الدروع الواقية

الدروع الواقية12%

الدروع الواقية مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: دراسات
الصفحات: 317

الدروع الواقية
  • البداية
  • السابق
  • 317 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 115566 / تحميل: 6681
الحجم الحجم الحجم
الدروع الواقية

الدروع الواقية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

قدس الله روحهما وروياه واجيز لهما روايته عني عنهما ، وهذان السيدان زاهدان عابدان ورعان ، وكان رضي الدين علي صاحب كرامات حكي لي بعضها وروى لي والدي البعض الآخر(١) .

٢ ـ وقال عنه ايضاً : السيد رضي الدين كان ازهد اهل زمانه(٢) .

٣ ـ واما ابن عنبة فقد قال عنه في عمدة الطالب : ورضي الدين ابو القاسم علي السيد الزاهد ، صاحب الكرامات ، نقيب النقباء بالعراق(٣) .

٤ ـ وعن خط للشهيد روى المجلسي في البحار عنه ما نصه : صاحب الكرامات لم يزل على قدم الخير والآداب والعبادات والتنزّه عن الدنيات الى ان توفي(٤) .

٥ ـ ووصفه العلامة المجلسي في البحار بقوله : السيِّد النقيب الثقة الزاهد جمال العارفين(٥) .

٦ ـ وأثنى عليه الشيخ الحر العاملي في أمل الآمل بقوله : حاله في العلم والفضل والعبادة والفقه والجلالة والورع أشهر من أن يُذكر ، وكان ايضاً شاعراً أديباً منشئاً بليغاً(٦) .

٧ ـ وقال عنه صاحب نقد الرجال السيِّد التفريشي : من أجلاء هذه الطائفة وثِقاتها ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، كثير الحفظ ، نقي الكلام ، حاله في العبادة والزهد أشهر من ان يذكر(٧) .

__________________

(١) انظر مستدرك الوساثل ٣ : ٤٦٩.

(٢) لؤلؤة البحرين : ٢٣٥.

(٣) عمدة الطالب : ١٩٠.

(٤) البابليات ١ :٦٥.

(٥) بحار الانوار ١ : ١١٣.

(٦) أمل ألآمل ٢ :٢٠٥ / ٦٢٢.

(٧) نقد الرجال : ٢٤٤.

٢١

٨ ـ وأمّا الشيخ أسد الله الدزفولي فقد قال عنه في مقابس الأنوار: السيِّد السند ، المعظَّم المعتمد. العالم العابد الزاهد ، الطيّب الطاهر ، مالك أزمّة المناقب والمفاخر ، صاحب الدعوات والمقامات والمكاشفات والكرامات ، مظهر الفيض السنيّ ، واللطف الجليّ ، أبي القاسم رضي الدين علي ، بوأه الله تحت ظله العرشي ، وأنزل عليه بركاته كلّ غداة وعشي(١) .

٩ ـ وقال متحدثاً عنه الشيخ النوري في خاتمة المستدرك : السيِّد الأجل أكمل الاسعد الاورع الازهد ، صاحب الكرامات الباهرة رضي الدين أبوالقاسم وابو الحسن علي بن سعد الدين موسى بن جعفرآل طاووس ، الذي ما اتفقت كلمة الاصحاب على اختلاف مشاربهم وطريقتهم على صدور الكرامات عن أحد ممن تقدمه أو تأخر عنه غيره(٢) .

وقال ايضاً : وكان رحمه الله من عظماء المعظِّمين لشعائر الله تعالى ، لا يذكر في أحد من تصانيفه الاسم المبارك إلا ويعقبه بقوله جل جلاله(٣) .

١٠ ـ وفي روضات الجنّات يقول عنه الخوانساري : من جملة العبدة الزهدة المستجابي الدعوة بنص الموافقين لنا والمخالفين ، ومنها كونه في فصاحة المنطق وبلاغة الكلام بحيث تشتبه كثيراً عبارات دعواته الملهمة ، وزياراته الملقمة بعبارات اهل بيت العصمةعليهم‌السلام (٤) .

١١ ـ وامّا المحدث القمي فقد ذكره في كتابه الكنى والالقاب بقوله : السيد الأجل الأورع الأزهد ، قدوة العارفين(٥) .

__________________

(١) مقابس الانوار: ١٢.

(٢ ) مستدرك الوسائل ( النسخة الحجرية ) ٣ : ٣٦٧.

(٣) مستدرك الوسائل ( النسخة الحجرية ) ٣ : ٤٦٩.

(٤ ) روضات الجنات ٤ : ٣٣٠.

(٥) الكنى والالقاب ١ : ٣٢٧.

٢٢

١٢ ـ وفي ريحانة الادب قال محمد علي مدرس في حديثه عنه : من أعاظم علماء الشيعة الامامية وفحولها ، عالم جليل القدر ، عظيم المنزلة ، اديب شاعر ، منشئ ، بليغ ، عابد ، زاهد ، متقي ، جامع الفضائل والكمالات العالية ، المتخلّي من الصفات الرذيلة ، المتحلّي بالاخلاق الفاضلة ، المتجلّي باتيان الوظائف الشرعية ، أورع أهل زمانه وأتقاها وازهدها واعبدها ، الموصوف في كلمات اجلّة العلماء ب‍ ( قدوة العارفين ومصباح المتهجدين )(١) .

مؤلفاته :

لقد كانت حياة السِّيد ابن طاووس; غنية معطاءة خصبة ، أعطت الأُمة الشيء الكثير ولم تبخل عليها بشيء ، وتلك هي حال الرجال الذين اوقفوا أنفسهم وعلمهم على خدمة هذا الدين الحنيف ، وبقوا حتى اللحظات الاخيرة من حياتهم مركزاً للعطاء والخير ، وهو ما نراه متكرراً كثيراً لدى علماء الطائفة ومفكريها رفع الله شأنهم.

والحق يقال أنَّ السيِّد ابن طاووس; ورغم كل ما احاط به من أعباء كثيرة وشاقة ، فقد كان مؤلّفاً مكثاراً ، وكاتباً قديراً ، خلّف من بعده الكثير من المؤلّفات القيّمة التي بلغ ما وصلنا منها العشرات في حين لم ترد اسماء الكثير من تلك المصنّفات لضياعها ، والتي لو وصلتنا لكانت بلا شك خير زاد يتقوّت به طلاب العلم ، وعموم المسلمين. وحقيقة وجود هذه المجاميع من الكتب المجهولة يؤكدها السِّيد; في أحد مؤلفاته وهو كتاب الاجازات المعروف ، حيث يقول :

وجمعت وصنّفت مختصرات كثيرة ما هي الآن على خاطري ، وانشاءات من المكاتبات والرسائل والخطب ما لو جمعته أو جمعه غيري كان عدة مجلدات ،

__________________

(١) ريحانة الادب : ٧٦.

٢٣

ومذكرات في المجالس في جواب المسائل بجوابات واشارات وبمواعظ شافيات ما لو صنّفها سامعوها كانت ما يعلمه الله جل جلاله من مجلدات.

على ان ذلك الامر لا يلغي كون ما وصلنا من المؤلفات القيّمة للسيّد ابن طاووس; قد اغنى المكتبة الاسلامية ، ومدها بخير وفير ، ومن هذه المؤلّفات :

١ ـ الإبانة في معرفة أسماء كتب الخزانة.

٢ ـ الإجازات لكشف طرق المفازات.

٣ ـ الإقبال بصالح الاعمال.

٤ ـ الأَسرار المودعة في ساعات الليل والنهار.

٥ ـ جمال الاسبوع.

٦ ـ الدروع الواقية من الأخطار ( وهو الكتاب الماثل بين يديك ).

٧ ـ أسرار الصلاة.

٨ ـ محاسبة الملائكة الكرام آخر كل يوم من الذنوب والآثام.

٩ ـ الاصطفاء في تاريخ الملوك والخلفاء.

١٠ ـ مهج الدعوات.

١١ ـ فلاح السائل.

١٢ ـ إغاثة الداعي وإعانة الساعي.

١٣ ـ المجتبى من الدعاء المجتنى.

١٤ ـ الأمان من أخطار الأسفار والأزمان.

١٥ ـ مصباح الزائر.

١٦ ـ الطرائف في مذاهب الطوائف.

١٧ ـ طرف من الانباء والمناقب ، في التصريح بالوصية والخلافة لعلي بن ابي طالبعليه‌السلام .

