آداب المتعلّمين

آداب المتعلّمين25%

آداب المتعلّمين مؤلف:
الناشر: انتشارات كتابخانه مدرسه علميّه إمام عصر عجّل الله تعالى فرجه - شيراز
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 149

آداب المتعلّمين
  • البداية
  • السابق
  • 149 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 88763 / تحميل: 9693
الحجم الحجم الحجم
آداب المتعلّمين

آداب المتعلّمين

مؤلف:
الناشر: انتشارات كتابخانه مدرسه علميّه إمام عصر عجّل الله تعالى فرجه - شيراز
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

مُنْصِفٍ، سليم الطبْع.

وإيّاك والمذاكرة مع مُتَعنتٍ، غير مُسْتَقيمِ الطبع، فإنّ الطبيعةَ مُسْتَرِقَة(٧٨) والأخلاقَ متعدّيَة، والمجاورة مؤثرة(٧٩) .

[٣٤ - التأمل والتدقيق]

وينبغي لطالب العلمِ أنْ يكونَ متأملا - في جميع الأوقات - في دقائِق العلُومِ، ويَعْتادَ ذلكَ، فإنّما يُدْرِكُ الدقائقَ بالتأمل.

ولهذا قيل: (تأمَلْ تُدْرِكْ)(٨٠) .

____________________

(٧٨) في الزرنوجي: مسرقة، وفي بعض النسخ: مسرية.

(٧٩) لاحظ الفقرة [١٦] وتعليقاتها، حول اختيار الصاحب والشريك.

(٨٠) في الخشاب: (بالتأمُلِ يُدْرَكُ).

أقول: وكذلك ما يذكره المؤلّفون من قولهم: (فافْهم) وقد اشتهر عند الطلبة أنّ ذلك إشارة إلى بعض الإشكالات الدقيقة، وكانَ بعض الظرفأ يقول: (إنّه أمر بالمحال)

وممّا نسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام قوله:

إذا المُشْكِلاتُ تصدّيْنَ لي * كشفتُ حقائقها بِالنَظَرْ

فإنْ برقتْ في مَخِيْل الصواب * عميأَ لا يجتليها البَصَرْ

مُقنَعةً بغيوب الاُمور * وَضعتُ عليها صحيح الفِكَرْ

لسانا كشقشقة الأرحبيّ * أو كالحسام اليماني الذَكَرْ

وقلبا إذا اسْتَنْطَقَتْهالفنو * نُ أبرَ عليها بواه دُرَرْ

ولستُ بإمَعةٍ في الرجالِ * يُسائل هذا وذا ما الخَبَرْ

ولكنّني مِذْرَبُ الأصغرَيْ * ن اُبيّنُ مَعْ ما مضى، ما غَبَرْ

نقله ابن عبد البر في جامع بيان العلم (١١٣٢) وقال: قال أبو علي: (المخيل) السحابُ يُخال فيه المطر، والشقشقة ما يخرجه الفحل من فيه عند هياجه، ومنه قيل - لخطبأ الرجال -: شقاشق. وعن ابن مسعود: الإمّعة في الجاهلية الذي يدعى إلى الطعام فيذهب معه غيره ،وروا ه الرضي في خصائص الأئمة(ص ٤٧-٤٨)باختلاف.

٨١

ولابُدَ من التأمل قَبْلَ الكلامِ، حتّى يكونَ صَوابا، فإنَ الكلامَ كالسَهمِ، فلابُدّ من تقويمه(٨١) بالتأملِ قبلَ الكلام، حتّى يكونَ ذِكره مُصيبا(٨٢) .

____________________

(٨١) في نسخة (أ) تعوّدٍ وفي نسخةٍ: تقديمه بدل (تقويمه).

(٨٢) قد ورد عن أهل البيت : حديث كثير عن الكلام وخطورته، نورد بعضه:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (اللسان مِعيار: أطاشَه الجهلُ، وأرجَحَه العقلُ). رواه الماوردي في أدب الدين (ص٢٦٥).

وقال عليه السلام: (إذا أراد الله صلاح عبد، ألْهمه قلّة الكلام، وقلّة الطعام وقلّة المنام). معجم غرر الحكم (ص١٣٢٩) رقم (٨٧٢).

وقال عليه السلام شعرا:

إنّ القليل من الكلام بأهله * حَسَن وإنّ كثيره ممقوتُ

ما زلّ ذو صَمْتٍ وما منْ مُكْثرٍ * إلاّ يزل وما يُعاب صَمُوتُ

إنْ شُبّه النُطقُ المبينُ بفضّةٍ * فالصّمتُ دُر زانَه ياقوتُ

وهو في الديوان (ص٥٩).

وسيأتي في الفقرة[٥٩] بيان مذامّ الإكثار من الكلام، وما ورد فيه من الحديث فلاحظ التعليقة (٤٥ و ٤٨) هناك.

وممّا قيل في الصمت والكلام:

الصمتُ زيْن والسكوتُ سلامة * وإذا نطقتَ فلا تكن مِكثارا

فلئنْ ندمتَ على سكوتك مرَةً * فلتندمنَ على الكلامِ مِرارا

٨٢

في (اُصول الفقه): هذا أصْل كبير، وهو: أنْ يكونَ كلامُ الفقيه لمُناظِره(٨٣) بالتأمل.

[٣٥ - الاسْتِفادَةُ]

ويكون مُسْتفيدا في جميع الأحْوالِ والأوْقاتِ، ومن جميع الأشْخاصِ.

قال رسول الله ٦: (الحكمة(٨٤) ضالّةُ المؤمِنِ أينما وَجَدَها أخذه)(٨٥) .

____________________

(٨٣) كذا الصواب ظاهرا، وفي أكثر النسخ (المناظر) وفي (ف، ب، و) (المناظرة)

والمراد: أنّ الكلام مع المناظر لابدّ أن يكون بعد التأمّل والدقّة.

(٨٤) اُضيف هنا قوله: ( - أي العلم - ) في الخشاب فقط، وكأنّه إدراج من كاتبه، لتفسير الحديث. وقد ورد في هامش (ب).

(٨٥) نقل هذا الحديث الراغب الاصفهاني في محاضراته ( ٥ / ٥١١) إلا أنّه قال: (قيّدَه) بدل (أخذه). ورواه المناوي في كنوز الحقائق ( ١ / ١٢١ ) بدون ذيله: (أينما إلى آخر الحديث).

وورد قوله: (الحكمة ضالَة المؤمن) في الحكمة (٨٠) من الحكم التي جمعها الرضي من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، مذيّلا بقوله: (... فَخُذ الحِكمةَ ولو من أهل النفاق). فراجع نهج البلاغة (ص٤٨١) رقم ٨٠ من الحكم.

ومن كلامه عليه السلام: (الحكمة ضالَةُ كُلّ مؤمنٍ، فخذوها ولو من أفواه المُنافقين).

وقوله عليه السلام: (خذ الحكمة أنّى كانت، فإنّ الحكمة ضالّةُ كلّ مؤمنٍ).

رواهما الاَمدي في غرر الحكم، فراجع: معجم ألفاظ غرر الحكم (ص و ٦٢٩).

٨٣

وقيل: (خُذْ ما صَفا، ودَعْ ما كَدر).

وليسَ لِصحيحِ البَدَنِ والعَقْلِ عُذْر في تَرْك التعَلمِ.

[٣٦ - الشكْرُ والدعاء]

وللمتعلّم أنْ يشتغلَ بِالشكر، باللسانِ، والأرْكانِ: بأنْ يرى الفَهمَ والعلمَ من الله.

ويُراعيَ الفُقراءَ بالمالَ وغيره.

ويَطْلُبَ من الله التوفيقَ والهدايةَ، فإنّ الله تعالى هادٍ لمن(٨٦) اسْتَهداه. (وَمَنْ يَتَوَكَلْ عَلَى الله فَهوَ حَسْبُه)(٨٧) ويهديه إلى صراطٍ مُسْتقيم.

____________________

(٨٦) في أكثر النسخ (هادي مَن).

(٨٧) اقتباس من الاَية (٣) من سورة الطلاق: (٦٥).

٨٤

[٣٧ - علوّ الهمّة بنبذ الطمعِ والبخلِ]

وينبغي لطالب العلم أنْ يكونَ ذا همَةٍ عاليةٍ: لا يطمعُ في أموال الناس.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إيّاكَ والطَمَعَ فإنَه فَقْر حاضِر)(٨٨) .

ولا يَبْخَلُ بما عندَه من المال، بَلْ يُنْفِقُ على نفسه وعلى غيره(٨٩) .

____________________

(٨٨) كذا رواه الزرنوجي، والماوردي في أدب الدنيا والدين (ص٣١٤) قال: روي أنّ رجلا قال: يا رسول الله، أوصني قال: (عليك باليأس ممّا في أيدي الناس، وإيّاك ...). ورواه في كنوز الحقائق (٩١١) وفيه: الفقر الحاضر.

