لم يخلق شيئاً زائداً عند الإنسان يحتاج إلى قطع.

كما أنّه كان يشجّع على إيقاف عملّية الختان والإقلاع عنها ، لكنّه بعد أن تبيّن لي أثناء حياتي العمليّة فوائد الختان العديدة من النواحي الطبيّة ، ومنها الوقاية من سرطانات الأعضاء التناسلية ، راحت ذاكرتي تشكّ بأحد الأمرين اللذين يجولان في تفكير ذلك الأستاذ وهما : أن يكون الاُستاذ الكريم يجهل فنون الطب ، أو تفكيره ينطوي على نيّة خبيثة غايتها محاربة هذه الشعيرة التي أقرّها الدين القويم(٢) .

١١ ـ تستحب العقيقة عن المولود ذكراً كان أو اُنثى ، ويستحب أن يعقّ عنه في اليوم السابع ، وإن تأخّر لعذر أو لغير عذر لم يسقط ـ أي لم يسقط استحباب العقيقة ـ بل لو لم يعقّ عن الصبيّ حتّى بلغ وكبر عقّ عن نفسه ، بل لو لم يعقّ عن نفسه في

__________________

(١) ختان الذكور والإناث : ٢٧٨.

(٢) ختان الذكور والإناث : ٢٧١.

١٧٨

حياته فلا بأس أن يعقّ عنه بعد موته ، ولا بدّ أن تكون من أحد الأنعام الثلاثة : الغنم ـ ضأناً كان أو معزاً ـ والبقر ، والإبل. ولا يجزئ عنها التصدّق بثمنها ، نعم يجزئ عنها الأُضحية ، فمن ضُحّي عنه أجزأته عن العقيقة.

ويستحب أن تكون العقيقة سمينة ، وفي بعض الأخبار ( أن خيرها أسمنها )(١) .

وقيل : يستحب أن تجتمع فيها شروط الأُضحية ، من كونها سليمة من العيوب ، وعدم كون سنّها أقلّ من خمس سنين كاملة في الإبل ، وأقلّ من سنتين في البقر والمعز ، وأقلّ من سبعة أشهر في الظأن ، ولكن لم يثبت ذلك.

وفي بعض الأخبار ( إنّما هي شاة لحم ليس بمنزلة الأُضحية يجزئ منها كلّ شيء )(٢) .

١٢ ـ ينبغي تقطيع العقيقة من غير كسر عظامها ، ويستحب أن تختصّ القابلة منه بالربع ، وأن تكون حصّتها مشتملة على الرجل والورك ، ويجوز تفريق العقيقة لحماً أو مطبوخاً ، كما يجوز أن تطبخ ويدعى عليها جماعة من المؤمنين ، والأفضل أن يكون عددهم عشرة فما زاد يأكلون منها ويدعون للولد ، ويكره أن يأكل منها الأب أو أحد ممّن يعوله ، ولا سيما الأُمّ ، بل الأحوط استحباباً للأُمّ الترك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ : ٤٢٥ ، الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ : ٤٢٥ ، الحديث ١.

١٧٩

بعض الأحكام المتعلّقة بحضانة الطفل

١ ـ لا يجب على الأُم إرضاع ولدها ، لا مجاناً ولا بأُجرة ، إذا لم يتوقّف حفظه عليه ، أي على الإرضاع ، كما لا يجب عليها إرضاعه مجاناً وإن توقّف حفظه عليه ، بل لها ـ أي يحقّ لها ـ المطالبة بأُجرة إرضاعه في الحولين ، لا في الزائد عليهما ، من مال الولد إذا كان له مال ، ومن أبيه إذا لم يكن له مال وكان الأب مؤسراً. نعم لو لم يكن للولد مال ، ولم يكن الأب مؤسراً ، أو كان متوفى ، وكذا جدّه ـ أي لم يكن قادراً على إعطاء الاُجرة أو كان متوفّى ـ وإن علا ، أي جدّ الأب أو جدّ الجدّ ، تعيّن على الأُم إرضاعه مجاناً إمّا بنفسها أو باستئجار مرضعة اُخرى ، وتكون أُجرتها عليها ـ أي تكون اُجرة المرضعة على الأم ـ بناءً على وجوب إنفاقها عليه كما هو الأحوط وجوباً.

٢ ـ الأُم أحقّ بإرضاع ولدها من غيرها ، فليس للأب تعيين غيرها لإرضاع الولد ، إلاّ إذا طالبت بأُجره ، وكانت غيرها تقبل الإرضاع بأُجرة أو بدون أُجرة ، فإنّ للأب حينئذٍ أن يسترضع له اُخرى ، وفي هذه الصورة إذا لم تقبل الأُم بإرضاع الغير ولدها وأرضعته هي بنفسها لم تستحقّ بإزائه شيئاً من الأجرة.

٣ ـ إذا إدّعى الأب وجود متبرّعة بالإرضاع ، وأنكرت الأُم ، ولم يكن له بيّنة على وجودها كان القول قولها بيمينها.

٤ ـ ينبغي أن يرضع الصبيّ بلبن أُمّه ، ففي النصّ « ما من لبن رضع به الصبيّ أعظم بركة عليه من لبن أمّه »(١) ، نعم إذا كان هناك مرجّح لغيرها ـ أي لغير الأُمّ ـ كشرافتها وطيب لبنها بخلاف الأُمّ ، فلا بأس باسترضاعها له.

٥ ـ يحسن إرضاع الولد واحداً وعشرين شهراً ، ولا ينبغي إرضاعه أقلّ من

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ : ٤٥٢ ، الحديث ٢.

١٨٠

صدر عن نيّة صالحة وقبيحاً إذا صدر عن نيّة فاسدة(١) .

هذه الأقوال من فروع القول بالحسن والقبح العقليّين والجميع في مقابل المنكرين أعني أهل الحديث والأشاعرة.

