المقام الاسنى في تفسير الأسماء الحُسنى

المقام الاسنى في تفسير الأسماء الحُسنى42%

المقام الاسنى في تفسير الأسماء الحُسنى مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 137

  • البداية
  • السابق
  • 137 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72152 / تحميل: 6896
الحجم الحجم الحجم
المقام الاسنى في تفسير الأسماء الحُسنى

المقام الاسنى في تفسير الأسماء الحُسنى

مؤلف:
العربية

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

للدعاء شروط ...

منها : أن يبتدئ الداعي بتمجيد الله وذكره باسمائه الحسنى.

فالدعاء يرتبط بالاسماء الحسنى من جهتين :

١ ـ معرفة عدد الاسماء الحسنى لله تعالى.

٢ ـ معرفة معنى الاسماء الحسنى لله تعالى.

وهذا الكتاب : المقام الاسنى في تفسير الاسماء الحسنى الّذي نقدّمه إلى قرّائنا الأعزّاء يتكفّل ببيان هاتين الجهتين.

وهو من تأليف شيخ العرفاء ـ الذي سلك في عرفانه منهج أهل البيتعليهم‌السلام ـ العالم الخبير ابراهيم بن علي الكفعمي ، تغمّده الله برحمته.

وقد طبع الكتاب ولأوّل مرّة في نشرة تراثنا العدد (٢٠) سنة ١٤١٠ ه‍ بتحقيق الشيخ فارس الحسون.

ولأهميّة الكتاب وسهولة عبارته وحسن ترتيبه ارتأت مؤسسة قائم آل محمّد عجّل الله فرجه الشريف إعادة طبعه مع إضافة الفهارس إليه.

مؤسسة قائم آل محمّد (عج)

٣

٤

ب سم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله المعصومين ، واللعن على اعدائهم أجمعين.

وبعد ، غير خفيّ على اُولي الألباب : أنّ الدعاء هو الرابط الروحي بين العبد والمولى ، وأنّه من أحبّ الأعمال إلى الله ، لأنّه مخّ العبادة وسلاح المؤمن ، ومفاتيح الجنان ، ومقاليد الفلاح ، وشفاء من كلّ داء ، وهو يردّ ما قدّر وما لم يقدّر حتّى لا يكون.

وتبلغ أهمّية الدعاء درجة بحيث يأمر الله سبحانه وتعالى عباده بالدعاء ويضمن لهم الإجابة ، ويجعل الّذين لا يدعونه من المستكبرين فيدخلون جهنّم داخرين.

ولكن أيّ دعاء هذا بحيث يتّصف بهذه الصفات ؟ وأيّ دعاء هذا بحيث يأمر المولى به ويضمن الإجابة عليه ؟

نعم هو الدعاء الخارج من قلبٍ مملوءٍ حبّاً للمولى ، من قلبٍ مجروحٍ ، من قلبٍ عاشقٍ ، من قلبٍ طاهرٍ ...

هو الدعاء الذي تسبقه العبرة والدمعة الدالّة على الاشتياق إلى لقاء المحبوب ...

٥

هو الدعاء الذي يرقّ قلب داعيه ويقشعرّ جلده ...

هو الدعاء في جنح الليل المظلم ، إذا نامت العيون وهدأت الأصوات وسكنت القلوب ...

هو الدعاء الذي يسبقه الإقرار بالذنب ...

هو الدعاء الذي يكون داعيه كأنّه يرى نفسّه واقفة بين يدي المولى ...

هو الدعاء الذي يسبقه الثناء على الله والمدح والتمجيد له ، والصلاة على النبي وآله ، فالدعاء محجوب حتى يُصلّى على محمد وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...

فيثني الداعي على الله قبل الدعاء ويمدحه ويمجّده بذكر اسمائه الحسنى التي نَعَتَ بها نفسه ، أو نَعَتَه بها أولياؤه وخلفاؤه وحججه ، فاسماء الله سبحانه توقيفية ، والعبد لا يستطيع أن يتجرّأ على المولى ويسمّيه باسمٍ ما أو يصفه بصفةٍ ما ، ولولا رخصة الله تعالى لعباده بالدعاء ، بل أمرُه إيّاهم به ، لما استطاع أحد من العباد أن يتجرّأ على المولى ويقف بين يديه ويعبده ويطلب منه حاجته لكن وسعت رحمته كل شيء.

وعلى كل حال فالثناء والمدح بذكر اسمائه الحسنى إذا كان خارجاً من قلب عارف عالم بها واقف على معانيها أفضل بكثير من غيره ، إذ المعرفة بها والوقوف على معانيها تهيّئ للعبد شرائط الدعاء وتجلب الدمعة وترقّ القلب.

وهذه الرسالة التي نحن بصددها ، تتكفّل ببيان هذا الأمر وتوضيحه ، اُقدّمها إلى القرّاء الكرام ، راجياً منهم أن لا ينسوني من صالح الدعوات.

المؤلف :

الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح بن إسماعيل الكفعمي مولداً ، اللويزي محتداً ، الجبعي أباً(١) .

__________________

(١) فالكفعمي : نسبة إلى « كفر عيما » ، قرية من ناحية الشقيف في جبل عامل قرب جبشيت ، واقعة في سفح الجبل مشرفة على البحر ، واللويزي : نسبة إلى اللويزة ، قرية في جبل عامل ، ويقال : اللويزاوي

٦

أحد أعيان القرن التاسع الجامعين بين العلم والأدب ، والكمال والعرفان ، والزهد والعبادة. ويُحكى في كثرة عبادته : أنّه كان يقوم بجميع العبادات المذكورة في مصباحه ، وتقوم زوجته بما لا يتّسع له وقته منها.

مشايخ إجازته الّذين يروي عنهم :

يروي الشيخ الكفعمي عن :

والده الشيخ زين الدين علي بن الحسن ، وكان من أعاظم الفقهاء والورعين ، وقد ينقل عنه في كتابيه الكبيرين ، معبّراً عنه : بالفقيه الأعظم الأورع.

أخيه الشيخ شمس الدين محمد ، صاحب كتاب « زبدة البيان في عمل شهر رمضان ».

السيد الشريف الفاضل حسين بن مساعد الحسيني الحائري ، صاحب كتاب « تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار ».

الشيخ زين الدين البياضي ، صاحب كتاب « الصراط المستقيم ».

السيد الحسيب علي بن عبد الحسين الموسوي الحسيني ، صاحب كتاب « رفع الملامة عن علي في ترك الإمامة » وكان بينهما مكاتبات ومراسلات بالنظم والنثر.

أقوال العلماء في حقّه :

المحدّث الحرّ العاملي : كان ثقة فاضلاً شاعراً عابداً زاهداً ورعاً [ أمل الآمل ١ / ٢٨ ].

العلاّمة المجلسي : من مشاهير الفضلاء والمحدّثين والصلحاء المتورّعين [ أعيان الشيعة ٢ / ١٨٥ نقلاً عن « تكملة الرجال » لعبد النبي الكاظمي حيث ذكر أنّه نقله عن خطّ الشيخ المجلسي ].

__________________

أيضاً من باب زيادات النسب ، والجبعي نسبة إلى جبع ، ويقال : جباع ـ بالمد ـ وهي قرية على رأس جبل عامل ، ويقال أيضاً : الجباعي من باب زيادات النسب.

٧

العلاّمة المجلسي : وكتبُ الكفعمي أغنانا اشتهارها وفضل مؤلفها عن التعرّض لحالها وحاله [ البحار ١ / ٣٤ ].

المولى عبدالله الأفندي : العالم الفاضل الكامل الفقيه المعروف بالكفعمي ، من أجلّة علماء الأصحاب له يد طولى في أنواع العلوم سيما العربية والأدب ، جامع حافل كثير التتبّع في الكتب [ رياض العلماء ١ / ٢١ ].

العلاّمة الخوانساري : الشيخ العالم الباذل الورع الأمين والثقة النقة الأديب الماهر المتقن المتين [ روضات الجنّات ١ / ٢٠ ].

القمي : كان ثقة فاضلاً أديباً شاعراً زاهداً عابداً ورعاً [ الكنى والألقاب ٣ / ٩٥ ].

العلاّمة المامقاني : من مشاهير الفضلاء والمحدّثين والصلحاء والمتورّعين ، وكان بين زماني الشهيدين ـ رحمهما الله ـ ، ووصفه في فهرست الوسائل بالورع ، وعدالته لا تكاد تحتاج إلى بيان [ تنقيح المقال : ١ / ٢٧ ].

