الدروع الواقية

الدروع الواقية18%

الدروع الواقية مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: دراسات
الصفحات: 317

الدروع الواقية
  • البداية
  • السابق
  • 317 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114953 / تحميل: 6610
الحجم الحجم الحجم
الدروع الواقية

الدروع الواقية

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم :

الحمد لله رب العالمين ، حمداً لا يبلغ مداه الحامدون ، ولا يدرك حده الحاسبون ، حمداً فوق كلِّ حمد ، وأكبر من كلِّ حمد ، تبارك وتعالى الله ربّ العالمين.

والصلاة على رسوله الامين ، ونبيّه المختار ، الحبيب المصطفى ، والرحمة المهداة ـ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى أهل بيته المعصومين ، سبل نجاة الأُمة ، وأنوار الحقِّ الذي لا يُستضاء الاّ بها ....

وبعد :

فربما يعتقد البعض بتصور يبتني على التوهم الباطل المحض ـ وكنتيجة منطقية لحالة التراخي الفكري والعقائدي الديني ، بل وكانعكاس حتمي لظاهرة الانبهار والتأثر غير العقلائي والمتأمل بالاطار المادي الذي يغلِّف العوالم المتحضرة ، وما تشهده من تراكم علمي متصاعد ـ انَّ حالة الانشداد النفسي والباطني نحو عقيدة الدعاء ـ المبتنية بشكل أساس على القواعد الروحية المؤمنة بوجود القوة القادرة المطلقة المتمثلة بالله تعالى ـ قد تعرّضت الى نوع من التراخي            والفتور ، بل والى عدم ثبات الكثير من الأُسس العقلائية المحفِّزة على

٥

التمسك بهذا الشكل من العبادة ، والمداومة عليه ، وذلك لان حالة الانشداد النفسي والروحي نحو الدعاء ـ حسب هذا التصور الباهت ـ تنبعث أساساً بل وبشكل مؤكد من حالة الخوف والتوجّس التي كانت تغلِّف حياة الانسان في تلك الحقب الغابرة مما يحيطه من المظاهر الغامضة التي كان لا يجد لها في حدود تفكيره البسيط تفسيراً معقولاً يطمئن اليه ، وتجد له نفسه الخائفة ما يلقي عليه انوعاً من الاطمئنان والاستقرار ، ينضاف الى ذلك ما كانت تشكّله حالة العجز المادي عن دفع الكثير من الآفات المختلفة سواء كانت العوارض الطبيعية أو الامراض الوبائية وغيرها ، كل ذلك كان يشكّل البعد الاوسع في تعلّق الانسان بالحالة الغيبية ، والايمان المطلق بقدرتها على حل هذه المعضلات ، فلذا تراه يتشبّث بالدعاء متوسلاً بالله تعالى صرف هذه الاخطار المتوهّمة ، أوالاحداث الغيبيّة ، أو حتى حالات المرض والعسر التي تصيبه فيعجز أمامها عن فعل شيء.

والحق يقال انَّ مثل هذه الاطروحات ـ والتي قد تجد لها في أذهان السذّج والمغرّرين مواطئ لاقدامها ، أو منافذ لسمومها ـ ترتكز على مبنيين أساسيين يشكّلان الحجرين الاساسيين لابتناء افكارهما ، وهما :

١ ـ رد الفعل المادي الحاد قبالة الانحراف الفكري والعقائدي للكنيسة.

٢ ـ الانبهار والتأثر الشديد بحالة التطور المادي والتقني الالحادي.

وهذان المبنيان يشكّلان المدخلين الواسعين اللذين أثَّرا بلا شك في صنع الاطروحة المذكورة البعيدة كلّ البعد عن أرض الواقع ، والعاجزة عن ادراك حقائق الامور المستهدف نقضها ، بل ومن دون أدنى تأمُّل في العقائد المترجمة لمفهوم الدعاء ، والمراد منه.

انَّ الاسلام كدين سماوي متكامل أرسله الله تعالى الى عموم البشرية ، كان يستهدف بشكل أساس صنع الانسان المؤمن القوي الذي يتكاتف مع

٦

غيره من المؤمنين الاشداء في بناء الحضارة الانسانيّة الراقية القائمة على العدل والمحبة والاخوة ، وانتشاله من وهدة الانحراف والفساد الاخلاقي ، في عالم راق سامٍ متكامل الابعاد والزوايا ، ولا يتأتى ذلك الا من خلال اعتماد جملة متسلسلة من البرامج العلمية التي تستهدف أول ما تستهدف بناء الانسان كانسان مؤمن متحضّر نزيه ، يكون بامكانه الاقدام على وضع اسس بناء تلك الحضارة التي هي بلا شك هدف كل الاطروحات العقائدية السماويّة ، بيد أنّ دأب طوابير الظُلمة وعلى طول التأريخ على الوقوف بوجه المصلحين والدعاة المخلصين ، ودفعهم قهراً للانشغال بغيرها ، حال دون تلك الأُمنية وتلك الرغبة العظيمة ، ولعله لا يخفى على من له أدنى اطلاع باشكال العقائد الاسلامية ـ ناهيك بمن سبر غورها وأدرك مضامينها ـ صدق ما ذكرناه ، وما أشرنا اليه اجمالاً.

والدعاء بما هو مفهومه التقليدي من ترجمة الصلة الموضوعيّة بين الخالق والمخلوق ، بين الغني والفقير ، بين الضعيف والقوي ، وتوسل الاول بالثاني ، وادراكه ـ أي الاول ـ بقدرة الثاني على كلّ شيءٍ ، وقوته المطلقة التيلا تحدها حدود ، فليجأ اليه متوسلاً بلطفه صرف كلّ ما يخشاه ، وتحقيق ما يتمناه ، دون الغاء الجد والاجتهاد في الوصول الى ما يبتغيه ، وتلك مسلّمة لا نقاش حولها ، فالعمل هو مقياس ثابت لترجمة الإيمان دون غيره ، هذا مع اقترانه بالنية الصادقة والمؤمنة ، نعم فانّ الإنسان المؤمن يدرك هذه الحقيقة دون لبس ودون شك ، ولم يرسل الله تعالى الى البشريّة ديناً يدعو الى التواكل والى الانزواء وما يقول بهذه الاّ الجهلة والسطحيين.

وأمّا ما يريد البعض إلصاقه قهراً بالعقائد السماويّة ، ومنها الشريعة الاسلامية الكاملة ، بدعوة أتباعها الى الانكفاء السلبي أمام ظواهر الحياة المختلفة ، والتواكل المقيت على القوة السماوية والتعلّق بقدرتها على حل هذه المعضلات ، وغير ذلك من التأويلات الغريبة عن العقائد العظيمة التي جاءت

٧

بها هذه الشرائع الالهية ، والتي تُوّجت بالدين الاسلامي الكبير ، فانه يُعد بحقٍ تجنّياً وتخرُّصاً بعيداً جداً عن أرض الواقع ، وربطاً غير عقلائي بالمظاهر المنحرفة التي أوجدتها حالات الانحراف الواضح عن أصل الشريعة ومبادئها وإن كانت تحاول الالتصاق بها.

إنّ أفضل ما يمكن لمحاولة بناء الفهم الصحيح لمنهج الدعاء وموضوعيته تكمن بشكل أساس في استقراء القواعد العقائدية التي ينطلق من خلالها الدعاء ، ويبتني على أرضيتها ، وأما الحكم من خلال المظاهر السلبية المنسوبة اليه قسراً ، أو من خلال القياس غير المشروع بجملة الاطروحات الغريبة التي جاءت بها الكنيسة وأتباعها ممن خرجوا بالديانة المسيحية وأفكارها عن مرتكزاتها السليمة والصحيحة جرياً وراء نزواتهم وغرائزهم الحيوانية النهمة ، فذلك من الاجحاف الظلم بمكان ، ولا أعتقد أن يقول به أي عاقل منصف ، ولعل هذا الاشتباه الكبير ما وقع فيه من حاول قسراً الربط بين هذين المظهرين المختلفين ـ جهلاً وعمداً ـ فطبّل له الالحاديون وزمَّروا.

