أحكام المرأة و الاُسرة

أحكام المرأة و الاُسرة13%

أحكام المرأة و الاُسرة مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: المرأة
الصفحات: 300

أحكام المرأة و الاُسرة
  • البداية
  • السابق
  • 300 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159315 / تحميل: 6112
الحجم الحجم الحجم
أحكام المرأة و الاُسرة

أحكام المرأة و الاُسرة

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٤. روى الإمام الصادقعليه‌السلام عن جده أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه قال لقاض « هل تعرف الناسخ من المنسوخ ؟ » ، قال : لا ، قال : « فهل أشرفت على مراد الله عزّ وجل في أمثال القرآن ؟ » ، قال : لا ، قال : « إذاً هلكت وأهلكت ». والمفتي يحتاج إلى معرفة معاني القرآن وحقائق السنن وبواطن الإشارات والآداب والإجماع والاختلاف والإطّلاع على أُصول ما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه ، ثم حسن الاختيار ، ثم العمل الصالح ، ثم الحكمة ، ثم التقوى ، ثم حينئذٍ إن قدر.(١)

٥. قال أمير المؤمنين علىعليه‌السلام : « سمّوهم بأحسن أمثال القرآن ، يعنى : عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذا عذب فرات فاشربوا ، وهذا ملح أجاج فاجتنبوا ».(٢)

٦. وقال علي بن الحسينعليهما‌السلام في دعائه عند ختم القرآن :

« اللّهمّ انّك أعنتني على ختم كتابك الذي أنزلته نوراً وجعلته مهيمناً على كل كتاب أنزلته ـ إلى أن قال : ـ اللّهم اجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مؤنساً ، ومن نزعات الشيطان وخطرات الوساوس حارساً ، ولأقْدامِنا عن نقلها إلى المعاصي حابساً ، ولألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرساً ، ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجراً ، ولما طوت الغفلة عنّا من تصفح الاعتبار ناشراً ، حتى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه وزواجر أمثاله التي ضعفت الجبال الرواسي على صلابتها عن احتماله ».(٣)

٧. وقال علي بن الحسينعليهما‌السلام في مواعظه : « فاتّقوا الله عباد الله ، واعلموا أنّ الله عزّ وجلّ لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها ، وإنّما خلق الدُّنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيّهم

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ٢ / ١٢١ ح٣٤ ، باب النهى عن القول بغير علم من كتاب العلم.

٢ ـ بحار الأنوار : ٩٢ / ١١٦ ، الباب ١٢ من كتاب القرآن.

٣ ـ الصحيفة السجادية : من دعائه ٧ عند ختم القرآن.

٢١

أحسن عملاً لآخرته ، وأيم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال وصرّف الآيات لقوم يعقلون ولا قوّة إلاّ بالله ».(١)

٨. وقال الإمام الباقرعليه‌السلام لاَخيه زيد بن علي : « هل تعرف يا أخى من نفسك شيئاً مما نسبتها إليه فتجيئ عليه بشاهد من كتاب الله ، أو حجّة من رسول الله ، أو تضرب به مثلاً ، فانّ الله عز وجلّ أحلَّ حلالاً وحرّم حراماً ، فرض فرائض ، وضرب أمثالاً ، وسنَّ سنناً ».(٢)

٩. روي الكليني عن إسحاق بن جرير ، قال : سألتني امرأة أن استأذن لها على أبي عبد اللهعليه‌السلام فأذن لها ، فدخلت ومعها مولاة لها ، فقالت : يا أبا عبد الله قول الله عزّ وجلّ :( زَيتُونةٍ لا شَرْقيةٍ وَلا غَرْبية ) (٣) ما عني بهذا ؟ فقال : « أيّتها المرأة إنّ الله لم يضرب الأمثال للشجر إنّما ضرب الأمثال لبني آدم ».(٤)

١٠. روى داود بن كثير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال : « يا داود إنّ الله خلقنا فأكرم خلقنا وفضلنا وجعلنا أُمناءه وحفظته وخزّانه على ما في السماوات وما في الأرض ، وجعل لنا أضداداً وأعداءً ، فسمّـانا في كتابه وكنّى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبها إليه ، وسمّى أضدادنا وأعداءنا في كتابه وكنّى عن أسمائهم وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأسماء إليه ».(٥)

هذه عشرة كاملة من كلمات أئمّتنا المعصومين حول أمثال القرآن.

__________________

١ ـ الكافي : ٨ / ٧٥.

٢ ـ بحار الأنوار : ٤٦ / ٢٠٤ ، الباب ١١.

٣ ـ النور : ٣٥.

٤ ـ الكافي : ٥ / ٥٥١ ، الحديث ٢ ، باب السحق من كتاب النكاح.

٥ ـ البحار : ٢٤ / ٣٠٣ ، الحديث ١٤.

٢٢

وقد حازت الأمثال القرآنية على اهتمام المفكرين ، فذكروا حولها كلمات تعرب عن أهمية الأمثال ومكانتها في القرآن :

١. قال حمزة بن الحسن الاصبهاني ( المتوفّى عام ٣٥١ هـ ) : لضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء النظائر ، شأن ليس بالخفي في إبراز خفيّات الدقائق ورفع الأستار عن الحقائق ، تريك المتخيَّل في صورة المتحقق ، والمتوهَّم في معرض المتيقن ، والغائب كأنّه مشاهد ، وفي ضرب الأمثال تبكيت للخصم الشديد الخصومة ، وقمع لسورة الجامح الأبيّ ، فإنّه يؤثر في القلوب ما لا يؤثّر وصف الشيء في نفسه ولذلك أكثر الله تعالى في كتابه وفي سائر كتبه الأمثال ، ومن سور الإنجيل سورة تسمّى سورة الأمثال وفشت في كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكلام الأنبياء والحكماء.(١)

٢. قال الإمام أبو الحسن الماوردي ( المتوفّى عام ٤٥٠ هـ ) : من أعظم علم القرآن علم أمثاله ، والنّاس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال ، وإغفالهم الممثَّلات ، والمثل بلا ممثَّل كالفرس بلا لجام والناقة بلا زمام.(٢)

٣. قال الزمخشري ( المتوفّى عام ٥٣٨ هـ ) في تفسير قوله سبحانه :( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ) (٣) : وضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المثل والنظائر ، إلى آخر ما نقلناه عن الاصبهاني.(٤)

٤. وقال الرازي ( المتوفّى عام ٦٠٦ هـ ) : « إن المقصود من ضرب الأمثال انّها

__________________

١ ـ الدرّة الفاخرة في الأمثال السائرة : ١ / ٥٩ ـ ٦٠ والعجب أن هذا النص برمّته موجود في الكشّاف في تفسير قوله سبحانه :( فَما رَبِحَتْ تِجارتهم وَما كانُوا مُهْتَدين مَثَلُهُمْ كَمَثل الَّذي استَوقَدَ ناراً ) ( انظر الكشّاف : ١ / ١٤٩ ).

٢ ـ الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ١٠٤١.

٣ ـ البقرة : ١٧.

٤ ـ الكشّاف : ١ / ٧٢.

٢٣

تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه ، وذلك لأنّ الغرض في المثل تشبيه الخفي بالجلي ، والغائب بالشاهد ، فيتأكد الوقوف على ماهيته ، ويصير الحس مطابقاً للعقل ، وذلك في نهاية الإيضاح ، ألا ترى أنّ الترغيب إذا وقع في الإيمان مجرّداً عن ضرب مثل له لم يتأكد وقوعه في القلب كما يتأكد وقوعه إذا مُثّل بالنور ، وإذا زهد في الكفر بمجرّد الذكر لم يتأكد قبحه في العقول ، كما يتأكد إذا مثل بالظلمة ، وإذا أخبر بضعف أمر من الأمور وضرب مثله بنسج العنكبوت كان ذلك أبلغ في تقرير صورته من الاِخبار بضعفه مجرّداً ، ولهذا أكثر الله تعالى في كتابه المبين ، وفي سائر كتبه أمثاله ، قال تعالى :( وَتِلْكَ الأمْثال نَضْرِبها لِلنّاس ) (١) .(٢)

٥. وقال الشيخ عزالدين عبدالسلام ( المتوفّى عام ٦٦٠ هـ ) : إنّما ضرب الله الأمثال في القرآن ، تذكيراً ووعظاً ، فما اشتمل منها على تفاوت في ثواب ، أو على إحباط عمل ، أو على مدح أو ذم أو نحوه ، فإنّه يدل على الاحكام.(٣)

٦. وقال الزركشي ( المتوفّى عام ٧٩٤ هـ ) : وفي ضرب الأمثال من تقرير المقصود ما لا يخفى ، إذ الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي ، والشاهد بالغائب ، فالمرغب في الإيمان مثلاً ، إذا مثّل له بالنور تأكّد في قلبه المقصود ، والمزهَّد في الكفر إذا مثل له بالظلمة تأكد قبحه في نفسه وفيه أيضاً تبكيت الخصم ، وقد أكثر الله تعالى في القرآن ، وفي سائر كتبه من الأمثال.(٤)

لكن يرد على ما ذكره الزمخشري والرازي والزركشي أنّ ما ذكروه راجع إلى

__________________

١ ـ العنكبوت : ٤٣.

٢ ـ مفاتيح الغيب : ٢ / ٧٢ ـ ٧٣.

٣ ـ الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ١٠٤١.

٤ ـ البرهان في علوم القرآن : ١ / ٤٨٨.

٢٤

نفس الأمثال لا إلى الضرب بها ، فانّ الأمثال شيء وضرب الأمثال شيء آخر ، لأنّ إبراز المتخيل بصورة المحقّق ، والمتوهم في معرض المتيقن ، ليس من مهمة ضرب الأمثال ، وإنّما هي مهمة نفس الأمثال ، « وذلك أنّ المعاني الكلية تعرض للذهن مجملة مبهمة ، فيصعب عليه أن يحيط بها وينفذ فيها فيستخرج سرّها ، والمثل هو الذي يفصّل إجمالها ، ويوضّح إبهامها ، فهو ميزان البلاغة وقسطاسها ومشكاة الهداية ونبراسها ».(١)

السابع : الكتب المؤلفة في الأمثال القرآنية

ولأجل هذه الاَهمية التي حازتها الأمثال القرآنية ، قام غير واحد من علماء الإسلام القدامى منهم والجدد ، بتأليف رسائل وكتب حول الأمثال القرآنية نذكر منها ما وقفنا عليه.

