أحكام المرأة و الاُسرة

أحكام المرأة و الاُسرة26%

أحكام المرأة و الاُسرة مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: المرأة
الصفحات: 300

أحكام المرأة و الاُسرة
  • البداية
  • السابق
  • 300 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159390 / تحميل: 6122
الحجم الحجم الحجم
أحكام المرأة و الاُسرة

أحكام المرأة و الاُسرة

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

المكروهات

١ ـ يكره للصائم الملامسة والتقبيل والملاعبة إذا كان واثقاً من نفسه بعدم الإنزال ، أمّا لو قصد الإنزال فإنّه قاصد للمفطر.

ويكره الاكتحال بالكحل أو الشيء الذي فيه طعم أو رائحة تصل إلى الحلق كالصبر والمسك ، ويكره جلوس المرأة الصائمة في الماء.

كفّارة الصوم

١ ـ لو أكره الصائم زوجته على الجماع في نهار شهر رمضان وهي صائمة فالأحوط وجوباً أن يعطي الرجل كفّارتين ، ويعزّر بما يراه الحاكم الشرعي. ومع عدم الإكراه ورضى الزوجة بذلك فعلى كلّ منهما كفّارة واحدة ، ويعزّران بما يراه الحاكم الشرعي ، ولا فرق في ذلك بين الزوجة الدائمة والمؤقتة ، أمّا لو أكرهت الزوجة زوجها فلا تلحق بالزوج في هذا الحكم.

٢ ـ إذا كان الزوج مفطراً لعذر ما فأكره زوجته الصائمة على الجماع لم يتحمّل عنها الكفّارة وإن كان آثماً ، ولا تجب الكفّارة عليها.

٣ ـ إذا كان الزوج فقيراً ولكن بذل للزوجة النفقة على النحو المتعارف فلا تعدّ فقيرة ، ولا يجوز أن تعطى إليها الكفّارة إلاّ إذا كانت محتاجة إلى نفقة غير واجبة على الزوج كوفاء الدين.

٤ ـ إذا كان المعطى إليه صغيراً أو كبيراً فيعطيان الكفّارة على حدّ سواء ، كلّ واحد مدّ(١) وإن كان اللازم في الصغير التسليم إلى وليّه ، هذا إذا كان التكفير بنحو

__________________

(١) المدّ ثلاثة أرباع الكيلو.

٤١

التسليم ، وأمّا إذا كان بالإشباع فاللازم احتساب الاثنين من الصغار بواحد ، ومن يعجز عن الكفّارة حين إرادة التكفير تصدّق بما يطيق.

شرائط صحة الصوم

١ ـ من شرائط صحة الصوم عدم الضرر ، مثل المرض الذي يضرّ معه الصوم ؛ لإيجابه شدّته أو طول برئه أو شدّة ألمه ، كلّ ذلك بالمقدار المعتدّ به الذي لم تجر العادة بتحمّل مثله ، ويكفي فيه الاحتمال الموجب لصدق الخوف المستند إلى المناشئ العقلائيّة ، كما وإنّ من شرائطه الحضر ، فلو كان في سفر تقصر فيه الصلاة لم يجب الصوم بل ولا يصح منه. ويجب على الأحوط(١) إتمام الصوم على من سافر بعد الزوال ويجتزئ به ، وأمّا من سافر قبل الزوال فلا يصح منه صوم ذلك اليوم ـ على الأحوط لزوماً ـ وإن لم يكن ناوياً للسفر من الليل.

٢ ـ يشترط في وجوب الصوم البلوغ ، فلا يجب على الصبيّ والصبيّة.

٣ ـ لو صام الصبيّ تطوّعاً وبلغ في الأثناء ـ ولو قبل الزوال ـ لم يجب عليه الإتمام وإن كان هو الأحوط استحباباً.

ثبوت الهلال

١ ـ لا يثبت الهلال بشهادة النساء إلاّ إذا حصل اليقين أو الاطمئنان من شهادتهن.

__________________

(١) الاحتياط هنا استحبابي.

٤٢

أحكام قضاء شهر رمضان

١ ـ لا تجب فدية الزوجة على زوجها ، ولا فدية العيال على المعيل ، ولا فدية واجب النفقة على المُنفق.

٢ ـ لا يجب قضاء ما فات في زمان الصبا ، وكذلك إذا ماتت المرأة على حيض أو نفاس ، أو بعدما طهرت قبل مضيّ زمان تتمكّن من القضاء فيه.

٣ ـ الأحوط وجوباً أن تترك المرأة الصوم التطوّعي والواجب غير المعيّن مع نهي الزوج عنه وإن لم يكن مزاحماً لحقّه ، والأحوط استحباباً تركه مع المزاحمة لحقّ الزوج بلا إذن منه ، ومع المزاحمة فالأحوط وجوباً تركه.

٤٣

الاعتكاف

١ ـ الأحوط وجوباً استئذان الزوجة من زوجها للاعتكاف إذا كان منافياً لحقّه ، وإذا كان مكثها في المسجد بدون إذنه حراماً بطل اعتكافها ، وكذلك لا بدّ من إذن الولد من والديه إذا كان اعتكافه موجباً لإيذائهما ومنعهما له شفقة عليه.

٢ ـ لا بدّ من ترك الجماع في الاعتكاف ، والأحوط وجوباً ترك اللمس والتقبيل بشهوة ، وأولى منهما بالاحتياط ما يصدق عليه المباشرة بما دون الفرج من التفخيذ ونحوه ، سواء على الرجل أو المرأة.

٣ ـ لو جامع المعتكف امرأته الصائمة في شهر رمضان وقد أكرهها وجبت عليه كفارتان : إحداهما لصيام شهر رمضان إذا كان جماعه نهاراً ، والثانية لإفساد الاعتكاف. وكذلك إذا كان الاعتكاف في قضاء شهر رمضان وأفطر بالجماع بعد الزوال. وإن كان الاعتكاف في شهر رمضان منذوراً وجبت كفّارة ثالثة ، وكذلك رابعة لإكراه زوجته على الجماع على الأحوط وجوباً.

٤ ـ يجوز للمرأة المعتكفة الخروج من المسجد إذا أرادت الغسل للجنابة مثلاً ، وإذا أمكنها أن تغتسل في نفس المسجد من غير مكث ولم يستلزم محرماً آخر كالتلويث فالأحوط وجوباً أن لا تخرج منه. وأمّا الاغتسال للاستحاضة وكذلك الأغسال المندوبة فالأحوط وجوباً الإتيان بها في المسجد مع الإمكان.

٤٤

كتابالحجّ

الحجّ من الفرائض الشرعيّة التي تجب على كلّ مكلّف جامع للشرائط ، وقد دلّ على ذلك الكتاب الكريم والسنّة القطعيّة.

أمّا الكتاب فلقوله تعالى :( وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ عَنْ العَالَمِينَ ) (١) .

وأمّا السنّة : فقد روى الشيخ الكليني ـ بطريق معتبر ـ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال :« من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام ، لم يمنعه من ذلك حاجة تُجْحفُ به ، أو مرض لا يطيق فيه الحجّ أو سلطان يمنعه ، فليمت يهودياً أو نصرانياً » (٢) .

وإنكار هذه الفريضة ـ مع عدم الاستناد إلى شبهة(٣) ـ كفر ، فضلاً عن كون تركه ـ مع الاعتراف بثبوته ـ معصية كبيرة.

وأمّا مناسك الحجّ ـ أعمّ من الواجبات والمحرّمات والآداب ـ فمنها ما هو عامّ للرجل والمرأة معاً ، ومنها ما هو خاصّ بالرجل ، ومنها ما هو مختصّ بالمرأة ، وهذا القسم الأخير هو المقصود لدينا.

__________________

(١) آل عمران ٣ : ٩٧.

(٢) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩ ـ ٣٠ الحديث ١.

(٣) أي إن إنكاره مع عدم الاعتقاد بثبوته في الشرع يؤدّي إلى الكفر والخروج من الإسلام.