إنّ الشريعة الاسلامية المقدسة جاءت وتحمل في طياتها دعوة البشرية الى العمل الصالح والبناء ، بل وأولت العاملين المخلصين والعلماء المتفوقين اهتماماً خاصاً ، وعناية متميّزة ، والقرآن الكريم بين ظهراني الأُمة لا يعسر على أحد التأمّل في آياته لادراك صدق ما ذكرناه ، وكذا هي السنّة النبويّة المطهرة وأحاديث أهل بيت العصمةعليهم‌السلام ، سهلة المنال ويسرة الاطلاع لمن أراد ذلك ، فليتأمل بها من أراد إدراك الحقيقة لا غير.

وإذا كنّا لا ننكر حقيقة كون البشرية في عصرنا الحاضر قد خطت ـ وبشكل مذهل ـ خطوات واسعة نحو عالم جديد يرسم العلم الكثير من أبعاده وأشكاله ، بل ويتدخل حتى في أدق دقائقه ، وحيث توضحت أمام ناظري الانسان الكثير من خفيات الأُمور ، ومنها ما كان يتوجَّس خيفة منه ، وينسب اليه الكثير من الخرافات والاوهام ، الاّ هذا الانقلاب الهائل في

٨

إدراك هذه الحقائق لا يلزم الذهاب الى تأويل عزوف لجوء الانسان الى القوة الاعظم في الكون لدفع مخاوفة وصرف الاخطار عنه ، بل إنّ العلم الحديث جاء ليؤكد وبشكل قاطع ـ أكثر مما سبق ـ أنّ هنالك قوة قادرة مدبّرة مبدعة تتحكّم بكل مقدّرات الكون ، وأنّ كل ما يمكن أن يٌقال بأنّ الانسان لايملك امامها إلاّ الاقرار بعجزه وضعفه رغم ما بلغه من درجات عالية من الرقي والتحضُّر.

كما انّ العلم الحديث قد أكّد عجز كلّ النظريات الحديثة عن فهم ماهية الانسان وحالاته المتشابكة ، وحيث اخطأ مريدوها عندما دفعوا الانسان جهلاً وعمداً الى التوكل على القوى المادية دون القوة الإلهية العظيمة ، فضاع الانسان بين عقده النفسية والروحية التي لا تُعد ولا تُحصى ، وبين التفسيرات الخاطئة التي لا تزيده الاّ خبالاً وتعقيداً ، واليك العالم المادي ، وهو مركز التطور العلمي والتقني ، وما يشهده من انحرافات خطيرة ، وعقد شائكة ، وفراغ روحي ، وخوف مبطّن من المجهول ، وأسئلة كثيرة ومتكررة تبحث لها عن جواب دون جدوى ، ودون فائدة ، فلا يجد المرء وليجة ينفذ من خلالها لحل مشكلته الراهنة الاّ اللجوء الى المخدرات والاسفاف والاغراق في مظاهر الانحراف والتفسُّخ ، فلا تزيده الا تعثراً وتخبطاً ، فلا يُعدُ في تصوّره من منجى الاّ الموت ، ولا وسيلة اليه الاّ الانتحار ، وأي مراجعة الى التقارير الرسمية والموثقة تبيّن بصدق هذه الحقيقة الرهيبة.

إنَّ الله تعالى خالق الانسان وبارئه هو خير كل من يعلم بما يُسعد هذا الانسان وما يوصله الى بر الامان الذي فُطر هذا المخلوق على طلبه والبحث عنه ، وهذا الحقيقة تتبين بوضوح من خلال المطالعة الواعية لاُسس النظام الاسلامي العظيم الذي جاء به رسول الرحمة محمَّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قبل أكثر من خمسة عشر قرناً من الزمان ، وما أخذ أهل بيته الأئمة المعصومينعليهم‌السلام على عاتقهم من تركيز هذه الاسس والدفاع عنها.

٩

ولذا تجد انَّ الشريعة المقدسة تلزم هذا المخلوق على الاتصال الدائب بخالقه من خلال الدعاء ، لما يشكّله من تربية روحية ونفسية فُطر الانسان عليها كما أراد ذلك خالقه جلَّ اسمه ، وحيث يجد ـ وتلك لذة حُرم منها من لا يُؤمن بها ـ الكثير من الأمان والاستقرار النفسي لتوافق ذلك المنحى مع ما فُطرعليه. ولادراكه الواعي والمبطَّن بقدرة خالقه على علم كلِّ شيءٍ وعلى فعل كلِّ شيء ، وذلك ما تعجز عنه قطعا كلُّ القوى الأخرى المخلوقة والناقصة ، فما تاتي به الساعات المقبلة ، والايام القادمة ، وما سيحل وما سيقع ، كلّ تلك اُمور غيبية لا يمكن لاحد الجزم بها الا تخرصاً محضاً ، وذلك ما هو في علم الله تعالى دون غيره ، فلا غرو ان يلجأ المؤمن اليه لادراكه ذلك ، ولادراكه بقدرته تعالى على فعل كلِّ شيء ، ومنها صرف هذه المحاذير.

واذا كان الطرف الاخر من الدعاء يتمثَّل في الرغبة وطلب الاستزادة ، فانَّ هذا الشكل المنبعث من الخوف ألازلي من المجهول يُعد بلا شك الحلقة الأشد والأكثر وضوحاً في بناء الدعاء ، الذي ـ ولو أنَّ حالة الخوف الكبرى الشاخصة أمام الجميع وهي مسألة الحساب والمساءلة تشكِّل الحلقة الأكبر التي يتغافل عنها قصداً الكثيرون ـ يوضحه الخط البياني المتصاعد ، والمرتبط بصورة جلية بحالة عدم الاستقرار والسكون في حياة الانسان.

ولذا فقد أوجدت هذه الحالة الحياتية المستمرة في حياة الإنسان التصاقاً متفاوتاً ـ وتبعاً لشدة القلق والتحسس ـ باشكال متعددة من الأدعية والأوراد اليوميّة ، ذات الأشكال المتفقة احياناً والمختلفة في احيان اُخر. والاستقراء المتأني لمجمل ما كُتب وما قيل من أصناف الأدعية المتصلة بهذا الجانب الحساس توضح عمق الاثر النفسي للدعاء وشدة تعلُّق المؤمن به ، وكذا تبين للمستقرئ حرص أئمة أهل البيتعليهم‌السلام على تربية المسلمين روحيا وبصورة دقيقة على التعلق بالله تعالى والتوسل به كقوة قادرة وعالمة ورحيمة.

١٠

ولعلَّ علماء الطائفة رحمهم الله وطوال الحقب الماضية قد استطاعوا بناء مدرسة خاصة بهم تنهج هذا المنهج السوي ، وخلَّفوا أسفاراً مباركة تتزود منه الاجيال اللاحقة بهم ، وتجد بها خير زاد تتقوى به على مواصلة الطريق المؤدي الى مرضاة الله تعالى.

والكتاب الماثل بين يدي القارئ الكريم ثمرة يانعة من تلك الثمار الطيبة ، ومن تلك الشجرة المباركة الزيتونة التي تُؤتي الخير لمن يطلب الخير ، وتهب الحياة لمن يبتغي الحياة ....

حول كتاب الدروع الواقية :

لا مناص من الجزم بان ما يتميِّز به مؤلف الكتاب; من جملة غنيّة من الصفات الحميدة ، والقدرات العالية ، والمنزلة الرفيعة في الكثير من العلوم المختلفة ، وحرصه الشديد على الاستزادة من شتى المعارف الاسلامية الغنيّة ، هي بلا شك تشكِّل المحور الاساس الذي مكَّن هذا المؤلف من أغناء المكتبة الاسلامية بالعديد من المؤلفات القيِّمة التي بلغت العشرات عدا ما لم ينله الجرد ولا الحصر.

والدعاء في مكتبة السيد ابن طاووس; له مكانة متميِّزة ، حيث أولاه اهتماماً خاصاً ، فأبدع يراعه في اخراج جملة رائعة من كتب الدعاء الشهيرة والغنية عن التعريف ، والتي يُعد كتابنا ـ الماثل بين يدي القارئ الكريم ـ ، انموذجاً رفيعاً منها.