١. « أمثال القرآن » للجنيد بن محمد القواريري ( المتوفّى سنة ٢٩٨ هـ ).

٢. « أمثال القرآن » لاِبراهيم بن محمد بن عرفة بن مغيرة المعروف بنفطويه ( المتوفّـى سنة ٣٢٣ هـ ).

٣. « الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة » لحمزة بن الحسن الاصبهاني ( المتوفّـى ٣٥١ هـ ).

٤. « أمثال القرآن » لأبي على محمد بن أحمد بن الجنيد الاسكافي ( المتوفّى عام ٣٨١ هـ ).

٥. « أمثال القرآن » للشيخ أبي عبد الرحمن محمد بن حسين السلمي النيسابوري ( المتوفّـى عام ٤١٢ هـ ).

__________________

١ ـ تفسير المنار : ١٢٣٧.

٢٥

٦. « الأمثال القرآنية » للاِمام أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي الشافعي ( المتوفّـى سنة ٤٥٠ هـ ).

٧. « أمثال القرآن » للشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية ( المتوفّـى سنة ٧٥٤ هـ ). وقد طبعت مؤخّراً.

٨. « الأمثال القرآنية » لعبد الرحمن حسن حنبكة الميداني.

٩. « أمثال القرآن » للمولى أحمد بن عبد الله الكوزكناني التبريزي ( المتوفّـى عام ١٣٢٧ هـ ). المطبوعة على الحجر في تبريز عام ١٣٢٤ هـ.

١٠. « أمثال القرآن » للدكتور محمود بن الشريف.

١١. « الأمثال في القرآن الكريم » للدكتور محمد جابر الفياضي. وقد طبعت مؤخّراً.

١٢. « الصورة الفنية في المثل القرآني » للدكتور محمد حسين علي الصغير. وقد طبعت مؤخّراً.

١٣. « أمثال قرآن » ( بالفارسية ) لعلي أصغر حكمت. وقد طبعت مؤخّراً.

١٤. « تفسير أمثال القرآن » ( بالفارسية ) للدكتور إسماعيل إسماعيلي. وقد طبعت مؤخّراً.

الثامن : تقسيم الأمثال القرآنية إلى الصريح والكامن

ذكر بدر الدين الزركشي ان الأمثال على قسمين : ظاهر وهو المصرّح به ، وكامن وهو الذي لا ذكر للمثل فيه وحكمه حكم الأمثال.(١)

وقد نقل السيوطي ذلك النص بنفسه وحاول تفسير المثل الكامن ، وقال ما

__________________

١ ـ البرهان في علوم القرآن : ١ / ٥٧١.

٢٦

هذا نصّه : فمن أمثلة الأوّل ، قوله تعالى :( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذي اسْتَوقَدَ ناراً ...) (١) ضرب فيها للمنافقين مثلين : مثلاً بالنار ومثلاً بالمطر ـ ثمّ قال ـ : وأما الكامنة : فقال الماوردي : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم ، يقول : سمعت أبي يقول : سألت الحسين بن فضل ، فقلت : إنّك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن ، فهل تجد في كتاب الله : « خير الأمور أوسطها » ؟ قال : نعم في أربعة مواضع :

قوله تعالى :( لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ ) .(٢)

وقوله تعالى :( وَالّذينَ إذا أَنْفَقُوا لم يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُروا وكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوا ماً ) .(٣)

وقوله تعالى :( وَلا تَجْعَل يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ) .(٤)

وقوله تعالى :( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبيلاً ) .(٥)

قلت : فهل تجد في كتاب الله « من جهل شيئاً عاداه » ؟ قال : نعم ، في موضعين :

( بَل كَذّبُوا بما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ) .(٦)

__________________

١ ـ البقرة : ١٧ ـ ٢٠.

٢ ـ البقرة : ٦٨.

٣ ـ الفرقان : ٦٧.

٤ ـ الإسراء : ٢٩.

٥ ـ الإسراء : ١١٠.

٦ ـ يونس : ٣٩.

٢٧

( وَإِذ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَديم ) .(١)

قلت : فهل تجد في كتاب الله « احذر شر من أحسنت إليه » ؟ قال : نعم.

( وما نَقمُوا إلاّ أن أغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) .(٢)

قلت : فهل تجد في كتاب الله « ليس الخبر كالعيان » ؟ قال : في قوله تعالى :( قالَ أَوَ لَمْ تُوَْمِن قال بَلى ولَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبي ) .(٣)

قلت : فهل تجد « في الحركات البركات » ؟ قال : في قوله تعالى :( وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبيلِ اللهِ يَجِدْ في الأرْضِ مُراغَماً كَثيراً وَسَعَة ) .(٤)

قلت : فهل تجد « كما تدين تدان » ؟ قال : في قوله تعالى :( مَنْ يعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِه ) .(٥)

قلت : فهل تجد فيه قولهم « حين تَقْلي تدري » ؟ قال :( وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حينَ يَرَونَ العَذابَ مَن أَضلُّ سَبِيلاً ) .(٦)

قلت : فهل تجد فيه : « لا يُلدغ المؤمن من جحر مرّتين » ؟ قال :( هَلْ آمنُكُمْ عَليهِ إلا كَما أَمِنتُكُمْ عَلى أَخيهِ مِنْ قَبْلُ ) .(٧)

قلت : فهل تجد فيه « من أعان ظالماً سُلّط عليه » ؟ قال :( كَتَبَ عَليهِ أنَّهُ مَنْ

__________________

١ ـ الأحقاف : ١١.

٢ ـ التوبة : ٧٤.

٣ ـ البقرة : ٢٦٠.

٤ ـ النساء : ١٠٠.

٥ ـ النساء : ١٢٣.

٦ ـ الفرقان : ٤٢.

٧ ـ يوسف : ٦٤.

٢٨

تَوَلاّهُ فَأنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعير ) .(١)

قلت : فهل تجد فيه قولهم : « ولا تلد الحية إلا حيّة » ؟ قال : قوله تعالى :( وَلا يَلِدُوا إلا ف اجِراً كَفّاراً ) .(٢)

قلت : فهل تجد فيه : « للحيطان آذان » ؟ قال :( وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ ) .(٣)

قلت : فهل تجد فيه : « الجاهل مرزوق والعالم محروم » ؟ قال :( مَنْ كانَ فِي الضَّلالةِ فلَيَمْدُد لَهُ الرَّحْمنُ مَدّاً ) .(٤)

قلت : فهل تجد فيه : « الحلال لا يأتيك إلا قوتاً ، والحرام لا يأتيك إلا جزافاً » ؟ قال :( إذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَومَ سَبْتِهِمْ شُرّعاً وَيَومَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهم ) (٥) .(٦)

وقد أخذ عليه « بأنّه لو حققْتَ النظر فيما أورده الماوردي ، لما وجدت مثلاً قرآنياً واحداً بالمعنى الذي يراد التعبير عنه بأنّه مثل كامن ، على أنّ الماوردي لم ينقل عن الحسين بن الفضل بأنّ متخيّره هذا مثل كامن ، ولاسمَّى الماوردي ذلك به ، وإنّما أورد رواية للمقارنة بما يمكن أن يعد أمثالاً من كلام العرب والعجم ، ووضع قائمة مختارة ازاءه من كتاب الله بما يبذّ كلامهم ويعلو على أمثالهم.

فالتسمية إذن اختارها السيوطي متابعاً فيها الزركشي. وطبّق عليها هذه

__________________

١ ـ الحج : ٤.

٢ ـ نوح : ٢٧.

٣ ـ التوبة : ٤٧.

٤ ـ مريم : ٧٥.

٥ ـ الأعراف : ١٦٣.

٦ ـ الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ١٠٤٥ ـ ١٠٤٦.

٢٩

الأمثلة. فهي فيما عنده أمثال كامنة ولكنّه من الواضح أن هذه العبارات القرآنية لا تدخل في باب الأمثال ، فإن اشتمال العبارة على معنى ورد في مثل من الأمثال ، لا يكفي لإطلاق لفظ المثل على تلك العبارة ، فالصيغة الموروثة ركن أساس في المثل ، لذلك نرى أنّ اصطلاح العلماء على تسمية هذه العبارات القرآنية ( أمثالاً كامنة ) محاولة لا تستند على دليل نصّي ولا تاريخي.(١)

تفسير آخر للمثل الكامن :

ويمكن تفسير المثل الكامن بالتمثيلات التي وردت في الذكر الحكيم من دون أن يقترن بكلمة « مثل » أو « كاف » التشبيه ، ولكنّه في الواقع تمثيل رائع لحقيقة عقلية بعيدة عن الحسن المجسّد بما في التمثيل من الأمر المحسوس ، ومن هذا الباب قوله سبحانه :

١.( أَفَمَنْ أسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيرٌ أَمْ مَن أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بهِ في نارِ جَهَنَّم وَاللهُ لا يَهْدي القَوم الظّالِمين ) .(٢)

إنّه سبحانه شبَّه بنيانهم على نار جهنم بالبناء على جانب نهر هذا صفته ، فكما أنّ من بنى على جانب هذا النهر فإنّه ينهار بناءه في الماء ولا يثبت ، فكذلك بناء هؤلاء ينهار ويسقط في نار جهنم ، فالآية تدلّ على أنّه لا يستوي عمل المتقي وعمل المنافق ، فإنّ عمل المؤمن المتقي ثابت مستقيم مبني على أصل صحيح ثابت ، وعمل المنافق ليس بثابت وهو واهٍ ساقط.(٣)

____________

١ ـ الصورة الفنية في المثل القرآني : ١١٨ ، نقلاً عن كتاب « الأمثال في النثر العربي القديم ».