٤٥

وجوب الحجّ

١ ـ البلوغ من الشرائط التي لا بدّ أن تتوفّر في الحاج ، وعليه فلا يجب الحجّ على غير البالغ ، ولكن يستحب للصبيّ المميّز أن يحجّ كما يستحب للولي ( وهو من له حقّ حضانته من الأبوين أو غيرهما ) إحجاج الصبيّ والصبيّة غير المميزين ـ وذلك بأن يلبسهما ثوب الإحرام ويأمرهما بالتلبية ويلقّنهما إياها ـ إن كانا قابلين لذلك ، وإلاّ لبّى عنهما ويجنّبهما عمّا يجب على المحرم الاجتناب عنه ، وكذلك يأمرهما بالإتيان بكلّ ما يتمكّن منه من أفعال الحجّ ، وينوب عنهما فيما لا يتمكّن ويطوف ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ويقف في عرفات والمشعر ، ويأمرهما بالرمي إن قدرا عليه ، وإلاّ رمى عنهما ، وكذلك صلاة الطواف وبحلق رأسه وبقية الأعمال.

٢ ـ إذا كان للمرأة حليّ تحتاج إليه ولا بدّ لها منه ، ثم استغنت عنه لكبرها ، أو لأمر آخر وجب عليها أداء فريضة الحجّ ولو توقّف ذلك على بيع الحليّ.

٣ ـ إذا كان عند المكلّف مقدار من المال يفي بمصاريف الحجّ ، وكان بحاجة إلى الزواج أو شراء دار للسكنى أو غير ذلك ممّا يحتاج إليه ، فإن كان صرف ذلك المال في الحجّ موجباً لوقوعه في الحرج لم يجب عليه الحجّ ، ومع عدم الحرج يجب عليه.

٤ ـ لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ إذا كانت مستطيعة ، كما لا يجوز للزوج منعها من غير حجّة الإسلام من الحجّ الواجب عليها ـ كالحجّ المنذور مثلاً ـ نعم يتمكّن الزوج من منع الزوجة عن الخروج للحجّ في أوّل الوقت ، والمطلّقة الرجعية كالزوجة ما دامت في العدة.

٤٦

٥ ـ يشترط في حجّ المرأة المندوب إذن زوجها ، وكذلك المعتدّة الرجعيّة(١) ، ولا يعتبر في البائنة(٢) ، ويجوز للمتوفّى عنها زوجها أن تحجّ في عدتها.

٦ ـ لا يشترط في وجوب الحجّ على المرأة وجود المَحرم لها إذا كانت مأمونة على نفسها ، ومع عدم الأمن يلزمها استصحاب من تأمن معه على نفسها ولو بأُجرة إذا تمكّنت من ذلك ، وإن لم تتمكّن لم يجب عليها الحجّ.

النيابة

١ ـ لا تشترط المماثلة بين النائب والمنوب عنه ، فتصح نيابة الرجل عن المرأة وبالعكس.

٢ ـ لا بأس باستنابة الصرورة عن الصرورة وغير الصرورة ، سواء كان النائب أو المنوب عنه رجلاً أم امرأة. والصرورة : هي حجّة الإسلام الأُولى الواجبة على من استطاع.

أقسام العمرة

١ ـ العمرة المفردة يجب لها طواف النساء ، ولا يجب ذلك لعمرة التمتع.

٢ ـ لا تحلّ النساء إلاّ بعد طواف النساء(٣) .

٣ ـ يتعيّن الخروج عن الإحرام في عمرة التمتع والعمرة المفردة للنساء

__________________

(١) أي المطلّقة رجعيّاً في أيام عدتها.

(٢) وهي المطلّقة بالبائن التي لا ترجع إلى الزوج حتى تتزوج زوجاً غيره.

(٣) أي لا يجوز للزوج وكذلك الزوجة استمتاع بعضهم ببعض إلاّ بعد طواف النساء.

٤٧

بالتقصير ، وللرجال بالتقصير في عمرة التمتع ، والحلق أو التقصير في العمرة المفردة.

مواقيت الإحرام

١ ـ مكّة ميقات حجّ التمتع وكذا حجّ القران والإفراد لأهل مكّة والمجاورين لها ، سواء انتقل فرضهم إلى فرض أهل مكّة أم لا ، فإنّه يجوز لهم الإحرام لحجّ القرآن والإفراد من مكّة ، ولا يلزمهم الرجوع إلى سائر المواقيت ، وإن كان الأولى ـ لغير النساء ـ الخروج إلى بعض المواقيت كالجعرانه والإحرام منها.

٢ ـ يجب على من يريد الحجّ أو العمرة من المدينة أن يحرم من ذي الحليفة ، والأحوط(١) الإحرام من مسجدها ، وعدم كفاية الإحرام من خارج المسجد لغير الحائض والنفساء وإن كان محاذياً له ، وأمّا فيهما فيجوز لهما الإحرام من خارج المسجد ، ويجوز لهما أيضاً الإحرام في حال الاجتياز بالدخول من باب والخروج من باب آخر.

٣ ـ إذا تركت الحائض الإحرام من الميقات لجهلها بالحكم إلى أن دخلت الحرم ، فالأحوط ـ وجوباً ـ لها أن تخرج إلى خارج الحرم وتحرم منه إذا لم تتمكن من الرجوع إلى الميقات ، بل الأحوط وجوباً لها ـ إذا لم تتمكن من الرجوع إلى الميقات ـ أن تبتعد عن الحرم بالمقدار الممكن ثمّ تحرم بشرط أن لا يكون ابتعادها مستلزماً لفوات الحجّ ، وإذا لم تتمكن من الابتعاد فهي وغيرها على حدّ سواء.

__________________

(١) الاحتياط هنا وجوبي.

٤٨

الإحرام

١ ـ لا تشترط الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر في صحة الإحرام ، فيصح الإحرام كذلك من الحائض والنفساء.

٢ ـ ليس على المرأة رفع الصوت بالتلبية أصلاً.

ثوب الإحرام

١ ـ يختصّ وجوب لبس الأزار والرداء بالرجال دون النساء ، فيجوز لهنّ أن يحرمن في ألبستهن العاديّة.

٢ ـ لا يحرم على المرأة لبس الحرير في الإحرام ، والأحوط ـ استحباباً ـ ترك لبس الحرير ، بل الأحوط أن لا تلبس شيئاً من الحرير الخالص في جميع أحوال الإحرام ، إلاّ في حال الضرورة كالإتقاء من البرد والحرّ.

٣ ـ إذا تنجّس أحد الثوبين أو كلاهما بعد التلبّس بالإحرام ، فالأحوط ـ وجوباً ـ المبادرة إلى التبديل أو التطهير.

تروك الإحرام

وردت هناك تروك للإحرام عامة للرجل والمرأة معاً ، وهي :

١ ـ الصيد البريّ.

٢ ـ مجامعة النساء.

٣ ـ تقبيل النساء.

٤ ـ لمس المرأة وملاعبتها.

٤٩

٥ ـ النظر في المرآة.

٦ ـ الاستمناء.

٧ ـ عقد النكاح.

٨ ـ استعمال الطيب.

٩ ـ التكحّل.

١٠ ـ الفسوق(١) .

١١ ـ المجادلة(٢) .

١٢ ـ التزيّن.

١٣ ـ الإدهان.

١٤ ـ قتل هوامّ الجسد(٣) .

١٥ ـ إزالة الشعر من البدن.

١٦ ـ الارتماس في الماء.

١٧ ـ إخراج الدم من البدن.

١٨ ـ تقليم الظفر.

١٩ ـ قلع الضرس على قول.

وهناك إضافة إلى ما تقدّم محرّمات يختصّ بها الرجل دون المرأة ، وهي :

١ ـ لبس الخفّ ـ أي الحذاء ـ والجورب.

__________________

(١) المقصود بالفسوق : الكذب والسبّ ; لقوله تعالى( فَلاَ رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ ) ( البقرة : ١٩٧).

(٢) المراد بالمجادلة : القسم ، وهو قول المحرم : « لا والله » و « بلى والله ».

(٣) هوام الجسد كالقمّل والبق والبرغوث ونحوها.

٥٠

٢ ـ لبس المخيط.

٣ ـ التظليل.

ومحرّم واحد يختصّ بالمرأة دون الرجل وهو : ستر الوجه.

والتي توجب الكفّارة من هذه المحرّمات إذا لم يكن ناشئاً عن جهل أو نسيان موارد أربعة :

١ ـ إذا نسي الطواف في الحجّ أو العمرة حتى رجع إلى بلاده وواقع أهله.

٢ ـ إذا نسي شيئاً من السعي في عمرة التمتع فأحلّ باعتقاد الفراغ منه.

٣ ـ من أَمرَّ يده على رأسه أو لحية عبثاً فسقطت شعرة أو أكثر.