السيد الأمين : وكان واسع الاطّلاع طويل الباع في الأدب ، سريع البديهة في الشعر والنثر كما يظهر من مصنّفاته خصوصاً من شرح بديعيته ، حسن الحظّ [ أعيان الشيعة ٢ / ١٨٥ ].

السيد الصدر : هو العالم الكامل المعروف بالكفعمي [ تكملة الأمل : ٧٦ ].

العلاّمة الأميني : أحد أعيان القرن التاسع الجامعين بين العلم والأدب ، الناشرين لألوية الحديث والمستخرجين كنوز الفوائد والنوادر وقد استفاد الناس بمؤلفاته الجمّة وأحاديثه المخرجة وفضله الكثير ، كل ذلك مشفوع منه بورع موصوف وتقوى في ذات الله إلى ملكات فاضلة ونفسيّات كريمة ، حلّى جِيد زمنه بقلائدها الذهبية وزيّن معصمه بأسورتها وجلّل هيكله بأبرادها القشيبة ، وقبل ذلك كلّه نسبه الزاهي بأنوار الولاية المنتهي إلى التابعي العظيم الحارث بن عبدالله الأعور الهمداني ، ذلك العلوي المذهب العليّ شأنه الجليّ برهانه الذي هو من فقهاء الشيعة [ الغدير ١١ / ٢١٣ ].

٨

المقري : وما رأيت مثله في سعة الحفظ [ أعيان الشيعة ٢ / ١٨٥ نقلاً عن نفح الطيب ٤ / ٣٩٧ ].

الزركلي : أديب من فضلاء الإمامية له نظم ونثر [ الأعلام ١ / ٥٣ ].

كحّالة : مفسّر محدِّث فقيه أديب وشاعر [ معجم المؤلفين ١ / ٦٥ ].

مولده ووفاته :

لم يذكر أحد ممّن ترجم الشيخ الكفعمي من الأوائل تاريخ ولادته ووفاته ، على عادة أصحابنا في التهاون بتاريخ المولد والوفاة ومعرفة الطبقات بل مطلق التاريخ ، مع حافظة غيرهم على ذلك ، مع ما فيه من الفوائد.

وما حدّده بعض العلماء من تاريخ ولادته ووفاته استناداً إلى بعض القرائن، فهو إلى الحدس أقرب منه إلى الحسّ.

بل ما ذكره السيد الأمين في الأعيان ٢ / ١٨٤ من أنّه : ولد سنة ٨٤٠ كما استفيد من اُرجوزة له في علم البديع ذكر فيها أنّه نظمها في سنّ الثلاثين ، وكان الفراغ من الاُرجوزة سنة ٨٧٠ فهو بعيد عن الصواب جدّاً ، لأنّ السيد الأمين نفسه قال في الأعيان ٢ / ١٨٥ : وجد بخطّه ـ أي الكفعمي ـ كتاب دروس الشهيدقدس‌سره فرغ من كتابته سنة ٨٥٠ وعليه قراءته وبعض الحواشي الدالّة على فضله. وعدّ في ص ١٨٦ من تآليفه كتاب حياة الأرواح ، وقال : فرغ من تأليفه سنة ٨٤٣.

قال السيد حسن الصدر في تكملة الأمل ص ٨١ : وفرغ من نسخ كتاب الدروس للشهيد ـ وهو عندي بخطّه وعليه قراءته وبعض حواشيه ـ ٨٥٠ ، ولا أظنّه ينقص عن الثلاثين عند فراغه من الدروس ، فيكون يوم فراغه من المصباح في حدود ٧٥.

وقال المولى الأفندي في الرياض ١ / ٢٢ : وله مجموعة كثيرة الفوائد مشتملة على مؤلفات عديدة رأيتها بخطّه في بلدة إيروان من بلاد آذربايجان ، وكان تاريخ إتمام

٩

كتابة بعضها سنة ٨٤٨ لخمس بقين من شهر رمضان ، وتاريخ بعضها سنة ٨٤٩ ، وتاريخ بعضها ٨٥٢.

وعلى قول السيد الأمين يكون الشيخ الكفعمي عند فراغه من تأليف المصباح ابن ٥٥ سنة ، مع أنّا نراه في قصيدته الرائية في مدح الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام المذكورة في المصباح : ٧١٠ ، يقول :

بحقّك مولايَ فاشفع لِمَن

أَتاكَ بمدح شفاء الصدورِ

هو الجبعي المسيء الفقيرُ

إلى رحماتِ الرحيمِ الغفور

من الحسناتِ خلا قدحُهُ

فما من فتيلٍ ولا من نقيرِ

خطاياهُ تحكي رمالَ الفلاة

ووزن اللكامِ واُحد وثَورِ

وشيخ كبير له لمّةٌ

كساها التعمرُ ثوب القتير

فجموع ما ذكرناه يعطينا خبراً أنّ المترجم له كان في سنة ٨٤٣ مؤلفاً صاحب رأي ونظر ، يثني على تآليفه الأساتذة الفطاحل ، وأنّه حينما ألّف المصباح سنة ٨٩٤ كان شيخاً هرماً كبيراً.

وما استظهره العلاّمة الطهراني من القرائن في الذريعة ٣ / ٧٣ و١٤٣ من أنّه ولد سنة ٨٢٨ ، فلا يخلو من بعد.

وذكر الحاج خليفة في كشف الظنون ٢ / ١٩٨٢ أنّه توفي سنة ٩٠٥ ، وكذا ذكره العلاّمة الطهراني في الذريعة ٧ / ١١٥ و ٣ / ٧٣ و ١٤٣ تبعاً لصاحب كشف الظنون. وفي الأعيان ٢ / ١٨٤ : وفي الطليعة أنّه توفّي في سنة ٩٠٠.

وعلى كل حال فالقدر المتيقّن أنّه ولد أوائل القرن التاسع في قرية كفر عيما ، وكان عصره متّصلاً بزمن خروج الشاه إسماعيل الصفوي.

وأقام الشيخ الكفعمي مدّة في كربلاء المقدّسة ، وعمل لنفسه في كربلاء أزجاً لدفنه بأرض الحسينعليه‌السلام تسمّى « عقيراً » فأنشد وهو وصية منه إلى أهله وإخوانه في ذلك :

١٠

سألتكم بالله أن تدفنوني

إذا متّ في قبرٍ بأرض عقيرِ

فإنّي به جار الشهيد بكربلا

سليل رسول الله خير مجيرِ

فإنّي به في حفرتي غير خائف

بلا مرية من منكر ونَكيرِ

أمنت به في موقفي وقيامتي

إذا الناس خافوا من لظى وسعيرِ

فإنّي رأيتُ العرب يحمي نزيلها

ويمنعه من أن ينال بضيرِ

فكيف بسبطِ المصطفى أن يذودَ

مَن بحائره ثاوٍ بغير نصيرِ

ثم عاد إلى جبل عامل وتوفي بها ، ووفاته إمّا في آخر القرن التاسع أو أوائل القرن العاشر ، والله أعلم. ودفن في قرية جبشيت ، من قرى جبل عامل ، ثم خربت القرية فنزح أهلها منها وأصبحت محرثاً ، فلمّا خربت اختفى قبره بما تراكم عليه من التراب ، ولم يزل مستوراً بالتراب إلى ما بعد المائة الحادية عشر لا يعرفه أحد ، فظهر عند حرث تلك الأرض وعرف بما كتب عليه ، وهو : هذا قبر الشيخ إبراهيم بن علي الكفعميرحمه‌الله .

قال المولى الأفندي في الرياض ١ / ٢٢ : وحكى لي بعض أفاضل الثقات من سادات جبل عامل ـ متّعنا الله بدوام عمره وإفضاله ـ عن بعض ثقات أهل تلك النواحي من عجيب ما اتّفق فيهم قريباً من هذه الأعصار : أنّ حرّاثاً منهم كان يكرب الأرض بثوره ، فاتّفق أن اتّصل رأس جارّته حين الكراب بصخرة عظيمة اقتلعها من الأرض ، فإذا هو من تحتها بجمثان مكفون قد رفع رأسه من التراب كالمتحيّر الفَرِق المستوحش ، ينظر مرّة عن يمينه واُخرى عن شماله ويسأل من كان عنده : هل قامت القيامة ؟ ثمّ سقط على وجهه في موضعه ! فاُغمي على الراعي من عظم الواقعة ، فلمّا أفاق من غشيته وجعل يبحث عن حقيقة الأمر رأى مكتوباً على وجه تلك الصخرة صفة صاحب العنوان : هذا [ قبر ] إبراهيم بن علي الكفعميرحمه‌الله .