ومن حكم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (إنّ أكرم الناسِ مَنْ اقتنى اليأس ولزم القنوعَ والورعَ، وبرِى من الحرص والطمع، فإنّ الطمعَ والحِرصَ الفقرُ الحاضر، وإنّ اليأسَ والقناعة الغنى الظاهر). رواه في غرر الحكم ودرر الكلم، راجع معجم ألفاظه (ص١٣١٣) رقم (٧٠١).

وقال الإمام زين العابدين عليه السلام: (ترك طلب الحوائج إلى الناس هو الغِنى الحاضر). رواه في نزهة الناظر (ص٤٣).

(٨٩) ومن الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام قوله:

لا تخضعنَ لمخلوقٍ على طمَعٍ * فإنّ ذلك وَهن منك في الدينِ

واسترزِقِ الله ممّا في خزائنه * فإنّما الأمرُ بين الكاف والنونِ

إنّ الذي أنتَ ترجوه وتأمُلُه * من البرية مسكينُ ابنُ مسكينِ

ما أحْسنَ الجود في الدنيا وفي الدين * وأقبح البخل في مَنْ صيغ من طينِ

وهو في الديوان (ص١١٤).

وقال عليه السلام:

دَعِ الحِرْصَ على الدنيا * وفي العَيْش فلا تَطْمَعْ

ولا تجمع من المال * فلا تدري لمَنْ تجمَعْ

ولا تدري أفي أرضك * أمْ في غيرها تُصْرَعْ

فإنَ الرزقَ مقسوم * وسوُ الظَن لا يَنفعْ

فقير كل من يَطْمَعْ * غنى كل من يَقْنَعْ

وهو في الديوان (ص٧٧).

وقال عليه السلام في ذمّ البخل:

إذا اجتمعَ الاَفات فالبخلُ شرها * وشر من البُخل المواعيدُ والمَطْلُ

ولا خيرَ في وَعْدٍ إذا كان كاذبا * ولا خيرَ في قولٍ إذا لم يكُنْ فِعْلُ

وإنْ كُنتَ ذا عَقْلٍ ولم تكُ عالِما * فأنْتَ كذي رِجْلٍ وليس له نَعْلُ

ألا إنّما الإنسانُ غِمْد لعقله * ولا خيرَ في غِمْدٍ إذا لم يكنْ نصْلُ

وهو في الديوان (ص٩٣).

٨٥

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (الناسُ كلهم في الفَقْرِ مَخافَة الفقرِ)(٩٠) .

وكانوا في الزمان الأوّل يتعلّمونَ الحِرْفَةَ، ثُمَ يتعلّمونَ العِلْمَ، حتّى لا يطمعُوا في أموال الناس(٩١) .

وفي الحكمة: (مَن استغْنى بِمال الناس، افْتَقَرَ).

والعالِمُ إذا كانَ طامِعا، لا تَبْقى له(٩٢) حُرْمة العِلمِ،

____________________

(٩٠) رواه الزرنوجي كذلك، ولم نقف على تخريج له.

(٩١) راجع للتفصيل حول احتراف السلف من أهل العلم، الجامع لأخلاق الراوي ( ١/ ١٤٢ - ١٤٥) الأحاديث (٤٧ - ٥٢). وانظر أدب الدنيا والدين للماوردي (ص٩١ - ٩٢).

(٩٢) في (أ): لا يرعى، بدل (لا تبقى له).

٨٦

فلا يقول بالحقَ(٩٣) .

[٣٨ - التقدير للتكرار]

وينبغي لطالب العِلْمِ أنْ يُعِدَ وَيُقَدرَ لنفسه تقديرا في التكرار، فإنّه لا يستقر قلبه(٩٤) حتّى يَبْلُغَ ذلك المبْلَغ.

وينبغي أنْ يُكَررَ سبق الأمْسِ خمسَ مرّاتٍ، وسبق اليوم. الذي قبل الأمْسِ أرْبَعَ مرّاتٍ، وسبق الذي قبلَه ثلاثا، والذي قبلَه اثْنتينِ، والذي قبلَه واحدةً.

فهذا أدْعى إلى الحفظ(٩٥) .

[٣٩ - المخافَتةُ والإجْهارُ عند التكرار]

وينبغي أنْ لا يعتادَ المخافتةَ(٩٦) في التكرار، لأنّ الدرسَ والتكرارَ لابُدّ أنْ يكونا بقوّةٍ ونِشاطٍ.

ولا يشتغلُ في حال نُعاسٍ، أو غَضَبٍ، أو جُوعٍ، أو عَطَشٍ، ونحو](٩٧) .[ذلك

____________________

(٩٣) في (ف) وبعض النسخ: فلا يقول الحق، والجملة ساقطة من (ع).

(٩٤) في (أ): نفسه، بدل (قلبه).

(٩٥) اُضيف هنا في (ع) وبعض النسخ: (والتكرار) ولم يوردها الزرنوجي.

(٩٦) في الخشاب: المخافة، وفي آخر: المخالفة.

(٩٧) ما بين المعقوفين ورد في (ع) فقط.

٨٧

ولا يَجْهرُ جَهرا، ولا يُجْهدُ نَفْسَه(٩٨) لئِلاّض (يَتَنَفّرَ و)((٩٩) ) ينقطع عن التكرار. فخَيْرُ الاُمُورِ أوْسَطُها(١٠٠) .

____________________

(٩٨) كذا في الزرنوجي، وارتبكت النسخ في إثبات هذه الجُملة بشكلٍ غريب:

ففي الخشاب: (ولا يجتهد بهذا الجهد نفسه) ومثله في نسخة (أ) إلا أنّ فيها: (ولا يجهد ...) بدل (لا يجتهد ...) وفي بعض النسخ: (ولا يجتهد جهدا نفسه) وفي آخر: (ولا يجتهد جهدا ليجهد نفسه). وقوله (ولا يجهر جهرا) ساقط من (ف).

وما ذكرناه هو الصواب، لأنّه أنسب لمقابلة المخافتة المذكورة في صدر الفقرة.

(٩٩) هذه الكلمة من (ف، و).

(١٠٠) هذه الجملة من الأحاديث الأربعين المعروفة ب-(سلسلة الإبريز) المنقولة راجع: شرح البداية]بالسند العزيز، من رواية (١٤) أبا من المسلسلات بالاَبأ .[للشهيد الثاني (ص١٣٠) وهو الحديث (٣٦) منها، ونصّها مطبوع في: لوامع الأنوار في جوامع العلوم والاَثار، للسيد مجد الدين ( ٣/ ٣٢٨- ٣٣٢) وأثبته كما في المتن وقد طبعها مشروحة مخرجة السيّد محمّد جواد الحسيني الجلالي باسم (سلسلة الإبريز بالسند العزيز) فلاحظ (ص٥٩) و (ص١٠٣) وفيهما: (أوساطه) ونقل في هامشه عن بعض النسخ: (أوسطه). وله تخريج عن الشعب للبيهقي، فلاحظ الجامع الصغير (٢ / ٦٩) وكنوز الحقائق بهامشه (١ / ١٢٤ )

٨٨

____________________

والأربعون الابريزية هذه مشهورة اتّصلت بها الاجازات، فلاحظ: فهرس الفهارس والأثبات للكتاني (ص٩٤٨) وذكر له شرحا باسم: القول الوجيز في شرح سلسلة الابريز، للعلامة النمازي الَيمني المتوفى سنة (٦٧٥) وقال: موجود بالمكتبة التيمورية بمصر (انظر عدد ٢٨٠ من قسم المجاميع).

قال الكتاني: وقد سبق لي أن خرّجت متون الأحاديث المذكورة بسندٍ واحد مسلسل بالأشراف منى إلى سيّدنا عليّ وحفظها عني جماعة الأصحاب بالمشرق والمغرب. وهي أربعون حديثا، قصيرة الألفاظ، كثيرة المعاني، تكلم عليها الشيخ السخاوي في (شرح الألفية) وغيره. اُنظر: فهرس الفهارس (ص٩٧٨).

ورواه الماوردي في أدب الدين والدنيا (ص٢٨) بلفظ: (أوساطه).

وورد في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشُهرتَيْنِ: الثياب الحسنة التي يُنظر إليه بها، والدنيئة الرثّة التي يُنظر إليه بها، وقال: (أمرا بين الأمرين، وخير الاُمور أوساطه). نقله الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي والسامع (٦٠٣١) رقم ١٩٢.