وهذا الكتاب الذي ضمّنه مؤلفه; بجملة واسعة من الآداب الاسلامية المختلفة ، والأدعية والأحراز المختصة بأيام الشهر مرتبة ضمن جملة من الفصول المختصة ، أراد منه ان يكون من تتمات كتاب ( مصباح المتهجد ) لشيخ الطائفة الطوسي; تعالى ( ت ٤٦٠ ه‍ ) ، الواقعة في عشرة أجزاء ، حيث اسماها رحمه الله ب‍ ( المهمات والتتمات ) ، والتي منها :

١١

كتاب ( اقبال الاعمال ) المختص بأعمال السنة.

كتاب ( الدروع الواقية ) في أعمال الشهر.

كتاب ( جمال الاسبوع ) في أعمال أيام الاسبوع.

كتاب ( فلاح السائل ) في أعمال اليوم والليلة.

ولعل التأمل البسيط في مجمل فصول هذا الكتاب المهم والسِفر القيّم يكشف عن القدرة الرائعة لمؤلفه; في انتقاء الدرر المبعثرة في تراث الدعاء الخالد لمدرسة أهل البيتعليهم‌السلام وتنضيده في عقد جميل براق قل أن يكون له نظير ، فلا غرو ان يحضى بهذه المنزلة الكبيرة والاهتمام الجدي من قِبل العلماء والباحثين ، وعموم المؤمنين.

هذا يشكِّل الجانب الاول الذي يمكن للقارئ أن يستقرأه من خلال مطالعته المتعجلة لهذا الكتاب ، وأما الملاحظة الأُخرى والتي يمكن لنا استشفافها من خلال هذا الاستقراء ، فهي القدرة الرائعة للمؤلف; على تطويع العبارات الادبية المختلفة ـ التي يزدان بها كتابه ـ على خدمة المبنى الخاص الذي انتحاه في تأليفه لهذا الكتاب ، والحق يقال ان المرء لا يسعه إلا الاقرار بهذه الملكة الرائعة ، والتي تظهر بوضوح من خلال الصفحات الاولى لكتابه والتي هي المقدمة الخاصة به ، ويبدو إنَّ هذا الاعجاب لا ينحصر بنا بل يتعدانا الى الشيخ الكفعمي صاحب كتاب البلد الامين ومهج الدعوات حيث أورد وعند تأليفه لما اسماه بملحقات الدروع الواقية ( اي كتابنا هذا ) عين مقدمة السيد; ، أو لعل النساخ قد أوردوها جهلاً أو عمداً في مقدمة هذه الملحقات.

واذا كان لهذا الامر من الحسن الشيء الكثير إلا أنّه قد أوقع الاخرين بالخلط بين الاثنين ، وعدم التمييز بينهما ، طالما أنَّ الكتاب لا زال حتى شروعنا في تحقيق هذا الكتاب رهين المخطوطات المتفرّقة والمبعثرة في المكتبات العامة

١٢

والخاصة ، وهذا مما لا يُمَكِّن بيسر التأمل بجميع جوانب الكتاب وقراءته تفصيلياً ، ينضاف الى ذلك شدة التشابه الكبير في فصوله المذكورة ، فكان أنْ حصل نتيجة ذلك خلط بين النسختين ، بين كتاب الدروع الواقية للسيد ابن طاووس ، وبين ملحقات الدروع الواقية للشيخ الكفعمي رحمهما الله برحمته الواسعة.

ويبدو ان ما وقع بين يدي العلامة المجلسي; هو النسخة الثانية المختصرة ، أو ما يسمى بملحقات الدروع الواقية للشيخ الكفعمي ، حيث يظهر ذلك بوضوح من خلال التأمّل في نقولاته عن الكتاب في بحاره ، كما اخطأ الكثير من النساخ عند اثباتهم لاسم الدروع على ملحقاته ، وهذا ما أوقعنا فيأول الامر في حيرة أمام نسختين متفاوتتين في الحجم بشكل بيِّن ، وباختلاف لا يمكن الاعراض عنه في متنيهما ، الا ان هذه الحيرة لم تثبِّط من جدنا في محاولتنا لتحقيق هذا الكتاب النفيس حيث تبيَّن لنا بعد البحث عن حقيقة هذا التفاوت انّا أمام كتابين مختلفين وإن كانا ينبعثان من أصل واحد ، وهذه النتيجة الحاسمة تشكَّلت لدينا نتيجة جملة قاطعة من الأدلة الواقعية.

فلّما كان لدينا تصور واضح حول وجود نسخة خطية لكتاب أنجز تأليفه الشيخ ابراهيم بن علي العاملي الكفعمي; ليكون مكمّلاً وملحقاً ، او حتى مختصراً ـ كما يبدو لمن يتأمّله ـ مع بعض الاختلاف اليسير في عباراته ، فان هذه الملاحظة المهمة كان معضدة لما تحققنا منه عند مطالعتنا للنسخة الثانية ـ الصغيرة الحجم والتي أُثبت عليها اسم الدروع الواقية اشتباها ـ باكملها دون اهمال سطر منها ، وهو ما اكد صحة وجود هذين الكتابين تحت اسم واحد رغم أختلاف مؤلفيهما والتفاوت البيّن بين متنيهما.

حقاً ان هناك تشابهاً كبيراً بين النسختين بشكل قد يُخدع به الكثيرون ، كما في مقدمتيهما وترتيب فصوليهما ومحتوييهما وغير ذلك من الموارد المتعددة ، الا ان

١٣

هناك وفي نسخة الكفعمي ( اي الملحقات ) العديد من الادلة القطعية الدالة على عدم وحدتهما ، واليك عزيزي القارئ بعض هذه الموارد :

١ ـ في الفصل الرابع عشر منه ذكر ما نصه : قال المحتاج الى بارئ الخليقة من نطفة امشاج ، أكثر الناس زللاً ، وأقلهم عملاً ، الكفعمي مولداً ، اللويزي محتداً ، الجبعي أباً ، التقي لقباً ، الامامي مذهباً ، ابراهيم بن علي بن حسن بن محمد بن صالح اصلح الله شأنه ، وصانه عما شانه : لما وصلت في رقم فصول الشهر الى الفصل الرابع عشر لم اجد فيه كمال النصف مع ان المصنف طاب ثراه ذكره في ديباجته ، وأناره في مشكاة زجاجه ......

٢ ـ وفي الفصل السادس عشر منه قال ما نصه : وإعلم ان السيد ابو القاسم علي بن موسى بن جعفر الطاووس مصنف هذا الكتاب سهى قلمه عن فضل سورة يونسعليه‌السلام ، ولم يرد له فضلاً مفرداً كما فعل في سورة الاعراف وفي سورة الانفال ايضاً ، بل تعداها وذكر سورة النحل وفضل قراءتها في كل شهر ، ونحن نذكر ما اهمله; من فضل سورة يونسعليه‌السلام .

٣ ـ وبعد ايراده لليوم الثلاثين من الشهر والدعاء فيه قال ما نصه : قال كاتب هذا الكتاب ابراهيم بن علي الخثعمي الكفعمي وفقه الله لمرضاته وجعل يومه خيراً من ماضيه : لما وصل المصنف السيد ابو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد الطاووس قدس الله روحه في كتابه الى هذا المكان اشار الى رواية مروية عن مولانا الهاديعليه‌السلام ، وان فيها ادعية اذا دعا بها الداعي صرف الله عنه نحوس الايام المحذورة ، ولم يذكرها طاب ثراه في كتابه ليهجم بالطالب على الطلب عفوا من غير ما تعب .

كما اننا ومن خلال مطابقة هذه النسخة والتي اسميت كأخواتها ـ اشتباهاً بالدروع الواقية مع نقولات البحار وجدنا اتفاقاً كاملاً بينهما واختلافاً مع

١٤

نسخه الدروع الاصلية.