وقال السيد حسن الصدر في تكملة الأمل ص ٧٦ : وحدّثني بعض الأجلّة الثقات أنّ قبره كان مخفيّاً وظفر به في المائة الحادية عشر ، وله حكاية غريبة

١١

مشهورة ، وأيضاً قد روى هذه الحكاية سيّدنا آية الله العلاّمة صدر الدين العاملي عن بعض الثقات من أهل البلاد.

وقال السيد الأمين في الأعيان ٢ / ١٨٤ : وبعض الناس يروي لظهوره حديثاً لا يصحّ ، وهو : أنّ رجلاً كان يحرث فعلقت جارّته بصخرة فانقلعت فظهر من تحتها الكفعمي بكفنه غضّاً طريّاً فرفع رأسه من القبر كالمدهوش والتفت يميناً وشمالاً ، وقال : هل قامت القيامة ؟ ثمّ سقط فاُغمي على الحارث ، فلمّا أفاق أخبر أهل القرية فوجدوه قبرَ الكفعمي وعمّروه ، وقد سرى تصديق هذه القصة إلى بعض مشاهير علماء العراق ، والحقيقة ما ذكرناه ، ويمكن أن يكون الحارث الذي عثر على القبر زاد هذه الزيادة من نفسه فصدّقوه عليها. إنتهى.

وحكمه هذا ـ أي : عدم صحّة الواقعة ، وإمكان أن يكون الحارث زاد هذه الزيادة من نفسه ـ في غير محلّه ، إذ لا استبعاد من وقوع مثل هذه الواقعة ، بالأخصّ من الشيخ الكفعمي شيخ العارفين ، فهل يستبعد العقل أن يجعل الله هذه الكرامة للشيخ الكفعمي ليبيّن فضله للناس ؟ وما حاجة الحارث إلى اختلاق هذه القصة !

آثاره :

قال المولى الأفندي في الرياض ١ / ٢١ : ثمّ له ـ عفى الله عنه ـ يد طولى في أنواع العلوم سيما العربية والأدب ، جامع حافل ، كثير التتبّع في الكتب ، وكان عنده كتب كثيرة جدّا ، وأكثرها من الكتب الغريبة اللطيفة المعتبرة ، وسماعي أنّهقدس‌سره ورد المشهد الغرويّ وأقام به وطالع في كتب خزانة الحضرة الغروية ، ومن تلك الكتب ألّف كتبه الكثيرة في أنواع العلوم المشتملة على غرائب الأخبار ، وبذلك صرّح في بعض مجاميعه التي رأيتها بخطّه. إنتهى.

فمن مؤلفاته القيّمة :

(١) البلد الأمين والدرع الحصين ، كتاب كبير ، أكبر من المصباح ، ألّفه

١٢

قبله ، ينقل منه العلاّمة المجلسي في البحار ، وضمّنه مضافاً إلى الأدعية والعوذ والأحراز والزيارات والسنن والآداب وغيرها أدعية الصحيفة السجّادية ، وألحق به عدّة رسائل منها : محاسبة النفس ، والمقام الأسنى.

(٢) تاريخ وفيات العلماء.

(٣) تعليقات على كشف الغمّة.

(٤) التلخيص في مسائل العويص ، والمسائل العويص للشيخ المفيد.

(٥) الجُنّة الواقية والجَنّة الباقية ، المعروف بمصباح الكفعمي لسبقه بمصباح المتهجّد وعلى منواله نسج الكفعمي ، وهو كبير كثير الفوائد ، وعليه حواش لطيفة للمصنّف يشرح بها ما أجمله من البين ، وضمّنه عدّة رسائل منها المقام الأسنى ، فرغ منه سنة ٨٩٥ ه‍.

(٦) الجُنّة الواقية ، وهو مختصر للمصباح لطيف ، وتردّد الشيخ المجلسي في نسبة الكتاب للكفعمي ، فقال في البحار ١ / ١٧ : وكتاب الجُنّة الواقية لبعض المتأخّرين ، وربّما ينسب إلى الكفعمي ، وكذا تأمّل المولى الأفندي في الرياض ١ / ٢٣ في نسبة الكتاب للكفعمي.

(٧) حجلة العروس.

(٨) حديقة أنوار الجِنان الفاخرة وحدقة أنوار الجَنان الناظرة.

(٩) الحديقة الناضرة.

(١٠) حياة الأرواح ومشكاة المصباح ، مجموع لطيف لا يملّ أحد من دوام مطالعته ، فهو بالحقيقة حياة الأرواح ، مشتمل على ٧٨ باباً في اللطائف والأخبار والآثار والآداب والمواعظ والأوامر والنواهي ، فرغ من تأليفه سنة ٨٤٣ وقيل ٨٥٤.

(١١) الرسالة الواضحة في شرح سورة الفاتحة.

(١٢) زهر الربيع في شواهد البديع.

(١٣) صفوة ـ صفو ـ الصفات في شرح دعاء السمات ، ذكر فيه سند هذا

١٣

الدعاء وروايته وفضله ، ثمّ ذكر جملة من ألفاظ الدعاء ثم شرحها ، فرغ منه سنة ٨٧٥ ، وذكر السيد الأمين اسم الكتاب : سفط الصفات ، واستظهر أنّ صفوة الصفات تصحيف.

(١٤) العين المبصرة.

(١٥) فرج الكرب وفرح القلب ، في علم الأدب بأقسامه يقرب من عشرين ألف بيت ـ والبيت : السطر المحتوي خمسين حرفاً ـ وذكر العلاّمة الطهراني في الذريعة ١٤ / ٣١ أنّ كتاب فرج الكرب هو شرح البديعية في مدح خير البريّة لصفيّ الدين الحلي المتوفى سنة ٧٥٠.

(١٦) الفوائد الطريفة ـ الشريفة ـ في شرح الصحيفة.

(١٧) قراضة النضير في التفسير ، ملخّص من مجمع البيان للطبرسي.

(١٨) الكوكب الدُرّيّ ، وقيل : الكواكب الدُرّية.

(١٩) اللفظ الوجيز في قراءة الكتاب العزيز.

(٢٠) لمع البرق في معرفة الفرق ، وهو نفس فروق اللغة ، كتاب جليل في موضوعه يدلّ على تبحّر مصنّفه في علم اللغة.

(٢١) مجموع الغرائب وموضوع الرغائب ، على نمط الكشكول ، قال في آخره : جمعته من كتابنا الكبير الذي ليس له نظير ، جمعته من ألف مصنّف ومؤلّف.

(٢٢) محاسبة النفس اللوّامة وتنبيه الروح النوّامة ، مشتمل على مواعظ حسنة ومخاطبة النفس بعبارات مؤثّرة ، ألحقه المصنّف بالبلد الأمين مختصراً ، وطبع هذا المختصر مستقلاًّ ، وقمت منذ زمن بتحقيق كامله معتمداً على أربع نسخ ، وسيطبع عن قريب إن شاء الله تعالى.

(٢٣) مشكاة الأنوار ، وهو غير مشكاة الأنوار لسبط الشيخ الطبرسي.

(٢٤) المقام الأسنى في تفسير الاسماء الحسنى ، وهو هذا الكتاب الذي بين يديك.

١٤

(٢٥) ملحقات الدروع الواقية.

(٢٦) المنتقى في العوذ والرقى.

(٢٧) النخبة.

(٢٨) نهاية الأرب ـ الأدب ـ في أمثال العرب ، كبير في مجلّدين لم ير مثله في معناه.

(٢٩) نور حدقة البديع ونور حديقة الربيع ، في شرح بديعيته.

قال المولى الأفندي في الرياض ١ / ٢٢ : وله مجموعة كبيرة كثيرة الفؤائد مشتملة على مؤلفات عديدة ، رأيتها بخطّه في بلدة إيروان من بلاد آذربايجان ، وكان تاريخ إتمام كتابة بعضها سنة ٨٤٨ لخمس بقين من شهر رمضان ، وتاريخ بعضها سنة ٨٤٩ ، وتاريخ بعضها سنة ٨٥٢ ، وكان فيها عدّة كتب من مؤلفاته أيضاً ، منها :

كتاب اختصار الغريبين ، للهروي.

وكتاب اختصار مغرب اللغة ، للمطرزي.

واختصار كتاب غريب القرآن ، لمحمد بن عزيز السجستاني.

