الشيعة تجيب

الشيعة تجيب0%

الشيعة تجيب مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 191

الشيعة تجيب

مؤلف: سيد رضا حسيني نسب
تصنيف:

الصفحات: 191
المشاهدات: 41713
تحميل: 5306

توضيحات:

الشيعة تجيب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 191 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41713 / تحميل: 5306
الحجم الحجم الحجم
الشيعة تجيب

الشيعة تجيب

مؤلف:
العربية

و أما القائلين بالرجعة فهم يعتقدون بوجود الحساب والقيامة ; تبعاً للشريعة المقدّسة. ومن جانب آخر فإنّهم يعتقدون باستحالة انتقال الروح المنفصلة عن بدن معيّن إلى بدن آخر. وإنما يعتقدون رجوع جمع من الناس إلى الحياة الدنيا بعد الموت وقبل يوم القيامة.

٤١

السؤال الحادي عشر

ما هي الشفاعة التي تعتقدون بها ؟

الجواب:

الشفاعة من الاُصول الإسلامية المسلّمة، والتي تلقّتها جميع الفرق الإسلامية بالقبول; تبعاً للوارد في الآيات الكريمة والروايات الشريفة. نعم اختلفوا في آثارها.

وحقيقة الشفاعة أن يطلب الإنسان الوجيه عند الله المغفرةَ للمذنب من الباري سبحانه، أو يطلب منه علوّ الدرجات لشخص آخر. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«اُعطيت خمساً... واُعطيتُ الشفاعةَ فادّخرتُها لاُمَّتي فهي لمن لا يشرك بالله شيئاً»(١) .

تقييد الشفاعة

الذي يرى الشفاعة من اُفق القرآن يجد أنّها بمعناها المطلق ومن دون أي قيد مردودةٌ، و أنّ الشفاعة المؤثرة هي ما كانت بالصفة التالية:

١- أن يكون الشفيع مأذوناً في الشفاعة من الله سبحانه، فلا يجدي القرب لوحده، وإنما يجب أن يكون مأذوناً في الشفاعة أيضاً، قال تعالى:

( يَوْمَئِذ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلاً ) (٢) .

____________________

(١) مسند احمد بن حنبل، ج ١، ص ٣٠١. صحيح البخاري، ج ١، ص ٩١ (طبع مصر).

(٢) طه: ١٠٩.

٤٢

٢- أن يكون للمشفوع له استعداد لقبول الفيض الإلهيّ الوارد عليه بواسطة الشفيع ; بمعنى أن لا ينقطع ارتباطه الإيماني بالباري سبحانه، بل يبقى محفوظاً. وعليه فلا شفاعة للكافر، ولا لبعض المسلمين كتارك الصلاة وقاتل النفس المحترمة ظلماً ; وذلك أنّ هؤلاء قطعوا صِلتهم الروحية بالباري سبحانه، قال سبحانه في حقّ تاركي الصلاة والمنكرين ليوم الدين:

( فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ ) (١) .

وقال في حق الظالمين:

( ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيم وَ لا شَفِيع يُطاعُ ) (٢) .

فلسفة الشفاعة

الشفاعة كالتوبة، نافذة يدخل منها شعاع الأمل لقلوب المذنبين الذين أحسّوا باشتباههم أثناء السير والسلوك إلى الله، حيث تكون داعياً لترك المعاصي ; حيث أنّهم يعلمون أنّ الشفاعة باب مفتوح أمامهم ضمن شرائط خاصّة، لا مطلقاً، فيمكنهم ولوج هذا الباب والنجاة من العذاب إذا ما راعوا تلك الشرائط، فيحاولون أن لا يتجاوزوا تلك الحدود لئلاّ تفوتهم الشفاعة.

أثر الشفاعة

اختلف المفسرون في أثر الشفاعة ; وهل أنّها تفيد غفران الذنوب، أم رفع الدرجات؟ الذي يتراءى لنا من خلال قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الرأي الأول لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

(١) المدثر: ٤٨.