٢ ـ التوبة : ١٠٩.

٣ ـ مجمع البيان : ٣ ٧٣.

٣٠

٢.( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَروا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدخُلُونَ الجنَّةَ حتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي المُجْرِمِين ) .(١)

كانت العرب تمثّل للشيء البعيد المنال ، بقولهم : لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب ، وحتى يَبْيَضَّ القار ، إلى غير ذلك من الأمثال.

يقول الشاعر :

إذا شاب الغراب أتيت أهلي

وصار القار كاللبن الحليب

ولكنّه سبحانه مثّل لاستحالة دخول الكافر الجنّة بأنّهم يدخلون لو دخل الجمل في ثقب الاِبرة ، وقال : ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط ، معبراً عن كونهم لا يدخلون الجنة أبداً.

ففي الآية تمثيل وليس لها من لفظ المثل وحرف التشبيه أثر.

٣.( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإذْنِ رَبّهِ وَالّذي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلاّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرّفُ الآيات لِقَوْمٍ يَشْكُرُون ) .(٢)

إنّ هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر فأخبر بأنّ الأرض كلّها جنس واحد ، إلا أنّ منها طيّبة تلين بالمطر ، ويحسن نباتها ويكثر ريعها ، ومنها سبخة لا تنبت شيئاً ، فإن أنبتت فممّـا لا منفعة فيه ، وكذلك القلوب كلّها لحم ودم ثمّ منها ليّن يقبل الوعظ ومنها قاسٍ جافٍ لا يقبل الوعظ ، فليشكر الله تعالى من لانَ قلبه بذكره.(٣)

__________________

١ ـ الأعراف : ٤٠.

٢ ـ الأعراف : ٥٨.

٣ ـ مجمع البيان : ٢ / ٤٣٢.

٣١

وفي ذيل الآية( كَذلِكَ نُصَرّفُ الآيات ) إلمام إلى كونه تمثيلاً ، كما في الآية التالية.

٤. قال سبحانه :( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلّ الثَّمراتِ وَأَصابَهُ الكِبَر وَلَهُ ذُرّيّةٌ ضُعفاءُ فَأَصابَها إعصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون ) .(١)

أخرج البخاري عن ابن عباس ، قال : قال عمر بن الخطاب يوماً لأصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيمن ترون هذه الآية نزلت( أَيَوَدُّ أَحدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخيل وَأَعْناب ) ؟

قالوا : الله أعلم ، فغضب عمر ، وقال : قولوا : نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء ، فقال : يابن أخي : قل ولا تحقِّر نفسك ، قال ابن عباس : ضربت مثلاً لعملٍ ، قال عمر : أي عمل ؟ قال ابن عباس : لرجل غني عمل بطاعة الله ، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.(٢)

وحصيلة البحث : إنّ التمثيل الوارد في القرآن الكريم ، تارة يقترن بكلمة المثل ، وأخرى يقترن به مع لفظ الضرب حيث اختار سبحانه مادة الضرب لقسم كبير من أمثال القرآن ، وثالثة بحرف كاف التشبيه ، ورابعة بذكر مادة المثل بدون اقتران بواحد منهما مثل قوله :( وَالْبَلَدُ الطَّيّبُ يخْرجُ نَباتهُ بِإذْنِ رَبّهِ وَالّذِي خَبُثَ لا يَخرجُ إلا نَكِداً ) .(٣)

__________________

١ ـ البقرة : ٢٦٦.

٢ ـ صحيح البخاري : التفسير : تفسير سورة البقرة ، باب قوله :( أيودّ أحدكم ) رقم ٤٢٦٤.

٣ ـ الأعراف : ٥٨.

٣٢

التاسع : ما هو المراد من ضرب المثل ؟

قد استعمل الذكر الحكيم كلاً من لفظي « المَثَل » و « المِثْل » في غير واحد من سوره وآياته حتى ناهز استعمالهما ثمانين مرة ، إلاّ أنّ الثاني يزيد على الأوّل بواحد. والأمثال جمع لكليهما ويميّزان بالقرائن قال سبحانه :( إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله عِبادٌ أَمْثالُكُمْ ) (١) وهو في المقام ، جمع المِثْل لشهادة أنّه يحكم على آلهتهم بأنّها مثلهم في الحاجة والاِمكان.

وقال سبحانه :( تِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لعلّهُمْ يَتفَكَّرُون ) .(٢)

فاقتران الأمثال بلفظ الضرب ، دليل على أنّه جمع مَثَل. إلاّ أنّ المهم هو دراسة معنى « الضرب » في هذا المورد ونظائره ، فكثيراً ما يقارن لفظ المثل لفظ الضرب ، يقول سبحانه :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً ) .(٣) وقال سبحانه :( وَلَقَدْ ضَرَبْنا للنّاسِ في هذا القُرآن مِنْ كُلّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرون ) .(٤)

وقد اختلفت كلمتهم في تفسير لفظ « الضرب » في هذا المقام ، بعد اتّفاقهم على أنّه في اللغة بمعنى إيقاع شيء على شيء ، ويتعدّى باليد أو بالعصى أو بغيرهما من آلات الضرب ، قال سبحانه :( أَنِ اضْرِب بِعَصاكَ الْحَجَر ) (٥) وقد ذكروا وجوهاً :

الأوّل : إنّ الضرب في هذه الموارد بمعنى المَثَل ، والمرا د هو التَمثيل ، وهو

__________________

١ ـ الأعراف : ١٩٤.

٢ ـ الحشر : ٢١.

٣ ـ إبراهيم : ٢٤.

٤ ـ الزمر : ٢٧.

٥ ـ الأعراف : ١٦٠.

٣٣

خيرة ابن منظور واستشهد بقوله :( واضْربْ لَهُمْ مَثَلاً أَصحابَ القَرْيَةِ إذْ جاءَها الْمُرسَلُون ) (١) أي مثّل لهم مثلاً وهو حال أصحاب القرية ، وقال :( يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالباطِل ) (٢) أي يمثل الله الحقّ والباطل.(٣) وهذا خيرة صاحب القاموس أيضاً.

الثاني : إنّ الضرب بمعنى الوصف والبيان ، وقد حُكي عن مقاتل بن سليمان ، وفسر به قوله سبحانه :( وضَرَبَ الله مَثلاً عَبداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلى شَيء ) .(٤)

واستشهد بقول الكميت :

وذلك ضرب أخماس أريدت

لأسداس عسى أن لا تكونا(٥)

الثالث : إنّ الضرب بمعنى الاعتماد والتثبيت ، وهو خيرة الشيخ الطوسي(٦) ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ ) ، والزمخشري ،(٧) والآلوسي ،(٨) ( المتوفّى عام ٠٧٢١ ) فقد فسّروا به قوله سبحانه :( يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ) .(٩)

الرابع : إن الضرب في المقام من باب الضرب في الأرض وقطع المسير ،

__________________

١ ـ يس : ١٣

٢ ـ الرعد : ١٧.

٣ ـ لسان العرب : ٢ / ٣٧ ، مادة ضرب.

٤ ـ النحل : ٧٥.

٥ ـ تفسير الطبري : ١ / ١٧٥.

٦ ـ التبيان في تفسير القرآن : ٧ / ٣٠٢.

٧ ـ الكشّاف : ٢ / ٥٥٣.

٨ ـ روح المعاني : ١ / ٢٠٦.

٩ ـ الحج : ٧٣.

٣٤

وضرب المثل عبارة عن جعله سائراً في البلاد كقولك : ضرب في الأرض إذا صار فيها ، ومنه سُمِّيَ الضارب مضارباً.(١)

فإذا كان الضرب بمعنى قطع الأرض وطيّها ، فضرب المثل عبارة عن جعله شيئاً سائراً بين الأقوام والشعوب يمشي ويسير حتى يستوعب القلوب.

وفي المقام كلمة لابن قيم ، يوضّح فيها أكثر هذه الاحتمالات :

ضرب الله سبحانه لعباده ، الأمثال ، وضرب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لاَُمّته الأمثال ، وضرب الحكماء والعلماء والمؤدّبون الأمثال ، فما معنى ضرب المثل ؟

قد يكون مشتقّاً من قولك ( ضرب في الأرض ) أي سار فيها.

فمعنى ضرب المثل جعله ينتشر ويذيع ويسير في البلاد. وإلى هذا ذهب أبو هلال في مقدمة كتابه.(٢)

وقد يكون معنى « ضرب المثل » نصبه للناس بإشهاره لتستدلّ عليه خواطرهم كما تستدلّ عيونهم على الأشياء المنصوبة. واشتقاقه حينئذٍ من قولهم : ( ضربت الخباء ) إذا نصبته.

وقوله تعالى :( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالباطل ) (٣) أي ينصب منارهما ويوضح أعلامهما ليعرف المكلّفون الحق بعلاماته فيقصدوه ، ويعرفون الباطل فيجتنبوه ، كما قال الشريف الرضيّ ( ٣٥٩ ـ ٤٠٦ هـ ) في كتابه « تلخيص البيان في مجازات القرآن » :

__________________

١ ـ الحكم والأمثال : ٧٩.

٢ ـ انظر مقدمة كتاب جمهرة الأمثال.

٣ ـ الرعد : ١٧.

٣٥

وقد يفهم من ضرب المثل صنعه وإنشاؤه ، فيكون مشتقّاً من ضرب اللّبْنِ وضرب الخاتم.

أو قد يكون من الضرب بمعنى : إبقاء شيء على شيء.(١)

ومنه ضرب الدراهم : أي إيقاع النموذج الذي به الصّكُ على الدراهم لتنطبع به ، فكأنّ المثل مطابق للحالة ، أي للصفة التي جاء لإيضاحها ، وخلاصة القول : ضرب المثل مأخوذ : إمّا من :

١. ضرَب في الأرض بمعنى : سار.

٢. ضربه : نصبه للناس وأشهره.

٣. ضرب : صنع وأنشأ.