وكتاب اختصار جوامع الجامع ، للشيخ الطبرسي.

واختصار كتاب تفسير علي بن إبراهيم.

واختصار زبدة البيان مختصر مجمع البيان للطبرسي ، للشيخ زين الدين البياضي.

واختصار علل الشرائع ، للصدوق.

واختصار القواعد الشهيدية.

واختصار كتاب المجازات النبوية ، للسيد الرضي.

واختصار كتاب الحدود والحقائق في تفسير الألفاظ المتداولة في الشرع وتعريفها ...

ثم من مؤلفاته أيضاً : كتاب مختصر نزهة الألبّاء في طبقات الاُدباء ، تأليف

١٥

كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن سعيد الأنباري.

وله أيضاً : اختصار كتاب لسان الحاضر والنديم. إنتهى.

وله أيضاً شعر كثير وقصائد طوال وأراجيز جيدة وخطب مسجعة.

فله القصيدة البديعة الميمية المشتملة على أنواع المحسّنات الشعرية المذكورة في علم البديع اللفظية منها والمعنوية ، وقد شرحها شرحاً يظهر منه كماله في الأدب ، وختمها بخطبة غرّاء في مدح سيّد البريةصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وله قصيدة في مدح أمير المؤمنينعليه‌السلام تبلغ ١٩٠ بيتاً أنشدها عند قبره الشريف لمّا زاره يذكر فيها يوم الغدير.

وله اُرجوزة في ١٣٠ بيتاً في الأيام المستحبّ صومها.

وله اُرجوزة ألفية في مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه بأسمائهم وأشعارهم.

قال في كتاب فرج الكرب وفرح القلب : لم يصنّف مثلها في معناها ، مأخوذة من كتب متعدّدة ومظانّ متبدّدة.

حول الرسالة :

وقع اختلاف في اسم هذه الرسالة بين الأعلام ، فبعض ذكرها باسم : المقصد الأسنى في شرح الأسماء الحسنى ، وبعض ذكرها باسم : المقام الأسنى في شرح الأسماء الحسنى ، والصحيح هو ما ذكرناه في عنوان الرسالة ، وهو : المقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى ، كما هو الموجود في نسختنا الخطّية المعتمدة المنقولة من نسخة منقولة من نسخة خطّ المصنّف.

وهذه الرسالة ألفّها الشيخ الكفعمي ـ نوّر الله ضريحه ـ ثم ألحقها بكتابيه البلد الأمين والمصباح ، ولم أجد نسخة الرسالة التي ألّفها مستقلاً بعد البحث عنها ، فاعتمدت على الرسالة التي ألحقها بالبلد الأمين والمصباح ، ولا أعلم هل ألحق الرسالة بأكملها في كتابيه أم بعضها ؟ وعلى كل حال فخطبة الرسالة غير

١٦

موجودة في النسخ المعتمدة.

وإنمّا اخترت هذه الرسالة في شرح الأسماء الحسنى دون غيرها ، للطافتها وسلاسة عبارتها ، فهي شرح قرآني حديثيّ عرفاني لغويّ أدبيّ ، وفيها من المباحث اللطيفة التي لا يستغنى عنها ، فنفعها يعمّ الجميع.

عملنا في الرسالة :

بما أنّنا لم نحصل على نسخة مستقلّة لهذه الرسالة ، والمصنّف ألحقها بالبلد الأمين والمصباح ، فاعتمدت في ضبط الرسالة على عدّة نسخ ملحقة بالبلد الأمين والمصباح ، وهي :

(١) النسخة الرضوية للبلد الأمين تحت رقم ٦٩٥٢ ، جاء في آخرها : آخر ما كتبت من الكتاب المترجم بالبلد الأمين والدرع الحصين من نسخة نسخ من خطّ مصنّفه ـ قدّس الله روحه ـ ، وكتب في أواسط شهر رجب الأصبّ من السنة التسعين بعد الألف في دار العلم شيراز ـ صانها الله عن الاعواز ـ في المدرسة النظامية ـ رحم الله بانيها ـ ، وأنا العبد المستوثق بعفو ربّه الجلي ابن أحمد بن علي حسن علي ...

وجاء في جانب الصفحة : وقد وفّقني الله بعد كتابته للمقابلة من أول الصفحة إلى آخره بقدر الاقتدار مع نسخة نسخ من خطّ مصنّفه ـ رحمه الله تعالى ـ ، وكان ذلك في غرّة شهر جمادى الآخرة من سنة تسعين بعد الألف ثمّ وفّقني سبحانه لمقابلته من أوله إلى حيث قابلته أولاً مبذولاً فيه وسعي وسعيي مع النسخة الشريفة المشار إليها إنتهى.

وفي هذه النسخة حواش للمصنّف نفسه أدرجتُها بأكملها في الهامش ، وجعلت حرف (ر) رمزاً لهذه النسخة.

(٢) النسخة الحجرية المطبوعة للبلد الأمين ، تاريخ طباعتها سنة ١٣٨٢ ، وجعلت حرف (ب) رمزاً لها.

١٧

(٣) النسخة الحجرية المطبوعة للمصباح ، تاريخ طباعتها ١٣٢١ ، وجعلت حرف (م) رمزاً لها.

فقابلت الرسالة على هذه النسخ الثلاث ، وأثبتّ ما هو الأرجح في المتن مع الإشارة إلى الاختلافات التي لها وجه.

ثم خرجّت الآيات والأحاديث والأقوال الواردة في هذه الرسالة من مصادرها ، وجعلت لكل واحد من الأعلام المذكورين في هذه الرسالة ترجمة صغيرة.

وفي الختام اُقدّم جزيل شكري إلى المكتبة الرضوية في مشهد الإمام الرضاعليه‌السلام بالأخص قسم المخطوطات وغرفة المحقّقين ، لإتاحتهم الفرصة لي لمقابلة الرسالة مع المخطوطة ، وتوفير المصادر التي احتجتها في تحقيق هذه الرسالة.

وكذا أتقدم بجزيل الشكر والتقدير إلى الاُستاذ الشيخ أسد مولوي الذي أتحفني بملاحظاته القيّمة.

سائلاً المولى الجليل أن يوفّق كلّ العاملين لخدمة هذا المذهب المظلوم.

فارس الحسّون

١٥ جمادى الثانية ١٤٠٨

حرم أهل البيت ـ قم

١٨

مصادر الترجمة

الأعلام ، للزركلي

بيروت / دار العلم للملايين

أعيان الشيعة ، للسيد الأمين

بيروت / دار التعارف للمطبوعات

أمل الآمل ، للحرّ العاملي

قم / دار الكتاب الإسلامي

إيضاح المكنون ، للبغداي

بيروت / دار الفكر

بحار الأنوار ، للمجلسي

طهران / دار الكتب الإسلامية

تكملة أمل الآمل، للسيد الصدر

قم / مكتبة آية الله المرعشي العامة

تنقيح المقال ، للمامقاني

النجف / المطبعة المرتضوية

الذريعة ، للعلاّمة الطهراني

بيروت / دار الأضواء

روضات الجنّات ، للخوانساري

قم / مكتبة إسماعيليان

رياض العلماء ، للأفندي

قم / مكتبة آية الله المرعشي العامة

الغدير، للعلاّمة الأميني

بيروت / دار الكتاب العربي

الكافي ، للكليني

طهران / دار الكتب الإسلامية

كشف الظنون ، للحاج خليفة

بيروت / دار الفكر

الكنى والألقاب ، للقمي

قم / مكتبة بيدار

المصباح ، للكفعمي

قم / مكتبة إسماعيليان

معجم المؤلفين ، لعمر رضا كحّالة

بيروت / دار إحياء التراث العربي

١٩

٢٠

مقدمة الطبعة الاولى

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف خلقه محمد المصطفى (ص)، وعلى آله عدل القرآن وثقله، سفن النجاة التي من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك وغرق، الذي جعل محبتهم ومودتهم أجرا للرسالة، وطهرهم من الرجس والدنس تطهيرا وعلى صحبه المؤمنين والتابعين لهم بإحسان.

وبعد: فإن كتاب المراجعات لسماحة سيدنا الامام شرف الدين (قدس سره) يعتبر بحق من أهم ما أنتجه الفكر الاسلامي والامامي في توضيح قضايا الامامة وإثبات وجهتها الحقة بعد وفاة الرسول الاعظم، وهو في الحقيقة كتاب يدعو لوحدة وجمع الكلمة بين المسلمين فانه يضع حدا فاصلا لكثير من الخلافات التي كانت سببا في تباعدهم وتباغضهم، فبعد التفهم لتلك القضايا على أساس البحث العلمي والدقة الموضوعية ينحسر الجهل ويسفر الصبح ويرجع النصاب إلى أهله.