٢٤

١٨ ـ البهجة لثمرة المهجة.

١٩ ـ ربيع الالباب.

٢٠ ـ زهرة الربيع.

٢١ ـ سعد السعود.

٢٢ ـ غياث سلطان الورى لسكان الثرى.

٢٣ ـ فتح الأبواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب.

٢٤ ـ اليقين باختصاص عليعليه‌السلام بامرة المؤمنين.

٢٥ ـ الملهوف على قتلى الطفوف.

٢٦ ـ المنتقى.

٢٧ ـ المواسعة والمضايقة.

٢٨ ـ محاسبة النفس.

٢٩ ـ مهج الدعوات ومنهج العنايات.

٣٠ ـ فرحة الناظر وبهجة الخواطر.

منهج التحقيق :

بعد اكتمال التحقّق من النسخة الحقيقية للكتاب شرعنا بالعمل التحقيقي لهذا الكتاب الدعائي المهم ، معتمدين في عملنا على نسختين مخطوطتين ، وهما :

١ ـ النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة الاستانة المقدسة في مشهد المقدسة ، وهي نسخة كاملة ، قيّمة ، جميلة النسخ ، يرجع تاريخ نسخها الى الخامس عشر من شهر ربيع الثاني لعام ١٥٩٨ ه‍ ، زوّدنا بها مشكوراً الاخ المحقق الفاضل السيد مهدي رجائي.

وقد اعتمدناها كنسخة أصلية ، ورمزنا لها بالحرف ( ك ).

٢٥

٢ ـ النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة المرحوم آية الله العظمى السيّد المرعشي; ، برقم ٤٤٢ ، تأريخ نسخها ٩٦٤ ه‍.

وقد رمزنا لها بالحرف ( ن ).

كما اعتمدنا في عملنا على نقولات العلاّمة المجلسي والحر العاملي رحمها الله كنسختين مساعدتين في عملنا.

ومن ثم فقد اُحيل العمل الى جملة من اللجان المختصة الذي اُوكل اليها مسؤولية اخراج هذا الكتاب وفقاً لمنهجية التحقيق المشترك التي تعتمدها المؤسسة في عملها.

فقد اوكلت مسؤولية مقابلة النسخ المخطوطة وتثبيت الاختلافات الواردة فيها بكل من الأُخوة الافاضل : الحاج عزالدين عبد الملك ، والاخ سعد فوزي جودة.

واما مسؤولية تخريج الروايات والادعية الواردة في الكتاب فقد اُوكلت الى الاخ الفاضل مشتاق المظفر.

كما واُنيطت مسؤولية كتابة هوامش الكتاب بالاخ الفاضل هيثم شاه مراد السّماك.

وكانت مسؤولية تقويم الكتاب وضبط نصه والاشراف على تحقيقة على عاتق الاخ الفاضل علاء آل جعفر مسؤول لجنة مصادر البحار في المؤسسة.

وفّق الله تعالى الجميع الى خدمة تراث العترة الطاهرة واحياء آثارها ، انّه سميع مجيب.

مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام لاحياء التراث

٢٦

صورة الصفحة الاولى من النسخة المخطوطة التي رمزنا لها بالحرف « ك ».

٢٧

* صورة الصفحة الاخيرة من نسخة « ك ».

٢٨

* صورة الصفحة الاولى من النسخة التي رمزنا لها بالحروف « ن ».

٢٩

* صورة الصفحة الاخيرة من نسخة « ن ».

٣٠

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول السيد الإمام العالم العامل ، الفقيه الكامل ، العلامة الفاضل ، الزاهد العابد ، الورع المجاهد ، رضي الدين ، ركن الاسلام والمسلمين ، جمال العارفين ، انموذج سلفه الطاهرين ، من شاع ذكره في البلاد ، واشتهر فضله بين العباد ، سيد السادات وشرفهم ، وبحر العلماء ومغترفهم ، ذوالمناقب الباهرة ، والاعراق الطاهرة ، والايادي الظاهرة ، أوحد دهره ، وفريد عصره ، افتخار السادة ، عمدة أهل بيت النبوة ، مجد آل الرسول ، شرف العترة الطاهرة ، ذو الحسبين ، أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس ، ضاعف الله سعادته ، وشرَّف خاتمته :

أحمدُ اللهَ جلَّ جلالهُ بما وهب لي من القدرة على حمده ، واثني عليه جل جلاله على توفيقي لتقديسِ مجدهِ ، واطوفُ بلسانِ حالِ العقلِ حولَ حمى كعبة مراحمهِ ومكارمهِ ورفدهِ ، واستعطفهُ ببيانِِ مقالِ النقلِ رجاءً لتمامِ رحمتِهِ وحلمهِ عن عبدهِ ، واسمعُ من دواعي النصيحةِ والاشفاقِ ، ورسل رسائلِ أهل السباقِ ،

٣١

حثاً عظيماً على التلزّم بأطنابِ(١) سرادقات(٢) منشئ الاحياءِ ومفني الامواتِ ، وواهب الاقواتِ ، ومالكِ الاوقاتِ ، حتى لقد كدتُ أن أجدني كالمضطرّ الى الوقوفِ بمقدسِ جنابِهِ ، والمحمولِ على مطايا لطفِهِ وعطفِهِ الى العكوفِ على شريفِ بابِهِ.

وأشهدُ أن لا الهَ الا هو ، شهادةً تلقّاها العقلُ من مولى رحيمٍ كاملِ القدرةِ ، وعرفَ ورودها(٣) من جنابِ رسولٍ كريمٍ قائلٍ : « كل مولود يولد على الفطرة »(٤) فجاءت الينا بخلعِ الامانِ ، ومعها لواء الولايةِ على دوامِ العنايةِ بدارِ الرضوانِ.

ووجدتُ قلبَ مملوكهِ اليها وامقاً(٥) ، ولها عاشقاً ، ولا يسمح أن يراه واهبها لها مفارقاً ، فمدَّ يدَ السؤالِ الى مالكِ الرفدِ والوعدِ بالسعدِ والاقبالِ ، في ان يعينهُ على عمارةِ منزل يصلحُ لجلالِها ، وتهيئِة فراشِ رحمةٍ يليق بجمالها. فرجعت يداً بنجازِ الوعودِ مملوءة من نفقاتِ عمارةِ منزلِ السعودِ ، وعليها فراش نعمةٍ يصلحُ لاستيطانِ توحيدِ مالكِ الكرمِ والجودِ. فعمَّرَ لها من شُرّف بها منزلَ الاستيطانِ ، وبسط لها ما يختصُ بها من فراشِ التعظيمِ بما وهبهُ مولاهُ من الامكانِ فأقامتْ

__________________

(١) الطُنُب : حبل الخباء ، والجمع اطناب. الصحاح ـ طنب ـ ١ : ١٧٢.

(٢) السرادق : ما يمد فوق سطح الدار. انظر الصحاح ـ سردق ـ ٤ : ١٤٩٦.

(٣) أي ورود الشهادة.

(٤) رواه الحلي في مختصر بصائر الدرجات : ١٦٠ ـ ١٦١ ، والبخاري في صحيحه ٢ : ١٢٥ ، والترمذي في سننه ٤ : ٤٤٧ / ذيل الحديث ٢١٣٨ ، ومالك بن أنس في الموطأ ١ : ٢٤١ / ٥٢ ، والطيالسي في مسنده : ٣١٩ / ٢٤٣٣ ، وأحمد في مسنده ٢: ٢٣٣ ، ٢٧٥ ، ٣٩٣ ، ٤١٠ ، و ٣ : ٣٥٣ ، والبيهقي في سننه ٦ : ٢٠٢ ، والديلمي في الفردوس ٣ : ٢٤٨ / ٤٧٣٠ ، ٤٧٣١.

(٥) وامقاً : أي محباً من دون ريبة. انظر لسان العرب ١٠ : ٣٨٥.

٣٢

باذنِ واهبها قاطنةً ، واستقرْت بقدرةِ جالبها أقطارُ أماكنها ساكنةً ، فتعطَّرت بارِجها(١) شعابُ تلكَ المساكنِ ، واستبشرتْ بمنهجِها الالبابُ المجاورةُ للترابِ الساكنِ.