٤ ـ ما إذا ادّهن بالدهن الطيّب أو المطيّب عن جهل(١) .

حرمة الجماع

يحرم على المحرم الجماع أثناء عمرة التمتع ، وكذا أثناء العمرة المفردة ، وأثناء الحجّ قبل الإتيان بصلاة طواف النساء ، فلو جامع المتمتع زوجته أثناء عمرته قبلا أو دبراً وطاوعته المرأة عالمة عامدة وجب عليها الكفّارة ، ولو كانت مكرَهة فليس عليها شيء ، ولكن تثبت الكفّارة على زوجها على الأحوط(٢) .

ولو جامعها في إحرام الحجّ كذلك وطاوعته عالمة عامدة ، وكان ذلك قبل

__________________

(١) يظهر أنّ الجهل هنا بالموضوع ، يعني أنّ المحرم لا يعلم بكون الدهن طيّب الرائحة بنفسه أو مطيّب بعطر أُضيف له.

(٢) الاحتياط هنا وجوبي ، إمّا أن يلتزم به المقلِّد أو يقلّد مرجعاً آخر في خصوص هذه المسألة ، ولكن يراعي الأعلم فالأعلم.

٥١

الوقوف بالمزدلفة وجبت عليها الكفّارة ، وإتمام الحجّ وإعادته في العام القابل ، سواء كان الحجّ فرضاً أم نفلاً(١) ، ولو كانت المرأة مكرهة عليه فلا شيء عليها ، وتجب على الزوج المكره كفارتان.

ولو جامعها بعد الوقوف بالمزدلفة ، فإن كان قبل طواف النساء وجبت الكفّارة بالنحو المتقدّم ، ولكن لا تجب الإعادة.

ومن جامع زوجته في العمرة المفردة وجبت الكفارة بالنحو المتقدم ، ولا تفسد عمرته إذا كان الجماع بعد السعي ، وأمّا إذا كان قبله بطلت العمرة ، ووجب عليه الإقامة في مكّة إلى شهر آخر ؛ ليخرج إلى أحد المواقيت الخمسة ، ويحرم منه للعمرة المعادة ، ولا يجزئه الإحرام من أدنى الحلّ على الأحوط(٢) .

كفّارة الجماع

١ ـ كفّارة الجماع بدنة(٣) ، ومع العجز عنها شاة ، ويجب التفريق بين الزوج والزوجة المتجامعين حين الإحرام ، ولا يجتمعا إلاّ إذا كان معهما ثالث إلى أن يفرغا من مناسك الحجّ ، حتى أعمال منى ، ويرجعا إلى نفس المحلّ الذي وقع فيه الجماع ، ولو رجعا من غير ذلك الطريق جاز أن يجتمعا إذا قضيا المناسك.

وكذلك يجب التفريق بينهما في الحجّة المعادة من حين الوصول إلى محلّ وقوع الجماع إلى وقت الذبح بمنى ، بل الأحوط ـ استحباباً ـ التفريق إلى الفراغ من

__________________

(١) أي واجباً كان الحجّ أو مستحباً.

(٢) الاحتياط هنا وجوبي.

(٣) البدنة : هي البعير.

٥٢

تمام الأعمال ، والرجوع إلى المكان الذي وقع فيه الجماع.

٢ ـ إذا جامع المحلّ زوجته المحرمة ، فإن كانت مطاوعة وجبت عليها الكفّارة وهي بدنة ، وإن كانت مكرهة فلا شيء عليها ووجبت الكفّارة على زوجها على الأحوط(١) ، بل الأحوط(٢) أن يغرم الكفّارة عنها في الصورة الاُولى أيضاً.

٣ ـ إذا جامع المحرم زوجته جهلاً أو نسياناً صحت عمرته وحجّه ، ولا تجب الكفّارة ، وإذا قبّل المحلّ زوجته المحرمة فالأحوط وجوباً أن يكفّر عنها بشاة.

٤ ـ لا يجوز للمحرم تقبيل زوجته عن شهوة ولا مسّها ولا ضمّها ، وإذا كانت المرأة تتلذّذ بمسّه لها بشهوة حرمت عليها المطاوعة. وإذا فعل ذلك فعليه في التقبيل بدنة إذا أمنى ـ وكذا بالنسبة إلى المرأة إذا خرج منها السائل بشهوة بما يصدق معه الإنزال وهو ما لا يحصل عادة إلاّ مع شدّة التهيّج الجنسي حيث يجب عليها الغسل بذلك ـ وشاة إذا لم يمنِ ، وفي المسّ والحمل والضمّ شاة ، سواء أمنى أم لم يمنِ ، والأحوط وجوباً ترك تقبيلها لا عن شهوة أيضاً.

حرمة عقد النكاح

١ ـ يحرم على المحرم التزويج لنفسه أو لغيره ، سواء كان الغير محلاّ أم محرماً ، وسواء كان التزويج من دوام أو انقطاع ، ويفسد العقد في جميع الصور حتى مع الجهل بالحرمة ، وأمّا مع العلم بها فتحرم عليه مؤبداً ، وأمّا مع الجهل بكونه باق على إحرامه فلا تحرم عليه مؤبداً.

__________________

(١) الاحتياط هنا وجوبي.

(٢) الاحتياط هنا استحبابي يمكن تركه.

٥٣

٢ ـ إذا عقد المحرم امرأة فدخل بها ، فعلى كلٍّ من العاقد والرجل والمرأة كفّارة بدنة ، إن كانوا عالمين بالحال ـ حكماً أو موضوعاً(١) ـ وإذا كان بعضهم عالماً دون بعض فلا كفّارة على الجاهل ، ولا فرق فيما ذكر بين أن يكون العاقد والرجل والمرأة محلّين أو محرمين.

٣ ـ لا يجوز للمحرم أن يشهد عقد النكاح ، ويحضر وقوعه على المشهور ، والأحوط ـ استحباباً ـ أن يتجنّب أداء الشهادة على العقد أيضاً وإن كان قد تحمّلها في حال كونه محلاً.

٤ ـ الأحوط استحباباً أن لا يتعرّض المحرم لخطبة النساء ، نعم يجور له الرجوع إلى المطلّقة الرجعيّة ، كما يجوز له طلاق زوجته.

حرمة الطيب

١ ـ يجوز للمحرم أكل الفواكه والخضروات الطيّبة الرائحة كالتفاح والنعناع ، ولكن الأحوط ـ وجوباً ـ الإمساك عن شمّها حين الأكل ، وكذلك الأدهان الطيّبة كأدهان المكياج ، وعليه أن يمسك أنفه من الروائح الطيّبة كالمرأة حين طبخ الطعام ، إلاّ في حال السعي بين الصفا والمروة ، ويحرم على المحرم استعمال الطيب ، بل وكذا لمن يريد الإحرام ـ على الأحوط(٢) ـ إذا كان أثره يبقى بعد ذلك.

__________________

(١) المقصود بالعلم بالحكم : هو العلم بحرمة عقد المحرم على المرأة ، والمقصود بالعلم بالموضوع : هو العلم بكون المرأة محرمة.

(٢) الاحتياط هنا وجوبي.

٥٤

لبس المخيط

١ ـ يجوز للمرأة لبس المخيط مطلقاً ، عدا القفازين ـ الكفوف ـ فإنّه لا يجوز أن تلبسهما في يديها.

حرمة الاكتحال

١ ـ يحرم الاكتحال على المحرم ، سواء قصد به الزينة أم لا ، ولا بأس بالاكتحال للتداوي والعلاج.

وإذا كان الاكتحال بغير الكحل الأسود ممّا يعدّ للزينة فلا يجوز إلاّ إذا قصد به الزينة ، فلو كان قاصداً الزينة فالأحوط ـ وجوباً ـ ترك الاكتحال ، ولا كفّارة للاكتحال ، سواء الأسود أم غيره ، وإن كان الأولى التكفير بشاة إذا اكتحل بما لا يحلّ له.

حرمة التزيّن

١ ـ الأحوط وجوباً ترك التزيّن للمحرم والمحرمة عن كلّ ما يعدّ زينة عرفاً ، سواء قصد التزيّن أم لا ، ومنه استعمال الحنّاء على الطريقة المتعارفة ، نعم لا بأس باستعماله إذا لم يكن زينة ، كما إذا كان للعلاج أو نحوه ، وكذلك لا بأس باستعماله قبل الإحرام وإن بقي أثره إلى حين الإحرام.

