أحكام المرأة و الاُسرة

أحكام المرأة و الاُسرة20%

أحكام المرأة و الاُسرة مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: المرأة
الصفحات: 300

أحكام المرأة و الاُسرة
  • البداية
  • السابق
  • 300 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159302 / تحميل: 6110
الحجم الحجم الحجم
أحكام المرأة و الاُسرة

أحكام المرأة و الاُسرة

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

١

٢

٣

المقدّمة

الحمد لله الأوّل قبل الإنشاء ، والآخر بعد تمام الأشياء ، والصلاة والسلام على النور الممجّد ، والنبيّ المؤيّد ، سيّدنا ومولانا أبي القاسم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى آله وعترته الهداة المهديّين ، واللعائن الدائمة على أعدائهم أعداء الله أجمعين ، حتى قيام يوم الدين.

لقد منّ الله علينا بخيرة أهل الأرض محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعترتهعليهم‌السلام وأخرجنا من ظلمات الجهل إلى أنوار العلم ، وذلك ببيان ما نحتاجه في حياتنا اليومية من أحكام عمليَّة ، وقد وصل إلينا هذا الفيض الإلهي عن طريق علمائنا الأعلام ، رحم الله تعالى السابقين وحفظ الباقين منهم ، وشكر مساعيهم وأياديهم التي لا تنسى.

وقد ارتأيتُ أن أحمل على عاتقي مهمّة توضيح ما ورد في الرسالة العملية لآية الله العظمى السيد علي السيستاني ( دام ظلّه ) وجعل الله فيئه وارفاً على رؤوس المؤمنين ، وقد جعلتُ عملي مقصوراً على أحكام المرأة والاُسرة ، وذلك للحاجة الماسّة في مجتمع النساء والأُسر لمعرفة الحكم الشرعي وتطبيقه كما هو ، وقد مرّ هذا العمل بمراحل عدّة :

١ ـ استقراء فتاوى آية الله العظمى السيد علي السيستاني ـ حفظه الله ـ في منهاج الصالحين ، والمسائل المنتخبة ، وبعض الاستفتاآت الخطيّة الصادرة بقلمه الشريف ، وبعض المصادر الحاوية على رأيه.

٢ ـ استخراج الأحكام المرتبطة بالمرأة والاُسرة.

٣ ـ توضيح الأحكام بأُسلوب سلس يفهمه عامّة المكلّفين.

٤

٤ ـ بيان المعاني اللغوية للكلمات الصعبة ، وذلك اعتماداً على المصادر اللغويّة المعتبرة.

٥ ـ إرسال الأحكام الموضّحة إلى لجنة الاستفتاآت في مكتب سماحته بقم المقدّسة وقد تمّ مراجعة الأحكام وبيان بعض الملاحظات عليها.

شكر وتقدير

ختاماً أتقدّم بجزيل شكري وتقديري إلى كلّ من ساهم في هذا الجهد المبارك ، وأخصّ بالذّكر سماحة حجّة الإسلام والمسلمين السيد جواد الشهرستاني ، الذي كان هو المشجّع الأوّل على هذا المشروع ، وزوجي سماحة حجّة الإسلام الشيخ محمّد الحسّون الذي استفدتُ من إرشاداته العلميّة وخبراته التحقيقيّة في هذا العمل ، وسماحة حجّة الإسلام السيد محسن الهاشمي ، مسؤول لجنة الاستفتاآت في مكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ دام ظلّه ـ الذي بذل مجهوداً كبيراً في مراجعة الأحكام ، وبيان بعض ما تحتاج إليه من ملاحظات ، والأخوات الفاضلات في دار الزهراءعليها‌السلام الثقافيّة : الحاجة ماجدة الخوانساري ، والاُخت سرور الموسوي ، والاُخت اُم علاء الحسون اللواتي ساهمن في صفّ الحروف وتصحيح الأخطاء المطبعيّة ، جزاهم الله تعالى جميعاً خير الجزاء ، وأثابهم بما يحبّ ويرضى ، إنّه خير مدعوّ ومجيب.

اُم علي مشكور

صفر ١٤٢٦ ه‍

٥

التقليد

١ ـ المرأة التي بلغت مرحلة الاجتهاد وتمكّنت من استنباط الحكم الشرعي ، لا يجوز لها التقليد ويلزمها العمل باجتهادها أو بالاحتياط.

٦

كتاب الطهارة

أحكام التخلّي

١ ـ يجب تطهير مخرج البول بغسله بالماء ، وتكفي المرّة الواحدة بالقليل ، وكذا موضع الغائط إذا تعدّى المخرج أو أصاب المخرج نجاسة اُخرى من الخارج أو الداخل كالدم ، نعم لا يضرّ تنجّسه بالبول في النساء ، وفي غير ذلك يجوز غسله بالماء حتى ينقى ومسحه بحجر أو خرقة أو قرطاس أو محارم ونحوها من الأجسام القالعة للنجاسة.

٢ ـ لا يجب على المرأة أن تستبرئ من البول ، وما يخرج منها من بلل مشتبه في كونه بولاً أو لا يُحكم بطهارته ، ولا يجب عليها الوضوء ، والأفضل للمرأة أن تصبر قليلاً وتتنحنح وتعصر فرجها عرضاً ثمّ تغسله.

الوضوء

١ ـ لا بدّ من رفع المانع عند الوضوء ، فلو كان الكحلُ مانعاً وجب رفعه ، وكذلك الوسمة أو الخطاط الذي له جرم.

٧

٢ ـ تُطيل بعض النساء أظافرها للجمال ، وتضع دواءً عليها حفظاً لها من التكسّر ، فإذا كان هذا الدواء حاجباً من الوضوء أو الغسل ، أو شكّ في حاجبيّته فلابدّ من إزالته ، ولا يكون هذا السبب مبرّراً لعدم رفعه(١) .

٣ ـ لا يجوز المسح على الشعر المكوّر والمجمّع على الناصية ـ الذي يتجاوز بمدّه حدّ الربع المقدّم من الرأس من جميع جوانبه ـ عند الوضوء ، ولذا فلابدّ من فتحه ثمّ المسح على أُصوله في الربع المقدّم ، أو على مقدار منه لا يخرج بمدّه عن حدّ المقدّم من جميع الأطراف.

٤ ـ يستحبّ للمرأة في غسل اليدين في الوضوء أن تبدأ بباطن ذراعيها في الغسلة الأُولى الواجبة ، وبظاهرهما في الغسلة الثانية المستحبّة.

الجنابة

١ ـ للمرأة جنابة كما للرجل ، فالماء الخارج منها بشهوة بما يصدق معه الإنزال وهو ما لا يحصل عادة إلاّ مع شدة التهيّج الجنسي فهو بحكم المني دون البلل الموضعي الذي لا يتجاوز الفرج ويحصل بالإثارة الجنسيّة الخفيفة فإنه لا يوجب شيئاً ، كما وتتحقّق الجنابة أيضاً بالجماع في القبل أو الدبر وإن لم تنزل.

٢ ـ إذا كان على المرأة أغسال متعدّدة ، كغسل الجنابة والجمعة والحيض وغيرها ، جاز لها أن تغتسل غسلاً واحداً بقصد الجميع ويجزئها ذلك ، كما يجوز لها أن تنوي خصوص غسل الجنابة وهو أيضاً يجزئ عن غيره ، وكذا إذا نوت غير غسل الجنابة فإنّه يجزئها عمّا نوته وعن غيره ، ولكن في إجزاء أيّ غسل عن غسل الجمعة من دون قصده ولو إجمالاً إشكال.

__________________

(١) أي ليس إطلاء الأظافر بالدواء كي لا تتكسّر سبباً مبرّراً لعدم الرفع.

٨

٣ ـ الثقب في الأُذن ـ وهو موضع الحلقة أو الخزامة ـ لا يجب غسل باطنه بل يجب غسل الظاهر ، سواء كانت الحلقة موجودة فيه أو لا.

الحيض

١ ـ الحيض : دم تعتاده النساء كلّ شهر في الغالب ، ويعتبر فيه الاستمرار ـ ولو في فضاء الفرج ـ في الثلاثة الاُولى ، وكذا فيما يتوسطها من الليالي ، فلو لم يستمر الدم لم تجر عليه أحكام الحيض ، نعم فترات الانقطاع اليسيرة المتعارفة ـ ولو في بعض النساء ـ لا تخلّ بالاستمرار المعتبر فيه ، كما يعتبر التوالي في الأيام الثلاثة المذكورة وأن يكون بعد البلوغ(١) وقبل سنّ الستّين.

