المقام الاسنى في تفسير الأسماء الحُسنى

المقام الاسنى في تفسير الأسماء الحُسنى42%

المقام الاسنى في تفسير الأسماء الحُسنى مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 137

  • البداية
  • السابق
  • 137 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72248 / تحميل: 6921
الحجم الحجم الحجم
المقام الاسنى في تفسير الأسماء الحُسنى

المقام الاسنى في تفسير الأسماء الحُسنى

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

[ المقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى]

الأسماء الحسنى

وسنوردها هنا بثلاث عبارات :

الاُولى : ما ذكرها الشيخ جمال الدين أحمد بن فهد(١) رحمه‌الله في عدّته ، أنّ الرضاعليه‌السلام روى عن أبيه عن آبائه عن علي(٢) عليه‌السلام : أنّ لله تسعة وتسعين اسماً من دعا بها استجيب له ومن أحصاها(٣) دخل الجنّة ، وهي هذه :

الله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القاهر ، العليّ ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، الباري ، الأكرم ، الظاهر ، الباطن ، الحيّ ، الحكيم ، العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحقّ ، الحسيب ، الحميد ، الحفيّ ، الربّ ، الرحمن ، الرحيم ، الذاري ، الرازق ، الرقيب ، الرؤوف ، الرائي ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، السيّد ، السبّوح ، الشهيد ، الصادق ، الصانع ، الطاهر ،

__________________

(١) أبو العباس أحمد بن فهد الحلي ، يروي عن الشيخ أبي الحسن علي بن الخازن تلميذ الشهيد وغيره ، له عدة مصنفات ، منها : عدّة الداعي ونجاح الساعي ، في آداب الدعاء ، مشهور نافع مفيد في تهذيب النفس ، مرتّب على مقدّمة في تعريف الدعاء وستّة أبواب ، توفي سنة ( ٨٤١ ه‍ ).

الكنى والألقاب ١: ٣٦٨ ، أعيان الشيعة ٣: ١٤٧ ، الذريعة ١٥ : ٢٢٨ ، معجم رجال الحديث ٢ : ١٨٩.

(٢) في العدة : « عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام عن آبائه عن عليعليهم‌السلام ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ لله عزّ وجلّ تسعة وتسعين اسماً من دعا الله بها استجاب له ومن أحصاها دخل الجنة ».

(٣) في هامش (ر) : « قال الصدوقرحمه‌الله : معنى إحصائها هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها ، وليس معنى الإحصاء عدّها ، قاله الشيخ جمال الدين في عدته.

ووجدتُ بخط الشيخ الزاهدرحمه‌الله : أن هذه الأسماء حجاب من كل سوء ، وهي للطاعة والمحبة وعقد الألسن ولإبطال السحر ولجلب الرزق نافع إن شاء الله تعالى. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : التوحيد : ١٩٥ ، عدّة الداعي : ٢٩٨.

٢١

العدل ، العفوّ ، الغفور ، الغنيّ ، الغياث ، الفاطر ، الفرد ، الفتّاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدّوس ، القويّ ، القريب ، القيّوم ، القابض ، الباسط ، القاضي(٤) ، المجيد ، الولي ، المنّان ، المحيط ، المبين ، المقيت ، المصوّر ، الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضرّ ، الوتر ، النور ، والوّهاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادي ، الوفيّ ، الوكيل ، الوارث ، البرّ ، الباعث ، التوّاب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الديّان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ، الشافي(٥) .

الثانية : ما ذكرها الشهيد(٦) رحمه‌الله في قواعده ، وهي : الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، الباري ، الخالق ، المصوّر ، الغفّار ، الوّهاب ، الرزّاق ، الخافض ، الرافع ، المعزّ ، المذلّ ، السميع ، البصير ، الحليم ، العظيم ، العليّ ، الكبير ، الحفيظ ، الجليل ، الرقيب ، المجيب ، الحكيم ، المجيد ، الباعث ، الحميد ، المبدي ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحيّ ، القيّوم ، الماجد ، التوّاب ، المنتقم ، الشديد العقاب ، العفّو ، الرؤوف ، الوالي ، الغني ، المغني ، الفتّاح ، القابض ، الباسط ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الغفور ، الشكور ، المقيت ، الحسيب ، الواسع ، الودود ، الشهيد ، الحقّ ، الوكيل ، القويّ ، المتين ، الوليّ ، المحصي ، الواجد ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخّر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، البرّ ، ذو الجلال والإكرام ، المُقِسط ، الجامع ، المانع ، الضارّ ، النافع ، النور ، البديع ، الوارث ، الرشيد ، الصبور ، الهادي ، الباقي(٧) .

__________________

(٤) في هامش (ر) : « قاضي الحاجات / خ ل ».

(٥) عدّة الداعي : ٢٩٨ ـ ٢٩٩.

(٦) أبو عبدالله محمد بن مكي العاملي الجزيني ، الشهيد الأول ، روى عن الشيخ فخر الدين محمد بن العلاّمة وغيره ، يروي عنه جماعة كثيرة منهم أولاده وبنته وزوجته ، له عدّة مصنّفات ، منها : القواعد والفوائد ، كتاب مختصر مشتمل على ضوابط كلية اُصولية وفرعية يستنبط منها الأحكام الشرعية ، استشهد مظلوماً سنة ( ٧٨٦ ه‍ ).

رياض العلماء ٥ : ١٨٥ ، الكنى والألقاب ٢ : ٣٤٢ ، تنقيح المقال ٣ : ١٩١ ، الذريعة ١٧ : ١٩٣.

(٧) القواعد والفوائد ٢: ١٦٦ ـ ١٧٤.

٢٢

قالرحمه‌الله : ورد في الكتاب العزيز من(٨) الأسماء الحسنى : الربّ ، والمولى ، والنصير ، والمحيط ، والفاطر ، والعلاّم ، والكافي ، وذو الطّول ، وذو المعارج(٩) .

الثالثة : ما ذكرها فخر الدين محمد بن محاسن(١٠) رحمه‌الله في جواهره ، وهي :

الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، الخالق ، الباري ، المصوّر ، الغفّار ، القهّار ، الوهّاب ، الرزّاق ، الفتّاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعزّ ، المذلّ ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العليّ ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الماجد ، الباعث ، الشهيد ، الحقّ ، الوكيل ، القويّ ، المتين ، الوليّ ، الحميد ، المحصي ، المبدي ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحيّ ، القيوم ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخّر ، الأوّل ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البرّ ، التوّاب ، المنتقم ، العفوّ ، الرؤوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المُقسِط ، الجامع ، الغنيّ ، المُغني ، المانع ، الضارّ ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور. فهذه تسعة وتسعون اسماً رواها محمد بن إسحاق(١١) في المأثور.

__________________

(٨) في ( القواعد ) و (ر) و (م) : « في » وما أثبتناه من (ب) وهو الأنسب.

(٩) القواعد والفوائد ٢ : ١٧٤ ـ ١٧٥.

(١٠) لم أجد من تعرّض لترجمته ، حتّى أن الشيخ العلاّمة الطهراني في الذريعة ٥ : ٢٥٧ حينما ذكر الجواهر ، قال : للشيخ فخر الدين محمد بن محاسن ينقل عنه الكفعمي في آخر البلد الأمين ، فالظاهر أنّه لم يجد له ترجمة أيضاً ، بل إنّما عرف كتابه واسمه من نقل الكفعمي عنه ، ومحمد بن محاسن نفسه الذي يأتي بعنوان البادرائي.

(١١) يحتمل أن يكون هو : محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن علي القونوي الرومي ، من كبار تلاميذ الشيخ محيي الدين ابن العربي ، بينه وبين نصير الدين الطوسي مكاتبات في بعض المسائل الحكمية ، له عدّة مصنّفات ، منها : شرح الأسماء الحسنى ، مات سنة ( ٦٧٣ ه‍ ).

كشف الظنون ٢: ١٩٥٦ ، أعلام الزركلي ٦ : ٣٠.

٢٣

ولمّا كانت كلّ واحدة من هذه العبارات الثلاث تزيد على صاحبتيها بأسماء وتنقص عنهما بأسماء ، أحببت أن أضع عبارة رابعة مشتملة على أسماء العبارات الثلاث ، مع الإشارة إلى شرح كلّ اسم منها ، من غير إيجاز مخلّ ولا إسهاب مملّ.

وسمّيت ذلك بالمقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى.

فنقول وبالله التوفيق :

الله :

اسم ، علم ، مفرد ، موضوع على ذات واجب الوجود.

وقال الغزّالي(١٢) : الله اسم للموجود الحق ، الجامع لصفات الإلهية ، المنعوت بنعوت الربوبية ، المتفرّد بالوجود الحقيقي ، فإن كلّ موجود سواه غير مستحقّ للوجود بذاته ، وإنّما استفاد الوجود منه(١٣) .

وقيل : الله اسم لمن هو الخالق لهذا العالم والمدبر له.

وقال الشهيد في قواعده : الله اسم للذات لجريان النعوت عليه ، وقيل : هو اسم للذات مع جملة الصفات الإلهية ، فإذا قلنا : الله ، فمعناه الذات الموصوفة بالصفات الخاصة ، وهي صفات الكمال ونعوت الجلال.

قالرحمه‌الله : وهذا المفهوم هو الذي يعبد ويوحد وينزه عن الشريك والنظير والمثل والند والضد(١٤) .

وقد اختلف في اشتقاق هذا الاسم المقدّس على وجوه عشرة ، ذكرناها

__________________

(١٢) أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزّالي ، الملقّب بحجّة الإسلام الطوسي ، تفقّه على أبي المعالي الجويني ، له عدّة مصنّفات ، منها : إحياء علوم الدين ، والمقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وغيرهما ، مات سنة ( ٥٠٢ ه‍ ).

المنتظم ٩ : ١٦٨ ، وفيات الأعيان ٤ : ٢١٦ ، الكنى والألقاب ٢ : ٤٥٠.

(١٣) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى : ١٤.

(١٤) القواعد والفوائد ٢: ١٦٦.

٢٤

على حاشية الصحيفة في دعاء زين العابدينعليه‌السلام إذا أحزنه أمر(١٥) .

واعلم أنّ هذا الاسم الشريف قد امتاز عن غيره من أسمائه ـ تعالى ـ الحسنى بوجوه عشرة :

أ : أنّه أشهر أسماء الله تعالى.

ب : أنّه أعلاها محلاًّ في القرآن.

ج : أنّه أعلاها محلاًّ في الدعاء.

د : أنّه جعل أمام سائر الأسماء.

ه‍ : أنّه خصّت به كلمة الإخلاص.

و : أنّه وقعت به الشهادة.