٢ ـ يحرم على المرأة المحرمة لبس الحلي للزينة ، والأحوط ـ استحباباً ـ أن تترك اللبس وإن لم تقصد به التزيّن ، ويستثنى من ذلك ما كانت تعتاد عليه قبل الإحرام ـ كالحلقة ـ ولكن لا يجوز لها أن تظهره لزوجها ومحارمها من الرجال على الأحوط ـ استحباباً ـ ولا كفّارة في التزيّن في جميع الموارد المذكورة.

٥٥

حرمة ستر الوجه

١ ـ لا يجوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها بالبرقع ، أو النقاب ، أو البوشية ، أو المروحة ، أو ما شابه ذلك ، والأحوط ـ وجوباً ـ أن لا تستر وجهها بأي ساتر كان ، كما أن الأحوط عدم ستر بعض الوجه أيضاً ، نعم يجوز لها أن تغطّي وجهها حين النوم ، ولا بأس بستر بعض وجهها مقدّمة لستر الرأس في الصلاة إذا لم يتيسّر لها ستره بإسدال الثوب عليه.

ويجب ـ على الأحوط(١) ـ كشفه بعد الصلاة فوراً.

٢ ـ للمرأة المحرمة أن تتستر من الأجنبي ، وذلك بأن تسدل ثوبها على وجهها ، وتنزل ما على رأسها من الخمار أو نحوه إلى ما يحاذي أنفها بل نحرها ، والأظهر عدم لزوم تباعد الساتر عن الوجه بواسطة اليد ، ولا يجوز لها لبس المقنعة على الأحوط(٢) .

حرمة التظليل

١ ـ لا بأس بالتظليل للنساء والأطفال ، وكذلك للرجال عند الضرورة ، وعليه فتختصّ حرمة التظليل بالرجال حين الاختيار.

الطواف

١ ـ وهو من واجبات الحجّ ويفسد بتركه عمداً وإن كان جاهلاً ، وعلى الجاهل

__________________

(١) الاحتياط هنا وجوبي.

(٢) الاحتياط هنا وجوبي.

٥٦

كفّارة بدنه على الأحوط(١) ، وإذا بطلت العمرة بطل الإحرام.

ويشترط فيه الطهارة من الحدثين ، فيجب على الحائض والنفساء ـ بعد انقضاء أيامهما ـ وعلى المجنب الاغتسال للطواف ، ومع تعذّر الاغتسال واليأس من التمكّن منه يجب الطواف مع التيمّم ، والأحوط استحباباً ـ حينئذٍ ـ الاستنابة أيضاً ، ومع تعذّر التيمّم واليأس من التمكّن منه تتعيّن الاستنابة.

٢ ـ إذا حاضت المرأة في عمرة التمتع حين الإحرام أو قبله أو بعده قبل الشروع في الطواف ، فإن وسع الوقت لأداء أعمالها قبل موعد الحجّ صبرت الى أن تطهر ، فتغتسل وتأتي بأعمالها ، وإن لم يسع الوقت لذلك فللمسألة صورتان :

الاُولى : أن يكون حيضها حين إحرامها أو قبل أن تحرم ، ففي هذه الصورة ينقلب حجّها إلى الإفراد ، وبعد الفراغ من الحجّ تجب عليها العمرة المفردة إذا تمكّنت منها.

الثانية : أن يكون حيضها بعد الإحرام ، ففي هذه الصورة يجوز لها الإبقاء على عمرتها ، بأن تأتي بأعمالها من دون الطواف وصلاته ، فتسعى وتقصّر ثمّ تحرم للحجّ ، وبعدما ترجع إلى مكّة بعد الفراغ من أعمال منى تقضي طواف العمرة وصلاته قبل طواف الحجّ.

وإذا تيقّنت المرأة ببقاء الحيض وعدم تمكنها من الطواف حتى بعد رجوعها من منى ولو لعدم الرفقة ـ أي من صاحبها في الحجّ ـ استنابت لطوافها وصلاته ثمّ أتت بالسعي بنفسها.

٣ ـ إذا حاضت المحرمة أثناء طوافها ، فإن كان طروء الحيض قبل تمام الشوط

__________________

(١) الاحتياط هنا وجوبي.

٥٧

الرابع بطل طوافها ، وكان حكمها حكم المسألة المتقدّمة ، وإذا كان بعد الشوط الرابع صحّ طوافها الذي أتت به ، ووجب عليها إتمامه بعد الطهر والاغتسال ، هذا فيما إذا وسع الوقت ، وإلاّ سعت وقصّرت وأحرمت للحجّ ولزمها الإتيان بقضاء ما بقي من طوافها بعد الرجوع من منى ، وقبل طواف الحج على النحو الذي ذكرناه.

٤ ـ إذا حاضت المرأة بعد الفراغ من الطواف وقبل الإتيان بصلاة الطواف صحّ طوافها وأتت بالصلاة بعد طهرها واغتسالها ، وإن ضاق الوقت سعت وقصّرت وقضت الصلاة قبل طواف الحجّ.

٥ ـ إذا طافت المرأة وصلّت ثمّ شعرت بالحيض ، ولم تدر أنّه هل حدث قبل الطواف أو في أثنائه ، أو قبل الصلاة أو في أثنائها ، أو أنّه حدث بعد الصلاة ، بنت على صحة الطواف والصلاة ، وإذا علمت أن حدوثه كان قبل الصلاة أو في أثنائها جرى عليها ما تقدّم في المسألة السابقة.

٦ ـ إذا أحرمت المرأة لعمرة التمتع وكانت متمكّنه من أداء أعمالها ، وعلمت أنّها لا تتمكن منه بعد ذلك لطروء الحيض عليها ، وضيق الوقت ، ومع ذلك لم تأت بها حتى حاضت وضاق الوقت عن أدائها قبل موعد الحجّ ، فالظاهر فساد عمرتها ، ويجري عليها حكم ما تقدّم في أوّل الطواف.

ويجوز للحائض عقد الإحرام ، وإن علمت بأنّ حيضها يستمر إلى ما بعد الحجّ والعمرة ولا ينتظرها الرفقة فتستنيب للطواف وصلاته ، وتسعى بنفسها وتقصّر ثمّ تأتي بالحجّ ، وتستنيب لطوافه وصلاته ، ثمّ تسعى هي ، ثمّ تستنيب أيضاً لطواف النساء وصلاته.

٧ ـ المستحاضة بالقليلة الأحوط وجوباً لها أن تتوضأ لكلّ من الطواف وصلاته ، وإن كانت مستحاضة بالمتوسّطة فالأحوط وجوباً لها أن تغتسل غسلاً

٥٨

واحداً لهما معاً ، وتتوضأ لكل منهما ، وأمّا إن كانت مستحاضة بالكثيرة فتكتفي بغسل واحد لهما ، إلاّ إذا كان بروز الدم على القطنة متقطّعاً ، وبرز الدم قبل أن تصلّي للطواف ، فالأحوط وجوباً لها تجديد الغسل لصلاة الطواف ، وليس لها أن تطوف بنفس الغسل الذي أتت به لصلواتها اليومية ، إلاّ إذا كان الدم متقطّعاً واستطاعت الإتيان بصلاتها اليومية وطوافها وصلاته قبل أن يبرز الدم ثانية.

٨ ـ إذا حاضت المرأة أثناء طوافها وجب عليها قطعه والخروج من المسجد الحرام فوراً ، وقد مرّ حكم طوافها في المسألة رقم (٣).

٩ ـ أفضل وقت للإحرام يوم التروية(١) عند الزوال ، ويجوز تقديمه للمرأة التي تخاف الحيض.

الوقوف بالمزدلفة

١ ـ الوقوف بالمزدلفة يكون في تمام الوقت ، وإن كان واجباً في حال الاختيار ، إلاّ أنّ الركن منه هو الوقوف في الجملة ، فإذا وقف بالمزدلفة مقداراً من ليلة العيد ثمّ أفاض قبل طلوع الفجر صح حجّه على الأظهر ، وعليه كفّارة شاة إن كان عالماً ، ولا شيء عليه إن كان جاهلاً ، وإذا وقف مقدار ما بين الطلوعين ولم يقف الباقي متعمّداً صح حجّه أيضاً ، ولا كفّارة عليه وإن كان آثماً ، ويستثنى من ذلك الموقف بهذا المقدار الخائف ، والصبي ، والضعيف ـ كالشيخ والمريض ـ والمرأة ، ومن يتولّى شؤونهم ، فيكفي وقوفهم بالمزدلفة ليلة العيد والإفاضة منها إلى منى قبل طلوع الفجر.

