قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج 25%

قضايا المجتمع والأسرة والزواج مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 233

قضايا المجتمع والأسرة والزواج
  • البداية
  • السابق
  • 233 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54680 / تحميل: 7787
الحجم الحجم الحجم
قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج

مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وإذا كان لهذا المرض آثاره السلبية في الحياة الاجتماعية ، فإنّ له آثاراً مدمّرة في الحياة الزوجية ، لأنّه يتناقض تماماً مع متطلبات الحياة المشتركة ، والاعتراف بحقوق ورؤى وآراء الطرف الآخر ، ولا يتوقف خطر ذلك على الزوج أو الزوجة بل يمتد ليشمل مصير الصغار أيضاً.

إنّ الأنانية والنرجسية تجعل الحياة ضيقة خانقة بالنسبة للأزواج الذين قد يتحملون ذلك لاعتبارات عديدة ، ولكن مع تحمّل الآلام والمرارة إضافة إلى سقوط شخصية الأنانيين في نظر أزواجهم ونظر الجيمع.

٤ - الشعور بالنقص:

قد يكون التكبر نتيجة للشعور بالنقص ، وفي محاولة لتعويض ذلك يَجْنح الإنسان للسير في خُيلاء مصعّراً خده للآخرين ، في حين يعاني في أعماقه خواءً وإحساساً بالحقارة.

ولعل للأزمات التي تعصف في حياة بعض الناس وعجزهم عن الدفاع والمقاومة دوراً في ظهور هذه العقد في نفوسهم ، وتؤدي بهم في النهاية - وفي محاولة التعويض عن هذا الإحساس - إلى الميل للتكبر والاستعلاء على الآخرين.وعادة ما يعاني المتكبرون من خواء نفسي وشعور بالمهانة يتحمل آلامها أولئك الذين يرتبطون معهم برباط الزواج ، إذ عليهم أن يتحملوا ألواناً من الممارسات المعقدة التي تشف عن تلك المشاعر المريضة.

أمّا أولئك الذين يتمعتون بغنىً روحي ، فعادة ما يكونون على جانب كبير من اللياقة التي تؤهلهم لإدارة أنفسهم وجلب احترام الآخرين لهم.

تقييم الذات:

القليل من الناس من يعرف قدر نفسه ، ويتصرف على ضوء ذلك ، بينما يخطىء الكثير في تقييم ذواتهم أو يرونها بغير حجمها الطبيعي ، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور عقدة الغرور.

وفي الحياة الزوجية تتجلى ضرورة الرؤية السليمة للطرفين لنفسيهما

٦١

ولكل منهما ؛ والأساس في ذلك أن تستند تلك الرؤية إلى الاحترام الكامل للطرف الآخر على أساس إنسانية الإنسان.ولا مجال هنا لأي محاولة ، أو سعي ، لإثبات خطر التفوق والشعور بالاستعلاء الذي يهدد سلامة الحياة الزوجية.

إنّ حلاوة الحياة المشتركة هي في تلك الألفة والمودّة التي تربط الطرفين بوشائج متينة ، حيث تذوب جميع الفروقات بينهما في اتحاد فريد.وعندما يبدأ الزوجان في المقارنة بينهما عندها تقرأ الفاتحة عليهما وعلى حياتهما معاً.

ومن الخطأ الجسيم أن يحاول المرء توظيف موقعه - مهما بلغ من العلو - في علاقاته مع زوجه وشريك حياته ، أو يسعى إلى تحقير الطرف الآخر ؛ الذي يجد نفسه مضطراً للبحث عن عيوبه وبثّها هنا وهناك.

ضرورة التغيير:

إنّ مصلحة الحياة الزوجية تتطلب من الزوجين البحث عن السبل التي تؤدي إلى الاتحاد بينهما والتضامن ، بروح المحبة.ينبغي عليهما أن يلاحظا ذلك في أحاديثهما ، وفي طريقة تفكيرهما ومواقفهما.ينبغي أن يكون سلوكهما باعثاً على الأمل في الحياة والمستقبل.

أيَّة لذة يجنيها الزوج الذي يحوّل زوجه إلى إنسانة تشعر بالحقارة والمهانة والصَغَار من أجل أن يروي ظمأه وتعطّشه للتفوق والاستعلاء ؟! وأيَّ مجد سيحصل عليه إذا جعل من زوجه بوقاً يسبح بحمده وثنائه ليل نهار ؟!.

نعم ، إنّ الرجل سيد الأسرة ، ولكن عليه أن يعيَ مسؤوليته جيداً في إدارة الأسرة كهمّ كبير ، لا كمنصب يستعدي التفاخر والاعتداء

إنّ أدبياتنا كمسلمين ، تدعونا - ومن أجل إسعاد الآخرين - إلى أن ننأى بأنفسنا عن كل أشكال الأنانية ، والعمل بكل ما من شأنه أن يفيد المجتمع ويجعل الحياة فيه بسيطة وجميلة.

٦٢

طريق الحياة المشتركة:

أن يتجمل الزوجان لبعضهما أمر حسن ، ولا يحتاج إلى بحث أو نقاش.وأن يكون أحدهما في نظر الآخر عزيزاً غالياً - هو الآخر - لا غبار عليه.ومن وجهة نظر الإسلام كنظام اجتماعي يحث المرء بعد الارتباط بالزواج أن ينظر إلى شريكه في الحياة على أنّه المعشوق الوحيد في هذا العالم.

على أنّ هذا لا يستدعي التمثيل والتظاهر ، بل ينبغي أن تكون العلاقات صميمية يسودها الصفاء والسلام.ينبغي أن يكون هناك تعاون في كل شؤون الحياة أن تكون هناك مشاركة مخلصة بين الزوجين وتقاسم للحياة بكل حلاوتها ومرارتها.

لقد منح الله الإنسان العديد من النعم التي لا يمكنه إحصاؤها ، فضلاً عن استقصائها ، ولا يليق بالإنسان - كإنسان - أن يوظف تلك الهبات والمزايا في طريق الآثام ، ناهيك عن الأضرار الجسيمة التي تؤدي إلى تدمير حياته.

اجتناب المعاملة الفظّة:

وأخيراً ؛ يوصي الإسلام الزوجين بتعزيز الأُلفة والمحبة بينهما ، وأن لا يتوقف الزوجان عند مسألة الذوق - مثلاً - أو الرؤية ، بل يسعيان ما أمكنهما ذلك إلى توحيد ذوقهما وطريقة تفكيرهما بعيداً عن روح التفوق والسيطرة ، التي تتناقض مع الحب والمودّة ينبغي أن يكون البيت الزوجي عشاً دافئاً زاخراً بالمحبة والحنان لا معسكراً تدوّي فيه صرخات الأوامر التي لا تقبل النقاش.

إنّ الإحساس بالغرور ، والفظاظة في التعامل يحوّل الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق ، ولذا فإنّ طريق الحياة المشتركة يحتاج إلى اعتدال وتحمل وتسامح.وإذا كان هناك تفوّق في شأن يمتاز به أحد الزوجين على الآخر ، فإنّ هذا يستدعي الشكر لله والثناء عليه ، لا أن يكون سلطة يستخدمها لقمع زوجه وشريك حياته.

٦٣

الفصل السادس

تعيين الحدود

الحرية من نعم الله الكبرى التي تنشدها الإنسانية في تاريخها الطويل الحرية ، هي تلك الكلمة التي تطفح بالمعاني الجميلة والأحلام ، وتلك الأمنية التي من أجلها تثور الشعوب وتُقَدِّم - من أجل تحقيقها - الغالي والنفيس.

للحرية جذورها في أعماق الإنسان ، بل وحتى الحيوان.فالطائر السجين في القفص يضرب بجناحيه القضبان هنا وهناك بحثاً عن نافذة أو كوّة يمكنه من خلالها الخلاص من الأسر ، والعودة إلى دنيا الحرية.وما أكثر الطيور التي ماتت في أقفاصها حزناً وكمداً.