ز : أنّه علم على الذات المقدّسة ، وهو مختصّ بالمعبود الحقّ تعالى ، فلا

__________________

(١٥) وهي كما في حاشية المصباح : ٣١٥ نقلاً عن الفوائد الشريفة في شرح الصحيفة :

« الأول : أنّه مشتقّ من لاه الشيء إذا خفي ، قال شعر :

لاهت فما عرفت يوماً بخارجةٍ

يا ليتها خرجت حتى عرفناها

الثاني : أنّه مشتقّ من التحيّر ، لتحيّر العقول في كنه عظمته ، قال :

ببيداء تيه تأله العير وسطها

مخفقـة بالآل جرد وأملق

الثالث : أنّه مشتقّ من الغيبوبة ، لأنّه سبحانه لا تدركه الأبصار ، قال الشاعر :

لاه ربّي عن الخلائق طراً

خالق الخلق لا يُرى ويرانا

الرابع : أنّه مشتقّ من التعبّد ، قال الشاعر :

لله درّ الغانيــات المُـدَّهِ

آلهن واسترجعن من تألّهي

الخامس : أنّه مشتق من أله بالمكان إذا أقام به ، قال شعر :

ألهنا بدارٍ لا يدوم رسومها

كأن بقاها وشامٌ على اليدِ

السادس : أنّه مشتقّ من لاه يلوه بمعنى ارتفع.

السابع : أنّه مشتقّ من وَلَهَ الفصيلُ باُمّه إذا ولع بها ، كما أنّ العباد مولهون ، أي : مولعون بالتضرّع إليه تعالى.

الثامن : أنّه مشتقّ من الرجوع ، يقال : ألهت إلى فلان ، أي : فزعت إليه ورجعت ، والخلق يفزعون إليه تعالى في حوائجهم ويرجعون إليه ، وقيل للمألوه [ إليه ] إله ، كما قيل للمؤتمّ به إمام.

التاسع : أنّه مشتقّ من السكون ، وألهت إلى فلان أي : سكنت ، والمعنى أنّ الخلق يسكنون إلى ذكره.

العاشر : أنّه مشتقّ من الإلهيّة. وهي القدرة على الاختراع ».

٢٥

يطلق على غيره حقيقةً ولا مجازاً ، قال تعالى :( هل تَعلَمُ لهُ سَميّاً ) (١٦) أي : هل تعلم أحداً يسمّى الله ؟ وقيل : سميّاً أي : مثلاً وشبيهاً.

ح : أنّ هذا الاسم الشريف دالّ على الذات المقدّسة الموصوفة بجميع الكمالات ، حتى لا يشذّ به شيء ، وباقي أسمائه تعالى لا تدلّ آحادها إلاّ على آحاد المعاني ، كالقادر على القدرة والعالم على العلم. أو فعل منسوب إلى الذات ، مثل قولنا : الرحمن ، فإنّه اسم للذات مع اعتبار الرحمة ، وكذا الرحيم والعليم. والخالق : اسم للذات مع اعتبار وصف وجودي خارجي. والقدّوس : اسم للذات مع وصف سلبي ، أعني التقديس الذي هو التطهير عن النقائص. والباقي : اسم اللذات مع نسبة وإضافة ، أعني البقاء ، وهو نسبة بين الوجود والأزمنة ، إذ هو استمرار الوجود في الأزمنة. والأبديّ : هو المستمرّ في جميع الأزمنة ، فالباقي أعمّ منه. والأزلي : هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية المحقّقة والمقدّرة. فهذه الاعتبارات تكاد تأتي على الأسماء الحسنى بحسب الضبط(١٧) .

ط : أنّه اسم غير صفة ، بخلاف سائر أسمائه تعالى ، فإنها تقع صفات ، أمّا أنّه اسم غير صفة ، فلأنّك تصف ولا تصف به ، فتقول : إله واحد ، ولا تقول : شيء إله ، وأمّا وقوع ما عداه من أسمائه الحسنى صفات ، فلأنّه يقال : شيء قادر وعالم وحيّ إلى غير ذلك.

ي : أن جميع أسمائه الحسنى يتسمّى بهذا الاسم ولا يتسمّى هو بشيء منها ، فلا يقال : الله اسم من أسماء الصبور أو الرحيم أو الشكور ، ولكن يقال : الصبور اسم من أسماء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه قد قيل : إنّ هذا الاسم المقدّس هو الاسم الأعظم. قال ابن فهد في عدّته : وهذا القول قريب جداً ، لأنّ الوارد في هذا المعنى

__________________

(١٦) مريم ١٩ : ٦٥.

(١٧) القواعد والفوائد ٢: ١٦٦.

٢٦

كثيراً(١٨) .

ورأيت في كتاب الدرّ المنتظم في السرّ الأعظم ، للشيخ محمد بن طلحة بن محمد ابن الحسين(١٩) : أنّ هذا الاسم المقدّس يدلّ على الأسماء الحسنى كلّها التي هي تسعة وتسعون اسماً ، لأنك إذا قسمت الاسم المقدّس في علم الحروف على قسمين كان كلّ قسم ثلاثة وثلاثين ، فتضرب الثلاثة والثلاثين في حروف الاسم المقدّس بعد إسقاط المكرر وهي ثلاثة تكون عدد الأسماء الحسنى ، وذكر أمثلة اُخر في هذا المعنى تركناها اختصاراً(٢٠) .

ورأيت في كتاب مشارق الأنوار وحقائق الأسرار ، للشيخ رجب بن محمد بن رجب الحافظ(٢١) : أن هذا الاسم المقدس أربعة أحرف ـ الله ـ فإذا وقفت على الأشياء عرفت أنها منه وبه وإليه وعنه ، فإذ أُخذ منه الألف بقي لله ، ولله كلّ شيء ، فإن اُخذ اللام وترك الألف بقي إله ، وهو إله كلّ شيء ، وإن اُخذ

__________________

(١٨) عدّة الداعي : ٥٠.

(١٩) أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي الشافعي ، له عدّة مصنفات ، منها : الدرّ المنظم في السرّ الأعظم أو الدرّ المنظم في اسم الله الأعظم ، مات سنة ( ٦٥٢ ه‍ ).

شذرات الذهب ٥ : ٢٥٩ ، أعلام الزركلي ٦ : ١٧٥.

علماً بأنّ في (ر) و (ب) و (م) ذكر : الدرّ المنتظم وفي مصادر الترجمة : الدر المنظم ، وكذا ذكر في (ر) و (ب) : محمد بن طلحة بن محمد بن الحسين ، وفي المصادر : ابن الحسن ، فتأمّل.

(٢٠) في حاشية (ر) : « منها : أنك إذا جمعت من الاسم المقدّس طرفيه ، وقسّمت عددهما على حروفه الأربعة ، وضربت ما يخرج القسمة فيما له من العدد في علم الحروف ، يكون عدد الأسماء الحسنى. وبيانه : أن تأخذ الألف والهاء وهما بستة ، وتقسِّمها على حروف الأربعة ، يقوم لكل حرف واحد ونصف ، فتضربة به فيما للإسم المقدّس من العدد وهو ستة وستين ، تبلغ تسعة وتسعين عدد الأسماء الحسنى. منهرحمه‌الله ».

(٢١) رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي المعروف بالحافظ ، من متأخّري علماء الإمامية ، كان ماهراً في أكثر العلوم ، له يد طولى في علم أسرار الحروف والأعداد ونحوها ، وقد أبدع في كتبه حيث استخرج أسامي النبي والأئمةعليهم‌السلام من الآيات ونحو ذلك من غرائب الفوائد وأسرار الحروف ، له أشعار لم يرعين الزمان مثلها في مدح أهل البيتعليهم‌السلام ، من مصنافته : مشارق أنوار اليقين في كشف حقائق أسرار أمير المؤمنين ، توفي في حدود سنة ( ٨١٣ ه‍ ).

رياض العلماء ٢ : ٣٠٤ ، الكُنى والألقاب ٢ : ١٤٨ ، أعيان الشيعة ٦ : ٤٦.

٢٧

الألف من إله بقي له ، وله كلّ شيء ، فإن اُخذ من له اللام بقي هو ، وهو هو وحده لا شريك له ، وهو لفظ يوصل إلى ينبوع العزة ، ولفظ هو مركب من حرفين ، والهاء أصل الواو ، فهو حرف واحد يدل على الواحد الحق ، والهاء أول المخارج والواو أخرها ، فهو الأول والآخر والظاهر والباطن(٢٢) .

ولمّا كان الاسم المقدّس الأقدس أرفع أسماء الله تعالى شأناً وأعلاها مكاناً ، وكان لكمالها جمالاً ولجمالها كمالاً ، خرجنا فيه بالإسهاب عن مناسبة الكتاب ، والله الموفّق للصواب.

الرحمن الرحيم :

قال الشهيدرحمه‌الله : هما اسمان للمبالغة من رحم ، كغضبان من غضب وعليم من علم ، والرحمة لغة : رقّة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان ، ومنه : الرحم ، لانعطافها على ما فيها ، وأسماء الله تعالى إنّما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعال(٢٣) (٢٤) .

وقال صاحب العدّة : الرحمن الرحيم مشتقّان من الرحمة وهي النعمة ،

__________________

(٢٢) مشارق الأنوار : ٣٢ ـ ٣٣ ، وفيه : « والقرآن له ظاهر وباطن ، ومعانيه منحصرة في أربع أقسام ، وهي أربع أحرف وعنها ظهر باقي الكلام ، وهي ( أل‍ ل‍ ه ) ، والألف واللام منه آلة التعريف ، فإذا وضعت على الأشياء عرفتها أنّها منه وله ، وإذا اُخذ منه الألف بقي لله ، ولله كل شيء ، وإذا اُخذ منه ( ل‍ ) بقي إله ، وهو إله كلّ شيء ، وإذا اُخذ منه الألف واللام بقي له ، وله كلّ شيء ، وإذا اُخذ الألف واللامان بقي هو ، وهو هو وحده لا شريك له. والعارفون يشهدون من الألف ويهيمنون من اللام ويصلون من الهاء. والألف من هذا الاسم إشارة إلى الهويّة التي لا شيء قبلها ولا بعدها وله الروح ، واللام وسطاً وهو إشارة إلى أنّ الخلق منه وبه وإليه وعنه ، وله العقل وهو الأول والآخر ، وذلك لأنّ الألف صورة واحدة في الخطّ وفي الهجاء ».

(٢٣) القواعد والفوائد ٢ : ١٦٦ ـ ١٦٧.

(٢٤) في هامش (ر) : « وقال السيد المرتضى : ليست الرحمة عبارة عن رقّة القلب والشفقة ، وإنّما هي عبارة عن الفضل والإنعام وضروب الإحسان ، فعلى هذا يكون إطلاق لفظ الرحمة عليه تعالى حقيقة وعلى الأول مجاز. منهرحمه‌الله تعالى ».