ويجتمع الحيض مع الحمل قبل ظهوره وبعد ظهوره ، نعم الأحوط وجوباً أن تجمع الحامل ذات العادة الوقتية بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة في صورة واحدة ، وهي ما إذا رأت الدم بعد مضيّ عشرين يوماً من أوّل عادتها وكان الدم بصفات الحيض ، وفي غير هذه الصورة حكم الحامل وغير الحامل على حدّ سواء.

٢ ـ إذا كانت المرأة ممّن لها عادة وقتية فتتحيّض بمجرّد رؤية الدم في أيام عادتها وإن لم يكن بصفات الحيض ، وكذا إذا رأت الدم قبل العادة بيوم أو يومين أو أزيد ما دام يصدق عليه تعجيل الوقت والعادة بحسب عرف النساء.

وأمّا إذا رأت الدم قبل العادة بزمان أكثر ممّا تقدّم أو رأته بعدها ولو قليلاً فترجع إلى الصفات ، فإن كان واجداً للصفات ـ من الحمرة والحرارة ـ تحيّضت به ، وأمّا مع عدم الصفات فلا تتحيّض إلاّ من حين العلم باستمراره ثلاثة أيام وإن كان ذلك قبل إكمال الثلاثة. ولو كانت تحتمل بقاءه ثلاثة أيام فالأحوط وجوباً لها الجمع

__________________

(١) أي بعد بلوغ تسع سنين قمريّة كاملة.

٩

بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة ، كترك مسّ لفظ الجلالة والآيات ودخول المساجد والمشاهد المشرّفة للمعصومينعليهم‌السلام وغير ذلك ، وتأتي بالصلاة طبق وضعها من الاستحاضة.

ثمّ إنّه إن زاد الدم على الثلاثة ولم يتجاوز عن العشرة جعلت الزائد حيضاً أيضاً وإن كان أزيد من عادتها ، وأمّا إذا تجاوز العشرة فعليها أن ترجع في العدد إلى عادتها ، وأمّا في الوقت فإن كان لها تمييز(١) بالصفات يوافق عدد العادة رجعت إليه ، وإن كان مخالفاً له رجعت إليه أيضاً ، لكن تزيد عليه مع نقصانه عن عدد العادة حتى تبلغ العدد وتنقص عنه مع زيادته على عدد العادة حتى تبلغه ، فالنتيجة إنّ الصفات تحدّد الوقت فقط دون العدد ، ومع عدم التمييز بالصفات تجعل العدد في أوّل أيام الدم.

٣ ـ إذا انقطع دم الحيض قبل انقضاء أيام العادة وجب عليها الغسل والصلاة حتى إذا ظنّت عود الدم بعد ذلك ، فإذا عاد قبل انقضائها أو عاد بعده ثمّ انقطع في اليوم العاشر أو دونه من أوّل زمان رؤية الدم فهو حيض ، وإذا تجاوز العشرة فما رأته في أيام العادة ـ ولو بعد النقاء المذكور ـ حيض والباقي استحاضة ، وأمّا النقاء المتخلّل بين الدمين(٢) من حيض واحد فالأحوط وجوباً فيه الجمع بين أحكام الطاهرة والحائض.

٤ ـ من كانت عادتها دون العشرة وتجاوز الدم أيامها ، فإن علمت بانقطاع الدم

__________________

(١) إذا استطاعت المرأة أنّ تشخّص أن هذا الدّم دم حيض أو دم استحاضه من خلال الصفات فإنّها تسمّى ذات تمييز.

(٢) كما إذا رأت الدم وانقطع ثمّ رأته مرّة اُخرى فتسمّى المدّة الفاصلة بين الدمين بالنقاء المتخلّل بينهما.

١٠

قبل تجاوز العشرة حُكم بكونه حيضاً ، وإن علمت بالتجاوز عنها وجب عليها بعد مضيّ أيام العادة أن تغتسل وتعمل عمل المستحاضة ، وإن لم تعلم شيئاً من الأمرين بأن احتملت الانقطاع في اليوم العاشر أو قبله فالأحوط الأولى(١) أتستظهر بيوم ثمّ تغتسل من الحيض وتعمل عمل المستحاضة ، ولها أن تستظهر أزيد منه إلى تمام العشرة من أوّل رؤية الدم. ( والاستظهار : هو الاحتياط بترك العبادة ).

وجواز الاستظهار إنّما ثبت في الحائض التي تمادى(٢) بها الدم كما هو محلّ الكلام ، ولم يثبت في المستحاضة التي اشتبه عليها أيام حيضها ، فإنّ عليها أن تعمل عمل المستحاضة بعد انقضاء أيام العادة.

٥ ـ إذا شكّت المرأة في انقطاع دم الحيض وجب عليها الفحص ، ولم يجز لها ترك العبادة بدونه ، وكيفيّة الفحص أن تُدخل قطنة وتتركها في موضع الدم ، وتصبر أزيد من الفترة اليسيرة التي يتعارف انقطاع الدم فيها مع بقاء الحيض ثمّ تخرجها ، فإن كانت نقية فقد انقطع حيضها فيجب عليها الاغتسال والإتيان بالعبادة ، وإلاّ فلا. وإذا اغتسلت من دون فحص حُكم ببطلان غسلها ، إلاّ إذا انكشف أنّ الغسل كان بعد النقاء وقد اغتسلت برجاء أن تكون نقية.

٦ ـ إذا رأت الدم قبل أيام العادة واستمر إليها(٣) وزاد المجموع على العشرة ، فإن كان في أيام العادة فهو حيض وإن كان بصفات الاستحاضة ، وما كان قبلها استحاضة وإن كان بصفات الحيض ، وإذا رأته أيام العادة وما بعدها وتجاوز المجموع

__________________

(١) الاحتياط هنا استحبابي يجوز تركه.

(٢) تمادى أي استمر.

(٣) أي واستمر إلى أن أتى وقت عادتها.

١١

العشرة كان ما بعد العادة(١) استحاضة حتى فيما كان منه في العشرة بصفات الحيض ولم يتجاوزها بهذه الصفة.

٧ ـ ما تراه المبتدئة(٢) أو المضطربة(٣) من الدم إذا تجاوز العشرة ، فإمّا أن يكون واجداً للتمييز بأن يكون الدم المستمر بعضه بصفة الحيض وبعضه بصفة الاستحاضة ، وإمّا أن يكون فاقداً له بأن يكون ذا لون واحد وإن اختلفت مراتبه كما إذا كان الكلّ بصفة دم الحيض وإن كان بعضه أسود وبعضه أحمر ، أو كان الجميع بصفة دم الاستحاضة ـ أي أصفر ـ وإن كان مع اختلاف درجات الصفرة :

ففي القسم الأول تجعل الدم الفاقد لصفة الحيض استحاضة ، كما تجعل الدم الواجد لها حيضاً مطلقاً عشرة أيام إذا لم يلزم من ذلك محذور عدم فصل أقلّ الطهر ـ أي عشرة أيام ـ بين حيضتين مستقلّتين ، وإلاّ فعليها جعل الثاني استحاضة أيضاً ، هذا إذا لم يكن الواجد أقلّ من ثلاثة أيام ولا أكثر من العشرة ، وأمّا مع كونه أقلّ أو أكثر فلا بدّ في تعيين عدد أيام الحيض من الرجوع إلى أحد الطريقين الآتيين في القسم الثاني بتكميل العدد إذا كان أقلّ من ثلاثة ، بضمّ بعض أيام الدم الفاقد لصفة الحيض وتنقيصه إذا كان أكثر من العشرة بحذف بعض أيام الدم الواجد لصفة الحيض ولا يحكم بحيضيّة الزائد على العدد.

وأمّا في القسم الثاني فالمبتدئة تقتدي ببعض نسائها(٤) في العدد ، ويعتبر في من تقتدي بها أمران :

__________________

(١) أي ما بعد أيام العادة.

(٢) المبتدئة : هي التي ترى الدم لأوّل مرّة.

(٣) المضطربة : هي التي لم تستقر لها عادة لا من ناحية الوقت ولا العدد.