ثم أن المؤلف (قدس سره) عند طبع الكتاب لاول مرة سنة ١٣٥٥ هـ قام بالتعليق عليه فخرج أحاديثه على المصادر الموجودة عنده والتزم تعيين الصفحة والجزء والباب غير أنه لوحظ:

٢١

أولا:

أنه قد فاته كثير من المصادر للاحاديث والآيات في كتب الجمهور فيذكر للحديث أو الآية مصدرا أو مصدرين، وهذا ما وقع في أكثر أحاديث الثقلين وحديث السفينة، والآيات النازلة في شأن أهل البيت (ع) التي احتج بها، وهذه الموارد لها الاهمية الكبرى في الاستدلال على قضية الامامة، مع ما لها من عشرات المصادر.

ثانيا:

أهمل في أكثر الموارد تعيين الطبعة وهذا ما يشق على المطالع عند المراجعة وتطبيقه على المصدر.

ثالثا:

ان التخريجات التي دأب عليها السيد (قده) انما تتطابق مع الطبعات القديمة لمصادر الحديث التي كانت متوفرة لديه، وهذه فعلا صارت نادرة: وإنما توجد في المكتبات العامة وبعض الخاصة. وقد احتلت مكانها اليوم طبعات اخرى أحدث وأوسع انتشارا فكان لابد من تطبيق التخريجات عليها.

رابعا:

ان بعض الاحاديث أو الحقائق التاريخية أشار إليها وتركها دون تخريج.

فلهذا، وغيره صارت الحاجة ماسة إلى تعليقة عليها تسهل على المراجعين تحصيل المصادر للاحاديث والآيات التي يستدل بها.

وقد تلقى سماحة سيدنا الاستاذ آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر ـ دام ظله ـ عدة رسائل من القراء يشكون بعض الملاحظات.

فأحس سماحة السيد الاستاذ بأهمية التعليق عليها وسد هذا الفراغ، فأناط بي ذلك فامتثلت أمره.

٢٢

فقمت بالتعليق مستقلا عن الكتاب متلافيا للملاحظات الآنفة الذكر، فصرت أخرج الاحاديث والآيات على الطبعات الجديدة بما تيسر لي.أولا.

وثانيا: أحشد مختلف المصادر للآية أو الحديث التي فاتت المؤلف (قده) مع تعيين الجزء والصفحة ورقم الحديث ان وجد وتعيين اسم المطبعة(١) بل تعدد الطبعات بما تيسر، وما فاتنا من المصادر أضعاف ما ذكرناه.

وثالثا: أضفت جملة من الاحاديث وبعض الحقائق التي لم يشر إليها المؤلف مع ذكر مصادرها، فيكون ذلك تتمة للمراجعات في مصادرها وأحاديثها.

رابعا: قمت بإثبات ودعم القضايا التي ذكرها المؤلف من دون الاشارة إلى مصادرها. ثم وضعت رقملا متسلسلا من أول المراجعات إلى آخرها ويقابله رقم متسلسل في (تتمة المراجعات) فعند المراجعة إلى عين الرقم يحصل على المصادر.

هذا وأسأل المولى سبحانه وتعالى أن يكون خالصا لوجهه وان ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، والحمد لله رب العالمين.

حسين الراضي

__________________

(١) هذا في الطبعة الاولى وأما في هذه الطبعة جعلنا فهرست للمصادر التي يتكرر ذكرها كثيرا مع تعيين اسم المطبعة.

٢٣

تنبيه:

ج = المجلد

ح = حديث

ص = صفحة

ط = طبع. ط ٢ = الطبعة الثانية.

ـ = إلى مثلا ١٦ ـ ١٩ أي من صفحة ١٦ إلى صفحة ١٩.

المصدر الذي لم نذكر اسم المطبعة له في أثناء الكتاب أثبتناه في آخر الكتاب في الفهرست وذلك لاجل تكرره كثيرا.

هذا وقد تم وضع أرقام متسلسلة للتخريجات بكاملها.

كما أضيفت تعليقات جديدة أشير إليها في مواضعها بنجمة (*).

٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين *

٢٥

٢٦

حياة المؤلف(١)

بقلم آية الله علم الهدى سماحة الشيخ مرتضى آل ياسين

لست ببالغ من تعريفك ـ أيها القارئ الكريم ـ بالسيد المؤلف مبلغ تعريف هذا الكتاب به ، وحسبك منه ـ وانت تقرؤه في هذا الكتاب ـ أن تعرف به بطلا من ابطال العلم ، وفارسا من فرسان البيان ، تأتيه حين تأتيه مالكا لامرك ، مسيطرا على نفسك ، فاذا استقر بك المقام عنده ، لم تتمالك دون أن تضع قيادك بين يديه ، فاذا هو يتملك زمام أمرك ، ويدخل إلى قرارة نفسك ، فيسيطر عليك بطبيعة قوته وأدبه وعلمه.

وأنت لا تخشى مغبة العاقبة من هذه السيطرة فإنها سيطرة مضمونة الخير ، مأمونة الشر ، بعيدة عن الكيد والمكروه ، بعد الصحة عن الفساد ، وكن واثقا أكبر الثقة ـ حين يأخذك بيانه وبرهانه ـ أنه إنما يرد بك مناهل مترعة الضفاف ، بنمير ذي سلسبيل ، كلما كرعت من فراته جرعة ، تحلبت شفتاك لجرعات تحسب أن ليس لظمئك راويا غيرها.

هذا بعض ما يعرفك به الكتاب عن مؤلفه ، أفتراني أبلغ من تعريفك به أبعد مما يعرفك هو بنفسه؟ كلا فإن للسيد عبدالحسين في الحياة مناحي وميادين لا أراني موفيا عليها ، وانا في هذا السبيل الضيق القصير ، ويوشك أن

__________________

(١) نقلت عن الطبعة الثانية التي طبعت في دار الساعة ـ بغداد ـ ١٣٦٥ هـ ـ.

٢٧

يكون الامر يسيرا لو أن المترجم له غير هذا الرجل ، ويهون الامر لو كان من هؤلاء الرجال المحدودة حياتهم وأعمالهم ، أما رجل كهذا الرجل الرحب العريض ، فمن الصعب جدا أن يتحمل كاتب عب‌ء الحديث عنه ، والتوفر عليه ، لانه يشعر حين يقف اليه أنه يقف إلى جبل ينبض بألوان من الحياة ، متدفقة من كل نواحيه وجوانبه ، فلا يكاد يرد كل لون إلى مصدره إلا ببحث عليه مسؤوليات من المنطق والعلم ، قد ينوء بها عاتق المؤرخ الامين.

ويكفيك من تعريفه ـ على سبيل الاجمال ـ ما يعرفك به الكتاب من فنه وعلمه ، وكنا نود لو يتاح لنا ان نقف وقفة خاصة لهذه الناحية الفنية المتعبة ، ولا سيما ونحن منه في سبيل العلم والفن اللذين اجتمعا للمؤلف فصاغا هذا الكتاب متساندين صياغة قدرة وابتداع ، قل أن نجد لها ندا في مقدور زملائه من الاعلام( أمد الله في حياة أحيائهم ) .

ولكن إحكام الكتاب على هذا النحو من قوة العارضة في الادب ، وبعد النظر في البحث ، وسلامة الذوق في الفن وحسن التيسير في ايضاح المشاكل ، وتحليل المسائل ، أطلق له لسانا من البيان الساحر اغنانا عن الاخذ بالاعناق إلى مواضع جماله ، فكل بحث فيه لسان مبين عن سره، يناديك حين تغفل عنه ، ويدعوك بصوته حين تمر به سهوان ، ولا تقدر لنفسك أن تتملاه أو تعجب به.

وكتاب فيه هذه الحياة لا ينفك عن صاحبه بحال ، ولا تحسب ان للكتب حياة خاصة مستقلة ، فليست حياة الكتب غير حياة المؤلفين والكتاب نفسها ، فاذا سمعت نبأة ، وأدركت حسا في كتاب ، فانما تسمع جرس الكاتب ، وتحس حسه عينه.