٢٨

ومنه :( وما أرسلناك إلاّ رحمّة للعالمينّ ) (٢٥) أي : نعمة ، ويقال للقرآن رحمة وللغيث رحمة ، أي : نعمة ، وقد يتسمّى بالرحيم غيره تعالى ولا يتسمّى بالرحمن سواه ، لأن الرحمن هو الذي يقدر على كشف الضر والبلوى ، ويقال لرقيق القلب من الخلق : رحيم ، لكثرة وجود الرحمة منه بسبب الرقة ، وأقلها الدعاء للمرحوم والتوجع له ، وليست في حقّه تعالى كذلك ، بل معناها إيجاد النعمة للمرحوم وكشف البلوى عنه ، فالحدّ الشامل أن تقول : هي التخلص من أقسام الآفات ، وإيصال الخيرات إلى أرباب الحاجات(٢٦) .

وفي كتاب الرسالة الواضحة(٢٧) : أنّ الرحمن الرحيم من أبنية المبالغة ، إلاّ أنّ فعلان أبلغ من فعيل ، ثم هذه المبالغة قد توجد تارة باعتبار الكمّية ، واُخرى باعتبار الكيفية :

فعلى الأول قيل : يا رحمن الدنيا ـ لأنّه يعمّ المؤمن والكافر ـ ورحيم الآخرة لأنه يخص الرحمة بالمؤمنين ، لقوله تعالى :( وكان بالمؤمنين رحيماً ) (٢٨) .

وعلى الثاني قيل : يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ، لأنّ النعم الاُخروية كلّها جسام ، وأمّا النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة.

وعن الصادقعليه‌السلام : الرحمن اسم خاصّ بصفة عامة ، والرحيم اسم عامّ بصفة خاصة(٢٩) .

وعن أبي عبيدة(٣٠) : الرحمن ذو الرحمة ، والرحيم الراحم ، وكرر لضرب

__________________

(٢٥) الأنبياء ٢١ : ١٠٧.

(٢٦) عدّة الداعي : ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ، باختلاف.

(٢٧) الرسالة الواضحة في تفسير سورة الفاتحة ، للمصنف الشيخ علي بن إبراهيم الكفعمي : مخطوطة.

(٢٨) الأحزاب ٣٣ : ٤٣.

(٢٩) مجمع البيان ١ : ٢١.

(٣٠) أبو عبيدة معمّر بن المثنى البصري النحوي اللغوي ، أول من صنّف غريب الحديث ، وكان أبو نؤاس الشاعر يتعلّم منه ويصفه ويذمّ الأصمعي ، له عدّة مصنفات ، منها : مجاز القرآن الكريم وغريب القرآن ومعاني القرآن ، مات سنة ( ٢٠٩ ه‍ ) وقيل غير ذلك.

وفيات الأعيان ٥ : ٢٣٥ ، الكنى والألقاب ١ : ١١٦.

٢٩

من التأكيد(٣١) .

وعن السيد المرتضى(٣٢) رحمه‌الله : أن الرحمن مشترك فيه اللغة العربية والعبرانية والسريانية ، والرحيم مختصّ بالعربية.

قال الطبرسي(٣٣) : وإنّما قدّم الرحمن على الرحيم ، لأن الرحمن بمنزلة الاسم العلم ، من حيث أنه لا يوصف به إلاّ الله تعالى ، ولهذا جمع بينهما تعالى في قوله :( قلِ ادعوا اللهَ أو ادعوا الرحمنَ ) (٣٤) فوجب لذلك تقديمه على الرحيم ، لأنه يطلق عليه وعلى غيره(٣٥) .

الملك :

التامّ الملك ، الجامع لأصناف المملوكات ، قاله البادرائي في جواهره.

__________________

(٣١) اُنظر : مجمع البيان ١ : ٢٠.

(٣٢) أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، المشهور بالسيد المرتضى ، جمع من العلوم ما لم يجمعه أحد وحاز من الفضائل ما تفرّد به وتوحّد وأجمع على فضله المخالف والمؤالف ، كيف لا وقد أخذ من المجد طرفيه واكتسى بثوبيه وتردّى ببرديه ، روى عن جماعة عديدة من العامة والخاصة منهم الشيخ المفيد والحسين بن علي بن بابويه أخي الصدوق والتلعكبري ، روى عنه جماعة كثيرة من العامة والخاصة منهم : أبو يعلى سلار وأبو الصلاح الحلبي وأبو يعلى الكراجكي ومن العامة : الخطيب البغدادي والقاضي بن قدامة ، له عدّة مصنفات مشهورة ، منها الشافي في الإمامة لم يصنّف مثله والذخيرة ، توفي سنة ( ٤٣٣ ه‍ ) وقيل ( ٤٣٦ ه‍ ).

وفيات الأعيان ٣ : ٣١٣ ، رياض العلماء ٤ : ١٤، الكنى والألقاب ٢ : ٤٣٩.

(٣٣) أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المشهدي ، من أكابر مجتهدي علمائنا ، يروي عن الشيخ أبي علي بن الشيخ الطوسي وغيره ، يروي عنه ولده الحسن وابن شهرآشوب والشيخ منتجب الدين وغيرهم ، له عدة مصنفات ، منها : مجمع البيان لعلوم القرآن ، وهو تفسير لم يعمل مثله عيّن كل سورة أنّها مكّية أو مدنية ثم يذكر مواضع الاختلاف في القراءة ثم يذكر اللغة والعربية ثم يذكر الإعراب ثم الأسباب والنزول ثم المعنى والتأويل والأحكام والقصص ثم يذكر انتظام الآيات ، توفي سنة ( ٥٤٨ ه‍ ) في سبزوار وحمل نعشه إلى المشهد الرضوي ودفن في مغتسل الرضاعليه‌السلام وقبره مزار.

رياض العلماء ٤ : ٣٤٠ ، الكنى والألقاب ٢ : ٤٠٣ ، الذريعة ٢٠ : ٢٤.

(٣٤) الإسراء ١٧ : ١١٠.

(٣٥) مجمع البيان ١ : ٢١ ، باختلاف.

٣٠

وقال الشهيد : الملك المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين ، أو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ، ويحتاج إليه كلّ موجود في ذاته وصفاته(٣٦) .

والملكوت : ملك الله ، زيدت فيه التاء كما زيدت في رهبوت ورحموت ، من الرهبة والرحمة.

القدوس :

فعول من القدس وهو الطهارة ، فالقدّوس : الطاهر من العيوب المنزّه عن الأضداد والأنداد ، والتقديس : التطهير ، وقوله تعالى حكاية عن الملائكة :( ونحنُ نسبّحُ بحمدكَ ونقدّسُ لكَ ) (٣٧) أي : ننسبك إلى الطهارة.

وسمّي بيت المقدس بذلك ، لأنه المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب. وقيل للجنة : حظيرة القدس ، لأنها موضع الطهارة من الأدناس والآفات التي تكون في الدنيا.

السلام :

معناه ذو السلامة ، أي : سلم في ذاته عن كل عيب ، وفي صفاته عن كل نقص وآفة تلحق المخلوقين ، والسلام مصدر وصف به تعالى للمبالغة. وقيل : معناه المسلم ، لأن السلامة تنال من قبله.

وقوله :( لهم دارُ السلام ) (٣٨) يجوز أن تكون مضافة إليه تعالى ، ويجوز أن يكون تعالى قد سمّى الجنة سلاماً ، لأن الصائر إليها يسلم من كلّ آفة.

* * *

__________________

(٣٦) القواعد والفوائد ٢ : ١٦٧.

(٣٧) البقرة ٢ : ٣٠.

(٣٨) الأنعام ٦ : ١٢٧.

٣١

المؤمن :

المصدّق ، لأن الإيمان في اللغة التصديق ، ويحتمل ذلك وجهان :

أ : أنّه يصدق عبادّه وعده ، ويفي لهم بما ضمنه لهم.

ب : أنّه يصدق ظنون عباده المؤمنين ولا يخيّب آمالهم ، قاله البادرائي.

وعن الصادقعليه‌السلام : سمّي تعالى مؤمناً ، لأنه يؤمن عذابه من أطاعه(٣٩) .

وفي الصحاح(٤٠) : الله تعالى مؤمن ، وهو : الذي آمن عباده ظلمه(٤١) .

المهيمن :

قال العزيزي(٤٢) في غريبه والشهيد في قواعده : هو القائم على خلقه بأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم(٤٣) .

وقال صاحب العدّة : المهيمن : الشاهد ، ومنه قوله تعالى :( ومهيمناً عليه ) (٤٤) أي : شاهداً ، فهو تعالى الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل ، وقيل : هو الرقيب على الشيء والحافظ له ، وقيل : هو الأمين(٤٥) .

__________________

(٣٩) التوحيد : ٢٠٥.

(٤٠) كتاب الصحاح لأبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري الفارابي ، ابن اُخت أبي إسحاق الفارابي صاحب ديوان الأدب ، له عدّة مصنّفات ، منها : هذا الكتاب ـ الصحاح ـ وهو أحسن من الجمهرة وأوقع من التهذيب وأقرب متناولاً من مجمل اللغة ، مات سنة ( ٣٩٣ ه‍ ).

يتيمة الدهر ٤ : ٤٦٨ ، معجم الاُدباء ٥ : ١٥١، النجوم الزاهرة ٤ : ٢٠٧.

(٤١) الصحاح ٥ : ٢٠٧١ ، أمن.

(٤٢) أبو بكر محمد بن عزيز السجستاني العزيزي. اشتهر بكتابه غريب القرآن ، وهو على حروف المعجم صنّفه في (١٥) سنة ، مات سنة ( ٣٣٠ ه‍ ).

أعلام الزركلي ٦ : ٢٦٨.

(٤٣) غريب القرآن ـ نزهة القلوب ـ : ٢٠٩ ، القواعد والفوائد ٢ : ١٦٧.

(٤٤) المائدة ٥ : ٤٨.

(٤٥) عدّة الداعي : ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ، باختلاف.

٣٢

وإلى القول الأوسط ذهب الجوهري ، فقال : المهيمن الشاهد ، وهو من آمن غيره من الخوف(٤٦) .

قلت : إنّما كان المهيمن من آمن ، لأن أصل مهيمن مؤيمن ، فقلبت الهمزة هاء لقرب مخرجهما ، كما في هرقت الماء وأرقته ، وإيهاب وهيهات ، وإبرية وهبرية للخزاز الذي في الرأس ، وقرأ أبو السرائر الغنوي(٤٧) : هياك نعبد وهياك نستعين(٤٨) .

قال الشاعر :

وهياك والأمر الذي إن توسعت

موارده ضاقت عليك مصادره

العزيز :

الغالب القاهر ، أو ما يمتنع الوصول إليه ، قاله الشهيد في قواعده(٤٩) .

وقال الشيخ علي بن يوسف بن عبد الجليل(٥٠) في كتابه منتهى السّؤول في شرح الفصول : العزيز هو الحظير الذي يقلّ وجود مثله ، وتشتدّ الحاجة إليه ، ويصعب الوصول إليه ، فليس العزيز المطلق إلاّ هو تعالى.