(٤) أي النساء من أقربائها كالأُمّ والاُخت والخالة والعمّة ، وهكذا.

١٢

الأوّل : عدم العلم بمخالفتها معها في مقدار الحيض ، فلا تقتدي المبتدئة بمن كانت قريبة من سنّ اليأس مثلاً.

الثاني : عدم العلم بمخالفة عادة من تريد الاقتداء بها مع عادة من يماثلها من سائر نسائها(١) .

وإذا لم يمكن الاقتداء ببعض نسائها فالظاهر أنّها مخيّرة في كلّ شهر في التحيّض فيما بين الثلاثة إلى العشرة.

ولكن ليس لها أن تختار عدداً تطمئن بأنّه لا يناسبها ، والأحوط استحباباً اختيار السبع إذا لم يكن غير مناسب لها.

وأمّا المضطربة فالأحوط وجوباً أن ترجع أوّلاً إلى بعض نسائها ، فإن لم يمكن رجعت إلى العدد على النحو المتقدّم فيهما ، هذا كلّه فيما إذا لم تكن المضطربة ذات عادة أصلاً ، وأمّا إذا كانت ذات عادة ناقصة بأن كان لأيام دمها عدد ( فوق الثلاثة ) لا ينقص عنه ـ كأن لم تكن ترى الدم أقلّ من خمسة أيام ـ أو كان لها عدد ( دون العشرة ) لا تزيد عليه ـ كأن لم تكن ترى الدم أكثر من ثمانية أيام ـ ، أو كان لها عدد من كلا الجانبين ( قلّة وكثرة ) كأن لم تكن ترى الدم أقلّ من خمسة ولا أكثر من ثمانية فليس لها أن تأخذ بأحد الضوابط الثلاثة في مورد منافاتها مع تلك العادة الناقصة.

٨ ـ إذا لم تر الدم في أيام العادة أصلاً ورأت الدم قبلها ثلاثة أيام أو أكثر وانقطع يحكم بكونه حيضاً ، وكذا إذا رأت بعدها ثلاثة أيام أو أزيد ، وإذا رأت الدم قبلها وبعدها فكل من الدمين حيض إذا كان النقاء بينهما لا يقلّ عن عشرة أيام.

__________________

(١) أي يجب أن لا تعلم بمخالفة عادة من تريد الاقتداء بها من قريباتها.

١٣

٩ ـ ذات العادة : هي المرأة التي ترى الدم مرّتين متماثلتين من حيث الوقت والعدد من غير فصل بينهما بحيضة مخالفة ، كأن ترى الدم في شهر من أوّله إلى اليوم السابع ، وترى في الشهر الثاني مثل الأوّل.

١٠ ـ لا تصح من الحائض الصلاة الواجبة والمستحبة ، ولا قضاء لما يفوتها من الصلوات حال الحيض ، حتى الآيات(١) والمنذورة في وقت معيّن. ولا يصح منها الصوم أيضاً ، لكن يجب عليها أن تقضي ما يفوتها من الصوم في شهر رمضان ، والأحوط وجوباً قضاء المنذور في وقت معيّن. ولا يصح منها أيضاً الاعتكاف ، ولا الطواف الواجب ، وهكذا الطواف المندوب على الأحوط وجوباً.

ويحرم عليها كلّ ما يحرم على الجنب من مسّ لفظ الجلالة ، وكذا سائر أسمائه تعالى وصفاته المختصّة به على الأحوط وجوباً ، ويلحق به مسّ أسماء المعصومينعليهم‌السلام على الأحوط الأولى(٢) ، وكذا يحرم عليها مسّ كتابة القرآن ، والدخول في المساجد وإن كان لأخذ شيء منها ، ويلحق بها المشاهد المشرّفة على الأحوط وجوباً(٣) ، وكذا يحرم المكث في المساجد ووضع شيء فيها على الأحوط وجوباً وإن كان في حال الاجتياز أو من الخارج ، وكذا دخول المسجد الحرام ومسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كان على نحو الاجتياز ، ويحرم أيضاً قراءة إحدى آيات العزائم الأربع(٤) .

١١ ـ يحرم وطء الحائض في قبلها أيام الدم ، ويكره الاستمتاع بما تحت المئزر ممّا بين السرّة والركبة. وإذا نقيت المرأة من الدم جاز وطؤها وإن لم تغتسل ،

__________________

(١) أي حتى صلاة الآيات.

(٢) الاحتياط هنا استحبابي.

(٣) أي مشاهد المعصومينعليهم‌السلام .

(٤) وهي آيات السجدة الواجبة في سورة حم السجدة ، والم السجدة ، والنجم ، والعلق.

١٤

والأحوط وجوباً ان يكون ذلك بعد غسل الفرج.

١٢ ـ لا يصح طلاق الحائض ، إلاّ إذا استبان حملها فلا بأس به حينئذ. ولو طلّقت على أنّها حائض فتبيّن أنّها طاهرة صح طلاقها ، ولو كان العكس بطل.

١٣ ـ لا يجوز وطء الحائض وغيرها في الدبر على الأحوط وجوباً إذا لم تكن راضية به ، ويكره كراهة شديدة مع رضاها.

١٤ ـ غسل الحيض كغسل الجنابة من حيث الترتيب والارتماس(١) ، والظاهر إغناؤه عن الوضوء وإن كان الأحوط الأفضل الوضوء قبله.

١٥ ـ لو كانت المرأة حائضاً وكان عليها غسل جنابة ، واغتسلت للجنابة حينها ، صح غسلها وتصح منها الأغسال المستحبة والوضوء ، وفي صحة غسل الجمعة منها قبل النقاء إشكال.

الاستحاضة

١ ـ وهي الدم الذي تراه المرأة حسب ما يقتضيه طبعها غير الحيض والنفاس ، فكلّ دم لا يكون حيضاً ، ولا نفساً ، ولا يكون من دم البكارة ، أو القروح أو الجروح فهو استحاضة.

والغالب في دم الاستحاضة أن يكون أصفراً بارداً رقيقاً ، يخرج بلا لذع وحرقة ، عكس دم الحيض ، ولعلّه يكون بصفة دم الحيض لكنّه في غير أيام الحيض.

ولا يوجد حدّ لقليله ولا لكثيره ولا للمدّة التي ينقطع بها ثمّ يعود مرّة أُخرى ،

__________________

(١) أي يمكن الإتيان به ارتماسيّاً أو ترتيبيّاً بغسل الرأس والرقبة ثمّ الطرف الأيمن ثمّ الأيسر من البدن.

١٥

ولا تراه إلاّ المرأة البالغة. وفي تحقّقه بعد سنّ الستّين إشكال ، والأحوط وجوباً العمل فيه بوظائف المستحاضة.

٢ ـ الاستحاضة على ثلاثة أقسام ، لكلّ قسم منها حكم خاصّ به ، وهي : الكثيرة ، والمتوسّطة ، والقليلة.

والكثيرة : هي أن يغمس الدم القطنة التي تحملها المرأة ويتجاوزها إلى الخرقة(١) ويلوّثها.

والمتوسّطة : هي أن يغمسها الدم ولا يتجاوزها إلى الخرقة التي فوقها.

والقليلة : هي التي يكون الدم فيها قليلاً بحيث يلوّث القطنة فقط.

٣ ـ المستحاضة تختبر حالها قبل الصلاة على الأحوط وجوباً ، حتى تعرف من أي أنواع المستحاضة هي ، وإذا صلّت من دون اختبار بطلت صلاتها ، إلاّ إذا طابق عملها الوظيفة اللازمة لها ، فإن كانت قليلة توضّأت لكلّ صلاة ، والمتوسّطة يجب عليها أن تتوضّأ لكلّ صلاة ، والأحوط وجوباً أن تغتسل غسلاً واحداً في كلّ يوم ، والغسل يكون قبل الوضوء.

وأمّا وقت الغسل فهو لكلّ صلاة حدثت قبلها ، فإذا حدثت الاستحاضة المتوسّطة قبل صلاة الفجر اغتسلت ثمّ توضّأت وصلّت ، وإذا حدثت قبل صلاة الظهر اغتسلت وتوضّأت لها ، وصلّت غيرها من الصلوات بالوضوء ، وإذا حدثت قبل العصر اغتسلت وتوضّأت لها وصلّت ، وهكذا ...