أمّا الإنسان فهو أكثر تعلقاً بالحرية وتشبّثاً بها من كل المخلوقات ، فهو دائم السعي للحفاظ عليها وصيانتها ، حتى إذا شاهد يوماً عائقاً يقف في طريقه حاول إزالته وإزاحته جانباً لكي يستأنف تقدمه نحو الهدف المنشود.

الحياة العائلية والحدود:

لا ريب في أن يتزوج ويدخل عالم الحياة المشتركة مع إنسان آخر ، هو بحد ذاته نوع من التقيّد ببعض الحدود والضوابط التي تستدعي منه مراعاتها.وعليه يفقد المرء جزءاً من حريته لصالح الطرف الآخر الذي يشاركه حياته ؛ وإذن فإنّ حرية المتزوج تنتهي عندما يبدأ حق الآخرين ، فهناك ما يقيدها ويجعلها في إطار محدود خدمة للصالح العام - إذا صح

٦٤

التعبير - ؛ ذلك لأنّ الأسرة ، وإن بدت كمجتمع صغير ، إلاّ أنّها تحمل كل مقومات المجتمع الكبير.

فلو أن كان عضو في الأسرة يعمل ويتحرك في ضوء أهوائه وأذواقه ، دون أن يأخذ بنظر الاعتبار ( الآخرين ) في ذلك ، ستعمّ الفوضى وسيطغى الاضطراب ، وبالتالي ستتفكك الأسرة.

وإذن ، فإنّ هناك حدّاً للحريات والطموحات الشخصية التي ينبغي أن تنتهي عندما تصطدم ومصلحة الأسرة ، والحياة المشتركة.وقد تكون المرأة معنيّة أكثر بهذا الموضوع ؛ باعتبار أنّ الرجل أكثر ميلاً للاستمتاع بالحرية ، وقد يشعر بالغضب عندما يرى أنّ حريته تتعرض للقيود ، وفي هذه الحالة على المرأة اتخاذ أسلوب مناسب ؛ يعتمد المداراة والتخفيف من حدة بعض الالتزامات ، ريثما تتوفر الأرضية المناسبة.وفي غير هذه الصورة ، سوف يَجْنَح الرجل إلى الاستبداد في رأيه ، وربّما النزاع.

وفي هذه المناسبة ينبغي أن نذكر الرجل أيضاً ، بأنّ زمن الحرية المطلقة قد انتهى وأنّ الزواج بداية لعهد من المسؤوليات التي تتطلب منه غض النظر عن كثير من الأمور والحريات.

على هامش الحدود:

من أجل الإشارة إلى مدى نطاق هذه الحدود ، يمكن إدراج ما يلي:

١ - تنظيم الحضور:

وهذه من أبرز المسائل وأكثرها حساسية ، وينبغي للزوجين الاتفاق عليها بعد أن اختارا الحياة سوية في بيت واحد وتحت سقف مشترك.ولذا ، فإنّ على الرجل أن ينظم وقته بحيث يكون له حضور في المنزل إلى جانب زوجته وأولاده ، بمعدل يقترب من نصف ساعات اليوم ، ذلك أنّ المرأة ترغب في تواجد زوجها مثلما يرغب الرجل في حضور زوجته وتواجدها داخل البيت.

ومن الخطأ أن يبعثر الزوجان وقتيهما خارج المنزل هنا وهناك ، دون أن يفكرا بمسؤولياتهما تجاه الأسرة.وخلاصة المسألة أنّه ينبغي على الزوجين

٦٥

تنظيم وقتيهما دون حساسية أو انزعاج من سؤال أو استفسار.وفي المقابل ، إذا ما حدث وخرق أحد الطرفين عادته في عودته، فلا ينبغي أن يكون هذا مثاراً للجدل أو النزاع.

٢ - المعاشرة:

المرأة والرجل أحرار في التعبير عن آرائهما في الحياة المشتركة ، وأسسها ، وما يتعلق بها.غير أنّنا نجد - ومع الأسف - ممارسات قمعية لدى أحدهما ، تقذف الرعب في قلب الآخر وتمنعه من أبداء رأيه في شؤون الأسرة.

فقد نجد لدى أحد الطرفين رغبة في الحديث عن شأن ما ، تمنع من ظهورها الخشية من حدوث نزاع ، أو يودُّ أحدهما لو أبدى رأيه في مسألة من المسائل ولكنّه يخاف أن يكون عرضة للسخرية فيجنح إلى الصمت المطبق ، محتفظاً بآرائه لنفسه يعالج همه في أعماقه دون أن يفصح عن أسرار ألمه إلى أحد.

٣ - التقيد في الإجراءات:

قد نرى التقيد في بعض الأحيان في إجراء يتخذه الأب - مثلاً - لتأديب ابنه عندما يرتكب خطأً يستحق العقوبة ، وفي هذه اللحظة بالذات تظهر الأم كحاجز يوقف تنفيذ الإجراءات ممّا يؤدي إلى النزاع والمواجهة.

قد يتخذ بعض الآباء إجراءات غاية في القسوة ربّما تعرّض إلى مخاطر كبرى ، وفي هذه الحالة على الأم أن تتدخل لمنع إجراء كهذا.

إنّ التدخل من قبل أحد الطرفين في شؤون وأعمال الطرف الآخر خطأ كبير يقود إلى النزاع ، وعوضاً عن هذا الأسلوب الصِدامي ، ينبغي على الزوجين أن يفكّرا بوسيلة مناسبة في تقديم النصح اللازم تحفظ للطرفين جميع الحقوق والاعتبارات.

٤ - في الميزانية:

ربّما يقتضي الجانب الاقتصادي في حياة الأسرة أن يبسط الرجل في الإنفاق ، وأن تكف المرأة يدها في الاستهلاك.إنّ الكرم والسخاء في حياة

٦٦

الرجل صفة طيبة ومحمودة ، ولذا فعليه أن يوسّع في الإنفاق على عياله وأسرته ، وأن لا يقصر في ذلك ما أمكنه ، وعلى المرأة أن تدير شؤون منزلها حسب الإمكانات المتوفرة وأن لا تتخطى الحدّ المعقول في ذلك.

إنّ البُخل في حياة الرجل خصلة مذمومة كما الإتلاف في حياة المرأة.إنّنا - ومع الأسف - نجد بعض الرجال الذين وهبهم الله من نعمه ولكنّهم يبخلون على أهليهم وأنفسهم ، ويكدّسون الأموال فوق بعضها تحسّباً لفقر محتمل ، في حين يعيش أهلهم وأبنائهم في فقر مدقع صنعوه بأنفسهم !.

٥ - الطمأنينة وراحة البال:

نجد في بعض الحالات نزاعاً ينشب في الأسرة بسبب شعور أحد الطرفين بالتهديد المستمر من قبل الطرف الآخر ، فمثلاً: نجد زوجاً يقضي جلَّ نهاره في العمل والكدح خارج المنزل ، ثمّ يضيف إلى ذلك أعمالاً أخرى إضافية من أجل تأمين دخل يغطي مصروفات عياله ، وعندما يعود إلى المنزل من أجل التقاط أنفاسه إذا به يواجه امرأة ناكرة للجميل تحول ساعة إستراحة إلى جحيم لا يطاق.