ولكنّ الحقّ هو القول المختار حيث أنّ هناك أفعالاً يقوم العقل بدرك حسنها أو قبحها بنفسها من أيّ فاعل صدر، وفي أيّ موّرد وقع، بلا ملاحظة جهة خارجية وحيثيّة تعليلية أو تقييديّة ومن دون ملاحظة نيّة الفاعل وقصده فضلاً عن ملاحظة كونه ملائماً للطبع وغيره، نعم وإنّما يفتقر إلى ملاحظة النيّة في توصيف الفاعل بأنّه محسن أو مسيئ وأمّا نفس الفعل فلا يحتاج في الحكم عليه بشيء منهما وراء فرض الموضوع.

هذا هو المدّعى وإليك الدليل في البحث الثاني.

٢ ـ العقل النظري والعقل العملي

ينقسم العقل عند الحكماء إلى عقل نظري وعقل عملي. فالأول هو الذي به يحوز الانسان علم ما ليس من شأنه ذلك العلم أن يعمله. والثاني هو الذي يعرف به ما من شأنه أن يعمله الانسان بإرادته(٢) .

وظاهر هذه العبارة أنّ هنا عقلين أحدهما نظري والاخر عملي ولكنّه خلاف التحقيق، بل الظاهر أنّ تفاوت العقل النظري مع العقل العملي بتفاوت المدرَكات من حيث أنّ المدرك من قبيل أن يُعلَم، أو من قبيل ما ينبغي أن يؤتى به أو لا يؤتى به ،

__________________

(١) هذا القول أي كون الحسن والقبح يدوران مدار النوايا والأهداف غير القول بكون الحسن والقبح أمراً يعتبره العقل من ادراك الملائمة للطبع، الذي حقّقه العلّامة الطباطبائي، وهو خيرة بعض فلاسفة العرب، فقد طوينا الكلام عن ذلك القول في هذا البحث لما اسهبنا عنه في أبحاثنا الكلامية. لاحظ: « مناهج الجبر والاختيار ».

(٢) شرح المنظومة: ص ٣٠٥، نقلا عن المعلّم الثاني.

١٨١

فالأوّل هو العقل النظري والثاني هو العقل العملي(١) .

وعلى ضوء ذلك فالنظري والعملي وجهان لعملة واحدة لا يختلفان جوهراً وذاتاً، فإن كان المدرك ممّا ينبغي أن يعلم فيسمّى المدرك عقلاً نظرياً، وإن كان المدرك ممّا ينبغي أن يفعل أو لا يفعل فالمدرك هو العقل العملي.

٣ ـ الحكمة العملية وقضاياها الواضحة

إنّ الحكمة العملية تتمشّى مع الحكمة النظريّة في كيفيّة البرهنة والاستدلال فكما أنّ في الحكمة النظرية قضايا بديهية بأصولها الستة تنتهي إليها القضايا النظريّة فهكذا في الحكمة العملية قضايا واضحة تنتهي إليها القضايا غير الواضحة.

نعم إنّ تقسيم القضايا إلى نظريّة وبديهيّة وإن كان دارجاً في الحكمة النظريّة دون العملية، غير أنّ الحقّ عدم اختصاص التقسيم بها بل قضايا الحكمتين تنقسم إلى قسمين: واضحة وغير واضحة، وتنتهي الثانية إلى الواضحة في كلتا الحكمتين، والعقل كما يدرك القضايا البديهية في الحكمة النظريّة من صميم ذاته أو من تصوّر الطرفين مع النسبة فهكذا يدرك القضايا الواضحة في الحكمة العملية إذا لوحظت بذاتها.

هذا هو المهم في باب الحكم بالحسن والقبح العقليين، وبالوقوف على هذه الحقيقة تعلم قيمة سائر الأقوال فيهما وبما أنّ الحكم في المقيس عليه « الفعل النظري » واضح لا حاجة فيه إلى البيان، فلنرجع إلى بيانه في الفعل العملي فنقول: إنّ القضايا عند العقل العملي ليس على وزان واحد بل هو على قسمين: منها ما هي مغمورة مجهولة لا يحكم العقل فيها بواحد من الطرفين « الايجاب والنفي » ومنها ما هو مبيّنة واضحة لدى العقل مع غضّ النظر عن كل شيء والاقتصار على لحاظ نفس القضية فيجب أن تكون تلك القضايا مقدّمة

__________________

(١) نهاية الدراية: ج ٢، ص ١٢٤.

١٨٢

لحلّ القضايا الاُولى وبأنّها ترجع إليها، ومن تلك القضايا البديهية مسألة التحسين والتقبيح في جملة من الأفعال أو جميعها مثلاً جزاء الاحسان بالاحسان حسن، وجزاء الاحسان بالإساءة قبيح، أو العمل بالميثاق حسن، ونقضه قبيح، أو العدل حسن، والظلم قبيح، فهذه القضايا قضايا بديهية في الحكمة العملية والعقل يدركها من صميم ذاته ويقف عليها من ملاحظة القضية مع نسبتها، وعلى هذه القضايا البديهية يبتني كل ما يَردُ على العقل في مجال الأخلاق وتدبير المنزل وسياسة المدن.

وبذلك يعلم أنّ تحليل حسن العدل والاحسان، وقبح الظلم والعدوان وغيرهما ممّا عددناه بأنّ القضية الأولى حافظة للنظام والثانية هادمة له، ولأجل تلك التوالي عمّ الاعتراف بها من قبل الجميع ـ إنّ ذلك التحليل ـ إنكار للحسن والقبح العقليين الذاتيين فإنّ مدار البحث كما عرفت مركّز على نفس العقل مع غضّ النظر عن تواليه وتوابعه، وإنّ العقل هل يقوم بنفسه بمدح إحسان المحسن بالاحسان، وبذمّ جزاء المحسن بالإساءة أو لا، وهل العقل يحسن الملتزم بالميثاق أو لا ؟ لا بالنظر إلى الأعراض والمصالح المترتّبة سواء كانت المصالح فردية أم اجتماعية.

