حكايات بحار الانوار

حكايات بحار الانوار30%

حكايات بحار الانوار مؤلف:
الناشر: الحوزة العلمية
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 196

حكايات بحار الانوار
  • البداية
  • السابق
  • 196 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107114 / تحميل: 5801
الحجم الحجم الحجم
حكايات بحار الانوار

حكايات بحار الانوار

مؤلف:
الناشر: الحوزة العلمية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

٣٧ - وصايا عن الامام الباقر عليه السلام

قال جابر الجعفي:

دخلنا على أبي جعفر الباقر عليه السلام ونحن جماعة بعد ما قضينا مناسكنا فودعناه وقلنا له:

- اوصنا.

فقال عليه السلام:

- ليعن قويكم ضعيفكم، وليعطف غنيكم على فقيركم! ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه، واكتموا اسرارنا عمن ليسوا اهلا لها، ولا تحملوا الناس على اعناقنا، وانظروا امرنا وما جاءكم عنا، فان وجدتموه في القرآن موافقا فخذوا به وإن لم تجدوه موافقا فردوه، وإن اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده وردوه الينا حتى نشرح لكم من ذلك. فإذا كنتم كما اوصيناكم لم تعدوا الى غيره فمات منكم ميت قبل ان يخرج قائمنا (عج) كان شهيداً، ومن ادرك قائمنا فقتل معه كان له اجر شهيدين ومن

٨١

قتل بين يديه عدوا لنا كان له اجر عشرين شهيدا(١) .

٣٨ - الموت قبل رؤية القائم (عج)

قال عبدالحميد الواسطي قلت للامام الباقر عليه السلام:

- والله لقد تركنا متاجرنا ننتظر ظهور امام زماننا (عج) حتى لم يبق عندنا ما نرتزق به، افنتكدى على الناس؟

قال عليه السلام: يا عبدالحميد! أظننت ان الله لا يفتح ابواب رزقه على من نذر نفسه له؟ والله سيفتح له ابواب رحمته. رحم الله من جاهد فينا وأحيا أمرنا.

فقلت: كيف حالي اذا مت قبل ان ارى قائمكم

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٢ ص ٢٣٦

٨٢

سيدي؟

قال عليه السلام: من قال منكم اذا أدركت قائم آل محمد فنصرته، كان كمن قاتل بين يديه، ومن استشهد بين يديه كأنه قتل مرتين.

وجاء في رواية أخرى:

كمن قاتل بين يديه، بل كمن قتل معه(١) .

٣٩ - الكتابة الخضراء

كان رجل من ملوك اهل الجبل يأتي الامام الصادق (ع) في حجه كل سنة وينزل عنده وحين رجوعه ذات مرة وقبل ان يؤدي مراسم الحج اعطى الامام الصادق عليه السلام عشرة ألاف درهم وقال له:

- اشتر لي دارا بهذه الدراهم.

وخرج الى الحج فلما انصرف اتى الامام عليه السلام فانزله في داره وسلمه صك كتب فيها:

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٥٢، ص ١٢٦

٨٣

هذه ما اشترى جعفر بن محمد لفلان بن فلان الجبلي، دارا في الجنة حدها الاول دار رسول الله (ص) والحد الثاني دار علي عليه السلام والثالث دار الحسن عليه السلام والرابع دار الحسين بن علي عليه السلام.

فلما قرأ الرجل ذلك قال: رضيت.

فوزع عليه السلام المال على ولد الحسن والحسين عليهم السلام وبعد مدة اعتل ذلك الرجل علة الموت فلما حضرته الوفاة، جمع اهل بيته وقال لهم:

- انا موقن بما قاله الامام الصادق عليه السلام ولكن ادفنوا الصك معي في القبر!

ثم انتقل الى جوار ربه ففعلوا له ما أوصى به، فلما اصبح القوم غدوا الى قبره، فاذا مكتوب على القبر بالخط الاخضر:

والله وفى لي جعفر بن محمد بما قال(١) .

____________________

(١) بحار الانوار ج ٤٧، ص ١٣٤

٨٤

٤٠ - التحفي وسط النار

روى المأمون الرقي قائلا:

كنت عند الامام الصادق عليه السلام اذ دخل سهل بن الحسن الخراساني، فسلم عليه ثم جلس، فقال له:

٨٥

- يا بن رسول الله (ص) الإمامة حقكم فانتم اهل بيت الرأفة والرحمة، فما الذي يمنعك من المطالبة بحقك، وانت تجد من شيعتك مائة الف يضربون بين يديك بالسيف ويقاتلون الاعداء.

قال عليه السلام:

- اجلس يا خراساني، حتى اوضح لك الحقيقة.

ثم امر جارية ان توقد التنور. وعندما اشتعلت النار واصبح اللهب شديداً واصبح القسم العلوي للتنور ابيضاً من شدة الحرارة قال عليه السلام:

- يا خراساني قم واجلس في التنور.

فأخذ الخراساني يتعذر ويقول:

- يا بن رسول الله‍ لا تعذبني بالنار واقلني.

فقال الامام عليه السلام: قد اقلتك.

فبينما نحن كذلك اذ اقبل هارون المكي ونعليه في يديه، فدخل حافيا وسلم، فرد عليه السلام سلامه وقال:

- الق النعل واجلس في التنور.

فالقى النعل ثم جلس في التنور‍ واقبل الامام عليه السلام يحدث الخراساني حديث خراسان حتى كأنه شاهد لها لسنوات. ثم قال:

٨٦

- قم يا خراساني وانظر ما في التنور.

قال سهل:

- فلما بلغت التنور رأيت هارون جاثيا على ركبتيه وسطه. وما أن رآني حتى نهض وسلم عليّ.

فقال الامام عليه السلام لسهل:

- كم تجد في خراسان مثل هذا؟

قال: والله ولا واحد.

فقال عليه السلام:

- لا والله ولا واحد، أما إنا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا(١) .

____________________

(١) بحار الانوار ج ٤٧،١٢٣

٨٧

٤١ - تواصل الشيعة ومواساتهم

قال الامام موسى بن جعفر عليه السلام:

- يا عاصم، كيف انتم في التواصل والتبار؟

قال: على افضل ما يرام.

قال عليه السلام:

- أيأتي احدكم عند الضيقة منزل اخيه فلا يجده، فيأمر باخراج كيسه فيفض ختمه فيأخذ من ذلك حاجته دون ان يعترض وينكر عليه أحد؟

قال: لا ليس الامر كذلك.

فقال عليه السلام:

- فلستم على ما أحب من التواصل ولا زلتم في الضيق والفقر وعدم التعاون فيما بينكم(١) .