أو بالعكس ، حيث تجد امرأة تنهض للعمل في المنزل مع خيوط الفجر ، تدير شؤون بيتها ، وترعى صغارها ، وتغسل الثياب ، وتطهو الطعام ، وعندما يحلّ المساء وتحاول أن تستريح إذا بالرجل يصرخ في وجهها: لماذا لم تغسلي الثوب الفلاني ؟ أو تكْوي القميص العلاني ؟ لماذا طعامك مالح ؟ أو عديم المذاق ؟ غافلاً عن أن زوجته لم تفعل ذلك عمداً ، أو لم تجد الوقت الكافي لكي تكوي له ثيابه - مثلاً -.إنّ محاولات كهذه ، وإن بدت بواعثها صغيرة وتافهة ، إلاّ أنّها تهدد الكيان الأسري بالخطر.

٦ - طرح الأسئلة:

تنشب النزاعات في بعض الأحيان إثر إلحاح في الأسئلة التي يطرحها

٦٧

أحد الطرفين ، وبصورة غالبة الرجل ، حتى يتحوّل الأمر في بعض المرات إلى محضر تحقيقي ، تحسّ فيه المرأة بشكل أو بآخر بأنها نابعة من سوء ظن أو شك ، وعندما تعتقد المرأة ببراءتها فإنّها تشعر بالمرارة لذلك.وقد تتراكم تلك المرارات في أعماقها وتتفاقم ، وعندما تجد فرصة مناسبة تتفجر عن نزاع رهيب يهدد الأسرة بالدمار.

وعادة ما تثير الأسئلة المكررة نوعاً من الحساسية ، وتزرع في النفس نوعاً من سوء الظن ، حتى لو كانت نابعة عن حسن ظن.ولذا ، فعلى الرجل أن يلتفت إلى هذا الجانب في حياة المرأة ؛ لأنّ صفاء البيت في الواقع يعتمد على صفائها ، وعندما يتعكر مزاجها فإنّ صفاء الأسرة برمّته يتعرض للخطر.

الأسباب:

ومحاولةً للإشارة إلى بواعث تلك القيود ، يمكن الإشارة إلى ما يلي:

١ - الجهل:

قد تتصور المرأة أنّ عمل زوجها خارج المنزل هو ضرب من ضروب التسلية والمتعة ، غافلة عن مصاعب عمل زوجها والإرهاق الذي قد يشعر به.وفي مقابل ذلك يتصور الرجل أنّ زوجته ناعمة البال في مأمن من هجمات البرد وضربات الحر ، وأنّ المنزل مجرّد مكان للاستراحة والاسترخاء.ولو اطلع كل منهما على معاناة صاحبه لتصححت رؤيتهما ، ولارتفع رصيد كل منهما لدى الطرف الآخر ، ولارتفعت الكثير من القيود التي يحاول كل منهما فرضها على الآخر.

٢ - سوء الظن:

قد تبرز القيود في بعض الأحيان بسبب سوء الظن ، الذي قد ينجم عن الخيال أو سوابق الماضي.ومن الضروري للزوجين أن يجعلا أنفسهما محلاً للشبهات ، إذ أنّ من السهل جداً أن يتهم الإنسان بشيء ما ، ولكن من الصعب إزالة آثار هذا الاتهام.وإذن ، ينبغي أن تكون المعاشرة والممارسات بعد

٦٨

الزواج بشكل لا يستثير الظنون والشكوك ؛ وذلك صوناً للسعادة الزوجية وحفاظاً على البناء الأسري.

٣ - إيحاءات الآخرين:

ربّما تنشأ القيود والحدود نتيجة لإيحاءات الآخرين الخاطئة ، انطلاقاً من نوايا مغرضة ، وحتى بسبب الجهل ؛ فقد نشاهد - ومع الأسف - بعض الافراد الذين يحاولون مغرضين تقويض بناء أُسر تعيش في حالة من الصفاء والمودّة ، وممّا يزيد الطين بلّة بساطة بعض الأزواج وسرعتهم في التأثر بتلك الإيحاءات ، ممّا يؤدي إلى تزلزل الحياة العائلية ونشوب حالة النزاع

وفي هذه الحالة ينبغي على الزوجين المنع والتصدي لمثل هكذا محاولات خبيثة ، وتفويت الفرصة على هؤلاء في إثارة الفتن والمشكلات.

٤ - النرجسية:

وأحياناً نشاهد بعض الذين لا يرون سوى أنفسهم ولا يقيمون للآخرين أي حساب ، انطلاقاً من اعتبار أنفسهم في مستوى يفوق الآخرين في كل شيء ، ولذا فهم يرون من حقهم الإمساك بزمام الآخرين من أعضاء الأسرة وقيادتهم ، بالرغم من أنّ بعضهم إنّما يفعل ذلك بنوايا حسنة باعتبارهم يفوقون الباقين في مستوى تفكيرهم ومعرفتهم ، ولذا فمن حقهم فرض رؤيته على الآخرين.

٥ - غياب الحب:

وأخيراً يقف غيابُ الحبِّ كسبب وراء بعض القيود والضغوط التي يمارسها أحد الزوجين من أجل إجبار الطرف الآخر على الفرار وإخلاء الساحة ، ولذا يوجه أحدهما أسلحته بكلمة جارحة، أو بإهانة مقصودة ، أو بفرض بعض الحدود ؛ لحمل الطرف الآخر على التفكير بالانسحاب والفرار.

ونحن هنا لا نتهم الرجل أو المرأة بذلك ، فقد يكون ذلك رغبة من الرجل في التخلص من زوجته ، أو ميلاً من المرأة للخلاص من زوجها ، وكل هذا إنّما ينبعث من عدم الإحساس بالمسؤولية وعدم إدراك الواجب

٦٩

الملقى على عاتق الزوجين إزاء حياتهما المشتركة.

إنّ الحياة الزوجية تتطلب من كلا الطرفين تجاوز بعض المسائل ، من قبيل: الحرية ، والأنانية ، والتكبر ، والإعجاب بالنفس ؛ لكي يتسنّى لهما الحياة في ظلال من المحبة والسلام.

ضرورة استمرار الحياة الزوجية:

ينبغي أن نذكّر البعض من الرجال أو النساء ممّن يهدفون - ومن خلال التنازع مع أزواجهم وفرض القيود عليهم - إلى العيش بسلام في منازلهم أو منازل أخرى بأن المستقبل مجهول تماماً ، ولا يمكن التنبؤ به أبداً.

وأيضاً نذكّر بعض الأزواج الشباب الذين يحاولون - ومن خلال التهديد المستمر واستخدام القوة - انتزاع حماية الطرف الآخر لهم ، بالحقيقة التي تفرض نفسها بقوة وهي أنّ العنف لا يمكن أن يولّد الحب الحب الذي ينهض على أساسه البناء الأسري والعائلي.

إنّ الحياة الزوجية تستلزم شكلاً من أشكال التضحية والإيثار والحب ، وأن يتجاوز الطرفان عن بعض رغباتهما وأهوائهما من أجل الآخر ، لكي يمكن الحصول على دعمه وتضامنه وولائه.

٧٠

الفصل السابع

تحمّل الآخر

من أجل تشكيل الأسرة ينبغي البدء بحياء الأُلفة ، حيث يعتبر الزوجان أنفسهما مسؤولين عن بعضهما ، وعليه ينبغي أن يتحمل أحدهما الآخر ويصبر عليه ، لكنّنا - ومع الأسف الشديد - نجد البعض - وبسبب التحريضات أو ضغوط العمل والحياة - يفتقد هذا الجانب في حياته ، فلا يعود يتحمّل صاحبه وشريك حياته ، ويثور من أجل سبب تافه ، ممّا يعرّض الحياة المشتركة للزوجين إلى الخطر.

وفي هذا الفصل سوف نتعرض إلى البحث في جذور هذه المسألة والإشارة إلى الأسباب التي تقف وراء عدم تحمّل الأزواج من الشباب لأخلاق بعضهم البعض ، انطلاقاً من أنّ معرفة الداء يساهم في اكتشاف الدواء ، إلى حدٍّ ما.