والعجب أنّ أكثر المحقّقين الباحثين في هذا الموضوع فسّروا حكم العقل بما يترتّب عليه من المصالح والمفاسد، مع أنّ الهدف من طرح هذا البحث إنّما هو التوصّل إلى معرفة أفعال الله واكتشاف ما هو الحسن والقبيح عنده، فكيف يمكن تفسير حسن العدل وقبح ضدّه بكونه حافظاً للنظام أو هادماً له ؟

لا شك أنّ العدل والظلم يترتّب عليهما صيانة النظام وهدمه ويوصف الأوّل بالحسن والثاني بالقبيح لهذه الجهه أيضا، لكنّ المطروح في هذا الباب ما هو أوسع من ذلك وهو درك العقل العملي حسن الفعل وقبحه بما هو هو سواء كان هناك نظام أو لا ؟ وسواء أكان هناك خلق أو لا ؟

وبذلك يعلم بطلان سائر الأقوال من القائلين للحسن والقبح حيث جعلوا ملاك الحسن والقبح الملائمة للطبع والمنافرة له سواء كان المراد الطبع الفردي أو

١٨٣

الطبع النوعي، لأنّ ذلك على فرض صحّته إطلاق الحسن والقبح خارج عن محل البحث.

كما يعلم بطلان القول بأنّ الحسن ما يوافق الغرض والقبيح ما يخالفه، فإنّ ذلك أيضاً كالسابق خارج عن محلّ البحث. كما يعلم فساد تفسير الحسن بما فيه المصلحة، والقبيح بما فيه المفسدة وإنّ ما خلا منهما ليس بحسن ولا قبيح(١) .

وعلى الجملة فالمحور في حكم العقل بالحسن والقبح هو ملاحظة نفس القضية مع غضّ النظر عن كل شيء لا كونه حافظاً للنظام أو هادماً، ولا كونه موافقاً للطبع الفرديّ، أو النوعيّ، ولا كونه محصّلاً للغرض وعدمه، أو كونه متضمناً للمصلحة أو المفسدة، فالكل انحراف عن مسير البحث وكلام زائد ملأ كتب المتكلّمين بل الاصوليين من الشيعة إلّا القليل منهم، ولأجل ذلك ضربنا البحث عن تحليل هذه الأقوال من شعب القول بالتحسين والتقبيح العقليين، وأظنّ أنّ هذه الأقاويل وإن نسبت إلى القائلين بالتحسين والتقبيح العقليّين لكنّها أشبه بقول المنكرين، فإنّه لما اتسع على الأشاعرة سبيل الانتقاد وضاق عليهم طريق الاعتذار أرادوا الدفاع عن منهجهم فعمدوا إلى تكثير معاني الحسن والقبح إلى معان، أو تكثير ملاكاتهما والأولى للقائل بالحسن والقبح العقليين الذي يريد استكشاف حال افعال الواجب الاعراض عن هذه التفاصيل.

والحاصل أنّ هناك أفعالاً إذا تصوّرها العقل حكم بحسنها أو قبحها بمجرد الوقوف على القضيّة وحكم بمدح فاعلها أو ذمّه كائناً من كان الفاعل.

وإن شئت قلت: إنّ كل عاقل مميّز يجد من صميم ذاته حسن بعض الأفعال وقبح بعضها، سواء كان الشخص مؤمناً أو كافراً، معتقداً بالشرايع الإلهية أو لا، وسواء صدر الفعل من الممكن أم من الواجب وسواء تصوّر كونه حافظاً للنظام أو لا، وسواء تصوّر كونه ذات مصلحة أو مفسدة، أو كونه موافقاً للطبع الفردي أو

__________________

(١) شرح التجريد للقوشجي: ص ٣٣٧.

١٨٤

النوعي، بل هو مع الغفلة عن كل هذا يدرك حسن بعض وقبح بعض آخر، ولو نرى اتّفاق جميع العقلاء من جميع المذاهب والطوائف على هذا الحكم فلأنّه نابع من صميم القوّة العاقلة وهو أمر مشترك بين الناس.

وأقول رعاية للحقّ: إنّ أوّل من هذّب محلّ النزاع بوجه رائع هو المحقّق اللاهيجي في تأليفيه النفيسين(١) .

ونزيد تأكيداً على أنّ هذا هو المدار، وهو أنّ الغرض من طرح هذه المسألة هو التوصل إلى التعرف على أفعاله تعالى وهو لا يتمّ إلّا إذا لوحظت المسألة على النحو الذي بيّنّاه.

نعم يمكن توجيه القول بالطبع من هذه الأقوال وإرجاعه إلى ما ذكرنا وهو أنّ صدق القضايا العقليّة في الحكمتين، وتوصيفهما بالحقّ والصدق يتوقّف على وجود ملاك له. وهو في قضايا الحكمة النظريّة، نفس الواقع والخارج بعرضها العريض.

فقولنا الإنسان متعجّب أو ممكن أو نوع من القضايا الصحيحة في الحكمة النظرية وملاك صدقها هو مطابقتها للخارج العريض ولا تشذّ عنها قضايا الحكمة العمليّة فإنّ توصيفها بالصدق والحقّ يتوقف على الملاك، فقولنا: « العدل حسن » و « الظلم قبيح » قضيّتان صحيحتان ونقيضاهما باطلان وكاذبان. فما هو الملاك في الحكم بالأوّليتين بالحقّ والصدق وبالثانيتين بالكذب والبطلان ؟

أقول: الملاك في هذا الباب هو مطابقة حكم القضية للطبع الإنساني ولا يراد منه الطبع الحيواني الذي يجنح إلى العبث والفساد بل الجانب الأعلى والمثل الأعلى للانسان والوجه المثالي منه، فلو اُريد من الطبع هذا المعنى لاتّفق القولان.

فالانسان بما هو ذو فطرة مثاليّة يتميّز بها عن الحيوانات يجد بعض القضايا

__________________

(١) گوهر مراد: ص ١٢٢ ـ ١٢٣، وسرماية ايمان: ص ٣٣ ـ ٣٥. وما حقّقناه توضيح وتحقيق لكلامه.

١٨٥

ملائمة لذلك والبعض الآخر منافياً له. فيصف الملائم بالحسن ولزوم العمل، والمنافي بالقبح ولزوم الاجتناب، وبما أنّ هذا الموضوع يحتاج إلى بسط في الكلام حتى يعلم اتّفاق القولين في الهدف والمرمىٰ نقوم بالاسهاب فيه.