ومما يعضد نسختنا ايضاً ـ بعد ان سقط الاعتماد على النسخة السابقة لما ذكرناه سابقاً من انها تخص كتاب الملحقات للشيخ الكفعمي; ـ نقولات الشيخ الحر العاملي; منها في الموارد التي اعتمدها عن كتاب الدروع ، مضافاً الى ما اورده النوري; في الفائدة الثالثة من خاتمة المستدرك من ايراده لنص فقرة وردت في كتاب الدروع قائلاً : قال السيد علي ابن طاووس في آخر الدروع الواقية : وهذا جعفر بن احمد عظيم عظيم الشأن من الاعيان ، ذكر الكراجكي في كتاب الفهرست ان صنف مائتين وعشرين كتاباً بقم والري الخ.

كما يؤيد ذلك ايضاً ما علم من تصنيف الشيخ الكفعمي لما اسمي بملحقات الدروع الواقية ، وعدم الخلاف في صحة ذلك .

مؤلف الكتاب :

لعله مما يزدان به تأريخ مدينة الحلة الجميلة الواقعة في وسط العراق ، ـ وحيث ترتكز في اعماق جذورها اقدم الحضارات البشريّة واعرقها ـ بروز الكثير من رجالات الطائفة الأفذاذ واعلامها ، امثال : المحقق الحلّي ، والعلامة الحلّي ، والشيخ ابن ادريس ، وآل نما ، وآل طاووس ، وغيرهم ، وحيث قامت على ارضها الطيّبة مدرسة فقهيّة خاصة بها اقر بمكانتها الجميع ، واعترفوا بفضلها ، وعلو منزلتها التي ضاهت في بعض الأحيان مدرسة النجف العلميّة ، فتخرج منهاجملة كبيرة من الأعلام الكبار اغنوا المكتبة الاسلامية بالكثير من المؤلفات القيّمة والمهمة التي امست بحق وحتى يومنا هذا مناهج دراسية تدور عليها رحى البحث والمناقشة في جميع الحوزات العلميّة ، وتلك منزلة قل نظيرها.

بلى في هذه المدينة الطيّبة ولد مؤلف كتابنا ، السيد علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن احمد ـ وهو الطاووس ـ بن اسحاق بن الحسن بن محمد بن

١٥

سليمان بن داود بن الحسن المثنى السبط ابن مولانا امير المؤمنين علي بن ابي طالبعليه‌السلام ، وبالتحديد قبل ظهر يوم الخميس منتصف شهر محرم الحرام سنة ٥٨٩ ه‍.

نشأ رحمه الله في بيت عريق يفوح عطر العلم الالهي من جنباته ، ويؤمّه المسلمون للتزود من بركاته ، فأخذ العلم في باكورة حياته عن جده ورّام وابيه رحمهما الله ، حيث تعلم الخط والعربية ، وقرأ علوم الشريعة المحمديّة المباركة ، ودرس الفقه ، فتفوق على أقرانه ، وبزهم بذكائه الملفت للانتباه.

هاجر الى بغداد في حدود سنة ٦٢٥ ه‍ ، وبقي فيها نحواً من خمس عشرة سنة ، ثم عاد الى مدينته في أواخر عهد المستنصر المتوفى سنة ٦٤٠ ه‍. استطاع السيد ابن طاووس; في بغداد ـ وكنتيجة طبيعية لما يتميز به من منزلة علمية عالية ـ أن يفرض له وجوداً قوياً ومكانةً مرموقةً دفعت بالكثيرين الى الاعتراف بها والاقرار بحقيقتها ، بل وأرغمت الخلافة الرسمية الى التودد اليها ، ومحاولة الاسترشاد بقدرتها ، مما أدى بالتالي الى نشوء علاقة قوية ومتينة بين الخليفة العباسي آنذاك وهو المستنصر وبين السيد; ، مما مكن الأخير من التوسط لحل الكثير من مشاكل عوام الناس ، ودفع الضرر عنهم ، وتوفير لقمة العيش لهم.

ولقد كان بلغ حب الخليفة العباسي للسيد; حداً دفعه الى مفاتحته صراحة في مسألة تسليم الوزارة له ، بعد محاولاته السابقة بتسليمه نصب الافتاء ونقابة الطالبيين ، وحيث كان رد السيد الرفض القاطع لتسلمهذا المنصب الحساس والمهم ، لاسباب موضوعية ذكرها هو للمستنصر ، حيث قال له : أن كان المراد بوزارتي على عادة الوزراء يمشون امورهم بكل مذهب وكل سبب ، سواء كان ذلك موافقاً لرضا الله جل جلاله ورضا سيد الانبياء والمرسلين أو مخالفاً لهما في الآراء ، فانك من ادخلته في الوزارة بهذه القاعدة قام

١٦

بما جرت عليه العوائد الفاسدة ، وأن اردت العمل في ذلك بكتاب الله جل جلاله وسنة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا أمر لا يحتمله من في دارك ولا مماليكك ولا خدمك ولا حشمك ولا ملوك الاطراف ، ويقال لك اذا سلكت سبيل العدل والانصاف والزهد : أن هذا علي بن طاووس علوي حسني ما أراد بهذه الأُمور الا ان يعرف أهل الدهور أن الخلافة لو كانت اليهم كانوا على هذه القاعدة من السيرة ، وان في ذلك رداً على الخلفاء من سلفك وطعناً عليهم.

وهكذا يبدو بوضوح لا يقبل الخفاء عظم المنزلة التي يتمتع بها السيد; ، وأثر التربية العالية ، والنشأة الطاهرة له.

ولا غرو في ذلك ، فلا يخفى على أحد عمق الاثر التربوي الذي يخلفه الانحدار الأُسري الطيب ، اذا اقترن بالجد والاجتهاد لا بالتواكل والاسترزاق كدأب البعض ، حيث يكون هذا الانحدار المشرف حافزاً قوياً للانطلاق أكثر نحو افاق الشرف والعز.

فعائلة آل طاووس تعد من الأُسر الجليلة العريقة التي حازت على الكثير من أوسمة الفخر والشرف والعلياء ، وتعد من بيوتات الحلة التي كان لها الفضل الكبير في رفد حركة النهضة العلميّة التي شهدتها هذه المدينة وخصوصاً بعد انحسار الهجوم المغولي الذي أدى الى سقوط مدينة بغداد مركز الخلافة الاسلامية وحاضرة العالم الاسلامي الكبرى ، وما ترتب على ذلك من مجازر رهيبة أستباح فيها المغول كل شيء ولم يراعوا حرمة شيء ، وحيث كان نصيب المراكز العلميّة والفكرّية ـ التي كانت قبلة لجميع طلبة العلم في اصقاع المعمورة ـ الثقل الاكبر ، والنصيب الاوفر ، بل ويكفي أن نورد ما ذكره بعض المؤرخين عن ذلك ، حيث قال : تراكمت الكتب التي ألقاها التتار في نهر دجلة حتى صارت معبراً يعبر عليه الناس والدواب واسودت مياه دجلة بما القي فيها من الكتب !!!

١٧

والحق يقال ان عظم هذه المأساة الكبرى التي خلفها اكتساح المغول المتوحشين لحواظر العالم الاسلامي وخصوصاً بغداد كان اكبر من أن يوصف أو أن يتصور ، وما كان الحال الذي آلت اليه الدولة الاسلامية العظيمة التي بلغت دعوتها أقاصي المعمورة ، وداست سنابك خيولها المباركة الأبعاد النائية ، إلاّ نتيجة منطقية لحالة التفسخ والانحراف الذي أصاب مركز الخلافة الاسلامية ، وتشجيع الدولة لمظاهر التفرقة الطائفيّة ، واطلاقها لايدي المماليك في شؤون الدولة يعيثون فيها فساداً وتخريباً.

ومن هنا فقد كانت المعادلة غيرمتوازنة بين القوتين المتصارعتين ، بين المغول الاشداد المتمرسين على القتال والكثيري العدّة والعدد ، وبين الخلافة المهزوزة والمنشغلة بفتنها ولهوها وابتعاد عموم المسلمين عنها وعدم ايمانهم بشرعيتها.