وإذا حدثت قبل صلاة الصبح ولم تغتسل عمداً أو سهواً اغتسلت للظهرين ، والأحوط وجوباً لها إعادة صلاة الصبح.

__________________

(١) أي الحفّاظة.

١٦

وأمّا الكثيرة فيجب عليها إذا كان الدم صبيباً(١) ثلاثة أغسال لصلاة الصبح وللظهرين وللعشاءين تجمع بينهما ، وأمّا إذا كان بروزه على القطنة متقطّعاً بحيث تتمكن من الاغتسال والإتيان بصلاة واحدة أو أزيد قبل بروز الدم عليها مرّة اُخرى فالأحوط وجوباً الاغتسال عند بروز الدم ، وعلى ذلك فلو اغتسلت وصلّت ثم برز الدم على القطنة قبل الصلاة الثانية وجب عليها الاغتسال لها ، ولو برز الدم في أثنائها أعادت الصلاة بعد الاغتسال.

٤ ـ إذا انتقلت الاستحاضة من الأدنى إلى الأكثر ، كأن كانت متوسّطة وصارت كثيرة ، أو كانت قليلة وصارت متوسّطة ، فعليها أن تعمل عمل التي انتقلت إليها للصلاة الآتية ، وإذا صار انتقال عادتها بعد غسلها للصبح فتعيد الغسل ، ولو ضاق الوقت للغسل تيمّمت ، وإن ضاق الوقت عن التيمّم فالأحوط استحباباً أن تستمر على عملها ، ويجب عليها قضاء الصلاة.

٥ ـ حكم المرأة في الاستحاضة القليلة حكم الطاهرة ، وهكذا في الاستحاضة المتوسّطة والكثيرة ، فلا يعتبر الغسل في صحة صومها وإن كان الأحوط استحباباً أن تراعيا فيه الإتيان بالأغسال النهاريّة التي للصلاة.

ولا يحرم وطء المستحاضة ، ولا دخول المساجد ، ولا وضع شيء فيها ولا المكث فيها ، ولا قراءة آيات السجدة قبل طهارتها بالوضوء أو الغسل ، ولكن يحرم عليها مسّ المصحف ونحوه قبل تحصيل الطهارة ، والأحوط(٢) أن لا تمسّه قبل

__________________

(١) الصبيب : الدم ، الصحاح ١ : ١٦١ « صَبَبَ ». والظاهر أنّ المقصود منه هنا هو كون الدم مستمراً في جريانه.

(٢) الاحتياط هنا استحبابي.

١٧

إتمام صلاتها دون ما بعدها ، أي ما بعد الصلاة.

النفاس

١ ـ وهو الدم الذي يقذفه الرحم بالولادة معها ، أو بعدها على نحو يستند خروج الدم إليها عرفاً ، وتسمّى المرأة في هذا الحال بالنفساء.

ولا نفاس لمن لم تر الدم من الولادة أصلاً ، أو رأته بعد فصل طويل بحيث لا يستند إليها عرفاً كما إذا رأته بعد عشرة أيام منها.

ولا حدّ لقليله ، وحدّ كثيره عشرة أيام. والأفضل لها أن تترك ما تتركه النفساء إذا زاد نفاسها على ثمانية عشر يوماً ، وتفعل أفعال المستحاضة.

٢ ـ الدم الذي تراه الحامل قبل ظهور الولد ليس بنفاس ، فإن رأته في حالة المخاض وعلمت أنّه من آثار المخاض فهو من دم الجروح ، ولكن إذا رأته قبل حالة المخاض أو فيها ولم تعلم استناده إليه ، سواء كان متصلا بدم النفاس أو منفصلاً عنه بعشرة أيام أو أقلّ ، فإن كان بشرائط الحيض فهو حيض ، وإلاّ فهو استحاضة.

٣ ـ مبدأ النفاس اليوم ، فإن كانت الولادة ليلاً كان من النفاس ، ولكنّه خارج العشرة.

٤ ـ مبدأ النفاس خروج الدم لا نفس الولادة ، فإن تأخّر خروج الدم عنها كانت العبرة في الحساب بالخروج ، كما أنّ مبدأ النفاس الدم الخارج بعد الولادة وإن كان الخارج حينها نفاساً أيضاً.

٥ ـ لو رأت النفساء الدم وتجاوز العشرة ، جعلت نفاسها عشرة أيام ما لم تكن

١٨

ذات عادة(١) في الحيض ، والاّ أخذت بمقدار عادتها والباقي استحاضة ، وإذا كانت ناسية لمقدارها جعلت أكبر عدد محتمل عادة لها في هذا المقام وبعده ترجع إلى عادتها الوقتية ـ مع تخلل أقل الطهر بين دم النفاس وبينها طبعاً ـ وتنتظرها وإن اقتضى ذلك عدم الحكم بتحيّضها فيها بعد الولادة بشهر أو أزيد.

ولو رأت الدم حين الولادة ثمّ انقطع ، ثمّ رأته مرّة اُخرى ولم يتجاوز الدم الأخير العشرة ، فما تراه يكون جميعه نفاساً ، وأمّا النقاء المتخلّل فالأحوط وجوباً الجمع فيه بين أحكام الطاهرة والنفساء.

وإذا تجاوز الدم الأخير العشرة ، وكانت ذات عادة عدديّة في الحيض ، فما تراه في مقدار أيام عادتها نفاس ، والأحوط وجوباً في الدم الخارج عن العادة الجمع بين تروك النفساء وأعمال المستحاضة ، وأمّا إذا لم تكن ذات عادة عدديّة في الحيض ، فما تراه في مقدار أيام عادتها نفاس ، والأحوط وجوباً في الدم الخارج عن العادة الجمع بين تروك النفساء وأعمال المستحاضة. وأمّا اذا لم تكن ذات عادة عدديّة في الحيض فما تراه خلال العشرة يكون نفاساً ، وتحتاط وجوباً في النقاء المتخلّل بالجمع بين أعمال الطاهرة وتروك النفساء ، وما يخرج عن العشرة من الدم الأخير يحكم بكونه استحاضة.

٦ ـ النفساء بحكم الحائض ، فتفعل كفعل الحائض عند تجاوز الدم على أيام العادة ، فيستحب لها الاستظهار بيوم ، وجاز لها الاستظهار إلى تمام العشرة من حين رؤية الدم. وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ، ويحرم وطؤها ولا يصح طلاقها. والأحوط لزوماً لها ترك قراءة الآيات التي تجب فيها السجدة ، والدخول في

__________________

(١) أي إذا كانت مضطربة لم تستقرّ لها عادة لا من ناحية الوقت ولا من ناحية العدد.

١٩

المساجد بغير اجتياز ، والمكث في المساجد ووضع شيء فيها ، ودخول المسجد الحرام ومسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو على نحو الاجتياز.

غُسل الأموات

١ ـ يجب تغسيل الميت ، وسائر ما يتعلّق بتجهيزه من الواجبات على وليّه ، فعليه التصدّي لها مباشرة أو تسبيباً(١) ، ويسقط مع قيام غيره بها بإذنه بل مطلقاً ـ أي حتى مع عدم إذنه ـ في الدفن ونحوه. نعم مع فقدان الولي أو امتناعه عن القيام به بأحد الوجهين يجب تجهيزه على سائر المكلّفين كفاية(٢) ويسقط اعتبار إذنه ، ويختصّ وجوب التغسيل بالمسلم ومن بحكمه كأطفال المسلمين ومجانينهم.

ولا بدّ أن يكون المباشر للغسل مسلماً ، بل ومؤمناً(٣) على الأحوط وجوباً ، كما ويعتبر أن يكون مماثلاً للميت في الذكورة والانوثة ، فإن كان أُنثى فلا بدّ أن يكون المغسّل أُنثى ، ويستثنى من ذلك موارد :

١ ـ الطفل غير المميّز ، سواء كان الميت ذكراً أم أُنثى ، مع الثياب أو بدونها ، مع وجود المماثل له أم مع فقده ، فإنّه يجوز في كلّ هذه الحالات أن يختلف الغاسل والميت في الهويّة.

٢ ـ إذا كان الميت الزوج أو الزوجة ، فيجوز لكلّ منهما أن يغسّل الآخر مع الثياب أو بدونها ، ومع وجود المماثل أو فقده ، سواء كانت الزوجة دائمة أو منقطعة ـ

__________________

(١) أي يؤجر أحداً حتى يجهّز الميت.