٤ ـ الانسان وقوى الخير والشر

إنّ واقع الانسان يتألّف من قوى الشر والخير، الحيوانية والإنسانية، ولكلّ دوره في حياة الانسان، غير أنّ واقع الانسان يتمثّل ويتجلّى في الجانب الثاني، ففي الجانب الأوّل تتجلّى الشهوة والغضب والأنانيّة والقسوة وغيرها من رذائل الأخلاق كما أنّ الجانب الثاني تتجلّى فيه القيم الأخلاقية والمثل الإنسانية وغير ذلك من خصال الخير، وهذا الجانب هو الأصيل في الانسان دون الجانب الأوّل.

والشاهد على ذلك انّه عند ما يقع الانسان في صراع بين جانبيه: الحيواني والانساني « الملكوتي » فإذا غلب الجانب الثاني على الجانب الأوّل، يحسّ من صميم ذاته بالسرور والرضا، فلو كان واقع الانسان يتمثّل في الجانب الحيواني لما صحّ السرور والرضا لأنّ المفروض مغلوبيّة القوى الحيوانية والمغلوب يكون محزوناً لا مسروراً، وهذا يفيد بجلاء إنّ واقع الإنسان هو الجانب الثاني أي كونه موجوداً ملكوتياً، إلهيَّ النزعة، طالبا للخير والكمال والسموّ والارتقاء.

فلو أراد القائل من كون ملاك حكم العقل هو موافقة الحكم للطبع هو ما ذكرنا فنعم الوفاق، وإلّا فهو غير تام كسائر الأقوال.

وإن شئت قلت: لا حقيقة للحسن والقبح إلّا كون الشيء ملائماً لطبع الانسان أو غير ملائم، لكنّ المراد منه ليس هو الطبع السافل بل الطبع العالي، والطبع العالي ينزع إلى الخير ويميل إلى الكمال، والطبع السافل ينزع إلى الشرّ، فكل فعل أحبّه الإنسان بروحه المتعالية وعقله المتكامل فهو حسن، وكل ما وقع في خلاف ذلك يعدّ قبيحاً، وعلى ضوء ذلك تقدر على تحليل جميع الأمثلة.

١٨٦

٥ ـ الاُصول الأخلاقية الثابتة

إذا كان الميزان في الحكم بالحسن والقبح وفي الحكم بالقيم الأخلاقية هو درك العقل مع غضّ النظر عن كل شيء على ما ذكرنا، أو كون القضية المدركة مطابقة للجانب المثالي الأعلىٰ للإنسان، تقف على أنّ هناك اُصولاً أخلاقيّة ثابتة لا تتغير مع مرور الدهور والعصور، وتبدّل الحضارات، لأنّ الشخصيّة المثالية العليا في الكيان الإنساني ثابتة لا تتغير ولا تتبدل.

فإذا كان الملاك هو الملائمة والمنافرة بالقياس إليه تصبح الاُصول ثابته دائمة بثبات الحيثية العليا من الإنسان ودوامها.

ولأجل ذلك إنّ الاُصول الأخلاقيّة لا تختلف عند الأمم والشعوب لأنّهم متشابهون ومتشاركون في الجانب الأعلى للانسان، نعم يختلفون في العادات والأخلاق التابعة للمحيط والعائلة وليس لها جذور في الفطرة الإنسانية.

نعم يختلفون في الأشكال والصور والتجلّيات والمظاهر ويتّحدون في اللبّ والجوهر، فالكل يحكم باحترام المعلّم والاستاذ لأنّ عقله يحكم بلزوم إحسان المحسن وقبح إساءته غير أنّهم يختلفون في كيفيّة الاحترام، وهذا الاختلاف نابع من التقاليد والعادات، فربما يحترمون بالقيام عند الورود واُخرى برفع القلنسوة عن الرأس وثالثة

٦ ـ الاُصول الثابتة في الشرائع السماوية

لا شكّ أنّ هناك اُصولا ثابتة في جميع الشرائع السماوية من حرمة الشرك بالله تعالى في العبادة وحرمة الظلم ولزوم تكريم الوالدين وغير ذلك، وما ذلك إلّا لأنّ الاُصول الثابتة توافق الجانب الأعلى من الإنسان وهو ثابت عبر القرون والعصور، وبذلك يتجلّى سرّ خاتميّة الاسلام ودوام اُصوله الخلقية، وتشريعاته المطابقة للشخصية الانسانية العالية، فبما أنّ الشخصيّة المثاليّة لا تمسّها يد التغيّر والتبدل

١٨٧

في جميع العصور والحضارات، وتكون الأحكام والتشريعات المطابقة لتلك الجوهرة المتعالية ثابتة لا تمسّها يد التغيير.

٧ ـ القرآن وكونه سبحانه حكيماً

إذا كانت الحكمة بمعنى التحرّز عمّا يجب الاجتناب عنه مما يحكم العقل بقبحه، فقد تضافر توصيفه سبحانه ب‍ « الحكيم » في القرآن الكريم.

ترى أنّ القرآن الكريم يذكّر بلطيف بيانه انه سبحانه بريء من القبيح وفعل ما يجب التنزّه عنه. قال سبحانه:( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ) ( الأعراف / ٢٨ ).

وقال سبحانه:( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ) ( الاعراف / ٣٣ ).

وقال سبحانه:( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ( ص / ٢٨ ) وقال سبحانه:( هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إلّا الإِحْسَانُ ) ( الرحمن / ٦٠ ).

فهذه الآيات تعرب بوضوح أنّ هناك اُموراً توصف بالاحسان والفحشاء والمنكر والبغي والمعروف قبل تعلّق أمر الشارع بها أو نهيه عنها، وانّ الانسان يجد اتّصاف الأفعال بواحد من هذه العناوين من صميم ذاته، وليست معرفة الانسان بهذا الاتّصاف موقوفاً على تعلّق حكم الشرع وإنّما دور الشرع هو إرشاد حكم العقل الذي يأمر بالحسن وينهي عن القبيح.

قال سبحانه:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ( النحل / ٩٠ ).

وبذلك تقف على قيمة كلام الأشعري في جواز تعذيب أطفال الكفّار في الاخرة.