____________________

(١) بحار الانوار ج ٤٧، ص ١٢٣

٨٨

٤٢ - التصدق بالخبز دون الملح

قال المعلى بن خنيس:

خرج ابو عبدالله عليه السلام في ليلة ماطرة وهو يريد ظلة بني ساعدة(١) ، فاتبعته. فجأة التفت الى شيء قد وقع منه. فسمعته همس قائلا:

- اللهم رده علينا.

فاقتربت منه وسلمت عليه. فعرف صوتي وقال:

- معلى؟

قلت: نعم جعلت فداك.

فنظرت الارض لأرى ماذا وقع من الامام عليه السلام فرأيت قطع من الخبز. قال عليه السلام:

- ناولني ماسقط من الخبز!

فدفعتها اليه. واذا بجراب من خبز يصعب حملها بينما كان يحملها الامام عليه السلام فقلت له:

- دعني احملها عنك.

قال عليه السلام:

- لا، انا اولى بها منك ولكن امض معي.

فحملها الامام عليه السلام على ظهره حتى بلغنا

____________________

(١) ظلة يلجأ اليها الناس في النهار هربا من حرارة الشمس، كما انها انسب مكان لاقامة الفقراء والغرباء للمبيت فيها ليلا

٨٩

ظلة بني ساعدة، فاذا بفقراء نيام ليس لهم من منزل ولا مكان، فجعل يدس الرغيف والرغيفين تحت ثوب كل واحد منهم حتى اتى على آخرهم، ثم انصرفنا فقلت:

- جعلت فداك، هل يعرف هؤلاء الحق - هل هم من شيعتك والقائلين بإمامتك - لتحمل اليهم الخبز في غسق الليل؟

قال عليه السلام:

- لو كانوا من شيعتي لواسيتهم اكثر(١) ، لواسيناهم بالدقة.(٢)

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٤٧، ص ٢٠

(٢) الدقة هي الملح

٩٠

٤٣ - الامام الصادق (ع) ومقاطعة مجلس الخمر

روى هارون بن الجهم:

كنت مع الصادق عليه السلام بالحيرة حين قدم على المنصور الدوانيقي، فختن بعض القواد ابناً له، وصنع طعاما دعى اليه اغلب الاشراف والاكابر، وكان الامام الصادق عليه السلام فيمن دُعي.

وبينما هو على المائدة يأكل ومعه عدة من الأعيان والأشراف، إستسقى رجل، فأتي له بقدح من شراب بدلا من الماء، فلما تناول الرجل القدح، قام الصادق عليه السلام من المائدة، فاصروا عليه في الرجوع، فامتنع قائلا:

- ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر(١) .

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٤٧، ص ٣٩

٩١

٤٤ - الشيعة في الجنان

زار زيد بن اسامة الامام الصادق عليه السلام فقال له:

- يازيد، كم اصبح عمرك؟

قلت: جعلت فداك، كذا سنة.

قال عليه السلام:

- جدد عبادتك واحدث توبة.

قال: فتأثرت جدا واجهشت بالبكاء.

فقال عليه السلام:

- ما يبكيك؟

قلت: كأنك نعيت اليّ نفسي بما قلت.

فقال عليه السلام:

- يا زيد‍ ابشر فانك من شيعتنا، وانت في الجنة - فالشيعة الحقيقيون كلهم من اصحاب الجنة(١) .

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٤٧، ص ٧٧

٩٢

٤٥ - سبيكة الذهب ومعجزة الامام الصادق(ع)

كان عند الصادق عليه السلام بعض اصحابه، فقال(ع):

- عندنا خزائن الارض ومفاتيحها، فاذا اشرت لها بأحدى رجلي فانها ستخرج مافيها من ذهب وكنوز.

ثم خط عليه السلام خطا على الارض بجبهته، فانشقت الارض فمد الامام عليه السلام بيده فاستخرج قطعة من الذهب طولها شبرا. فقال عليه السلام:

- انظروا الى جوف الارض.

فنظر اصحابه فاذا قطع من الذهب على بعضها البعض تلمع كالشمس. فقال احد اصحابه:

- يا بن رسول الله وهبكم الله الدنيا بما فيها وشيعتكم واوليائكم على ما هم عليه من الفقر والعوز؟

٩٣

فقال عليه السلام:

- لقد جمع الله لنا ولشيعتنا الدنيا والآخرة. ان ولايتنا أهل البيت كنز عظيم وخير كثير. نحن واشياعنا في الجنة واعدائنا في النار(١) .

٤٦ - الناس على حقيقتهم الباطنية

قال ابو بصير - احد المخلصين من شيعة الامام الصادق(ع) -:

حججت مع الامام الصادق عليه السلام، فلما كنا في الطواف، قلت له:

- جعلت فداك أيغفر الله لهذا الخلق الذي يحج البيت باجمعه؟

قال عليه السلام:

- يا أبا بصير‍، ان اكثر من ترى من هؤلاء قردة وخنازير.

____________________

(١) بحار الانوار ج ١٠٤، ص ٣٧

٩٤

قلت: ارينهم!

فأمر يده على بصري وتكلم بكلمات فرأيتهم قردة خنازير، فهالني ذلك! ثم أمر يده على بصري فرأيتهم كما كانوا على ظاهرهم قال عليه السلام:

- يا أبا بصير، انتم في الجنة تحبرون ولستم في اطباق النار. والله لا تجمع النار منكم ثلاثة لا والله ولا اثنان لا والله ولا واحد(١) .

٤٧ - الآية التي جعلت النصراني مسلما

قال زكريا بن ابراهيم كنت نصرانيا فاسلمت. وحججت فدخلت على الامام الصادق عليه السلام فقلت:

- كنت مسيحيا واصبحت مسلما.

فقال: وأي شيء رأيت في الاسلام فاسلمت؟

قلت: قوله تعالى ما كنت تدري ما الكتاب ولا

____________________

(١) بحار الانوار ج ٤٧،ص ٧٩و ج ٦٨،ص ١١٨

٩٥

الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء [ ففهمت من هذه الآية ان الاسلام دين كامل ولا يمكن ان يصدر مثل هذا الكلام ممن لم يذهب الى مدرسة او يعتقد بفكرة، وعليه فلا بد ان يكون وحيا نزل على محمد (ص).

قال عليه السلام

- لقد هداك الله.

ثم قال ثلاثا:

- اللهم اهده، سل عما شئت يا بني.