وقال صاحب العدّة : العزيز المنيع الذي لا يُغلب ، ويقال : من عزّ بزّ ،

__________________

(٤٦) الصحاح ٦ : ٢٢١٧ ، همن.

(٤٧) كذا ، ولم أجد هذا الاسم في كتب التراجم.

(٤٨) قال الزمخشري في الكشّاف ١ : ٦٢ : « وقرئ إياك بتخفيف الياء واياك بفتح الهمزة والتشديد وهياك بقلب الهمزة هاء ».

قال طفيل الغنوي :

فهياك والأمر الذي ان تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره.

(٤٩) القواعد والفوائد ٢ : ١٦٧.

(٥٠) ظهير الدين علي بن يوسف بن عبد الجليل النيلي ، عالم فاضل كامل ، من أجلة متكلمي الإمامية وفقهائهم ، يروي عن الشيخ فخر الدين ولد العلاّمة ، يروى عنه ابن فهد الحلي ، له عدة مصنفات ، منها : منتهى السّؤول في شرح الفصول ، وهو شرح على فصول خواجه نصير الدين الطوسي في اُصول الدين ، وهو شرحُ بالقول يعني قوله قوله.

رياض العلماء ٤ : ٢٩٣ ، الذريعة ٢٣ : ١٠.

٣٣

أي : من غلب سلب ، ومنه قوله تعالى :( وعزّني في الخطابِ ) (٥١) أي : غلبني في محاورة الكلام ، وقد يقال العزيز للملك ، ومنه قوله تعالى :( يا أيها العزيزُ ) (٥٢) أي : يا أيها الملك(٥٣) .

والعزيز أيضاً : الذي لا يعادله شيء ، والذي لا مثل له ولا نظير.

الجبار :

القهار ، أو المتكبر ، أو المتسلّط ، أو الذي جبر مفاقر الخلق وكفاهم أسباب المعاش والرزق ، أو الذي تنفذ مشيته على سبيل الإجبار في كل أحد ولا تنفذ فيه مشية أحد. ويقال : الجبّار العالي فوق خلقه ، ويقال للنخل الذي طال وفات اليد : جبّار.

المتكبّر :

ذو الكبرياء ، وهو : الملك ، أو ما يرى الملك حقيراً بالنسبة إلى عظمته ، قاله الشهيد(٥٤) .

وقال صاحب العدّة : المتكبّر المتعالي عن صفات الخلق ، ويقال : المتكبّر على عتاة خلقه ، وهو مأخوذ من الكبرياء ، وهم اسم التكبّر والتعظّم(٥٥) .

الخالق :

هو المبدئ للخلق والمخترع لهم على غير مثال سبق ، قاله البادرائي في جواهره.

__________________

(٥١) ص ٣٨ : ٢٣.

(٥٢) يوسف ١٢ : ٧٨ ، ٨٨.

(٥٣) عدّة الداعي : ٣٠٥.

(٥٤) القواعد والفوائد ٢ : ١٦٧.

(٥٥) عدّة الداعي : ٣٠٥ ، باختلاف.

٣٤

وقال الشهيد : الخالق ، المقدّر(٥٦) .

قلت : وهو حسن ، إذ قد يراد بالخلق التقدير ، ومنه قوله تعالى :( إنّي أخلقُ لكم منَ الطينِ كهيئةِ الطيرِ ) (٥٧) أي : اُقدّر.

البارئ :

الخالق ، والبرية : الخلق ، وبارئ البرايا أي : خالق الخلائق.

المصوّر :

الذي أنشأ خلقه على صور مختلفه ليتعارفوا بها ، قال تعالى :( وصوّركم فأحسنَ صوَركُم ) (٥٨) .

وقال الغزّالي في تفسير أسماء الله تعالى الحسنى : قد يظنّ أنّ الخالق والبارئ والمصور ألفاظ مترادفة ، وأن الكلّ يرجع إلى الخلق والاختراع ، وليست كذلك ، بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود مفتقر إلى تقديره أولاً ، وإلى إيجاده على وفق التقدير ثانياً ، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثاً ، والله تعالى خالق من حيث أنّه مقدر ، وبارئ من حيث أنه مخترع موجد ، ومصوّر من حيث أنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب. وهذا كالبناء مثلاً ، فإنه يحتاج إلى مقدّر يقدّر ما لابدّ منه : من الخشب ، واللبن ، ومساحة الأرض ، وعدد الأبنية وطولها وعرضها ، وهذا يتولاّه المهندس فيرسمه ويصوّره ، ثم يحتاج إلى بنّاء يتولّى الأعمال التي عندها تحدث اُصول الأبنية ، ثم يحتاج إلى مزيّن ينقش ظاهره ويزيّن صورته ، فيتولاه غير البناء. هذه هي العادة في التقدير في البناء والتصوير ، وليس كذلك في أفعاله تعالى ، بل هو المقدّر والموجد والصانع ، فهو الخالق والبارئ والمصور(٥٩) .

__________________

(٥٦) القواعد والفوائد ٢ : ١٦٧.

(٥٧) آل عمران ٣ : ٤٩.

(٥٨) غافر ٤٠ : ٦٤ ، التغابن ٦٤ : ٣.

(٥٩) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى : ١٨.

٣٥

الغفّار :

هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح ، قاله الشهيد(٦٠) .

وقال البادرائي : هو الذي يغفر ذنوب عباده ، وكلّما تكررت التوبة من المذنب تكررت منه تعالى المغفرة ، لقوله :( وإني لغفّارٌ لِمن تابَ ) (٦١) الآية. والغفر في اللغة : الستر والتغطية ، فالغفّار : الستّار لذنوب عباده.

القهّار القاهر :

بمعنى ، وهو : الذي قهر الجبابرة وقهر العباد بالموت ، غير أنّ قهّار وغفّار وجبّار ووهّاب ورزّاق وفتاح ونحو ذلك من أبنية المبالغة ، لأنّ العرب قد بنت مثال من كرر الفعل على فعّال ، ولهذا يقولون لكثير السؤال : سأّال وسأّالة.

قال :

سَأّالةٌ للفتى ما ليس في يده

ذهّابة بعقول القوم والمالي

وكذا ما بني على فعلان وفعيل كرحمن ورحيم ، إلاّ أن فعلان أبلغ من فعيل. وبنت مثال من بالغ في الأمر وكان قوياً عليه على فعول ، كصبور وشكور. وبنت مثال من فعل الشيء مرّة على فاعل ، نحو سائل وقاتل. وبنت مثال من اعتاد الفعل على مِفعال ، مثل امرأة مذكار إذا كان من عادتها أن تلد الذكور ، ومئناث إذا كان من عادتها أن تلد الإناث ، ومعقاب إذا كان من عادتها أن تلد نوبة ذكراً ونوبة اُنثى ، ورجل منعال ومفضال إذا كان ذلك من عادته.

الوهّاب :

هو من أبنية المبالغة كما مرّ آنفاً ، وهو الذي يجود بالعطايا التي لا تفنى ، وكّل من وهب شيئاً من أعراض الدنيا فهو واهب ولا يسمّى وهّاباً ، بل الوهّاب

__________________

(٦٠) القواعد والفوائد ٢ : ١٦٨.

(٦١) طه ٢٠ : ٨٢.

٣٦

من تصرّفت مواهبه في أنواع العطايا ودامت ، والمخلوقون إنّما يملكون أن يهبوا مالاً أو نوالاً في حال دون حال ، ولا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم ولا ولداً لعقيم ، قاله البادرائي.

وقال صاحب العدّة : الوّهاب الكثير الهبة ، والمفضال في العطية(٦٢) .

وقال الشهيد : الوهّاب المعطي كل ما يحتاج إليه لكلّ من يحتاج إليه(٦٣) .

الرزّاق الرازق :

بمعنى ، وهو : خالق الأرزقة والمرتزقة والمتكفّل بإيصالها لكلّ نفس ، من مؤمن وكافر ، غير أنّ في الرزّاق المبالغة.

الفتاح :

الحاكم بين عباده ، وفتح الحاكم بين الخصمين : إذا قضى بينهما ، ومنه :( ربّنا افتح بيننا وبينَ قومنا بالحقِ ) (٦٤) أي : احكم.

وهو أيضاً الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده ، وهو الذي بعنايته ينفتح كل مغلق.

العليم :

العالم بالسرائر والخفيات وتفاصيل المعلومات قبل حدوثها وبعد وجودها(٦٥) .

__________________

(٦٢) عدّة الداعي : ٣١١.

(٦٣) القواعد والفوائد ٢ : ٦٨.

(٦٤) الأعراف ٧ : ٨٩.

(٦٥) في هامش (ر) : « والعليم مبالغة في العالم ، لأنّ قولنا : عالم ، يفيد أنّ له معلوماً ، كما أنّ قولنا : سامع ، يفيد أنّ له مسموعاً ، وإذا وصفناه بأنّه عليم أفاد أنّه متى صحّ معلوم فهو عالم به ، كما أنّ سميعاً يفيد

٣٧

القابض الباسط :

هوالذي يوسع الرزق ويقدره بحسب الحكمة.

ويحسن القران بين هذين الاسمين ونظائرهما ـ كالخافض والرافع ، والمعزّ والمذلّ ، والضارّ والنافع ، والمبدئ والمعيد ، والمحيي والمميت ، والمقدّم والمؤخّر ، والأول ، والآخر ، والظاهر والباطن ـ لأنّه أنبأ عن القدرة ، وأدلّ على الحكمة ، قال الله تعالى :( واللهُ يقبضُ ويبسطُ ) (٦٦) فإذا ذكرت القابض مفرداً عن الباسط كنت كأنك قد قصرت الصفة على المنع والحرمان ، وإذا وصلت أحدهما بالآخر فقد جمعت بين الصفتين. فالأولى لمن وقف بحسن الأدب بين يدي الله تعالى أن لا يفرد كلّ اسم عن مقابله ، لما فيه من الإعراب عن وجه الحكمة.

الخافض الرافع :

هو الذي يخفض الكفار بالإشقاء ويرفع المؤمنين بالاسعاد. وقوله :( خافضةُ رافعةٌ ) (٦٧) أي : تخفض أقواماً إلى النار وترفع أقواماً إلى الجنة ، يعني : القيامة.

المعزّ المذلّ :

الذي يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممّن يشاء ، أو الذي أعزّ بالطاعة أولياءه ، فأظهرهم على أعدائه في الدنيا وأحلّهم دار الكرامة في العقبى ، وأذل أهل

__________________

أنّه متى وجد مسموع فلابدّ أن يكون سامعاً له ، والعلوم كلّها من جهته تعالى ، لأنّها لا تخلو من أن تكون ضرورية فهو الذي فعلها ، أو استدلالية فهو الذي أقام الأدلة عليها ، فلا علم لأحد إلاّ الله تعالى. منهرحمه‌الله ».