__________________

(١) يوم التروية : هو اليوم الثامن من ذي الحجّة.

٥٩

التقصير

لا يجوز الحلق للنساء بل يتعيّن عليهنّ التقصير(١) .

طواف الحجّ وطواف النساء

١ ـ يجوز لمن خافت الحيض أو النفاس تقديم طواف الحجّ وصلاته والسعي على الوقوفين في حجّ التمتع.

٢ ـ لو طرأ على المرأة حيض أو نفاس ولا يتيسّر لها البقاء لتطوف بعد طهرها وجب عليها الاستنابة للطواف وصلاته ، ثمّ تأتي بالسعي بنفسها بعد طواف النائب.

٣ ـ يجب طواف النساء على الرجال والنساء معاً ، فلو تركه الرجل حرمت عليه النساء ، ولو تركته المرأة حرم عليها الرجال ، والنائب عن طواف النساء يأتي به عن المنوب عنه لا عن نفسه.

٤ ـ طواف النساء وصلاته كطواف الحجّ وصلاته في الكيفية والشرائط ، وإنّما الاختلاف في النية.

٥ ـ لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي ، فإن قدّمه أعاده إلاّ إذا كان عن جهل أو نسيان ، ولكن يجوز تقديم طواف النساء على الوقوفين بالنسبة للحائض والنفساء وغيرهما من المعذورين ، لا تحلّ النساء قبل الإتيان بمناسك منى من الرمي والذبح والحلق.

٦ ـ إذا حاضت المرأة ولم تنتظر القافلة أوان طهرها ، ولم تستطع هي التخلّف

__________________

(١) والتقصير : قصّ مقدار قليل من الشعر بعد الانتهاء من السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

فاعله، بل هو بدعة وضلالة... )(١) .

أبو هريرة عند محمّد بن الحسن

وأبو هريرة مطعون عند محمّد بن الحسن الشيباني أيضاً ، قال ابن حزم في( المحلّى ) في مسألة أحقّيّة البائع بالمتاع إذا أفلس :

( روينا مِن طريق أبي عبيد أنّه ناظر في هذه المسألة محمّد بن الحسن ، فلم يجد عنده أكثر من أنْ قال : هذا من حديث أبي هريرة .

قال أبو علي : نعم ، هو ـ والله ـ من حديث أبي هريرة البرّ الصّادق ، لا من حديث مثل محمّد بن الحسن الذي قيل لعبد الله بن المبارك : من أفقه أبو يوسف أو محمّد بن الحسن ؟ فقال : قل : أيّهما أكذب )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري ٤ : ٢٩٠ كتاب البيوع .

(٢) المحلّى في الفقه ٨ : ١٧٨ ـ ١٧٩.

١٨١

عبد الله بن عمر

وأمّا عبد الله بن عمر ، فإنّ مَن يقرأ سيرته يشهد بكونه مِن المنحرفين عن أمير المؤمنين وأهل البيت الطّاهرينعليهم‌السلام وله مساوئ غير ذلك .

إباؤه عن البيعة لأمير المؤمنين

فأوّل ما يجده هو امتناعه عن البيعة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بعد مقتل عثمان بن عفّان ، وقد بايعه جمهور المسلمين إلاّ من شذّ ، وقد جاء في الأخبار أنّ بعضهم قد ندم بعد ذلك ، ولات حين مندم ! ومِن هؤلاء عبد الله بن عمر... فإنّه روى ابن عبد البر وابن الأثير وغيرهما بترجمته بأسانيدهم ، عن حبيب بن أبي ثابت وعن غيره قال : ( قال ابن عمر حين حضره الموت : ما أجد في نفسي مِن الدنيا إلاّ أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية مع عليّ )(١) .

وقد نصّ ابن حجر في( فتح الباري ) على إباء ابن عمر عن البيعة مع الإمامعليه‌السلام ، وستسمع عبارته .

وقال سبط ابن الجوزي في( تذكرة خواصّ الأُمّة ) :

( قال ابن جرير : وممّن امتنع من بيعته : حسّان بن ثابت ، وأبو سعيد الخدري ، والنعمان بن بشير ، ورافع بن خديج ، في آخرين وفي زيد بن ثابت ومحمّد بن مسلمة خلاف ، وقال غير ابن جرير : لم يُبايعه قدامة بن مظعون

ـــــــــــــــــــ

(١) الاستيعاب ٣ : ٩٥٣ .

١٨٢

وعبد الله بن سلام والمغيرة بن شعبة وعبد الله بن عمر وسعد وصهيب وزيد بن ثابت وأُسامة بن زيد وكعب بن مالك وهرب قوم إلى الشام وهؤلاء يسمّون العثمانيّة )(١) .

بيعته ليزيد بن معاوية

لكن ابن عمر بايع يزيد بن معاوية ، كما في كتابَي ( البخاري ) و( مسلم )(٢) وغيرهما من مصادر الحديث والتاريخ... بل لقد دافع عن ذلك وحمل أهله وولده والناس على البيعة ، وإذا ثبت أنّه قد بايع ليزيد ، فقد ثبت كفره بلا ريب ؛ لأنّ الرضا بإمامٍ باطلٍ كفر ، كما نصّ عليه أئمّة القوم... قال أبو شكور محمّد بن عبد السعيد الكشفي الحنفي في( التمهيد في بيان التوحيد ) :

( ثمّ كلّ سؤال من جهة الخصم يكون مردوداً ؛ لموافقة عليّ لأبي بكر ، لأنّه وإنْ لم يُبايعه فسكت ولم يُخالفه ، وقد بيّنا أنّه بايعه بدليل ما ذكرنا ، ولو لم يصحّ خلافة أبي بكر لا يكون إماماً حقّاً ، لكان لا يجوز السكوت به والإغماض عنه ؛ لأنّ من رضي بإمامٍ باطلٍ فإنّه يكفر ) .

هذا ، وقد دافع بعض علماء الهند عن ابن عمر ، بحمل بيعته ليزيد على التقيّة والاضطرار ، لكنّهم غفلوا عمّا شنّع به أكابر طائفتهم على أهل الحق للقول بالتقيّة والعمل بها... لا سيّما في مقابلة القول بأنّ بيعة أمير المؤمنين وأصحابه مع المشايخ كانت عن تقيّةٍ واضطرار، فكيف يصحّ مع هذا حمل

ـــــــــــــــــــ

(١) تذكرة خواصّ الأُمّة : ٦١ .

(٢) صحيح البخاري ٩ : ٧٢ كتاب الفتن ـ باب إذا قال عند قوم شيئاً ثمّ خرج فقال بخلافه ، صحيح مسلم ٣ : ١٤٧٨/ ١٨٥١ كتاب الإمارة الباب ١٣ .

١٨٣

بيعة ابن عمر مع يزيد على التقيّة ؟

وممّا يشهد بعدم كون بيعة عبد الله بن عمر هذه عن تقيّة : تعجّب الزهري من ذلك ، فيما رواه عنه سبط ابن الجوزي حيث قال : ( قال الزهري : والعجب أنّ عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقّاص لم يُبايعا عليّاً ، وبايعا يزيد ابن معاوية )(١) .

ومن هنا ، نجد أنّ بعض علماء الهند لمّا رأى ركاكة هذا العذر ، التجأ إلى إنكار البيعة مِن أصلها... لكنّ بيعته له الأُمور الثابتة غير القابلة للنفي والإنكار... كما أنّ موقفه من أهل المدينة وخلعهم يزيد بن معاوية مشهور ثابت .

قال ابن الملقّن في( شرح البخاري ) :

( بابٌ : إذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه : الشرح : معنى الترجمة إنّما هو في خلْع أهل المدينة ليزيد بن معاوية ، ورجوعهم عن بيعته وما قالوا له ، وقالوا بغير حضرته خلاف ما قالوا بحضرته ، وذلك أنّ ابن عمر بايعه فقال عنده بالطاعة بخلافته ، ثمّ خشِي على بنيه وحشمه النكث مع أهل المدينة ، حيث نكثوا بيعة يزيد ، فوعظهم وجمعهم وأخبرهم أنّ النكث أعظم الغدر )(٢) .