وبعد فسأتركك عند هذا القدر من المعرفة بهذا الامام ، ولك أن تكتفي

٢٨

به ، ولك أن لا تكتفي منه، فبحسبي ان أشعرك بطرف مما عرفت منه ، وانا انغمس في هذه ـ المراجعات ـ. وبحسبك مني أن ترى منزلته من نفسي : كعالم يضم إلى علمه فنا من الادب منقطع النظير ، ولك أن تثق بي حين تعتبرني دليلا ، امينا سليم الاختيار بترجمة هذه الذخيرة ، وضمها إلى مؤثلات لغتنا الحية.

مولده ونشأته :

على اني لا أرى لك ان تقتصر من معرفته على هذا المقدار ، كما لا أرى لك ان تجتزئ بطائر اسمه ، وسعة شهرته في العالم الاسلامي ، وانما أرى ان تتجاوز ذلك إلى الاحاطة بشيء من حياته ؛ وبشيء من ظروفه التي قدرت له هذه الحياة.

ولد السيد عبدالحسين شرف الدين ـ أورف الله ظله ـ في الكاظمية سنة ١٢٩٠ هـ ـ. من أبوين كريمين تربط بينهما أواصر القربى ، ويوحد نسبهما كرم العرق ، فابوه الشريف يوسف بن الشريف جواد بن الشريف اسماعيل ، وامه البرة (الزهراء) بنت السيد هادي بن السيد محمد علي ، منتهيين بنسب قصير إلى شرف الدين أحد أعلام هذه الاسرة الكريمة.

ثم درج في بيت مهدت له اسباب الزعامة العلمية ؛ ورفعت دعائمه على أعلام لهم في دنيا الاسلام ، ذكر محمود ، وفضل مشهود ، وخدمات مشكورة ، فكانت طبيعة الارث الاثيل ، تحفزه للنهوض من جهة اخرى ، وتربيته الصالحة ـ كانت قبل ذلك ـ تصوغه على خير مثال يصاغ عليه الناشئ الموهوب ، فهو أنى التفت من نواحي منشئه الكريم ، استقى النشاط والتوفر على ما بين يديه من حياة : مؤملة لخيره ولخير من وراء‌ه من الناس.

٢٩

ثم شبل في هذا البيت الرفيع ؛ يرتع في رياض العلم والاخلاق ، ويتوقل في معارج الكرامة ، فلما بلغ مبلغ الشباب الغض اصطلحت عليه عوامل الخير ، وجعلت منه صورة للفضيلة ، ثم كان لهذه الصورة التي انتزعها من بيته وبيئته وتربيته أثر واضح في نشأته العلمية ، ثم في مكانته الدينية بعدئذ. فلم يكد يخطو الخطوة الاولى في حياته العلمية حتى دلت عليه كفايته ، فعكف عليه طلابه وتلامذته ، وكان له في منتديات العلم في سامراء والنجف الاشرف صوت يدوي ، وشخص يومأ اليه بالبنان.

ومنذ ذلك اليوم بدأ يلتمح نجمه في الاوساط العلمية ، ويتسع اشراقه كلما توسع هو في دراسته ، وتقدم في مراحله حتى ارتاضت له الحياة العلمية ، على يد الفحول من اقطاب العلم في النجف الاشرف وسامراء ، كالطباطبائي ، والخراساني ، وفتح الله الاصفهاني ، والشيخ محمد طه نجف ، والشيخ حسن الكربلائي ، وغيرهم من اعلام الدين وأئمة العلم.

ولما استوفى حظه العلمي من الثقافة الاسلامية العالية ، كان هو قد صاغ لنفسه ذوقا عاليا ، ساعدته على انشائه ملكاته القوية ، وسليقته المطبوعة على حسن الاداء ، وتخير الالفاظ ، وقوة البيان ، وذرابة اللسان ، وسعة الذهن ، فكان بتوفيقه بين العلم والفن ممتازا في المدرسة ، مضافا إلى ما كان له من الميزة الفطرية في ناحيتي الفكر والعقل.

على انه لم يكتف من مدرسته بتلقي الدروس واكتناز المعارف فقط ، بل استفاد من ملابسات الحياة العامة التي كانت تزدحم على ابواب المراجع من اساتذته ، وانتفع من الاحداث المؤتلفة ، والحوادث المختلفة التي كانت تولدها ظروف تلك الحياة ، فكان يضع لما اختلف منها ، ولما ائتلف حسابا ،

٣٠

ويستخرج منه نفعا ويقدر له قيمة ، وينظر اليه نظرة اعتبار ، ليجمع بين العلم والعمل ، وبين النظريات والتطبيق.

اذن فقد كانت مدرسته ـ بالقياس اليه ـ مدرستين : يعاني في إحداهما المسائل العلمية ، ويعاني في الثانية المسائل الاجتماعية ، ثم تتزاوج في نفسه آثار هذه وآثار تلك مصطلحة على انتاج بطولته.

في عاملة :

وحين استعلن نضجه ، ولمع فضله في دورات البحث ومجالس المذاكرة والتحصيل ؛ عاد في الثانية والثلاثين من عمره ـ إلى جبل عامل ـ جنوب لبنان ، موقورا مشهورا مملوء الحقائب ، ريان النفس ، وريق العود ، ندي اللسان ، مشبوب الفكر ، وكان يوم وصوله يوما مشهودا ، قذفت فيه عاملة بابنائها لتستهل مقدمه مشرقا في ذراها واجوائها ، واستقبلته مواكب العلماء والزعماء والعامة ، إلى حدود الجبل من طريق الشام في مباهج كمباهج العيد.

ولم تكن عاملة ـ وهي منبت اسرته ـ مغالية أو مبالغة بمظاهر الحفاوة به ، أو بتعليق أكبر الآمال عليه ، فانها علمت ـ ولما يمض عليه فيها غير زمن يسير ـ أنه زعيمها الذي ترجوه لدينها ودنياها معا ، فتنيط به الامل عن « عين » بعد ان اناطته به عن « اذن » ، وتتعلق به عن خبرة ، بعدما تعلقت به عن سماع ، وتعرف به الرجل الذي يضيف عيانه إلى اخباره ، أمورا لم تدخل في الظن عند الخبر.

اصلاحه :

وابتدأت في عاملة حياة جديدة ، شأنها الشدة في الدين ، واللين في

٣١

الاخلاق ، والقوة في الحق ، والهوادة مع الضعفاء ، والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والتطامن لاهل الدين ، والتواضع للعلماء ، وكانت يومئذ اقطاعيات منكرة ، لا تملك العامة معها من امر نفسها شيئا ، ولا تفهم من الحياة في ظلها غير معناها المرادف للرق والعبودية ، أو لا يفسح لها ان تفهم غير ذلك من حياتها الهينة المسخرة للاقوياء من جبابرة الناس وطواغيتهم ، فلما استقر به المقام في عاملة ، لم يستطع اقرار هذا النظام الجائح المستبد بحقوق الجماعة ، ولم يجد من نفسه ، ولا من ايمانه ، ولا من بره ، مساغا للصبر على الاقطاعية هذه ، وإن ظاهرها الاقوياء ، والمتزعمون، والمستعمرون ، وكل من يتحلب ضرعها المادي الحلوب ، لذلك ثار بها وبهم ، وأنكر عليها وعليهم ، واستغلظ الشر بينه وبينهم ، فجمعوا له وأجلبوا عليه ، وسعوا فيه ، وكان كل سعيهم بورا.

اثر بلاغته :

وكان لمنابره البليغة ، ولاساليب ارشاداته البارعة ، اكبر الاثر في تحقيق اصلاحه المنشود ، ولا غرو فان للسيد المؤلف مقاما خطابيا يغبطه عليه خطباء العرب ، ويعتز به الدين والعلم والادب.

وخطابته ككتابته تستمد معانيها وقوتها وغزارتها من ثقافته كلها ، وترتضع في الموضوع الخاص اثداء شتى من معلوماته الواسعة ، فاذا قرأته أو سمعته رأيت مصادر ثقافته كلها منهلة متفتحة الافواه كشرايين الثدي وعروقه ، ترفده من كل موضع وعاه في حياته ما ينسجم وموضوعه الذي هو بسبيله ، وعلى ذوقه الممتاز ان يضع اطراف ما يتدفق اليه في هيكل الموضوع الذي بين يديه ، ويركزه في مكانه ، حتى اذا انتهى انهى اذن بحثا نافعا كله غذاء ومتاع.