فقلت: إن أبي وأمي واسرتي على النصرانية وأمي مكفوفة البصر فهل لي أن آكل في آنيتهم بعد أن اسلمت؟

قال عليه السلام:

- أيأكلون لحم الخنزير؟

قلت: لا ولا يمسونه.

فقال عليه السلام:

- لا بأس.

ثم اوصاه عليه السلام قائلا:

- فانظر امك فبرها، فاذا ماتت فلا تكلها الى غيرك - تول بنفسك غسلها وكفنها ودفنها - ولا

٩٦

تخبرن احد انك اتيتني حتى تأتيني بمنى انشاء الله.

قال: فأتيته بمنى والناس حوله كأنه معلم صبيان وكل يسأله! فلما قدمت الكوفة الطفت لأمي وكنت اطعمها واغسل رأسها وثيابها. فقالت لي يوما:

- يا بني ماكنت تصنع بي هذا وانت على ديني، فما الذي ارى منك؟

قلت: لقد اسلمت وقد امرني بهذا رجل من ولد نبينا.

قالت: هذا الرجل نبي؟

قلت: لا، ولكنه ابن نبي.

قالت: لابد ان يكون نبيا، فهذه وصايا (بشأن احترام الام وخدمتها) الانبياء.

فقلت: يا أمي انه ليس يكون بعد نبينا نبي ولكنه ابنه.

فقالت: يا بني دينك خير الاديان، اعرضه علي.

فعلمتها الشهادتين فدخلت الاسلام وعلمتها الصلاة فصلت الظهر والعصر والمغرب والعشاء. ثم مرضت بعد مدة فالتفتت الي وقالت:

- بني اعد على ما علمتني.

فاعدته عليها، فنطقت بالشهادتين وماتت. فلما

٩٧

اصبح الصباح غسلها المسلمون، وكنت انا الذي صليت عليها وانزلتها قبرها(١) .

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٤٧، ص ٣٧٤

٩٨

٤٨ - التجارة بالمال الحلال

دخل رجل شاب على الصادق عليه السلام وقال:

- ليس لي رأس مال.

قال الامام عليه السلام: كن صادقا امينا، يرزقك الله.

فخرج فوجد في الطريق هميانا فيه سبع مائة دينار. فقال في نفسه: لا بد ان امتثل وصية الامام عليه السلام وعليه يجب ان اعلن على الملأ من فقد هميانا فليأتي إلي.

فصاح قائلا: من ضاع منه شيء فليذكره ليأخذه.

فجاءه رجل واعطاه اوصاف الهميان فأخذه بعد ان اهدى الشاب سبعين ديناراً. فأخذها واتى الامام عليه السلام واخبره القضية، فقال عليه السلام:

- هذه السبعون دينار الحلال افضل من تلك السبعمائة الحرام، وهذا رزقك من الله.

٩٩

فاتجر الشاب بها حتى اصبح ثريا(١) .

٤٩ - المرأة الموالية

قال بشار المكاري:

دخلت على الامام الصادق عليه السلام بالكوفة وكان يأكل التمر فقال:

- اجلس يابشار كل معي التمر.

قلت: جعلت فداك، رأيت وانا في الطريق ما أسخطني فلا طاقة لي على الاكل!

قال عليه السلام:

- مارأيت في الطريق؟

قال: رأيت رجلا يضرب امرأة ويقتادها الى السجن. وليس هناك من ينجدها.

قال عليه السلام:

- وما قصتها؟

____________________

(١) بحار الانوار، ج ٢٧، ص ١١٧

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

العسكريعليه‌السلام فقال :يا أحمد ، ما كان حالكم فيما كان فيه الناس من الشك والارتياب ؟ فقلت له : يا سيدي لما ورد الكتاب لم يبق منا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلا قال بالحق. فقالعليه‌السلام :أحمد الله على ذلك يا أحمد ، أما علمتم أن الأرض لا تخلو من حجة ، وأنا ذلك الحجة ، أو قال :أنا الحجة »(1) .

الثاني : اظهار الدلالة

فقد طالب بعض المشككين الإمامعليه‌السلام بالدلالة ، وكانعليه‌السلام يستجيب بما اُوتي من الحكمة وفصل الخطاب ، لمن يعتقد أنه يسكن إليها. ويدل عليه ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن القاسم الهروي ، قال : خرج توقيع من أبي محمدعليه‌السلام إلى بعض بني أسباط ، قال : « كتبت إليهعليه‌السلام أخبره عن اختلاف الموالي وأسأله إظهار دليل. فكتب إليّ :إنّما خاطب الله عزوجل العاقل ، ليس أحد يأتي بآية أو يظهر دليلاً أكثر مما جاء به خاتم النبيين وسيد المرسلين ، فقالوا : ساحر وكاهن وكذاب ، وهدى الله من اهتدى ، غير أن الأدلة يسكن إليها كثير من الناس ، وذلك أن الله عزوجل يأذن لنا فنتكلم ، ويمنع فنصمت ، ولو أحب أن لا يُظهِر حقاً ما بعث النبيين مبشرين ومنذرين ، فصدعوا بالحقّ في حال الضعف والقوة ، وينطقون في أوقات ليقضي الله أمره وينفذ حكمه ».

ثمّ أشارعليه‌السلام إلى طبقات الناس في أخلاصهم له أو ابتعادهم عنه ، مبيناً أن بعضهم يعيش البصيرة في عقله وفي قلبه وفي روحه من أجل أن ينجو عندما يقف بين يدي الله ، وهذا متمسك بهدي الإمام وسبيله ، وبعضهم أخذ العلم ممن

__________________

(1) إكمال الدين : 222 / 9 باب 22.

١٢١

يملك مسؤولية العلم وعمقه وممن لا يملكهما ، أو ممن يملك تقوي الحقيقة وممن لا يملكها ، وهؤلاء مذبذبون ليس لديهم قاعدة ثابتة ينطلقون منها ولا أرض يقفون عليها ، وبعضهم استحوذ عليهم الشيطان فأعمى بصيرتهم ، وليس لهم شأن إلا مواجهة أهل الحق.

قالعليه‌السلام : مواصلاً كتابه الأول : « الناس فيَّ طبقات شتّى ، فالمستبصر على سبيل نجاة متمسك بالحق ، متعلق بفرع أصيل ، غير شاك ولا مرتاب ، لا يجد عنه ملجأً ، وطبقة لم تأخذ الحق من أهله ، فهم كراكب البحر يموج عند موجه ، ويسكن عند سكونه. وطبقة استحوذ عليهم الشيطان ، شأنهم الردّ على أهل الحقّ ودفع الحقّ بالباطل ، حسداً من عند أنفسهم ، فدع من ذهب يميناً وشمالاً ، فالراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها في أهون السعي.

