آداب المتعلّمين

آداب المتعلّمين0%

آداب المتعلّمين مؤلف:
الناشر: انتشارات كتابخانه مدرسه علميّه إمام عصر عجّل الله تعالى فرجه - شيراز
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 149

آداب المتعلّمين

مؤلف: أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة)
الناشر: انتشارات كتابخانه مدرسه علميّه إمام عصر عجّل الله تعالى فرجه - شيراز
تصنيف:

الصفحات: 149
المشاهدات: 83023
تحميل: 8996

توضيحات:

آداب المتعلّمين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 149 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 83023 / تحميل: 8996
الحجم الحجم الحجم
آداب المتعلّمين

آداب المتعلّمين

مؤلف:
الناشر: انتشارات كتابخانه مدرسه علميّه إمام عصر عجّل الله تعالى فرجه - شيراز
العربية

مُنْصِفٍ، سليم الطبْع.

وإيّاك والمذاكرة مع مُتَعنتٍ، غير مُسْتَقيمِ الطبع، فإنّ الطبيعةَ مُسْتَرِقَة(٧٨) والأخلاقَ متعدّيَة، والمجاورة مؤثرة(٧٩) .

[٣٤ - التأمل والتدقيق]

وينبغي لطالب العلمِ أنْ يكونَ متأملا - في جميع الأوقات - في دقائِق العلُومِ، ويَعْتادَ ذلكَ، فإنّما يُدْرِكُ الدقائقَ بالتأمل.

ولهذا قيل: (تأمَلْ تُدْرِكْ)(٨٠) .

____________________

(٧٨) في الزرنوجي: مسرقة، وفي بعض النسخ: مسرية.

(٧٩) لاحظ الفقرة [١٦] وتعليقاتها، حول اختيار الصاحب والشريك.

(٨٠) في الخشاب: (بالتأمُلِ يُدْرَكُ).

أقول: وكذلك ما يذكره المؤلّفون من قولهم: (فافْهم) وقد اشتهر عند الطلبة أنّ ذلك إشارة إلى بعض الإشكالات الدقيقة، وكانَ بعض الظرفأ يقول: (إنّه أمر بالمحال)

وممّا نسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام قوله:

إذا المُشْكِلاتُ تصدّيْنَ لي * كشفتُ حقائقها بِالنَظَرْ

فإنْ برقتْ في مَخِيْل الصواب * عميأَ لا يجتليها البَصَرْ

مُقنَعةً بغيوب الاُمور * وَضعتُ عليها صحيح الفِكَرْ

لسانا كشقشقة الأرحبيّ * أو كالحسام اليماني الذَكَرْ

وقلبا إذا اسْتَنْطَقَتْهالفنو * نُ أبرَ عليها بواه دُرَرْ

ولستُ بإمَعةٍ في الرجالِ * يُسائل هذا وذا ما الخَبَرْ

ولكنّني مِذْرَبُ الأصغرَيْ * ن اُبيّنُ مَعْ ما مضى، ما غَبَرْ

نقله ابن عبد البر في جامع بيان العلم (١١٣٢) وقال: قال أبو علي: (المخيل) السحابُ يُخال فيه المطر، والشقشقة ما يخرجه الفحل من فيه عند هياجه، ومنه قيل - لخطبأ الرجال -: شقاشق. وعن ابن مسعود: الإمّعة في الجاهلية الذي يدعى إلى الطعام فيذهب معه غيره ،وروا ه الرضي في خصائص الأئمة(ص ٤٧-٤٨)باختلاف.

٨١

ولابُدَ من التأمل قَبْلَ الكلامِ، حتّى يكونَ صَوابا، فإنَ الكلامَ كالسَهمِ، فلابُدّ من تقويمه(٨١) بالتأملِ قبلَ الكلام، حتّى يكونَ ذِكره مُصيبا(٨٢) .

____________________

(٨١) في نسخة (أ) تعوّدٍ وفي نسخةٍ: تقديمه بدل (تقويمه).

(٨٢) قد ورد عن أهل البيت : حديث كثير عن الكلام وخطورته، نورد بعضه:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (اللسان مِعيار: أطاشَه الجهلُ، وأرجَحَه العقلُ). رواه الماوردي في أدب الدين (ص٢٦٥).

وقال عليه السلام: (إذا أراد الله صلاح عبد، ألْهمه قلّة الكلام، وقلّة الطعام وقلّة المنام). معجم غرر الحكم (ص١٣٢٩) رقم (٨٧٢).