وأسند الكليني عن الإمام أبي الحسن الكاظم عليه السلام أنّه: لَقِيَ الرشيدَ - حين قدومه المدينة - على بَغْلةٍ، فاعترض عليه في ذلك

فقال عليه السلام: (تطأطأتْ عن سُمُوّ الخَيْلِ، وتجاوزتْ قَمَأ العِيْر، وخيرُ الاُمور أوسطه) رواه في الكافي (٥٤٠٦) وأرسله في الدُرّة الباهرة (ص٣) وفيه: خيلا الخيل، وارتفعتْ عن ذلّ العِيْر. وأرسله ابن أبي جمهور في عوالي اللاَلى (٢٩٦١) الحديث ١٩٩.

وروى الماوردي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: (خير الاُمور النَمَطُ الأوسطُ، إليه يرجع العالي، وبه يلحق التالي) أدب الدنيا والدين (ص٢٨).

وقال الشاعر:

عليك بأوْساط الاُمور فإنّها * نجاة ولا تركبْ ذلولا ولا صَعْبا

وأنشد السيّد العلاّمة مجد الدين المؤيّدي الحسني شيخنا في الإجازة، قوله:

عليك بأوساط الاُمور فإنّها * سَبيل إلى نيل المراد قويمُ

ولا تكُ إمّا مُفْرِطا أو مُفرّطا * كِلا طرفَيْ قصدِ الاُمور ذميمُ

في لوامع الأنوار (ج١، ص٢٦).

٨٩

[٤٠ - المداومة على الطلب]

ولابُدّ له من المداومة في العلم، من أوّل التحصيل إلى آخر العُمُر(١٠١) .

____________________

(١٠١) حول (وقت التحصيل) لاحظ: الفصل السابع، من كتابنا.

٩٠

الفصل السادس

في التَوَكلِ

[٤١ - اقتصاد الطالب]

لابُدَ لطالب العلم من التوكلِ في طلب العلمِ، ولا يهتمّ لاُمور الرِزْق، ولا يشغل قلبَه بذلك(١٠٢) ويصبر(١٠٣) .

____________________

(١٠٢) في الخشاب: (ولا يهمّ لاُمور الرزق، ولا قلبه بذلك).

(١٠٣) روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انّه قال: (مَنْ طلب العلم تكفّلَ الله برزقه). رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (١٥٤١).

والاَثار العامة الواردة في القناعة تشمل طلاّضب العلم بطريق الأولويّة، فمنها:

ما عن الحسن المثنّى عن أبيه الإمام الحسن السبط عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب :، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (الدُنيا دُول، فما كان منها

لكَ أتاك على ضعفك، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوّتك، ومَنْ انقطع رجاؤه ممّا فاتَ استراحَ بدنُه، ومَنْ رضي بما رزقه الله تعالى قرّت عينُه). رواه الماوردي في أدب الدنيا والدين (ص٢٢٥).

٩١

____________________

وقال عليّ أمير المؤمنين عليه السلام: (الصَبْر مطيّة لا تَكْبُو والقناعةُ سَيْف لا يَنْبُو). رواه الماوردي في أدب الدنيا والدين (ص٢٧٦).

وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من الكلام المنظوم عدّة مقاطع، منها قوله عليه السلام:

أفادتني القناعةُ كلَ عِز * وأي غِنًى أعَز من القناعَه

فصيّرها لنفسك رأسَ مالٍ * وصَيّر بعدها التقوى بضاعَه

تَحُزْ رِبْحا وتَغْنى عن بخيلٍ * وتَنْعَمُ في الجنان بِصَبْر ساعَه

وهو في الديوان (ص٧٦) ورواه الماوردي (ص٢٢٤) وفيه: (تحرَز حين تغنى) في الشطر الأوّل من البيت الأخير.

وقوله عليه السلام:

إذا أظْمأتْكَ أكُف الرجال * كَفَتْكَ القناعَةُ شَبْعا ورَيّا

فكُنْ رجُلا رِجْلُه في الثرى * وهامةُ همّته في الثُريّا

أبيّا لنائِلِ ذي ثروَةٍ * تراه لِما في يديْه أبِيّا

فإنَ إراقةَ مأ الحياة * لدونَ إراقة مأ المَحيّا

وهو في الديوان (ص١٢٧).

وقال عليه السلام:

صُنِ النفس واحملها على ما يزينُها * تَعِشْ سالما والقول فيك جميلُ

ولا تُرِيَنَ الناسَ إلاّ تحملا * نبا بِكَ دَهر أو جَفاكَ خليلُ

وإنْ ضاقَ رِزْق اليومِ فاصْبِرْ إلى غَدٍ * عسى نكباتُ الدَهرِ عنك تَزُولُ

يَعِز غَنِي النفس إنْ قَلَ مالُه * ويغنى غني المالِ وهو ذليلُ

وهو في الديوان (ص٩٢).

وقوله عليه السلام:

ألا فاصْبِرْ على الحَدَث الجليل * ودَاوِ جَواك بالصَبْر الجميلِ

ولا تَجْزَعْ وإنْ أعْسَرْتَ يوما * فقد أيْسَرْت في الزمن الطويلِ

ولا تيأسْ فإنَ اليأسَ كُفْر * لعلَ الله يُغني من قليلِ

ولا تَظْنُنْ بربّك غَيْرُ خَيْرٍ * فإنَ الله أولى بالجميلِ

وإنَ العُسْرَ يتبعُه يَسار * وقول الله أصْدَقُ كُل قيلِ

وهو في الديوان (ص٨٨).

وقال عليه السلام:

رضينا قِسمة الجبّار فينا * لنا علم وللجُهالِ مالُ

فإنَ المالَ يفنى عن قريبٍ * وإنَ العلم باقٍ لا يُزالُ

وهو في الديوان (ص٨٥).

وممّا أنشأتُ من الشعر وهو من نظمي سنة ورودي إلى النجف الأشرف (١٣٨٤) مخاطبا للنفس:

أبعد ضمان الله للعلم رزق من * أتاه حثيثا تطلبين ألا اقعدي

فإن كان رزقا ساقه الله رحمةً * أتاكِ ولم يحتج إلى الضَرْبِ باليدِ

٩٢

لأنَ طلبَ العلم أمْر عظيم، وفي تَعَب تحصيله أجْر قوِيّ، وهو أفضلُ من قرأة القرآن(١٠٤) عند أكثر العلماء(١٠٥) .

____________________

(١٠٤) في (ف، ج، ع) وبعض النسخ: الغزا، وفي آخر: الغذأ، وفي الزرنوجي: الغزوات، بدل (قرأة القرآن).

(١٠٥) زاد في (ب): والفقهأ، وقد دلّتْ آثار عديدة على أفضلية العلم من مجرّد التلاوة، والصلاة، ويمكن الاستشهاد لذلك بما دلّ على أنّ (تفكّر ساعة أفضل من عبادة ألف سنة) ونحو ذلك.

فلاحظ مستطرفات السرائر (ص٢١) الحديث الأول. وجامع بيان العلم (٢١١ - ٢٧) و (ص٥٠ - ٥٢).

٩٣

فمن صَبَر على ذلك وَجَدَ لذّته تفوق سائر لذّات الدُنيا.

ولذا كانَ محمّد بنُ الحسن(١٠٦) - إذا سَهرَ اللياليَ وانحلَ له المشكلاتُ- يقول: (أَيْنَ أبنأُ المُلوكِ من هذه اللذّاتِ).

[٤٢ - انحصار الاشتغال بالعلوم]

وينبغي أنْ لا يشتغل بشيٍ(١٠٧) .

ولا يُعْرِضَ عن الفقه، والتفسير، والحديث، وعلم القرآن(١٠٨) .

____________________

(١٠٦) كذا في النسخ، والزرنوجي، والظاهر أنّ المراد به (الشيباني) صاحب أبي حنيفة، لكن في بعضها: أضاف (الطوسي رحمة الله عليه). وكأنّه نَظَرَ إلى أنّ مؤلّف الكتاب يتحدّث عن نفسه

والظاهر أنّ هذه العبارة منقولة عن أصلها عند الزرنوجي، ولا ينافي ذلك أن يكون القائم بأمر الاختصار هو المحقّق الطوسيّ، كما لا يخفي.

(١٠٧) أي لا يشغل نفسه بالعلاقات والارتباطات غير العلميّة، بل يحصر علاقاته بالاُمور التحصيلية، حتى لا تفوته فُرَصُ التحصيل.

(١٠٨) ذكر هذه العلوم باعتبار لزوم الارتباط بها دائما وعلى طول مدّة التحصيل، لأهميّتها الأساسيّة بين علوم الإسلام فهي مصادره الأساسيّة.

وإلاّ، فالعلوم جميعها يجب الاشتغال بها ومعرفتها، وقد ذكر المؤلّف في وجوب الاهتمام بعلم التوحيد.[١١]الفقرة

وراجع للتفصيل عن العلوم الواجب تعلّمها، منية المريد، وخاصة الخاتمة (ص٣٦٥).