صور متعددة:

تزخر الحياة بصور متعددة من السلوك والممارسات والمواقف ، ويمكن القول إنّ لكل إنسان طريقة عمل وسلوك معين ، وفي عالم الحياة الزوجية يتصرف بعض الأزواج كما لو كانوا سادة يصدّرون الأوامر إلى عبيدهم ، وما على شركاء حياتهم إلاّ الطاعة والتسليم.

فقد نرى زوجاً يتصرف مع زوجته ويعاملها كما لو كانت خادمة أو جارية ، لا حظّ لها بشيء سوى الطاعة ، يثور من أجل كل شيء ، وبسبب أي شيء لماذا لم تقومي بالعمل الفلاني ؟ ولماذا الطعام الفلاني غير

٧١

جاهز ؟ لماذا ولماذا ؟؟ غافلاً عن أنّ الزوجة ومن وجهة نظر شرعية وقانونية ليس مكلّفة أبداً بالقيام بهذه المهمات ، وأنّ تعهدها بذلك هو عمل إنساني نبيل ، تستحق من أجله التقدير والإجلال والثناء.

وفي مقابل ذلك نرى نساءً يعاملن أزواجهن كما لو كانوا عبيداً أذلاء ، يتحركون كما تتحرك بيارق الشطرنج وفق حساب معين ، أو أمر معين ، أو نهي محدد.فإنّ كان الزوج فقيراً ذكّرته بذلك مراراً وتكراراً ، وأشارت إلى ثرائها وغناها ومنّت بالحياة معه.

إنّ مثل هكذا ممارسات لا تتفق مع حقيقة الإنسانية وأصول وأسس الحياة المشتركة التي يدلّ اسمها على الاشتراك في كل شيء.

سوء الخلق:

إن سوء الخلق والفظاظة في التعامل وعدم تحمل الآخرين يقف وراء الكثير من المشاكل والنزاعات التي تعصف بالحياة الأسرية ، بل يمكن القول: بأنّها نار مجنونة تلتهم الأخضر واليابس ، وتحوِّله إلى هشيم تذروه الرياح.

لقد أثبتت الدراسات أنّ سوء الخلق ، والإساءة في التعامل ، وعدم التحمل ، يؤدي إلى الشيخوخة.حيث يغزوه الشيب قبل وقته ، كما أثبتت البحوث أيضاً ، أنّ أكثر أمراض القلب وأمراض العصبية إنّما تنشأ بسبب النزاعات وعدم التحمّل ، خاصة لدى الأزواج المغامرين ، إضافة إلى أنّ الحياة تفقد معناها إذا تحولت إلى جحيم مستعرة بسبب هذه الأخلاق.

إن الأجواء المتشنجة والمتوترة ، التي يصنعها التعامل الفظ ، والاساليب القمعية في الأسرة ، تعرِّض الاطفال إلى خطر كبير ، حيث تتأثر نفوسهم الغضّة ويصيبهم الدمار الذي لا يمكن إصلاحه ، كما يفقدهم الشعور بالطمأنينة التي هي أكبر حاجة لتنشئة الطفل نشأة سليمة ؛ هذا إذا لم يحدث الانفصال الذي يعرّض الأطفال إلى أخطار حقيقية مدمّرة ، وقد يسلمهم إلى الضياع والشوارع والليل.

٧٢

البواعث:

للبحث في الأسباب التي تكمن وراء ما ذكرنا يمكن الإشارة إلى ما يلي:

١ - غياب التفاهم:

إنّ غياب التفاهم بين الزوجين وعدم إدراكهما الضوابط التي ينبغي مراعاتها في التعامل يؤدي إلى ظهور المشاكل العديدة ونشوء النزاع ، ذلك أنّ التفاهم هو الذي يهيء الأرضية اللازمة للبحث في الكثير من الأمور ذات الاهتمام المشترك.وتعدد أسباب عدم التفاهم والانسجام ، فمنها ما يعود إلى الاختلاف الفاحش في السن والتجربة والخبرة في الحياة ، ومنها ما يعود إلى اختلاف الأذواق بشكل يؤدي إلى التصادم العنيف.وممّا يبعث على الأسف أنّ الزوجين - وبعد مضي شهور عديدة أو سنوات على حياتهما المشتركة - قد أخفقا في إدراك بعضهما البعض بشكل يمكن فيه تلافي الكثير من المشكل ببعض التحمل والمداراة.

٢ - الفوضى في الحياة:

هناك الكثير من الأفراد ممّن يهتمون بالنظام إلى حدٍّ يتحول فيه ذلك إلى هاجسهم الوحيد ، فأقل إخلال يدفعهم إلى الثورة والعصبية.

وفي مثل هكذا حالة ماذا يمكن أن يحدث لو عاد الرجل - مثلاً - إلى منزله وهو يتصور أن كل شيء على ما يرام ، وإذا به يرى الفوضى تعمّ كل شيء فلا يجد حتى مكاناً يستبدل فيه ثيابه.ربّما يعتبر البعض أنّ الأمر ليس بهذه الخطورة ، ولكن الحقيقة تقول عكس ذلك.إنّ ذلك يبعث المرارة في قلب الرجل ، بل ويهيء ظروف تفجر نزاع لا تُحمد عقباه.

٣ - الإجهاد في العمل:

ما أكثر الأشخاص الذين نراهم يثورون لأتفه الأسباب.وعندما نحاول البحث عن العلة في ذلك نجد أنّ العمل المتواصل، والإرهاق ، قد أضعف

٧٣

أعصابهم وأفقدهم القدرة على التحمل ، فإذا بهم يهاجمون أزواجهم بشراسة ، ودون رحمة ، ودون سبب وجيه ولو في الظاهر.

وقد نرى هذه الظاهرة حتى لدى النساء ، من اللواتي يصل عملهن داخل المنزل حداً وسواسياً رهيباً ، يجعلهن في النهاية جنائز - إذا صح التعبير - حيث يفقدن القدرة على التعامل مع أزواجهن بلباقة وأدب.

إنّنا نوصي الأزواج - نساء ورجالاً - في اتخاذ جانب الاعتدال في العمل والحفاظ على الحدود التي تكفل التوازن المنشود.

٤ - الاضطراب الفكري:

قد نجد أفراداً يعانون من اضطرابات فكرية ومن تشوش ذهني ، وتعصف في رؤوسهم عشرات المسائل والمشاكل والهموم.

إنّ هذه المشاكل ، وما يتبعها من وسوسة فكرية ، تجعلهم سريعي الإثارة ، قليلي التحمل شديدي العناد ، ولذا فإنّهم ينفجرون لأقلّ اصطدام ، ممّا يدفعهم إلى إفراغ ما في أعماقهم من ثورة وغضب.

٥ - عوامل خارجية:

قد ينشأ النزاع في الأسرة بسبب عوامل خارجية ، فمثلاً: يعمل الزوج في مكان ما ، ثمّ يحصل له نزاع مع زملائه في العمل ممّا يخلّف في نفسه شعوراً بالمرارة يدفعه إلى إفراغ غضبه في محيط أسرته، لسبب أو لغير سبب.أو نجد إحدى السيدات تتطلع إلى حياة جارتها المرفَّهة ، فلا تملك نفسها ، حيث تتولد في أعماقها الحسرة ، التي تعبر عن نفسها أحيانا بالتشكّي والبكاء.

ولعل الشباب يدركون مدى وضاعة مثل هذه التصرفات ، عندما يواجه أحدهم مشكلة في الخارج فينطوي على نفسه ، فإذا عاد إلى منزله يحاول إفراغ همّه وصبّ غضبه على أفراد لا ذنب لهم في ذلك.

٧٤

٦ - عدم التحمّل:

قد يفقد المرء صبره أمام أسئلة توجهها زوجته إليه فيثور في وجهها.قد تكون تلك الأسئلة بريئة ولكنّه ينزعج منها ويصرخ: لماذا لا تكفّي عنّي ؟! دعيني وشأني.