اذن لقد كانت النتيجة محسومة سلفاً ، بيد ان هذا الامر لم يكن ليدركه أو ليقدره المستعصم القصير النظر ، والمتأثر الى حد كبير بما يمليه عليه افراد حاشيته ومستشاريه من المماليك والجهلة ، ممن لا يصيخون للحق سمعاً ، ولا للعقل انصاتاً.

ولقد كانت الصورة واضحة بينة امام ناظري رجالات الشيعة ووجوهها ، وكانوا يدركون فداحة الخطب الذي ستؤول اليه الامور بعد سقوط مركز الحكم الاسلامي في بغداد ، فقدموا النصح المخلص المتوالي للخليفة ورجاله ممن يمتلكون ظلماً ناصية الدولة الاسلامية ، فأولوا من قبل الدولة ورجالها آذاناً صماء وإعراضاً متعمداً ، كانت نتيجته ما كان مما حدثنا به التأريخ بشكل واسع ومفصّل.

ولما ادرك علماء الشيعة اصرار الخليفة العباسي على موقفه الجاهل وغير المتبصر ، وما عاينوه من الاهوال الكبيرة التي احاطت بالعاصمة الاسلامية

١٨

والخراب الذي اخذ يضرب بأطنابه في اطراف الدولة ادركوا بان الامر ـ اذا تم التأمل فيه ـ كان يستدعي المبادرة الى انقاذ ما يمكن انقاذه من الدمار والخراب الحتمي ، ورفع السيف عن رقاب المسلمين ، ودفع الانتهاك عن اعراضهم ، وكان لا بد لمدينة الحلة ان تبادر فوراً الى اتخاذ ذلك الموقف السليم ، لما كانت تعج به آنذاك من كبار رجالات الشيعة وعلمائهم امثال : المحقق الحلّي ، والسيد ابن طاووس ، والامام سديد الدين يوسف بن علي والد العلامة الحلّي وغيرهم ، وحيث اتفقوا على الكتابة الى هولاكو كتاباً يطلبون فيه الأمان لمدينة الحلة وما يحيطها ، في محاولة اخيرة منهم لايقاف نزيف الدم الكبير الذي صبغ ارض الدولة الاسلامية نتيجة جهل الخلافة في بغداد ، والعمل على صرف توجه المغول لاجتياح باقي مدن العراق ، التي هي بلا شك عاجزة امامهم عن فعلاي شيء.

وبالفعل فقد تشكلت عدة وفود لمقابلة هولاكو والتباحث معه حول السلام وحول ايقاف المجازر المهولة التي حلت بالمسلمين ، كان آخرها ـ وهواعظمها ـ برئاسة السيد ابن طاووس; ، وحيث افلح هذا التدبير في ايقاف الهجوم المغولي ، وانقاذ ما امكن انقاذه من الانفس والاعراض والاموال.

ولما استقرت الأُمور بعد انحسار المد المغولي الهائج تفرغ السيد ابن طاووس; الى البحث والتأليف والتدريس ، حتى ولي في عام ٦٦١ ه‍ نقابة الطالبيين التي استمر بها حتى وفاته في صباح اليوم الخامس من شهر ذي القعدة عام ٦٦٤ ه‍ ، وحيث حمل جثمانه الطاهر الى مشهد جده أمير المؤمنين علي بن ابي طالبعليه‌السلام في النجف الاشرف على أصح الاقوال(١) ،

__________________

(١) في تحديد قبر السيّد ابن طاووس بعض الاختلاف والتفاوت ، فقد ذهب الشيخ البحراني في لؤلؤة البحرين ( ٢٤١ ) الى أن قبره غير معروف الآن.

وذكر المحدّث النوري في خاتمة المستدرك ( ٣ : ٤٧٢ ) : ان في الحلة في خارج المدينة قبة عالية

١٩

وحيث يؤكده ما رواه هو عن ذلك في كتابه الموسوم بفلاح السائل ، حيث يقول :

وقد كنت مضيت بنفسي وأشرت الى من حفر لي قبراً كما اخترته في جوار جدي ومولاي علي بن ابي طالبعليه‌السلام متضيفاً ومستجيراً ووافداً وسائلاً وآملاً ، متوسلاً بكل ما يتوسل به احد من الخلائق اليه ، وجعلته تحت قَدَمَي والديَّ رضوان الله عليهما ، لاني وجدت الله جل جلاله يأمرني بخفض الجناح لهما ويوصيني بالاحسان اليهما ، فأردت أن يكون رأسي مهما بقيت في القبور تحت قدميهما.

كما ان صاحب الحوادث الجامعة ـ المعاصر لتلك الفترة ـ يذكر في حوادث سنة ٦٦٤ ه‍ ما نصه :

وفيه توفي السيد النقيب الطاهر رضي الدين علي بن طاووس وحمل الى مشهد جده علي بن ابي طالبعليه‌السلام ....

ما قيل عنه رحمه الله تعالى :

١ ـ قال العلامة الحلّي عنه : السيد السند رضي الدين علي بن موسى بن طاووس كان من اعبد من رأيناه من أهل زمانه.

وقال في اجازته لبني زهرة : ومن ذلك جميع ما صنفه السيدان الكبيران السعيدان رضي الدين علي وجمال الدين احمد ابنا موسى بن طاووس الحسنيان

__________________

في بستان نسب اليه ويزار قبره ويتبرك فيها ...

وقال السيّد محمد صادق بحر العلوم تعليقاً على عبارة الشيخ البحراني المتقدمة : في الحلة اليوم مزار معروف بمقربة من بناية سجن الحلة المركزي الحالي ، يعرف عند اهالي الحلة بقبر رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس ، يزوره الناس ويتبركون به ....

واما السيّد حسن الكاظمي فقد ذكر في خاتمة كتاب الموسوم بتحية اهل القبور بما هو مأثور : واعجب من ذلك خفاء قبر السيد جمال الدين علي بن طاووس صاحب الاقبال والذي يعرف بالحلة بقبر السيد علي بن طاووس في البستان هو قبر ابنه السيد علي بن السيد علي المذكور ، فانه يشترك معه في الاسم واللقب.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

أبي طالب، حدثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليرضي‌الله‌عنه ، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:

سألت [ الله ] - يا علي - فيك خمساً، فمنعني واحدةً وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك أُمّتي فأبى عليَّ. وأعطاني فيك: أنّ أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، [ معك ] لواء الحمد، وأنت تحمله بين يديّ، تسبق [ به ] الأوّلين والآخرين. وأعطاني أنّك أخي في الدّنيا والآخرة. وأعطاني أن بيتي مقابل بيتك في الجنّة. وأعطاني أنّك وليّ المؤمنين بعدي »(١) .

أقول:

وإنّ هذا الحديث الشريف يهتك أستار التضليل والتخديع، ويكشف أسرار التزويق والتلميع، فهو من خير الأدلّة على بطلان تأويل حديث الولاية، وحمله على معنىً غير معنى ( المتصرّف في الأمر )، وسقوطه من أصله وقمعه من جذوره

إنّ هذا الحديث يدل دلالةً وأضحةً على أنّ المراد من جملة ( ولي المؤمنين بعدي ) معنىً جليل ومقام عظيم، لأنّ المنازل التي ذكرها النبي صلّى الله عليه وسلّم له قبل هذه الجملة يستوجب كلّ واحدةٍ منها على اليقين أفضليتهعليه‌السلام من جميع الخلائق من الأوّلين والآخرين، لأنّ مفادها مساواتهعليه‌السلام للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم - الذي لا شك في أفضليّته من الخلائق أجمعين - في مراتبه ومنازله كلّها.

__________________

(١). التدوين بذكر أهل العلم بقزوين ٢ / ١٢٦.

٣٠١

فكما أنّ تلك المنازل والمراتب للنبي صلّى الله عليه وسلّم جعلته خير الخلائق وأشرف المرسلين كذلك يكون عليعليه‌السلام - المساوي له فيها - أفضل الخلائق أجمعين من الأنبياء والمرسلين وسائر الناس، فلذا قال بعد أن ذكرها: « وأعطاني أنّك وليُّ المؤمنين بعدي » ليشير إلى أن تلك المنازل توجب أنْ يكون هو ( المتصرّف ) في أُمور المؤمنين بعده صلّى الله عليه وسلّم، وهذا ليس إلّا ( الإمامة والخلاقة ).