(٢) أي إذا قام به شخص سقط عن غيره من المكلّفين.

(٣) أي أماميّاً اثني عشرياً.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ومن هنا ندرك مدى اهتمام أهل البيتعليهم‌السلام بهذا الأمر، ومدى ارتباطه الوثيق بالجانبين الفردي والاجتماعي وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم.

كما ندرك أنهمعليهم‌السلام كانوا يتخيرون لأولادهم أسماء حسنة مراعاة لهذه الجوانب، وهي تحمل دلالات مهمة، ومعان سامية، وقد روي عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال: - في حديث - إنا لنكني أولادنا في صغرهم مخافة النبز أن يلحق بهم(1) .

وقد ذكرت الروايات الترغيب في أسماء معينة كمحمد وعلي، وحسن، وحسين، وجعفر، وطالب، وعبد الله، وحمزة، وغيرها من الأسماء كأسماء الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام ، بل ورد استحباب تسمية الأولاد قبل أن يولدوا، بل وإن كانوا أسقاطا فإن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سمى محسنا قبل أن يولد(2) .

وأما أسماؤهمعليهم‌السلام فقد اختارها الله تعالى لهم وجاء في الزيارة الجامعة: (فما أحلى أسماءكم) وقد دلت عدة روايات على ذلك.

ولما كانت السيدة المعصومة ربيبة الإمامة فقد حظيت بأحسن الأسماء، وأجمل الألقاب، وإن لأسمائها وألقابها من الدلالات والمعاني ما يشير إلى عظمتها، ذلك لأن الاسم أو اللقب لم يطلق عليها جزافا، وإنما صدر عن المعصوم الذي يضع الأشياء في مواضعها، الأمر الذي يدل على جلالة هذه الشخصية وعظمتها في كل شأن من

____________________

(1) وسائل الشيعة ج 15 باب 27 من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة ج 15 باب 23 وباب 24 من أبواب أحكام الأولاد.

٦١

شؤونها.

وأما أسماؤها وألقابها فهي:

1 - فاطمة:

وكم لهذا الاسم من شأن وخصوصية عند الأئمةعليهم‌السلام وشيعتهم، وكم كان الأئمةعليهم‌السلام يولون هذا الاسم أهمية فائقة، لا نجدها في سائر الأسماء عندهم.

روى الكليني بسنده عن السكوني، قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام وأنا مغموم مكروب، فقال لي: يا سكوني ما غمك؟ فقلت:

ولدت لي ابنة، فقال: يا سكوني على الأرض ثقلها، وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك، وتأكل من غير رزقك، فسرى والله عني، فقال: ما سميتها؟ قلت: فاطمة، قال: آه، آه، آه، ثم وضع يده على جبهته،.... - ثم قال -: أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها، ولا تلعنها، ولا تضربها(1) .

إن لهذا الاسم قدسية في نفوس أهل البيتعليهم‌السلام ، ولذا ذكر بعض الباحثين أن جميع الأئمةعليهم‌السلام كانت لهم بنات بهذا الاسم، حتى أن أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي كان اسم أمه فاطمة واسم زوجته فاطمة، كان له بنت اسمها فاطمة، وأن الإمام الكاظمعليه‌السلام كانت له أربع بنات بهذا الاسم، الأمر الذي يؤكد على أن هذا الاسم ليس أمرا عاديا، فيا ترى ما هو الوجه في ذلك؟

____________________

(1) الفروع من الكافي ج 6 - كتاب العقيقة - باب حق الأولاد الحديث 6 ص 48.

٦٢

إن شيعة أهل البيتعليهم‌السلام يدركون تماما خصوصية هذا الاهتمام وأبعاده ومغزاه، فإن المتسميات بفاطمة من النساء كثير، إلا أنه ما إن يطلق هذا الاسم ويتناهى إلى الأسماع حتى تتبادر الأذهان إلى فاطمة بضعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي كانت واسطة العقد وملتقى النورين ومنشأ السلالة النبوية الشريفة والذرية الطاهرة.

وإلى ما جرى على فاطمةعليها‌السلام - من الخطوب والمآسي، وما نالته فاطمة من إجماع أصحاب أبيها على هضمها، والتنكر لمقامها، وحرمانها من حقها - يعود كل ما تمخض من أحداث مؤلمة وفجائع أصابت أبناءها وشيعتها عبر التاريخ.

وإن في تأوه الإمام الصادقعليه‌السلام ثلاث مرات ووصيته للسكوني أن لا يسب ابنته ولا يلعنها ولا يضربها حيث سماها فاطمة دلالات تقصر عنها العبارات وتتعثر الأفكار.

إن الأمة قد انحرفت عن طريق الهداية والرشاد منذ اللحظة التي عزم فيها القوم على هضم فاطمة وظلمها وهتك حرمتها حيث داسوا على وصايا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأقدامهم وتجاسروا على بيت النبي في هجوم شرس زعزع القواعد التي أرساها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لضمان سلامة الأمة من الضيعة والضلال.

ولو أن الأمة أنصفت وأعطت فاطمة حقها لكانت قيادة الأمة بيد أمير المؤمنينعليه‌السلام ولا بيض وجه التاريخ.

٦٣

ولسنا في مقام الحديث عن تاريخ حياة فاطمةعليها‌السلام ، وإنما أردنا الإشارة إلى أن تسمية إحدى بناتها باسمها يحمل من الدلالات ما هو أكبر من مجرد إطلاق اسم على مسمى، فإن في التسمية بهذا الاسم تذكيرا وإيحاء بما جرى في تلك الأيام التي أعقبت وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومن هنا ندرك اهتمام الأئمةعليهم‌السلام وشيعتهم بهذا الاسم العظيم.

وقد ذكرت الروايات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام عدة تفاسير لمعنى فاطمة وكلها تدل على عظمة الصديقة الزهراءعليها‌السلام ومقامها(1) .

2 - المعصومة:

ويقترن هذا الاسم باسم فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفرعليهم‌السلام ، فيقال في الأعم الأغلب: فاطمة المعصومة، كما يقال عند ذكر أمها الكبرى: فاطمة الزهراءعليها‌السلام .

وقد ورد هذا الاسم في رواية عن الرضاعليه‌السلام حيث قال: من زار المعصومة بقم كمن زراني(2) .

ولهذه التسمية من الدلالة ما لا يخفى، فإنها تدل على أن السيدة فاطمةعليها‌السلام قد بلغت من الكمال والنزاهة والفضل مرتبة شامخة حيث سماها الإمامعليه‌السلام بالمعصومة، والعصمة تعني الحفظ والوقاية،

____________________

(1) بحار الأنوار ج 43 ص 10 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 18 - 65.

(2) رياحين الشريعة ج 5 ص 35.

٦٤

والمعصوم هو الممتنع عن جميع محارم الله تعالى، وهي لا تنافي الاختيار، فتكون مرتبة من الكمال لا تهم النفس معها بارتكاب المعصية فضلا عن الإتيان بها مع القدرة عليها عمدا أو سهوا أو نسيانا، ولا يكون معها إخلال بواجب من الواجبات، بل ولا مخالفة الأولى كما في بعض المعصومينعليهم‌السلام ، وليست هي أمرا ظاهرا وإنما هي حالة خفية من حالات النفس، ويستدل عليها بالنص أو القرائن القطعية الدالة على ثبوتها، كما أنها أمر مشكك، أي ذات مراتب تتفاوت فيها القابليات والاستعدادات من شخص إلى آخر.

وقد اتفقت كلمة الشيعة الإمامية على عصمة الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام والملائكة وبعض الأولياء، وإن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة الاثني عشر والصديقة الزهراءعليها‌السلام في أرقى درجات العصمة، فإنهم بلغوا من العصمة مقاما لا تصدر منهم معصية، ولا يتركون واجبا، ولا يبدر منهم ما كان على خلاف الأولى، وبذلك نطقت الأدلة وقامت البراهين العقلية والنقلية كما هي مبثوثة في كتب الشيعة الإمامية الكلامية(1) .

ويتلوهم الأمثل فالأمثل بمقتضى تفاوت المراتب والمقامات.

وعلى هذا فلا يبعد القول بأن السيدة فاطمة هي إحدى المعصومات وإن لم تبلغ درجة الصديقة الزهراءعليها‌السلام ، أو أحد الأئمةعليهم‌السلام .