وقد تنجم المشاكل بسبب نوايا حسنة تماماً ، مثلاً: ينتظر الزوج طعاماً ، ولكنّ الزوجة ، ومن أجل إعداد طعام لذيذ ، تتأخر قليلاً.عندها يثور الزوج فيقيم الدنيا ولا يقعدها.وربّما يكون المرض علّة وراء عدم التحمّل أيضاً ، حيث تتأمل الزوجة في ملامح زوجها وتتساءل خائفة: لماذا وجهك مصفّر أو لماذا تبدو هكذا ؟ فيتأفّف الزوج ، ثمّ سرعان ما يثور معبّراً عن استيائه وغضبه من تلك الأسئلة التافهة.

٧ - انعدام التوازن النفسي:

نصادف بعض الأحيان أزواجاً يفقدون التوازن النفسي ، الأمر الذي يجعلهم مهزومين نفسياً ، كما أن بعضهم يعاني من إحساس بالصَغار والذلّة ، ولذا فهم يفرغون عقدهم تلك في محيط أسرهم ، فترى أزواجهم وأولادهم يعانون الأمرّين في ذلك ، وقد يعاني بعضهم من هوس نفسي يفقدهم حالة الاستقرار الروحي المطلوب ، فيصبّون غضبهم على هذا وذاك ، كما نجد البعض مصاباً بنوع من الساديّة ، حيث يتلذذ بتعذيب الآخرين من خلال السخرية بهم ، فإذا لم يمكنهم ذلك مع الناس أفرغوا عقدهم تلك داخل البيت على أسرهم.

ولا شك أنّ ما ذكرناه هو حالات مرضيّة تستدعي العلاج ، غير أنّ المشكلة تكمن في أنّ أولئك لا يدركون أنّهم يعانون من حالة مرضية ، وإلى أن يفهموا ذلك يكون الوقت قد فات.

٨ - غياب المداراة:

وأخيراً: فإن عدم اعتماد المداراة في التعامل واحترام مشاعر الآخرين يؤدي إلى نشوب الكثير من المنازعات التي يمكن تجنّبها بشيء من اللباقة.

٧٥

الصراحة صفة حميدة إذا لم تخرج عن دائرة الخلق والأدب ، كما ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار الطرف المقابل وقدرته على التحمّل.

يقوم بعض الأزواج - ومع الأسف ، وحيث لم تمر بعد إلاّ أيام معدودة على زواجه - بمصارحة زوجه بعيوبه ، الأمر الذي يجعل الطرف الآخر عرضة لتلقّي الطعنات ، فينطوي على نفسه حزيناً يتحيّن الفرصة للانتقام في المستقبل.

أيّة صراحة هذه التي تؤدي إلى اشتعال النار لتحرق البيت ومن فيه ؟! وأية صراحة هذه إذا كانت تفعل في نفس الإنسان فعل الخنجر المسموم ؟!.

إنّ الحياة الزوجية تتطلب دقّة في الحديث وحذراً في التعامل ، وإذا كانت الصراحة تؤدي إلى ظهور آثار مدمرة فينبغي إقصاؤها بعيداً ، فهناك من الأساليب ما يغني عن ذلك ، ويؤدي إلى أطيب النتائج.وفي كل ما ورد من أسباب يتحمّل الرجل والمرأة مسؤوليتهما تجاه ذلك على حدٍّ سواء ، قد يتحمّل الرجل في بعض الأحيان مسؤولية كاملة تجاه ما ينشب من نزاع ، وقد تتحمّل المرأة المسؤولية كاملة ، ولكن في أغلب الأحيان يشارك الاثنان في صنع المأساة التي تشملهما معاً فيما بعد.

وفي كل ما ذكرناه يكمن غياب العقل كسبب مباشر في تلك النزاعات التي تعصف بالحياة الزوجية.

ففي بحث جميع تلك المشاكل يستلزم الزوجان فقط قدراً من التعقّل لتنقشع جميع السحب من سماء الأسرة.

ضرورة ضبط النفس:

من الخطأ أن يقدم المرء على رد فعل عنيف تجاه ما يصدر عن زوجه من عمل خاطىء ؛ إنّ المواقف المتشددة وردود الفعل المتشنجة تخلق في البيت حالة من التوتر الذي قد يفجّر الوضع في كل لحظة.ولذا فمن الضروري جداً ضبط النفس ومراعاة حالة الزوجة ومحاولة

٧٦

التعرف على السبب الكامن وراء ذلك العمل الخاطىء.إنّنا إذ نخاطب الرجل في ذلك ؛ لِعِلمنا جميعاً بأنّه أقل عاطفية من المرأة. وقد ورد في الروايات أنّ من يتحمّل أذى زوجته ولا يطلب في ذلك إلا مرضاة الله وهبه الله ثواب الشاكرين.

إنّ التحمّل والتسامح مفتاح الكثير من المشاكل وجانب مهم في حياة الإنسان وقدرته على الإرادة.

السعي الدائم للتفاهم:

من الممكن جداً أن يعيش الزوجان حالة من المودة والصفاء إذا قرّرا ذلك فإرادتهما للتفاهم والسعي الدائم للتقارب الأخلاقي والروحي ومحاولة التركيز على النقاط الإيجابية المشتركة يمكّنهما من خلق الأرضية المناسبة لبناء علاقة وطيدة.

إنّ الرقّة في الحديث المتبادل وتركيز الزوجين على بعض النقاط وتسليط الضوء عليها على أساس أنّها السبب في انتخاب بعضهما البعض يشجع الطرفين على التقارب أكثر فأكثر ، وتذويب الجليد الذي قد يقف حائلاً بينهما.

فقد تكون زوجتك عصبية المزاح - مثلاً - وفي هذه الحالة ومن خلال تحمّلك الإمساك بزمام الأمور دون حدوث مشكلة ما، هذا إذا قررت العيش معها.فالإرادة دائماً - وكما يقول المثل - تصنع الوسيلة.

إن تعاطفك مع زوجتك وهي تمر في أزمة نفسية حادة يجعلها عصبية عنيفة سوف يخفف من حدتها ويهدأها شيئاً فشيئاً.

التأثير الأخلاقي:

من الجدير بالذكر أنّ الأخلاق لها قدرة فائقة في التأثير ، سواء كانت حسنة أم سيئة ؛ إنّ نشاطك وحيويتك سوف يؤثر على زوجتك دون أن تشعر بذلك ، وسرعان ما تبدو ملامح النشاط في وجهها ، وينعكس على تصرفها ،

٧٧

وبالعكس ؛ ذلك أنّ النفس الإنسانية تبدو ، في بعض الأحيان ، وكأنّها مرآة تنعكس فيها المؤثرات الخارجية بسرعة.فإذا بدت زوجتك عنيفة حادّة الطبع عصبية المزاج ، فإن ابتسامتك وطلاقة وجهك ستفعل فعلها وستدفع بها إلى التراجع والشعور بقدر من الحياء.

إن أفضل ما يقوم به الزوج تجاه زوجته هو ليس التشكّي بل السعي إلى الاقتراب من زوجته وفهم ما يدور في خِلدها وما يعتمل في قلبها ، ولا شك أنّ إدراك ذلك سيساهم في حل المشكلة ، أو التخفيف من حدتها على الأقل.

٧٨

الفصل الثامن

الأهداف المادية

الزواج رباط إلهي مقدس ، والحياة الأسرية حياة سامية.ولذا ، فإنّ تشكيل الأسرة ينبغي أن ينهض على أسس رفيعة ومن أجل أهداف عالية ، لكي يمكن لها الديمومة والاستمرار والثبات.