٩٤

الفصل السابع

في وقت التحصيل

[٤٣ - وقت الطلب واستغلاله]

قيل: (وَقْتُ الطلبِ: من المَهدِ إلى اللحْدِ)(١٠٩) .

وأفضل أوقاته: شَرْخُ الشباب(١١٠) ووقتُ السَحَرِ، وما بين العشأين((١١١) ).

وينبغي أنْ يستغرق جميع أوقاته.

____________________

(١٠٩) وفي الأثر المعروف: (اطلبوا العلم من المَهدِ إلى اللَحْدِ).

(١١٠) الشَرْخ من الشباب: أوّله ونَضْرتُه.

وفي الخشاب: شَرْخ سِنّ الشباب.

(١١١) أي ما بين الصلاتين: المغرب والعشأ، فإنّ دأبهم كان على التفريق بينهما والاشتغال في ذلك الوقت بالدرس والبحث والطلب.

٩٥

[٤٤ - التنوّع لدفع المَلَل]

فإذا مَلَ من علمٍ اشتغلَ بعلمٍ آخر(١١٢) .

وكانَ محمّدُ بنُ الحسنِ لا ينامُ الليلَ، وكانَ يضَعُ عندَه دفاتِرَ، فكانَ إذا مَلَ من نوعٍ ينظُر في نوعٍ آخَر.

____________________

(١١٢) قال أمير المؤمنين عليه السلام: (روّحوا أنفسكم ببديع الحكمة، فإنّها تكلّ كما تكلّ الأبدان). رواه الكليني في الكافي (٤٨١) كتاب فضل العلم، الحديث الأول من باب (١٧) النوادر.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (روّحوا القلوبَ، وابتغُوا لها طُرَف الحكمة، فإنّها تَمَل كما تمَل الأبدان). رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (١٨٣٢) والقرطبي في جامع بيان العلم (١٠٥١).

وروى الرازي في جامع الأحاديث رقم (٧٤): (تذاكروا وتلاقوا وتحدّثوا فإنّ الحديث جلا المؤمن، إنّ القلوب لتدثر كما يدثر السيف جلاه).

وقد مرّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث قوله: (... إنّ القلوب لترينُ كما يرين السيف جلاؤها الحديث). رواه في الكافي (٤١١) كتاب فضل العلم، الحديث قبل الأخير من باب (١٠) سؤال العالم وتذاكره.

وقال علي عليه السلام: (إنّ للقلوب شهوةً وإقبالا وإدبارا، فأتوها من قِبَلِ شهوتها وإقبالها، فإنّ القلبَ إذا اُكره عَمِيَ). رواه في نزهة الناظر (ص٢٠).

٩٦

[٤٥ - مدافعة النوم]

وكان يَضَعُ عندَه المأُ، ويُزيلُ نومَه بالمأِ، وكانَ يقولُ: (النَوْمُ من الحَرارة)(١١٣) .

____________________

(١١٣) أضاف في الزرنوجي على هذا القول: (... فلابُدَ من دفعه بالمأ البارد).

والمراد بالمأ ترطيب العينين، وتبريد الوجه به، لا شربه، كما هو واضح. فإنّ شربه يزيد الرطوبة، والبلغم، ويكسّل كما مرّ في الفقرة .[٢٧]

٩٧

الفصل الثامن

في الشَفَقةِ والنَصيحة

[٤٦ - طلب الكمال]

ينبغي أنْ يكونَ صاحبُ العِلْم مُشفقا، ناصحا، غير حاسِدٍ، فالحَسَدُ يَضُر ولا ينفع(١١٤)

____________________

(١١٤) الحَسَدُ من الأخلاق المذمُومة، وقد تضافرت أحاديث الأئمة في بيان قُبحه ومضارّه، والتأكيد على دنأة الحسود ورذالته:

وقال الإمام زين العابدين عليه السلام: (الحسود لا ينال شرفا، والحقود يموتُ كمدا، واللئيم يأكُلُ مالَه الأعداء (وَالَذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إلا نَكِدا). رواه في نزهة الناظر (ص٤٤)

وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (آفة الدين: العُجْب، والحَسَدُ، والفخر). رواه في نزهة الناظر (ص٥٢).

وقال الإمام عليّ الهادي عليه السلام: (الحَسَدُ ماحِقُ الحَسَناتِ، والزَهوُ جالب المقْتِ، والعُجْبُ صارِف عن طَلَبِ العلم، وداعٍ إلى التخبطِ في الجهل، والبُخْلُ أذمّ الأخلاق، والطَمَعُ سجيَة سَيّئة). رواه في نزهة الناظر (ص٧٠).

وقال الهادي عليه السلام: (إيّاك والحَسَدَ، فإنّه يبينُ فيك ولا يبين في عدوّك). رواه في نزهة الناظر (ص٧١).

٩٨

بل، يسعى بنيّة تحصيل الكمال(١١٥) .

[٤٧ - شَفَقَةُ المُعَلم]

وينبغي أنْ تكونَ همَةُ المُعَلم أنْ يصيرَ المتعلّم في قرنِه(١١٦) عالما(١١٧) .

ويُشْفِقَ على تلاميذه.

.... بحيث فاق علمأ العالم(١١٨) .

____________________

(١١٥) قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: (الكمالُ كل الكمالِ: التفقّه في الدين، والصَبْر على النائبة، وتقدير المعيشة). رواه الكليني في الكافي (٣٢١).

(١١٦) كذا في أكثر النسخ (قرنه) ولعلّ المراد: زمانه وعصره، وفي (أ) وفي نسخ اُخرى (قوّته).

(١١٧) عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: (إنّ الذي يعلّم العلم منكم، له مثل أجر الذي يتعلّمه، وله الفضلُ عليه، فتعلّموا العلم من حَمَلة العلم، وعلّموه إخوانكم كما علّمكم العلماء). أسنده الحسن بن محبوب في (المشيخة) ونقله الحلي في مستطرفات السرائر (ص٨٥) رقم ٣١.

(١١٨) في أكثر النسخ: (فاق على ...) وهذه الجملة غير واضحة في كتابنا، ولم ترد في الزرنوجي، لكنّه ذكر حكاية عن البرهان والد الشهيد الصدر حسام الدين والسعيد الصدر تاج الدين، أنّه كان يقدّم تدريس الغربأ على تدريس ولديه المذكورين، فببركة شفقته على الغربأ (فاق ابناه أكثر فقهأ أهل الأرض في ذلك العصر في الفقه). لاحظ تعليم المتعلّم (ص٣٦).

وكأنّ في كتابنا سقطا، فلذا وضعنا في بداية هذه الجملة نقاطا ثلاثةً.

واعلم أنّ كتابنا هذا خاص بآداب المتعلّمين كما تدلّ عليه ترجمته، دونَ المعلّمين، وإنّما ذكرت هذه الفقرة المرتبطة بشؤون المعلّم، استطرادا.

وللمعلّم آداب، ذكرها مفصّلة الشيخ الشهيد الثاني في منية المريد، في أقسام ثلاثة: آدابه في نفسه، ومع طَلَبَتِه، وفي مجلس الدرس، فراجعها (ص١٧٧ - ٢٢١).

٩٩

[٤٨ - ترك النزاع والمخاصمة]

وينبغي لطالب العلم أنْ لا يُنازعَ أحَدا، ولا يُخاصِمَه، لاِنّه يُضَيّعُ أوقاتَه. فالُمحْسِنُ سيُجْزَى بإحْسانِه، والمُسيُ ستكفِيه مَسأتُه(١١٩) .

قيلَ: (عليكَ أنْ تشتغلَ بمصالح نَفْسك، لا بِقَهرِ عَدُوكَ فإذا قُمْتَ

____________________

(١١٩) كذا في الخشاب، وفي الزرنوجي: (مساويه).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام

وذي سَفَه يُخاطبني بِجَهلٍ * فأكره أنْ أكونَ له مُجيبَا

يَزِيدُ سفاهةً وأَزِيْدُ حِلْما * كعُودٍ زادَ بالإحْراقِ طيبَا

وهو في الديوان (ص٣٨).

وقال عليه السلام:

إنْ كُنْتَ تطلبُ رُتبة الأشرافِ * فعليك بالإحسان والإنصافِ

وإذا اعتدى أحد عليك فَخَله * والدَهرَ فهو له مكافٍ كافِ

وهو في الديوان (ص٨٠).

وقال الزرنوجي - في هذا الموضع - : أنْشَدَ سُلطان الشريعة الهمداني:

دَعِ المَرَْ لا تَجْزِه على سوء فِعْلِه * سيكفيه ما فيه وما هو فاعِلُه

قيلَ: (مَنْ أرادَ أنْ يُرْغِمَ أنْفَ عَدُوّه فليكرّر هذا الشعر).