ذكرت ، ما اختلف فيه مواليّ ، فإذا كانت الوصية والكبر فلا ريب ، ومن جلس مجالس الحكم فهو أولى بالحكم ، احسن رعاية من استرعيت ، وإياك والاذاعة وطلب الرئاسة ، فانهما يدعوان إلى الهلكة.

ذكرت شخوصك إلى فارس ، فاشخص خار الله لك ، وتدخل مصر إن شاء الله آمناً ، واقرأ من تثق به من موالي السلام ، ومرهم بتقوى الله العظيم ، وأداء الأمانة ، وأعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا. قال : فلما قرأت : وتدخل مصر إن شاء الله ، لم أعرف معنى ذلك ، فقدمت إلى بغداد ، وعزيمتي الخروج إلى فارس ، فلم يتهيأ ذلك فخرجت إلى مصر »(1) .

__________________

(1) إثبات الوصية : 247 ، الخرائج والجرائح 1 : 448 / 35 ، بحار الأنوار 50 : 296 / 70.

١٢٢

وهكذا كانعليه‌السلام يثبت إمامته لبعض المشككين باظهار الدلالة ، مما يسكّن قلوبهم ، ويكون له الأثر في هدايتهم إلى سواء السبيل.

روى علي بن جعفر عن الحلبي ، قال : « اجتمعنا بالعسكر وترصدنا لأبي محمدعليه‌السلام يوم ركوبه ، فخرج توقيعه :ألا لا يسلمنّ عليّ أحد ، ولا يشير إليّ بيده ولا يؤمئ ، فانكم لا تأمنون على أنفسكم. قال : وإلى جنبي شاب فقلت : من أين أنت ؟ قال : من المدينة. قلت : ما تصنع هاهنا ؟ قال : اختلفوا عندنا في أبي محمدعليه‌السلام فجئت لأراه وأسمع منه ، أو أرى منه دلالة ليسكن قلبي ، وإني لولد أبي ذرّ الغفاري.

فبينما نحن كذلك ، إذا خرج أبو محمدعليه‌السلام مع خادم له ، فلما حاذانا نظر إلى الشاب الذي بجنبي. فقال :أغفاري أنت ؟ قال : نعم. قال :ما فعلت اُمك حمدويه ؟ فقال : صالحة ، ومرّ. فقلت للشاب : أكنت رأيته قط وعرفته بوجهه قبل اليوم ؟ قال : لا. قلت : فينفعك هذا ؟ قال : ودون هذا »(1) .

وعن يحيى بن المرزبان ، قال : « التقيت مع رجل من أهل السيب سيماه الخير ، فأخبرني أنه كان له ابن عم ينازعه في الإمامة والقول في أبي محمدعليه‌السلام وغيره ، فقلت : لا أقول به أو أرى منه علامة ، فوردت العسكر في حاجة فأقبل أبو محمدعليه‌السلام فقلت في نفسي متعنتاً : ان مدّ يده إلى رأسه ، فكشفه ثمّ نظر إليّ ورده قلت به. فلما حاذاني مدّ يده إلى رأسه فكشفه ، ثم برق عينيه فيّ ثم ردّها ، وقاليا يحيى ، ما فعل ابن عمك الذي تنازعه في الإمامة ؟ فقلت : خلّفته

__________________

(1) الخرائج والجرائح 1 : 439 / 20 ، بحار الأنوار 50 : 269 / 24.

١٢٣

صالحاً. فقال :لا تنازعه ، ثم مضىٰ »(1) .

كما كانعليه‌السلام يحذّر من لايعتقد بإمامته إلا ببرهان ثم يعطى ذلك ويبقى على عناده بمصير وخيم يوم يفد على الله فرداً بلا ناصر أو معين.

روى المسعودي بالاسناد عن الربيع بن سويد الشيباني ، قال : حدثني ناصح البارودي ، قال « كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام اُعزيه بأبي الحسنعليه‌السلام وقلت في نفسي وأنا أكتب : لو قد خبر ببرهان يكون حجة لي. فأجابني عن تعزيني ، وكتب بعد ذلك :من سأل آية أو برهاناً فاُعطي ، ثمّ رجع عمن طالب منه الآية ، عذب ضعف العذاب ، ومن صبر أعطي التاييد من الله ، والناس مجبولون على جبلة إيثار الكتب المنشرة ، فاسأل السداد ، فإنّما هو التسليم أو العطب ، ولله عاقبة الأمور » (2) .

* * *

__________________

(1) الخرائج والجرائح1 : 440 / 21 ، بحار الأنوار 50 : 270 / 25.

(2) إثبات الوصية : 247 ، تحف العقول : 360 مختصراً.

١٢٤

الفصل الخامس

منزلته عليه‌السلام ومكارم أخلاقه

منزلته عليه‌السلام :

حظي الإمام العسكريعليه‌السلام كسائر آبائه المعصومينعليهم‌السلام بمنزلة رفيعة ومكانة اجتماعية مرموقة ، تتمثّل بوافرٍ من مظاهر التعظيم والتبجيل والاحترام التي يكنّها له غالب من عاصره بمن فيهم الذين خاصموه وناوؤه وسجنوه ، وذلك للدرجات العالية من صفات الكمال ومعالي الأخلاق التي يتحلّى بها من العبادة والعلم والحلم والزهد والكرم والشجاعة وغيرها من مظاهر العظمة التي ميزت شخصه الكريم.

ولو استعرضنا ما نقله كتّاب سيرتهعليه‌السلام يتبيّن لنا سموّ مكانته في المجتمع الاسلامي آنذاك ، وأنّ أعداءه وأصدقاءه أجمعوا على تعظيمه وتقديره وإكباره ، بما في ذلك الوزراء والقوّاد والقضاء والفقهاء وطبقات المجتمع كلّها.

وهناك وثيقة تاريخية معتبرة تنقل لنا بعض أجواء ومظاهر ذلك التقدير والاحترام والمكانة والإجلال ، صادرة من بعض رجال الدولة ، وهو أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، عامل السلطان على الضياع والخراج في قم ، وكان

١٢٥

أبوه وزير المعتمد(1) ، فقد جرىٰ يوماً ذكر العلوية ـ أي المنتسبين إلى الإمام عليعليه‌السلام ـ ومذاهبهم ، وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيتعليهم‌السلام ـ والفضل ما شهدت به الأعداء ـ فقال : « ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هَديه وسكونه وعفافه ونبله وكبرته عند أهل بيته وبني هاشم كافة ، وتقديمهم إياه على ذوي السنّ منهم والخطر ، وكذلك كانت حاله عند القواد والوزراء وعامة الناس ».