وقال عليه السلام شعرا:

إنّ القليل من الكلام بأهله * حَسَن وإنّ كثيره ممقوتُ

ما زلّ ذو صَمْتٍ وما منْ مُكْثرٍ * إلاّ يزل وما يُعاب صَمُوتُ

إنْ شُبّه النُطقُ المبينُ بفضّةٍ * فالصّمتُ دُر زانَه ياقوتُ

وهو في الديوان (ص٥٩).

وسيأتي في الفقرة[٥٩] بيان مذامّ الإكثار من الكلام، وما ورد فيه من الحديث فلاحظ التعليقة (٤٥ و ٤٨) هناك.

وممّا قيل في الصمت والكلام:

الصمتُ زيْن والسكوتُ سلامة * وإذا نطقتَ فلا تكن مِكثارا

فلئنْ ندمتَ على سكوتك مرَةً * فلتندمنَ على الكلامِ مِرارا

٨٢

في (اُصول الفقه): هذا أصْل كبير، وهو: أنْ يكونَ كلامُ الفقيه لمُناظِره(٨٣) بالتأمل.

[٣٥ - الاسْتِفادَةُ]

ويكون مُسْتفيدا في جميع الأحْوالِ والأوْقاتِ، ومن جميع الأشْخاصِ.

قال رسول الله ٦: (الحكمة(٨٤) ضالّةُ المؤمِنِ أينما وَجَدَها أخذه)(٨٥) .

____________________

(٨٣) كذا الصواب ظاهرا، وفي أكثر النسخ (المناظر) وفي (ف، ب، و) (المناظرة)

والمراد: أنّ الكلام مع المناظر لابدّ أن يكون بعد التأمّل والدقّة.

(٨٤) اُضيف هنا قوله: ( - أي العلم - ) في الخشاب فقط، وكأنّه إدراج من كاتبه، لتفسير الحديث. وقد ورد في هامش (ب).

(٨٥) نقل هذا الحديث الراغب الاصفهاني في محاضراته ( ٥ / ٥١١) إلا أنّه قال: (قيّدَه) بدل (أخذه). ورواه المناوي في كنوز الحقائق ( ١ / ١٢١ ) بدون ذيله: (أينما إلى آخر الحديث).

وورد قوله: (الحكمة ضالَة المؤمن) في الحكمة (٨٠) من الحكم التي جمعها الرضي من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، مذيّلا بقوله: (... فَخُذ الحِكمةَ ولو من أهل النفاق). فراجع نهج البلاغة (ص٤٨١) رقم ٨٠ من الحكم.

ومن كلامه عليه السلام: (الحكمة ضالَةُ كُلّ مؤمنٍ، فخذوها ولو من أفواه المُنافقين).

وقوله عليه السلام: (خذ الحكمة أنّى كانت، فإنّ الحكمة ضالّةُ كلّ مؤمنٍ).

رواهما الاَمدي في غرر الحكم، فراجع: معجم ألفاظ غرر الحكم (ص و ٦٢٩).

٨٣

وقيل: (خُذْ ما صَفا، ودَعْ ما كَدر).

وليسَ لِصحيحِ البَدَنِ والعَقْلِ عُذْر في تَرْك التعَلمِ.

[٣٦ - الشكْرُ والدعاء]

وللمتعلّم أنْ يشتغلَ بِالشكر، باللسانِ، والأرْكانِ: بأنْ يرى الفَهمَ والعلمَ من الله.

ويُراعيَ الفُقراءَ بالمالَ وغيره.

ويَطْلُبَ من الله التوفيقَ والهدايةَ، فإنّ الله تعالى هادٍ لمن(٨٦) اسْتَهداه. (وَمَنْ يَتَوَكَلْ عَلَى الله فَهوَ حَسْبُه)(٨٧) ويهديه إلى صراطٍ مُسْتقيم.

____________________

(٨٦) في أكثر النسخ (هادي مَن).

(٨٧) اقتباس من الاَية (٣) من سورة الطلاق: (٦٥).

٨٤

[٣٧ - علوّ الهمّة بنبذ الطمعِ والبخلِ]

وينبغي لطالب العلم أنْ يكونَ ذا همَةٍ عاليةٍ: لا يطمعُ في أموال الناس.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إيّاكَ والطَمَعَ فإنَه فَقْر حاضِر)(٨٨) .

ولا يَبْخَلُ بما عندَه من المال، بَلْ يُنْفِقُ على نفسه وعلى غيره(٨٩) .