(٦٦) البقرة ٢ : ٢٤٥.

(٦٧) الواقعة ٥٦ : ٣.

٣٨

الكفر في الدنيا ، بأن ضربهم بالرق والجزية والصغار ، وفي الآخرة بالخلود في النار(٦٨) .

السميع :

بمعنى السامع ، يسمع السّر والنجوى ، سواء عنده الجهر والخفوت والنطق والسكوت. وقد يكون السميع بمعنى القبول والإجابة ، ومنه قول المصلّي : سمع الله لمن حمده ، معناه : قبل الله حمد من حمده واستجاب له. وقيل : السميع العليم بالمسوعات ، وهي : الأصوات والحروف.

البصير :

العالم بالخفيّات ، وقيل : العالم بالمبصرات.

وفي عبارة الشهيد ،السميع : الذي لا يعزب عن إداركه مسموع خفيّ أو ظاهر ، والبصير : الذي لا يعزب عنه ما تحت الثرى ، ومرجعهما إلى العلم ، لتعاليه سبحانه عن الحاسّة والمعاني القديمة(٦٩) .

الحَكَم :

هو الحاكم الذي سلّم له الحكم ، وسمّي الحاكم حاكماً لمنعه الناس من التظالم(٧٠) .

__________________

(٦٨) في هامش (ر) : « وقيل يعزّ المؤمن بتعظيمه والثناء عليه ، ويذلّ الكافر بالجزية والسبي ، وهو سبحانه وإن أفقر أولياءه وابتلاهم في الدنيا ، فإنّ ذلك ليس على سبيل الإذلال ، بل ليكرمهم بذلك في الآخرة ، ويحلّهم غاية الإغزاز والإجلال ، ذكر ذلك الكفعمي في كتابه جُنّة الأمان الواقية. منهرحمه‌الله ».

انظر : جُنّة الأمان الواقية ـ المصباح ـ : ٣٢٢.

(٦٩) القواعد والفوائد ٢ : ١٦٨.

(٧٠) في هامش (ر) : « قلت : ومن ذلك اُخذ معنى الحكمة ، لأنّها تمنع من الجهل. وحكمة الدابة ما أحاط بالحنك ، سمّيت بذلك لمنعها من الجماح ، وحكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يده

٣٩

العدل :

أي : ذو العدل ، وهو مصدر اُقيم مقام الأصل ، وحفّ به تعالى للمبالغة لكثرة عدله. والعدل : هو الذي يجوز في الحكم ، ورجل عدل وقوم عدل وامرأة عدل ، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.

اللطيف :

العالم بغوامض الأشياء ، ثم يوصلها إلى المستصلح برفق دون العنف ، أو البرّ بعباده الذي يوصل إليهم ما ينتفعون به في الدارين ويهيّئ لهم أسباب مصالحهم من حيث لا يحتسبون ، قاله الشهيد في قواعده(٧١) .

وقيل : اللطيف فاعل اللطف ، وهو ما يقرب معه العبد من الطاعة ويبعد من المعصية ، واللطف من الله التوفيق.

وفي كتاب التوحيد(٧٢) عن الصادقعليه‌السلام : أنّ معنى اللطيف هو :

__________________

ومنعته مما أراد ، وحكمته أيضاً إذا فوّضت إليه الحكم ، وفي حديث النخعي : حكّم اليتيم كما تحكّم ولدك ، أي : امنعه من الفساد ، وقيل : أي حكّمه في ماله إذا صلح لذلك ، وفي الحديث : إنّ في الشعر لحكمة ، أي : من الشعر كلاماً نافعاً يمنع عن الجهل والسفه وينهى عنهما ، والحكم : الحكمة ، ومنه :( وآتيناه الحكم صبيّاً [ ١٩ : ١٢ ]) أي : الحكمة ، وقوله تعالى :( فوهب لي ربيّ حكماً [ ٢٦ : ٢١ ]) أي : حكمة ، والصمت : حكم وقوله تعالى عن داودعليه‌السلام :( وآتيناه الحكمة [ ٣٨ : ٢٠ ]) قيل : هي الزبور ، وقيل : هي كلّ كلام وافق الحق ، والمحاكمة : المخاصمة إلى الحاكم ، من مغرب المطرزي ، وغريبي الهروي وصحاح الجوهري. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : المغرب ١ : ١٣٣ حكم ، الصحاح ٥ : ١٩٠١ حكم.

(٧١) القواعد والفوائد ٢ : ١٧٠.

(٧٢) كتاب التوحيد لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، شيخ الحفظة ووجه الطائفة المستحفظة ، ولد بدعاء مولانا صاحب الأمر روحي له الفداء ، وصفه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في التوقيع الخارج من الناحية المقدّسة بأنّه : فقيه خيِّر مبارك ينفع الله به ، فعّمت بركته ببركة الإمام وانتفع به الخاصّ والعامّ ، له عدّة مصنفات ، منها : هذا الكتاب ـ التوحيد ـ توفي سنة ( ٣٨١ ه‍ ) بالري ، وقبره قرب قبر عبد العظيم الحسني معروف.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وإذا كان ابن عبد البر يروي تلك الأخبار ويكره رواية كلام حذيفة في أبي موسى الأشعري ؛ فلابدّ وأنّ كلامه فيه أعظم من تلك الكلمات ، التي رواها بتراجم الصحابة عن بعضهم في البعض الآخر...

هذا كلّه ، وقد اشتهر الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كُتب الفريقين ، في أنّ( بُغضُ عليٍّ نفاق ) ، وعن غير واحدٍ من صحابته :( ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغضهم عليّ بن أبي طالب ) وقد رواه ابن عبد البر أيضاً بترجمة الإمامعليه‌السلام وبعد ثبوت انحراف أبي موسى عنه وبغضه له ، لم يبقَ أيّ ريبٍ وشك في كون أبي موسى من المنافقين... ولا تبقى حاجة إلى ذكر الشواهد على ذلك من كتب الحديث والتاريخ .

وإذا كان ابن عبد البر يكره رواية الخبر ، فقد رواه غير واحدٍ من الأعلام ، منهم ابن عساكر في ( تاريخه )(١) بإسناده عن الأعمش عن شقيق قال : ( كنا مع حذيفة جلوساً ، فدخل عبد الله وأبو موسى المسجد ، فقال أحدهما : منافق ثم قال : إنّ أشبه الناس هدياً ودلاًّ وسمتاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله ) .

من مشاهد انحراف أبي موسى عن عليّ

ومع ذلك نتعرّض لبعض الأخبار الشاهدة بانحراف الرجل عن أمير المؤمنين ( عليه الصلاة والسلام ) .

قال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري ) .

( قوله : بعث عليّ عمّار بن ياسر وحسن بن عليّ فقدما علينا الكوفة ، ذكر عمر بن شبة والطبري سبب ذلك بسندهما إلى ابن أبي ليلى قال : كان عليّ

ـــــــــــــــــــ

(١) تاريخ دمشق ٣٢ : ٩٣ ترجمة عبد الله بن قيس وهو أبو موسى الأشعري .

٦١

أقرّ أبا موسى على إمرة الكوفة ، فلمّا خرج من المدينة أرسل هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص إليه أنْ أنهض من قبلك من المسلمين ، وكن من أعواني إلى الحق ، فاستشار أبو موسى السائب بن مالك الأشعري فقال : اتّبع ما أمرك به .

قال : إنّي لا أرى ذلك ، وأخذ في تخذيل الناس عن النهوض ، فكتب هاشم إلى عليّ بذلك وبعث بكتابه مع حجل بن خليفة الطائي ، فبعث عليٌّ عمّار بن ياسر والحسن بن عليّ يستفزّان النّاس ، وأمّر قرظة بن كعب على الكوفة )(١) .

وقال ابن قتيبة في ( الإمامة والسياسة ) :

( وذكروا أنّ عليّاً لمّا نزل قريباً من الكوفة ، بعث عمّار بن ياسر ومحمّد ابن أبي بكر إلى أبي موسى الأشعري ، وكان أبو موسى عاملاً لعثمان على الكوفة ، فبعثهما عليٌّ إليه وإلى أهل الكوفة يستفزّهم ، فلمّا قدِما عليه ، قام عمّار بن ياسر ومحمّد بن أبي بكر فدعوا ألنّاس إلى النصرة لعليّ ، فلمّا أمسَوا ، دخل رجال من أهل الكوفة على أبي موسى فقالوا : ما ترى ؟ أنخرج مع هذين الرجلين إلى صاحبهما أم لا ؟ فقال أبو موسى : أمّا سبيل الآخرة ففي أنْ تلزموا بيوتكم ، وأمّا سبيل الدّنيا وسبيل النار ، فالخروج مع مَن أتاكم ، فأطاعوه ، فتبطّأ النّاس على عليّ ، وبلغ عمّاراً ومحمّداً ما أشار به أبو موسى على أولئك الرهط ، فأتياه فأغلظا له في القول ، فقال أبو موسى : والله إنّ بيعة عثمان في عنقي وعنق صاحبكما ، ولئن أرادنا للقتال مالنا إلى قتال أحدٍ من سبيل حتّى نفرغ من قَتَلَة عثمان .

ثمّ خرج أبو موسى وصعد المنبر ثمّ قال : أيّها النّاس ! إنّ أصحاب رسول الله الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله وبرسوله ممّن لم يصحبه ، وإنّ لكم حقّاً عَلَيّ أُؤدّيه إليكم ، إنّ هذه الفتنة النائم فيها خيرٌ من اليقظان ، والقاعد

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٣ : ٤٨ .

٦٢

خيرٌ من القائم ، والقائم فيها خيرٌ من الساعي ، والسّاعي خيرٌ من الراكب ، فاغمدوا سيوفكم حتّى تنجلي هذه الفتنة ) (١) .

وأخرج البخاري :

( حدّثنا بدل المُحبَّر قال : حدّثنا شعبة قال : أخبرني عمرو قال : سمعت أبا وائل يقول : دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمّار ـ حيث بعثه عليّ إلى أهل الكوفة يستنفرهم ـ فقالا : ما رأيناك أتيتَ أمراً أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت فقال عمّار : ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندي من إبطائكم عن هذا الأمر ، وكساهما حلّةً حلّة ، ثمّ راحوا إلى المسجد .

حدّثنا عبدان ، عن أبي حمزة ، عن الأعمش ، عن شقيق بن سلمة : كنت جالساً مع أبي مسعود وأبي موسى وعمّار ، فقال أبو مسعود : ما من أصحابك أحدٌ إلاّ لو شئت لقلت فيه ، غيرك ، وما رأيت منك شيئاً منذ صَحِبْتَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعيَب عندي من استسراعك في هذا الأمر قال عمّار : يا أبا مسعود ، وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئاً ، منذ صحبتما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعيَب عندي من إبطائكما في هذا الأمر فقال أبو مسعود وكان موسراً ـ : يا غلام ! هات حلّتين ، فأعطى إحداهما أبا موسى والأُخرى عمّاراً وقال : روحا فيه إلى الجمعة )(٢) .