فأنت ترى أن لهعليه‌السلام امتداداً من التعظيم في مواقع المجتمع كلّها ، سواء الذين يدينون بإمامته أو الذين يقفون ضدها ، وهو أمر يستحقّ التأمّل ، فكيف يستطيع شاب في مقتبل العمر أن يحظىٰ بالتقديم على ذوي السن والخطر ؟ وأن يتمتع بهذه المنزلة العالية والمكانة الكبيرة عند القواد والوزراء ، وعامة الناس ، وهو في خط مضاد لموقع الخلافة ، بل ويزدحم حوله الذين ينصبون له ولآبائهعليهم‌السلام العداوة ويكنّون لهم البغضاء ؟ لقد فرض الإمامعليه‌السلام نفسه على الواقع كلّه ، بسموّه الروحي والخلقي ، وعناصر العظمة التي يختزنها في شخصه ، ونشاطه الحركي في أوساط الاُمّة.

ويتابع ابن خاقان حديثه فيقول : « فأذكر أنني كنت يوماً قائماً على رأس أبي ، وهو يوم مجلسه للناس ، إذ دخل حجّابه فقالوا : أبو محمد ابن الرضا بالباب ، فقال بصوتٍ عالٍ : ائذنوا له ، فتعجّبت ممّا سمعت منهم ، ومن جسارتهم

__________________

(1) وهو عبيد الله بن يحيى بن خاقان التركي ، ولد سنة 209 ه‍ ، واستوزره المتوكل والمعتمد ، واستمر في الوزارة إلى أن توفّي سنة 263 ه‍ ، وكان عاقلاً سمحاً جواداً حازماً. سير أعلام النبلاء 13 : 9 / 5 ، أعلام الزركلي 4 : 198.

١٢٦

أن يكنّوا رجلاً بحضرة أبي ، ولم يكن يُكنّى عنده إلا خليفة ، أو وليّ عهد ، أو من أمر السلطان أن يكنّى » ذلك لأن ذكر الكنية مظهر من مظاهر التكريم والإجلال ، فكيف يكنّى رجل بحضرة الوزير ، وليس هو خليفة ولا ولي عهد ولا ممن أمر السلطان بتكنيته ؟ إنّه أمر ملفت للنظر ومثير للتعجّب.

ويواصل فيقول : « فدخل رجل أسمر ، حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ، حديث السنّ ، له جلالة وهيئة حسنة ، فلما نظر إليه أبي قام فمشىٰ إليه خُطىً ، ولا أعلمه فَعَل هذا بأحدٍ من بني هاشم والقوّاد ، فلمّا دنا منه عانقه وقبّل وجهه وصدره ، وأخذ بيده ، وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه ، وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه ، وجعل يكلّمه ويفدّيه بنفسه ، وأنا متعجّب مما أرى منه ، إذ دخل الحاجب فقال : الموفق ـ وهو أخو المعتمد العباسي ـ قد جاء ، وكان الموفّق إذا دخل على أبي يقدمه حجّابه وخاصّه قوّاده ، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سِماطين إلى أن يدخل ويخرج ، فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمد يُحدّثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة فقال حينئذٍ له : إذا شئتَ جعلني الله فداك ، ثم قال لحجّابه : خذوا به خلف السماطين لا يراه هذا ـ يعني الموفق ـ فقام وقام أبي فعانقه ومضى.

فقلت لحجّاب أبي وغلمانه : ويلكم من هذا الذي كنّيتموه بحضرة أبي ، وفعل به أبي هذا الفعل ؟ فقالوا : هذا علويّ يقال له : الحسن بن علي ، يعرف بابن الرضا ، فازددت تعجّباً ، ولم أزل يومي ذلك قلقاً مفكراً في أمره وأمر أبي وما رأيته منه حتى كان الليل ، وكانت عادته أن يصلّي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات ـ أي المراجعات ـ وما يرفعه إلى السلطان.

١٢٧

فلما صلى وجلس جئت فجلست بين يديه ، وليس عنده أحد ، فقال لي : يا أحمد ، ألك حاجة ؟ فقلت : نعم يا أبه ، فإن أذنت سألتك عنها ، فقال : قد أذنت. قلت : يا أبه ، من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل وفدّيته بنفسك وأبويك ؟

فقال : يا بني ذاك إمام الرافضة الحسن بن علي ، المعروف بابن الرضا ، ثم سكت ساعة وأنا ساكت ، ثم قال : يا بني ، لو زالت الإمامة عن خلفائنا بني العباس ، ما استحقّها أحد من بني هاشم غيره ، لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه ، ولو رأيت أباه ، رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً ، فازددت قلقلاً وتفكّراً وغيظاً على أبي وما سمعت منه فيه ، ورأيت من فعله به ، فلم يكن لي هِمّة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره والبحث عن أمره. فما سألت أحداً من بني هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلا وجدته عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحلّ الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه ، فعظم قدره عندي ، إذ لم أر له ولياً ولا عدوّاً إلا وهو يُحسن القول فيه والثناء عليه »(1) .

ولسنا نريد من خلال شهادة أحد رجال الدولة أن ندخل في تقييم الإمام لمجرد أنّ هذا الرجل شهد له ، لأنّهعليه‌السلام يختص من موقع إمامته بالدرجة الرفيعة عند الله ، ويتمتّع بملكات قدسية في جميع جوانب المعرفة والروحانية والصلاح

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 503 / 1 باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، إكمال الدين : 40 ـ مقدمة المصنف ، الإرشاد 2 : 321 ، روضة الواعظين : 249 ، إعلام الورى 2 : 147.

١٢٨

والخلق الرفيع ، وهي التي جعلت هذا الرجل وسواه يذعن لشخصيتهعليه‌السلام ويظهر له الإكبار والاحترام والثناء.

الذي نريد أن نقوله من خلال هذه الشهادة ، أنه ليس ثمة شخصية كبيرة وفاعلة في المجتمع إلا وهناك من يسيء القول فيها ، كما أنّ هناك من يحسن القول فيها ، لكننا نجد أنّ الغالبية العظمى قد اتفقت على تقدير الإمامعليه‌السلام واحترامه وإجلاله ، وعلى حسن القول فيه ، بحيث أخذ بمجامع قلوب وعقول الأعداء والأصدقاء ، هذا مع أنهعليه‌السلام عاش في مجتمع يقف من الناحية الرسمية ضد خطّ ولايته ، ويعمل على محاصرته ويضيق عليه ويسعى إلى أن ينقص من قدره.