____________________

(٨٨) كذا رواه الزرنوجي، والماوردي في أدب الدنيا والدين (ص٣١٤) قال: روي أنّ رجلا قال: يا رسول الله، أوصني قال: (عليك باليأس ممّا في أيدي الناس، وإيّاك ...). ورواه في كنوز الحقائق (٩١١) وفيه: الفقر الحاضر.

ومن حكم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (إنّ أكرم الناسِ مَنْ اقتنى اليأس ولزم القنوعَ والورعَ، وبرِى من الحرص والطمع، فإنّ الطمعَ والحِرصَ الفقرُ الحاضر، وإنّ اليأسَ والقناعة الغنى الظاهر). رواه في غرر الحكم ودرر الكلم، راجع معجم ألفاظه (ص١٣١٣) رقم (٧٠١).

وقال الإمام زين العابدين عليه السلام: (ترك طلب الحوائج إلى الناس هو الغِنى الحاضر). رواه في نزهة الناظر (ص٤٣).

(٨٩) ومن الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام قوله:

لا تخضعنَ لمخلوقٍ على طمَعٍ * فإنّ ذلك وَهن منك في الدينِ

واسترزِقِ الله ممّا في خزائنه * فإنّما الأمرُ بين الكاف والنونِ

إنّ الذي أنتَ ترجوه وتأمُلُه * من البرية مسكينُ ابنُ مسكينِ

ما أحْسنَ الجود في الدنيا وفي الدين * وأقبح البخل في مَنْ صيغ من طينِ

وهو في الديوان (ص١١٤).

وقال عليه السلام:

دَعِ الحِرْصَ على الدنيا * وفي العَيْش فلا تَطْمَعْ

ولا تجمع من المال * فلا تدري لمَنْ تجمَعْ

ولا تدري أفي أرضك * أمْ في غيرها تُصْرَعْ

فإنَ الرزقَ مقسوم * وسوُ الظَن لا يَنفعْ

فقير كل من يَطْمَعْ * غنى كل من يَقْنَعْ

وهو في الديوان (ص٧٧).

وقال عليه السلام في ذمّ البخل:

إذا اجتمعَ الاَفات فالبخلُ شرها * وشر من البُخل المواعيدُ والمَطْلُ

ولا خيرَ في وَعْدٍ إذا كان كاذبا * ولا خيرَ في قولٍ إذا لم يكُنْ فِعْلُ

وإنْ كُنتَ ذا عَقْلٍ ولم تكُ عالِما * فأنْتَ كذي رِجْلٍ وليس له نَعْلُ

ألا إنّما الإنسانُ غِمْد لعقله * ولا خيرَ في غِمْدٍ إذا لم يكنْ نصْلُ

وهو في الديوان (ص٩٣).

٨٥

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (الناسُ كلهم في الفَقْرِ مَخافَة الفقرِ)(٩٠) .

وكانوا في الزمان الأوّل يتعلّمونَ الحِرْفَةَ، ثُمَ يتعلّمونَ العِلْمَ، حتّى لا يطمعُوا في أموال الناس(٩١) .

وفي الحكمة: (مَن استغْنى بِمال الناس، افْتَقَرَ).

والعالِمُ إذا كانَ طامِعا، لا تَبْقى له(٩٢) حُرْمة العِلمِ،

____________________

(٩٠) رواه الزرنوجي كذلك، ولم نقف على تخريج له.

(٩١) راجع للتفصيل حول احتراف السلف من أهل العلم، الجامع لأخلاق الراوي ( ١/ ١٤٢ - ١٤٥) الأحاديث (٤٧ - ٥٢). وانظر أدب الدنيا والدين للماوردي (ص٩١ - ٩٢).

(٩٢) في (أ): لا يرعى، بدل (لا تبقى له).

٨٦

فلا يقول بالحقَ(٩٣) .

[٣٨ - التقدير للتكرار]

وينبغي لطالب العِلْمِ أنْ يُعِدَ وَيُقَدرَ لنفسه تقديرا في التكرار، فإنّه لا يستقر قلبه(٩٤) حتّى يَبْلُغَ ذلك المبْلَغ.

وينبغي أنْ يُكَررَ سبق الأمْسِ خمسَ مرّاتٍ، وسبق اليوم. الذي قبل الأمْسِ أرْبَعَ مرّاتٍ، وسبق الذي قبلَه ثلاثا، والذي قبلَه اثْنتينِ، والذي قبلَه واحدةً.

فهذا أدْعى إلى الحفظ(٩٥) .