١٠٠

بمصالحِ نَفْسِكَ تَضمَنَ ذلك(١٢٠) قَهرَ عَدُوكَ)(١٢١) .

وإيّاك والمعاداةَ، فإنّها تفضحُكَ، وتُضَيّعُ أوقاتَكَ.

وعليكَ بِالتحملِ، لا سيّما من السُفَهاء(١٢٢) .

____________________

(١٢٠) في الخشاب: (تَضْمَنُ بذلك).

(١٢١) قال الزرنوجي: واُنشدتُ:

إذا شِئْتَ أنْ تلقى عدوّكَ راغِما * وتقتُلَه غَمّا وتُحرِقَه همَا

فَرُمْ للعُلى وازْدَدْ من العلم إنَه * مَنِ ازْدادَ عِلما زادَ حاسِدَه غَمَا

وفي باب عَدَمِ الاعتناء بالأعداء والحاسدين، أمثال منظومة، منها قول

بعض الزعماء:

أوَ كُلّما طَنَ الذُبابُ طردْتُه * إنّ الذُبابَ إذَنْ عليَ كريمُ

وقال آخر:

وما كل كلبٍ نابِحٍ يَسْتَفِزني * وما كلَما طَنَ الذُبابُ اُراعُ

وقال ثالث:

لو كل كلبٍ عَوى ألْقَمْتُه حَجَرا * لأصْبَحَ الصَخْرُ مِثقالا بدِينارِ

وقال رابع:

إذا نَطق السفيه فلا تُجِبْه * فخير من إجابته السكوتُ

(١٢٢) قال أمير المؤمنين عليه السلام: (تعلّموا العِلمَ، وتعلّموا الحِلمَ، فإنّ العلمَ خليلُ المؤمنِ، والحلمُ وزيرُه، والعقل دليلُه، والرفقُ أخوه، والعمل رفيقه، والبر والدُه، والصبر أميرُ جنودِه). رواه في نزهة الناظر (ص٢٩) وروى نحوه باختصار عن الإمام الصادق (ص٥٩).

١٠١

[٤٩ - الابتعاد عن سُو الظنّ]

وإيّاك أنْ تَظُنَ بالمؤمِنِ سُوا، فإنَه منشأُ العَداوة.

ولا يحل ذلك، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (ظُنوا بالمُؤْمنينَ خَيْر)(١٢٣) .

____________________

(١٢٣) قال الخشاب: رواه في الفتوحات الربانيّة (٧/ ٢١) وفيه: (بالمؤمن).

واعلم أنّ الأحاديثَ عن المعصومين : في باب سُو الظنّ والنهي عنه، والأمر به، وكذلكَ في باب حُسْن الظنّ والأمر به، والنهي عنه، كثيرة وظاهرها المُعارضة والمُضادّة

فالاَمرة بحُسْن الظَنّ:

منها ما في المتن من حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

ومنها: قول الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: (مَنْ حَسَنَ ظنَه روّح قلبه). رواه في نزهة الناظر (ص٥٤).

ومنها: قول الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (خُذْ من حُسْنِ الظنّ بطَرَفٍ تُروجُ به أمركَ، وتروّحُ به قلبك). رواه في نزهة الناظر (ص٥٣).

وقال البرقي في (باب محبة المسلمين والاهتمام بهم) من المحاسن: في كلام أمير المؤمنين عليه السلام: (لا تظننَ بكلمة خرجت من أخيك سوا، وأنت تجد لها في الخير محمل). رواه عن المحاسن في السرائر باب المستطرفات (٦٤٢٣) ونقله في الوسائل (٠٢١٢٣) باب ١٦١ من أبواب العشرة، ح٣ عن الكافي (٢٦٩٢) ح٣.

ومِن الدافعة على سو الظنّ:

قول الإمام الصادق عليه السلام: (احتَرِسُوا من الناسِ بِسُوِ الظن). رواه في نزهة الناظر (ص٣٠).

١٠٢

____________________

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (الحزْمُ سُوُْ الظَن). رواه في نزهة الناظر (ص٥٤). وابن الرازي في جامع الأحاديث.

ونقل الحلواني صاحب النزهة عن البرادي، أنّه قال: قيل للمقيت الجُرجاني: ما هذه المضادة

فقال: يُريدون بسو الظن: أنْ لا تستتمَ إلى كلّ أحَدٍ فتؤدّي سرّك وأمانتك. ويُريد بحسن الظنّ: أنْ لا تسي ظنَك بأحَدٍ أظهر لك نصْحا وقال لك جميلا، وصحَ عندك باطنه. وهو مثل قولهم: (احْمِلْ أمر أخيك على أحْسنِه حتّى يبدو لك ما يغلبك عليه). نقله في نزهة الناظر (ص٥٤).

أقول: بل الأولى حملُ ذلك على اختلاف الزمان وأهله صَلاحا وفسادا، كما تدلّ عليه أخبار شريفة، والحديث يفسّر بعضه بعضا، وهي: ما روي في حِكَمِ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال: (إذا استولى الصلاحُ على الزمانِ وأهله، ثُمَ أسأ رجل الظنَ بِرَجُلٍ - لم تظهر منه خِزية - فقد ظَلَمَ. وإذا استولى الفسادُ على الزمانِ وأهله، ثُمَ أحْسَنَ رَجُل الظنّ بِرَجُلٍ فقد غُررَ). رواه الرضيّ في نهج البلاغة، الحكمة (١١٤).

وما عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: (إذا سأَ الزمانُ وسأ أهلُه، فسوُ الظنّ من حُسْنِ الفِطَنِ).

وما رُوي عن الإمام أبي الحسن الهادي عليه السلام: (إذا كانَ زَمان -العدلُ فيه أغلبُ من السُوء - فليسَ لأحَدٍ أنْ يُظنَ بأَحَدٍ سُوءا، حتّى يَبْدو ذلكَ منه. وإنْ كانَ زَمان - فيه السُوُ أغْلَبُ من العَدْل - فليسَ لأحَدٍ أَنْ يظُنَ بأحَدٍ خَيْرا، حتّى يبدو ذلك منه). رواه في نزهة الناظر (ص٧١).

١٠٣

وإنّما يَنْشَأُ ذَلِكَ من خُبْثِ النِيّةِ(١٢٤) .

____________________

(١٢٤) كذا في أكثر النسخ والزرنوجي، وأضاف فيه: (... وسوء السريرة) وفي بعض النسخ: (من خُبث النفس).

١٠٤

الفصل التاسع

في الاسْتِفادة

[٥٠ - الاستفادة وطريقها]

فينبغي لطالب العلم أنْ يكونَ مستفيدا في كل وَقْتٍ، حتّى يَحصلَ له الفضْلُ.

وطريق الاستفادة: أنْ يكون مَعَه - في كُلّ وَقْتٍ - مَحْبَرة، حتّى يكتبَ ما يسمع من الفوائد(١٢٥) .

____________________

(١٢٥) لاحظ في كتابنا هذا، الفقرة [٥٥] في الفصل العاشر القادم.

ونقل عن بعضهم قوله: (إظهار المحبرة عز) وأشار بعضهم إلى المحابر وقال: (هذه سُرُج الإسلام) وقال آخر: (لولا المحابر لخطبت الزنادقة على المنابر). وقد جاء ذكر (الحِبْر) و (الدواة) في الحديث الشريف في مقام الترغيب على الكتابة والتدوين، بوفرة، وقد جمعنا طَرَفا من ذلك في كتابنا: (تدوين السنّة الشريفة) فليراجع.

١٠٥

قيلَ: (ما حُفِظَ فَرَ، وما كُتِبَ قَرَ)(١٢٦) .

وقيل: (العلمُ ما يُؤْخَذُ من أفواه الرجال)(١٢٧)

____________________

(١٢٦) هذا أثر منقول عن السلف، لاحظ تدوين السنّة الشريفة (ص٣٨١).

وقد أكّد المعصومون:عليهم السلام على كتابة العِلْم وتدوينه وحثّوا على تقييده وحفظه في الكتب، إلى حدّ التواتُر فعن النبي والوصيّ ٨ أنهما قالا: (قيّدوا العلم بالكتاب).

وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: (القلب يتّكل على الكتابة).

وعنه عليه السلام، قال: (اكتبوا فإنّكم لا تحفظون حتى تكتبو).

وقد شرحنا هذا الحديث، شرحا عميقا في تدوين السنّة الشريفة (ص٣٧٦).

ثمّ إنّ سائر علماء الإسلام أكّدوا على أنّ الكتاب والكتابة لهما أثر بارز في حفظ المعلومات:

قال ابن المبارك: (لولا الكتاب ما حفظن).

وقال الشافعي: (اعلموا - رحمكم الله - إنّ هذا العلمَ ينِد كما تنِد الإبلُ، فاجعلوا الكتب له حماةً، والأقلام عليه رُعاةً).