وقال ابن حجر بشرحه :

( ووقع عند الإسماعيلي من طُرق مؤمّل بن إسماعيل ، عن حمّاد بن زيد ، في أوّله من الزيادة ، عن نافع : أنّ معاوية أراد ابن عمر على أنْ يُبايع

ـــــــــــــــــــ

(١) تذكرة خواص الأُمّة : ٦١ .

(٢) شرح صحيح البخاري ـ كتاب الفتن ، باب : إذا قال عند قوم شيئاً...

١٨٤

ليزيد ، فأبى وقال : لا أُبايع لأميرين ، فأرسل إليه معاوية بمئة ألف درهم فأخذها ، فدّس إليه رجلاً فقال له : ما يمنعك أنْ تُبايع ؟ فقال إنّ ذاك لذاك ، يعني عطاء ذلك المال لأجل وقوع المبايعة ، إنّ ديني عندي إذاً لرخيص ، فلمّا مات معاوية كتب ابن عمر إلى يزيد ببيعته ، فلمّا خلع أهل المدينة ، فذكره...)(١) .

وقال ابن حجر في ( باب ما كان من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُواسي بعضهم بعضاً في الزراعة والثمرة ) من كتاب المزارعة في شرح حديث نافع : ( إنّ ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، وصدراً من إمارة معاوية ) :

( قوله : وصدراً من إمارة معاوية ، أي خلافته ، وإنّما لم يذكر ابن عمر خلافة عليّ ؛ لأنّه لم يُبايعه ، لوقوع الاختلاف عليه ، كما هو مشهور في صحيح الأخبار ، وكان رأي ابن عمر أنْ لا يُبايع لِمن لم يجتمع عليه الناس ، ولهذا لم يُبايع أيضاً لابن الزبير ولا لعبد الملك ، في حال اختلافهما ، وبايع ليزيد بن معاوية ، ثمّ لعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير )(٢) .

وقال الشهاب القسطلاني :

( عن نافع مولى ابن عمر أنّه قال : لمّا خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية ، وكان ابن عمر لمّا مات معاوية كتب إلى يزيد ببيعته...)(٣) .

ثمّ إنّهم رَوَوا عن ابن عمر أنّه مدح يزيد في جمعٍ مِن خلفائهم وقال :

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٣ : ٥٩ .

(٢) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٥ : ١٩ .

(٣) إرشاد الساري في شرح صحيح البخّاري ١٠ : ١٩٩ .

١٨٥

 ( كلّهم صالح لا يوجد مثله )... ومن رواته السيوطي في( تاريخ الخلفاء ) وهذه عبارته :

( أخرج ابن عساكر عن عبد الله بن عمر قال : أبو بكر الصدّيق أصبتم اسمه ، عُمر الفاروق قرنٌ من حديد أصبتم اسمه ، ابن عفّان ذو النّورين قُتل مظلوماً يُؤتى كفلين من الرّحمة ، معاوية وابنه مَلِكا الأرض المقدّسة ، والسّفاح وسلام ومنصور وجابر والمهدي والأمين وأمير العصب ، كلّهم من بني كعب ابن لؤي ، كلّهم صالح لا يوجد مثله .

قال الذهبي : له طُرق عن ابن عمر ، ولم يرفعه أحد )(١) .

فمن العجيب جدّاً ، أنْ يمتنع ابن عمر عن البيعة لأمير المؤمنين ، ثمّ يُبايع يزيد ويمدحه بمثل هذا الكلام ؟

بل إنّه كان لا يربّع بالإمامعليه‌السلام ، كما هو ظاهر الحديث المتقدّم وصريح الحديث في( كنز العمّال ) قال :

( عن عبد الله بن عمر قال : يكون على هذه الأُمّة اثنا عشر خليفة : أبو بكر الصدّيق أصبتم اسمه ، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، عثمان بن عفّان ذو النّورين قتل مظلوماً أُوتي كفلين من الرحمة ، ملك الأرض المقدّسة معاوية وابنه ، ثمّ يكون السفّاح والمنصور وجابر والأمين وسلام وأمير العصب ، لا يُرى مثله ولا يدرى مثله ، كلّهم من بني كعب بن لؤي... ) .

هذا، ولا يخفى أنّه في بعض نسخ ( الكتابين المذكورين ) نقل هذا الكلام عن ( عبد الله بن عمرو ) بدلاً عن ( عبد الله بن عمر )(٢) ، وسواء كان قائل

ـــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الخلفاء : ١٦٧ ـ ١٦٨ .

(٢) كنز العمّال ١١ : ٢٥٢/ ٣١٤٢١ .

١٨٦

هذا الكلام ابن عمر أو ابن عمرو بن العاص أو كلاهما، فإنّه يدلُّ على كفر قائله وضلاله .

ابن عمر في نظر عائشة

وقد أكثرت عائشة من الردّ على عبد الله بن عمر ، وأبطلت قوله في مسائل عديدة ، فقد أخرج مسلم في ( الصحيح ) قال :

( حدّثني هارون بن عبد الله ، أخبرنا محمّد بن بكر البرساني ، أخبرنا ابن جريج قال : سمعت عطاء يخبر قال : أخبرني عروة بن الزبير قال : كنت أنا وابن عُمر مُستندين إلى حجرة عائشة ، وإنّا لنسمع ضربها بالسواك تستن .

قال : فقلت : يا أبا عبد الرحمان ! اعتمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجب ؟

قال : نعم .

فقلت لعائشة : يا أُمّتاه ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمان ؟

قالت : وما يقول ؟

قلت : يقول : اعتمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجب .

فقالتْ : يغفر الله لأبي عبد الرحمان ، لعمري ما اعتمر في رجب ، وما اعتمر مِن عمرة إلاّ وإنّه لَمَعه .

قال : وابن عمر يسمع ، فما قال لا ولا نعم ، سكت )(١) .

وقال ابن القيّم في( زاد المعاد ) :

( أمّا عذر مَن قال : اعتمر في رجب ، فحديث عبد الله بن عمر : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم بن الحجاج ٢ : ٩١٦/ ١٢٥٥ كتاب الحج الباب ٣٥ .

١٨٧

 اعتمر في رجب ، متّفقٌ عليه ، وقد غلّطته عائشة وغيرها كما في الصحيحين عن مجاهد قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد ، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة ، وإذا ناس يصلّون في المسجد صلاة الضّحى ، قال : فسألناه عن صلاتهم ، فقال : بدعة ، قلنا له : كم اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال : أربعاً ، إحداهنّ في رجب فكرهنا أنْ نردّ عليه .

قال: وسمعنا استنان عائشة أمّ المؤمنين في الحجرة ، فقال عروة : يا اُمة أو يا أُمّ المؤمنين ! ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمان ؟

قالت : ما يقول ؟

قال : يقول : إنّ رسول الله اعتمر أربع عُمَر ، إحداهنّ في رجب .

قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمان، ما اعتمر [رسول الله] عمرة قط إلاّ وهو شاهد ، وما اعتمر في رجب قط وكذلك قال أنَس وابن عبّاس أنّ عمره كلّها كانت في ذي القعدة ، وهذا هو الصواب )(١) .

وفي( صحيح البخاري ) :

( عن مجاهد قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد ، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة ، وإذا ناس يصلّون في المسجد صلاة الضّحى .

قال : فسألناه عن صلاتهم ؟ فقال : بدعة ، ثمّ قال له : كم اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال : أربع ، إحداهنّ في رجب ، فكرهنا أنْ نردّ عليه .

قال : وسمعنا استنان عائشة أُمّ المؤمنين في الحجرة ، فقال عروة : يا أُمّاه ! يا أُمّ المؤمنين ! ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمان ؟

قالت : ما يقول ؟

ـــــــــــــــــــ

(١) زاد المعاد في هدي خير العباد ١ : ١٨٣ ـ ١٨٤

١٨٨

قال : يقول : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعتمر أربع عمرات ، إحداهنّ في رجب .

قالت : يرحم الله أبا عبد الرحمان، ما اعتمر عمرةً إلاّ وهو شاهده ، وما اعتمر في رجب قط )(١) .

وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن أبي مليكة :

( قال : توفّيت ابنة لعثمانرضي‌الله‌عنه بمكّة ، وجئنا لنشهدها ، وحضرها ابن عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم... فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان : ألا تنهى عن البكاء ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( إنّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه ) .