(٢) غافر: ١٨.

٤٣

«إنّ شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من اُمّتي»(١) .

____________________

(١) سنن ابن ماجة، ج ٢، ص ١٤٤١، ح ٤٣١٠. سنن الترمذي، ج ٤، ص ٤٥. سنن أبي داود، ج ٢، ص ٥٣٧. مسند أحمد، ج ٣، ص ٢١٣.

٤٤

السؤال الثاني عشر

هل طلب الشفاعة من الشفعاء شركٌ بالله ؟

توضيحه: قد يقال: إنّ الشفاعة من شؤون الباري جلّ وعلا المخصوصة به، لقوله عزّ اسمه:

( قُلْ لِلّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعًا ) (١) .

وعليه فالشفاعة طلبٌ لما هو مخصوص بالباري من غيره سبحانه وهم عبيده، والطلب الذي يتّسم بهذه السمة نوع عبادة لغير الله، وهو ينافي التوحيد في العبادة لله سبحانه وتعالى.

الجواب:

المقصود من الشرك هنا ليس هو الشرك في الذات، ولا الشرك في الخلق، ولا الشرك في التدبير، وإنما المقصود هو الشرك في العبادة. وعليه فبيان الجواب يعتمد على تفسير وفهم معنى العبادة بالدقّة.

ثم إنّ تفسير العبادة لا يرجع إلينا، كي نعتبر الخضوع لكلّ مخلوق أو الطلب منه عبادة.

هذا، والقرآن الكريم يصرّح بأنّ الملائكة سجدت لآدم، قال تعالى:

( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ) (٢) .

____________________

(١) الزمر: ٤٤.

(٢) الحجر: ٢٩ - ٣٠.

٤٥

فسجود الملائكة لآدمعليه‌السلام بأمر الله سبحانه، ليس عبادة له ; وإلاّ لما أمر الباري سبحانه به.

كما سجد يعقوبعليه‌السلام و أولاده ليوسفعليه‌السلام ، على ما أفصح به الذكر الحكيم حيث قال:

( وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ) (١) .

فإذا كان هذا الخضوع عبادة ليوسفعليه‌السلام لما فعله النبيّ يعقوبعليه‌السلام ، والذي يتحلّى بالعصمة ! بل لو كان هذا الخضوع عبادة ليوسف لما ارتضاه من أولاده أيضاً. كلّ ذلك مع أنّنا لا نجد خضوعاً أشدّ من السجود.

فعلى هذا يجب التفريق بين مفهوم الخضوع والطلب من الآخرين وبين مفهوم العبادة، فحقيقة العبادة أن يعتقد الإنسان الالوهية لمخلوق معيّن، ويعبده، أو أن يعتقد أنّ الأفعال الإلهية - كتدبير العالم وغفران الذنوب - مفوّضة لمخلوق معيّن. و أما إذا كان الخضوع للمخلوق من دون أن نعتقد فيه الالوهية، ومن دون أن نعتقد تفويض الشؤون الإلهيّة إليه، فليس هذا عبادة، بل هو مجرّد احترام له ; نظير احترام الملائكة لآدم، واحترام يعقوب ليوسفعليهما‌السلام .

وفي مقام الجواب عن السؤال نقول: إذا اعتقدنا أنّ الشفاعة مفوّضة للشفعاء، و أنّهم يشفعون لمن يريدون من دون أي قيد أو شرط، وهم السبب في مغفرة ذنوبهم، فهذا شرك ; لأنّنا طلبنا ما هو لله من غيره. و أمّا إذا اعتقدنا أنّ بعض عباد الله الصالحين مجازون بالشفاعة للمذنبين ضمن اطار وحدود معينة والتي من أهمها رضا الله سبحانه، فهذا لا يلازم الاعتقاد باُلوهية هذا الشافع الصالح كما هو واضح، كما لا يلازم تفويض شأن الهي إليه، بل هو طلب ممن هو أهل لذلك.