٤. ضرب : إبقاء شيء على مثال شيء.(٢)

وبذلك يُعلم تفسير قوله سبحانه :( ...وَقالَ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً * انْظُر كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) .(٣)

نرى أنّ المشركين وصفوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بكونه رجلاً مسحوراً ، فيردّ عليه سبحانه باستنكار ويقول :( انظر ـ أيّها النبي ـكيف ضربوا لك الأمثال ) أي كيف وصفوك بأنّك مسحور مع أنّ سيرتك تشهد على خلاف ذلك ، وما تتلو من الآيات كلامه سبحانه لا صلة له بالسحر وإنّ ما يجدونه خلاَّباً للعقول وآخذاً بمجامع القلوب فإنّه هو لأجل عذوبته وجماله وإعجازه الخارق وأين هو من السحر ؟!

__________________

١ ـ تلخيص البيان في مجازات القرآن : ١٠٧.

٢ ـ الأمثال في القرآن الكريم : ٢٠ ـ ٢١.

٣ ـ الفرقان : ٨ ـ ٩.

٣٦

وعلى ذلك فالمعنى المناسب لتفسير الآية ، هو تفسير الضرب بالوصف ، وقد تقدّم أنّ الوصف أحد معانيه ، وأقرّ به ابن منظور : أن انظر كيف وصفوك بكونك مسحوراً.

وأمّا تفسيره بالتمثيل بأن يقال : انظر كيف مثّلوا لك المثال أو التمثيل ، فغير تام ، لأنّ وصف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بكونه « مسحوراً » ، لا مثَل سائر ، ولا تمثيل قياسي.

ونظيره تفسيره بقطع الأرض ، لأنّ المشركين ما وصفوه به ليشهّروه حتى يصير قولهم « سيراً في الأرض ».

العاشر : الأمثال القرآنية وانسجامها مع البيئة

لا شكّ أنّ كلّ خطيب يتأثر بالظروف التي يعيش فيها ، وبسهولة يمكن فرز كلام المدني عن القروي ، وكلامهما عن كلام البدوي ، وما ذاك إلاّ لأنّ البيئة تُعدّ أحد الأضلاع الثلاثة التي تُكوّن شخصية الإنسان ، ومن هذا الجانب أصبح بإمكان المحقّق الخبير بالتاريخ أن يميز الشعر الجاهلي عن الشعر في العصر الاِسلامي ، والشعر في العصر الأموي عن الشعر في العصر العباسي ، وما هذا إلاّ نتيجة انعكاسات البيئة على التراث الاَدبي ، ولكن القرآن بما أنّه كلامه سبحانه قد تنزّه عن هذه الوصمة ، لأنّ الله سبحانه خالق كلّ شيء فهو منزَّه من أن يتأثر بشيء سواه.

ومع ذلك كلّه نزلت الأمثال القرآنية لهداية الناس ولذلك رُوعيَ فيها الغايات التي نزلت لأجلها ، فنجد ان الطابع المكي يعلو هامة الأمثال المكية ، والطابع المدني يعلو هامة الأمثال المدنية.

أمّا الأمثال المكية ، فكانت دائرة مدار معالجة الأدواء التي ابتلي بها

٣٧

المجتمع المكى لا سيما وانّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يجادل المشركين ويسفّه أحلامهم ويدعوهم إلى الإيمان بالله وحده ، وترك عبادة غيره ، والإيمان باليوم الآخر ، ففي خِضمّ هذا الصراع يأتي القرآن بأروع مثل ويشبّه آلهتهم المزعومة التي تمسّكوا بأهدابها ببيت العنكبوت الذي لا يظهر أدنى مقاومة أمام النسيم الهادئ ، وقطرات المطر ، وهبوب الرياح.

يقول سبحانه :( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَولياء كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتّخَذَتْ بَيتاً وإِنَّ أَوهَنَ الْبُيُوتِ لَبيتُ العَنْكَبُوتِ لو كانُوا يَعْلَمون ) .(١)

فقد شبّه آلهتهم التي اتخذوها حصوناً منيعة لأنفسهم بخيوط العنكبوت ، وبذلك صغّرهم وذلّلهم.

كما أنّه سبحانه في آية أخرى شبّه آلهتهم بالذباب ، وقال :( يا أَيُّهَا النّاس ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا له إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً ولَوِ اجْتَمَعوا لَهُ وإن يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوب ) .(٢)

فقد كانت قريش تعبد ٣٦٠ إلهاً يطلونها بالزعفران فيجفّ ، فيأتى الذباب فيختلسه فلا يقدرون عن الدفاع عن أنفسهم ، ففي هذا الصدد ، قال سبحانه :( ضعف الطالب والمطلوب ) أي الذباب والمدعوّ.

فأي مثل أقرع من تشبيه آلهتهم بهذه الحشرة الحقيرة.ولقد مضى على الناس منذ ضرب لهم كتاب الإسلام هذا المثل أربعة عشر قرناً ، وما يزال المثل القرآني يتحدَّى كل جبروت الغزاة وعبقرية العلماء ، وما يزال على الذين غرّهم الغرور بما حقّق إنسان العصر الحديث من معجزات العلم ، أن ينسخوا ذلك ، بأن يجتمعوا

__________________

١ ـ العنكبوت : ٤١.

٢ ـ الحج : ٧٣.

٣٨

فيخلقوا ذباباً ، أو يستنقذوا شيئاً سلبتهم إيّاه هذه الحشرة الضئيلة التي تقتلها ذرّة من هواء مشبع بمُبيد الحشرات ، وتستطيع مع ذلك أن تسلب مخترع المبيد حياته ، بلمسة هيّنة خاطفة تحمل إليه جرثومة داء مميت.(١)

هذا في مجال الردِّ على عبادتهم للاَوثان والأصنام ، أمّا في مجال ركونهم إلى الدنيا والاِعراض عن الآخرة ، يستعرض مثلاً يشير فيه إلى أنّ الدنيا ظل زائل وليست خالدة ، قال سبحانه :( إِنَّما مَثَلُ الحَياة الدُّنيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرض مِمّا يَأكُلُ النّاسُ وَالأنْعامُ حَتّى إذا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَها وَ ازّيّنَتْ وَظَنّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَليها أَتاها أَمْرُنا لَيلاً أو نَهاراً فَجَعَلْناها حَصيداً كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَتَفكَّرُون ) .(٢)

هذا بعض ما يمكن أن يقال حول الأمثال التي نزلت في مكة.

وأمّا الأمثال التي نزلت في المدينة ، فقد نجد فيها الطابع المدني لأجل انّها بصدد علاج الأدواء التي ابتلي بها المجتمع يومذاك وهي الأدواء الخلقية مكان الشرك والوثنية ، أو مكان إنكار الحياة الأخروية ، فلذلك ركّز الوحي على معالجة هذا النوع من الأدواء بالتمثيلات التي سنشير إليها.

فقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مهجره مبتلياً بالمنافقين الذين كانوا يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام بغية الاِطاحة بالحكومة الإسلامية الفتيّة ، وفي هذا الصدد نرى أنّ الأمثال المدنية تطرّقت في آيات كثيرة إلى المنافقين وبيّنت خطورة موقفهم على الإسلام والمسلمين ، فتارة يضرب الله سبحانه لهم مثلاً بالنار وأخرى بالمطر ، يقول سبحانه :( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ

__________________

١ ـ الصورة الفنية في المثل القرآني : ٩٩ ، نقلاً عن كتاب « القرآن وقضايا الإنسان » لبنت الشاطئ.

٢ ـ يونس : ٢٤.

٣٩

ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ في ظُلماتٍ لا يُبْصِرُون * صُمّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون * أَوْ كَصَيّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ المَوتِ وَاللهُ مُحيطٌ بِالكافِرين ) .(١)

كان المجتمع المدني يضمُّ في طيّاته طوائف ثلاث من اليهود وهم : بنو قينُقاع ، وبنو النضير ، وبنو قُريظة ؛ وقد جبلوا على المكر والحيلة والغدر ، وكانوا يقرأون سمات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في توراتهم ، ويمرّون عليها مرار الأمي الذي لا يجيد القراءة والكتابة ، وهذه السمة أدت إلى أن يشبّههم سبحانه بالحمار الذي يحمل أسفاراً قيّمة دون أن يستفيدوا منها شيئاًً ، يقول سبحانه :( مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُوا التَّوراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي القَومَ الظالِمين ) .(٢)

وأمّا المسلمون الذين عاصروا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فكانوا بحاجة إلى هداية إلهية تصلح أخلاقهم ، فقد كان البعض منهم ينفقون أموالهم رئاءً دون ابتغاء مرضاة الله ، أو ينفقونها بالمنّ والأذى ، فنزل الوحي الإلهي بمثل خاص يبيّن موقف المنفق في سبيل الله ، والمنفق بالمنِّ والأذى أو رئاء الناس ، قال سبحانه :( مَثَلُ الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مائةُ حَبّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَليم ) .(٣)

وقال سبحانه :( يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا لاتُبْطِلُوا صَدقاتِكُمْ بِالمَنّ وَالأذى كَالّذي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ وَلا يُؤمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفوانٍ عَليه

__________________

١ ـ البقرة : ١٧ ـ ١٩.

٢ ـ الجمعة : ٥.

٣ ـ البقرة : ٢٦١.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فلو قذفها ثمّ لاعَنَ ونكلت(١) هي عن اللّعان تخلّص الرجل عن حدّ القذف وحُدّت المرأة حدّ الزانية ـ أي اُقيم عليها نفس الحدّ الذي يقام على الزانية ـ لأنّ لعان الزوج بمنزلة البيّنة على زنا الزوجة.

٤ ـ انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة إن تلاعنا لنفيه ـ بمعنى أنّه لو نفاه وادّعت كونه له فتلاعنا ، لم يكن توارث بين الرجل والولد ، فلا يرث أحدهما الآخر ، وكذا لا توارث بين الولد وكلّ من انتسب إليه بالاُبوّة كالجدّ والجدّة والأخ والأخت للأب ، وكذا الأعمام والعمّات ، بخلاف الاُمّ ومن انتسب إليه بها حتى أنّ الإخوة للأب والأُمّ بحكم الإخوة للاُم ، أي لا يؤثّر هذا اللّعان في نفي التوارث بينهم جميعاً وبين الولد.