فقال ابن عبّاس رضي الله عنهما : قد كان عمر يقول بعض ذلك... فذكرت ذلك لعائشة فقالت : رحم الله عمر ، والله ما حدّث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ الله ليعذّب المؤمن ببكاء أهله عليه ، ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( إنّ الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه ) .

قال : وقالت عائشة : حسبكم القرآن( ... وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى... ) .

قال ابن أبي مليكة : والله ما قال ابن عمر شيئاً )(٢) .

وأخرج الطبراني عن موسى بن طلحة :

( قال : بلغ عائشة أنّ ابن عمر يقول : موت الفجأة سخطة على المؤمنين .

فقالت [عائشة] : يغفر الله لابن عمر ، إنّما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٣ : ٣ أبواب العُمرة ـ باب كم اعتمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٠١ كتاب الجنائز ـ باب قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُعذّب الميّت ببعض بكاء أهله عليه ، صحيح مسلم ٢ : ٦٤١/ ٩٢٨ كتاب الجنائز الباب ٩ .

١٨٩

: موت الفجأة تخفيفٌ على المؤمنين وسخطة على الكافرين )(١) .

وأخرج أحمد ، عن يحيى بن عبد الرحمان، عن ابن عمر ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(الشهر تسع وعشرون ) ، فذكروا ذلك لعائشة ، فقالت : يرحم الله أبا عبد الرحمن ، إنّما قال الشهر لم ترد يكون تسعاً وعشرين )(٢) .

وأخرج البخاري عن ابن عمر :

( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :إنّ بلالاً يؤذّن بليل ، فكلوا واشربوا حتّى يؤذّن ابن أُمّ مكتوم )(٣) .

والبيهقي ، عن عروة ، عن عائشة :

( قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ ابن أُمّ مكتوم رجلٌ أعمى ، فإذا أذّن فكلوا واشربوا حتّى يؤذّن بلال ، وكان بلال يبصر الفجر ، وكانت عائشة تقول غلط ابن عمر )(٤) .

فقال ابن حجر بشرحه :

( جاء عن عائشة أيضاً أنّها كانت تنكر حديث ابن عمر وتقول : إنّه غلط ، أخرج ذلك البيهقي ، من طريق الدراودي ، عن هشام ، عن أبيه عنها ، فذكر الحديث وزاد : قالت عائشة : وكان بلال يبصر الفجر قال : وكانت عائشة تقول : غلط ابن عمر )(٥) .

ـــــــــــــــــــ

(١) المعجم الأوسط ٣ : ٤٠٢/ ٣١٥٠ .

(٢) مسند أ؛مد بن حنبل ٧ : ٧٧/ ٢٣٧٢٦ .

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٢٢٥ كتاب الشهادات ـ باب شهادة الأعمى .

(٤) سنن البيهقي ١ : ٣٨٢ .

(٥) فتح الباري ٢ : ٨١ .

١٩٠

ابن عمر عند سائر الصّحابة

وهكذا ، فقد ردّ عليه سائر الصحابة أقواله وأبطلوا آرائه ، قال السيوطي في كتاب( الإتقان في علوم القرآن ) :

( وإنْ عبّر واحدٌ بقوله : نزلت في كذا ، وصرّح الآخر بذكر سبب خلافه ، فهو المعتمد وذاك استنباط ، مثاله : ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال : أُنزلت( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ... ) في إتيان النساء في أدبارهنّ ، وتقدّم عن جابر التصريح بذكر سبب خلافه ، فالمعتمد حديث جابر ؛ لأنّه نقل ، وقول ابن عمر استنباط منه ، وقد وهّمه فيه ابن عبّاس ، وذكر مثل حديث جابر ، كما أخرجه أبو داود والحاكم )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ١ : ١١٧

١٩١

عبد الله بن عمرو بن العاص

وأمّا عبد الله بن عمرو بن العاص ، فتفسيره كان ( ممّا يحمله عن أهل الكتاب ) كما نصَّ عليه السيوطي ، وهذا يكفي للدلالة على عدم الاعتبار بتفسيره .

وتوضيح ذلك : أنّه ذكروا أنّه قد حصل في حرب اليرموك على كتب لأهل الكتاب ، فكان ينقل عنها الأخبار الإسترائيليّات ويحدّث بها ، ولذا قسّموا الصحابي إلى مَن أخذ عن الإسرائيليّات ومَن لم يأخذ ، قال القاري :

( الذي عرف بالنظر في الإسرائيليّات ، أي مِن كتب بني إسرائيل أو مِن أفواههم... كعبد الله بن سلام وكعبد الله بن عمرو بن العاص ، فإنّه كان حصل له في وقعة اليرموك كتب كثيرة من أهل الكتاب ، وكان يُخبر بما فيها مِن الأُمور المغيَّبة ، حتّى كان بعض أصحاب رسول الله ربّما قال : حدِّثْنا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا تحدّثنا من الصحيفة ذكره السخاوي)(١) .

وقال اللقاني في( الوطر مِن نزهة النظر ) :

((مثال الصحابي الذي لم يأخذ ع الإسرائيليّات : أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ .

ومثال من أخذ : عبد الله بن سلام ، وقيل : عبد الله بن عمرو بن العاص ، فإنّه لمّا فتح الشام ، أخذ حمل بعير من كتب أهل الكتاب وكان يحدّث منها ، فلذا اتّقاه الناس فقلَّ حديثه ، وإنْ كان أكثر حديثاً مِن أبي هريرة باعترافه ،

ـــــــــــــــــــ

(١) شرح شرح نخبة الفكر : ٥٤٩ .

١٩٢

والمراد بها قصص بني إسرائيل وما جاء في كتبهم ) .

وعلى الجملة ، فالرجل ممّن يُتّقى حديثه... فلا حاجة إلى ذكر سائر مطاعنه... ومع ذلك نذكر شيئاً منها :

خروجه لقتال الإمام في صفّين

ومن أعظم معاصيه ، بل من أكبر الأدلّة على كفره : خروجه لحرب أمير المؤمنينعليه‌السلام في صفّين ، ثمّ إنشاؤه الأشعار في التبجّح والافتخار بذلك !

فقد أخرج الحاكم في( المستدرك ) قال :

( قال له أبوه يوم صفّين : أخرج فقاتل قال : يا أبتاه ، أتأمرني أنْ أخرج فأُقاتل ، وقد كان من عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قد سمعت ، قال : أُنشدك بالله ، أتعلم أنّ ما كان من عهد رسول الله إليك أنّه أخذ بيدك فوضعها في يدي فقال : أطع أباك عمرو بن العاص ؟ قال : نعم ، قال : فإنّي آمرك أنْ تقاتل ، قال : فخرج يُقاتل ، فلمّا وضعت الحرب ، قال عبد الله :

لو شهدت جمل مقامي ومشهدي

بصفّين يوم شاب منها الذوائب

عشيّة جاء أهل العراق كأنّهم

سحاب ربيع زعزعته الجنائب

إذا قلت قد ولّوا سراعاً ثبتت لنا

كتائب منم وارجحنّت كتائب

فقالوا لنا إنّا نرى أن تبايعوا

عليّاً فقلنا بل نرى أنْ تضاربوا)

وقال ابن الأثير في( أُسد الغابة ) :

( وكانت معه راية أبيه يوم اليرموك ، وشهد معه أيضاً صفّين ، وكان على

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ٥٢٧ كتاب معرفة الصحابة .

١٩٣

الميمنة ، قال له أبوه : يا عبد الله ، اُخرج فقاتل .

فقال : يا أبتاه أتأمرني أنْ أخرج فأُقاتل ، وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعهد إليِّ ما عهد ؟ قال : إنّي أُنشدك الله يا عبد الله ، ألم يكن آخر ما عهد إليك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ أخذَ بيدك ووضعها في يدي وقال :( أطع أباك ) ؟

قال : اللّهمّ بلى .

قال : فإنّي أعزم عليك أنْ تخرج فتقاتل .

فخرج وتقلّد سيفين .

وندم بعد ذلك ، فكان يقول : مالي ولصفّين ، مالي ولقتال المسلمين ، لوددت أنّي متُّ قبله بعشرين سنة )(١) .

قالوا : ولمّا عرض عمرو بن العاص على أبي موسى ابنه عبد الله بن عمرو ، قال أبو موسى : ( قد غمست يده في هذه الفتنة ، ولا يكون ذلك )(٢) .

هذا ، وقد نصّ بعض علماء القوم على أنّ محاربة الإمام أمير المؤمنين من أعظم الكبائر(٣) .