[٣٩ - المخافَتةُ والإجْهارُ عند التكرار]

وينبغي أنْ لا يعتادَ المخافتةَ(٩٦) في التكرار، لأنّ الدرسَ والتكرارَ لابُدّ أنْ يكونا بقوّةٍ ونِشاطٍ.

ولا يشتغلُ في حال نُعاسٍ، أو غَضَبٍ، أو جُوعٍ، أو عَطَشٍ، ونحو](٩٧) .[ذلك

____________________

(٩٣) في (ف) وبعض النسخ: فلا يقول الحق، والجملة ساقطة من (ع).

(٩٤) في (أ): نفسه، بدل (قلبه).

(٩٥) اُضيف هنا في (ع) وبعض النسخ: (والتكرار) ولم يوردها الزرنوجي.

(٩٦) في الخشاب: المخافة، وفي آخر: المخالفة.

(٩٧) ما بين المعقوفين ورد في (ع) فقط.

٨٧

ولا يَجْهرُ جَهرا، ولا يُجْهدُ نَفْسَه(٩٨) لئِلاّض (يَتَنَفّرَ و)((٩٩) ) ينقطع عن التكرار. فخَيْرُ الاُمُورِ أوْسَطُها(١٠٠) .

____________________

(٩٨) كذا في الزرنوجي، وارتبكت النسخ في إثبات هذه الجُملة بشكلٍ غريب:

ففي الخشاب: (ولا يجتهد بهذا الجهد نفسه) ومثله في نسخة (أ) إلا أنّ فيها: (ولا يجهد ...) بدل (لا يجتهد ...) وفي بعض النسخ: (ولا يجتهد جهدا نفسه) وفي آخر: (ولا يجتهد جهدا ليجهد نفسه). وقوله (ولا يجهر جهرا) ساقط من (ف).

وما ذكرناه هو الصواب، لأنّه أنسب لمقابلة المخافتة المذكورة في صدر الفقرة.

(٩٩) هذه الكلمة من (ف، و).

(١٠٠) هذه الجملة من الأحاديث الأربعين المعروفة ب-(سلسلة الإبريز) المنقولة راجع: شرح البداية]بالسند العزيز، من رواية (١٤) أبا من المسلسلات بالاَبأ .[للشهيد الثاني (ص١٣٠) وهو الحديث (٣٦) منها، ونصّها مطبوع في: لوامع الأنوار في جوامع العلوم والاَثار، للسيد مجد الدين ( ٣/ ٣٢٨- ٣٣٢) وأثبته كما في المتن وقد طبعها مشروحة مخرجة السيّد محمّد جواد الحسيني الجلالي باسم (سلسلة الإبريز بالسند العزيز) فلاحظ (ص٥٩) و (ص١٠٣) وفيهما: (أوساطه) ونقل في هامشه عن بعض النسخ: (أوسطه). وله تخريج عن الشعب للبيهقي، فلاحظ الجامع الصغير (٢ / ٦٩) وكنوز الحقائق بهامشه (١ / ١٢٤ )

٨٨

____________________

والأربعون الابريزية هذه مشهورة اتّصلت بها الاجازات، فلاحظ: فهرس الفهارس والأثبات للكتاني (ص٩٤٨) وذكر له شرحا باسم: القول الوجيز في شرح سلسلة الابريز، للعلامة النمازي الَيمني المتوفى سنة (٦٧٥) وقال: موجود بالمكتبة التيمورية بمصر (انظر عدد ٢٨٠ من قسم المجاميع).

قال الكتاني: وقد سبق لي أن خرّجت متون الأحاديث المذكورة بسندٍ واحد مسلسل بالأشراف منى إلى سيّدنا عليّ وحفظها عني جماعة الأصحاب بالمشرق والمغرب. وهي أربعون حديثا، قصيرة الألفاظ، كثيرة المعاني، تكلم عليها الشيخ السخاوي في (شرح الألفية) وغيره. اُنظر: فهرس الفهارس (ص٩٧٨).

ورواه الماوردي في أدب الدين والدنيا (ص٢٨) بلفظ: (أوساطه).

وورد في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشُهرتَيْنِ: الثياب الحسنة التي يُنظر إليه بها، والدنيئة الرثّة التي يُنظر إليه بها، وقال: (أمرا بين الأمرين، وخير الاُمور أوساطه). نقله الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي والسامع (٦٠٣١) رقم ١٩٢.