١٨٨

قال في « الابانة »: يجوز أن يؤلم أطفال الكافرين في الاخرة ليغيظ بذلك آباءهم ويكون ذلك منه عدلا ؟!(١) .

وقال في اللمع: فإن قال قائل: هل لله تعالى أن يؤلم الأطفال في الاخرة إذا قيل لله تعالى ذلك، وهو عادل إن فعله ؟ ـ إلى أن قال ـ: ولا يقبح منه أن يعذّب المؤمنين، ويدخل الكافرين الجنان، وإنّما نقول: إنّه لا يفعل ذلك لأنّه أخبرنا أنّه يعاقب الكافرين وهو لا يجوز عليه الكذب في خبره(٢) .

الثلاثون: « الحق »

قد ورد الحق معرّفاً ومنكراً في الذكر الحكيم ٢٣٩ مرّة ووقع وصفاً له سبحانه في سبعة موارد :

قال سبحانه:( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الحَقِّ أَلا لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ ) ( الانعام / ٦٢ ).

وقال سبحانه:( فَذَٰلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إلّا الضَّلالُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ) ( يونس / ٣٢ ).

وقال سبحانه:( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي المَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( الحج / ٦ ).

وقال سبحانه:( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) ( الحج / ٦٢ ).

وقال سبحانه:( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ ) ( النور / ٢٥ ).

__________________

(١) الابانة: ص ١٣٣.

(٢) اللمع: ص ١١٦ ـ ١١٧.

١٨٩

وقال سبحانه:( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) ( لقمان / ٣٠ ).

وقال سبحانه:( فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إلّاعِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ *قَالَ فَالحَقُّ وَالحَقَّ أَقُولُ ) ( ص / ٨٢ ـ ٨٤ ).

وقد استعمل الحق في(١) مقابل الباطل في غير واحد من الآيات فهل هما من قبيل المتضادّين أو من قبيل المتضائفين أو من قبيل العدم والملكة أو السلب والايجاب، لا سبيل إلى الأوّل لما سيوافيك أنّ البطلان أمر عدمي لا وجودي، وبذلك يعلم عدم كونهما من قبيل المتضايفين لاشتراط كونهما أمرين وجوديين حيث يلزم من تصوّر أحدهما تصوّر الاخر، فانحصر الاحتمال بين الثالث والرابع، ولعلّ الثالث أقرب، وعلى كل تقدير فلو كان أحد المفهومين واضحاً يمكن استظهار معنى الاخر من خلاله.

قال ابن فارس: الحق أصل واحد وهو يدلّ على إحكام الشيء وصحّته فالحق نقيض الباطل ثم يرجع كل فرع إليه بجودة الاستخراج وحسن التلفيق. يقال حقّ الشيء أي وجب، ويقال ثوب محقّق إذا كان محكم النسج، والحقّة من أولاد الابل: ما استحقّ أن يحمل عليه كأنَّه اُحكمت عظامه واشتدّت فاستحق الحمل، والحاقة: القيامة لأنّها تحقّ بكل شيء(٢) .

وقال الراغب في مادة « بطل »: الباطل نقيض الحق وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه، قال تعالى:( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ ) .

اقول: إنّ الحقّ والباطل قد يوصف بهما الاعتقاد واُخرى نفس الواقع الخارجي مع قطع النظر عن الاعتقاد به، فاذا قدّر للشيء نوع من الوجود أو نوع من

__________________

(١) بناء على انّ المراد من الحق الأوّل هو الله سبحانه على انّ التقدير فالحق اقسم به، وفيه أقوال.

(٢) مقاييس اللغة: ج ٢، ص ١٥ ـ ١٧.

١٩٠

الوصف ثمّ قيس إلى الخارج وكان الخارج على وفق ما قدّر ووصف كان الاعتقاد حقّاً والقضيّة الذهنيّة حقّة، وأمّا إذا لم يكن كذلك يكون الاعتقاد باطلاً والقضية باطلة.

قال سبحانه:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( البقرة / ٢١٣ ). اي هداهم إلى العقائد الحقّة المطابقة لنفس الأمر.

هذا إذا وقع الحق والباطل وصفين للإعتقاد والقضيّة الذهنيّة، وأمّا إذا وقعا وصفين لنفس الأمر والواقع الخارجي فتوصيفه بهما يدور مدار ثبوته وعدمه.

فإذا كان الواقع واجب الوجود أي ماله ثبوت لا يشوب ثبوته بطلان، ويكون ثابتاً من جميع الجهات وموجوداً على أيّ تقدير، وموصوفاً بالوجود مطلقا غير مقيّد بقيد ولا مشروطاً بشرط فهو الحقّ المطلق الذي لا يتطرّق اليه البطلان بوجه ما، والحقّ بهذا المعنى ينحصر فيه سبحانه لا غير ولأجل ذلك قال سبحانه:( أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ ) فأتى بضمير الفصل وعرّف الخبر باللام لغاية القصر أي حصر المبتدأ في الخبر، فالله سبحانه حقّ بذاته على الاطلاق بلا شرط وقيد.

أمّا إذا كان الواقع ممكن الوجود فهو حقّ بمقدار ماله من الثبوت وباطل بمقدار ما لا ثبوت له، فبما أنّ الممكن يتّصف بالوجود من جانب علّته، فيكون له الثبوت بفضلها فهو حقّ، وبما أنّه ليس له الوجود من صميم ذاته، وانّه إذا لم يكن له الموجد لبقي على العدم فهو باطل وهالك.

وهناك آيتان ناظرتان إلى ما ذكرنا أعني قوله سبحانه :

١ ـ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلّا وَجْهَهُ ) ( القصص / ٨٨ ).

٢ ـ( وَيُحِقُّ اللهُ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ ) ( يونس / ٨٢ ).

فالاية الأولى ناظرة إلى بطلان الممكن من حيث هو هو، ولأجل ذلك يحكم

١٩١

بهلاكه فعلاً ومستقبلاً فغيره سبحانه محكوم بالهلاك في جميع الأزمان، والاية الثانية ـ لو قلنا بأنّ المراد بكلماته هو أفعاله ـ ناظرة إلى أنّ كل ممكن حقّ لكن بإحقاقه سبحانه، إذ هو الذي يعطي الوجود والثبوت.