وقال الحاكم :

( أخبَرنا عبد الرحمان بن الحسن القاضي بهَمَدان ، حدّثنا إبراهيم بن الحسين ، حدّثنا آدم بن أبي أيَاس ، حدّثنا شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي

ـــــــــــــــــــ

(١) الإمامة والسياسة ١ : ٦٥ ـ ٦٦ .

(٢) صحيح البخاري ٩ : ٧٠ ـ ٧١ كتاب الفتن .

٦٣

وائل قال : دخل أبو موسى الأشعري وأبو مسعود البدري على عمّار وهو يستنفر النّاس ، فقالا له : ما رأينا منك أمراً منذ أسلمت أكره عندنا مِن إسراعك في هذا الأمر فقال عمّار : ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر ) (١) .

وأخرج أيضاً :

( عن الشعبي قال : لمّا قتل عثمان وبُويع لعليّرضي‌الله‌عنه ما ، خطب أبو موسى وهو على الكوفة ، فنهى النّاس عن القتال والدخول في الفتنة ، فعزله عليٌّ عن الكوفة من ذي قار ، وبعث إليه عمّار بن ياسر والحسن بن عليّ فعزلاه )(٢) .

وفيما فعل أبو موسى من الوقاحة والتجاسر والافتراء والكذب ، ما لا يخفى ، ولا بأس لتوضيح شناعة موقفه بأنْ نقول :

أوّلاً : ذكر المسعودي ـ وعنه سبط ابن الجوزي ـ أنّه لمّا خذّل أبو موسى الناس ، كتب الإمامعليه‌السلام إليه :

( انعزِل عن هذا الأمر مذموماً مدحوراً ، فإنْ لم تفعل ، فقد أمرت من يقطّعك إرباً إرباً ، يا ابن الحائك ، ما هذا أوّل هناتك ، وإنّ لك لهنات وهنات .

ثمّ بعث عليٌّ الحسن وعمّاراً إلى الكوفة ، فالتقاهما أبو موسى ، فقال له الحسن : لم ثبّطت القوم عنّا ؟ فو الله ما أردنا إلاّ الإصلاح فقال : صدقت ، ولكنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( ستكون فتنة ، يكون القاعد فيها خيراً من القائم ، والماشي خيراً من الراكب ) فغضب عمّار

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١٧ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١٧ .

٦٤

وسبّه ) (١) .

فلقد وصفه الإمامعليه‌السلام بوصف أهل النّار ، قال تعالى :( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً ) (٢) وقال :( لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً ) (٣) .

وقال :( ...وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً ) (٤) .

قال في ( تفسير الجلالين ) : ( [مذموماً] ملوماً [مدحوراً] مطروداً عن الرحمة )(٥) .

وفي كتاب ( النهاية في غريب الحديث ) : ( في حديث عرفة : ما مِن يوم إبليس فيه أدحر ولا أدحق منه في يوم عرفة ، الدحر: الدفع بعنف على سبيل الإهانة والإذلال ، والدحق : الطّرد والإبعاد )(٦) .

وفيه :

( وأصل اللّعن : الطرد والإبعاد من الله )(٧) .

وقال الفخر الرازي بتفسير الآية :( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةََ.. ) :

( قال القفّال رحمه الله : هذه الآية داخلة في معنى قوله :( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ... ) ومعناه : أنّ الكمال في الدّنيا قسمان ، فمنهم من يريد

ـــــــــــــــــــ

(١) مروج الذهب ٣ : ١٠٤/ ١٦٣٠ ( بنحوه ) تذكرة خواص الأُمّة : ٧٠ .

(٢) سورة الإسراء ١٧ : ١٨ .

(٣) سورة الإسراء ١٧ : ٢٢ .

(٤) سورة الإسراء ١٧ : ٣٩ .

(٥) تفسير الجلالين ط ذيل تفسير البيضاوي ١ : ٥٨١ .

(٦) النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ : ١٠٣ ( دحر ) .

(٧) النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ : ٢٥٥

٦٥

بالذي يعمله الدنيا ومنافعها والرياسة فيها ، فهذا يأنف من الانقياد للأنبياء ( عليهم الصلاة والسلام ) ، والدخول في طاعتهم والإجابة لدعوتهم ، إشفاقاً من زوال الرياسة عنه ، فهذا قد جعل طائر نفسه شؤماً ؛ لأنّه في قبضة الله تعالى ، فيُؤتيه الله في الدنيا منها قدَراً لا كما يشاء ذلك الإنسان ، بل كما يشاء الله ، إلاّ أنّ عاقبته جهنّم يُدخله فيها فيصلاها مذموماً ملوماً مدحوراً منفيّاً مطروداً من رحمة الله تعالى .

وفي لفظ هذه الآية فوائد :

الفائدة الأُولى : إنّ العقاب عبارة عن مضرّة مقرونة بالإهانة والذمّ ، بشرط أنْ تكون دائمة وخالية عن شوب المنفعة فقوله :( ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا.. ) إشارة إلى المضرّة العظيمة ، وقوله :( مَذْمُوماً ) إشارة غلى الإهانة والذم ، وقوله :( مَّدْحُوراً ) إشارة إلى البُعد والطرد عن رحمة الله ، وهي تفيد كون تلك المضرّة خالية عن شوب النفع والرحمة ، وتفيد كونها دائمة وخالية عن التبدّل بالراحة والخلاص )(١) .

وقال أبو البركات النسفي بتفسيرها :

( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء... ) لا ما يشاء( لِمَن نُّرِيدُ ) بدل من له بإعادة الجار ، وهو بدل البعض من الكلّ ، إذ الضمير يرجع إلى من ، أي من كانت العاجل همّه ولم يرد غيرها كالكفرة ، تفضّلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد ، فقيّد المعجّل بمشيّته والمعجّل له بإرادته ، وهكذا الحال ، ترى كثيراً من هؤلاء يتمنّون ما يتمنّون ولا يعطون إلاّ بعضاً منه ، وكثيراً منهم يتمنّون ذلك البعض وقد حرموه ، فاجتمع عليهم فقر الدّنيا وفقر الآخرة ، وأمّا

ـــــــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ٢٠ : ١٧٨ .

٦٦

المؤمن التقي ، فقد اختار غنى الآخرة ، فإنّ أُوتي حظّاً من الدنيا فبها ، وإلاّ فربّما كان الفقر خيراً له ( ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ ) في الآخرة ( يَصْلاهَا ) يدخلها ( مَذْمُوماً ) ممقوتاً ( مَّدْحُوراً ) (١) .

وقال البغوي :

( وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ ) خاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الآيات ، والمراد منه الأُمّة( فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً ) مطروداً مُبعَداً من كلّ خير )(٢) .

( ثمّ إنّه تعالى ذكر في الآية الأُولى : أنّ الشرك يُوجب أنْ يكون صاحبُه مذموماً مخذولاً ، وذكر في الآية الأخيرة : أنّ الشرك يُوجب أنْ يُلقى صاحبه في جهنّم ملوماً مدحوراً ، فاللّوم والخذلان يحصل في الدنيا ، وإلقاؤه في جهنّم يحصل يوم القيامة .

ويجب علينا أنْ نذكر الفرق بين المذموم والمخذول ، وبين الملوم المدحور فنقول : أمّا الفرق بين المذموم وبين الملوم ، فهو أنّ كونه مذموماً معناه أنْ يُذكر له أنّ الفعل الذي أقدم عليه قبيحٌ ومنكر، فهذا معنى كونه مذموماً ، وإذا ذُكر له ذلك فبعد ذلك يقال له : لمَ فعلت مثل هذا الفعل ؟ وما الذي حملك عليه ؟ وما استفدت من هذا العمل إلاّ إلحاق الضرر بنفسك ، وهذا هو اللّوم ، فثبت أنّ أوّل الأمر هو أنْ يصير مذموماً ، وآخره أنْ يصير

ـــــــــــــــــــ

(١) تفسير النسفي = مدارك التنزيل ١ : ٧٠٩ .

(٢) تفسير البغوي = معالم التنزيل ٣ : ٤٩٧

٦٧

ملوماً ، وأمّا الفرق بين المخذول وبين المدحور ، فهو أنّ المخذول عبارة عن الضعيف ، يُقال : تخاذلت أعضاؤه أي ضَعُفت ، وأمّا المدحور فهو المطرود ، والطرد عبارة عن الاستخفاف والإهانة ، قال تعالى : ( وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ) ، فكونه مخذولاً عبارة عن ترك إعانته وتفويضه إلى نفسه ، وكونه مدحوراً عبارة عن إهانته والاستخفاف به ) (١) .

وأيضاً : فقد ورد أنّ الإمامعليه‌السلام قال عن أبي موسى :( هو عندي غير مأمون ، وقد هرب منّي ) قال سبط ابن الجوزي في خبَر قضيّة التحيكم :

( ولمّا فعل معاوية ما فعل قال : نبعث حكماً نرتضي به ، وابعثوا أنتم حكماً ترضون به ، فاختار أهل الشام عمرو بن العاص، وأختار أهل العراق أبا موسى الأشعري ، فقال عليّعليه‌السلام :( لا أرضى به ، وهو عندي غير مأمون ، وقد هرب منّي ، وخذّل النّاس عنّي ، ولكنْ هذا ابن عبّاس ) (٢) .

وكما تكلّم الإمامعليه‌السلام في أبي موسى بما تقدّم ونحوه ، كذلك تكلّم في سعد بن أبي وقّاص ، لتخلّفه عنه وتركه نصرته ، قال الحاكم :

( وأمّا ما ذكر من اعتزال سعد بن أبي وقّاص عن القتال ، فحدّثَناه أبو زكريّا يحيى بن محمّد العنبري ، ثنا إبراهيم بن أبي طالب ، ثنا عليّ بن المنذر ، ثنا ابن فُضيل ، ثنا مسلم الملائي ، عن خيثمة بن عبد الرحمان قال : سمِعت سعد بن مالك ، وقال له رجل : إنّ عليّاً يقع فيك إنّك تخلَّفت عنه ، فقال سعد : والله إنّه لرأيٌ رأيته وأخطأ رأيي ، إنّ عليّ بن أبي طالب أُعطي ثلاثاً ، لأنْ أكون أُعطيت إحداهنّ أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها :

ـــــــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ٢٠ : ٢١٤.

(٢) تذكرة خواص الأُمّة : ٩٣.

٦٨

لقد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم بعد حمد الله والثناء عليه : ( هل تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين ) ؟ قلنا : نعم قال : ( اللّهمّ من كنت مولاه فعليّ مولاه ، والِ من والاه وعادِ من عاداه ) .