____________________

(١) يوسف: ١٠٠.

٤٦

ولهذا نجد أنّ المذنبين على عهد الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا يأتون إليه لطلب المغفرة، ومع ذلك لم ينسبهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للشرك، ففي سنن ابن ماجة:

«أتدرون ما خيرني ربي الليلة ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنّه خيّرني بين أن يدخل نصف اُمتي الجنّة، وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة. قلنا: يا رسول الله ! ادع الله أن يجعلنا من أهلها. قال: هي لكل مسلم»(١) .

فالحديث صريح في طلب الصحابة المغفرة من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بقولهم: «ادع الله». كما أنّ الكتاب العزيز يصدع بقوله:

( وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّابًا رَحِيمًا ) (٢) .

وقال في مقام آخر:

( قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنّا كُنّا خاطِئِينَ ) (٣) .

وقد أجابهم نبيّ الله يعقوب إلى ذلك ووعدهم أن يستغفر لهم بقوله:

( قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (٤) .

____________________

(١) سنن ابن ماجة، ج ٢، ص ١٤٤٤ باب ذكر الشفاعة.

(٢) النساء: ٦٤.

(٣) يوسف: ٩٧.

(٤) يوسف: ٩٨.

٤٧

السؤال الثالث عشر

هل الاستعانة بغير الله شرك ؟

الجواب:

جميع الناس وجميع الأشياء - في النظرة الاسلامية وبنظر العقل - محتاجة إلى الله في تأثيرها كحاجته إليه عند بدء الخلقة، يقول الباري في محكم كتابه:

( يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (١) .

وقال في موضع آخر:

( وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) (٢) .

وعلى هذا الأساس نكرر الآية التالية في كلّ صلاة:

( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) (٣) .

ولإيضاح الجواب عن السؤال المذكور نقول: الاستعانة بغير الله لها صورتان:

١- أن نستعين بغير الله مع اعتقاد أنّه مستقلّ عن الباري في أفعاله وغنيّ عنه في إعانته. فهذا الشكل من الاستعانة لا ريب في أنّه شرك بالله سبحانه، والقرآن الكريم يصف هذا النوع من التصور بفقدانه للأساس وبعده عن الصواب، حيث يقول:

( قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَ لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيرًا ) (٤) .

____________________

(١) فاطر: ١٥.

(٢) آل عمران: ١٢٦.

(٣) الفاتحة: ٥.

(٤) الأحزاب: ١٧.

٤٨

٢- أن نستعين بغير الله مع اعتقاد أنّه لا استقلال له عن الحقّ جلّ وعلا، وإنّما هو محتاج إليه في أفعاله وتأثيراته، بل إنّ تأثيره في الأشياء إنما هو من جانب الله سبحانه أيضاً، وقد جعل الله له هذه القدرة والتأثير رفعاً لحاجة العباد.

وعلى أساس هذه النظرة تكون استعانتنا بهذا المخلوق استعانة به بما هو واسطة جعلها الله وسيلة لقضاء حوائج الآخرين. وهذه الاستعانة في حقيقتها استعانة بالله سبحانه ; فهو الذي أفاض عليه الوجود، و أفاض عليه قدرة التأثير لتأمين حوائج الآخرين، وذلك أنّ حياة البشر في النشأة الدنيا مبنية على أساس الاستعانة بالأسباب والمسببات، بحيث لو لم يستعينوا بها اختلّ نظام الحياة.

فإذا نظرنا إليها بما هي عوامل و أسباب لتأثير الباري في الموجودات، و أنها محتاجة في تأثيرها إلى الباري كحاجتها إليه في أصل وجودها. فهذه الاستعانة لا تنافي التوحيد أبداً.