وتلك المنزلة لم تكن مفروضة بقوة السلاح وصولة السلطان ، ولا هي وليدة التعاطف الجماهيري العفوي مع الإمامعليه‌السلام ، بل هي إحدى مظاهر التسديد الإلهي الذي لا تعمل معه جميع محاولات السلطة الساعية إلى الحطّ من منزلته والوضع منه ، الأمر الذي اعترف به رأس السلطة آنذاك.

فقد روى الشيخ الصدوق والقطب الراوندي أنه ورد في ردّ الخليفة المعتمد على جعفر الكذاب حينما جاء بعد وفاة أخيه الإمامعليه‌السلام يطلب مرتبته ، قوله : « إن منزلة أخيك لم تكن بنا ، إنّما كانت بالله ، ونحن كنا نجتهد في حطّ منزلته والوضع منه ، وكان الله يأبى إلا أن يزيده كلّ يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة »(1) .

ويقع بعض النصارى في دائرة التقدير والاحترام للإمامعليه‌السلام ، ومنهم أحد رجال الدولة الذي كان يتولّى الكتابة للسلطان ، واسمه أنوش النصراني ، الذي

__________________

(1) إكمال الدين : 479 ـ آخر باب 43 ، الخرائج والجرائح3 : 1109.

١٢٩

سأل السلطان أن يدعو الإمامعليه‌السلام إلى بيته ليشارك في مناسبة خاصة يدعو فيها لولديه بالسلامة والبقاء ، فأرسل السلطان خادماً جليل القدر إلى دار الإمام كي يدعوه إلى حضور دار كاتبه أنوش ، فأخبر الخادم الإمامعليه‌السلام أن أنوش يقول : « نحن نتبرك بدعاء بقايا النبوة والرسالة. فقال الإمامعليه‌السلام :الحمد لله الذي جعل النصراني أعرف بحقنا من المسلمين. ثم قال :اسرجوا لنا. فركب حتى ورد دار أنوش ، فخرج إليه مكشوف الرأس ، حافي القدمين ، وحوله القسيسون والشمامسة(1) والرهبان ، وعلى صدره الانجيل ، فتلقّاه على باب داره وقال : يا سيدنا ، أتوسل إليك بهذا الكتاب الذي أنت أعرف به منا إلا غفرت لي ذنبي في عنائك. وحق المسيح عيسىٰ بن مريم وما جاء به من الانجيل من عند الله ، ما سألت أمير المؤمنين مسألتك [ في ] هذا إلا لأنّا وجدناكم في هذ الانجيل مثل المسيح عيسىٰ بن مريم عند الله. فقالعليه‌السلام :الحمدُ لله »(2) .

ولعلّ أبرز وأصدق مظاهر التبجيل والتعظيم التي تعبّر عن مكانة الإمامعليه‌السلام عند سائر الناس ، هو ازدحام الناس على جنازتهعليه‌السلام إلى حدّ وصفه بعض الرواة بالقيامة ، فقد قال أحمد بن عبيد الله ابن خاقان في حديثه الذي قدّمناه : « لمّا ذاع خبر وفاته صارت سرّ من رأى ضجّه واحدة ( مات ابن الرضا ). وعطلت الاسواق ، وركب بنو هاشم والقوّاد والكتّاب وسائر الناس

__________________

(1) الشسامة : جمع شماس ، وهو خادم الكنيسة بالسريانية.

(2) مدينة المعاجز / السيد هاشم البحراني 7 : 670 / 2655 عن الهداية الكبرى للخصيبي.

١٣٠

الى جنازته ، فكانت سرّ من رأى يومئذٍ شبيهاً بالقيامة »(1) .

هيبته عليه‌السلام

يحظى الإمام العسكريعليه‌السلام بهيبة حقيقية فرضت نفسها على الناس وسواهم من خلال اجتماع الملكات الروحانية ومقومات الصلاح والاخلاص والخلق الرفيع فيهعليه‌السلام .

وقد جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال :« المؤمن يخشع له كلّ شيء ويهابه كلّ شيء » وقالعليه‌السلام :« إذا كان مخلصاً أخاف الله منه كلّ شيء حتى هوام الأرض والسباع وطير الهواء » (2) . فهذا حال المؤمن المخلص ودرجته ، فكيف إذا كان إماماً معصوماً وحجةً على الخلق ؟

قال القطب الراوندي في صفة الإمام العسكري : « له بسالة تذلّ لها الملوك ، وله هيبة تسخّر له الحيوانات كما سخّرت لآبائهعليهم‌السلام بتسخير الله لهم إياها ، دلالة وعلامة على حجج الله ، وله هيئة حسنة ، تعظّمه الخاصة والعامة اضطراراً ، ويبجّلونه ويقدّرونه لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وصلاحه وإصلاحه »(3) .

من هنا فقد وصف أحد خَدَم الإمامعليه‌السلام في حديث له ، حضور الناس يوم ركوبهعليه‌السلام إلى دار الخلافة في كلّ اثنين وخميس ، بأن الشارع كان يغصّ

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 505 / 1 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، إكمال الدين : 43 ـ المقدمة ، الإرشاد 2 : 324.

(2) الدعوات / الراوندي : 227.

(3) الخرائج والجرائح 2 : 901.

١٣١

بالدواب والبغال والحمير ، بحيث لا يكون لأحد موضع قدم ، ولا يستطيع أحد أن يدخل بينهم ، فإذا جاء الإمامعليه‌السلام هدأت الأصوات وسكنت الضجّة وتفرّقت البهائم وتوسّع له الطريق حين دخوله وخروجه(1) .

وقد امتدت آثار هيبتهعليه‌السلام حتى إلى ساجنيه ، فكانوا يرتعدون خوفاً وفزعاً بمجرد أن ينظر إليهم ، حيث قال بعض الأتراك الموكلون به في سجن صالح ابن وصيف : « ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله ، ولا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة ، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا »(2) .

مكارم أخلاقه

نأتي هنا إلى ذكر مقومات تلك المنزلة والهيبة التي تتمثل بالملكات القدسية والخصال الروحانية التي اجتمعت في شخصهعليه‌السلام من العلم والعبادة والزهد والكرم والشجاعة وغيرها من معالي الفضيلة وعناصر العظمة التي تحلّىٰ بها أهل هذا البيتعليهم‌السلام.

وقد وصفه أبوه علي الهاديعليه‌السلام بقوله :« أبو محمد ابني أنصح آل محمد غريزة ، وأوثقهم حجة وهو الخلف ، وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها » (3) .