وأشهدُ أنَّ جدي محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعرفُ محمولٍ اليها ومدلولٍ عليها ، واشرفُ من خَطَبَتْهُ مصوناتُها ورغبَ اليها ، وأبصرُ من اطلع على أسرارِها ، واجتمعَ كمالُ أنوارِهِ بجلالِ أنوارِها ، وأمضى من سرى في سبيلِها ، واحظى من أيقظَ العيونَ من الكرى لدليلِها ، وَبَذلَ للورى خلعَ تجميلِها ، واقوى ماسكٍ بعرى تعظِيمها وتبجيلِها ، واتقى ناسكٍ استقامَ لحملِ الاوامرِ الالهيةِ وتفصيلِها.

وأشهدُ أنَّ أنوارَ معالمِهِ ، ومنارَ مواسمِهِ ، لا تقوى على نظرِها كنظرة عيون رمدتْ بالغفلاتِ ، ولا تقومُ بها كقيامهِ أقدامٌ قُيِّدت بالجهالاتِ ، ولا تمتدُ اليها أيد غُلَّت بالاطماعِ ، ولا تتحكُم فيها قلوبٌ اُعلَّت بداءِ الدنيا التي هي متاعٌ.

وأنَّ النوّابَ عنه صلواتُ الله عليه وآله ، يجبُ أن يكونوا على نحوِ كمالِهِ ، في لبسِ خلعِ كمالِها ، والنهوضِ بمعرفةِ حقِّ جلالِها ، ودوامِ الثبوتِ على هولِ عصمةِ طريقهِ ، وقلوبهم مملوءة من ذخائِرِ انوارِ وجوبِ تأييدهِ وتوفيقِهِ.

( وبعد )(٢) : فانّي حيث علَّمني اللهُ جلَّ جلالهُ وألهمني تأليف كتاب( فلاح السائل ونجاح المسائل ) في عملِ اليومِ والليلةِ ، من كتابِ( مهمات في صلاح المتعبد ، وتتمات لمصباح المتهجد ) ويكمل مجلدين أكثر من ستين كراساً ، وحوى من الاسرار ما يعرفها من نظره استئناساً واقتباساً.

وعملتُ بعدهُ كتاب( زهرة الربيع في أدعية الاسابيع ) ويكمل أكثر من

__________________

(١) الأرج والأريج : توهج ريح الطيب. الصحاح ـ أرج ـ ١ : ٢٩٨.

(٢) أثبتناها في نسخة « ن » ، وفي نسخة «ك » كلمة غير مقروءة.

٣٣

ثلاثين كراساً.

ثم كمّلتُ بعدهُ كتابَ( جمال الاسبوع بكمال العمل المشروع ) وزادَ على الثلاثين من الكراريسِ ، ويكملُ به عمل الاسبوعِ على الوجهِ النفيسِ.

بقيَ عملُ ما يختص بكلِّ شهرٍ على التكرارِ ، ووجدتُ في الروايةِ أنَّ فيه أدعية كالدروعِ من الأخطارِ ، فشرعتُ في هذا المرادِ ، بما عوَّدني الله جلَّ جلاله وأرفدني من الانجادِ والاسعادِ وسميتهُ : كتاب( الدروع الواقية من الاخطار فيما يعمل مثلها كل شهر على التكرار ).

وسوف أذكرُ تسميةَ فصولِ هذا الجزء الخامسِ من هذا الكتابِ جملةً قبلَ التفصيلِ ، ليعلمَ الناظرُ فيهِ مرادهُ منهُ فيطلبهُ على الوجهِ الجميلِ.

الفصل الاول : فيما يعمل أول ليلة من كل شهر عند رؤية هلاله ، ومن صلاة بسورة الانعام في أول ليلة من الشهر يأمن بها المصلي لها من أكدار ذلك الشهر كله. وما يعمله من له عدو عند رؤية الهلال للامان من عدوه بقدرة الله جل جلاله وفضله.

الفصل الثاني : فيما يؤكل أول الشهر لئلا ترد له حاجة فيه.

الفصل الثالث : فيما نذكره مما يعمل اول كل شهر من صلاة ودعاء وصدقة صادر عن كل من تدبيره من جملة تدبير الله جل جلاله وفضله ، ليسلم العبد بذلك من خطر الشهر كله.

الفصل الرابع : فيما نذكره من صوم داودعليه‌السلام .

الفصل الخامس : فيما نذكره من صوم جماعة من الانبياء وأبناء الانبياء صلوات الله جل جلاله عليهم.

الفصل السادس : فيما نذكره من صيام أول خميس في العشر الأول من

٣٤

كل شهر ، وأول أربعاء في العشر الثاني منه ، وآخر خميس من العشر الاخير منه.

الفصل السابع : فيما نذكره من الرواية في أدب الصائم في هذه الثلاثة الايام.

الفصل الثامن : فيما نذكره من الرواية في هذه الثلاثة الايام.

الفصل التاسع : فيما نذكره من الرواية في هذه الثلاثة الايام من الشهر أربعاء بين خميسين ، أو خميسا بين أربعاءين.

الفصل العاشر : فيما نذكره من الرواية في تعيين أول خميس من الشهر ، وآخر خميس منه.

الفصل الحادي عشر : فيما نذكره من الرواية بأنه اذا اتفق خميسان في أوله وأربعاءان في وسطه ، أو خميسان في آخره ، أن صوم الاول منهما أفضل أو الآخر ، وتأويل ذلك.

الفصل الثاني عشر : فيما نذكره مما يعمله من ضعف عن صيام الثلاثة الايام.

الفصل الثالث عشر : فيما نذكره من الاخبار في أنه يجزئ مد من الطعام عن اليوم.

الفصل الرابع عشر : فيما نذكره من صوم اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر ، وهي الايام البيض.

الفصل الخامس عشر : فيما نذكره من فضل قراءة سورة الاعراف فيكل شهر.

الفصل السادس عشر : فيما نذكره من فضل قراءة سورة الانفال في كل شهر.

٣٥

الفصل السابع عشر : فيما نذكره من فضل قراءة [ سورتي ] الانفال وبراءة في كل شهر.

الفصل الثامن عشر : فيما نذكره من فضل قراءة سورة يونسعليه‌السلام في كل شهر.

الفصل التاسع عشر : فيما نذكره من فضل قراءة سورة النحل في كل شهر.

الفصل العشرون : فيما نذكره من زيارة الحسين صلوات الله عليه في كل شهر ، وحديث من كان يزوره كل شهر وتأخّر عنه فعوتب على تأخره.

الفصل الحادي والعشرون : فيما نذكره من الرواية الثانية(١) في ثلاثين فصلاً ، لكل يوم فصل منفرد ، وهو يقارب الرواية الاولى.

الفصل الثاني والعشرون : في رواية اُخرى بتعيين أيام الشهور ، وما فيها من وقت السرور والمحذور.

الفصل الثالث والعشرون : فيما نذكره من حديث اليوم الذي ترفع فيه أعمال كل شيء.

أقول : ذكر تفصيل هذه الفصول :

__________________

(١) يبدو ان هناك سقطاً في تسلسل الفصول ، حيث لم يرد ذكر الفصل الخاص بالرواية الاولى لادعية الشهر فانسحب ذلك على بقية الفصول ، فتأمل.

٣٦

الفصل الاول :

فيما يعمل أول ليلة من كل شهرعند رؤية هلاله ،

ومن صلاة بسورة الانعام في أول ليلة من الشهر يأمن بها المصلي

لها من أكدار ذلك الشهر كله ، وما يعمله من له عدو عند رؤية

الهلال للامان من عدوه بقدرة الله جل جلاله وفضله

أقول : أما ما يعمله عند رؤية هلال كل شهر ، فقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه كان اذا رأى الهلال كبَّر ثلاثاً وهلّل ثلاثاً ، ثم قال : « الحَمدُ للهِ الذي اذهَبَ بشَهرِ كذا ، وجاءَ بشَهرِ كذا ».

وروي : أنَّه يقرأ عند رؤية الهلال سورة الفاتحة سبع مرات ، فانه من قرأها عند رؤية الهلال عافاه الله من رمد العين في ذلك الشهر.