وجيء به يوم خير وهو أرمد ما يُبصر ، فقال :( يا رسول الله ، إنّي أرمد ) ، فتفل في عينيه ودعا له ، فلم يرمد حتّى قُتل ، وفتح عليه خيبر .

وأخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّه العبّاس وغيره من المسجد ، فقال له العبّاس : تُخرجنا ونحن عصبتك وعمومتك وتُسكن عليّاً ؟ ! فقال :( ما أنا أخرجتكم وأسكنته ، ولكنّ الله أخرجكم وأسكنه ) (١) .

ثانياً : إنّ سبّ عمّار بن ياسر أبا موسى الأشعري دليلٌ آخر على كفر أبي موسى ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ـ كما في البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة ـ :( سُباب المسلم فسوق ) (٢) ، فلا يجوز سبّ المسلم على الإطلاق ، فكيف بالصّحابي ، فلو كان لأبي موسى حظّ من الإسلام لَما جاز سبّه أصلاً .

ثالثاً : إنّ ترك أبي موسى نصرة الإمامعليه‌السلام وتخذيله الناس عن القتال معه ونصرته ، يُشمله قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ :( اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ) ، أخرجه الطبراني عن عمرو بن مرّة وزيد بن أرقم وحبشي بن جنادة مرفوعاً بلفظ :( اللهّم مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣: ١١٦ ـ ١١٧ كتاب معرفة الصحابة.

(٢) جامع الاصول ١٠: ٦٧ و٧٦٠/ ٧٥٣٥ و٨٤٣٧.

٦٩

من نصره ، وأعن من أعانه ) (١) .

وأخرجه الحاكم بإسناده عن جابر بن عبد الله يقول : ( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [يقول يوم الحديبيّة] ـ وهو آخذٌ بضبع عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ـ وهو يقول :( هذا أميرُ البرَرَة ، [و] قاتل الفجَرَة ، منصورٌ من نصَرَه ، [و] مخذولٌ من خذله ) ثمّ مدّ بها صوته هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه )(٢) .

رابعاً : لقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ، ما إنْ تمسّكتم بهما لنْ تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) وهو حديث صادر عنه قطعاً وقد اعترف بذلك كبار أهل السنّة من القدماء والمتأخّرين ، وحتّى الدهلوي صاحب ( التحفة الاثني عشريّة ) ، وأضاف أنّ كلّ عقيدةٍ أو عملٍ مخالف للثقلين فهو باطل ، ومن أنكرهما فهو ضالٌّ خارج من الدين ، وهذه ترجمة كلامه في الباب الرابع من كتابه :

( واعلم أنّه قد ثبت باتّفاق الفريقين ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ، ما إنْ تمسّكتم بهما لنْ تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم مِن الآخر ، كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ) . وقد أفاد أنّ النبيّ قد دلّنا في معالم الدين وأحكام الشرع على هذين الأمرين العظيمين ، فكلّ مذهبٍ خالفهما في الأمور الشرعيّة سُواء في العقيدة أم العمل فهو باطل ولا اعتبار به ، وكلّ مَن أنكرهما

ـــــــــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ٤ : ١٧/ ٣٥١٤ ، و٥ : ١٧١/ ٤٩٨٥ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٩ كتاب معرفة الصحابة

٧٠

فهو ضالّ وخارج من الدّين ) (١) .

ولا شكّ أنّ أبا موسى الأشعري قد خالف الثقلين ، فكان من الخارجين عن الدين والداخلين في زمرة الضالّين الهالكين .

خامساً : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مثَل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوحٍ ، مَن ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ) ، وهو كذلك من الأحاديث الثابتة الصدور عنه عند الفريقين ، وقد قال الدهلوي في ( التحفة ) ، في مقام الردّ على استدلال أصحابنا بهذا الحديث على الإمامة العامّة والولاية المطلقة ـ لأمير المؤمنينعليه‌السلام ـ ما تعريبه :

( إنّ هذا الحديث لا يدلّ إلاّ على إناطة الفلاح والهداية بحبّهم واتّباعهم ، وأنّ التخلّف عن ذلك مُوجبٌ للهلاك )(٢) .

ومن الواضح : أنّ حال أبي موسى الأشعري ، ليس إلاّ التخلّف عن أهل البيت والمخالفة لهم ، فيكون من الضالّين الهالكين .

سادساً : إنّه لم يكن تخلّف أبي موسى عن أهل البيتعليهم‌السلام ، ومخالفته لهم في ترك النصرة وتخذيل النّاس فقط ، بل تكلّم بكلماتٍ كشَف فيها عن نصبه وعناده لأهل البيت ، بما لا يقبل الحمل والتأويل ، فكان من الهالكين والخاسرين ، وقد اعترف بذلك سائر العلماء من أهل السنّة حتّى المتعصّبون منهم...

سابعاً : لقد عصى أبو موسى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن عصاه فقد عصى رسول الله ، ومن عصى رسول الله فقد عصى الله تعالى... وفي ذلك

ـــــــــــــــــــ

(١) التحفة الاثنا عشريّة ، الباب الرابع : ١٣٠.

(٢) التحفة الاثنا عشريّة ، الباب السابع : ٢١٩.

٧١

أحاديث صحيحة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أخرج الحاكم بإسناده عن أبي ذر رضي‌الله‌عنه قال : ( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومن عصى عليّاً فقد عصاني ) قال الحاكم : هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه ) (١) .

ثامناً : إنّه قد فارق أبو موسى أمير المؤمنينعليه‌السلام بتركه نصرته والتخلّف عنه ، وقد نصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أنّ من فارَق عليّاً فقد فارق الله ورسوله :

أخرج الحاكم بإسناده عن أبي ذررضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ :( من فارقني فقد فارق الله ، ومن فارقك فقد فارقني ) (٢) .

تاسعاً : إنّ من الواضح أنّ أبا موسى قد آذى بأفعاله وأقواله عليّاً أمير المؤمنين ، وهذا ممّا لا يرتاب فيه مُرتاب ولا يشكّ فيه أحدٌ من أُولي الألباب ، وإيذاء عليّ إيذاء رسول الله ، وإيذاؤه يُوجب الدخول في النّار .

أخرج الحاكم بإسناده عن عمرو بن شاس الأسلمي ، قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حديث ـ :( يا عمرو ، أما والله لقد آذيتني ) .

فقلت : أعوذ بالله أن أُُوذيك يا رسول الله ! قال :( بلى ، من آذى عليّاً فقد آذاني ) قال الحاكم : ( هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه )(٣) .

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢١ كتاب معرفة الصحابة .

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٦ كتاب معرفة الصحابة .

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٢ كتاب معرفة الصحابة .

٧٢

العاشر : لقد خالف أبو موسى رسول الله ، وعصى أوامرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقتال مع أمير المؤمنين ، في حروبه مع الناكثين والقاسطين والمارقين :

أخرج الحاكم بإسناده : أنّ أبا أيّوب الأنصاري قال في زمان عمر بن الخطّاب : ( أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ بن أبي طالب بقتال الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين )(١) .

وأخرج عنه أنّه قال :( سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليّ بن أبي طالب :( تُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، بالطرقات ، والنهروانات ، وبالسعفات ) ، قال أبو أيّوب : قلت : يا رسول الله ، مع من نقاتل هؤلاء الأقوام ؟ قال :( مع عليّ بن أبي طالب )) (٢) .

وأخرج البغوي عن ابن مسعود قال : ( خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتى منزل أُمّ سلمة ، فجاء عليّ ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا أُمّ سلمة ، هذا ـ والله ـ قاتل القاسطين ، والناكثين والمارقين من بعدي ) (٣) .

وروى المتّقي حديث ابن مسعود المذكور ، عن الحاكم في الأربعين وابن عساكر(٤) .

وروى عن ابن عساكر عن زيد بن عليّ بن الحسين بن علي ، عن أبيه ، عن جدّه عن عليّ قال :( أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتال الناكثين

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٩ كتاب معرفة الصحابة .

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٠ كتاب معرفة الصحابة .

(٣) شرح السنّة ١٦٨/ ٢٠٠٩ كتاب قتال أهل البغي الباب ١ .

(٤) كنزل العمّال ١٣ : ١١٠/ ٣٦٣٦١ .

٧٣

والمارقين والقاسطين ) (١) .

وأوضح ابن طلحة الشافعي معنى الحديث ـ بعد أنْ رواه عن البغوي عن ابن مسعود ـ بقوله :

( ذكر في هذا الحديث فِرَقاً ثلاثة ً، صرّح بأنّ عليّاًعليه‌السلام يُقاتلهم من بعده ، وهُم الناكثون ، والقاسطون والمارقون ، وهذه الصفات التي ذكرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سمّاهم بها ، مُشيراً إلى أنّ وجود كلّ صفةٍ منها في الفرقة المختصّة بها علّةٌ لقتالهم مسلّطة عليه ، وهؤلاء الناكثون هُم الناقضون عقد بيعتهم الموجِبة عليهم الطاعة والمتابعة لإمامهم الذي بايعوه حقّاً ، فإذا نقضوا ذلك وصدفوا عن طاعة إمامهم ، وخرجوا عن حكمه ، وأخذوا في قتاله بغياً وعناداً ، كانوا ناكثين باغين ، فتعيَّن قتالهم ، كما اعتمده طائفة فمن تابع عليّاًعليه‌السلام وبايعه ثمّ نقض عهده وخرج عليه ـ وهم أصحاب واقعة الجمل ـ فقاتلهم عليّعليه‌السلام ، فهم الناكثون... )(٢) .

حديث خاصف النعل

هذا ، وقد وردت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديثٌ كثيرة ـ غير ما ذُكر ـ في كون عليّعليه‌السلام مأموراً بالقتال مع هؤلاء ، ومصيباً في حروبه...

منها :حديث خاصف النعل ... وقد أخرجه من كبار الأئمّة والحفّاظ :

الحاكم في (المستدرك).

ـــــــــــــــــــ

(١) كنز العمّال ١٣ : ١١٢ ـ ١١٣/ ٣٦٣٦٧ .

(٢) مطالب السؤول : ١٠٤ ـ ١٠٥.

٧٤

والنسائي في ( الخصائص ) .

وابن أبي شيبة في ( المصنّف ) .

وأحمد بن حنبل في ( المسند ) .

وأبو يعلى في ( المسند ) .

وابن حبّان في ( الصحيح ) .

وأبو نعيم في ( حلية الأولياء ) .

والضياء المقدسي في ( المختارة ) .

والذهبي في ( المعجم المختص ) .

والمُحب الطبري في ( الرياض النضرة ) و( ذخائر العقبى ) .

وابن مندة في ( كتاب الصحابة ) .

وابن الأثير في ( اُسد الغابة ) .

والزرندي في (نظم درر السمطين).