وللحكيم الفارابي كلام لا بأس بنقله: يقال: حقّ: للقول المطابق للمخبر عنه، إذا طابق القول، ويقال: حقّ للموجود الحاصل بالفعل، ويقال: حقّ للموجود الذي لا سبيل للبطلان إليه، والأوّل تعالى حقّ من جهة المخبر عنه، حقّ من جهة الوجود، وحقّ من جهة أنّه لا سبيل للبطلان إليه. لكنّا إذا قلنا: إنّه حقّ فلأنّه الواجب الذي لا يخالطه بطلان، وبه يجب وجود كل باطل.

ألا كل شيء ماخلا الله باطل

وكل نعيم لا محالة زائل(١)

وبذلك خرجنا إلى هذه النتيجه أنّه سبحانه حقّ على الاطلاق، وأمّا الممكن فبما أنّه يفقد الوجود من صميم الذات فهو باطل، وبما أنّه متصف بالوجود الظلّي والثبوت التبعي فهو حقّ، ولعلّ إلى بعض ما ذكرنا يشير قول لبيد الذي تقدّم آنفاً.

هذا حال الواجب والممكن وقد عرفت أنّ الأوّل حقّ مطلق، والثاني حقّ من جهة وباطل من جهة اُخرى، وأمّا الممتنع فهو الباطل المحض، ليس له منه حظ.

قال بعض المحقّقين: كل ما يخبر عنه فأمّا باطل مطلقاً، وأمّا حقّ مطلقا، وأمّا حقّ من وجه وباطل من وجه، فالممتنع بذاته هو الباطل مطلقاً، ولا حقيقة له أصلاً، فإنّ الحقيقة هي التي بها ذو حقيقة، حقّ وثابت، لا يمكن انكاره وهي خصوصيّة وجوده الذي يثبت له، والواجب بذاته هو الحق مطلقاً، والممكن بذاته الواجب بغيره فهو حقّ من وجه وباطل من وجه آخر، فهو من حيث ذاته لا وجود له، ومن حيث استفادة الوجود من غيره موجود، فهو من هذا الوجه حقّ وثابت له حقيقة ينتهي إليها وأصل ينبعث منه ويجب وجوده به ويظهر بنوره الظاهر المظهر له

__________________

(١) شرح الأسماء الحسنى: ص ٢٧١.

١٩٢

فلا يكون له وجود وظهور في نفسه بل يكون وجوده وظهوره من أصله المظهر بايجاب وجوده المحقّق لحقيّته وثباته، والممكن من جهة نفسه باطل ولذلك قال:( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلّا وَجْهَهُ ) (١) .

وبذلك يعلم أنّ قوله سبحانه:( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) ( لقمان / ٣٠ ). من غرر الآيات القرآنية، تشتمل على معارف إلهيّة نشير إلى إجمالها :

١ ـ إنّ الحقّ المطلق ثابت لله سبحانه وإنّه لا يوصف به إلّا هو.

٢ ـ إنّ الأصنام والأوثان التي كانت العرب عابدة لها ليس لها من الألوهية شيء، فهي من هذا الجانب باطل محض لا تملك منها شيئاً إلّا الإسم وهذا لا ينافي أن يوصف بالحقّ من حيث أنّ لها درجة من الوجود ككونها جماداً أو نباتاًً أو حيوانا غير أنّ محور البحث كونها آلهة فهي في هذا النظر لا توصف إلّا بالبطلان.

٣ ـ إنّ توصيفه سبحانه بالعليّ في الآية يشير إلى صفاته السلبية ويفيد تنزّهه عمّا لا يليق بساحته فالله سبحانه حقّ منزّه عن كل نقص من الجهل والعجز والزمان والمكان والجسم، فما يدعون من الآلهة ليس لهم من الحقيقة شيء ولا إليهم من الخلق والتدبير شيء، ولا إليهم شيء ممّا يعدّ فعلاً للربّ ككونهم مالكين للمغفرة والشفاعة.

٤ ـ إنّ توصيفه سبحانه بالكبير إشارة إلى صفاته الثبوتية ويفيد سعة وجوده واشتماله على كل كمال وجودي وهو مجمع الصفات الكمالية والجمالية، فهي الذات المستجمعة لجميع صفات الكمال فهو الله عزّ اسمه.

وعلى ذلك فلحق في الآية وفي كل ما وقع وصفاً له سبحانه يعادل واجب الوجود و « العليّ » يقوم مقام الصفات السلبية و « الكبير » يقوم مقام الصفات الثبوتية.

__________________

(١) كتاب كاشف الأسماء في شرح الأسماء الحسنى في اسم الحق.

١٩٣

توصيف الفعل بالحق

إنّ الحقّ كما يوصف به نفس الواجب وذاته فكذلك يوصف به فعله سبحانه لكن بلحاظ آخر قال سبحانه:( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَٰلِكَ إلّا بِالحَقِّ يُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) ( يونس / ٥ ).

أفعاله سبحانه معلّلة بالاغراض

إنّ الذكر الحكيم يصف كثيراً من أفعاله سبحانه بقوله: « بالحق » وبذلك يشير إلى أنّ أفعاله أفعال حكيمة مصونة عن العبث واللغو، ولأجل ذلك ذهبت العدلية إلى أنّ افعاله معلّلة بالاغراض خلافاً للاشاعرة، فإذا كان الهادي في مجال العقائد هو الكتاب فآياته صريحة في ذلك، يقول سبحانه :

( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) ( المؤمنون / ١١٥ ).

وقال عزّ من قائل:( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ) ( الدخان / ٣٨ ).

ويقول سبحانه:( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) ( ص / ٢٧ ).

وقال سبحانه:( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ ) ( الذاريات / ٥٦ ).