أقول : ووجدت في رؤية الهلال شيئاً لم أظفر باسناده على العادة ، نذكره احتياطاً للعبادة. وهو ما يفعل عند رؤية الهلال : تكتب على يدك اليسرى بسبابة يمينك : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة الى آخرهمعليهم‌السلام ، وتكتب :( قُل هُو الله أحدٌ ) الى اخرها ، ثم تقول : اللَّهمَّ انَّ النّاسَ اذا نَظَروا الى الهِلال نَظَر بَعضُهُمُ الى بَعضٍ ، وانِّي نَظَرتُ الى أسمائِك وأسماءِ نَبيِّكَ وَوَلِيِّكَ وَأولِيائِكَعليهم‌السلام والى كِتابِكَ ، فاعطِني كلَّ الذي اُحبُ مِنَ الخَير ، واصرِف عني كلَّ الذي اُحبُ أنْ تَصرِفَهُ عنّي مِنَ الشّرّ ، وزِدني مِن فَضِلكَ ما أنتَ أهلهُ ، ولا حَولَ ولا

٣٧

قُوةَ إلاّ بالله العليِّ العظيمِ(١) .

قلتُ أنا : انَّ اليد اليسرى محل استعمال النجاساتِ ، وهذهِ الاسماء من أشرفِ المسميات ، فان أراد الانسان أن يكتبها في رقعة ويجعلها في كفه اليسار عند رؤية الهلال ويقول ما ذكرناه ، فعسى يكون أحوط في تعظيم من سميناه.

أقول : وقد روينا في شهر رمضان وغيره أدعية عند رؤية هلاله ، وفيها من اللفظ والمعاني ما يقتضي عموم الحاجة الى الدعاء عند رؤية كل هلال لدفع أخطاره وأهواله ، وفتح مساره وإقباله. ولم اقف الى الآن على دعاء شامل للمعاني التي يحتاج الداعي اليها عند رؤية هلال كل على البيان ، وجوّزت أن يكون قد روي ذلك ولم اقف عليه ، ورأيت أن انشاء الدعوات بمقتضى الحاجات مأذون فيه في الروايات ، فأنشأت فيه دعاء لكل شهر لأعمل عليه ، ويعمل من يهديه الله جل جلاله اليه ، الى ان أجد ما عساه قد روي في معناه فأعمل بمقتضاه.

وهو هذا الدعاء : اللّهمَّ انَّكَ جعلتَ مِن آياتِكَ الدالةِ عَليكَ ، ومِن هباتِكَ لِمَن تُريدُ هدايتَهُ اليكَ ، تَدبيرَ كلِّ هالِكٍ عندَ ابتدائِهِ وانتهائِهِ ، مِن اظهارِ النُقصانِ عليهِ واقبالِ التَمامِ اليهِ ، وجَعلتَ ذلك على التدرِيجِ الدالِّ على قُدرتِكَ وكمالِ اختيارِكَ ، وعلى رَحمَتِكَ بمبارِّكَ وأنوارِكَ.

اللّهمَّ وهذا شَهرٌ جَديدٌ ، وَما نَعلَمُ ما يختَصُّ بهِ هِلالهُ السعيدُ ، مِن خيرٍ فنسألُكَ تَسهِيلُه والزِّيادَةَ عليهِ ، أو مكروهٍ فنسألُكَ مَحوَهُ وتَبدِيلَهُ بخيرٍ مما نحتاجُ اليهِ.

__________________

(١) رواه الطبرسي فى مكارم الأخلاق : ٣٤٢.

٣٨

فنحنُ قائِلونَ : اللّهمّ هَبْ لََنا ما نَحتاجُ اليهِ في هذا الشّهرِ الجديدِ من العُمرِ المديدِ ، والعَيشِِ الرَغيدِ ، ومِنَ التَأييدِ والمزيدِ ، وكلِّ عَمَلٍ سَعيدٍ. وامحُ كلََّ ما اشتَمَلَ عليهِ مِن كَدَرٍ أو ضَرَرٍ ، أو امتحانٍ أو نُقصانٍ ، أو أذى مِن قَرِيبٍ أو بَعِيدٍ أو ضَعِيفٍ أو شَدِيدٍ.

وألهمنا مِن حَمدك وتَقديسِ مجدِكَ ما يَكونُ مُكمِّلاً لنا لِما أنت أهلُه مِن رفدِكَ.

وَسَيِّرنا فيهِ على مَطايا السَّلامَةِ والاستِقامَةِ ، والامانِ مِنَ الندامَةِ في الدنيا وَيَوم القيامَةِ.

واجعَل حَرَكاتَنا وسَكَناتِنا وارادَاتِنا وكَراهاتِنا صادِرةً عَنِ المُعامَلَةِ لكَ بوسائِلِ الاخلاصِ ، وَفَضائِلِ الاختِصاصِ.

وتَفَضَّل عَلينا بالعَفوِ والعافِيةِ في أديانِنا وأبدانِنا ومن يَعُزُّ عَلينا ، وكلُّ ما أحسنتَ بهِ الينا.

واجعَل كلَّ لَيلةٍ ويومٍ حَضَرَ مِنهُ خَيراً ممّا مضى قَبلهُ ، وضاعِف لَنا خَيرَ ذلك وَفَضلَهُ حتى نَكون مُجتَهِدينَ بالاعمالِ والاقوالِ ، في زياداتِ الكمالِ والاقبالِ ، ومُتعوّضينَ من نُقصانِ الاعمارِ بانقِضاءِ اللَّيلِ والنَّهار ، بما نَظهَرُ بهِ مِنَ الاستِظهارِ لِلمَقامِ تحتَ التُرابِ والاحجارِ ، وَلِدفعِ هوال يَومِ الاخطارِ ، وَلِعمارةِ دارِ القرارِ.

فأدخِلنا في شَهرِنا هذا مَدخَلَ صدقٍ ، واقِمنا بهِ مَقامَ صِدقٍ ، وَأخرِجنا مخرَجَ صِدقٍ ، واجعَل لَنا مِن لَدُنكَ سُلطاناً نَصِيراً ، وَزِدنا في

٣٩

الدنيا اِنعاماً كثيراً ، وفي الاخرةِ نَعيماً ومُلكاً كَبيراً ، وابدَأ في ذلكَ بمن تُريدُ تقديمَهُ في الدُعآءِ عَلَينا ، وأنزِل عَلينا وكُلّ مُحسنٍ الينا رَحمَتَكَ يا أرحَمَ الراحِمينَ.

وأما الصلاة في أول ليلة من الشهر ، فانني وجدت في بعض الروايات عن مولانا جعفر بن محمد الصادق عليه أفضل الصلوات : ان من صلّى أول ليلة من الشهر وقرأ سورة الانعام في صلاته في ركعتين ، ويسأل الله تعالى أن يكفيه كل خوف ووجع امن في بقية ذلك الشهر مما يكرهه(١) باذن الله تعالى.

أقول : وأما ما يعمله عند وقت رؤية الهلال من يخاف من عدو يؤذيه ببعض الاهوال ، فاننا روينا : عن محمد بن قرة ـ باسناده ـ قال : روي عن النبي صلوات الله عليه أنه قال : « إذا خفت أحدا فأردت أن تكفى أمره وشره ـ أو كما قالعليه‌السلام ـ فاعتمد ليلة الهلال كأنك تومئ اليه بالخطاب وقل :( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ) (٢) فاحترقت ( ثلاثا ) ، وتومئ بهذه الكلمة نحو دار الرجل الذي تخافه ( وتقول ) : اللّهمَّ(٣) طُمَّهُ بالبلاءِ طَمَّاً ، وعُمَّهُ بالبلاءِ عَمّاً ، وارمِهِ بحجارَةٍ من سِجّيلٍ ، وَطَيركَ الابابِيلِ ، يا عليُّ يا عَظِيمُ.

ثم تقول مثل ذلك في الليلة الثانية من الشهر والليلة الثالثة ، فان نجع وبلغ ما تريده في الشهر الاول ، والا فعلمت مثل ذلك في الشهر الثاني ، تلتمس

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٣٣ / ١.

(٢) البقرة ٢ : ٢٦٦.

(٣) اثبتناها من نسخة « ن ».

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

15 ـ السيد جون فنيزات :

الكاتب الانجليزي السيد جون فينزات ، يقول : « محمد اعظم اولئك الذين يطلبون الخير للانسان ، وظهور محمد دلالة علىٰ احد اكمل العقول في جميع العالم ».

الىٰ هنا استمعتم الىٰ اعترافات بعض اكبر فلاسفة الشرق والغرب ، حول نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ودينه المقدّس وقرآنه المجيد.