فالفلاح الموحّد إذا استعان في زراعته بأسباب وعوامل طبيعية نظير التربة والماء والهواء والشمس لنموّ البذور حتى يجني منها محاصيله، هو في الحقيقة مستعين بالله سبحانه; لأنّه هو المعطي لها هذا الاستعداد والقابلية لإنماء الزرع. وهذه الاستعانة تنسجم تماماً مع التوحيد ولا تنافيه بالمرّة، بل إنّ القرآن الكريم يوصينا بالاستمداد ببعض الاُمور; كالصبر والصلاة، في قوله عزّ من قائل:

( وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ ) (١) .

ومن الواضح أنّ الصبر والصلاة من أفعال البشر، ونحن مأمورون بالاستعانة بهما. في الوقت الذي نجد الآية حصرت الاستعانة به سبحانه في قوله تعالى:

( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) (٢) .

ولا تنافي بينهما أصلاً.

____________________

(١) البقرة: ٤٥.

(٢) الفاتحة: ٥.

٤٩

السؤال الرابع عشر

هل دعاء ونداء الآخرين من الشرك بالله ؟

الذي أثار هذا التساؤل هو ظاهر بعض الآيات والروايات الناهية عن ذلك، كقوله تعالى:

( وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَدًا ) (١) .

وقوله تعالى:

( وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ ) (٢) .

حيث تمسكت طائفة من الناس بظاهر هذه الآيات وقالوا: إنّ نداء أولياء الله والصالحين - بعد رحيلهم عن هذه الدنيا - عبادة لهم وشرك بالله العظيم.

الجواب:

لإيضاح الجواب عن السؤال المذكور ينبغي بيان معنى اللفظتين: «الدعاء» و «العبادة»، فنقول: لا شكّ أنّ لفظ «الدعاء» في اللغة العربية بمعنى النداء والدعوة. ولفظ «العبادة» بمعنى الخضوع الخاص مقابل الإله. ومن هنا فلا يمكن عدّهما مترادفين وبمعنى واحد ; أي لا يمكن القول بأن كلّ نداء ودعاء عبادةٌ ; لأنّه:

١- استعملت مادة «دعو» في القرآن الكريم في موارد لا يمكن القول بأن المراد منها هو العبادة، نظير:

( قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَ نَهارًا ) (٣) .

____________________

(١) الجن: ١٨.

(٢) يونس: ١٠٦.

(٣) نوح: ٥.

٥٠

فهل يا ترى يمكن القول بأن مراد نبيّ الله نوحعليه‌السلام أنّه كان يعبد قومه ليلاً ونهاراً!!

وعليه فلا يمكن القول بأن «الدعاء» و «العبادة» مترادفان، فإذا نادى شخص أحداً من الأولياء والصالحين فقد عبده ; وذلك أنّ النداء أعمّ من العبادة.

٢- المراد من الدعاء في مجموع هذه الآيات ليس هو مطلق النداء، بل هو الدعوة الخاصة التي يمكن ان تلازم العبادة ; وذلك أنّ جميع هذه الآيات واردة في شأن عبدة الأوثان الذين يعتقدون أنّ الأوثان آلهة صغار. ولا ريب أنّ دعاء واستغاثة هؤلاء بآلهتهم التي يعتقدون أنها المالكة للشفاعة والمغفرة و… وانها المتصرّف المستقلّ في اُمور الدنيا والآخرة. ومن الواضح أنّه في مثل هذه الظروف والشرائط يكون طلب ودعاء هؤلاء لهذه الموجودات عبادة.

ومن أوضح الشواهد على أنّ دعوة هؤلاء كانت مقرونة بعقيدة الاُلوهية هو هذه الآية الشريفة:

( فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ شَيْء ) (١) .

وعلى هذا فالآيات المبحوث عنها لا ربط لها بالبحث، فمحلّ البحث هو طلب عبد من آخر لا يعتقد الوهيته ولا يرى أنّه المالك والمتصرف المختار في شؤون الدنيا والآخرة، وإنما يرى أنّه عبد عزيز ومحترم من عبيد الله سبحانه، اجتباه الله رسولاً أو نبياً، ووعده قبول دعائه في حق العبيد بقوله:

( وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَ-هُمْ جاؤُوكَ فَاسْ-تَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْ-تَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُ-ولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّابًا رَحِيمًا ) (٢) .