ترجمة الرّافعي

ولا بأس بذكر ترجمة الرافعي الرّاوي لهذا الحديث عن بعض المصادر المعتبرة:

١ - الذهبي: الامام الرافعي أبو القاسم عبدالكريم بن محمّد بن عبدالكريم بن الفضل القزويني الشافعي، صاحب الشرح الكبير، إليه انتهت معرفة المذهب ودقائقه، وكان مع براعته في العلم صالحاً زاهداً ذا أحوالٍ وكراماتٍ ونسكٍ وتواضع. توفي في حدود آخر السنة.رحمه‌الله »(١) .

٢ - ابن الوردي: « وفيها مات إمام الدين عبدالكريم بن محمّد بن عبدالكريم الرافعي القزويني، مصنّف الشّرح الكبير والصّغير على الوجيز والمحرر، ومصنّف التذنيب على الشرحين. وكان مع براعته في العلوم صالحاً زاهداً ذا أحوالٍ وكرامات. وعلى شرحه الكبير اليوم إعتماد المفتين والحكّام في الدنيا »(٢) .

__________________

(١). العبر ٣ / ١٩٠ حوا دث ٦٢٣

(٢). تتمة المختصر في أخبار البشر - حوادث ٦٢٣.

٣٠٢

٣ - اليافعي: « وفيها توفي الإمام الكبير العلّامة البارع الشهير، الجامع بين العلوم والأعمال الصالحات، والزهد والعبادات، والتّصانيف المفيدات النفيسات، أبو القاسم عبدالكريم بن محمّد بن عبدالكريم القزويني الشافعي، صاحب الشرح الكبير المشتمل على معرفة المذهب ودقائقه الغامضات، الجامع الفائق على التصانيف السابقات واللّاحقات. ومن كراماته: أنّه أضاءت له شجرة في بيته لـمّا انطفى السراج الذي يستضيء به عند كتبه بعض مصنفاته »(١) .

٤ - الأسنوي: « أبو القاسم إمام الدين عبدالكريم بن محمّد القزويني، صاحب الشرح الوجيز الذي لم يصنّف في المذهب مثله. تفقّه على والده وعلى غيره.

وكان إماماً في الفقه والتفسير والحديث والاُصول وغيرها، طاهر اللّسان في تصنيفه، كثير الأدب، شديد الإحتراز في المنقولات، ولا يطلق نقلاً عن أحدٍ غالباً إلّا إذا رآه في كلامه، وإنْ لم يقف عليه فيه عبّر بقوله: وعن فلانٍ كذا، شديد الإحتراز أيضاً في مراتب الترجيح »(٢) .

وتوجد ترجمته أيضاً في:

سير أعلام النبلاء ٢٢ / ٢٥٢

فوات الوفيات ٢ / ٧

طبقات الشافعية للسبكي ٨ / ٢٨١

تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢٦٤

__________________

(١). مرآة الجنان ٤ / ٥٦.

(٢). طبقات الشافعية: ١ / ٢٨١.

٣٠٣

النجوم الزاهرة ٦ / ٢٦٦

شذرات الذهب ٥ / ١٠٨

(١٦)

« الأولياء » في تفسير أهل البيت بمعنى « الأئمّة »

جاء ذلك في خطبةٍ للإمام الحسن السّبطعليه‌السلام ، رواها الأئمة الطاهرون من أهل البيت، وأوردها العلّامة القندوزي، قال:

« وفي التفسير المنسوب إلى الأئمّة من أهل البيت الطيّبين - رضي الله عنهم - عن جعفر الصادق، عن أبيه، عن جدّه: إن الحسن ابن أمير المؤمنين علي - سلام الله عليهم - خطب على المنبر وقال:

إنّ الله عزّ وجلّ - بمنّه ورحمته – لـمّا فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجةٍ منه إليه، بل رحمةً منه، لا إله إلّا هو، ليميز الخبيث من الطيّب، وليبلي ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم، ولتتسابقوا إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنّته، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية لنا أهل البيت، وجعلها لكم باباً لتفتحوا به أبواب الفرائض، ومفتاحاً إلى سبيله، ولولا محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - وأوصياؤه لكنتم حيارى، لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل تدخلون داراً إلّامن بابها؟

فلمّا منَّ الله عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّكم - صلّى الله عليه وسلّم - قال:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ

٣٠٤

دِيناً ) . ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً، وأمركم بأدائها إليهم، ليحلّ ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم، ويعرّفكم بذلك البركة والنماء والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب.

ثم قال الله عزّ وجلّ:( قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) واعلموا أنّ من يبخل المودّة فإنّما يبخل عن نفسه، إنّ الله هو الغني وأنتم الفقراء إليه.

فاعملوا من بعد ما شئتم، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ثم تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون، والعاقبة للمتّقين، ولا عدون إلّا على الظالمين.

سمعت جدّي - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: خلقت أنا من نور الله وخلق أهل بيتي من نوري، وخلق محبّيهم من نورهم، وسائر الناس في النار »(١) .

أقول:

ولا ريب في أنّ مرادهعليه‌السلام من « إقامة الأولياء بعد النبي » هو: نصب الأئمة، ويؤكّده استشهاده بالآية المباركة( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) النازلة في يوم غدير خم.

فإذن: المراد من « الولي » هو « الإمام ».

فكذلك: المراد من « الولي » في حديثنا هو « الإمام ».

__________________

(١). ينابيع المودة ٣ / ٣٦٥ الطبعة المحققة.

٣٠٥

لأنّ: الحديث يفسّر بعضه بعضاً، كما نصّ عليه العلماء كالحافظ في ( شرح البخاري ) وغيره من الأعلام.

(١٧)

إختصاص لفظ « الولي » ومقام « الولاية » بنوّاب نبيّنا وهم « اثنا عشر »

وهذا ما نصَّ عليه شيخ الشيوخ سعدالدين الحموي، أورده الشيخ عزيز ابن محمّد النسفي(١) في كتابه، وحكاه الشيخ القندوزي، وهذا معرّبه:

إنّه لم يكن قبل نبيّنا محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - في الأديان السابقة عنوان « الولي » وإنّما كان عنوان « النبي »، وكان يسمّون المقرّبين إلى الله الوارثين لصاحب الشريعة بـ « الأنبياء » فلمـّا نزل الدين الجديد والشريعة الجديدة على محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - من عند الله عزّ وجلّ، وجد في هذا الدين اسم « الولي »، إذ اختار اثني عشر رجلاً من أهل بيت محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - وجعلهم الوارثين له، المقرّبين إلى نفسه، واختصهم بولايته، فهم النوّاب - من عند الله - لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، الوارثون له، وهؤلاء الاثنا عشر هم الذين ورد فيهم الحديث: العلماء ورثة الأنبياء، والحديث: علماء اُمتي كأنبياء بني إسرائيل.

وإنّ آخر الأولياء - وهو آخر النوّاب - هو الولي والنائب الثاني عشر، وهو خاتم الأولياء، واسمه: المهدي، صاحب الزمان.

__________________

(١). عزيز الدين محمّد النّسفي، من أعلام الصّوفية، له في ذلك مصنّفات، توفي سنة ٦٨٦. هدية العارفين ١ / ٥٨٠.

٣٠٦

قال الشيخ: والأولياء في العالم لا يزيدون على اثني عشر، وأمّا الثلاثمائة والخمسون، الذين هم رجال الغيب، فلا يسمّون بالأولياء، وإنّما هم الأبدال »(١) .

فهذا رأي شيخ شيوخ القوم، الذي نقله النّسفي وهو من كبارهم، فدونكها من حجة حاسمة لشكوك أرباب الغواية، مبيّنة لكون « الولي » دليلاً على « الإمامة » في حديث الولاية!