وان جميع كل ما قاله العلماء والمثقفون في حقّه يحتاج الىٰ مجال اوسع من الوقت.

مثل ما اعترف به السيد باير(1) ، والدكتور ماركسي فلومانس الامريكي واستاذ جامعة واشنطن(2) المستشرق الالماني المعروف نولد(3) ، والسيد جول لابوم ، العالم الفرنسي الذي كتب فهرساً لمواضيع القرآن بالفرنسية ، وسائر العلماء الذين تحدثوا عن نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله والقرآن الكريم.

ومن خلال نقل هذا الموجز من الاعترافات التي ذكرناها عن علماء ومستشرقي الشرق والغرب ، يتضح جلياً بانّه ليست قلوب المسلمين في الشرق هي الوحيدة المفعمة بحب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هناك اُناس في قلب اوروبا المادية وامريكا الغارقة في زخارف الدنيا ، وصلهم شعاع من عظمة هذا الرسول الكريم

________________

(1) Bair

(2) Washington

(3) Nuldt

١٤١

فاتجهوا نحوه بقلوبهم ، علىٰ الرغم من سلطة البابوات والقساوسة وحراب الدول الاستعمارية ، وبالرغم من البيئة التي يعيشون فيها والمتطورة من الناحية المادية ، بحيث انهم لو كانوا غير مطلعين علىٰ تلك القوة الخلاقة وكيفية توالدهم وتناسلهم وتكوينهم ، لإدعوا الربوبية.

في تلك المجتمعات ، لو زرت المحافل العلمية لكبار العلماء ، لعرفت ان رجالاً كثيرون من اهل العلم والمعرفة ممن يحضون بأحترام الناس في جميع العالم ، يعشقون نبي الاسلام ، ذلك الرجل الاُمّي الذي كان يعيش ، قبل الف واربعمائة سنة في عالم مظلم وبين جاهلية لا توصف علىٰ رمال الحجاز.

لو وددتّم أيّها السادة المحترمون مزيد من الاطلاع علىٰ ما قاله كبار علماء اوروبا فيما يتعلق بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليكم بالرجوع الىٰ كتاب « محمد من منظار الآخرين ».

١٤٢

البحث في بعض قوانين الاسلام

الدكتور : ايها الشيخ ، الاعترافات التي نقلتها لنا عن كبار علماء الشرق والغرب حول نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله والقرآن وقوانينه ، قيمة ومهمة جداً ، ومع ذلك يبقىٰ هناك سؤال ، هو : مع ان هؤلاء العلماء والمستشرقين لم يكونوا مسلمين ومن اتباع نبي الاسلام ، فما هو سبب اعترافاتهم تلك ؟!

الشيخ : اهم موضوع ، جعل دنيا العلم تركع امام نبي الاسلام ، هو القوانين المحيرة التي جاء بها ذلك الرجل العظيم من قبل الله للمظلومين في العالم.

وكيف لا يركع كبار علماء الشرق والغرب أمام نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الذي جاء بقوانين من قبل الله لضمان سعادة البشر في مختلف المجالات ، فيما عجز الآخرون عن الاتيان بمثلها ، علىٰ الرغم من انه كان يعيش في عصر مظلم قبل أربعمة عشر قرناً في صحراء الحجاز وهو الاُمي الذي لم يدرس كلمة واحدة.

ولو اردنا البحث في هذا الامر بشكل علمي وعميق ، ودراسة قوانين الاسلام ومن ثم مقارنتها بقوانين سائر العالم ، فسوف يطول بنا الحديث فيما وقت سفرنا قصير لا يسع ذلك ، ولكن من اجل ان نعرف قيمة الدين الذي نتشرف ونفتخر باتباعه ، سنبحث في عموميات وكليات بعض قوانين الدين ، ولكي يتضح ايضاً ، ان اعتراف الشخصيات العلمية الكبيرة في العالم بما يتعلق

١٤٣

بالرسول والرسالة هو نتيجة لمشاهدة هذه الالتفاتات العلمية الظريفة الموجودة في تلك القوانين التي جاء بها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

المساواة في القانون

من خصوصيات الاسلام ، المساواة بين جميع الناس في القانون ، فالاسلام يرىٰ الجميع متساوين امام القانون ، ولا يرىٰ لأحد ميزة علىٰ آخر.

والقانون في الجهاز الديني يحكم الجميع بنحو واحد وبمنتهىٰ القوة ، وفي هذا الصدد يقول القرآن الكريم :

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (1) .

اصدقائي الاعزاء !

في ذلك العصر الذي كانت فيه الحروب العرقية والطبقية منتشرة بشدة في جميع انحاء العالم ، في ذلك العصر الذي كان فيه السود والفقراء فاقدين لجميع الحقوق الاجتماعية والفردية ، اعلن نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله المساواة التامة بين جميع البشر قانونياً من خلال ندائه السماوي الذي جاء به ، والغىٰ جميع الفوارق الوهمية التي أوجدت فوارق عميقة ورهيبة بين الناس ، واعلن امام غرور اهل الجزيرة العربية بصراحة :

________________

(1) سورة الحجرات : 13.

١٤٤

« لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض علىٰ أسود إلّا بالتقوىٰ ».

لقد بعث رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله في الضعفاء والفقراء والسود الحياة من جديد وجعلهم يتحركون في الحياة جنباً الىٰ جنب مع البيض والاقوياء والاغنياء.

وقد خطىٰ نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله خطوات واسعة ومهمة في مجال المساواة بين جميع الناس امام القانون ، ليس في ما مضى فقط ، بل لا زالت تلك القوانين على درجة كبيرة من الاهمية والقيمة والاحترام إلى اليوم.

أو ليس غريباً ؟! ان الفئات المحرومة في المجتمع ، والاشخاص الذين كانوا لا يملكون شيئاً من انفسهم امام رئيس القبيلة ، وكان عليهم ان يفتدوه بأرواحهم فضلاً عن اموالهم ، اصبحت بعد ان أنار الاسلام عقولها وبعث الحياة في جسدها ، ترد على صفعة رئيس القبيلة بصفعة مماثلة لها ، وتقتص لنفسها منه ، لقد استطاعت تلك الانامل الضعيفة بالمساواة التي طرحها الاسلام ان تلامس خدّ رئيس القبيلة الذي كان مالك الرقاب السابق ؟!

ان المساواة التي يطرحها الاسلام بين الناس امام القانون ، قوية وثابتة بشكل لا يستثنىٰ منها اي مقام ومسؤول او اية قوة.

ملك آل جفنة في قبضة القانون

كان جبلة بن الايهم ( الغساني ) من ملوك آل جفنة ، وقد اختار الاسلام ، وأراد ان يزور الخليفة آنذاك ، فتحرك نحو المدينة مع كوكبة من حاشيته ومعهم

١٤٥

خمسمائة حارس مدجج بالسلاح لحمايته والسير بين يديه.

وعندما قاربوا المدينة ارسلوا رسولاً يخبر الخليفة بقدومهم ، فخرج الخليفة في استقبالهم واكرمهم ، ودخلت قافلة جبلة المجلّلة المدينة وأهلها لا يعيرونهم أهمية ، بينما رجال القافلة مدججون بالسلاح ويرتدون افضل الملابس والمجوهرات.

وبعد ايام من دخولهم المدينة حان وقت الحج فخرجوا مع الخليفة الى مكة ، وكانت قافلتهم تحضىٰ بأحترام المسلمين اين ما حلّوا في الطريق حتىٰ وصلوا مكة.

لا بدّ ان يصفع ملك آل جفنة

وفي مكة وقع حادث جعل جبلة ملك آل جفنة يبتعد عن الاسلام ويرتد الىٰ النصرانية بعد ان كان مسلماً ، والحادث بشكل مختصر :

داس رجل عربي من قبيلة بني فزار برجله وهو لا يعلم ذيل حُلة جبلة التي كانت تخط وراءه الأرض وهو يطوف الكعبة(1) ، فغضب جبلة لذلك ، فأمسك بأنف الرجل وضغط عليه ، فتألم الرجل كثيراً ، فيما يذكر بعض المؤرخين انه صفعه علىٰ وجهه ، فسكت الرجل مضطراً وهو يرىٰ تلك المجموعة الكبيرة من الحرس مع جبلة اين ما يتحرك حتىٰ في طواف الكعبة.