____________________

(١) هود: ١٠١.

(٢) النساء: ٦٤.

٥١

٣ - الآيات المذكورة دليل واضح على أنّ المراد من الدعوة ليس هو مطلق طلب الحوائج، وإنما الدعوة للعبادة، وذلك للتعبير في نفس الآية بعد ذلك بلفظ العبادة، فالآية هي:

( وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) (١) .

ففي أول الآية ورد لفظ «ادْعُونِي» وفي آخرها لفظ «عِبادَتِي»، وهذا دليل على أنّ المراد من الطلب أو الاستغاثة انما هو بالموجودات الاُخرى التي يعتقد أنها بالصفات الإلهية.

النتيجة:

نستنتج من المقدمات الثلاث المذكورة أنّ الهدف الرئيسي للقرآن من هذه الآيات هو النهي عن دعوة عَبَدة الأوثان الذين يرون أنّ الأوثان شريكة للباري سبحانه و أنها المدبّرة والشفيعة، فكل خضوع وتذلل واستعانة واستغاثة واستشفاع بهذه كان من خلال النظر إليها كآلهة صغار هي المتولية لشؤون الإله في الدنيا والآخرة، و أنّ الباري فوّض إليها شؤون الخلق. وليست لهذه الآيات علاقة بالتوسّل والاستغاثة بالأرواح الطاهرة والنفوس الزكية للأولياء الذين هم في نظر الداعي عبيد لله سبحانه وتعالى ولا يسمو مقامهم عن حد العبودية شيئاً أصلاً، وإنما هم عباد محبوبون لله جلّ وعلا. وإذا قالت الآية الكريمة:

( وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَدًا ) (٢) .

فالمراد هو دعوة عرب الجاهلية لمعبوداتهم من الأصنام أو الأجرام السماوية أو الملائكة أو الجنّ. فهذه الآية ونظائرها ناظرة لدعوة الشخص أو الشيء المقرونة باعتقاد الالوهية، ولا ريب أنّ دعاء هذه المخلوقات مع هذه العقيدة يعدّ عبادة

____________________

(١) غافر: ٦٠.

(٢) الجن: ١٨.

٥٢

لها، لكن ما هي علاقة هذه الآيات بالدعاء والطلب من شخص مع عدم اعتقاد ربوبيته ؟ !

لكن يمكن أن يتصوّر أنّ الاستغاثة بالأولياء والصالحين جائز في زمان حياتهم فحسب، و أمّا بعد مماتهم فهو غير جائز، وشرك بالله العظيم.

وللجواب عن هذا التصور نقول:

١ - نحن إنما نستعين بأرواح الصالحين من عباد الله كنبيّنا و أئمّتنا صلوات الله عليهم أجمعين، الذين صرح القرآن الكريم بحياتهم، و أنّهم يعيشون في مقام أسمى من مقام الشهداء في عالم البرزخ، ولا نستعين بأبدانهم المودعة في لحود القبور، وإن كنا نستعين بهم عند قبورهم، فهو لأنّ هذه الحالة تقوّي حالة الارتباط بأرواحهم الطاهرة والتوجه إليها. مضافاً إلى أنّ مضاجعهم الطاهرة من مواضع استجابة الدعاء كما ورد في الروايات الشريفة.

٢ - لا يمكن جعل الحياة والممات معياراً للشرك والتوحيد، مع أنّ كلامنا هنا عن المعيار في ذلك، لا في مقام قبول هذه الأدعية والاستغاثات وعدمه. مع أننا بينّا هذه الجهة في محلّها أيضا.

٥٣

السؤال الخامس عشر

ما هو البداء ولماذا تعتقدون به ؟

البداء لغة: هو الظهور والجلاء. وفي اصطلاح علماء الشيعة: تغيّر المسير الطبيعي لمصير الإنسان على أثر سلوكه وعمله الصالح.