__________________

(1) راجع الحديث في غيبة الشيخ الطوسي : 215 / 179.

(2) أصول الكافي 1 : 512 / 23 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد 2 : 334.

(3) أصول الكافي 1 : 327 / 11 ـ باب الاشارة والنص على أبي محمدعليه‌السلام من كتاب الحجة.

١٣٢

وشهد لهعليه‌السلام بخلال الفضل ومعالي الأخلاق بعض المعاصرين له وغيرهم ، ومنهم وزير المعتمد عبيد الله بن يحيى بن خاقان ( ت 263 ه‍ ) الذي وصفه فيما تقدم بالفضل والعفاف والهدي والزهد والعبادة وجميل الأخلاق والصلاح والنبل.

وذكر ابن أبي الحديد عن أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ( ت 255 ه‍ ) في تعداد صفاته وصفات آبائه المعصومينعليهم‌السلام قوله : « من الذي يعدّ من قريش أو من غيرهم ما يعدّه الطالبيون عشرة في نسق ؛كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاكٍ ؟ فمنهم خلفاء ، ومنهم مرشّحون : ابن ابن ابن ابن ، هكذا إلى عشرة ، وهم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن عليعليهم‌السلام ، وهذا لم يتّفق لبيتٍ من بيوت العرب ولا من بيوت العجم »(1) .

وذلك لأنهم غرس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفرعه النامي ، ومنه استوحوا رساليته وروحانيته وأخلاقيته ، وتجسدت فيهم شخصيته ، فكانوا اختصاراً لجميع عناصر الأخلاقية والروحية والانسانية ، وصاروا رمزاً للفضيلة والمروءة وقدوةً صالحة للانسانية.

قال قطب الدين الراوندي : « أما الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام ، فقد كانت خلائقه كأخلاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان جليلاً نبيلاً فاضلاً كريماً ، يحتمل الأثقال ولا يتضعضع للنوائب أخلاقة على طريقة واحدة ، خارقة

__________________

(1) شرح نهج البلاغة 15 : 278.

١٣٣

للعادة »(1) .

وفيما يلي نذكر ما يسمح به المقام من مناقبة الفذّة وخصاله الفريدة :

1 ـ العلم

كان الإمام العسكريعليه‌السلام أعلم أهل زمانه ، وقد بدت عليه مظاهر العلم والمعرفة منذ حداثة سنه ، فقد روى المؤرخون « أنه رآه بهلول(2) وهو صبي يبكي والصبيان يلعبون ، فظنّ أنه يتحسّر على ما في أيديهم ، فقال : اشتري لك ما تلعب به ؟ فقال :ما للعب خُلِقنا. فقال له : فلماذا خلقنا ؟ قال :للعلم والعبادة. فقال له : من أين لك هذا ؟ قال :من قوله تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) (3) ثمّ وعظه بأبيات من الشعر حتى خرّ مغشياً عليه »(4) .

وشهد للإمامعليه‌السلام برجاحة العلم طبيب البلاط بختيشوع ، وكان ألمع شخصية في علم الطبّ في عصره ، فقد احتاج الإمامعليه‌السلام إلى طبيب فأرسل اليه

__________________

(1) الخرائج والجرائح 2 : 901.

(2) لعلّ المراد به بهلول بن إسحاق بن بهلول ( 204 ـ 298 ه‍ ) أو أخوه المعروف بابن بهلول ، وهو أحمد بن إسحاق بن بهلول ( 231 ـ 318 ه‍ ) وكلاهما من العلماء المعاصرين له.عليه‌السلام راجع : سير أعلام النبلاء 13 : 535 / 268 و 14 : 497 / 281 ، أعلام الزركلي 1 : 95.

(3) سورة المؤمنون : 23 / 115.

(4) راجع : إحقاق الحق 12 : 473 و 19 : 620 و 29 : 65 عن عدة مصادر منها : الصواعق المحرقة لابن حجر ، ونور الأبصار للشبلنجي ، ووسيلة المآل للحضرمي ، وروض الرياحين لعفيف الدين اليافعي وغيرها.

١٣٤

بختيشوع بعض تلامذته وأوصاه قائلاً : « طلب مني ابن الرضا من يفصده ، فصر إليه ، وهو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء ، فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به »(1) .

واستطاع الإمامعليه‌السلام بعلمه الذي لا يجارى وفكره الثاقب ونظره الصائب أن يكشف الحقائق ويظهر الدقائق ، ومن ذلك أن السلطة أخرجته من السجن بعد أن شكّ الناس في دينهم وصبوا إلى دين النصرانية ، لأن أحد الرهبان كان يستسقي فيهطل المطر ، بينما يستسقي المسلمون فلم يسقوا ، فكشف الإمامعليه‌السلام عن حيلة الراهب الذي كان يُخفي عظماً لأحد الأنبياءعليهم‌السلام بين أصابعه ، فأزال الشك عن قلوب الناس وهدأت الفتنة(2) .

قال الحرّ العاملي في ارجوزته :

وفي حديث الراهب النصراني

معجـزة من أوضح البرهانِ

إذ كان في الحبس فصار جدب

وكان سؤال المسلمين الخصب

فخرجوا يدعون للاستسقا

ثلاثة والأرض ليس تسقي

فخرج الراهـب والنصاري

يستمطرون الصيّب المـدرارا

فجـاءهم غيثٌ غزيـر هاطل

وكلّمـا دعوا أجاب الوابل

فافتتن النـاس وراموا الـردّة

لـمّا رأوا مـن فرجٍ وشـدّة

فطلـبوا الإمام حتى خرجا

ثمّ دعـا الله فنـال الفرجا

وعندمـا أراد يدعـو الراهب

وقرب الغيث وفاز الطالب

__________________

(1) الخرائج والجرائح 1 : 422 / 3 ، بحار الأنوار 50 : 260 / 21.

(2) راجع تخريجات الحادثة في آخر الفصل الثاني.

١٣٥

أمر عبده الإمام فأخذ

من يده عظماً فعندهما نبذ

انقشع الغيم وزال المطر

وزال عن دين الإله الخطر

قال الإمام إنه عظم نبيّ

فليس ما رأيتم بعجبِ

إذ كلّما أظهر للسماء

أمطرت الغيث بلا دعاء(1)

وللإمامعليه‌السلام رصيد علمي وعطاء معرفي على صعيد ترسيخ أصول الاعتقاد والأحكام والشرائع ، والتصدي لبعض الدعوات المنحرفة والشبهات الباطلة ، سنأتي إلى ذكره في الفصل السادس باذن الله.