________________

(1) كان طول الحلّة وجرّ الذيل في ذلك العصر وبين العرب ، من علامات الاشراف والترف ، وقد حكم عليها الاسلام بالكراهية.

١٤٦

لكن عدم امتلاك قوة لا يعني الضعف في حكومة العدل والقانون ، لأن المظلوم يعلم جيداً ان هناك يد القانون القوية هي التي تدافع عنه وتحميه.

وعندما وجد ذلك الرجل نفسه مظلوماً ومعتدىٰ عليه من قبل جبلة ، اشتكىٰ عند الخليفة استناداً الىٰ عدل الاسلام ، واخبر الخليفة بما جرىٰ.

وبعد ان سمع الحاكم ( الخليفة ) شكوىٰ الرجل ، احضر جبلة علىٰ الفور ، وسأله عمّا حدث.

ومقابل سؤال الحاكم ، أجاب جبلة بصراحة بأنه فعل ذلك ، وقال : لولا حرمة الكعبة لعاقبته بالسيف ! لأنه اعتدى عليّ.

وبعد ان اسمتع الحاكم الىٰ جواب جبلة ، قال : لقد تعديت يا جبلة علىٰ الرجل وهو مظلوم وانت تعترف بذلك ، واستناداً للقانون يجب ان ترضى الرجل منك ، او تستعد للقصاص.

لكن جبلة الذي لم يفهم علىٰ الظاهر معنىٰ القصاص ، تساءل : وكيف يقتص هذا الرجل مني ؟

فقال الخليفة : كما صفعته او ظغطت علىٰ انفه وآلمته ، يجب ان يصفعك او يضغط علىٰ انفك.

كاد جبلة ان يطير عقله بعد سماعه ذلك الكلام ، وتساءل متعجباً : كيف يمكن لهذا الرجل ان يصفعني وانا ملك آل جفنة القوي ، فيما هو رجل عادي من المسلمين.

١٤٧

فقال له الخليفة : ان الاسلام جمعك وايّاه وليس لك فضل عليه الّا بالتقوىٰ.

والاسلام لا يفرق بينك مع قوتك وهذا الرجل البسيط ، فالجميع متساوون امام قانون الاسلام.

فقال جبلة : كنت اتصوّر ان تزداد عزّتي ويزيد جلالي بالاسلام ، وتزيد كذلك سلطتي علىٰ اتباعي ورعاياي.

فقال له الخليفة : جبلة! لا تتحدث عبثاً ، فالجميع متساوون امام القانون.

وبعد ان شاهد جبلة هذه الصراحة ، طلب من الخليفة ان يمهلهه الليلة كي يتأمّل في الامر اكثر ، ويرضي الرجل من نفسه ، او ان يقول الرجل بالقصاص منه.

فوافق الخليفة علىٰ طلب جبلة ( طبعاً بعد ان اخذ موافقة الرجل ) ، لكن جبلة لم يشاهد بعد تلك الليلة ، لانّه فرّ ومن معه ليلاً من يد القانون ، واتّجه مباشرة الىٰ القسطنطنية عند هرقل ملك الروم ، وارتد الىٰ النصرانية(1) .

وهذه القصة التاريخية نموذج علىٰ المساواة التي طرحها الاسلام ، وهو ما حدث قبل اربعة عشر قرناً في ذلك العصر المظلم.

________________

(1) شرح نهج البلاغة للخوئي.

١٤٨

نماذج علىٰ التمايز العرقي في الغرب

اصدقائي الاعزاء !

هل يوجد في جميع العالم الغربي الذي اصمّ البشرية نداءهم بالمساواة. وهل يمكن ان نشاهد مثل ذلك النموذج العملي للمساواة في قلب تلك الدول ؟ وهل يمكن لفرّاش بسيط ان يقتص من رئيس جمهورية الولايات المتحدة الظالم ، اذا ما حصل عليه اعتداء من قبل ذلك المتجبرّ ؟ أ يستطيع ان يقتص منه ويصفعه ، مثل ما حدث في تلك القصة التاريخية ؟!

أيّها السادة المحترمون !

بين القول والعمل مسافة شاسعة ، لقد مضت سنوات طويلة ونحن نسمع بتساوي الاسود والابيض في جميع انحاء الغرب ، وقاموا بنشاطات عديدة لرفع التمايزات العرقية ، كما حدثت حروب دموية لألغاء التمايز بين السود والبيض في الغرب ، ومثال ذلك حرب الشمال والجنوب في الولايات الامريكية حيث كان الشمال يدعو لتحرير الرق ، فيما كان الجنوب يصرّ علىٰ بقاءه ، وقد استمرت تلك الحرب اربعة سنوات وقتل فيها من الشماليين ما يقرب مليون شخص ، فيما قدم الجنوبيون 258 الف قتيل ، ما عدىٰ 360 ألف جريح والدمار

١٤٩

الواسع الذي حدث نتيجة لتلك الحرب(1) .

ومع كل النشاطات التي في هذا المجال ، لا زال التمايز العنصري موجوداً في الولايات المتحدة الامريكية ! ولا زال السود المساكين لا يستطيعون دخول الفنادق المخصصة للبيض بطمائنينة ، او الدخول الى القطار المخصص للبيض ، ولا زال زواج الأبيض بالسوداء او العكس يعتبر عملاً دنيئاً ، ومن العار للأسر البيضاء ان يتزوج احد من افرادها او اقرباءها من السود المساكين ، ولا زالت فنادق البيض مفصولة عن فنادق السود هناك !

تحدثت بعض الصحف مؤخراً ان احدىٰ الشخصيات الافريقية المعروفة كان ينوي السفر الىٰ الولايات المتحدة ، فحجز بالهاتف قبل ايام من سفره غرفاً له ولرفاقه في احد الفنادق الامريكية المعروفة ، لكنه بعد ان وصل من المطار الىٰ الفندق المذكور وعرّف نفسه لمدير الفندق وطلب منه مفاتيح الغرف التي حجزها من قبل ، اجابه المدير بصراحة : هذا الفندق خاص بالبيض ، ولا يسمح لكم بدخوله لأنكم من السود !

ولا زالت هناك قطارات في امريكا ( تلك التي تتحرك بين مسافات طويلة ) فيها شرطة مسؤوليتهم المحافظة على النظام والحيلولة دون وقوع مشاجرات بين البيض والسود ، الذين يحدد لكل منهم اماكن خاصة ، لكن وعلىٰ الرغم من وجود الشرطة ، فأنه غالباً ما تقع مشاجرات دموية بين السود والبيض. وقبل مدة شاهدت في احدىٰ صحف طهران المسائية صورة لطفلين

________________

(1) تاريخ الولايات المتحدة الامريكية ، تأليف : الان نوينز وهنري ستيل كاماجر ، ترجمة : الدكتور محسن راهنما.

١٥٠

ابيض واسود ، وقرأت التعليق العجيب والمهم جداً تحت الصورة وهو : « الاطفال البيض والسود يدرسون في مدرسة واحدة جنباً الىٰ جنب » !

أليس عجباً ، ان تعتبر الدول الغربية دراسة الاطفال البيض والسود في مدرسة واحدة ، احدىٰ مفاخرها الاجتماعية ! وهذا غيث من فيض للحالة المأساوية التي يعيشها السود في امريكا والدول الاوروبية ، وأليس عجيباً ان لا يدرك البيض الامريكان والاوروبيون تلك الحقيقة وهي ان الاختلاف في اللون والعرف ليس دليلاً علىٰ الفضيلة والتفوق !

لكن مجرد اللون لا يعد سبباً للاستضعاف والحرمان في الاسلام ، فالمسلم الابيض يعمل جنباً الىٰ جنب مع اخيه الاسود في جميع المجامع الدينية سواءاً في القديم او اليوم ، ولا يشعر بأي انزعاج او ضجر ، وهم متساوون في الحقوق الاجتماعية وجميع شؤون الحياة ، يتزوجون منهم ويزوجونهم و كما ان الحكومة الاسلامية تستطيع ان تعطي اكبر المناصب السياسية او الدينية الىٰ السود علىٰ اساس الكفاءة ، وهو ما نملك عنه نماذج عديدة في تاريخ الاسلام ، وهذهِ من الامثلة علىٰ المساواة في الاسلام الذي جاء به النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الف واربعمائة سنة ، في حين ان عصر الذرّة اليوم لا زال يحلم بذلك.