إن ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك ما أيّدته التجارب والمشاهدات اليومية ، لَيؤكد بأنّ الزواج الذي يقوم على أساس الجمال أو الثراء هو زواج لا بدّ وأن ينتهي إلى الإخفاق والفشل ، ذلك أنّ هذه الأهداف قصيرة المدى ضعيفة الأساس ، خاوية المعنى ، وهي سرعان ما تنهار ، وبالتالي ينهار البناء برمّته.

إن الحياة الزوجية يجب أن تنهض على أساس الاحترام الكامل والمتبادل لكرامة الإنسان وإنسانيته ، وهو أمر - ومع بالغ الأسف - قد قوضّته إلى حد ما المدنية الحديثة.

وفي هذا العصر كثيراً ما نشاهد أزواجاً أو زوجات ، ومن أجل مظاهر الحياة الدنيا - يحوّلون بيوتهم ، التي ينبغي أن تكون أعشاشاً دافئة ، إلى ميادين للحرب والصراع ، حيث يكون همّ كلّ منهما قهر صاحبه.

تأمين الميزانية:

لا ريب في أنّ الحياة الأسرية تحتاج ، ومن أجل تسيير شؤونها اليومية إلى ميزانية يمكنها تغطية الحاجات الأساسية ، وغير الأساسية ، بشكل متوازن.إن النظام الإسلامي يجعل هذه المسألة من مهمّات الرجل التي لا تقبل

٧٩

نقاشاً ، حتى لو بلغت المرأة من الثراء حداً يمكنها القيام بذلك.ولذا ، فليس من حق الرجل أن يمدّ عينيه إلى ثروة زوجته ، أو يقرر له حقاً فيها ، أو يأمرها بالمساهمة في الإنفاق على شؤون الأسرة.

وفي مقابل هذا يوصي الإسلام المرأة أن تتكيف مع المستوى المعاشي لزوجها ، وأن تنتهج منهجاً معتدلاً في الإنفاق بما يتوافق مع إمكانات الرجل ، وأن لا تفعل ما من شأنه أن يدفع بالزوج إلى مضاعفة عمله والإجهاد من أجل تغطيه نفقات البيت ، أو يدفعه - لا سمح الله - إلى ارتكاب الحرام من أجل ذلك.وهذه المسألة نراها واضحة جلية في حياة الأزواج من الشباب ، فمن أجل إثبات حبهم يتمسكون بهذا الجانب دون رعاية لوضعهم الاقتصادي.

وفي البحث عن الأسباب التي تؤدي إلى النزاعات ذات الصبغة المادية ، والتي غالباً ما تؤدي إلى شلّ الحياة المشتركة أوالتفكير بالانفصال ، يمكن الإشارة إلى ما يلي:

١ - الوعود الكاذبة:

لقد أشرنا فيما مضى إلى أنذ بعض الزيجات تنهض على أساس خاطىء حيث يكون الهدف - مثلاً - كسب الثراء والتمتع بأملاك الطرف الآخر.

ومن أجل هذا يقوم البعض بدور الثري ويحاول من خلال ذلك النفوذ إلى قلب الفتاة وأهلها ، وبالتالي موافقتهم على الزواج على أساس بعض الوعود ، ثمّ سرعان ما تظهر الحقيقة كاملة ولكن بعد فوات الأوان وحينها ينشب النزاع.

وقد يحصل ذلك حتى بعد الزواج حيث تشترط الزوجة ذلك ، فيقوم الزوج ، ومن أجل إثبات حبه لها ، بإطلاق الوعود الذهبية التي لا تجد لها في أرض الواقع مكاناً مما يؤدي بالزوجين إلى النزاع.

٢ - الكماليات:

من أسباب النزاع في الحياة الزوجية ، بل وحتى الوقوع في الحرام

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قيمومة الرجال على النساء:

قوله تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ... ) .

والمراد بما فضَّل الله بعضهم على بعض، هو ما يُفضَّل ويزيد فيه الرجال بحسب الطبع على النساء، وهو زيادة قوّة التعقّل فيهم، وما يتفرّع عليه من شدّة البأس والقوّة، والطاقة على الشدائد في الأعمال ونحوها، فإنّ حياة النساء حياة عاطفية مبنيّة على الرقّة واللطافة، والمراد بما أنفقوا من أموالهم ما أنفقوه في مهورهنّ ونفقاتهن.

وعموم هذه العلَّة يُعطي أنّ الحكم المبنيّ عليها - أعني قوله: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء... ) - غير مقصور على الأزواج، بأن يختصّ القوامية بالرجل على زوجته، بل الحكم مجعول لقبيل الرجال على قبيل النساء في الجهات العامة، التي ترتبط بها حياة القبيلين جميعاً، فالجهات العامة الاجتماعية التي ترتبط بفضل الرجال، كجهتَي الحكومة والقضاء مثلاً اللذين يتوقَّف عليهما حياة المجتمع، وإنَّما يقومان بالتعقُّل الذي هو في الرجال بالطبع أزيد منه في النساء، وكذا الدفاع الحربي، الذي يرتبط بالشدّة وقوّة التعقّل، كل ذلك ممَّا

١٢١

يقوم به الرجال على النساء.

وعلى هذا؛ فقوله: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء... ) ذو إطلاق تامِّ، وأمّا قوله بعد: ( ... فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ... ) (إلخ) الظاهر في الاختصاص بما بين الرجل وزوجته - على ما سيأتي - فهو فرع من فروع هذا الحكم المطلق، وجزئي من جزئياته مستخرج منه، من غير أن يتقيَّد به إطلاقه.

قوله تعالى: ( ... فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ... ) المراد بالصلاح معناه اللغوي، وهو ما يُعبَّر عنه بلياقة النفس، والقنوت هو دوام الطاعة والخضوع.

ومقابلتها لقوله: ( ... وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ... ) إلى آخره تُفيد أنّ المراد بالصالحات الزوجات الصالحات، وأنّ هذا الحكم مضروب على النساء في حال الازدواج لا مطلقاً، وأنَّ قوله: ( ... قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ... ) - الذي هو إعطاء للأمر في صورة التوصيف أي ليقنتن وليحفظن - حكم مربوط بشؤون الزوجية والمعاشرة المنزلية، وهذا مع ذلك حكم يتبع في سعته وضيقه عِلَّته - أعني قيمومة الرجل على المرأة قيمومة زوجية - فعليها أن تقنت له وتحفظه فيما يرجع إلى ما بينهما من شؤون الزوجية.

وبعبارة أُخرى: كما أنَّ قيمومة قبيل الرجال على قبيل النساء في المجتمع، إنّما تتعلّق بالجهات العامة المشتركة بينهما، المرتبطة بزيادة تعقُّل الرجل وشدّته في البأس، وهي جهات الحكومة والقضاء والحرب، من غير أن يُبطل بذلك ما للمرأة من الاستقلال في الإرادة الفردية، وعمل نفسها، بأن تريد ما أحبّت، وتفعل ما شاءت من غير أن يحقَّ للرجل أن يُعارضها في شيء من ذلك في غير المنكر، فلا جناح عليهم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف، كذلك قيمومة الرجل لزوجته ليست بأن لا تُنفِّذ المرأة في ما تملكه إرادة، ولا

١٢٢

تصرُّف، ولا أن لا تستقلَّ المرأة في حفظ حقوقها الفردية والاجتماعية، والدفاع عنها، والتوسُّل إليها بالمقدمات الموصلة إليها، بل معناها أنّ الرجل إذ كان يُنفق ما يُنفق من ماله بإزاء الاستمتاع، فعليها أن تُطاوعه وتُطيعه في كل ما يرتبط بالاستمتاع والمباشرة عند الحضور، وأن تحفظه في الغيب، فلا تخونه عند غيبته بأن توطئ فراشه غيره، وأن تمتِّع لغيره من نفسها ما ليس لغير الزوج التمتُّع منها بذلك، ولا تخونه فيما وضعه تحت يدها من المال، وسلّطها عليه في ظرف الازدواج والاشتراك في الحياة المنزلية.