وقد جمعنا ما يرتبط بالتدوين والكتابة، والمقارنة بينها وبين الحفظ بشكل موسّع، وموثّقا في كتابنا (تدوين السنّة الشريفة) فراجعه، وخاصة الصفحات (٣٦٥ - ٣٩٠).

(١٢٧) أتصوّر أنّ المؤلّف ذكر قولهم: (العلمُ ما يُؤخَذُ من أفواه الرجال) اعتراضا على ما ذكره من لزوم كتابة ما يسمع نظرا إلى أنّ العلم في هذا القول يعتمد على الأقوال الشفهيّة

وأجابَ بقوله: (لأنّهم ...) أي إنّما ذكروا ذلك القول، لأنّ العلماء إنّما ينطقون بالأفضل، بعد انتخابه من محفوظاتهم التي هي - بدورها - أفضل مَسْموعاتهم، وهذا لا يُنافي لزوم كتابة ما يُسمع من أقوالهم، حفاظا عليها من النسيان والضياع.

١٠٦

لاِنّهم يحفَظونَ أحْسَنَ ما يَسْمعونَ، ويقولونَ أحْسَنَ ما يحفَظونَ(١٢٨) .

ووصّى شَخْص ابْنَه بأنْ يحْفَظَ كلَ يومٍ شِقْصا(١٢٩) من العِلم، فإنّه يَسير، وعن قَرِيْبٍ يَصِيْرُ كَثيرا(١٣٠) .

____________________

(١٢٨) عن عملهم هذا لاحظ هذه الاَثار:

روى الراغب الاصفهاني، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (قالت الحكمةُ: مَنْ أرادني فليعمل بأحْسَنَ ما عَلِمَ، ثم تلا: (الَذِيْنَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَبِعُونَ أَحْسَنَه)). مقدّمة جامع التفاسير (ص٩٥).

وروى الخطيب عن ابن عبّاس قوله: العِلمُ كثير، ولن تَعِيَه قلوبكم، ولكن ابتغوا أحسنَه، ألم تسمع قوله تعالي: (الَذِيْنَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَبِعُونَ أَحْسَنَه ُ .[الاَية ١٨ من سورة الزمر]اُوْلَئِكَ الَذِيْنَ هدَاهمُ الله وَاُولَئِكَ همْ اُولُوا الألْبَابِ) رواه في تقييد العلم (ص١٤١).

وكان يقول بعضهم لبنيه: (اُكتب أحْسَنَ ما تسمعُ، واحْفَظْ أحْسَنَ ما تكتبُ، وحَدث بأحْسَنَ ما تحفَظْ). نقله في تقييد العلم (ص١٤١) ونقله في هامشه عن مصادر عديدة.

وراجع حول اختيار الأحسن ما علّقناه على الفقرة .[١١]

(١٢٩) الشِقْصُ: الطائفة من الشي.

وفي الخشاب: (شيئ) بدل (شقص) وقد جمع بينهما في بعض النسخ، ولاحظ الهامش التالي.

(١٣٠) نقل الزرنوجي أنّ هذه الوصيّة وصّى بها الصدرُ الشهيدُ حسام الدين ابنه شمس الدين: أنْ يحفَظَ كلّ يومٍ يسيرا من العلم والحكمة إلى آخر المنقول هنا.

١٠٧

[٥١ - اغتنام الوقت والشيوخ]

والعُمُرُ قصير، والعلمُ كثير، فينبغي أنْ لا يُضيّعَ الطالبُ له الأوقاتَ، والساعاتِ، ويغتَنِمَ اللياليَ والخَلواتِ(١٣١) .

____________________

(١٣١) روى الزرنوجي - هنا - عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أنّه قال: (إذا كُنْتُ في أمْرٍ، فكُنْ فيه).

وقد وردت عن الأئمة عليهم السلام حول (الوقت) أحاديث شريفة ترشد إلى وجوب اغتنامه والاعتزاز به وعدم التفريط به، والمحافظة عليه، فلنتزوّد من فُرات معينها:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (إنّ أوقاتَك أجزأُ عمرك فلا تُنفِدْ لك وقتا إلا فيما يُنجيك).

وقال: (في كلّ وقت فوت) و (في كلّ وقتٍ عمل).

وقال: (إنّ ماضيَ عمرك أجَل، وآتيه أمَل، والوقت عَمَل).

وقال: (أوقات الدنيا - وإن طالَتْ - قصيرة).

وقال: (إنّ ماضِيَ يومِكَ مُنْتقل، وباقيَه مُتّهم، فاغْتَنِمْ وَقْتَكَ بالعمل).

وقال: (ماضي يومِكَ فائِت، وآتيه مُتَهم، ووقتُكَ مُغْتَنَم، فبادِرْ فيه فُرْصَةَ الإمْكانِ، وإيّاكَ أنْ تثِقَ بالزمانِ).

فراجع معجم ألفاظ غرر الحكم، مادة (وقت).

وقال عليه السلام في خطبة له: (أيّها الناس: إنّ الأيّامَ صحائفُ آجالكم، فضمّنوها أحْسَنَ أعمالكم، فلو رأيتم قصيرَ ما بقيَ من آجالكم لزهدتم في طويل ما تعتذرون من آمالكم). رواها في نزهة الناظر (ص١٩).

وقالوا: (الوَقْتُ سَيْف، إنْ لم تَقطُعْه قَطعَكَ). نقله في مَنازل السائرين (ص٣٩٩).

وكان أحد مَشايخنا يَستحثّنا على الطلبِ، ويُنْشِدُنا:

ما فاتَ مَضى وما سَيأتيكَ فأيْنْ * قُمْ فاغتنمِ الفُرْصَةَ بين العَدَمَيْنْ

ما مضى فاتَ والمؤمّلُ غيب * فلكَ الساعةُ التي أنتَ فيها

١٠٨

قيل: (الليلُ طَوِيْل فلا تُقَصرْه بمنامِكَ، والنهارُ مُضي فلا تكَدّرْه بآثامِكَ)(١٣٢) .

وينبغي لطالبِ العلم أنْ يَغْتَنِمَ الشُيوخَ، ويَسْتَفِيْدَ منهم(١٣٣) .

ولا يتحسَرُ لِكُل ما فاتَ(١٣٤) بل يَغْتَنِمُ ما حَصَلَ له في الحالِ والاستِقْبال.

[٥٢ - تحمّل المشاق في سبيل الطلب]

ولابُدَ لطالبِ العلم من تحمل المشاق والمَذَلّةِ في طلب العلم(١٣٥) .

____________________

(١٣٢) نقل الزرنوجي هذا القول عن يحيى بن معاذ الرازي.

(١٣٣) قال أبو غالب الزراري، أحمد بن محمّد بن محمّد بن سليمان - في رسالته إلى حفيده، يوصيه - : واصْحب مشايخ أصحابك مَنْ تتزيّنُ بصُحْبته بين الناس. وإنْ صحبتَ أحَدا من أتْرابكَ، فلا تَدَعْ صُحْبةَ المشايخ مع ذلك.

.اُنظر: رسالة أبي غالب الزراري (ص١٥٤) الفقرة [١٠ج]

(١٣٤) قال أمير المؤمنين عليه السلام: (الاشتغال بالفائت يُضيّع الوقت).

وقال عليه السلام: (لا تُشغل قلبك الهمَ على ما فات فيُشغلك عمّا هو آتٍ).

رواه في معجم غرر الحكم (ص١٢٠٦) و (ص١٢٣٦).

وقيل: (الاشتغال بالندم على الوقت الفائت تضييع للوقت الحاضر). نقله في منازل السائرين (ص٣٩٩).

(١٣٥) ومن حكم الإمام أمير المؤمنين ٧: (مَنْ لم يصبر على مَضَض التعلم بقيَ في ذُلّ الجهل). رواه في غرر الحكم (٤١١٥) اُنظر معجم ألفاظه (٨٩٧١).

وأنشد الشيخ الشهيد الثاني شعر الحماسة:

دَبَبْتَ للمجد والساعون قد بَلَغُوا * جهد النفوس وألْقَوْا دُونَه الأُزرا

وكابَدُوا المجدَ حتّى مَلَ أكثرهم * وفاز بالمجد مَنْ وافى ومَنْ صَبَرا

لا تحسبِ المجدَ تمْرا أنْتَ آكلُه * لن تبلغَ المجد حتّى تَلْعَقَ الصَبِرا

في منية المريد (ص٢٥٠) ونقل محقّقه في هامشه عن الحماسة أنه لرجلٍ من بني أسد، وخرّجه عن مصادر كثيرة.

١٠٩

والَتمَلقُ(١٣٦) مذموم إلا في طلب العلم(١٣٧) فإنّه لابُدَ له من تملق الاُستاذ والشركاء وغيرهم، للاستفادة منهم.