١٥١

المساواة الاسلامية من منظار علماء اوروبا

يقول الدكتور غوستاف لوبون ، العالم الفرنسي الشهير في كتابه « حضارة الاسلام والعرب » :

« المساواة بين المسلمين علىٰ اكمل وجهها ، تلك المساواة التي يتحدّث عنها الاوروبيون جميعاً بشوق وحرارة ولا نجدها إلّا في طيات الكتب ، نجدها عملياً بين المسلمين ، وقد أصبحت من الأعراف الشرقية ، فالتمايزات الشديدة التي حدثت بين الفئات والطبقات في اوروبا اثر الثورة الصناعية والتي ستشهدها ثورات اكثر دموية اخرىٰ. غير موجودة بين المسلمين ، فالخادم والمرافق يستطيع ان يتزوج ابنة سيده دون ممانعة ومشكلة(1) ».

ويقول السيد لوبلاي(2) حوال المساواة في الاسلام :

«الانظمة المطبقة فيما يتعلق بالكادحين والعمال ونتائجها السيئة التي ظهرت في اوروبا ، لا يزال المسلمون مصانون منها ، فلا زالت تسودهم انظمة اساسية تصلح بين الغني والفقير والسيد والعبد ، وتجعلهم قريبون من بعضهم ، مثل صلاة الجماعة والمسجد والحج ، ويكفي القول ان بعض الدول الاوروبية المتسلّطة التي ترىٰ ان تتعلّم منها تلك الدول ( الاسلامية ) الكثير ، عليها هي

________________

(1) يفهم من هذا الكلام ان التمايز الطبقي في اوروبا وصل الىٰ حدّ يتعجب فيه الدكتور غوستاف لوبون من زواج المرافق والخادم من ابنة سيده ، ويعتبر ذلك حدثاً غير عادياً.

2 ـ Mu. le.play

١٥٢

ان تتعلّم منهم دروساً كثيرة ( مثل المساواة ).

والحقيقة ان نموذج الحكومة الديمقراطية « حكم الشعب » يعمل به في الاسلام بأحسن وجه ، لانه ومع وجود خليفة مقتدر فأن الجميع متساوون امام القانون وليس هناك وضيع أو شريف أو غني أو فقير ، والحقوق تراعىٰ بالكامل ، لقد الغىٰ الاسلام التمايزات العائلية والطبقية والقبلية والقومية ، وقال بأن جميع المسلمين متساوون واُخوة امام الاسلام ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

أجل ، لم يساوي الدين الاسلامي المقدس بين المسلمين من قبل فقط من الناحية القانونية ، بل لو اسلم قوم في اقصىٰ نقاط الدنيا وكانوا من اكثر الناس تخلفاً ، فأنهم ومنذ لحظة اسلامهم يصبحون اخوة لسائر المسلمين ومتساوون معهم في الحقوق والواجبات ولا يحق للحكومة الاسلامية ان تعتدي عليهم او تهاجمهم ».

يقول الدكتور غوستاف لوبون في هذا الصدد :

«لم يكن العرب يستطيعون الضغط علىٰ مختلف الاقوم في البلاد التي فتحوها ، لإن اولئك الناس دخلوا الاسلام وقبلوا احكامه وقوانينه برضىًٰ وارادة ، وجميع المسلمين ( من اي قوم كانوا ) متساوون واخوة برأي الحكومة الاسلامية وهذه الاخوة والمساواة مبينة على اساس احكام القرآن ، الذي لا يستطيع الفاتحون العرب تغيره ، وبذلك اتحد الغالب والمغلوب وشكلوا امة قوية كبيرة ، وقد استمرت هذهِ الوحدة وهذا الاتحاد علىٰ مدىٰ حكم العرب وخلافتهم ».

١٥٣

مسألة الرّق وحلولها

تطرّقنا الىٰ مسألة التمايز العرقي ونفي هذا النوع من التفوق والافضلية بين البشر من الناحية القانونية ، وقد يتساءل البعض ، اذن ما هي قصة « العبد والجارية » التي يعترف بها الاسلام رسمياً ؟

وفي جواب ذلك السؤال ، نقول ان الحقيقة خلاف ذلك ، فالاسلام لم يقرّ مسألة الرّق ، بل وضع لها حلّاً تدريجياً وسريعاً ومن عدّة طرق.

وبسبب سعة الموضوع وعدم امكانية شرحه بشكل كافي من جهة ، ولأهميته من جهة اخرىٰ ، فأننا سنتعرض له بشكل سريع ومختصر.

1 ـ لم يأت الاسلام بالرّق ، بل وجده حقيقة واقعة في المجتمع الذي نزل فيه ، اذن ، لا علاقة لأصل المسألة بالاسلام.

2 ـ لم يكن باستطاعة الاسلام ، كما لم يكن عملياً اساساً ، نفي الرّق بشكل كامل ابتداءً ، بسبب ترسخه في ذلك المجتمع ، ولانه ليست هناك ثورة استطاعت تطبيق جميع اهدافها بمجرد الاعلان عن نفسها مباشرةً ، ويجب ان لا ننسىٰ الحقيقة العلمية التي تقول ان التغير النوعي لا يحدث الّا بعد طي مراحل كميّة.

فإذا لم تكن هناك مراحل كمية ، يكون الأمر تطرفاً ولربما يواجه ردود فعل حادة أيضاً ، مما يعرّض « أصل الدين » الىٰ خطر حقيقي ، ولأثبات هذه

١٥٤

الحقيقة يكفي ان نشير الىٰ قرار ألغاء الرّق في أمريكا الذي أعلنه ابراهام لينكولن ، رئيس الجمهورية سنة 1816 ، والذي ادىٰ الىٰ وقوع الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب والمآسي التي تعرضت لها ولايات الشمال والجنوب علىٰ السواء ، ( كان الجنوب يعارض الغاء الرّق بسبب دورهم في الانتاج الزراعي هناك(1) فلم تكن ولايات الجنوب متطورة مثل ولايات الشمالي كي تستبدل العبيد بالآلات الصناعية في الانتاج ).

أو الاصلاح الذي حدث في جنوب فيتنام الشمالية علىٰ يد حكومة « هانوي » و « فيت مين » ولأنها كانت مستعجلة وبدون طي مراحل كميّة ، ادت الىٰ مقتل عشرة آلاف شخص(2) الىٰ ان تدخل « هوشه مينه » شخصياً وانهىٰ المسألة.

والآن ، مع الأخذ بالعديد من الحقائق التاريخية والعلمية ، ومع الأخذ أيضاً بدور الرّق ، المهم والاساسي في المجالات الانتاجية والخدماتية في مجتمع الجزيرة العربية قبل اربعة عشر قرناً ، أليس من البساطة ان يقول شخص : « لماذا لم يلغي الاسلام منذ الوهلة الاولىٰ الرّق ، ولم يمنعه تماماً ؟! » فهل كان هذا الامر عملياً وممكناً اساساً ؟! وهل توجد في تاريخ العالم ايديولوجية ثورية استطاعة تطبيق جميع اهدافها بعد انتصارها مباشرةً ، حتىٰ يكون الاسلام ثانيها ؟!

3 ـ لقد تحدث القرآن في ستة اماكن عن « حرية العبد » وقد اوصىٰ او امر

________________

(1) من اجل معلومات اُخرى في الموضوع ، راجع :

تاريخ الولايات المتحدة الامريكية ، تأليف : الان نوينز وهنري ستيل كاماجر.

(2) يمكن الرجوع في ذلك الىٰ كتاب « حياة هوشي مينه ».

١٥٥

به(1) في حين انّه لا نجد فيه ما يقول بأخذ الرق او « الاستبعاد » بتاتاً.

4 ـ وضع الاسلام طرقاً « تدريجية » او مرحلية ولكن مؤثرة وحاسمة لحل مسألة الرّق ونفيها بشكل كامل ، وهي كثيرة جداً ، منها :

أ ـ العقود الثنائية بين المالك والمملوك ، مثل « المكاتبة » او « التدبير » والذي ينتهي الىٰ عتق العبيد ، وقد اقرّها الاسلام ( خاصة الدور الذي تلعبه الحكومة الاسلامية في هذا الصدد ، من خلال مساعدتها للرّق مالياً من اجل تحريرهم ).