____________________

(1) أوائل المقالات ص 35 وتلخيص الشافي ج 1 ص 183 - 196 وكشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ص 274 وص 286 - 287.

٦٥

وقد ذكر بعض الباحثين(1) عدة قرائن تدل على ذلك ومنها:

أولاً: ما ورد في الرواية عن الإمام الرضاعليه‌السلام من أنه قال: من زار المعصومة بقم كمن زارني.

ومن المعلوم أن الإمامعليه‌السلام لا يلقي الكلام جزافا، ولا يمكن أن تصدر منه مبالغة في القول في حق شخص من الأشخاص على خلاف الحق.

ولم يكن اسم المعصومة يطلق على السيدة فاطمة في حياتها ليكون التعبير بالمعصومة عنوانا مشيرا، بل إن هذا التعبير منهعليه‌السلام صدر عنه بعد وفاتهاعليها‌السلام وهو يدل على إثبات العصمة لهذه السيدة الجليلة لأنه بناء على أساس القاعدة المعروفة من أن تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية، يصبح معنى الحديث هكذا: من زار المعصومة بقم كمن زارني لأنها معصومة.

فإذا ثبت أن هذا الحديث صادر عنهعليه‌السلام فلا إشكال في دلالته على عصمتهاعليها‌السلام .

وثانياً: بما ورد من الأحاديث الصحيحة المستفيضة الواردة في وجوب الجنة لمن زار قبر هذه السيدة الجليلة.

وإن كان لا ملازمة بين العصمة ووجوب الجنة، ولكن لم يعهد في شأن غير المعصوم ذلك، حتى أن ثلاثة من الأئمة المعصومينعليهم‌السلام يؤكدون على زيارتها - وسيأتي الحديث عن ذلك -.

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 36 - 42.

٦٦

وثالثاً: بشفاعتها الشاملة لجميع شيعة أهل البيتعليهم‌السلام .

نعم ذكرت الشفاعة في شأن العالم والشهيد ونحوهما، ولكن لم يرد شمول الشفاعة وسعتها بحيث تشمل الجميع إلا في حقها وحق آبائها المعصومين، يقول الإمام الصادقعليه‌السلام : تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنة بأجمعهم.

رابعاً: الروايات المتواترة الواردة في فضل قم وقداسة أرضها ببركة قدوم هذه السيدة الجليلة، ولم يرد في شأن مدينة أخرى كما ورد في شأن مدينة قم، ومن الطبيعي أن قداسة هذه المدينة إنما هي من أجل هذه السيدة الجليلة.

خامساً: التعبير عن قم بأنها حرم أهل البيت، وعش آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وغيرها من التعابير العالية التي لم يرد لها مثيل إلا في مواطن ومشاهد الأئمةعليهم‌السلام .

سادساً: الكرامات الباهرة لهذه السيدة الجليلة التي كانت ترى على مر القرون والأزمان، ولم يكن لأحد من أولاد الأئمة ذلك، إلا ما كان من أبي الفضل العباسعليه‌السلام الذي يقال بعصمته أيضا.

سابعاً: التعبيرات العالية الواردة في زيارتها مثل: « فإن لك عند الله شأنا من الشأن » وحيث أن هذه الزيارة مروية عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، فإن هذه التعبيرات العالية الشأن لا تتناسب مع غير المعصوم.

ثامناً: إخبار الإمام الصادقعليه‌السلام عن تشرف هذه البقعة - مدينة قم -

٦٧

ببضعة من ولده موسىعليه‌السلام ، وكان إخباره بذلك قبل ولادة موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، وهو يدل على مقامها العظيم، ومع هذا يؤكدعليه‌السلام على أن جميع الشيعة يدخلون الجنة بشفاعتها، وذلك علامة على جلالة قدرها، الأمر الذي لم نقف عليه في شأن غير المعصوم.

وعاشراً: مجئ الإمامين الرضا والجوادعليهما‌السلام لتجهيز ودفن هذه السيدة الجليلة دليل واضح على عصمتها، وذلك لأن من معتقدات الشيعة أن جنازة المعصوم لا يتولى دفنها إلا المعصوم، فإن أمير المؤمنينعليه‌السلام هو الذي تولى تجهيز فاطمةعليها‌السلام مع حضور أسماء، حتى أن الإمام الصادقعليه‌السلام رأى أن ذلك ثقل على المفضل - الذي كان يحدثه - فقال لهعليه‌السلام : لا تضيقن فإنها صديقة، ولم يكن يغسلها إلا صديق، أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسى(1) .

فقد ورد في أحكام غسل الميت أن الزوج أحق بتغسيل زوجته، وإن وجد المماثل، وأما الولد فلا يمكنه أن يغسل أمه في حال الاختيار مع وجود المماثل، ولكن لما كانت مريمعليها‌السلام معصومة فلم يكن مناص إلا أن يتولى ولدها عيسىعليه‌السلام تغسيلها.

ومن قولهعليه‌السلام : « صديقة » يستفاد عصمة مريمعليها‌السلام ، وقد ورد في القرآن الكريم التعبير عنها بذلك، وهكذا تولى الإمام الرضاعليه‌السلام تغسيل أبيه، كما أن الإمام الجوادعليه‌السلام جاء من المدينة إلى خراسان، والإمام

____________________

(1) الأصول من الكافي ج 1 - كتاب الحجة - باب مولد الزهراء فاطمةعليها‌السلام الحديث 4 ص 459.

٦٨

الهادي جاء من المدينة إلى بغداد، ومن قبلهما جاء الإمام زين العابدينعليه‌السلام من السجن لتجهيز والده في كربلاء.

والملفت للنظر أن الإمام زين العابدينعليه‌السلام لما أراد أن يدفن أباه الحسينعليه‌السلام ، وعلي الأكبرعليه‌السلام ، وأبا الفضل العباسعليه‌السلام ، لم يطلب العون من بني أسد، بل قام بذلك بنفسه، ولكن لما أراد أن يدفن الشهداء طلب منهم أن يحفروا حفرتين وأمرهم بدفن شهداء بني هاشم في واحدة، ودفن سائر الشهداء في الأخرى.

وهذا بنفسه علامة على عصمة علي الأكبر. وأبي الفضل العباسعليهما‌السلام .

وهكذا في تجهيز السيدة فاطمة، فإن حضور الإمامين الرضا والجوادعليهما‌السلام له معنى كبير، وهو شاهد حي على عصمة هذه السيدة الجليلة.

فمع الالتفات إلى هذه الأمور فإذا ادعى شخص أن السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام نالت مرتبة من العصمة فليس فيه انحراف في القول أو مجازفة في المقال، نعم هذه المرتبة من العصمة دون مرتبة المعصومين الأربعة عشرعليهم‌السلام ، فإن أولي العزم من الأنبياء لم يبلغوا تلك المرتبة.

وهناك تفاوت آخر، وهو أن العصمة في الأنبياء والأئمة أمر لازم

٦٩

لا بد منه، وأما العصمة في هذه الشخصيات العالية فليست بلازمة(1) .

ولئن لم تكن معصومة بالمعنى الخاص للعصمة الخاصة بالأئمةعليهم‌السلام والصديقة الزهراءعليها‌السلام إلا أن في التعبير عنها بالمعصومة إشعارا ببلوغها مرتبة عالية من الطهارة والعفة والنزاهة والقداسة، ولا غرو فإنها تنحدر من بيت العصمة وتربت على يد المعصوم، وكانت ابنة معصوم وأخت معصوم وعمة معصوم.

3 - كريمة أهل البيت:

وهو من ألقاب هذه السيدة الجليلة، وعرفت به من دون سائر نساء أهل البيت.

وقد اشتهر الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام بهذا اللقب من دون سائر الرجال، فكان يقال له كريم أهل البيت.

وقد أطلقه عليها الإمام المعصومعليه‌السلام في قصة وقعت لأحد السادة الأجلاء وقال له: «عليك بكريمة أهل البيت » مشيرا إلى هذه السيدة الجليلة، وسنذكر تفاصيلها في موضع آخر.