وأسند الكليني عن الإمام أبي الحسن الكاظم عليه السلام أنّه: لَقِيَ الرشيدَ - حين قدومه المدينة - على بَغْلةٍ، فاعترض عليه في ذلك

فقال عليه السلام: (تطأطأتْ عن سُمُوّ الخَيْلِ، وتجاوزتْ قَمَأ العِيْر، وخيرُ الاُمور أوسطه) رواه في الكافي (٥٤٠٦) وأرسله في الدُرّة الباهرة (ص٣) وفيه: خيلا الخيل، وارتفعتْ عن ذلّ العِيْر. وأرسله ابن أبي جمهور في عوالي اللاَلى (٢٩٦١) الحديث ١٩٩.

وروى الماوردي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: (خير الاُمور النَمَطُ الأوسطُ، إليه يرجع العالي، وبه يلحق التالي) أدب الدنيا والدين (ص٢٨).

وقال الشاعر:

عليك بأوْساط الاُمور فإنّها * نجاة ولا تركبْ ذلولا ولا صَعْبا

وأنشد السيّد العلاّمة مجد الدين المؤيّدي الحسني شيخنا في الإجازة، قوله:

عليك بأوساط الاُمور فإنّها * سَبيل إلى نيل المراد قويمُ

ولا تكُ إمّا مُفْرِطا أو مُفرّطا * كِلا طرفَيْ قصدِ الاُمور ذميمُ

في لوامع الأنوار (ج١، ص٢٦).

٨٩

[٤٠ - المداومة على الطلب]

ولابُدّ له من المداومة في العلم، من أوّل التحصيل إلى آخر العُمُر(١٠١) .

____________________

(١٠١) حول (وقت التحصيل) لاحظ: الفصل السابع، من كتابنا.

٩٠

الفصل السادس

في التَوَكلِ

[٤١ - اقتصاد الطالب]

لابُدَ لطالب العلم من التوكلِ في طلب العلمِ، ولا يهتمّ لاُمور الرِزْق، ولا يشغل قلبَه بذلك(١٠٢) ويصبر(١٠٣) .

____________________

(١٠٢) في الخشاب: (ولا يهمّ لاُمور الرزق، ولا قلبه بذلك).

(١٠٣) روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انّه قال: (مَنْ طلب العلم تكفّلَ الله برزقه). رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (١٥٤١).

والاَثار العامة الواردة في القناعة تشمل طلاّضب العلم بطريق الأولويّة، فمنها:

ما عن الحسن المثنّى عن أبيه الإمام الحسن السبط عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب :، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (الدُنيا دُول، فما كان منها

لكَ أتاك على ضعفك، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوّتك، ومَنْ انقطع رجاؤه ممّا فاتَ استراحَ بدنُه، ومَنْ رضي بما رزقه الله تعالى قرّت عينُه). رواه الماوردي في أدب الدنيا والدين (ص٢٢٥).

٩١

____________________

وقال عليّ أمير المؤمنين عليه السلام: (الصَبْر مطيّة لا تَكْبُو والقناعةُ سَيْف لا يَنْبُو). رواه الماوردي في أدب الدنيا والدين (ص٢٧٦).

وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من الكلام المنظوم عدّة مقاطع، منها قوله عليه السلام:

أفادتني القناعةُ كلَ عِز * وأي غِنًى أعَز من القناعَه

فصيّرها لنفسك رأسَ مالٍ * وصَيّر بعدها التقوى بضاعَه

تَحُزْ رِبْحا وتَغْنى عن بخيلٍ * وتَنْعَمُ في الجنان بِصَبْر ساعَه

وهو في الديوان (ص٧٦) ورواه الماوردي (ص٢٢٤) وفيه: (تحرَز حين تغنى) في الشطر الأوّل من البيت الأخير.

وقوله عليه السلام:

إذا أظْمأتْكَ أكُف الرجال * كَفَتْكَ القناعَةُ شَبْعا ورَيّا

فكُنْ رجُلا رِجْلُه في الثرى * وهامةُ همّته في الثُريّا

أبيّا لنائِلِ ذي ثروَةٍ * تراه لِما في يديْه أبِيّا

فإنَ إراقةَ مأ الحياة * لدونَ إراقة مأ المَحيّا

وهو في الديوان (ص١٢٧).