ب ـ هناك بعض الذنوب ، اشترط الاسلام تحرير العبيد للتكفير عنها. ( الكفارات ).

ج ـ يصرف قسم من ميزانية الدولة ( الزكاة ) لشراء العبيد من قبل الحكومة وعتقهم ، وقد امر القرآن بذلك.

د ـ وفي النهاية ، جاء في بعض الروايات الاسلامية ، انه لو كان احد المسلمين يمتلك عبداً ( غلاماً او جارية ) ولم تشمله الطرق التي ذكرناها اعلاه لكي يعتق ، فأنه يعتق بعد ثلاثة سنوات ( قبل المالك او لم يقبل ). هذا بالاضافة الىٰ التوصيات والتأكيدات الكثيرة التي وصىٰ بها الاسلام وأمر بها لتحرير العبيد من الغلمان والجواري ، خاصة وصاياه في الزواج من الجواري لان الزواج منهن كان مساوياً الىٰ حدّ ما بتحريرهن ، لانه كان عليهم ان يعتقوهن اولاً ومن ثم الزواج منهنّ.

________________

(1) راجع القرآن الكريم : سورة النساء الآية 92 ، وسورة المائدة الآية 89 ، وسورة المجادلة ، الآية 3 ومن ثم الآية 13 من نفس السورة.

١٥٦

5 ـ في الفترة التاريخية ما بين ظهور الاسلام وحتىٰ تهيئة الارضية لألغاءه ، اوصىٰ الاسلام واكد كثيراً علىٰ حسن معاملتهم ومراعاة الانصاف والعدل والمساواة معهم ، للحد الذي قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « واطعموهم مما تطعمون وألبسوهم مما تلبسون » لكي يشعروا أنهم جزءاً من الاسرة التي يعيشون معها ولهم حقوقهم وامتيازاتهم فيها.

6 ـ ذمّ الاسلام كثيراً ، عمل « بيع العبيد » ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « شرّ الناس من باع الناس » كما ان هناك روايات كثيرة بهذا المعنىٰ.

7 ـ أمّا فلسفة وجود بعض الغلمان والجواري في بيوت الائمة المعصومين ، فهو امران :

الاول : كان الائمة يريدون من ذلك تقديم نموذج عملي لحسن معاملة الغلمان والجواري والاحسان اليهم والانصاف معهم والمساواة ، بل كانوا بعض الاحيان يقدمونهم علىٰ انفسهم ، لكي يتعلم المسلمون عملياً كيفية التعامل مع العبيد ما داموا في بيوت اسيادهم غير معتقين. والشاهد على ذلك تاريخ حياة « فضّة » بعنوان جارية في بيت فاطمةعليها‌السلام .

كانت بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تقسم عمل البيت يومياً من الطحن بالرحىٰ وعمل العجين والخبز والعناية بالاطفال مع فضّة ، ولم يكن للزهراءعليها‌السلام اي ميّزة في البيت.

الثاني : كانوا يعلّمون الآخرين كيف يشترون العبيد ( ويخرجوهم من حالة مجرد « بضاعة » تدار في السوق ) ويعتقونهم مباشرة أو بعد فترة قصيرة في المناسبات المختلفة ، مثل عيدي الفطر والاضحىٰ وامثالها ، بشكل جماعي او

١٥٧

فرادىٰ ، ويخلصوهم بذلك من حياة العبودية ، وهذا ما كان يفعله الائمة لكي يعلموا الناس ذلك.

8 ـ تجدر الاشارة الىٰ ان الفصل الذي تبحث فيه المسائل المتعلقة بالرّق في الفقه الاسلامي ، يسمى كتاب « العتق » وهو دليل علىٰ سياسة الاسلام العامة فيما يتعلق بالرّق.

ومع الأخذ بالمسائل التي طرحناها بصورة سريعة هنا ، فيما يتعلق بالرّق ، يتضح جلياً ، انه لم يكن ممكناً للاسلام فقط الاطاحة بنظام ظالم مثل الرّق الذي كان متأصلاً في مجتمع ذلك اليوم دفعة واحدة ، بل هو غير ممكن من الناحيتين العلمية والثورية أيضاً ، ومع ذلك فقد وظف هذا الدين السماوي جميع امكانياته واستخذم جميع الطرق والاساليب لمحو هذا العار من جبين البشرية ولكي يقتلعه من الاساس في المجتمع ، وهو العمل الذي نجح فيه الاسلام بأتم وجه.

وفي ختام هذا البحث ، لابد من الاشارة الىٰ هذه الاشكالية وهي : لماذا يجيز الاسلام استخدام اسرىٰ الحرب بعنوان عبيد في بعض الاحيان ؟ ومن اجل فهم هذا السؤال جيداً ، يجب الالتفات الىٰ ان الاسلام لم يكن يملك الا سبيلاً واحداً من بين عدة سبل ، فيما يتعلق بأسرىٰ الحرب :

1 ـ السبيل الاول هو اطلاق سراح جميع اسرىٰ الحرب ، وفي هذه الحالة تواجه الامة الاسلامية مشكلتين :

الاُولى : ان هؤلاء الاسرىٰ الذين اطلق سراحهم هم من اعداء الاسلام وسيعودون مباشرة الىٰ صفوف الكافر بعد اطلاق سراحهم ، وسيقفون ثانية في

١٥٨

الجبهة المواجهة للأسلام.

أمّا المشكلة الثانية : هي ان اطلاق سراح الاسرىٰ يكون من جانب المسلمين فقط وبما ان الكفار لا يطلقون سراح اسرىٰ المسلمين ففي حال تبادل الاسرىٰ. لا يكون بأيدي المسلمين ما يبادلونه بأسراهم.

2 ـ ابادة جميع اسرىٰ الكفار ، وهذا العمل ، اولاً ، غير صحيح في الحالة العادية وليس انسانياً ابداً وثانياً ، سيؤدي الىٰ ان يقوم الكفار بالمثل ويقتلون جميع اسرىٰ المسلمين.

3 ـ سجن اسرىٰ الحرب ، وهذا الفرض يستلزم اولاً ، اهدار قوة بشرية كبيرة في السجون ، وثانياً ، تحميل الدولة الاسلامية مصاريف باهضة اقتصادياً وانسانياً وامنياً.

4 ـ استبعاد هؤلاء والاستفادة منهم في العمل ، وهو الحلّ المنطقي والصحيح الوحيد الذي كان للاسلام ، لانه وبهذا العمل ، اولاً ، يستخدم بشكل جيد قوىٰ الاسرىٰ ويوظفها في مجالات الانتاج والخدمات وفي المجالات الثقافية احياناً.

وثانياً ، تعتبر البيئة الاسلامية ( وكما حدث بالفعل ) مركز تأهيل وتربية بالنسبة لهؤلاء الاسرىٰ ، لكي يتعرفوا علىٰ نظام العدل الاسلامي واحكامه وقوانينه الانسانية ، وثالثاً ، كانوا يعتبرون رهائن بيد المسلمين لمبادلتهم في اللحظة المناسبة بأسرىٰ المسلمين الذي وقعوا بيد الكفار.

١٥٩

النظام الاقتصادي الاسلامي

وهنا أجد من الضروري الحديث عن المذهب الاقتصادي في الاسلام وطريقته في توزيع الدخل والموارد والثروات الطبيعية ، ولأن هذا البحث يحتاج الىٰ دراسة موسعة ودقيقة ، فسأكتفي بالاشارة الىٰ بعض النقاط فيما يتعلق به :

1 ـ النظام الاقتصادي الاسلامي غير طبقي وهو لا يعرف التمايز بين الاشخاص اساساً.

2 _ يرىٰ الاسلام ان الاصالة « للعمل » فقط ، ويصرّح :

( وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ) (1)

ومع ذلك فإذا كانت نتيجة العمل هي جمع المال وكنزه ، فالاسلام لم يجز ذلك أيضاً ، وقد أمر بانفاقه في سبيل الله ، قال تعالى :

( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) (2) .

3 ـ الهدف من الانفاق في الاسلام هو ملء الفراغ الطبقي ، او حسب تعبير الروايات « لكي يستغني الفقير » وتصبح مستوياتهم المعيشية متقاربة ، وهو ما

________________

(1) سورة النجم : 39.

(2) سورة التوبة : 34.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317