فقوله: ( ... فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ... ) أي ينبغي أن يتَّخذن لأنفسهن وصف الصلاح، وإذا كنَّ صالحات فهن لا محالة قانتات، أي يجب أن يقنتن ويُطعن أزواجهن إطاعة دائمة فيما أرادوا منهن، ممَّا له مساس بالتمتّع، ويجب عليهن أن يحفظن جانبهم في جميع ما لهم من الحقوق إذا غابوا.

وأمّا قوله: ( ... بِمَا حَفِظَ اللّهُ... ) ، فالظاهر أنّ ما مصدرية، والباء للآلة والمعنى: إنَّهنَّ قانتات لأزواجهن، حافظات للغيب بما حفظ الله لهم من الحقوق، حيث شرَّع لهم القيمومة، وأوجب عليهنّ الإطاعة وحفظ الغيب لهم.

ويمكن أن يكون الباء للمقابلة، والمعنى حينئذ: أنّه يجب عليهنَّ القنوت وحفظ الغيب في مقابلة ما حفظ الله من حقوقهن، حيث أحيا أمرهن في المجتمع البشري، وأوجب على الرجال لهنَّ المهر والنفقة. والمعنى الأول أظهر.

وهناك معانٍ ذكروها في تفسير الآية أضربنا عن ذكرها؛ لكون السياق لا يُساعد شيء منها.

١٢٣

ماذا تعني قيمومة الرجل؟

تقوية القرآن الكريم لجانب العقل الإنساني السليم، وترجيحه إيَّاه على الهوى واتِّباع الشهوات، والخضوع لحكم العواطف والإحساسات الحادَّة وحضُّه وترغيبه في اتِّباعه، وتوصيته في حفظ هذه الوديعة الإلهية عن الضيعة ممَّا لا ستر عليه، ولا حاجة إلى إيراد دليل كتابي يؤدِّي إليه، فقد تضمَّن القرآن آيات كثيرة متكثِّرة في الدلالة على ذلك ت، صريحاً وتلويحاً، وبكل لسان وبيان.

ولم يُهمل القرآن مع ذلك أمر العواطف الحسنة الطاهرة، ومهامّ آثارها الجميلة، التي يتربّى بها الفرد ويقوم بها صلب المجتمع كقوله: ( ... أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ... ) (١) .

وقوله: ( ... لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً... ) (٢) .

وقوله: ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ... ) (٣) .

لكنّه عدلها بالموافقة لحكم العقل، فصار اتّباع حكم هذه العواطف والميول اتّباعاً لحكم العقل، وقد مرّ في بعض المباحث السابقة أنّ من حفظ الإسلام لجانب العقل وبنائه أحكامه المشرّعة على ذلك، أنّ جميع الأعمال والأحوال والأخلاق التي تُبطل استقامة العقل في حكمه، وتوجب خبطه في قضائه وتقويمه لشؤون المجتمع، كشرب الخمر والقمار، وأقسام المعاملات الغررية، والكذب والبهتان، والافتراء والغيبة، كل ذلك محرّمة في الدين.

____________________

(١) سورة الفتح، الآية: ٢٩.

(٢) سورة الروم، الآية: ٢١.

(٣) سورة الأعراف، الآية: ٣٢.

١٢٤

والباحث المتأمّل يحدس من هذا المقدار، أنّ من الواجب أن يفوَّض زمام الأمور الكلِّية والجهات العامة الاجتماعية - التي ينبغي أن تُدبِّرها قوّة التعقُّل ويجتنَّب فيها من حكومة العواطف والميول النفسانية كجهات الحكومة والقضاء والحرب - إلى مَن يمتاز بمزيد العقل ويضعف فيه حكم العواطف، وهو قبيل الرجال دون النساء.

وهو كذلك؛ قال الله تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء... ) ، والسنّة النبوية التي هي ترجمان البيانات القرآنية بيّنت ذلك كذلك، وسيرته (صلّى الله عليه وآله وسلم) جرت على ذلك أيام حياته، فلم يولِّ امرأة على قوم، ولا أعطى امرأة منصب القضاء، ولا دعاهن إلى غزاة بمعنى دعوتهن إلى أن يُقاتلن.

وأمّا غيرها من الجهات، كجهات التعليم والتعلّم، والمكاسب والتمريض والعلاج وغيرها، ممّا لا يُنافي نجاح العمل فيها مداخلة العواطف، فلم تمنعهنّ السنّة ذلك، والسيرة النبوية تُمضي كثيراً منها، والكُتب أيضاً لا يخلو من دلالة على إجازة ذلك في حقهنّ، فإنّ ذلك لازم ما أُعطين من حرّية الإرادة والعمل في كثير من شؤون الحياة؛ إذ لا معنى لإخراجهن من تحت ولاية الرجال وجعل الملك لهن بحيالهن، ثمّ النهي عن قيامهن بإصلاح ما ملكته أيديهن بأيِّ نحو من الإصلاح، وكذا لا معنى لجعل حقِّ الدعوى أو الشهادة لهنّ، ثمّ المنع عن حضورهنّ عند الوالي أو القاضي وهكذا.

اللهمَّ، إلاّ فيما يُزاحم حق الزوج، فإنّ له عليها قيمومة الطاعة في الحضور، والحفظ في الغيبة، ولا يُمضي لها من شؤونها الجائزة ما يزاحم ذلك.

١٢٥

بحث روائي:

في المجمع، في قوله تعالى: ( وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ... ) (الآية): أي لا يقل أحدكم: ليت ما أُعطي فلان من النعمة والمرأة الحُسنى كان لي. فإن ذلك يكون حسداً، ولكن يجوز أن يقول: اللهمّ، أعطني مثله. قال: وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (١) .

أقول: وروى العيّاشي في تفسيره، عن الصادق (عليه السلام) مثله (٢) .

في تفسير البرهان، عن ابن شهر آشوب، عن الباقر والصادق (عليهما السلام) في قوله تعالى: ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ... ) ، وفي قوله: ( وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ... ) (أنّهما نزلتا في عليّ (عليه السلام)) (٣) .

أقول: والرواية من باب الجري والتطبيق.

وفي الكافي وتفسير القمّي، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (ليس من نفس إلاّ وقد فرض الله لها رزقها حلالاً يأتيها في عافية، وعرض لها بالحرام من وجه آخر، فإن هي تناولت شيئاً من الحرام قاصّها به من الحلال الذي فرض لها، وعند الله سواهما فضل كثير، وهو قول الله عز وجل: ( ... وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ... ) ) (٤) .

أقول: ورواه العيّاشي، عن إسماعيل بن كثير، رفعه إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وروى هذا المعنى أيضاً عن أبي الهذيل، عن الصادق (عليه السلام) (٥) ، وروى قريباً منه أيضاً القمّي في تفسيره عن الحسين بن مسلم، عن الباقر (عليه السلام).

____________________

(١) تفسير مجمع البيان ج ٢، ص ٤٠.

(٢) تفسير العيّاشي، ج ١، ص ٢٣٩ رواية ١١٥.

(٣) تفسير البرهان ج ١، ص ٣٦١ (دار الكتب العلمية).

(٤) الكافي ج ٥، ص ٨٠ رواية ٢.

(٥) تفسير العيّاشي ج ١، ص ٣٩، رواية ١١٦ ورواية ١١٧.

١٢٦

وقد تقدّم كلام في حقيقة الرزق وفرضه، وانقسامه إلى الرزق الحلال والحرام، في ذيل قول: ( ... وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (١) .

وفي صحيح الترمذي، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم): (سلوا الله من فضله؛ فإنّ الله يُحبُّ أن يُسأل) (٢) .