٥ ـ إذا قذف امرأته بالزنى ولاعنها ، ثمّ كذّب نفسه بعد اللّعان ـ أي أقرّ على نفسه بالكذب ـ لم يحدّ للقذف ولم يزل التحريم ، ولو كذّب في أثنائه ـ أي في أثناء الملاعنة ـ يحدّ(٢) ولا تثبت أحكام اللّعان ، ولو اعترفت المرأة بعد اللّعان بالزنى أربعاً ففي الحدّ تردّد ، والأظهر العدم ، أي لا يقام عليها الحدّ.

٦ ـ إذا كذّب نفسه بعد ما لاعن لنفي الولد ، لحق به الولد فيما عليه من الأحكام لا فيما له منها ـ أي تجب حقوق الولد على هذا الرجل بصفته أب له ، ولكن لا تجب حقوق الأب على هذا الولد لأنّه نفاه عنه ـ فيرثه الولد ولا يرثه الأب ـ أي لا يرث الأب الولد ـ ولا من يتقرّب به ، وسيأتي تفصيل ذلك في كتاب الميراث إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) النكول : نَكَلَ عن العدوِّ وعن اليمين ينكُلُ بالضمّ ، أي جَبُنَ. الصحاح ٥ : ١٨٣٥ « نكَل ».

(٢) أي يقام عليه الحدّ.

٢٦١

مسائل متفرّقة

تتعلّق بالمرأة والاُسرة وخصوصاً الشباب

١ ـ نرى في الغرب المدارس المختلطة بين الإناث والذكور ، فلا يجوز الحضور في هذه المدارس إذا كان الاختلاط يؤدّي إلى وقوع الطالب أو الطالبة في المحرّم ، وأمّا مع الوثوق من الحفاظ على سلامة الدين والقيام بالالتزامات الشرعيّة ومنها الحجاب والتجنّب عن النّظر واللّمس المحرّمين ، وعدم التأثّر بما يحيط بهما من أجواء التحلّل والإنحراف فلا بأس به.

٢ ـ لو أدّى دخول البنات في المدارس الغربيّة إلى إفساد أخلاقهن ، والإخلال بعقائدهن والتزامهن بالشريعة ، فلا يجوز الدخول في هذه المدارس.

٣ ـ لا يجوز اصطحاب الفتيات مع الشباب المسلم في السفرات الجامعيّة لغرض التنزّه والتفريح ، إلاّ مع الأمن من الوقوع في الحرام.

٤ ـ لا يجوز لوليّ الطّفل أن يجعل طفله في مدرسة اُوربيّة يتولّى التدريس فيها أساتذة لا تؤمن بوجود الله ، مع الاحتمال القويّ بالتأثير على عقيدة الطّفل ، والولي يتحمّل المسؤوليّة الكاملة في ذلك.

٥ ـ لا يجوز الحضور في أماكن الفساد مطلقاً على الأحوط وجوباً ، ومن هذه الأمكنة المسابح المختلطة ، سواء كان لغرض السّباحة أو للتنزّه.

٦ ـ تعتبر المصافحة في الغرب من وسائل التحيّة وتبادل الاحترام ، وقد يؤدّي تركها إلى الإخراج من العمل أحياناً أو الحرمان من الدراسة ، أو الاستحقار للمسلم ،

٢٦٢

فلو لم يكن مناصّ للتخلّص من المصافحة ، وأدّى تركها إلى الضّرر أو الحرج الشديد تلبس المسلمة أو المسلم الكفوف إن أمكن ويصافحها الأجنبيّ أو الأجنبيّة.

٧ ـ الأحوط وجوباً ترك رقص النّساء أمام النّساء ، والرجال أمام الرّجال ، ويحرم رقص النساء أمام الرّجال ، ولكن يجوز رقص الزوجة لزوجها وبالعكس إذا لم يكن بمنظر الغير.

٨ ـ لو كان درس الرّقص غير مقترن بالغناء والموسيقي المحرّمة ، وهو جزء من المادّة الدراسية التي لا يسمح بتركها ، ونافت التربية الدينيّة ، فيحرم حضور هذا الدرس ، بل وإن لم تنافيها على الأحوط وجوباً.

٩ ـ يجوز للمسلم أن يرسل ابنه إلى معاهد تعلّم الموسيقي باعتبارها فنّ من الفنون ، إن لم يقترن بالعزف المحرّم عمليّاً ، بشرط أن يحرز عدم تأثير ذلك على تربية الولد وتديّنه.

١٠ ـ يجوز للمرأة المسلمة أن تلتحق بالكلّيات المختلطة في الغرب ، هذا إذا وثقت من نفسها بأنّها سوف تلتزم بالشريعة ، ولا يؤدّي ذلك إلى ارتكابها للمحرّم ، وإن لم تثق من نفسها فلا يجوز لها الالتحاق(١) .

١١ ـ لو تحدّث الرّجل مع عدّة نساء أجنبيّات بقصد الاقتناع بواحدة منهنّ ، واختيار إحداهنّ للزواج فلا بأس فيه ، مادام خالياً من الحديث المحرّم الذي لا يجوز مع الأجنبيّة ، وتجرّد عن النظر المحرّم وخوف الإنجرار إلى الوقوع في الحرام.

١٢ ـ الأحوط وجوباً ترك النظر إلى صورة امرأة محجّبة يعرفها وقد ظهرت في الصورة من دون حجاب ، هذا في غير الوجه والكفّين ، أمّا الوجه والكفّين فيجوز

__________________

(١) فقه الحضارة : ١٨٣.

٢٦٣

النظر لهما من دون تلذّذ وريبة.

١٣ ـ لو احتفظ بصورة صبيّة وقد بلغت سنّ التكليف الآن فلا يجوز على ـ الأحوط وجوباً ـ أن ينظر لتلك الصورة إن كانت مطابقة لأوصافها بعد تكليفها ، ويجوز له النظر إلى وجهها وكفّيها مع عدم الالتذاذ وخوف الافتتان.

١٤ ـ نجد في أسواق الغرب الأجهزة التناسلية المصطنعة ـ للمرأة والرجل ـ للالتذاذ ، فلا يجوز ذلك إذا كان قد قصد الإمناء ، أو كان من عادته ذلك ، والأحوط وجوباً له الاجتناب حتى مع الاطمئنان من عدم الإمناء.

٢٦٤

مسائل تتعلّق بالجنس

١ ـ المقصود من التلذّذ الشهوي ـ الذي هو مقياس للحرمة ـ ليس هو مطلق التلذّذ ، بلّ خصوص التلذّذ الجنسي ، ولا يشمل التلذّذ الروحيّ الذي يحصل للإنسان أثر مشاهدة الطبيعة اللطيفة ، كالنظر إلى حديقة زاهية أو منظر جميل ، ولكنّه بعيد في المورد ممّن لم يفقد القوة الشهويّة.

والمراد من الريبة هو خوف الافتتان والوقوع في الحرام ، وهو مقياس آخر للحرمة ، وأمّا الحدّ الأدنى في الالتذاذ المحرّم هو حصول أوّل درجة من درجات الإحساس الجنسي حتى مع عدم إفراغ الشهوة كلّها.

٢ ـ هناك فرق بين النّظرة الأُولى والثانية ، فإذا نظر الرجل إلى المرأة ـ أو بالعكس ـ بالنّظرة الأُولى فلا يترتّب على ذلك حرمة شرعاً ، والمقصود من النّظرة الأُولى هي النّظرة العابرة الصدفيّة الخالية من أيّ التذاذ أو ريبة ، بخلاف النظرة الثانية التي يتقصّد الإنسان فيها ، ويلتذّ بها نوعاً مّا ، وهي التي تزرع في القلب الشهوة ، وكفى بها لصاحبها فتنة كما جاء عن المعصومعليه‌السلام .

وكذلك تحرم النّظرة الثانية وإن كانت خالية من الالتذاذ ; لأنّها قد توقع الإنسان في الحرمة ، فتحرم من باب خوف الريبة.

٣ ـ لا يجوز النّظر إلى بدن المحارم بشهوة أو خوف الوقوع في الحرام ، والمحارم من يحرم الزواج منهم أبداً إلى آخر العمر ، سواء من جهة النسب كالأُمّ والأُخت

٢٦٥

وغيرهنّ ، أو من جهة الرّضاعة كالأُخت في الرضاعة ، أو من جهة المصاهرة كأُمّ الزوجة وأب الزوج مثلاً.

٤ ـ لا يجوز للشاب أن يجلس مع الشابّة فيبادل معها الحديث من غير شهوة ولا خوف الوقوع في الحرام ، إذا كانت المناظر استفزازيّة لا يؤمن معها من الانجرار إلى الحرام ، وأمّا مجرّد التحدّث من غير شهوة ولا خوف الانجرار إلى الحرام فلا بأس به.

مرض الإيدز

من الأمراض الخطيرة التي شاعت وخصوصاً في الدول الغربيّة مرض الإيدز ، وذلك نتيجة للاختلاط الجنسي المفرط ، ومن المؤسف أنّ لهذا المرض قابليّة الانتشار والسريان عن طرق متعدّدة مضافاً إلى الجنس ، كانتقاله بالدم والأجنّة الملوّثة من الأُمّ المصابة إلى جنينها ، أو انتقاله إلى الأولاد أثناء وضع الحمل.

ولخطورة هذا المرض يجب عل المصاب أن يتوقّى عن الأسباب الناقلة للمرض حتى لا يصاب به غيره ، وكذلك يجب على الآخرين المراقبة والوقاية منه ، ولا يجوز منعه عن الحضور في الأمكنة العامّة كالمساجد ونحوها مع الأمن من انتقال العدوى إلى غيره.

٢٦٦

كتاب الإرث

موجبات الإرث

موجبات الإرث على نوعين : نسب ، وسبب.

أمّا النسب فله ثلاث طبقات :

الطبقة الأُولى : صنفان : أحدهما الأبوان المتّصلان ـ اي الوالدان ـ دون الأجداد والجدّات ، وثانيهما الأولاد وإن نزلوا ـ أي أولاد الأولاد وأولاد البنات ـ ذكوراً وإناثاً.