واعظم به ـ إلى جانب هذه البلاغة ـ متخيرا لآلئ معانيه ، وازياء افكاره

٣٢

يقدرها تقديرا ، ويرصفها رصفا ، ويبعث فيها حياة تنبضها بما يريد لها من دلالة في مفهوم أو من منطوق باوصافه ، واضافاته ، وبكل تآليفه المنسوقة المنسجمة.

ثم اعظم به محدثا اذا تشاجن الحديث وتشقق وانساب على سفينة ، يمخر العباب ، فهناك النكتة البارعة ، والطرفة اللامعة ، والنادرة الحلوة ، والخبر النافع.

من هذا وذاك علقت به النفوس ؛ واجتمع عليه الرأي ، فقاد للخير وابتغى المصلحة. وتكاملت له زعامة عامة ، يحل منها في شغاف الافئدة والقلوب ، ولم تكن هذه الزعامة مرتجلة مفاجئة ، بل كانت عروقها واشجة الاصول ، عميقة الجذور ، تتصل بالاعلام من آبائه ، والغر من اعمامه واخواله ، ثم صرفت هذا الميراث الضخم يده البانية ، فأعلت اركانه ومدت شطآنه وخلجانه.

بيته :

فبيته في ذرى عاملة ، مطنب مضروب ، للقرى والضيفان ، تزدحم فيه الوفود ، وتهدى اليه الحشود اثر الحشود ، ويصدر عنه الكروب بالرفد المحمود ، وهو قائم في تيار الموجتين المتعاكستين بالورد والصدر ، هشاشا طلق المحيا لا يشغله تشييع الصادر ، عن استقبال الوارد ، ولا يلهيه حق القائم عن حقوق القاعد ، ولكنه يجمع الحقوق جميعا ويوفق بينها ، فيوزعها عادلة متناسبة.

ولاريحيته الكريمة جوانب انفع من هذا الجانب ، وابعد اثر ، فهو مفزع يأوي اليه المحتاجون والمكروبون ، وملجأ يلوذون به في الملمات يستدفعون

٣٣

به المكاره ، حين تضيق بها صدور الناس، وتشتد بهم آلامها ، فاذا طفت بيته ، رأيت ألوان الغايات ، تدفع بألوان من المحتاجين اليه ، المعولين عليه في مختلف احوالهم ، وأوضاعهم الخاصة والعامة ، مما يتصل بدينهم أو دنياهم ، وتراه قائما بين هؤلاء وهؤلاء ، يجودهم بنفحاته العلوية ، ويغدق عليهم من اريحيته الهاشمية ؛ ويبذل لهم من روحه وراحته ما يملأ به نفوسهم مرحا وسرورا ، ثم لا يسألهم على ذلك جزاء ولا شكورا.

وها هو لا يزال ، مد الله في حياته ، يملي على تاريخه من احداثه الجسام ، ومآتيه الغر في خدمة الله والمؤمنين والوطنية الصحيحة ، ما تضيق عنه هذه العجالة.

خدماته

أما خدماته المناضلة ضد الاستعمار الاجنبي فحدث عنها ولا حرج ولا يتسع مجالنا هذا لتفصيل القول في ذلك النضال ، ولكن بوسعي ان اقول لك بكلمة مجملة : إن خدماته العظيمة في العهد التركي ، ثم في العهد الفرنسي ، ثم في ايام الاستقلال ، كانت امتدادا لحركات التحرير ، وارتقاء بها نحو كل ما يحقق العدل ويوطد الامن ، وينعش الكافة على أن السلطات في العهود كلها لم تأل جهدا في مقاومته ، ومناوأة مشاريعه بما تقاوم به السلطات الجائرة من الدس والاضطهاد وقتل المصالح ، ولعل المحن التي كابدها هذا الامام الجليل في سبيل إسعاد قومه ، لم يكابد نارها إلا أفذاذ من زعماء العرب وقادتهم ، ممن ابلوا بلاء‌ه وعانوا عناء‌ه.

وناهيك بما فاجأته به سلطة الاحتلال الفرنسي حين ضاقت به ذرعا ، إذ أوعزت إلى بعض جفاتها الغلاظ باغتياله. واقتحم ابن الحلاج عليه الدار في غرة ، وهو بين اهله وعياله ، دون ان يكون لديه احد من اعوانه ورجاله ، ولكن

٣٤

الله سبحانه وتعالى اراد له غير ما ارادوا ، فكف ايديهم عنه ، ثم تراجعوا عنه صاغرين يتعثرون باذيال الفشل والهوان ، وما يكاد يذيع نبأ هذه المباغتة الغادرة في عاملة ، حتى خفت جماهيرهم إلى صور ، تزحف اليها من كل صوب وحدب ، لتأتمر مع سيدها فيما يجب اتخاذه من التدابير ازاء هذا الحدث ، غير ان السيد صرفهم بعد ان شكرهم ، واجزل شكرهم ، وارتأى لهم ان يمروا بالحادث كراما.

ثم تلا هذا الحادث احداث واحداث اتسع فيها الخرق ، وانفجرت فيها شقة الخلاف ، حتى ادت إلى تشريد السيد باهله ومن اليه من زعماء عاملة إلى دمشق ، وقد وصل اليها برغم الجيش الفرنسي الذي كان يرصد عليه الطريق ، إذ كانت السلطة الغاشمة تتعقبه بقوة من قواتها المسلحة لتحول بينه وبين الوصول إلى دمشق ، وحين يئست من القبض عليه ، عادت فسلطت النار على داره في (شحور) فتركتها هشيما تذوره الرياح ، ثم احتلت داره الكبرى الواقعة في (صور) بعد ان أباحتها للايدي الاثيمة ، تعيث بها سلبا ونهبا ، حتى لم تترك فيها غاليا ولا رخيصا ، وكان أوجع ما في هذه النكبة تحريقهم مكتبة السيد بكل ما فيها من نفائس الكتب واعلاقها ، ومنها تسعة عشر مؤلفا من مؤلفاته ، كانت لا تزال خطية إلى ذلك التاريخ.

في دمشق :

وظل في دمشق تجيش نفسه بالعظائم وتحيط به المكرمات ، في ابهة من نفسه ، ومن جهاده ، ومن ايمانه ، وكان في دمشق يومئذ مداولات ملكية ، واجتماعات سياسية ، وحفلات وطنية ، تتبعها اتصالات بطبقات مختلفة من الحكومة والشعب ، كان السيد في جميعها زعيما من زعماء الفكر ، وقائدا من قادة الرأي ، ومعقدا من معاقد الامل في النجاح.

٣٥

وله في هذه الميادين مواقف مذكورة ، وخطابات محفوظة ، سجلها له التاريخ بكثير من الفخر والاعجاب.

ولم يكن بد من اصطدام العرب بجيش الاحتلال ، فقد كانت الاسباب كلها مهيأة لهذا الاصطدام ؛ حتى اذا التقى الجمعان في « ميسلون » واشتبكا في حرب لم يطل امدها ، ودارت الدائرة على العرب لاسباب نعرض عنها.

غادر السيد دمشق إلى فلسطين ومنها إلى مصر بنفر من اهله ، بعد أن وزع اسرته في فلسطين بين الشام ؛ وبين انحاء من جبل عامل ، في مأساة تضيف أدلة إلى الادلة على لؤم ، فقد ظل ثقل من أهله الذين ذهبوا إلى « عاملة » ليالي وأياما لا يجدون بلغة من العيش يحشون بها معد صغارهم الفارغة ، على أنهم يبذلون من المال اضعاف القيمة ، ويبسطون أكفهم بسخاء نادر ، وأخيرا لم يجدوا حلا بغير توزيع قافلتهم في الاطراف المتباعدة ، بين من بقي من اوليائهم واصدقائهم على شيء من الوفاء أو الشجاعة.

في مصر :

حين وصل مصر احتفلت به ، وعرفته بالرغم من تنكره وراء كوفية وعقال ، في طراز من الهندام على نسق المألوف من الملابس الصحراوية اليوم ؛ وكانت له مواقف في مصر وجهت اليه نظر الخاصة من شيوخ العلم ، واقطاب الادب ، ورجال السياسة ، على نحو ما تقتضيه شخصيته الكريمة.

ولم يكن هذا اول عهده بمصر فقد عرفته مصر قبل ذلك بثمان سنين ، حين زارها في اواخر سنة تسع وعشرين ، ودخلت عليه فيها سنة ثلاثين وثلاثمائة والف هجرية ، في رحلة علمية جمعته باهل البحث ، وجمعت به قادة الرأي من علماء مصر ، وعقدت فيها بينه وبين شيخ الازهر يومئذ ـ الشيخ

٣٦

سليم البشري ـ اجتماعات متوالية تجاذبا فيها اطراف الحديث وتداولا جوانب النظر في امهات المسائل الكلامية والاصولية ، ثم كان من نتاج تلك الاجتماعات الكريمة هذه (المراجعات) التي نحن بصددها.