(١٨)

تبادر « المتصرّف في الأمر » من « الولي » عند الإطلاق

فإنّ المنسبق إلى الأذهان من لفظ « الولي » عند الإطلاق هو معنى « المتصرّف في الأمر » فكيف لو ضمّ إليه كلمة « بعدي »؟

فلو غض النظر عن جميع الأدلة السابقة لكفى هذا التبادر وجهاً تامّاً للإستدلال، ودليلاً قاطعاً للشبهة.

وإنّ لنا على هذا الذي ذكرناه شواهد في كلمات كبار العلماء المعتمدين، ومن ذلك ما جاء في ( الروضة النديّة ) بعد حديث الثقلين المشتمل لفظه على حديث الغدير:

« وتكلّم الفقيه حميد(٢) على معانيه وأطال، ولننقل بعض ذلك:

__________________

(١). ينابيع المودّة: ٤٧٥.

(٢). حميد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبدالواحد المحلّي، النهمي، الوادعي، الهمداني. متكلّم، من شيوخ الزيدية، من تصانيفه: العمدة، في مجلدين، العقد الفريد.=

٣٠٧

قال -رحمه‌الله - منها: فضل العترةعليهم‌السلام ، ووجوب رعاية حقّهم، حيث جعلهم أحد الثقلين اللّذين يسأل عنهما، وأخبر بأنّه سأل لهم اللطيف الخبير وقال: فأعطاني، يعني: استجاب لدعاه فيهم.

... ومنها قوله: - صلّى الله عليه وسلّم -: من كنت وليّه فهذا وليّه. الولي: المالك المتصرف، بالسبق إلى الفهم، وإنْ استعمل في غيره، ولهذا قال: السلطان وليّ من لا وليّ له. يريد: ملك التصرف في عقد النكاح، يعني: إنّ الإمام له الولاية فيه حيث لا عصبة ».

(١٩)

وجوب حمل اللفظ المشترك على جميع معانيه حيث لا قرينة

عند الشافعي وجماعة

فلقد ذهب الشافعي(١) وأبو بكر الباقلاني(٢) وجماعة من أعلام الاُصوليين عند القوم إلى: وجوب حمل اللفظ المشترك عند فقد المخصّص على جميع معانيه، فلو فرضنا عدم الدليل على ما نذهب إليه في المراد من حديث الولاية، لكفى هذا المبنى الاُصولي في الاستدلال بالحديث على إمامة أمير

__________________

= الحسام الوسيط، عقيدة الآل. الحدائق الوردية. وفاته سنة: ٦٥٢. معجم المؤلفين ١ / ٦٥٨.

(١). محمد بن إدريس، إمام الشّافعيّة، توفي سنة ٢٠٤، من مصادر ترجمته: حليةالأولياء ٩ / ٦٣، تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٤٤، وفيات الأعيان ٤ / ١٦٣، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٥، صفة الصفوة ٢ / ٩٥.

(٢). محمّد بن الطيّب، المتكلّم الكبير، الاُصولي الشهير المتوفى سنة ٤٠٣. من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد ٥ / ٣٧٩، وفيات الأعيان ٤ / ٢٦٩، سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٩٠.

٣٠٨

المؤمنينعليه‌السلام ، إذ لا ريب في أنّ من جملة المعاني هو: المتصرّف في الأمر، فيثبت له هذا المعنى، وسائر معاني لفظ « الولي » له، ولا ضير فيه.

وأمّا أن ما ذكر هو مذهب الشّافعي والباقلاني وأتباعهما، فصريح الكتب الاُصولية، قال العبري(١) في ( شرح المنهاج ).

« نقل عن الشافعي -رضي‌الله‌عنه - والقاضي أبي بكر -رحمه‌الله - وجوب حمل المشترك على جميع معانيه حيث لا قرينة معه تدل على تعيين المراد منه، لأنّ حمله على جميع معانيه غير ممنوع لما ذكرناه، فيجب أن يحمل، إذ لو لم حمل عليه فإمّا أنْ لا يحمل على شيء من معانيه، وذلك إهمال اللّفظ بالكليّة، وهو ظاهر البطلان، أو يحمل على بعض معانيه دون بعض، وذلك ترجيح بلا مرجّح، لاستواء الوضع بالنسبة إليها وعدم القرينة المعيّنة للبعض، وهو أيضاً محال »(٢) .

وقال الفخر الرازي في كتاب ( مناقب الشافعي ):

« المسألة الرابعة: عابوا عليه قوله: اللفظ المشترك محمول على جميع معانيه عند عدم المخصّص. قالوا: والدليل على أنّه غير جائز: إنّ الواضع وضعه لأحد المعنيين فقط، فاستعماله فيها معاً يكون مخالفةً للّغة.

وأقول: إن كثيراً من الاُصوليّين المحققين وافقوه عليه، كالقاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي عبدالجبّار بن أحمد. ووجه قوله فيه ظاهر وهو: إنّه لـمّا

__________________

(١). عبدالله بن محمّد العبري الفرغاني المتوفى سنة ٧٤٣، فقيه، اُصولي، متكلّم. البدر الطالع ١ / ٤١١، الدرر الكامنة ٢ / ٤٣٣.

(٢). شرح المنهاج في الاصول - مخطوط.

٣٠٩

تعذّر التعطيل والترجيح لم يبق إلّا الجمع. وإنّما قلنا: إنّه تعذّر التعطيل، لأنّه تعالى إنّما ذكره للبيان والفائدة، والقول بالتعطيل إخراج له عن كونه بياناً وفائدة. وإنّما قلنا: إنّه تعذّر الترجيح، لأنّه يقتضي ترجيح الممكن من غير مرجّح وهو محال. ولـمّا بطل القسمان لم يبق إلّا الجمع، وهذا وجه قوي حسن في المسألة وإنْ كنا لا نقول به ».

وقال محمد الأمير في ( الروضة الندية ) بعد الكلام المنقول عنه سابقاً، نقلاً عن الفقيه الحميد:

« ثم لو سلّمنا احتمال « الولي » لغير ما ذكرنا على حدّه، فهو كذلك يجب حمله على الجميع، بناءً على أنَّ كلّ لفظةٍ احتملت معنيين بطريقة الحقيقة فإنّه يجب حملها على الجميع، إذ لم يدل دليل على التخصيص ».

(٢٠)

ابن حجر: « من كنت وليّه » أي: المتصرّف في الأُمور

وهذا نصّ كلامه:

« على أنّ كون « المولى » بمعنى « الإمام » لم يعهد لغةً ولا شرعاً، أمّا الثاني فواضح، وأمّا الأوّل: فلأنَّ أحداً من أئمة العربيّة لم يذكر أن « مفعلاً » يأتي بمعنى « أفعل ». وقوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي: مقرّكم أو ناصرتكم مبالغةٌ في نفي النصرة، كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له. وأيضاً: فالإستعمال يمنع من أنّ « مفعلاً » بمعنى « أفعل » إذْ يقال: هو أولى من كذا، دون: مولى من كذا. وأولى الرجلين، دون: مولاهما.

٣١٠

وحينئذٍ، فإنّما جعلنا من معانيه: المتصرف في الامور، نظراً للرواية الآتية: من كنت وليّه »(١) .

أقول:

فابن حجر يرى أنّ لفظ « الولي » في الحديث: « من كنت وليّه فعلي وليّه » بمعنى « المتصرّف في الاُمور »، وعليه يكون المراد منه في الحديث « وليّكم بعدي » هو « المتصرف في الاُمور » كذلك، حتى لا يلزم الافتراق واختلال الاتّساق المستبشع في المذاق، الذي لا يلتزمه إلّامن ليس له من الفهم والحدس الصائب خلاق.

ولا يخفى أنّ هذا كافٍ في الإستدلال به على المطلوب.

(٢١)

حديث بريدة بلفظ : « من كنت وليّه فعلي وليّه »

وفي بعض طرق حديث بريدة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « من كنت وليّه فعلي وليّه »، وأخرجه غير واحدٍ من الأئمة الأعلام:

* أخرج أحمد: « ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: من كنت وليّه فعلي وليّه »(٢) .

__________________

(١). الصواعق المحرقة: ٦٥.

(٢). مسند أحمد ٥ / ٣٦١.