الطبقة الثانية : صنفان أيضاً : أحدهما الأجداد والجدّات وإن علوا ـ أي أجداد الأجداد ، وأجداد الجدّات ، وثانيهما : الإخوة والأخوات وأولادهم وإن نزلوا.

الطبقة الثالثة : صنف واحد وهم : الأعمام والأخوال وإن علوا ، كأعمام الآباء والاُمهات وأخوالهم وأعمام الأجداد والجدّات وأخوالهم ، وكذلك أولادهم ـ وإن نزلوا ـ كأولاد أولادهم ، وأولاد أولاد أولادهم ، وهكذا بشرط صدق القرابة للميّت عرفاً.

وأما السّبب فهو قسمان : زوجيّه ، وولاء.

والولاء ثلاث طبقات : ولاء العتق ، ثمّ ولاء ضمان الجّريرة ، ثم ولاء الإمامة ، أي أنّ الإمامعليه‌السلام يرث من ليس له سبب أو نسب.

٢٦٧

في أقسام الوارث

ينقسم الوارث إلى خمسة أقسام :

١ ـ من يرث بالفرض ـ أي المقدار المعيّن في الشريعة ، وهو ما ورد في القرآن الكريم في آية المواريث من سورة النساء(١) ، وهو الزوجة فإنّ لها الربع مع عدم الولد ، والثمن معه ، ولا يُردّ عليها أبداً ـ أي لا تأخذ أكثر ممّا فرض لها أصلاً ولا تستحقّ شيئاً ممّا زاد من السّهام.

٢ ـ من يرث بالفرض دائماً وربما يرث بالردّ ـ كالاُم فإنّ لها السّدس مع الولد ، والثلث مع عدمه إذا لم يكن حاجب ، وربما يردّ عليها زائداً على الفرض كما إذا زادت الفريضة على السهام ، وكالزوج فإنّه يرث الربع مع الولد والنّصف مع عدمه ، ويردّ عليه إذا لم يكن وارث إلاّ الإمام.

٣ ـ من يرث بالفرض تارة وبالقرابة اُخرى ، كالأب فإنّه يرث بالفرض مع وجود الولد وبالقرابة مع عدمه ، والبنت والبنات فإنّهن يرثن مع الابن بالقرابة ـ أي بسبب القرابة ـ وبدونه بالفرض ، والاُخت والأخوات للأب أو للأبوين فإنّهن يرثن مع الأخّ بالقرابة ومع عدمه بالفرض ، وكالإخوة والأخوات من الاُم فإنّهم يرثون بالفرض إذا لم يكن جدّ للاُمّ ، وبالقرابة معه.

٤ ـ من لا يرث إلاّ بالقرابة ، كالابن ، والإخوة للأبوين أو للأب ، والجدّ والأعمام والأخوال.

٥ ـ من لا يرث بالفرض ولا بالقرابة بل يرث بالولاء ، وهو المُعتِق وضامن الجريرة ، والإمامعليه‌السلام .

__________________

(١) النساء ٤ : ١١ ـ ١٢.

٢٦٨

في أنواع السهام

الفرض هو السهم المقدّر في الكتاب المجيد ، وهو ستة أنواع ، وأصحابها ثلاثة عشر ، كما يلي :

١ ـ النصف ، وهو للبنت الواحدة ، والأُخت للأبوين أو للأب فقط إذا لم يكن معها أخ ، وللزوج مع عدم الولد للزوجة وإن نزل.

٢ ـ الرّبع ، هو للزوج مع الولد للزوجة وإن نزل ـ أي لو ماتت الزوجة وكان لها ولد أو ولد الولد فيأخذ الزوج ربع الإرث ـ وللزوجة مع عدم الولد للزوج وإن نزل ، والزوجة تأخذ الربع فإن كانت واحدة اختصّت به وإلاّ فهو لهنّ بالسوية.

٣ ـ الثمن ، وهو للزوجة مع الولد للزوج وإن نزل ، فإن كانت واحدة اختصّت به ، وإلاّ فهو لهنَّ بالسويّة أي وإن كنّ أكثر من واحدة فيقسّم الثمن عليهن جميعاً.

٤ ـ الثلثان ، وهو للبنتين فصاعداً مع عدم الابن المساوي ، وللاُختين فصاعداً ـ أي إن كنّ الأخوات أكثر من اثنتين ـ للأبوين أو للأب فقط مع عدم الأخ.

٥ ـ الثلث ، وهو سهم الأُم مع عدم الولد وإن نزل ، وعدم الإخوة ـ أي إذا لم يكن للميّت ولد أو ولد الولد ، أو إخوة ـ على تفصيل يأتي(١) ، وللأخ والاُخت من الاُم مع التعدّد.

٦ ـ السدس ، وهو لكلّ واحد من الأبوين مع الولد ـ أي إن كان لهما ولد ـ وإن نزل ، وللاُم مع الإخوة للأبوين ـ أي مع وجود الإخوة إن كانوا من طرف الأبوين ـ أو الأب فقط ، وللأخ الواحد من الأُم والاُخت الواحدة منها.

__________________

(١) التفصيل مذكور في ارث الطبقة الأولى فراجع.

٢٦٩

في بطلان العول والتعصيب

العول هنا : هو ارتفاع الفريضة وازدياد السّهام ، فيدخل النقصان على بعض معيّن من أهل الفرائض دون البعض الآخر ، ففي إرث الطبقة الأُولى يدخل النقص على البنت أو البنات ، وفي إرث الطبقة الثانية كما إذا ترك زوجاً أو اُختاً واُختين من الأمّ فإنّ سهم الزوج النصف ، وسهم الأُخت من الأبوين النصف ، وسهم الاُختين من الأمّ الثلث ، ومجموعها زائد على الفريضة ، يدخل النّصف على المتقرّب بالأبوين كالاُخت في المثال دون الزوج ، ودون المتقرّب بالأُم.

والتعصيب من العصبة : وهم الرجال ما بين العشرة إلى الأربعين ، ويقصد به هنا قلّة الورثة ، وزيادة مقدار عن القسمة فلمن يعطى هذا الزائد ؟ قال علماؤنا : يقسّم الزائد على ذوي الفروض فيرثون الإضافة بالردّ ، كالبنت مثلاً ترث النّصف بالفرض والنّصف الآخر بالردّ.

هذا إذا كان الورثة جميعاً ذوي فروض ، وأمّا إذا لم يكونوا جميعاً ذوي فروض فيقسّم المال بينهم ، وإذا كان بعضهم ذا فرض دون آخر اُعطي ذو الفرض فرضه ، واُعطي الباقي لغيره.

٤ ـ إذا تعدّد الورثة فتارة يكونون جميعاً ذوي فروض ـ أي مذكورين في آية المواريث ـ واُخرى لا يكونون جميعاً ذوي فروض ، وثالثة يكون بعضهم ذا فرض دون بعض.

وإذا كانوا جميعاً ذوي فروض ، فتارة تكون فروضهم مساوية للفريضة ـ أي بمقدار ما ذكر في الكتاب الكريم ـ واُخرى تكون زائدة عليها ، وثالثة تكون ناقصة

٢٧٠

عنها :

فالاُولى ـ أي ما كانت متساوية بالفروض ، مثل أن يترك الميت أبوين وبنتين ، فإن سهم كلّ واحد من الأبوين السّدس ، وسهم البنتين الثلثان ، ومجموعها مساوٍ للفريضة ؛ لأنّ السدسين متساويان مع الثلث.

والثانية : مثل أن يترك الميّت زوجاً وأبوين وبنتين ، فإنّ السهام في الفرض الربع والسدسان والثلثان ، وهي زائدة على الفريضة.

موانع الإرث

أوّلا : الكفر

١ ـ لا يرث الكافر من المسلم وإن كان قريباً ، وإن كان ابنه وغير ذلك ، ويختصّ إرثه بالمسلم وإن كان بعيداً ، فلوكان له ابن كافر وللابن ابن مسلم يرثه ابن الابن دون الابن ، وكذا إذا كان له ابن كافر وأخ أو عمّ أو ابن عمّ مسلم يرثه المسلم دونه ـ أي دون الابن الكافر ـ بل وكذا إذا لم يكن له وارث من ذوي الأنساب وكان له معتِق أو ضامن جريرة مسلم يختصّ إرثه به ، أي المسلم دون الكافر.

وإذا لم يكن له وارث مسلم في جميع الطّبقات من ذوي الأنساب وغيرهم إلاّ الإمامعليه‌السلام كان إرثه له ، ولم يرث الكافر منه شيئاً. ولا فرق في الكافر بين الأصلي ذميّاً كان أم حربيّاً ـ أي أنّ الكافر لا يرث سواء كان من أهل الكتاب أو لم يكن منهم ـ والمرتدّ فطريّاً ـ أي سواء كان من أبوين مسلمين ، أو كان أحدهما مسلماً ـ أم مليّاً ـ أي كان من أبوين كافرين وقد أسلم هو ثم ارتدّ بعد ذلك ـ كما لا فرق في المسلم بين الإماميّ وغيره.

٢٧١

٢ ـ المسلم يرث الكافر ويمنع من إرث الكافر للكافر وإن كان المسلم بعيداً والكافر قريباً ، فلو مات كافر وله ولد كافر وأخ مسلم ، أو عمّ مسلم ، أو معتِق أو ضامن جريرة مسلم ، ورثة ـ أي المسلم ـ ولم يرثه الكافر ، نعم إذا لم يكن له وارث مسلم إلاّ الإمامعليه‌السلام لم يرثه ـ أي لا يرث الإمام الكافر مع عدم وجود مسلم من أقربائه ـ بل تكون تركته لورثته الكفّار حسب قواعد الإرث ، هذا إذا كان الكافر أصليّاً ـ أي إذا لم يكن مرتدّاً ـ أمّا إذا كان مرتدّاً عن ملّة أو فطرة فالمشهور أنّ وارثه الإمامعليه‌السلام ، ولا يرثه الكافر ، وكان بحكم المسلم ولكن لا يبعد أن يكون المرتدّ كالكافر الأصليّ ، ولا سيما إذا كان مليّاً ـ أي أنّ الإمام لا يرث هذا المرتدّ ويرثه أقرباؤه من الكفّار مع فقدان المسلم الضامن لجريرته أو الذي أعتقه.