وقال عليه السلام:

صُنِ النفس واحملها على ما يزينُها * تَعِشْ سالما والقول فيك جميلُ

ولا تُرِيَنَ الناسَ إلاّ تحملا * نبا بِكَ دَهر أو جَفاكَ خليلُ

وإنْ ضاقَ رِزْق اليومِ فاصْبِرْ إلى غَدٍ * عسى نكباتُ الدَهرِ عنك تَزُولُ

يَعِز غَنِي النفس إنْ قَلَ مالُه * ويغنى غني المالِ وهو ذليلُ

وهو في الديوان (ص٩٢).

وقوله عليه السلام:

ألا فاصْبِرْ على الحَدَث الجليل * ودَاوِ جَواك بالصَبْر الجميلِ

ولا تَجْزَعْ وإنْ أعْسَرْتَ يوما * فقد أيْسَرْت في الزمن الطويلِ

ولا تيأسْ فإنَ اليأسَ كُفْر * لعلَ الله يُغني من قليلِ

ولا تَظْنُنْ بربّك غَيْرُ خَيْرٍ * فإنَ الله أولى بالجميلِ

وإنَ العُسْرَ يتبعُه يَسار * وقول الله أصْدَقُ كُل قيلِ

وهو في الديوان (ص٨٨).

وقال عليه السلام:

رضينا قِسمة الجبّار فينا * لنا علم وللجُهالِ مالُ

فإنَ المالَ يفنى عن قريبٍ * وإنَ العلم باقٍ لا يُزالُ

وهو في الديوان (ص٨٥).

وممّا أنشأتُ من الشعر وهو من نظمي سنة ورودي إلى النجف الأشرف (١٣٨٤) مخاطبا للنفس:

أبعد ضمان الله للعلم رزق من * أتاه حثيثا تطلبين ألا اقعدي

فإن كان رزقا ساقه الله رحمةً * أتاكِ ولم يحتج إلى الضَرْبِ باليدِ

٩٢

لأنَ طلبَ العلم أمْر عظيم، وفي تَعَب تحصيله أجْر قوِيّ، وهو أفضلُ من قرأة القرآن(١٠٤) عند أكثر العلماء(١٠٥) .

____________________

(١٠٤) في (ف، ج، ع) وبعض النسخ: الغزا، وفي آخر: الغذأ، وفي الزرنوجي: الغزوات، بدل (قرأة القرآن).

(١٠٥) زاد في (ب): والفقهأ، وقد دلّتْ آثار عديدة على أفضلية العلم من مجرّد التلاوة، والصلاة، ويمكن الاستشهاد لذلك بما دلّ على أنّ (تفكّر ساعة أفضل من عبادة ألف سنة) ونحو ذلك.

فلاحظ مستطرفات السرائر (ص٢١) الحديث الأول. وجامع بيان العلم (٢١١ - ٢٧) و (ص٥٠ - ٥٢).

٩٣

فمن صَبَر على ذلك وَجَدَ لذّته تفوق سائر لذّات الدُنيا.

ولذا كانَ محمّد بنُ الحسن(١٠٦) - إذا سَهرَ اللياليَ وانحلَ له المشكلاتُ- يقول: (أَيْنَ أبنأُ المُلوكِ من هذه اللذّاتِ).

[٤٢ - انحصار الاشتغال بالعلوم]

وينبغي أنْ لا يشتغل بشيٍ(١٠٧) .

ولا يُعْرِضَ عن الفقه، والتفسير، والحديث، وعلم القرآن(١٠٨) .

____________________

(١٠٦) كذا في النسخ، والزرنوجي، والظاهر أنّ المراد به (الشيباني) صاحب أبي حنيفة، لكن في بعضها: أضاف (الطوسي رحمة الله عليه). وكأنّه نَظَرَ إلى أنّ مؤلّف الكتاب يتحدّث عن نفسه

والظاهر أنّ هذه العبارة منقولة عن أصلها عند الزرنوجي، ولا ينافي ذلك أن يكون القائم بأمر الاختصار هو المحقّق الطوسيّ، كما لا يخفي.

(١٠٧) أي لا يشغل نفسه بالعلاقات والارتباطات غير العلميّة، بل يحصر علاقاته بالاُمور التحصيلية، حتى لا تفوته فُرَصُ التحصيل.

(١٠٨) ذكر هذه العلوم باعتبار لزوم الارتباط بها دائما وعلى طول مدّة التحصيل، لأهميّتها الأساسيّة بين علوم الإسلام فهي مصادره الأساسيّة.

وإلاّ، فالعلوم جميعها يجب الاشتغال بها ومعرفتها، وقد ذكر المؤلّف في وجوب الاهتمام بعلم التوحيد.[١١]الفقرة

وراجع للتفصيل عن العلوم الواجب تعلّمها، منية المريد، وخاصة الخاتمة (ص٣٦٥).