ولهذا اللقب دلالة بعيدة الغور على شأن فاطمة بنت الإمام موسى ابن جعفرعليهم‌السلام ، فإن أهل البيتعليهم‌السلام قد جمعوا غر الفضائل والمناقب وجميل الصفات، ومن أبرز تلك الخصال الكرم، وقد عرفوه بأنه إيثار الغير بالخير ولا تستعمله العرب إلا في المحاسن الكثيرة، ولا يقال

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 36 - 42.

٧٠

كريم حتى يظهر منه ذلك(1) ، والكريم هو الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل.

ومن ذلك يعلم أن للكرم معنى واسعا لا ينحصر في بذل المال أو إقراء الضيف أو حسن الضيافة، فإنها من مصاديق الكرم لإتمام معناه.

وعلى ضوء هذا المعنى الشامل للكرم يتجلى لنا المراد من وصف أهل البيتعليهم‌السلام بأنهم أكرم الناس على الإطلاق لما اشتملوا عليه من أنواع الخير والشرف والفضائل، وقد حفظ لنا التاريخ شيئا من ذلك وحدث به الرواة.

كما يتجلى لنا أيضا اتصاف هذه السيدة الجليلة بأنها كريمة أهل البيتعليهم‌السلام .

وإن من أبرز مظاهر كرمها أن مثواها المقدس كان ولا يزال منبعا للفيض، وملاذا للناس، ومأمنا للعباد، ومستجارا للخلق، وبابا من أبواب الرحمة الإلهية للقاصدين، وأن مدينة قم حيث تضم مرقدها الطاهر كانت ولا تزال حاضرة العلم، وحرم الأئمة وعش آل محمدعليهم‌السلام ومنفرا لأهل العلم من شتى بقاع الأرض، يتلقون علوم أهل البيتعليهم‌السلام محتضنة كوكبة من العلماء والطلاب، ولا زالت هي والنجف الأشرف فرسي رهان تتسابقان في تخريج حملة العلوم على شتى مراتبهم، وسيوافيك عن ذلك حديث.

ففي وصف هذه السيدة الجليلة بأنها كريمة أهل البيت دلالة على

____________________

(1) مجمع البحرين ج 6 ص 152.

٧١

أنها ذات خير وبركة على الخلق، ولا سيما شيعة آل محمد وأختص أهل قم منذ اللحظة التي تشرفت أرضهم بها أنهم لا يزالون ينعمون ببركاتها وخيراتها آناء الليل وأطراف النهار، ويعيشون في حماها ويتفيأون ظلالها في امتياز خاص بهم من دون أهل سائر المناطق الأخرى.

أسماء وألقاب أخرى:

ذكر العلامة المتتبع الشيخ علي أكبر مهدي پور في كتابه القيم (كريمة أهل البيتعليهم‌السلام )(1) أن لفاطمة المعصومة عدة أسماء وألقاب غير ما ذكرنا، وردت في عدة من المصادر، وهي:

1 - الطاهرة 2 - الحميدة 3 - البرة 4 - الرشيدة 5 - التقية 6 - النقية 7 - الرضية 8 - المرضية 9 - السيدة 10 - أخت الرضا 11 - الصديقة 12 - سيدة نساء العالمين.

وسواء ثبتت هذه الألقاب والأسماء أو لم تثبت إلا أن من الواضح انطباق ما تضمنته من معان ودلالات على هذه السيدة الجليلة.

وقد أطلق أكثر هذه الأوصاف على أمها فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ولا سيما الأخير منها، فإن فاطمة الزهراءعليها‌السلام هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، كما أطلق على السيدة مريم بنت عمرانعليها‌السلام ،

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 47 - 48.

٧٢

وقيد - كما في الروايات - بأن سيادتها على نساء العالمين إنما هو خاص بنساء زمانها، ولذا ينبغي التخصيص في إطلاقه على فاطمة المعصومةعليها‌السلام أو يقال بالتخصص إذ من المعلوم أن مقام فاطمة الزهراءعليها‌السلام لا يرقى إليه أحد من النساء، فإنها بضعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وروحه التي بين جنبيه.

وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر الألقاب الأخرى.

وعلى أي حال فإن في تسميتها بفاطمة ووصفها بالمعصومة وكريمة أهل البيتعليهم‌السلام وأنها صادرة من المعصومين دلالة على المقام الرفيع الذي بلغته سيدة عش آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

في رحاب العلم والمعرفة:

عاشت السيدة فاطمة المعصومة مع أخيها الإمام الرضاعليه‌السلام أكثر من عشرين عاما على أقل التقادير، إذا ما استبعدنا أن تكون ولادتها في سنة 183 هـ، لأنها السنة التي استشهد فيها أبوها الإمام الكاظمعليه‌السلام في قول أكثر المؤرخين، وإلا فتكون المدة التي عاشتها السيدة فاطمة مع أخيها سبعة عشر عاما، وذلك لأن انتقال الإمام الرضاعليه‌السلام من المدينة إلى مرو في خراسان كان سنة 200 هـ وكانت ولادتهعليه‌السلام سنة 148 هـ كما هو المشهور، وقيل في سنة 153 هـ(1) . فعلى القول بأن ولادتهاعليها‌السلام

____________________

(1) منتهى الآمال ج 2 ص 403.

٧٣

كانت سنة 179 هـ يكون عمرها الشريف يوم رحلة أخيها من المدينة واحدا وعشرين عاما، وعلى القول بأن ولادتها كانت سنة 173 هـ كما رجحه بعضهم يكون عمرها آنذاك سبعة وعشرين عاما.

وعلى أي تقدير فقد عاشت السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام في كنف أخيها الرضاعليه‌السلام ورعايته مدة من الزمن تمكنها من تلقي التربية والتعليم اللائقين بمقامها على يد أخ شقيق لم يكن في علمه ومقامه كسائر الناس، فهو الإمام المعصوم وهو المربي والمعلم والكفيل.

وهذه المدة وإن لم تخل من مضايقات عانى منها الإمام الرضاعليه‌السلام الشدائد والمحن بعضها كان محصورا في نطاق أسرته وأهل بيته، وهو ما لاقاه الإمامعليه‌السلام من بعض أخوته وعمومته حيث اعترض بعضهم على تفضيله وتمييزه عليهم، ولا نريد الولوج في تفاصيل هذا الموضوع الخاص خشية التعثر في طريقه، على أنه لا أثر يترتب على الخوض في الحديث عنه.

وبعضها كان من بعض من كانوا في عداد شيعة أبيه حيث نجم قرن فتنة الواقفية الذين حليت الدنيا في أعينهم، فحاولوا قطع الطريق على الإمام الرضاعليه‌السلام وابتدعوا القول بأن الإمام الكاظمعليه‌السلام لم يمت، وأنه غاب وسيعود، وفي طليعة هؤلاء علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان الرواسي(1) وأضرابهم من الذين أحدثوا

____________________

(1) معجم رجال الحديث ج 12 ص 235 - 236.

٧٤

هذه الفتنة وكانوا سببا مباشرا وغير مباشر في تألم الإمامعليه‌السلام وإيذائه.

وبعضها كان من السلطة الحاكمة حيث كانت تتحرش - بين حين وآخر - بالإمام وتوعز إلى جلاديها بالهجوم على بيت الإمام كما سيأتي تفصيله.

أقول: إن هذه الفترة وإن لم تصف للإمامعليه‌السلام ولم تخل من المضايقات إلا أن من اليقين أن الإمام قام بدوره مربيا ومعلما وراعيا وكفيلا، وفي طليعة من رباهم الإمامعليه‌السلام وعلمهم شقيقته السيدة فاطمة المعصومة، فأخذت عنه العلم والمعرفة والفضائل والمناقب، حتى غدت ذات شأن عند الله تعالى كما جاء في زيارتهاعليها‌السلام ، وأن شفاعتها كفيلة بإدخال الشيعة بأجمعهم إلى الجنة، كما تحدث بذلك جدها الإمام الصادقعليه‌السلام .

والمصادر وإن لم تسعفنا بذكر شئ مما تلقته الأخت من أخيها، وبماذا حدثها، وكيفية حديثه إليها، إلا أن لدينا ما يكفي للكشف عن بلوغها مرتبة عالية من العلم والمعرفة والمقام، ومنه قول معلمها ومربيها الإمام الرضاعليه‌السلام إذ روي عنه أنه قال: من زار المعصومة بقم كمن زارني(1) .