٣ ـ إذا مات الكافر وله ولد صغير ـ أو أكثر ـ محكوم بالكفر تبعاً ـ أي تبعاً للأب ـ وكان له وارث مسلم من غير الطّبقة الأولى واحداً كان أو متعدّداً ، دفعت تركته إلى المسلم ـ أي وإن كان من غير الطّبقة الأُولى ـ والأحوط لزوماً ـ أي وجوباً ـ أن ينفق منها على الصغير إلى أن يبلغ ـ فإن أسلم ـ أي الصغير بعد بلوغه ـ حينئذٍ وبقي شيء من التركة دفعه إليه ، وإن أسلم قبل بلوغه سلّم الباقي إلى الحاكم الشرعي ليتصدّى للإنفاق عليه ، فإن بقي مسلماً إلى حين البلوغ دفع إليه المتبقي من التركة ـ إن وجد ـ وإلاّ دفعه إلى الوارث المسلم.

٤ ـ لو مات مسلم عن ورثة كفّار ليس بينهم مسلم ، فأسلم واحد منهم بعد موته بلا فصل معتدّ به ـ أي بلا فاصلة زمنيّة معتبرة عرفاً ـ اختص هو ـ أي المسلم ـ بالإرث ولم يرثه الباقون ، ولم ينته الأمر إلى الامامعليه‌السلام .

ولو أسلم أكثر من واحد دفعة أو متتالياً ورثوه جميعاً مع المساواة في الطّبقة ـ

٢٧٢

أي إن كانوا جميعاً من الطّبقة الأُولى أو الثانية مثلاً ـ وإلاّ اختصّ به من كان مقدّماً بحسبها.

٥ ـ لو مات مسلم أو كافر وكان له وارث كافر ووارث مسلم غير الإمامعليه‌السلام وأسلم وارثة الكافر بعد موته ، فإن كان وارثه المسلم واحداً اختصّ بالإرث ، ولم ينفع لمن أسلم إسلامه ، نعم لو كان الواحد هو الزوجة وأسلم قبل القسمة بينها وبين الإمامعليه‌السلام نفعه إسلامه ، فيأخذ نصيبه من تركته ، وأمّا لو كان وارثه المسلم متعدّداً فإن كان إسلام من أسلم بعد قسمة الإرث لم ينفعه إسلامه ولم يرث شيئاً ، وأمّا إذا كان إسلامه قبل القسمة فإن كان مساوياً في المرتبة مع الوارث المسلم شاركه ، وإن كان مقدّماً عليه بحسبها ـ أي إذا كان من الطّبقة الأولى مثلاً ، أو طبقة مقدّمة على غيرها ـ انفرد بالميراث ، كما إذا كان إبناً للميّت والوارث المسلم إخوة له ، وتستثنى من هذا الحكم صورة واحدة تقدمت في المسألة رقم(٣) .

٦ ـ المراد من المسلم والكافر ـ وارثاً وموروثاً وحاجباً ـ أي مانعاً من الإرث ـ ومحجوباً ـ أي ممنوعاً ـ أعمّ من المسلم والكافر بالأصالة وبالتبعيّة ، ومن الثاني المجنون والطفل غير المميّز ، والمميّز الذي لم يختر الإسلام أو الكفر بنفسه ، فكلّ طفل غير مميّز أو نحوه كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته بحكم المسلم ـ أي تجري عليه أحكام المسلم ـ فيمنع من إرث الكافر ، ولا يرثه الكافر بل يرثه الإمامعليه‌السلام ، لأنّه بحكم المسلم إذا لم يكن له وارث مسلم ، وكلّ طفل غير مميّز أو نحوه ـ أي المجنون ـ كان أبواه معاً كافرين حال انعقاد نطفته بحكم الكافر ، فلا يرث المسلم مطلقاً كما لا يرث الكافر ، إذا كان له وارث مسلم غير الإمام على كلام في بعض الصور تقدّم في المسألة رقم(٣) ، نعم إذا أسلم أحد أبويه قبل بلوغه تبعه في

٢٧٣

الإسلام ، وجرى عليه حكم المسلمين كما مرّ.

٧ ـ المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب والأُصول والعقائد ـ أي وإن كان بعضهم من السنّة والآخر من الشيعة مثلاً ـ نعم المنتحلون للإسلام المحكومون بالكفر ـ كالنواصب والخوارج والغلاة ـ ممّن تقدّم ذكرهم في كتاب الطهارة لا يرثون من المسلم ويرث المسلم منهم.

٨ ـ الكفّار يتوارثون وإن اختلفوا في الملل والنحل ، فيرث النصرانيّ من اليهوديّ وبالعكس ، بل يرث الحربيّ من الذمّي وبالعكس ، لكن يشترط في إرث بعضهم من بعض فقدان الوارث المسلم كما تقدّم.

٩ ـ المرتدّ : وهو من خرج عن الإسلام واختار الكفر على قسمين : فطريّ ، ومليّ. والفطريّ من ولد على إسلام أحد أبويه أو كليها ثمّ كفر ، وفي اعتبار إسلامه بعد التمييز قبل الكفر وجهان أقربهما الاعتبار.

وحكم الفطري أنّه يقتل في الحال ، وتبين منه زوجته ـ أي يفرّق بينه وبينها ـ بمجرّد ارتداده ، وينفسخ نكاحها بغير طلاق ، وتعتدّ عدّة الوفاة ثم تتزوّج إن شاءت ، وتُقسّم أمواله التي كانت له حين ارتداده بين ورثته بعد أداء ديونه كالميّت ولا ينتظر موته.

وأمّا بالنسبة إلى ما عدا الأحكام الثلاثة المذكورات فالأقوى قبول توبته ـ أي لا تؤثّر توبته في وجوب قتله ، والتفريق بينه وبين زوجته ، وتقسيم أمواله باطناً وظاهراً ، فيطهر بدنه ، وتصحّ عباداته ، ويجوز تزويجه من المسلمة ، بل له تجديد العقد على زوجته السابقة ، حتى قبل خروجها من العدّة على القول ببينونتها عنه بمجرّد الارتداد ، والظّاهر أنّه يملك الأموال الجديدة بأسبابه الاختيارية ـ كالنجارة والحيازة ـ

٢٧٤

والقهريّة ـ كالإرث ـ ولو قبل توبته.

وأمّا المرتد المليّ ـ وهو من يقابل الفطريّ ـ فحكمه أنّه يستتاب ـ أي يطالب بالتوبة ـ فإن تاب وإلاّ قتل ، وانفسخ نكاح زوجته ـ أي المسلمة ـ إذا كان الارتداد قبل الدخول أو كانت يائسة أو صغيرة ولم تكن عليها عدّة ، وأمّا إذا كان الارتداد بعد الدخول وكانت المرأة في سنّ من تحيض وجب عليها أن تعتدّ عدّة الطّلاق من حين الارتداد ، فإن رجع عن ارتداده إلى الإسلام قبل انقضاء العدّة بقي الزواج على حاله على الأقرب ، وإلاّ انكشف أنّها قد بانت عنه عند الارتداد.

ولا تقسّم أموال المرتدّ المليّ إلاّ بعد موته ـ أي لا حين الارتداد كما في المرتدّ الفطريّ ـ بالقتل أو غيره ، وإذا تاب ثمّ ارتدّ ففي وجوب قتله من دون استتابة في الثالثة أو الرابعة إشكال.

هذا إذا كان المرتدّ رجلاً ، وأمّا لو كان امرأة فلا تقتل ولا تنتقل أموالها عنها إلى الورثة إلاّ بالموت ، وينفسخ نكاحها بمجرّد الارتداد بدون اعتداد ـ أي بدون عدّة ـ مع عدم الدخول ـ أي مع عدم كونها مدخولاً بها ـ أو كونها صغيرة أو يائسة ، وإلاّ توقّف الانفساخ على انقضاء العدّة وهي بمقدار عدّة الطلاق.

وتحبس المرتدّة ويضيّق عليها ، وتضرب على الصلاة حتى تتوب ، فإن تابت قبلت توبتها ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون مرتدّة عن ملّة أو عن فطرة.

١٠ ـ يشترط في ترتيب الأثر على الارتداد البلوغ ، وكمال العقل ، والقصد والاختيار ، فلو أكره على الارتداد فارتدّ كان لغواً ، وكذا إذا كان غافلاً أو ساهياً ، أو هازلاً أو سبق لسانه ، أو كان صادراً عن الغضب الذي لا يملك معه نفسه ويخرج به عن الاختيار ، أو كان عن جهل بالمعنى.

٢٧٥

ثانياً : القتل

١ ـ لا يرث القاتل من المقتول إذا كان القتل عمداً وظلماً ، ويرث منه إذا كان بحقّ قصاصاً أو حدّاً ، أو دفاعاً عن نفسه أو عرضه أو ماله ، وكذا إذا كان خطأ محضاً ـ أي ليس خطأ شبيهاً بالعمد ـ كما إذا رمى طائراً فأخطأ وأصاب قريبه المورِّث فإنّه يرثه ، نعم لا يرث ـ أي القاتل ـ من ديّته ـ أي ديّة المقتول ـ التي تتحملها العاقلة(١) على الأقوى.

وأمّا إذا كان القتل خطأً شبيهاً بالعمد ـ وهو ما إذا كان قاصداً لإيقاع الفعل على المقتول غير قاصد للقتل ، وكان الفعل ممّا لا يترتّب عليه القتل في العادة ، كما إذا ضربه بما لا يقتل عادة ، قاصداً ضربه غير قاصداً قتله ، فأدّى إلى قتله ، ففي كونه مثل العمد مانعاً عن الإرث أو كالخطأ المحض ـ فلا يمنع منه ـ قولان ، أقواهما الثاني.