وقيل: (العِلْمُ عِز لا ذُلَ فيه، ولا يُدْرَكُ إلا بذُل لا عِزَ فيه)(١٣٨) .

____________________

(١٣٦) الَتمَلق: مصدر تَمَلَقَه، وتَمَلَقَ له: إذا تودَدَ إليه وتذلَلَ له، وليّنَ كلامَه ليستميلَه، وهو (المَلَقُ) أيضا.

(١٣٧) روى عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم انّه قال: (ليس من أخلاق المؤمن التَمَلقُ، إلا في طلب العلم). ورواه ابن الأشعث فيما أسنده من الجعفريات (وهي الأحاديث المسندة عن

الإمام جعفر الصادق عليه السلام) مرفوعا، لاحظ الاشعثيات (ص٢٣٥) وزاد بعد قوله (التملّق): (... ولا الحسد). ورواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (ج١، ص٣٢٠) رقم ٣٩١ بسنده إلى رواية الجعفريات هذه. ونقل عن البيهقي في شعب الايمان (٢٥٩١) ولاحظ جامع بيان العلم (ص١٣١) وأدب الدنيا والدين (ص٧٥) وفيه: المَلَقُ. وبحار الأنوار (٤٥٢) وكنوز الحقائق (١٦٥٢).

(١٣٨) إقرأ عن التملقِ في التعلّم، فصلا مفيدا، في أدب الدنيا والدين (ص٧٥ - ٨٠).

١١٠

الفصل العاشر

في الوَرَعِ في التَعَلمِ

[٥٣ - التزام الورع فعلا، وتركا]

رُويَ حديث في هذا البابِ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (مَنْ لم يَتَوَرَعْ في تعلمه ابْتلاه الله بأحَدِ ثلاثةِ أشْيأ: إمّا يُميتُه في شَبابه. أوْ يُوقِعُه في الرساتيق(١٣٩) . أوْ يبتليه بخدمة السُلْطان)(١٤٠) .

فمهما كانَ طالبُ العِلمُ أوْرَعَ، كانَ علمُه أنْفَعَ، والتعلمُ له أيْسَرَ، وفوائدُه أَكْثَرَ.

____________________

(١٣٩) الرَساتِيْقُ: القُرَى وما يحيط بها من الأراضي الزراعيّة. جمع رُسْتاق، معرّب كلمة (رُوست) الفارسيّة.

(١٤٠) جاء الحديث في كتاب (الاثنا عشرية في المواعظ العددية) للعاملي (ص٨٦) بلفظ: (مَنْ لم يَتَورّعْ في دين الله ...) وانظر: جامع الأخبار (الباب ١٠٠) (ص١٦٣) وميزان الحكمة (١٢٨٤).

١١١

ومن الوَرَع:

أنْ يحترزَ عن الشبع، وكثرةِ النَوْمِ، وكثرةِ الكلام فيما لا يَنْفَعُ(١٤١) .

وأنْ يَحْتَرِزَ عن أكْلِ طعام السُوْقِ، إنْ أمْكَنَ، لأنَ طعامَ السوقِ أقربُ إلى النجاسة والخباثة(١٤٢) وأبْعَدُ عن ذكر الله تعالي، وأقْرَبُ إلى الغَفْلة.

ولاِنَ أبْصارَ الفُقَراءِ تَقَعُ عليه، ولا يقدرونَ على الشراء، فيتأذّون بذلك، فتذهبُ بركَتُه.

وينبغي أنْ يحترزَ عن الغِيْبَةِ.

وعن مُجالسة المِكْثار(١٤٣) فإنّ مَنْ يُكْثر الكلامَ يَسْرِقُ عُمُرَكَ، ويُضيّعُ أوْقاتَكَ.

ومن الوَرَع:

أنْ يجتنبَ من أهل الفَسادِ والتَعْطيلِ، فإنَ المجاورةَ مؤثّرة، لا مَحالةَ(١٤٤) .

وأنْ يَجْلسَ مُسْتَقْبِلَ القِبْلةَ، في حالِ التكرار والمطالعة، ويكونَ مستنّا بسُنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

ويَغْتَنِمَ دعوةَ أهلِ الخَيْرِ، ويحترز عن دَعْوة المظلوم، ويطلب الهمَةَ والاستدعاء (من الصالحين)(١٤٥) .

____________________

(١٤١)عن كثرة الكلام ومضارّها راجع الفقرة [ ٥٩ ] وتعاليقها

(١٤٢) كذا في الزرنوجي وبعض النسخ، وفي أكثر النسخ والخشاب: (الخيانة).

(١٤٣) المِكْثار: الشخص الكثير التكلّم، يطلق على المذكّر والمؤنّث.

(١٤٤) حول اختيار الشريك والمُذاكر لاحظ الفقرة .[٣٣] و [١٦]

(١٤٥) ما بين القوسين، لم يرد في الخشاب ولا الزرنوجي.

١١٢

[٥٤ - رعاية الاَداب والسنن]

فينبغي أنْ لا يَتَهاوَنَ برعايةِ الاَدابِ والسُنَنِ، فإنَ (مَنْ تَهاوَنَ بالاَداب، حُرِمَ السُنَنَ، ومَنْ تهاوَنَ بالسُنَنِ حُرِمَ الفرائضَ، ومَنْ تَهاوَنَ بالفرائض حُرِمَ الاَخِرَةَ).

وقال بعضهم: هذا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

(وينبغي أنْ يُكْثِرَ الصَلاة)(١٤٦) ويُصلّيَ صلاةَ الخاشعينَ، فإنّ ذلِكَ عَوْن على التحصيل والتعلّم.

[٥٥ - استصحاب آلات الكتابة والمُطالعة]

وينبغي أنْ يستصحبَ دفترا على كُلّ حالٍ لِيُطالعه.

وقيل: (من لم يكن الدفْتَرُ في كُمه(١٤٧) لم تثبت الحكمةُ في قلبه).

وينبغي أنْ يكونَ في الدفْتَرِ بياض، ويَسْتَصْحِبَ المحبَرَةَ ليكتبَ ما يسمعُ(١٤٨) .

كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهلال بن يَسار - حينَ قَرَرَ له العلمَ والحكمةَ - : (هلْ معك محبرة)(١٤٩) .

____________________

(١٤٦) ما بين القوسين، ليس في الخشاب.

(١٤٧) الكُم: مخرج اليد ومدخلها من الثوب، وكانت الأكمامُ عِراضا تستوعب مثل الدفتر فيحفظونه فيها.

(١٤٨) قارن بما مرّ في الفقرة [٥٠]

(١٤٩) أورده كذلك الزرنوجي في تعليم المتعلّم (ص٣٨) في فصل الاستفادة، وهو الفصل التاسع في كتابنا فلاحظ الفقرة.[٥٠]

١١٣

الفصل الحادي عشر

في ما يُورث الحفظ وما يورث النِسْيان

[٥٦ - أسباب الحفظ]

وأقوى أسْباب الحفظ:(١٥٠)

١ - الجِد.

٢ - والمُواظَبَةُ.

٣ - وتقليلُ الغذأِ.

____________________

(١٥٠) قد ذكروا للحفظ تحصيلا وتقوية أسبابا وعلاجاتٍ عديدة وأدعية وأورادا تجدها في أبوابها، وقد اقتصر كلّ مؤلّفٍ على ما عنَ له، ولئلاّ يطول الكتاب لم نتتبع الموارد لاستيعاب ذلك، وكذا لم نحاول توثيق ما جاء في كتابنا هذا كلّه، بل ذكرنا ما وقفنا على مصدره في عرض عملنا المتواضع هذا، ومن الله نستمدّ التوفيق.

وراجع كلمة (الحفظ) في فهرس المصطلحات في كتابنا هذا لتقف على ما ذكره المؤلّف عن ذلك في سائر الفقرات.

١١٤

٤ - وصلاةُ الليلِ، بالخُضوع والخُشوع.

٥ - وقراءةُ القُرآن من أسْباب الحفظ(١٥١) .

قيلَ: (ليسَ شي أزْيدَ للحفظ من قراءة القرآن لا سيّما آية الكرسيّ).

وقراءةُ القرآن نَظَرا أفضلُ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (أفْضَلُ أعمال اُمّتي قراءة القرآن نظر)(١٥٢) .

٦ - وتكثيرُ الصلاةِ على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

٧ - والسِواكُ(١٥٣) .

٨ - وشرب العَسَل(١٥٤) .

٩ - وأكل الكُنْدُر(١٥٥) مع السُكَر.

____________________

(١٥١) من الأحاديث التي أسندها الإمامُ علي الرضا عليه السلام عن آبائه : عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (ثلاثة يزدن في الحفظ، ويَذْهبن بالبلغَم: قرأة القرآن، والعَسَل، واللُبان). صحيفة الرضا عليه السلام، الحديث (١٢٧) ورواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام (٣٨٢) الحديث ١١١.