والبداء من المسائل العقائديّة السامية في المذهب الشيعي، وهي مستوحاة من العقل والنقل. فالإنسان في الرؤية القرآنية ليس محدوداً ومقيداً بمصير معين، بل له الرجوع عن جادة الضلال وتغيير مصيره من الشقاء إلى السعادة، وستكون أعماله الصالحة سبباً لتغيير مصيره. ومن هنا يبين القرآن الكريم هذه الحقيقة كأصل ثابت وشامل، فيقول:

( إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْم حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) (١) .

وقال في موضع آخر:

( وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكات مِنَ السَّماءِ وَ الاَرْضِ ) (٢) .

وقال في شأن النبيّ يونسعليه‌السلام وتغيير مصيره:

( فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (٣) .

____________________

(١) الرعد: ١١.

(٢) الأعراف: ٩٦.

(٣) الصافات: ١٤٣ و ١٤٤.

٥٤

والذي يبدو من الآية الأخيرة هو أنّ مقتضى الحال كان يوجب بقاء يونس في هذا السجن إلى يوم القيامة، لكن عمله الصالح - وهو التسبيح - غيّر مصيره و أنجاه مما كان فيه.

كما أنّ الروايات الشريفة أيدت هذه الحقيقة، حيث يقول نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنّ الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يردّ القدرَ إلاّ الدعاء، ولا يزيد في العمر إلاّ البرّ»(١) .

فيستفاد من هذه الرواية و أمثالها أنّ الإنسان يحرم من الرزق بسسبب المعاصي، ولكنه بالعمل الصالح كالدعاء يمكنه تغيير المقدّر له، وبالإحسان يزيد في عمره.

النتيجة:

المستفاد من آي الذكر الحكيم و السنّة الشريفة أنّ الإنسان - وفقاً لنظام الأسباب والمسببات - قد يكون محكوماً بمصير مظلم نتيجة لسوء أعماله، بل قد يخبره أحد الأولياء أو الأنبياءعليهم‌السلام بسوء منقلبه وعاقبته، ومعنى هذا الإخبار هو أنّ نتيجة هذا السلوك والتصرف إذا ما استمرّ هو هذه النتيجة المشؤومة. وأما إذا حصل تغيّر وتحوّل في سلوكه فإن مآله و مصيره سينقلب و يتغيّر.

فهذه الحقيقة النابعة من الوحي الإلهي والروايات الشريفة والعقل هي المسماة عند علماء الشيعة ب- «البداء».

____________________

(١) مسند احمد بن حنبل، ج ٥، ص ٢٧٧. المستدرك على الصحيحين، ج ١، ص ٤٩٣، وج ٣، ص ٤٨١.

٥٥

الجدير بالذكر أنّ اصطلاح «البداء» ليس من التعابير المختصة بالشيعة، وإنما نجده في كتب أهل السنة أيضاً، بل نجد أساسه في أحاديث نبينا الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن ننقل على سبيل المثال حديثاً واحداً استعمل فيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لفظ البداء، وهو:

وفي حديث الأقرع والأبرص والأعمى «بدا للّهِ عزّوجلّ أن يبتليهم»(١) .

نعم، البداء لا يعني حصول التغيير في ساحة العلم الإلهي الأقدس ; لإن الباري عزّوجلّ عالم بسلوك الناس وسيرتهم الطبيعية، وعالم بالعوامل المؤثرة في تغيير هذه المسيرة والحركة نحو اتجاه آخر التي هي السبب في حصول البداء، وهذا ما صرح به الذكر الحكيم بقوله:

( يَمْحُو اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) (٢) .