والمراد في المقام هو إيجاده بحسب مقتضى الحكمة وبالتالي نزاهة فعله من العبث واللغو، وبذلك يعلم معنى ما يقال: انّ فعله سبحانه كلّه حقّ كما يعلم سرّ اقتران لفظة « بالحق » بكثير من أفعاله التي جاءت في الذكر الحكيم، قال سبحانه:( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ

١٩٤

جَدِيدٍ ) ( إبراهيم / ١٩ ). وتعرب الآية عن أنّ هنا صلة بين خلق السموات والأرض ووجود الإنسان في هذا الكوكب فقال سبحانه:( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ) ( النحل / ١٠٢ ). أفيمكن توصيف الفعل العاري عن الغرض والهدف حتى ما يُرجع إلى المخلوق بأنّه نزّل بالحقّ ؟

والعجب أنّ الأشاعرة وعامّة أهل الحديث الذين يلتزمون التعبّد بظاهر النصوص تعبداً حرفياً قد خرجوا في هذا المقام عن هذا الأصل وقالوا بعدم كون أفعاله معلّلة بالأغراض فماذا جوابهم تجاه هذه الآيات وتكرّر « بالحق » وصفاً لفعله ؟ لا أدري ولا المنجّم يدري.

هلمّ معي ندرس ما ذكره العقليون من الأشاعرة :

١ ـ قالوا: « لو كان فعله تعالى تابعاً لغرض لكان ناقصاً لذاته مستكملاً بتحصيل ذلك الغرض لأنّه لا يصلح غرضاً للفاعل إلّا ما هو أصلح له من عدمه وهو معنى الكمال »(١) .

إنّ المستدلّ خلط بين الغرض الراجع إلى الفاعل والغرض الراجع إلى الفعل فالاستكمال موجود في الأوّل دون الثاني، والقائل بكون أفعاله تابعة للأغراض والغايات والدواعي والمصالح إنّما يعني به الثاني دون الأوّل، والغرض بالمعنى الأوّل ينافي كونه غنيّاً بالذات وغنيّاً في الصفات وغنيّاً في الأفعال، والغرض بالمعنى الثاني يوجب خروج فعله عن كونه عبثاً ولغواً وكونه سبحانه عابثاً ولاهياً، فالجمع بين كونه غنيّاً غير محتاج إلى شيء، وكونه حكيماً منزّهاً عن العبث واللغو يتحقق بالقول باشتمال أفعاله على مصالح وحكم ترجع إلى العباد والنظام لا إلى وجوده وذاته.

٢ ـ قالوا: إنّ العلّة الغائيّة هي احدى أجزاء العلّة التامّة ويراد منها في مصطلح

__________________

(١) المواقف « للقاضي عضد الدين »: ص ٢٣١.

١٩٥

الحكماء ما يخرج بها الفاعل من القوّة إلى الفعل ومن الامكان إلى الوجوب، فهي السبب لخروج الفاعل عن كونه فاعلاً بالقوّة إلى كونه فاعلاً بالفعل، مثلا النجّار لا يقوم بصنع الكرسي إلّا لغاية مطلوبة ولولا تصوّرها لبقى على كونه فاعلاً بالقوّة، فلو كان لأفعاله سبحانه غاية لزم كونه ناقص الفاعليّة في ذاته، وتامّ الفاعليّة بغاية الفعل فيحتاج في فاعليّته إلى شيء وراء ذاته.

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكروه في تفسير العلّة الغائية حقّ لا غبار عليه وقد أخذته مفكّروا الأشاعرة من الفلاسفة واستغلوه في غير موضعه، وخرجوا بهذه النتيجة: إنّ فعله سبحانه عار عن أية غاية وغرض وجعلوا فعله كفعل العابثين واللاعبين يفعل بلا غاية ويعمل بلا غرض، والعلّة الغائيّة بهذا المعنى تنطبق على وجود الغرض للفاعل، ولا تنطبق على وجود الغرض للفعل، وقد عرفت أنّ القائلين بتبعيّة أفعاله للأغراض إنّما يعنون القسم الثاني دون الأوّل، فلا شكّ انّه سبحانه تامّ الفاعلية بالنسبة إلى كلا الفعلين: ما يترتب عليه الغرض وما لا يترتب عليه الغرض لعموم قدرته، لكن كونه حكيماً يصدَّه عن اختيار القسم الثاني، فلا يختار من الأفعال الممكنة إلّا ما يناسب ذلك المبدأ.

وهذا كعموم قدرته للفعل المقترن بالعدل والجور كسوق المطيع إلى الجنة والنار لكن اتّصافه بالعدل يصدّه عن سوقهم إلى النار، ولا يختار إلّا الأوّل وهذا لا يعني انّه في مقام الذات والفاعلية يستكمل بهذا الغرض بل هو في مقام الفاعلية تامّ لكلا العملين، لكن عدله وحكمته وما يناسبهما تقتضي أن يختار هذا دون ذاك، فلو أنّ النافين للأغراض يفرّقون بين الغرضين لما تطرفوا في نفي اقتران فعله بالغرض.

وبذلك يعلم المراد من انتخاب الأصلح وانّه لا يخلق إلّا الأصلح ويترك اللغو والعبث، وليس المراد من ذلك تحديد قدرته ومشيئته من جانب العبد بل العبد يستكشف من خلال صفاته وكمالاته، إنّه لا يختار إلّا الأصلح والأولى مع عموم قدرته على كلا الطرفين، وأظنّ أنّ المسائل الكلامية لو طرحت في جو هادئ

١٩٦

فربّما ينتظم الكلّ في أكثر المسائل في صف واحد ويذوب الاختلاف في كثير من المسائل.

الواحد والثلاثون « الحليم »

قد ورد لفظ « الحليم » مرفوعاً ومنصوباً ١٥ مرّة ووصف به سبحانه كما وصف به بعض أنبيائه كإبراهيم الخليل وشعيب النبيّ، وقد جاء وصفاً له سبحانه في (١١) مورداً وجاء مقترناً بلفظ « غفور » تارة و « عليم » ثانياً و « غني » ثالثاً قال سبحانه:( وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) ( آل عمران / ١٥٥ ).

وقال سبحانه:( وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ) ( الأحزاب / ٥١ ).

وقال سبحانه:( قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ) ( البقرة / ٢٦٣ ).