ولا يغيب عن بالنا أن القائل معصوم لا ينطق عن الهوى، وإن وراء هذه الجملة على قصرها ما يدل على المقام الرفيع في العلم وغيره،

____________________

(1) رياحين الشريعة ج 5 ص 35.

٧٥

ولولا أن السيدة فاطمة المعصومة بلغت من المنزلة مكانة عظيمة لما كان الإمامعليه‌السلام يقول ذلك.

على أنه هل من المعقول أن يقال في حقها بأنها معصومة ولا تكون قد بلغت من العلم مكانة يكشف لها الواقع على ما هو عليه، أليست العصمة تستلزم العلم والمعرفة؟!.

ومما يؤيد ذلك ما نقله العلامة الشيخ علي أكبر مهدي پور حكاية عن أحد الفضلاء عن المرحوم السيد أحمد المستنبط عن كتاب كشف اللئالي لابن العرندس الحلي، وحاصلها: أن جمعا من الشيعة قصدوا بيت الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام للتشرف بلقائه والسلام عليه، فأخبروا أن الإمامعليه‌السلام خرج في سفر وكانت لديهم عدة مسائل فكتبوها، وأعطوها للسيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ثم انصرفوا.

وفي اليوم التالي - وكانوا قد عزموا على الرحيل إلى وطنهم - مروا ببيت الإمامعليه‌السلام ، ورأوا أن الإمامعليه‌السلام لم يعد من سفره بعد، ونظرا إلى أنه لا بد لهم أن يسافروا طلبوا مسائلهم على أن يقدموها للإمامعليه‌السلام في سفر آخر لهم للمدينة، فسلمت السيدة فاطمةعليها‌السلام المسائل إليهم بعد أن كتبت أجوبتها، ولما رأوا ذلك فرحوا وخرجوا من المدينة قاصدين ديارهم.

وفي أثناء الطريق التقوا بالإمام الكاظمعليه‌السلام وهو في طريقه إلى المدينة، فحكوا له ما جرى لهم فطلب إليهم أن يروه تلك المسائل،

٧٦

فلما نظر في المسائل وأجوبتها، قال ثلاثا: فداها أبوها.

فإن صحت هذه الحكاية فهي تدل - أولا: - على أن السيدة فاطمة المعصومة عاصرت أباها مدة طويلة من الزمن فيكون القول بأن ولادتها سنة 183 هـ أو 179 هـ غير صحيح قطعا.

وثانيا: تدل على المقام العلمي الرفيع الذي بلغته السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام ، بل كما قال الشيخ مهدي پور إنه دليل على أنها عالمة غير معلمة، هذا مع التوجه إلى أنها كانت صغيرة السن آنذاك(1) .

ولئن لم يحفظ لنا التاريخ خصوصيات ما تلقته من العلم على أيدي أبيها وأخيها إلا أنه أبقى بين طياته نزرا من الروايات التي حدثت بها هذه السيدة الجليلة.

ومما لا شك فيه أن علم الحديث من أجل العلوم وأشرفها، فهو العلم الجامع للتفسير والفقه والأخلاق والكلام وغيرها من سائر المعارف الدينية.

ويعود انتشار معارف الدين وبقائها إلى هذا العلم الجليل، وقد قام علماء الشيعة بمساندة أئمتهمعليهم‌السلام بتعاهد هذا العلم حفظا وتنقية وتبويبا حتى وضعوا الموسوعات الروائية، واشتهرت بينهم جملة من الكتب أصبحت فيما بعد مرجعا للشيعة يستقون منها معارفهم الدينية المختلفة، وعليها تدور رحى مباحثهم العلمية، كالكتب الأربعة

____________________

(1) كريمة أهل البيتعليهم‌السلام ص 62 - 64.

٧٧

وغيرها من الكتب الكثيرة.

كما تعاهد علماء الشيعة بالبحث والتحقيق أسناد تلك الأحاديث، ووضعوا الضوابط العلمية الرصينة والمقاييس الدقيقة لمعرفة أحوال الرواة وطبقاتهم ومدى إمكان الاعتماد على رواياتهم وعدمه وانبثق عن ذلك علم آخر اقترن بعلم الحديث وهو علم الرجال، فوضع علماء الشيعة معاجم الرجال لدراسة أحوالهم من حيث الوثاقة وعدمها، واشتهار هذا العلم باسم الرجال لا يعني اختصاصه بهم ولا نصيب فيه للنساء، وإنما كانت التسمية مراعاة للغالب على من تمرس في هذا العلم، وإلا فهناك من النساء اللائي بلغن مرتبة عالية في هذا العلم، ولم تغفل المعاجم التي تناولت أحوال الرواة عن ذكرهن والإشادة ببعضهن وبيان طبقتهن من حيث سلسلة السند، حتى أن الأجلاء من رواة الحديث قد رووا عن بعضهن، وفي طليعة أولئك النسوة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفرعليهم‌السلام .

ولكن مما يثير الغرابة أن لا نجد ترجمة لهذه السيدة الجليلة والمحدثة العظيمة في المعاجم التي عنيت بضبط أسماء الرواة، ولذا ذكرها الشيخ النمازي في مستدركاته مشيرا إلى المواضع التي ذكرت فيه من كتاب البحار(1) فقط، مع أن أصحاب هذه المعاجم قد ذكروا نساءا أقل شهرة منها، وربما أقل حديثا، ولم ندر ما هو الوجه في

____________________

(1) مستدركات علم رجال الحديث ج 8 ص 593 - 594.

٧٨

ذلك؟!!

وعلى أي حال فقد كانت هذه السيدة الجليلة من المحدثات، وورد ذكرها في أسانيد رواها العامة فضلا عن الخاصة، منها ما ورد في كتاب المسلسلات لأبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي، قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسين، قال: حدثني أحمد بن زياد، قال: حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد العلوي العريضي، قال: قال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن خليل، قال: أخبرني علي بن محمد بن جعفر الأهوازي، قال: حدثني بكير بن أحنف، قال: حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، قالت: حدثتني فاطمة، وزينب، وأم كلثوم بنات موسى بن جعفرعليه‌السلام ، قلن: حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمدعليه‌السلام ، قالت: حدثتني فاطمة بنت محمد بن عليعليه‌السلام ، قالت: حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسينعليه‌السلام ، قالت: حدثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن عليعليه‌السلام ، عن أم كلثوم بنت عليعليه‌السلام ، عن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالت: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة، فإذا أنا بقصر من درة بيضاء مجوفة، وعليها باب مكلل بالدر والياقوت، وعلى الباب ستر، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي القوم، وإذا مكتوب على الستر بخ بخ من مثل شيعة عليعليه‌السلام ، فدخلته، فإذا أنا بقصر من عقيق أحمر مجوف، وعليه باب من فضة مكلل بالزبرجد

٧٩

الأخضر، وإذا على الباب ستر فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب:

محمد رسول الله، علي وصي المصطفى، وإذا على الستر مكتوب: بشر شيعة علي بطيب المولد، فدخلته، فإذا أنا بقصر من زمرد أخضر مجوف لم أر أحسن منه، وعليه باب من ياقوتة حمراء مكللة باللؤلؤ، وعلى الباب ستر فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الستر: شيعة علي هم الفائزون، فقلت: حبيبي جبرئيل لمن هذا؟ فقال: يا محمد لابن عمك ووصيك علي بن أبي طالبعليه‌السلام يحشر الناس كلهم يوم القيامة حفاة عراة إلا شيعة عليعليه‌السلام ، ويدعى الناس بأسماء أمهاتهم إلا شيعة عليعليه‌السلام ، فإنهم يدعون بأسماء آبائهم، فقلت: حبيبي جبرئيل وكيف ذاك؟ قال: لأنهم أحبوا عليا فطاب مولدهم(1) .

ومنها: ما رواه محمد الجزري في أسنى المطالب بإسناده عن علي ابن محمد بن جعفر الأهوازي، مولى الرشيد، عن بكر بن أحمد القصري، عن الفواطم، عن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت: أنسيتم قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه؟

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسىعليهما‌السلام ؟(2) .

وقد عرف هذا النحو من الإسناد بالمسلسل، وهو فن من فنون الضبط وضرب من ضروب المحافظة، وفيه فضل للحديث من حيث

____________________

(1) كتاب المسلسلات ص 250 - 251.

(2) كتاب المسلسلات ص 272 - 273.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300