٩٤

الفصل السابع

في وقت التحصيل

[٤٣ - وقت الطلب واستغلاله]

قيل: (وَقْتُ الطلبِ: من المَهدِ إلى اللحْدِ)(١٠٩) .

وأفضل أوقاته: شَرْخُ الشباب(١١٠) ووقتُ السَحَرِ، وما بين العشأين((١١١) ).

وينبغي أنْ يستغرق جميع أوقاته.

____________________

(١٠٩) وفي الأثر المعروف: (اطلبوا العلم من المَهدِ إلى اللَحْدِ).

(١١٠) الشَرْخ من الشباب: أوّله ونَضْرتُه.

وفي الخشاب: شَرْخ سِنّ الشباب.

(١١١) أي ما بين الصلاتين: المغرب والعشأ، فإنّ دأبهم كان على التفريق بينهما والاشتغال في ذلك الوقت بالدرس والبحث والطلب.

٩٥

[٤٤ - التنوّع لدفع المَلَل]

فإذا مَلَ من علمٍ اشتغلَ بعلمٍ آخر(١١٢) .

وكانَ محمّدُ بنُ الحسنِ لا ينامُ الليلَ، وكانَ يضَعُ عندَه دفاتِرَ، فكانَ إذا مَلَ من نوعٍ ينظُر في نوعٍ آخَر.

____________________

(١١٢) قال أمير المؤمنين عليه السلام: (روّحوا أنفسكم ببديع الحكمة، فإنّها تكلّ كما تكلّ الأبدان). رواه الكليني في الكافي (٤٨١) كتاب فضل العلم، الحديث الأول من باب (١٧) النوادر.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (روّحوا القلوبَ، وابتغُوا لها طُرَف الحكمة، فإنّها تَمَل كما تمَل الأبدان). رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (١٨٣٢) والقرطبي في جامع بيان العلم (١٠٥١).

وروى الرازي في جامع الأحاديث رقم (٧٤): (تذاكروا وتلاقوا وتحدّثوا فإنّ الحديث جلا المؤمن، إنّ القلوب لتدثر كما يدثر السيف جلاه).

وقد مرّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث قوله: (... إنّ القلوب لترينُ كما يرين السيف جلاؤها الحديث). رواه في الكافي (٤١١) كتاب فضل العلم، الحديث قبل الأخير من باب (١٠) سؤال العالم وتذاكره.

وقال علي عليه السلام: (إنّ للقلوب شهوةً وإقبالا وإدبارا، فأتوها من قِبَلِ شهوتها وإقبالها، فإنّ القلبَ إذا اُكره عَمِيَ). رواه في نزهة الناظر (ص٢٠).

٩٦

[٤٥ - مدافعة النوم]

وكان يَضَعُ عندَه المأُ، ويُزيلُ نومَه بالمأِ، وكانَ يقولُ: (النَوْمُ من الحَرارة)(١١٣) .

____________________

(١١٣) أضاف في الزرنوجي على هذا القول: (... فلابُدَ من دفعه بالمأ البارد).

والمراد بالمأ ترطيب العينين، وتبريد الوجه به، لا شربه، كما هو واضح. فإنّ شربه يزيد الرطوبة، والبلغم، ويكسّل كما مرّ في الفقرة .[٢٧]

٩٧

الفصل الثامن

في الشَفَقةِ والنَصيحة

[٤٦ - طلب الكمال]

ينبغي أنْ يكونَ صاحبُ العِلْم مُشفقا، ناصحا، غير حاسِدٍ، فالحَسَدُ يَضُر ولا ينفع(١١٤)

____________________

(١١٤) الحَسَدُ من الأخلاق المذمُومة، وقد تضافرت أحاديث الأئمة في بيان قُبحه ومضارّه، والتأكيد على دنأة الحسود ورذالته:

وقال الإمام زين العابدين عليه السلام: (الحسود لا ينال شرفا، والحقود يموتُ كمدا، واللئيم يأكُلُ مالَه الأعداء (وَالَذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إلا نَكِدا). رواه في نزهة الناظر (ص٤٤)

وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (آفة الدين: العُجْب، والحَسَدُ، والفخر). رواه في نزهة الناظر (ص٥٢).

وقال الإمام عليّ الهادي عليه السلام: (الحَسَدُ ماحِقُ الحَسَناتِ، والزَهوُ جالب المقْتِ، والعُجْبُ صارِف عن طَلَبِ العلم، وداعٍ إلى التخبطِ في الجهل، والبُخْلُ أذمّ الأخلاق، والطَمَعُ سجيَة سَيّئة). رواه في نزهة الناظر (ص٧٠).