2 ـ العبادة

كان دأب الإمام العسكريعليه‌السلام التوجّه إلى الله تعالى والانقطاع إليه في أحلك الظروف وأشدّها ، فقد كان يحيى الأيام التي أمضاها في السجن بالصيام والصلاة وتلاوة القرآن على رغم التضييق عليه.

قال الموكلون به في سجن صالح بن وصيف : « أنه يصوم النهار ويقوم الليل كلّه لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة »(2) .

وحينما أودع في سجن علي بن جرين ، كان المعتمد يسأله عن أخباره في كلّ وقت ، فيخبره أنه يصوم النهار ويصلي الليل(3) .

وكانعليه‌السلام معروفاً بطول السجود ، فقد روي عن أحد خدمه المعروف

__________________

(1) إحقاق الحق 12 : 462 ـ 463.

(2) أصول الكافي 1 : 512 / 23 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد 2 : 334.

(3) إثبات الوصية : 252 ، مهج الدعوات : 343 ، بحار الأنوار 50 : 314.

١٣٦

بمحمد الشاكري أنه قال : « كان استاذي أصلح من رأيت من العلويين والهاشميين كان يجلس في المحراب ويسجد ، فأنام وانتبه وأنام وهو ساجد »(1) .

3 ـ الزهد

كان الإمام العسكريعليه‌السلام مثالاً للزهد والاعراض عن زخارف الدنيا وحطامها ، والرغبة فيما أعدّه الله له في دار الخلود من النعيم والكرامة.

قال كامل بن إبراهيم المدني ، وهو أحد أصحابهعليه‌السلام : « لما دخلت على سيّدي أبي محمدعليه‌السلام نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه ، فقلت في نفسي : وليّ الله وحجّته يلبس الناعم من الثياب ، ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان وينهانا عن لبس مثله ؟ فقال : متبسماً :يا كامل ـ وحسر عن ذراعية ، فإذا مسح أسود خشن على جلده ـهذا لله وهذا لكم »(2) .

وجاء في حديث خادمه محمد الشاكري « أنهعليه‌السلام كان قليل الأكل ، وكان يحضره التين والعنب والخوخ وما شاكله ، فيأكل منه الواحدة والثنتين ، ويقول :شل هذا يا محمد إلى صبيانك ، فأقول : هذا كلّه ؟ فيقول :خذه »(3) .

4 ـ الكرم والسماحة

كان الإمام العسكريعليه‌السلام معروفاً بالسماحة والبذل ، وهي خصلة بارزة في سيرته وسيرة آبائه المعصومينعليهم‌السلام. قال خادمه محمد الشاكري : « ما رأيت قطّ

__________________

(1) الغيبة / الشيخ الطوسي : 217 / 179 ، بحار الأنوار 50 : 253.

(2) الغيبة / الشيخ الطوسي : 247 / 216.

(3) الغيبة / الشيخ الطوسي : 217 / 179.

١٣٧

اسدىٰ منه ». وقال الشيخ الطوسي : « كانعليه‌السلام مع إمامته من أكرم الناس وأجودهم »(1) .

وكانعليه‌السلام يحثّ أصحابه على المعروف ، فقد روى أبو هاشم الجعفري عنهعليه‌السلام أنه قال :« إن في الجنّة باباً يقال له المعروف ، لا يدخله إلا أهل المعروف ، قال : فحمدت الله تعالى في نفسي وفرحت بما أتكلّف به من حوائج الناس ، فنظر إليّ أبو محمدعليه‌السلام فقال :نعم فَدُم على ما أنت عليه ، فإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، جعلك الله منهم يا أبا هاشم ورحمك » (2) .

وسجل الإمام العسكريعليه‌السلام دوراً بارزاً في الانفاق والبذل في سبيل الله وإعانة المعوزين والضعفاء من أبناء المجتمع الاسلامي آنذاك ، رغم حالة الحصار والتضييق الذي مارسته السلطة ضدّه ، وكان مصدر تلك العطاءات والمساعدات الأموال والحقوق الشرعية التي تجلب إليه أو إلى وكلائه من مختلف بقاع الاسلام التى تحتوي على قواعد شعبية تدين بإمامته ، وكان يسدّ بها حاجة ذوي الفاقة على قدر ما يزيل عنهم حالة العوز دون إسراف في العطاء والبذل ، فهوعليه‌السلام يقول :« إن للسخاء مقداراً ، فإن زاد عليه فهو سرف » (3) .

ومن جملة عطاءاته التي سجلتها كتب الحديث ، أنه أعطى علي بن إبراهيم ابن موسى بن جعفر مائتي درهم للكسوة ، ومائتي درهم للدَّين ، ومائة درهم

__________________

(1) الغيبة / الشيخ الطوسي : 217.

(2) المناقب / لابن شهر آشوب 4 : 464 ، الفصول المهمة 2 : 1082.

(3) بحار الأنوار 78 : 377 / 3.

١٣٨

للنفقة ، وأعطى لابنه محمد بن علي بن إبراهيم مائة درهم في ثمن حمار ، ومائة للكسوة ، ومائة للنفقة(1) .

وشكا إليه أبو هاشم الجعفري الحاجة فأعطاه مرة خمسمائة دينار ، وأرسل إليه مرة اُخرى مائة دينار حينما أخلي سبيله من السجن(2) .

وشكا إليه إسماعيل بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس الفاقة والحاجة ، فأعطاه مائة دينار(3) .

وأعطى برذونه الكميت إلى على بن زيد بن علي بن الحسين بعد موت فرسه(4) ، وأكرمه مائة دينار في ثمن جارية بعد أن ماتت جاريته(5) .

ووهب حمزة بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين ثلاثمائة دينار ، وكان مصاباً بالشلل ، على رغم عدم قوله بإمامتهعليه‌السلام (6) .

وبعث إلى عمرو بن أبي مسلم خمسين ديناراً على يد محمد بن سنان الصوّاف في ثمن جارية(7) ، وغير ذلك كثير.

* * *

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 506 / 3 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة.

(2) أصول الكافي 1 : 507 / 5 و 508 / 10 من الباب المتقدم.

(3) أصول الكافي 1 : 509 / 14 من الباب المتقدم.

(4) أصول الكافي 1 : 510 / 15 من الباب المتقدم.

(5) بحار الأنوار 50 : 264 / 23.

(6) الثاقب في المناقب : 573 / 520.

(7) بحار الأنوار 50 : 282 / 58 ، عن فرج المهموم لابن طاوُس.

١٣٩
١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196