تكذيب معاوية روايته

والعجب أنّه مع ذلك ، يكذّب معاوية في روايةٍ رواها ، ويحذّر الناس من أن يقبلوها، فقد روى البخاري في ( الصحيح ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) أُسد الغابة في معرفة الصحابة ٣ : ٢٤٦/ ٣٠٩٠ .

(٢) الفصول المهمّة : ٩٩ ، تذكرة خواصّ الأُمّة في معرفة الأئمّة : ٩٧ .

(٣) التحفة الاثنا عشريّة : ٣٨٨

١٩٤

 ( عن الزهري قال : كان محمّد بن جُبير بن مطعمٍ يحدّث أنّه بلغ معاوية ـ وهو عنده في وفدٍ مِن قريش ـ أنّ عبد الله بن عمرو بن العاص يحدّث أنّه سيكون ملك من قحطان .

فغضب معاوية ، فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثمّ قال :

أمّا بعد ، فإنّه بلغني أنّ رجالاً منكم يتحدّثون أحاديث ليست في كتاب الله ، لا تؤثر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأولئك جهّالكم ، فإيّاكم والأماني التي تضلّ أهلها ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( إنّ هذا الأمر في قريش ، لا يعاديهم أحد إلاّ كبّه الله على وجهه ما أقاموا الدين ) )(١) .

أقول :

فهذا مجمل أحوال المفسّرين عند القوم من الصحابة .

وإذا ثبت جرحهم ، فلا حاجة إلى التكلّم في أحوال أئمّة التفسير منهم في سائر الطبقات ، كما هو واضح .

ومع ذلك ننتقل إلى طبقة التابعين...

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٤ : ٢١٧ ـ ٢١٨ كتاب المناقب ـ باب مناقب قريش .

١٩٥

طبقة التابعين

قال السيوطي :

( ومن ذلك طبقة التابعين .

قال ابن تيميّة : أعلم الناس بالتفسير أهل مكة ؛ لأنّهم أصحاب ابن عبّاس ، كمجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عبّاس وسعيد بن جُبير وطاووس وغيرهم وكذلك في الكوفة أصحاب ابن مسعود ، وعلماء أهل المدينة في التفسير مثل زيد بن أسلم ، الذي أخذ عنه ابنه عبد الرحمان ابن زيد ، ومالك بن أنَس .

فمن المبرّزين منهم : مجاهد ، قال الفضل بن ميمون : سمعت مجاهداً يقول : عرضت القرآن على ابن عبّاس ثلاثين مرّة .

وعنه أيضاً قال : عرضت المصحف على ابن عبّاس ثلاث عرضات ، أقف عند كلّ آية منه وأسأله عنها ، فيم نزلت وكيف كانت .

وقال خصيف : كان أعلمهم بالتفسير مجاهد .

وقال الثوري : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به .

وقال ابن تيميّة : ولهذا يعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري وغيرهما من أهل العلم .

قلت : وغالب ما أورده الفريابي في تفسيره منه ، وما أورده فيه عن ابن عبّاس أو غيره قليل جدّاً.

ومنهم : سعيد بن جُبير ، قال سفيان الثوري : خذوا التفسير عن أربعة :

عن سعيد بن جُبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك .

وقال قتادة : كان أعلم التابعين أربعة : كان عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك ، وكان سعيد بن جُبير أعلمهم بالتفسير، وكان عكرمة أعلمهم بالسيَر ، وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام .

ومنهم : عكرمة مولى ابن عبّاس ، قال الشعبي : ما بقي أحد أعلم بكتاب الله مِن عكرمة وقال سماك بن حرب : سمعت عكرمة يقول : لقد فسّرت ما بين اللّوحين ، وقال عكرمة : كان ابن عبّاس يجعل في رجلي الكبل ، ويعلّمني القرآن والسنن ، وأخرج ابن أبي حاتم عن سماك قال : قال عكرمة : كلّ شيء أُحدّثكم في القرآن فهو عن ابن عبّاس .

١٩٦

ومنهم : الحسن البصري ، وعطاء بن أبي رباح ، وعطاء بن أبي سلمة الخُراساني ، ومحمّد بن كعب القرظي ، وأبو العالية، والضحاك بن مزاحم، وعطيّة العوفي ، وقتادة ، وزيد بن أسلم ، ومرّة الهمداني ، وأبو مالك .

ويليهم : الربيع بن أنَس ، وعبد الرحمان بن زيد بن أسلم ، في آخرين .

فهؤلاء قدماء المفسّرين ، وغالب أقوالهم تلقّوها عن الصحابة )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٤٠ ـ ٢٤٢ .

١٩٧

مجاهـد

أمّا مجاهد ، الذي عرفته كما نقل السيوطي ، بل نص الذهبي في( ميزان الاعتدال ) على إجماعهم على إمامته وصحّة الاحتجاج به ، وأنّه أحد الأعلام الأثبات ، ونقل الشيخ عبد الحق الدهلوي بترجمته في( رجال المشكاة ) عنه قوله : ( كان ابن عُمَر يأخذ لي في الركاب ويسوّي عليَّ ثيابي )

تفسيره من أهل الكتاب

فقد أورده الذهبي في( ميزان الاعتدال ) ، وذكر أنّ ابن حبّان أدرجه في الضعفاء ، قال : ( قال أبو بكر ابن عيّاش : قلت للأعمش : ما بال تفسير مجاهد مخالف ، أو شيء نحوه ؟ قال : أخذها من أهل الكتاب )(١)

اشتماله على المنكرات الشديدة

قال الذهبي :

( ومَن أنكر ما جاء عن مجاهد في التفسير ، في قوله :( ...عَسَى أَن يَبْعَثَكَ

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٤٣٩/ ٧٠٧٢ .

١٩٨

رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ) قال : يجلسه معه على العرش )(١) .

فيا سبحان الله !! هذا حال تفسير أعلم التابعين بعلم التفسير ، والتفسير الذي عرض على ابن عبّاس ثلاثين مرّة !! وإذا كان هذا حاله فما ظنّك بسائر تفاسيرهم ؟

نسبته المعصية إلى يوسفعليه‌السلام

وقال الرّازي في ( تفسيره ) في قصّة يوسفعليه‌السلام :

( وأمّا الذين نسبوا المعصية إلى يوسفعليه‌السلام ، فقد ذكروا في تفسير ذلك البرهان أُموراً :

الأوّل : قالوا : إنّ المرأة قامت إلى صنم مكلّل بالدرّ والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب ، فقال يوسف : لِمَ فعلت ذلك ؟ قالت : أستحيي من آلهي أنْ يراني على معصية ، فقال يوسف : أتستحين مِن صنم لا يعقل ولا يسمع ، ولا أستحيي مِن إلهي القائم على كلّ نفسٍ بما كسبت ، فو الله لا أفعل ذلك أبداً قالوا : فهذا هو البرهان .

الثاني : نقلوا عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه تمثّل له يعقوب ، فرآه عاضّاً على أصابعه ويقول له : أتعمل عمل الفجّار وأنت مكتوب في زمرة الأنبياء ؟ قالوا : فاستحيى منه ، وهو قول عكرمة ومجاهد والحسن وسعيد بن جُبير ومقاتل وقتادة والضحّاك وابن سيرين .

قال سعيد بن جُبير : تمثّل له يعقوب ، فضرب في صدره ، فخرجت شهوته من أنامله... )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٤٣٩/ ٧٠٧٢ .

(٢) تفسير الرازي ١٨ : ١٢٠ .

١٩٩

وقد نصّ الرازي على أنّ مَن نسب المعصية إلى يوسف فهو شرّ من إبليس ؛ لأنّه ـ بعد أنْ ذكر شهادة الله ، وشهادة من شهد ببراءة يوسف ، وكذا إقرار إبليس بذلك ـ قال :

( وعند هذا نقول : هؤلاء الجهّال الذين نسبوا إلى يوسفعليه‌السلام هذه الفضيحة ، إنْ كانوا مِن أتباع دين الله تعالى ، فليقبلوا شهادة الله تعالى على طهارته ، وإنْ كانوا مِن أتباع إبليس وجنوده ، فليقبلوا شهادة إبليس على طهارته ، ولعلّهم يقولون : كنّا في أوّل الأمر تلامذة إبليس ، إلى أنْ تخرّجنا عليه ، فزدنا عليه في السفاهة... )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ١٨ : ١١٧ .

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300