وقال الهادي عليه السلام: (إيّاك والحَسَدَ، فإنّه يبينُ فيك ولا يبين في عدوّك). رواه في نزهة الناظر (ص٧١).

٩٨

بل، يسعى بنيّة تحصيل الكمال(١١٥) .

[٤٧ - شَفَقَةُ المُعَلم]

وينبغي أنْ تكونَ همَةُ المُعَلم أنْ يصيرَ المتعلّم في قرنِه(١١٦) عالما(١١٧) .

ويُشْفِقَ على تلاميذه.

.... بحيث فاق علمأ العالم(١١٨) .

____________________

(١١٥) قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: (الكمالُ كل الكمالِ: التفقّه في الدين، والصَبْر على النائبة، وتقدير المعيشة). رواه الكليني في الكافي (٣٢١).

(١١٦) كذا في أكثر النسخ (قرنه) ولعلّ المراد: زمانه وعصره، وفي (أ) وفي نسخ اُخرى (قوّته).

(١١٧) عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: (إنّ الذي يعلّم العلم منكم، له مثل أجر الذي يتعلّمه، وله الفضلُ عليه، فتعلّموا العلم من حَمَلة العلم، وعلّموه إخوانكم كما علّمكم العلماء). أسنده الحسن بن محبوب في (المشيخة) ونقله الحلي في مستطرفات السرائر (ص٨٥) رقم ٣١.

(١١٨) في أكثر النسخ: (فاق على ...) وهذه الجملة غير واضحة في كتابنا، ولم ترد في الزرنوجي، لكنّه ذكر حكاية عن البرهان والد الشهيد الصدر حسام الدين والسعيد الصدر تاج الدين، أنّه كان يقدّم تدريس الغربأ على تدريس ولديه المذكورين، فببركة شفقته على الغربأ (فاق ابناه أكثر فقهأ أهل الأرض في ذلك العصر في الفقه). لاحظ تعليم المتعلّم (ص٣٦).

وكأنّ في كتابنا سقطا، فلذا وضعنا في بداية هذه الجملة نقاطا ثلاثةً.

واعلم أنّ كتابنا هذا خاص بآداب المتعلّمين كما تدلّ عليه ترجمته، دونَ المعلّمين، وإنّما ذكرت هذه الفقرة المرتبطة بشؤون المعلّم، استطرادا.

وللمعلّم آداب، ذكرها مفصّلة الشيخ الشهيد الثاني في منية المريد، في أقسام ثلاثة: آدابه في نفسه، ومع طَلَبَتِه، وفي مجلس الدرس، فراجعها (ص١٧٧ - ٢٢١).

٩٩

[٤٨ - ترك النزاع والمخاصمة]

وينبغي لطالب العلم أنْ لا يُنازعَ أحَدا، ولا يُخاصِمَه، لاِنّه يُضَيّعُ أوقاتَه. فالُمحْسِنُ سيُجْزَى بإحْسانِه، والمُسيُ ستكفِيه مَسأتُه(١١٩) .

قيلَ: (عليكَ أنْ تشتغلَ بمصالح نَفْسك، لا بِقَهرِ عَدُوكَ فإذا قُمْتَ

____________________

(١١٩) كذا في الخشاب، وفي الزرنوجي: (مساويه).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام

وذي سَفَه يُخاطبني بِجَهلٍ * فأكره أنْ أكونَ له مُجيبَا

يَزِيدُ سفاهةً وأَزِيْدُ حِلْما * كعُودٍ زادَ بالإحْراقِ طيبَا

وهو في الديوان (ص٣٨).

وقال عليه السلام:

إنْ كُنْتَ تطلبُ رُتبة الأشرافِ * فعليك بالإحسان والإنصافِ

وإذا اعتدى أحد عليك فَخَله * والدَهرَ فهو له مكافٍ كافِ

وهو في الديوان (ص٨٠).

وقال الزرنوجي - في هذا الموضع - : أنْشَدَ سُلطان الشريعة الهمداني:

دَعِ المَرَْ لا تَجْزِه على سوء فِعْلِه * سيكفيه ما فيه وما هو فاعِلُه

قيلَ: (مَنْ أرادَ أنْ يُرْغِمَ أنْفَ عَدُوّه فليكرّر هذا الشعر).

١٠٠