(١٥٢) رواه السيوطي في الجامع الصغير (٥١١) بلفظ: (أفضل عبادة أمّتي الحديث).

(١٥٣) لاحظ طبّ الإمام الكاظم عليه السلام (ص٥١) رقم (٩).

(١٥٤) في الحديث عن الإمام الكاظم عليه السلام: (من لعق لعقةَ عَسَلٍ على الريق: يقطع البلغم ويصفّي الذهن، ويجوّد الحفظ إذا كان مع اللُبانِ الذَكَرِ). لاحظ طبّ الإمام الكاظم عليه السلام (ص٢٨٩).

(١٥٥) الكُنْدُر: صَمْغُ شجرة شائكة ورقُها كالاَسِ، ويُسمَى البَسْتج، وسُمّي في الروايات ب-(اللُبان) انظر طبّ الإمام الكاظم عليه السلام (ص٣١٩). لاحظ الحديث المنقول عن صحيفة الرضا عليه السلام في الهامش (٢) والمنقول عن الإمام الكاظم عليه السلام في الهامش (٥) من هذه الفقرة.

١١٥

١٠ - وأكل إحْدى وعِشْرين زَبيبة حَمْرأ - كلّ يوم - على الرِيْق(١٥٦) يُورِثُ الحِفْظ، ويَشْفي كثيرا من الأمراض والأسقام(١٥٧) .

١١ - وكلّ ما يُقلّل البَلْغَمَ والرطوباتِ يزيدُ في الحِفظ(١٥٨) . وكلّ ما يزيدُ في البلغم يُورث النسيان(١٥٩) .

____________________

(١٥٦) الرِيْقُ: لُعاب الفَم، والمراد من قولهم (على الريق) قبل أنْ يأكُلَ شيئا بعد الإفاقة من النوم صباحا.

(١٥٧) في حديث الإمام عليّ الرضا عليه السلام مرفوعا إلى الإمام عليّ أمير المؤمنين انّه قال: (مَنْ أكَلَ إحدى وعشرين زبيبة حمرأ على الريق، لم يجد في جسده شيئا يكرهه). رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام (٤١٢) ح١٣٣، ونقله البيهقي في المحاسن والمساوي (ص٢٩٦) ضمن نصائح طبيّة عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

وفي ما اُسند عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام إلى عليّ عليه السلام، قال: (مَنْ يُصْبحْ بِواحدةٍ وعشرين زبيبة حمرأ لم يُصِبْه إلا مرض الموت). رواه ابن الأشعث في الجعفريات (ص٢٤٣).

(١٥٨) نقل السيّد صديق حسن خان القنّوجي الهندي، عن الحكمأ أنّ (الحفظ يستدعي مزيد يبوسة في الدماغ). راجع الحطّة (ص٤٧) وانظر تدوين السنّة الشريفة (ص٣٨٦).

(١٥٩) وراجع ما ذكره المؤلّف عن (البلغم) في هذا الكتاب مكرّرا.

وقد روى الخطيب بسنده عن إبراهيم بن المختار عن عبد الله بن جعفر، قال: جاء رجل إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فشكا إليه النسيان فقال عليه السلام: (عليك بألبان البقر، فإنّه يشجّع القلب ويذهب بالنسيان). في الجامع لأخلاق الراوي ( ٢ / ٣٩٥).

١١٦

[٥٧ - أسباب النِسْيان]

وأمّا ما يُورِثُ النِسْيانَ(١٦٠) :

١ - فالمَعاصي(١٦١) .

٢ - وكثرة الهموم والأحْزان في اُمور الدّنيا(١٦٢) .

____________________

(١٦٠) ذكروا الموجبات للنسيان في مواضع خاصة، ومنها: عند ذكر خواصّ الأغذية، وبعض الأعمال المكروهة شرعا، ولم نتصدّ كذلك لاستيعابها، وإنّما نعرِضُ في الهوامش ما وقفنا عليه عَرَضا.

(١٦١) أضاف في الخشاب ونسخة (أ) هنا كلمة (كثير).

وقد نظم الشافعي هذا المعنى شعرا، فقال:

شكَوْتُ إلى وكيعٍ سُوءَ حِفظي * فأومأ بي إلى ترك المعاصي

وقال بأنّ حِفْظَ الشيِء فضل * وفضل الله لا يُؤْتاه عاصِ

وفي الديوان:

وقال بأنَ حفظ الشيءِنُور * ونُورُ الله لا يُهدَى لعاصِ

نقله الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (٣٨٨٢) وهو في ديوان الشافعي (ص٥٤).

(١٦٢) من المناسب أنْ نورد ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (تفرَغوا من هموم الدُنيا ما استطعتُم، فإنّه مَنْ أقبل على الله عزّوجلّ بقلبه، جعل الله قلوب العباد منقادةً إليه بِالبرّ والرحمة، وكانَ إليه بكلّ خيرٍ أسرع). رواه في نزهة الناظر (ص٦).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (إطرحْ عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين). معجم ألفاظ غرر الحكم (ص١٢٣٧) مادة (همم).

١١٧

٣ - وكثرة الاشتغال والعلائق.

وقد ذكرنا(١٦٣) أنّه لا ينبغي للعاقل أنْ يهتمَ باُمور(١٦٤) الدنيا لأنّه يضرّ، ولا ينفعُ.

وهموم الدنيا لا تخلو عن الظُلمة في القلب، وهموم الاَخرة لا تخلو عن النور في القلب، وتحصيل العلوم ينفي الهمَ والحُزْنَ.

٤ - وأكل الكُزْبُرة(١٦٥) .

____________________

(١٦٣) لاحظ الفقرة.[٤١] ، وانظر: وكلمة (الدنيا) في فهرس المصطلحات

(١٦٤) كان في بعض النُسخ: (يهمّ لاُمور ...) وما أثبتناه الأصوب.

(١٦٥) أضاف في الزرنوجي: (... الرطبة).

وقد روى الصدوق مسندا إلى النبيّ ٦ أنّه قال: (تسعةُ أشيأ يُورِثْنَ النسيانَ:

١ - أكل التفاح الحامِض.

٢ - وأكل الكزبرة.

٣ - والجُبن.

٤ - وسُؤر الفارة.

٥ - وقرأة كتابة القُبور.

٦ - والمشيُ بين امْرَأتينِ.

٧ - وطرح القَمْلة.

٨ - والحجامة في النُقرة.

٩ - والبول في الماء الراكد).

رواه في الخصال (ص٤٢٣) الحديث (٢٣)، وفي كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه ( ٤/ ٣٦١ ) في حديث وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام. ورواه في الخصال (ص٤٢٢) الحديث (٢٢) موقوفا على أبي الحسن الكاظم ، فلاحظ طبّ الإمام الكاظم عليه السلام (ص٣٧٦).

وروى الكليني بسنده عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام قال: (أكل التُفّاح، والكزبرة، يورث النسيان). الكافي (٦٦ - ٣٦٧).

واقرأ عن الحفظ وأسبابه، وما يزيده: الجامع لأخلاق الراوي للخطيب (ج٢، ص٣٨٥ - ٣٩٨).

١١٨

٥ - والتفّاح الحامِض.

٦ - والنظر إلى المَصْلُوب.

٧ - وقراءة لَوْح القُبور.

٨ - والمُرُور بَيْنَ قطار الجمل.

٩ - وإلقاء القَمْل الحيّ على الأرض.

١٠ - والحِجامة على نُقْرَة القَفا(١٦٦) .

كل ذلك يُورِثُ النِسْيانَ.

____________________

(١٦٦) في كنوز الحقائق ( ١/ ١٢٠): (الحجامة في نقرة الرأس تورث النسيان) (عن الفردوس للديلمي). وانظر الهامش السابق الرقم (٨) في الحديث.

١١٩

الفصل الثاني عشر

في ما يجلب الرزقَ، وما يمنع الرزقَ وما يزيد في العُمُر، وما ينقص

ثمَ لابُدَ لطالب العلم من القُوْت(١٦٧) ومعرفة ما يزيد فيه، وما يزيدُ في العمر وينقص، والصحّة، ليكونَ فارِغَ البالِ(١٦٨) في طَلَب العلم.

وفي كلّ ذلكَ صَنّفوا كُتُبا(١٦٩) .

فأوردتُ البعضَ هاهنا على الاختصار:

____________________

(١٦٧) كذا في عدّة نسخ وفي (ف، ب، ع): القُوَة.

(١٦٨) كذا في بعض النسخ، وفي الباقي: (فراغ البال) وفي الزرنوجي: (ليتفرغ لطلب العلم) بدل (ليكون العلم).

(١٦٩) كذا في الزرنوجي، وفي أكثر النسخ: كتابا.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149