٣١١

* وأخرج: « حدّثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: بعثنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية، قال: لـمّا قدمنا قال: كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ قال: فإمّا شكوته أو شكاه غيري قال: فرفعت رأسي - وكنت رجلاً مكباباً - قال: فإذا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد احمرّ وجهه قال: وهو يقول: من كنت وليّه فعلي وليّه »(١) .

وأخرج: « ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، إنّه مرّ على مجلسٍ وهم يتناولون من علي، فوقف فقال: إنّه قد كان في نفسي على علي شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية عليها علي، وأصبنا سبياً، قال: فأخذ علي جاريةً من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك. قال: فلمـّا قدمنا على النبي - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية عليها علي، وأصبنا سبياً، قال: فأخذ علي جاريةً من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك. قال: فلمـّا قدمنا على النبي - صلّى الله عليه وسلّم - جعلت اُحدّثه بما كان، ثم قلت: إنَّ علياً أخذ جاريةً من الخمس، قال: وكنت رجلاً مكباباً، قال: فرفعت رأسي فإذا وجه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قد تغيّر فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه »(٢) .

* وأخرج النَسائي: « أخبرنا أبو كريب محمّد بن العلاء الكوفي قال: حدّثنا أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: بعثنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية، واستعمل علينا علياً، فلمـّا رجعنا سألنا كيف رأيتم صحبة صاحبكم، فإمّا شكوته أنا وإمّا شكاه غيري، فرفعت رأسي - وكنت رجلاً مكباباً - فإذا وجه رسول الله - صلّى الله

__________________

(١). مسند أحمد ٥ / ٣٥٠.

(٢). مسند أحمد ٥ / ٣٥٨.

٣١٢

عليه وسلّم - قد احمرّ فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه »(١) .

* وأخرج: « أخبرنا محمّد بن المثنّى قال حدثنا يحيى بن حماد قال أخبرنا أبو عوانة عن سليمان قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال: لـمّا رجع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - من حجّة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترفا حتى يردا عليَّ الحوض. ثم قال:

إنّ الله مولاي، فأنا ولي كلّ مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه.

فقلت لزيد: سمعته من رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -؟

قال: ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه باُذنه »(٢) .

* وأخرج الحاكم: « حدّثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي - ببغداد - ثنا أبو قلابة عبدالملك بن محمّد الرقاشي، حدّثنا يحيى بن حماد.

وحدّثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، وأبو بكر أحمد بن جعفر البزاز، قالا: ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا يحيى بن حماد.

وثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه - ببخارى - ثنا صالح بن محمّد الحافظ البغدادي، ثنا خلف بن سالم المخرّمي، ثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، عن سليمان الأعمش قال: ثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن

__________________

(١). الخصائص: ٧٠.

(٢). الخصائص: ٦٩.

٣١٣

زيد بن أرقم قال: لـمّا رجع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - من حجّة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحاتٍ فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض؛ ثمّ قال:

الله عزّ وجلّ مولاي، وأنا مولى كلّ مؤمنٍ، ثم أخذ بيد علي فقال:

من كنت مولاه فهذا وليّه، اللّهم والِ من والاه.

وذكر الحديث بطوله.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بطوله.

شاهده حديث سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل أيضاً، صحيح على شرطهما »(١) .

* وروى ابن كثير عن سنن النسائي عن محمّد بن المثّنى بإسناده فيه:

« إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمنٍ. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليّه »(٢) .

* ورواه المتّقي الهندي عن ابن جرير الطبري وفيه:

« إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمنٍ. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه، اللّهم والِ من والاه وعاد من عاداه »(٣) .

* وقال العزيزي - شارح الجامع الصغير -: « من كنت وليّه فعلي وليّه،

__________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٩.

(٢). البداية والنهاية ٣ / ٢٠٩.

(٣). كنز العمال ١٣ / ١٠٤ رقم ٣٦٣٤٠.

٣١٤

يدفع عنه ما يكرهه. حم ن ك عن بريدة، وإسناده حسن »(١) .

* وقال محمد صدر العالم الهندي: « أخرج ابن أبي شيبة، والنسائي، وأحمد، وابن حبان، والحاكم، والضياء، عن بريدة. والطبراني عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: من كنت وليّه فعلي وليّه »(٢) .

أقول:

لا ريب في أنّ المراد من « الولي » في « فعلي وليّه » هو نفس المراد منه في « من كنت وليّه »، ولا ريب في أنّه بمعنى « المتصرّف في الاُمور ». قال العزيزي:

« أنا وليُّ المؤمنين. أي: متولّي أُمورهم. وكان - صلّى الله عليه وسلّم يباح له أنْ يزوّج ما شاء من النّساء ممّن يشاء من غيره ومن نفسه، وإنْ لم يأذن كلّ من الولي والمرأة، وأنْ يتولّى الطرفين بلا أذن. حم م ن »(٣) .

ترجمة العزيزي

والعزيزي - شارح الجامع الصغير - إمامٌ عالم محدِّث جليل حافظ، قال العلّامة المحبّي بترجمته: « علي العزيزي البولاقي الشافعي، كان إماماً فقيهاً محدّثاً حافظاً، متقناً ذكيّاً، سريع الحفظ بعيد النسيان، مواظباً على النظر

__________________

(١). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ٢ / ١٨٤.

(٢). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.

(٣). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ١ / ٢١٢.

٣١٥

والتحصيل، كثير التلاوة سريعها، متوادداً متواضعاً، كثير الاشتغال بالعلم ومحبّاً لأهله، خصوصاً أهل الحديث، حسن الخلق والمحاضرة، مشاراً إليه في العلم، شارك النور الشبراملسي في كثيرٍ من شيوخه، وأخذ عنه واستفاد منه، وكان يلازمه في دروسه الأصليّة والفرعيّة، وفنون العربية، وله مؤلفات كثيرة، نقله فيها يزيد على تصرّفه، منها: شرح على الجامع الصغير للسيوطي في مجلَّدات، وحاشية على شرح التحرير للقاضي زكريّا، وحاشية على شرح الغاية لابن القاسم في نحو سبعين كرّاسة، واُخرى على شرحها للخطيب.

وكانت وفاته ببولاق في سنة ١٠١٧٠ وبها دفن »(١) .

(٢٢)

الحديث بلفظ: « الله وليّي وأنا وليُّ المؤمنين ومن كنت وليّه فهذا وليّه »

وقد أخرجه النسائي من طريق الحسين بن حريث ...: « إنّ الله وليّي وأنا ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره »(٢) .

ولا ريب أنّ الله هو « الولي » أي « متولّي أُمور الخلق »، فهذا المعنى هو المراد من ولاية النبي، فكذا ولاية علي

وأمّا أنّ المراد من ولاية الله ما ذكرناه فهو صريحهم في كتب التفسير وغيرها:

__________________

(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ٣ / ٢٠١.

(٢). الخصائص ١٠١.

٣١٦

قال النيسابوري بتفسير آية الكرسي:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) أي: متولّي أُمورهم وكافل مصالحهم، فعيل بمعنى فاعل »(١) .

وقال القاري في ( الحرز الثمين - شرح الحصن الحصين ) بشرح الدعاء: « اللّهم إني أعوذ بك من العجز والكسل اللّهم آت نفسي تقواها أنت وليّها » قال:

« أي المتصرّف فيها ومصلحها ومربّيها، ومولاها، أي: ناصرها وعاصمها. وقال الحفني: عطف تفسيري ».

(٢٣)

قوله لبريدة: « لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي »

فإنّه لـمّا شكى عليّاً عليه الصّلاة والسّلام نهاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وزبره بشدّة، وكذا فعل مع وهب بن حمزة لمـّا انتقصه، وقال: لا تقل هذا

وقد جاء هذا اللفظ في رواية:

سليمان بن أحمد الطبراني.

ومحمّد بن إسحاق بن يحيى بن مندة الأصبهاني.

وأحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني.

وأبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني.

وعلي بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير.

__________________

(١). تفسير النيسابوري ٣ / ٢٢ هامش الطبر ي

٣١٧