في فلسطين :

وحدثت ظروف دعته إلى أن يكون قريبا من عاملة ، فغادر مصر في اواخر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة والف هجرية إلى قرية من فلسطين تسمى (علما) تقع على حدود جبل عامل ، وفي هذه القرية هوى اليه اهله وعشيرته ، ولحق به اولياؤه المشردون في هذا الجهاد الديني الوطني ، فكانوا حوله في القرى المجاورة. وكان في (علما) كما يكون في جبل عامل من غير فرق كأنه غير مبعد عن داره وبلده ، يتوافد اليه الناس من قريب ومن بعيد ، ولا يكاد يخلو منزله من أفواج الناس ، فيهم الضيوف ، وفيهم طلاب الحاجات ، وفيهم رواد القضاء ، والفقه ، وفيهم من تستدعه الحياة السياسية أن يعرف ما عند السيد من وجه الرأي.

وانسلخت شهور في (علما) تصرفت فيها الامور تصرفا يرضي السيد بعض الرضا ، وأبيح للسيد ان يعود إلى عاملة بعد مفاوضات ادت إلى العفو عن المجاهدين عفوا عاما ، والى وعد من السلطة بانصاف جبل عامل ، وانهاضه ، واعطائه حقوقه كاملة.

العودة :

وحين اطمأنت نفسه بما وعدته به السلطة ، عاد إلى جبل عامل ، ولم تسمح نفسه بأن يعود والمجاهدون مبعدون ، لذلك جعل بيروت طريق عودته ـ وطريقه بعيدة عنها ـ ليستنجز العفو العام عن المجاهدين ، وكذلك

٣٧

كان ، فانه لم يخرج من بيروت حتى كان المجاهدون في حل من الرجوع إلى وطنهم واهليهم.

ولعل جبل عامل لم يشهد يوما ابهج ولا احشد من يوم عودته ، ولعله لن يشهد يوما كهذا اليوم ، يحشر فيه الجبل من جبله وساحله ، في بحر من الناس يموج بعضه فوق بعض ، وتطفوا فوقه الاعلام رفافة بالبشر ، منحنية بالتحية ، والهتاف ، مجلجلة كجلجة الرعد في اذن الجوزاء.

ويبدأ من ذلك اليوم موسم للشعر ، تفتقت فيه القرائح العاملية عن ذخائر ممتعة من الادب العالي ، وتفتحت سلائقهم عن اصدق العواطف ، واسمى المشاعر تنبض بها قوافيهم تهز المحافل في إبداع وتجويد ، صباح ، مساء ، ولقد امتد هذا الموسم الادبي زمنا طويلا اجتمع في ايامه ولياليه ضخم القيمة ، ضخم الحجم ، يمكن اعتباره مصدرا لتاريخ الفكر والسياسة في جبل عامل خلال هذه الفترة.

منزلته في العالم الاسلامي :

ترتسم على كل افق من آفاق هذا العالم الاسلامي ، اسماء معدودة لرجال معدودين ، امتازوا بمواهب وعبقريات ، رفعتهم إلى الاوج الاعلى من آفاقهم ، فاذا اسماؤهم كالنجوم اللامعة تتلألأ في كبد السماء.

أما الذين ترتسم اسماؤهم في كل افق من تلك الآفاق ، فقليل ، وقليل هم ، وليسوا إلا اولئك الذين علت بهم الطبيعة ، فكان لهم من نبوغهم النادر ما يجعلهم افذاذاً في دنيا الإسلام كلها ، ومن هؤلاء الافذاذ سيدنا المؤلف « اطال الله عمره » فقد شاء‌ت الإرادة العليا أن تبارك علمه وقلمه ، فتخرج منهما للناس نتاجا من افضل النتاج ، وقد لا أكون مبالغا حين استبيح لقلمي

٣٨

ان يسجل : أن السيد المؤلف يتقدم بما انتج إلى الطليعة من علماء الشيعة الذين كرسوا حياتهم طوال اعمارهم لخدمة الدين والمذهب. وبهذا استحق ان يتصدر مجلس الخاصة في العالم الاسلامي اليوم.

حياته العلمية :

وقد يلوح مما قدمنا أن المشاكل الاجتماعية المتراكمة من حوله ، تصرفه عن النظر في حياته العلمية ، وتزحزحه عن عمله الفني. والواقع ان رجلا يمنى بما مني به « سيدنا » ينصرف عادة عما خلق له من علم وتأليف ، فإن ما يحيط به من المشكلات يضيق بالنظر في امر المكتبة ، والكتابة ، لولا بركة وقته ، وسعة نفسه ، وقدرة ذهنه.

فهو ـ على حين انه يوفي حق تلك المشكلات الشاغلة ـ يوفي حق علمه فيبلغ من المكتبة نصيب الذي تحتاجه حياته العلمية ، وهو منذ ترك النجف الاشرف على اتصال مستمر بالبحث والمطالعة والكتابة والمناظرة. يخلو كل يوم في فتراته إلى مكتبته يستريح إلى ما فيها من موضوعات ، وينسى من وراء‌ها من حياة مرهقة لاغبة.

مؤلفاته

وليس أدل على هذا من انتاجه ، هذا الانتاج الغزير الثري النبيل. وإن مؤلفاته لتشهد بأنه من الحياة العلمية ؛ كمن ينصرف اليها ، ولا يشغل بغيرها ، وأدل ما يدل منها على ذلك ، كيفية مؤلفاته لا كميتها ؛ فهي وإن كانت كثيرة حتى بالقياس إلى رجل يتفرغ اليها ، فإنها من الاصالة، والعمق ، والاستيعاب ، حيث لا تدل على ان مؤلفها رجل يمتحنه الناس بتلك المشاغل ، ويبتلونه بما عندهم من مشاكل ، فهي بما فيها من قوة ، ومتانة ،

٣٩

وغور ، ونحت وتفكير ، أدل على اتصاله الدائم بحياته العلمية من جهة ، وادل على فضله وخصوبة سليقته ، من جهة اخرى.

بهذا الميزان يرجح علم الرجل وفضله ، ثم يرجح به امتياز ما كتب ، وهو امتياز قليل النظير ، فإن المؤلفين المكثرين ، كثيرا ما تظهر عليهم السطحية ، ويميز كتبهم الحشو ، أما المؤلف فليس فيما قرأنا من مؤلفاته مبتذل سطحي ، ولا رخيص سوقي ، بل كل ما كتب انيق رقيق ، رفيع عميق ، يجمع بين سمو الفكر وترف اللفظ ، وهو ما أشرنا اليه في صدر كلامنا من كونه حريصا على المزاوجة بين علمه وفنه ، فاذا قرأت فصلا علميا خالصا خلت ـ لقوة اسلوبه ونصاعته ـ أنك تقرأ فصلا ادبيا يروعك جماله المستجمع لكل العناصر الادبية.

على أنا حين نتجاوز هذه النقطة ، فمؤلفاته كثيرة من حيث الكمية أيضا ، وهذا يضاعف القيمة. إنه يدل على ملكة خصبة اصيلة لا يؤخرها أشد العوائق عن الاتقان ، وانها لتثبت له بطولة فكر ، واليك ثبتا بآثار هذه البطولة.

لآلئه المنضودة :

١ ـ المراجعات هذا نموذج صادق لما كتب ، ولا اريد ان احدثك عنه فان لسانه أبين من حديثي وانطق.طبع في مطبعة العرفان بصيداء سنة ١٣٥٥ ونفدت نسخه ، وترجم إلى اللغة الفارسية ، وبلغني انه ترجم إلى اللغة الانكليزية ، ترجمه السيد زيد الهندي. وانه ترجم إلى اللغة الاوردية ايضا.

٢ ـ الفصول المهمة في تأليف الامة : كتاب من أجل الكتب الاسلامية ، يبحث مسائل الخلاف بين السنة والشيعة على ضوء (الكلام) والعقل والاستنتاج والتحليل. تم تأليفه سنة ١٣٢٧ هـ ـ ، وطبع مرتين بصيداء ـ جبل عامل ـ زاد فيه بالطبعة الثانية سنة ١٣٤٧ هـ ـ ، والفصول المهمة يغنيك عن

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137