٢ ـ لا فرق في مانعيّة القتل العمدي ـ ظلماً ـ عن الإرث بين أن يكون ـ أي القتل ـ بالمباشرة ـ كما لو ضربه بالسيف أو أطلق عليه الرّصاص فمات ، وأن يكون بالتسبيب كما لو ألقاه في مسبعة فافترسه السّبع ، أو حبسه في مكان زماناً طويلاً بلا قوت فمات جوعاً أو عطشاً ، أو أحضر عنده طعاماً مسموماً من دون علم منه ـ أي المقتول فأكله ، أو أمر مجنوناً أو صبيّاً غير مميّز بقتله فقتله ، الى غير ذلك من التسبيبات التي ينسب ويستند معها القتل إلى المسبِّب ، نعم بعض التسبيبات التي قد يترتّب عليها التلف ممّا لا ينسب ولا يستند إلى المسبِّب كحفر البئر وإلقاء المزالق والمعاثر في الطّرق والمعابر وغير ذلك ، من دون أن يقصد بها القتل وإن أوجب الضمان والديّة على

__________________

(١) عاقلة الرجل : عصبته ، وهم القرابة من قبل الأب الذين يعطون ديّة من قتله خطأً. الصحاح ٥ : ١٧٧١ ، « عقل ».

٢٧٦

مسبّبها ، إلاّ أنّها غير مانعة من الإرث ، فيرث حافر البئر في الطّريق عن قريبه الذي وقع فيها ومات إذا لم يقصد به قتله ، ولم يكن ممّا يترتّب عليه الموت غالباً ، وإلاّ كان قاتلاً عمداً فلا يرث منه.

٣ ـ إذا أمر شخصاً عاقلاً بقتل مورّثه ، متوعّداً بإيقاع الضّرر عليه أو على من يتعلق به إن لم يفعل ، فامتثل ـ أي الشخص الثالث ـ أمره باختياره وإرادته فقتله ، لم يحرم الآمر ـ أي بالقتل ـ من ميراثه ; لأنّه ليس قاتلاً حقيقة وإن كان آثماً ، ويحكم بحبسه مؤبّداً إلى أن يموت ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما توعّد به هو القتل أو دونه.

٤ ـ كما أنّ القاتل ممنوع عن الإرث من المقتول كذلك لا يكون حاجباً ـ أي مانعاً ـ عمّن هو دونه في الدرجة ، ومتأخّر عنه في الطبقة ، فوجوده كعدمه ، فلو قتل شخص أباه وكان له ـ أي للقاتل ـ ابن ولم يكن لأبيه أولاد غير القاتل يرث ابن القاتل عن جدّه ، وكذا لو انحصر وارث المقتول من الطّبقة الأولى في ابنه القاتل وله إخوة كان ميراثه لهم ـ أي للإخوة ـ دون ابنه ، بل لو لم يكن له وارث إلاّ الإمامعليه‌السلام ورثه ـ أي الإمامعليه‌السلام ـ دون إبنه.

٥ ـ لا فرق في مانعيّة القتل بين أن يكون القاتل واحداً أو متعدّداً ، وعلى الثاني ـ أي إذا كان القاتل أكثر من واحد ـ فلا فرق بين كون جميعهم ورّاثاً ، أو بعضهم دون البعض.

٦ ـ إذا أسقطت الأُمّ جنينها كانت عليها ديّته لأبيه أو غيره من ورثته ، وإذا كان الأب هو الجاني على الجنين كانت ديّته لأمّه(١) .

__________________

(١) وأمّا مقدار الديّة فهو موجود في كتاب الديّات فمن أراد فليراجع.

٢٧٧

٧ ـ الديّة في حكم مال المقتول ، فتقضى منها ديونه ، وتخرج منها وصاياه أوّلاً قبل الإرث ثمّ يوزّع الباقي على ورثته كسائر الأموال ، ولا فرق في ذلك بين كون القتل خطأ محضاً ، أو شبه عمد ، أو عمداً محضاً فأخذت الديّة صلحاً ، أو لتعذّر القصاص ، بموت الجاني أو فراره ، كما لا فرق في مورد الصّلح بين أن يكون ما يأخذونه أزيد من الديّة أو أقل أو مساوياً ، وهكذا لا فرق بين أن يكون المأخوذ من أصناف الديّة أم من غيرها.

ويرث الديّة كلّ وارث سواء أكان ميراثه بالنسب أم السبب ـ أي بالزوجيّة أو الولاء ـ حتى الزوجين في القتل العمديّ وإن لم يكن لهما حقّ القصاص ، لكن إذا وقع الصلح والتراضي بالديّة ورثا نصيبهما منها ، نعم لا يرث منها الأخ والاُخت للاُم ، بل لا سائر من يتقرّب بها وحدها كالأخوال والأجداد من قبلها.

٨ ـ إذا كانت الجناية على الميّت بعد الموت لم تدفع الديّة إلى الورثة ، بل تصرف في وجوه البرّ عنه ، وإذا كان عليه دين ففي وجوب قضائه منها إشكال ، والأظهر الوجوب ـ أي يجب على الورثة وفاء الدّين وإخراجه من الدية ـ.

ثالثاً : الرقّ

١ ـ الرقّ ـ أي كون الإنسان عبداً ليس حرّاً ـ مانع من الإرث في الوارث والمورِّث ، فلا يرث الرقّ من الحرّ ، وكذا العكس.

رابعاً : الولادة من الزّنى

٢ ـ لا توارث بين ولد الزنى وبين أبيه الزاني ، ومن يتقرّب به ـ أي لا إرث بين ولد الزنا وأقرباء أبيه أيضاً ـ فلا يرثهم كما لا يرثونه ، وفي ثبوت التوارث بينه وبين أُمّه الزانية ومن يتقرّب بها وعدمه قولان ، أقواهما العدم ، أي لا توارث بين ولد الزنا وبين

٢٧٨

اُمّه كذلك فلا يرثها ولا ترثه.

٢ ـ إذا كان الزّنى من أحد الأبوين دون الآخر ، بأن كان الفعل من الآخر شبهة ـ أي اشتباهاً لا عمداً ـ انتفى التوارث بين الولد والزاني ومن يتقرّب به ـ أي بالزاني ـ خاصّة ، ويثبت بينه وبين الذي لا يكون زانياً من أبويه ومن يتقرّب به.

٣ ـ يثبت التوارث بين ولد الزاني وأقربائه من غير الزّنى(١) ، كالولد وكذا الزوج أو الزوجة فيرثهم ويرثونه ، وإذا مات مع عدم الوارث فإرثه للمولى المعتِق ، ثمّ الضّامن ، ثمّ الامامعليه‌السلام .

٤ ـ الولادة من الوطء المحرّم غير الزنا لا يمنع من التوارث بين الولد وأبويه ومن يتقرّب بهما ، فلو وطئ الزوج زوجته في حال الإحرام أو في شهر رمضان مثلاً عالمَين بالحال فعلقت منه وولدت ثبت التوارث بينه وبينهما.

٥ ـ المتولّد من وطء الشبهة كالمتولّد من الوطء المستحقّ شرعاً ، في ثبوت التوارث بينه وبين أبويه ومن يتقرّب بهما ، وكذلك المتولّد من وطء مستحقّ بحسب سائر الملل والمذاهب فيثبت التوارث بينه وبين أقاربه من الأب والاُمّ وغيرهما.

خامساً : اللّعان

١ ـ يمنع اللّعان من التّوارث بين الولد ووالده ، وكذا بينه وبين أقاربه من قبله كالأعمام والأجداد والإخوة للأب ، ولايمنع من التّوارث بين الولد واُمّه ، وكذا بينه وبين أقاربه من قبلها من إخوة وأخوال وخالات ونحوهم.

فولد الملاعنة ـ الذي تلاعنا عند الحاكم الشرعي لنفيه ـ ترثه أُمّه ومن يتقرّب بها ، وأولاده والزوج والزوجة ، ولا يرثه الأب ولا من يتقرّب به ـ أي بالأب ـ وحده ، فإن

__________________

(١) كالوطء شبهةً مثلاً.

٢٧٩

ترك اُمّه منفردة كان لها الثّلث فرضاً والباقي يردّ عليها على الأقوى ـ أي يردّ عليها المقدار الذي حرم منه الأب ـ وإن ترك مع الاُمّ أولاداً كان لها السدس والباقي لهم للذّكر ضعف حظّ الاُنثى ، إلاّ إذا كان الولد بنتاً فلها النّصف ويردّ الباقي أرباعاً عليها وعلى الاُمّ ، وإذا ترك زوجاً أو زوجة كان له نصيبه كغيره ، وتجري الأحكام الآتية في طبقات الإرث جميعاً ، ولا فرق بينه وبين غيره من الأموات إلاّ في عدم التوارث بينه وبين الأب ومن يتقرّب به وحده أي بالأب.

٢ ـ لو كان بعض إخوته أو أخواته من الأبوين وبعضهم من الأمّ خاصّة ورثوه بالسويّة من جهة انتسابهم إلى الاُمّ خاصّة ، ولا أثر للانتساب إلى الأب.

٣ ـ لو اعترف الرجل بعد اللّعان ـ أي بعد نفي الولد ـ بأنّ الولد له لحق به فيما عليه لا فيما له ، فيرثه الولد ولا يرثه الأب ولا من يتقرّب به ـ أي بالأب ـ ولا يرث الولد من يتقرّب بالأب إذا لم يعترف الأب به ، وهل يرثهم إذا اعترف به ؟ قولان ، أقواهما العدم.

٤ ـ لا أثر لإقرار الولد ولا سائر الأقارب في التوراث بعد اللّعان ، بل الذي يؤثّر هو إقرار الأب فقط في إرث الولد منه.

٥ ـ إذا تبرّأ الأب من جريرة(١) ولده ومن ميراثه ثمّ مات الولد قيل : كان ميراثه لعصبة اُمّه دون أبيه ، ولكنّ الأقوى أنّه لا أثر للتبرّي المذكور في نفي التوارث.

__________________

(١) الجريرة : أي الجناية وهي القتل.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300