فعلى هذا الأساس يكون معنى البداء لله سبحانه هو أن تظهر لنا الحقيقة المخفيّة علينا والمعلومة له سبحانه من الأزل. ولهذا يقول إمامنا الصادقعليه‌السلام :

«ما بَدا لِلهِ في شيء إلاّ كان في عِلمِه قبلَ أن يَبدوَ لَهُ»(٣) .

فلسفة البداء:

لا شك ولا ريب أنّ الإنسان إذا علم أنّ بإمكانه تغيير مصيره فإنّه سيندفع نحو تحقيق مستقبل أفضل، وسيتحرك إلى ذلك بحافز أقوى وجدّية أكثر. وبعبارة اُخرى وبيان آخر: كما أنّ التوبة والشفاعة لهما الأثر في إيجاد النشاط والحيوية في الحياة والحيلولة دون اليأس والقنوط، فكذا البداء ; فإنّه باعث على الحيويّة والأمل في الحياة، ويبعث على الثقة بمستقبل زاهر ; لأنّه يعلم أنّ القضاء الإلهي فسح له المجال لتغيير مستقبله ومصيره ومآله نحو الأفضل.

____________________

(١) النهاية في غريب الحديث لابن الاثير، ج ١، ص ١٠٩.

(٢) الرعد: ٣٩.

(٣) الكافي، ج ١، ص ١٤٨، ح ٩.

٥٦

السؤال السادس عشر

هل تعتقد الشيعة بتحريف القرآن ؟

المشهور بين علماء الشيعة هو أنّ القرآن الكريم مصون عن التحريف، وأنّه لم يتطرّق إليه التصحيف أصلاً، وأنّ القرآن الموجود بأيدينا اليوم هو عين القرآن النازل على نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله من دون زيادة ونقصان، ولأجل إيضاح ما قلناه نذكر بعض الأدلّة على ذلك:

١ - إنّ الباري سبحانه وتعالى ضمن لنا حفظ كتابه العزيز، حيث قال:

( إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ ) (١) .

وبما أنّ الشيعة يعتبرون القرآن منهجاً فكرياً وعملياً لهم فهم يعظمون هذه الآية ويؤمنون بما تنادي به من حفظ وصيانة الكتاب العزيز.

٢ - إن قائد الشيعة الأعظم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الذي كان مرافقاً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دوماً، وكان من كتّاب الوحي، كان يوصي الناس - وفي مناسبات مختلفة - بالرجوع إلى القرآن، وإليك بعض كلماته النيّرة:

«واعلَموا أنّ هذا القرآنَ هو الناصِحُ الذي لا يَغِشُّ، والهادي الذي لا يَضِلُّ، والمُحدِّثُ الذي لا يَكذِبُ»(٢) .

وقال:

____________________

(١) الحجر: ٩.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة ١٧٦.

٥٧

«وإنّ اللهَ سبحانَه لم يَعِظ أحَداً بمِثلِ هذا القُرآنِ، فإنّه حبلُ اللهِ المتينُ، وسَبَبُه الأمينُ»(١) .

وقال:

«ثمّ أنزلَ عليهِ الكِتابَ نوراً لا تُطفأُ مصابيحُه، وسِراجاً لا يَخبو تَوقُّدُه، وبَحراً لا يُدرَكُ قَعرُه، ومِنهاجاً لا يَضِلُّ نَهجُه، وشُعاعاً لا يُظلمُ ضَوؤُهُ، وفُرقاناً لا يَخمَدُ بُرهانُه»(٢) .

فكلام سيد الأوصياء يوضح أنّ القرآن مصباح هداية لمن استضاء به، لا يطفأ نوره إلى الأبد، فكلّ تغيّر يوجب إطفاء هذا النور، أو يسبّب الضلالة، فهو غير ممكن فيه.

٣- اتفق علماء الشيعة على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال:

«إنّي تاركٌ فيكُم الثَّقَلينِ ما إن تَمَسَّكتُم بهما لن تَضِلّوا ; كِتابَ اللهِ وعِترتي، وإنّهما لَن يَفتَرِقا حتَّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ»(٣) .

وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة بين المسلمين، فرواه السنّة والشيعة. ومنه يعلم بوضوح أنّ القرآن الكريم - في نظر الشيعة - لا يتسرّب إليه التحريف والتغيير، لأنّه إذا نفذ التحريف إلى الكتاب العزيز فلا يكون التمسّك به موجباً للهداية، وهذه النتيجة تخالف النص المتواتر.

٤- صرّحت روايات أئمتنا المعصومين والتي رواها علماؤنا وفقهاؤنا أنّ القرآن ميزان لتمييز الحقّ من الباطل، والصحيح من غيره، وهذا بمعنى أنّ الكلام الوارد علينا باسم الحديث يجب عرضه على القرآن ; فما وافقه فهو حقّ وصحيح، وما

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ١٧٦.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة ١٧٦.

(٣) المعجم الصغير للطبراني، ج ١، ص ١٣٥.

٥٨

خالفه فهو باطل. والروايات الواردة في هذا المجال كثيرة، مروية في كتب الحديث والفقه، نذكر منها رواية واحدة:

روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام :

«ما لم يُوافِق مِن الحديثِ القُرآنَ فهو زُخرُفٌ»(١) .

فيستفاد من هذه الرواية أيضاً أنّ التغيّر والتحريف لا مجال له في القرآن الكريم، ومن هنا فإنّ القرآن معيار لمعرفة الحقّ من الباطل إلى الأبد.

٥- صرّح كبار علماء الشيعة والذين لهم قدم السبق في الثقافة الشيعية بأن القرآن لا يعتريه التحريف والتغيير. وبما أنّه يعسر إحصاء أسماء هؤلاء الأجلاّء جميعاً، نذكر جملة منهم:

١- قال أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (المتوفّى سنة ٣٨١ ه-): «اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس»(٢)

٢- وقال السيد المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي العلوي، المعروف بعلم الهدى (المتوفّى سنة ٤٣٦ ه-): «وإنّ جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود، واُبي بن كعب، وغيرهما، ختموا القرآن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عدّة ختمات، وكلّ ذلك يدل بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوث»(٣) .

٣- وقال أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المعروف بالشيخ الطوسي (المتوفّى سنة ٤٦٠ ه-): «وأما الكلام في زيادته

____________________

(١) الكافي، ج ١، ص ٦٩، ح ٤.

(٢) الاعتقادات: ص ٩٣.

(٣) تفسير مجمع البيان، ج ١، ص ٤٣.

٥٩

ونقصانه فمما لا يليق به أيضاً، لأن الزيادة فيه مجمعٌ على بطلانها، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضىرحمه‌الله ، وهو الظاهر من الروايات. غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً، والأولى الإعراض عنها، وترك التشاغل بها، لأنه يمكن تأويلها»(١) .

٤- وقال أبو علي الطبرسي صاحب التفسير المعروف «مجمع البيان»: «ومن ذلك: الكلام في زيادة القرآن ونقصانه، فإنه لا يليق بالتفسير; فأمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانه. وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أنّ في القرآن تغييراً أو نقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه»(٢) .

٥- وقال عليّ بن طاووس الحلّي المعروف بالسيد ابن طاووس (المتوفّى سنة ٦٦٤ ه-): «في نظر الشيعة أنّ القرآن لا يتطرق إليه التحريف»(٣) .

٦- وقال زين الدين العاملي (المتوفّى سنة ٨٧٧ ه-) في تفسير الآية:( إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ ) (٤) : «يعني أنّنا نصون القرآن ونحافظ عليه من كلّ تغيير وتحريف»(٥) .

____________________

(١) التبيان للشيخ الطوسي، ج ١، ص ٣.

(٢) تفسير مجمع البيان، ج ١، ص ٤٢.

(٣) سعد السعود: ص ١٤٤.

(٤) الحجر: ٩.

(٥) اظهار الحق: ج ٢، ص ١٣٠.

٦٠