قال ابن فارس: « الحلم » له اُصول ثلاثة: الأوّل: ترك العجلة، والثاني: تثقّب الشيء، والثالث: رؤية الشيء في المنام، وهي متباينة جدّاً تدلّ على أنّ بعض اللغة ليس قياساً وإن كان أكثره منقاساً.

فالأوّل « الحلم » خلاف الطيش، والثاني قولهم: حلم الأديم إذا تثقّب وفسد، والثالث قد حلم في نومه حلماً.

قال الراغب: « الحلم » ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، وجمعه أحلام قال تعالى:( أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُم بِهَٰذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ) ( الطور / ٣٢ ).

وقيل: معناه عقولهم وليس الحلم في الحقيقة هو العقل لكن فسّروه بذلك لكونه من مسببّات العقل.

الظاهر أنّ المراد من توصيفه سبحانه بالحليم في المقام هو الذي لا يعجل

١٩٧

بالانتقام، يقول سبحانه:( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ) ( فاطر / ٤٥ ).

وقال سبحانه:( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً ) ( الكهف / ٥٨ ).

وهو يجري على الله سبحانه بهذا المعنى وأمّا ما ذكره « الراغب » بأنّه ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، فإنّما هو من خصائص الإنسان الحليم، وليس من صميم معناه حتى يتوقّف توصيفه سبحانه به على تجريده من معناه اللغوي.

قال الصدوق: معناه حليم عمّن عصاه لا يعجل عليهم بعقوبته(١) .

وقال الكفعمي: الحليم ذوالحلم والصفح الذي يشاهد معصية العصاة ثمّ لا يسارع إلى الانتقام مع غاية قدرته، ولا يستحقّ الصافح مع العجز اسم « الحليم » إنّما الحليم هو الصفوح مع القدرة.

ثمّ إنّ الرازي ذكر هنا كلاماً فقال من لا يعجل الانتقام إن كان على عزم أن ينتقم بعد ذلك فهذا يسمّى حقوداً، وإن كان على عزم أن لا ينتقم البتّة فهذا هو العفو والغفران، وأمّا إذا كان على عزم أن لا ينتقم لكن بشرط أن لا يظهر ذلك فهو حليم فإن أظهره كان ذلك عفوّاً »(٢) .

قال بعض المحقّقين: إنّ موقف العلم وعدم الانتصاف والانتقام فيما إذا صدر الظلم منه بالنسبة إلى حقوق الله فله ترك الانتقام مع القدرة عليه على سبيل العجلة والاسراع كي يندم ويستغفر فيُغفر فإنّه جلّ شأنه لا تضرّه المعصية ولا تنقصه المغفرة(٣) .

__________________

(١) التوحيد: ص ٢٠٢.

(٢) لوامع البينات: ص ٢٤٢.

(٣) كاشف الأسماء في شرح الأسماء الحسنى للسيد عماد الدين المتوفّي عام ١١١٠.

١٩٨

وأمّا حظّ العبد من هذا الاسم فهو انّه يمكن أن يكون الإنسان من مظاهر أسمائه فلا يعجل في الانتقام، ولأجل ذلك عدّ الحلم من محاسن الأخلاق، ولـمـّا دعا الخليل ربّه وقال:( وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ) ( الشعراء / ٨٤ ).

فاُجيبت دعوته بقوله:( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ) ( الصافّات / ١٠١ ).

وقد وصف به « إبراهيم » الخليل و « شعيب » النبيّ في بعض الآيات كما عرفت.

الثاني والثلاثون « الحميد »

وقد ورد ذلك اللفظ في الذكر الحكيم بالرفع والنصب (١٧) مرّة وقد وصف به سبحانه في جميعها، وقد انضمّ اليه « غنيّ » تارة و « مجيد » ثانياً و « العزيز » ثالثاً و « حكيم » رابعاً و « الولي » خامساً قال سبحانه:( وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إلّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) ( البقرة / ٢٦٧ ).

وقال سبحانه:( رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) ( هود / ٧٣ ).

وقال سبحانه:( لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الحَمِيدِ ) ( إبراهيم / ١ ).

وقال سبحانه:( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) ( فصّلت / ٤٢ ).

وقال سبحانه:( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الحَمِيدُ ) ( الشورى / ٢٨ ).

قال ابن فارس: « الحمد له أصل واحد يدلّ على خلاف الذم يقال: حمدت

١٩٩

فلاناً أحمده، ورجل محمود ومحمداً إذا كثرت خصاله المحمودة غير المذمومة »(١) .

وقال الراغب: قوله عزّ وجلّ( إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) يصح أن يكون في معنى المحمود وأن يكون في معنى الحامد.

أقول: الحمد على ما هو المعروف: الثناء على الشخص بالفضيلة في ما يصدر منه من الأفعال الاختياريّة.

قال الصدوق: الحميد معناه المحمود وهو فعيل في معنى المفعول والحمد نقيض الذمّ ويقال: « حمدت فلاناً إذا رضيت فعله ونشرته في الناس »(٢) . وهو أخص من المدح فإنّه في مقابل كلّ جميل سواء كان اختياريّا أو تسخيرياً كما إذا مدحت اللؤلؤ بصفاته، وعلى ذلك فالحميد أمّا فعيل بمعنى الفاعل، وعندئذ يكون المراد الله الحامد فإنّه لم يزل يثني على نفسه كما في قوله:( الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) وأمّا فعيل بمعنى المفعول كالقتيل بمعنى المقتول أي هو محمود بحمده لنفسه وحمد عباده له، ومنه قوله:( وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ) ( البقرة / ٣٠ ). ويحتمل أن يكون المراد المستحقّ للحمد والثناء.

وأمّا حظ العبد من هذا الاسم فيقع مظهراً له إذا كان محمود العقيدة والفعل فيستحقّ أن يثنى عليه.

وأمّا الفرق بين الحمد والشكر فسيوافيك عند البحث عن اسم الشاكر والشكور.

الثالث والثلاثون « الحي »

وقد جاءت اللفظة في الذكر الحكيم ١٤ مرّة ووقع وصفاً له في موارد أربعة قال سبحانه :

__________________

(١) مقاييس اللغة: ص ١١٠.

(٢) التوحيد: ص ٢٠٢.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300