والبغوي في ( شرح السنّة ) .

والسيوطي في ( جمع الجوامع ) .

والمتقي في ( كنز العمّال ) .

ومحمّد بن معتمد خان البدخشاني في ( مفتاح النجا ) .

وابن طلحة الشافعي في ( مطالب السئول ) .

ولنذكر نصوص رواياتهم مع الاختصار :

أخرج الحاكم :( عن أبي سعيد الخدري قال : كنّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانقطعت نعله ، فتخلّف عليّ ، يصلحها ، فمشى قليلاً ثمّ قال :( إنّ منكم من يُقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلتُ على تنزيله ) ، فاستشرف لها القوم ـ وفيهم أبو بكر وعمر ـ قال أبو بكر : أنا هو ؟

قال :( لا ) ، قال عمر : أنا هو ؟ قال :( لا ، ولكن خاصف النعل ) ـ يعني عليّاً ـ فأتينا فبشّرناه ، فلم يرفع به رأسه ، كأنّه قد كان سمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٧٥

هذا حديثٌ صحيح على شرط الشيخين ، ولم يُخرجاه) (١) .

وترجم ابن الأثير ( عبد الرحمان بن بشير ) فأسند عنه قال :

( كنّا جلوساً عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قال :( ليضربنّكم رجلٌ على تأويل القرآن ، كما ضربتكم على تنزيله ) ، فقال أبو بكر : أنا هو ؟ قال :( لا ) , قال عمر : أنا هو ؟ قال :( لا ، ولكن خاصف النعل ) ، وكان عليّ يخصف نعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخرجه الثلاثة) (٢) .

وأخرج النسائي بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال :

( كنّا جلوساً ننتظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرج إلينا وقد انقطع شسع نعله ، فرمى بها إلى عليّ فقال :( إنّ منكم مَن يُقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله ) ، فقال أبو بكر : أنا ؟ فقال :( لا ) ، فقال عمر : أنا ؟ فقال :( لا ، ولكن خاصف النعل )) (٣) .

وفي ( المسند ) : ( عن أبي سعيد الخدري : كنّا جلوساً في المسجد ، فخرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ في بيت فاطمة ، فانقطع شسع نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأعطاه عليّاً يصلحها ، ثمّ جاء فقام علينا فقال... )(٤) .

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٣ كتاب معرفة الصحابة .

(٢) اُسد الغابة في معرفة الصحابة ٣ : ٣٢٥/ ٣٢٧١ .

(٣) خصائص علي : ٢١٩/ ١٥٦ .

(٤) مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٥٠١/ ١١٣٦٤ بنحوه .

٧٦

وأورد العلاّمة الحلّي هذا الحديث في ( نهج البلاغة ) محتجّاً به ، فقال ابن روزبهان عند الجواب : ( قد صحّ هذا الحديث )(١) .

ورواه الذهبي في ( المعجم المختص ) بترجمة ( عبد الله بن محمّد بن أحمد ابن المطري ) بإسنادٍ فيه جماعة من الأعلام الحفّاظ... ( عن أبي سعيد الخدري قال : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن في المسجد في نحو سبعين من أصحابه ، كأنّ على رؤوسنا الطير فقال :( إنّ رجلاً منكم يُقاتل الناس على تأويل القرآن ، كما قاتلتهم على تنزيله ) ، فقال أبو بكر : أنا ؟ فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هو خاصف النعل بالحجرة ) ، فخرج علينا عليّ من الحجرة وفي يده نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلحها أو يخصفها )(٢) .

وهو في ( كنز العمّال ) عن أبي سعيد باللّفظ المذكور : عن ابن أبي شيبة في المصنّف ، وأحمد في المسند ، وأبي يعلى في المسند ، وابن حبّان في الصحيح ، والحاكم في المستدرك ، وأبي نعيم في الحلية ، والضياء في المختارة(٣) .

وكذلك البدخشي ، رواه عن الجماعة والبغوي في شرح السنّة ، عن أبي سعيد الخدري ، وأضاف : ( وأخرج الحافظ أبو علي سعيد بن عثمان ابن السكن البغدادي في صحاحه ، عن الأخضر الأنصاريرضي‌الله‌عنه ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنا أُقاتل على تنزيل القرآن ، وعليّ يُقاتل على تأويله ) (٤) .

دلّ هذا الحديث على أنّ قتال أمير المؤمنينعليه‌السلام على تأويل

ـــــــــــــــــــ

(١) اُنظر : دلائل الصدق لنهج الحق ٢ : ٤٢٩ ـ ٤٣٠/١٧ .

(٢) المعجم المختص : ٩١/١٤٣ .

(٣) كنز العمّال ١٣ : ١٠٧ ـ ١٠٨/ ٣٦٣٥١ .

(٤) مفتاح النجا في مناقب آل العبا مخطوط

٧٧

القرآن بعد حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّما يُعدّ من المناقب المختصّة به ، ومن خصائصه الجليلة التي قد تمنّاها أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة... فكيف يجوز لأبي موسى الأشعري أو غيره أنْ يطعن في قتاله عليه‌السلام ، وحروبه التي خاضعها ضدّ الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين ؟ وكيف يجوز لأحدٍ أنْ يسعى في حطّ مرتبة هذه الفضيلة والشرف العظيم الذي بشّر به رسول الله ؟ وكيف يجوز التعبير عن هذا القتال بأنّه كان للدنيا ؟

هذا ، ولا يخفى أنّ صاحب ( التحفة ) قد روى هذا الحديث ، وأورده في باب الإمامة ، مع إسقاط تمنّي أبي بكر وعمر ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما : لا (١) !

الحادي عشر : لقد خالف أبو موسى الأشعري النصوص الصريحة الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أنّ الحقّ مع عليّ ، وأنّه لا يفارقه أبداً .

وقد أخرج هذه الأحاديث كبار الأئمّة الحفّاظ بأسانيدهم ، وقد ذكر البدخشي طرفاً منها في كتابه ( مفتاح النجا في مناقب آل العبا ) حيث قال :

( الفصل الثامن عشر ـ في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحق معه .

أخرج الترمذي عن عليّ كرّم الله وجهه قال :( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رحم الله عليّاً ، اللّهمّ أدر الحقّ معه حيث دار ) .

وأخرج أبو يعلى والضياء عن أبي سعيدرضي‌الله‌عنه : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( الحقّ مع ذا ، الحقّ مع ذا ) ؛ يعني عليّا ً.

وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( الحق مع عليّ ، يزول معه حيث ما زال ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) التحفة الاثني عشرية : ٢١٩، الباب السابع .

٧٨

وفي رواية أُخرى عنها : عليّ مع الحقّ والحقّ معه .

وأخرج الطبراني في الكبير ، عن كعب بن عجرةرضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يكون بين الناس فُرقةٌ واختلاف ، فيكون هذا وأصحابه على الحق ) ؛ يعني عليّاً .

وأخرج أبو نعيم ، عن أبي ليلى الغفاريرضي‌الله‌عنه ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( سيكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب ؛ فإنّه الفاروق بين الحقّ والباطل ) .

وأخرج ابن مردويه ، عن عائشة رضي الله عنها: أنّها لمّا عُقر جملها ودخلت داراً بالبصرة ، فقال لها أخوها محمّد : أُنشدك الله ، أتذكرين يوم حدّثتني عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( الحقّ لنْ يزال مع عليّ وعليّ مع الحق ، لنْ يختلفا ولنْ يتفرقا ) ؟ قالت : نعم .

وأخرج عن أبي موسى الأشعريرضي‌الله‌عنه قال : أشهد أنّ الحقّ مع عليّ ، ولكن مالت الدنيا بأهلها ، ولقد سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له :( يا عليّ ، أنت مع الحق ، والحق بعدي معك ) .

وأخرج عن أُمّ سلمة رضي الله عنها قالت : كان عليّ على الحق ، من اتّبعه اتّبع الحق ، ومن تركه ترك الحق ، عهداً معهوداً قبل يومه هذا .

وأخرج عن شهر بن حوشب قال : كنت عند أُمّ سلمة رضي الله عنها فسلّم رجل ، فقيل : من أنت ؟ قال : أنا أبو ثابت مولى أبي ذر قالت : مرحباً بأبي ثابت اُدخل ، فدخل ، فرحّبت به وقالت : أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها ؟ قال : مع عليّ بن أبي طالب قالت : وُفّقت ، والذي نفس أُمّسلمة بيده لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( عليٌّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لنْ يفترقا حتّى يردا على الحوض ) ، ولقد بعثت ابني عمر وابن أخي عبد الله بن أبي أُميّة ، وأمرتهما أنْ يقاتلا مع عليّ من قاتَلَه ، ولولا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرنا أنْ نقرّ في حجالنا وفي بيوتنا ، لخرجت حتّى أقف في صفّ عليّ .

٧٩

وأخرج عن عليّ كرّم الله وجهه قال :( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ، إنّ الحق ّمعك ، والحقّ على لسانك ، وفي قلبك وبين عينيك ) .

وأخرج عن عبيد الله بن عبد الله الكندي قال : حجّ معاوية ، فأتى المدينة وأصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متوافرون ، فجلس في حلقةٍ بين عبد الله ابن عبّاس وعبد الله بن عمر ، فضرب بيده على فخذ ابن عبّاس ثمّ قال :

أما كنتُ أحقّ وأولى بالأمر من ابن عمّك ؟

قال ابن عبّاس : وبم ؟

قال : لأنّي ابن عمّ الخليفة المقتول ظلماً .

قال : هذا ـ يعني ابن عمر ـ أولى بالأمر منك ؛ لأنّ أبا هذا قتل قبل ابن عمّك .

قال : فانصاع عن ابن عبّاس وأقبل على سعد ، قال :

وأنت يا سعد ، الذي لم تعرف حقّنا من باطل غيرنا فتكون معنا أو علينا ؟

قال سعد : إنّي لمّا رأيت الظلمة قد غشيت الأرض ، قلت لبعيري هخ ، فأنخته حتّى إذا أسفرت مضيت .

قال : والله لقد قرأت المصحف يوماً بين الدفّتين ما وجدت فيه هخ .

فقال : أمّا إذا أبيت ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوللعلي : ( أنت مع الحق والحق معك ) .

قال : لتجيئنّي بمن معك أو لأفعلنّ ؟

قال : أُمّ سلمة .

قال : فقام وقاموا معه ، حتّى دخل على أُمّ سلمة .

قال : فبدأ معاوية فتكلّم فقال : يا أُمّ المؤمنين ، إنّ الكذّابة قد كثُرت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعده ، فلا يزال قائلٌ : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يقُل ، وإنّ سعداً روى حديثاً زعم أنّك سمعته معه .

قالت : ما هو ؟

قال : زعم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ :( أنت مع الحق والحق معك ) .

قالت : صدق ، في بيتي قاله .

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137