وفي الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير من طريق حكيم بن جبير، عن رجل لم يُسمِّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم): (سلوا الله من فضله؛ فإنّ الله يُحبُّ أن يُسأل، وإنّ أفضل العبادة انتظار الفرج).

وفي التهذيب، بإسناده عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ... ) قال: (عنى بذلك أُولي الأرحام في المواريث، ولم يَعنِ أولياء النعمة، فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي تجرُّه إليها) (٣) .

وفيه أيضاً، بإسناده عن إبراهيم بن محرز قال: سأل أبا جعفر (عليه السلام) رجل وأنا عنده قال: فقال رجل لامرأته: أمركِ بيدكِ، قال: (أنَّى يكون هذا، والله يقول: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء... ) ؟! ليس هذا بشيء) (٤) .

وفي الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم، من طريق أشعث بن عبد الملك عن الحسن، قال: جاءت امرأة إلى النبي (صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم) تستعدي على زوجها أنّه لطمها، فقال رسول الله (صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم): (القصاص) ، فأنزل الله: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء... ) الآية، فرجعت بغير قصاص

____________________

(١) سورة البقرة، الآية: ٢١٢.

(٢) صحيح الترمذي: ج ٥، ص ٥٢٨ باب ١١٦ حديث ٣٥٧١.

(٣) التهذيب ج ٩، ص ٢٦٨ رواية ٢ باب ٤.

(٤) التهذيب ج ٨، ص ٨٨ رواية ٢٢١ باب ٣٦، وفي الحديث تكملة.

١٢٧

أقول: ورواه بطريق أُخرى عنه (عليه السلام)، وفي بعضها: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أردت أمراً وأراد الله غيره)، ولعلّ المورد كان من موارد النشوز، وإلاّ فذيل الآية: ( ... فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً... ) .

وفي ظاهر الروايات إشكال آخر، من حيث أنّ ظاهرها أنَّ قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (القصاص) . بيان للحكم عن استفتاء من السائل، لا قضاء فيما لم يحضر طرفاً الدعوى؛ ولازمه أن يكون نزول الآية تخطئة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حكمه وتشريعه، وهو يُنافي عصمته، وليس بنسخ؛ فإنَّه رفع حكم قبل العمل به، والله سبحانه وإن تصرّف في بعض أحكام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وضعاً أو رفعاً، لكنّ ذلك إنّما هو في حكمه ورأيه في موارد ولايته، لا في حكمه فيما شرّعه لأمّته، فإنّ ذلك تخطئة باطلة.

وفي تفسير القمّي، في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ( ... قَانِتَاتٌ... ) يقول (مُطيعات) (١) .

وفي المجمع، في قوله تعالى: ( ... فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ... ) الآية، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (يُحوِّل ظهره إليها). وفي معنى الضرب، عن أبي جعفر (عليه السلام): (إنّه الضرب بالسواك) (٢) .

وفي الكافي، بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: ( ... فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا... ) قال: (الحكمان يشترطان إن شاءا فرَّقا، وإن شاءا جمعا، فإنّ فرّقا فجائز، وإن جمعا فجائز) (٣) .

أقول: وروي هذا المعنى وما يقرب منه بعدّة طُرق أُخر فيه وفي تفسير

____________________

(١) تفسير القمّي ج ١، ص ١٣٧. (مؤسسة دار الكتاب: قم).

(٢) تفسير مجمع البيان ج ٢، ص ٤٤.

(٣) الكافي ج ٦، ص ١٤٦ رواية ٣.

١٢٨

العيّاشي.

وفي تفسير العيّاشي، عن ابن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة تزوّجها رجل، وشرط عليها وعلى أهلها إن تزوّج عليها امرأة وهجرها أو أبى عليها سريّة فإنّها طالق، فقال: شرط الله قبل شرطكم إن شاء وفى بشرطه، وإن شاء أمسك امرأته ونكح عليها وتسرى عليها وهجرها إن أتت سبيل ذلك، قال الله في كتابه: ( ... فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ... ) ، وقال: ( ... وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً )) (١) .

وفي الدرّ المنثور، أخرج البيهقي، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية أنّها أتت النبي (صلى الله عليه [ وآله ] وسلم) وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت وأُمّي، إنِّي وافدة النساء إليك، واعلم - نفسي لك الفداء - أنّه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلاّ وهي على مثل رأيي.

إنّ الله بعثك بالحقّ إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنّا معشر النساء محصورات مقسورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنّكم معاشر الرجال فُضِّلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحجّ بعد الحجّ، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإنّ الرجل منكم إذا خرج حاجّاً أو معتمراً أو مُرابطاً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربّينا لكم أموالكم، فما نُشارككم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت النبي (صلى الله عليه [ وآله ] وسلم) إلى أصحابه بوجهه كلِّه، ثمّ قال: (هل سمعتم مقالة امرأة قطُّ أحسن من مساءلتها في أمر دينها من

____________________

(١) تفسير العيّاشي ج ١، ص ٢٤٠ رواية (١٢١).

١٢٩

هذه؟). فقالوا: يا رسول الله، ما ظننّا أنّ امرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي (صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إليها، ثمّ قال لها: (انصرفي - أيّتها المرأة - وأعلِمي من خلفك من النساء: أنّ حسن تبعُّل إحداكنّ لزوجها، وطلبها مرضاته، واتّباعها موافقته يعدل ذلك كلّه، فأدبرت المرأة وهي تُهلِّل وتكبِّر استبشاراً) (١) .

أقول: والروايات في هذا المعنى كثيرة مرويّة في جوامع الحديث، من طرق الشيعة وأهل السنّة، ومن أجمل ما روي فيه ما رواه في الكافي عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليهما السلام): (جهاد المرأة حُسن التبعُّل) (٢) .

ومن أجمع الكلمات لهذا المعنى، مع اشتماله على أُسِّ ما بُني عليه التشريع ما في نهج البلاغة، ورواه أيضاً في الكافي بإسناده، عن عبد الله بن كثير، عن الصادق (عليه السلام) عن علي عليه أفضل السلام، وبإسناده أيضاً عن الأصبغ بن نباتة عنه (عليه السلام) في رسالته إلى ابنه: (أنّ المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة) (٣) .

وما روي في ذلك، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّما المرأة لعبة، مَن اتَّخذها فلا يُضيِّعها).

وقد كان يتعجّب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف تُعانق المرأة بيد ضُربت بها؛ ففي الكافي أيضاً، بإسناده عن أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أيضرب أحدكم المرأة ثمّ يَظلُّ مُعانقها؟!).

وأمثال هذه البيانات كثيرة في الأحاديث، ومن التأمُّل فيها يظهر رأي الإسلام فيها.

ولنرجع إلى ما كنّا فيه من حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية، فنقول:

____________________

(١) السيوطي: الدرّ المنثور: ج ٢، ص ١٥٣.

(٢) الكافي ج ٥، ص ٩ رواية ١.

(٣) الكافي ج ٥، ص ٥١٠ رواية ٣.

١٣٠

يظهر من التأمُّل فيه، وفي نظائره الحاكية عن دخول النساء على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتكليمهنّ إيّاه فيما يرجع إلى شرائع الدين، ومختلف ما قرّره الإسلام في حقهنّ، أنّهنّ على احتجابهنّ واختصاصهنّ بالأمور المنزلية من شؤون الحياة غالباً، لم يكنّ ممنوعات من المراودة إلى وليّ الأمر، والسعي في حلّ ما ربّما كان يُشكل عليهن، وهذه حرّية الاعتقاد التي باحثنا فيها في ضمن الكلام في المرابطة الإسلامية، في آخر سورة آل عمران.

ويُستفاد منه ومن نظائره أيضاً:

أولاً: أنّ الطريقة المرضيّة في حياة المرأة في الإسلام، أن تشتغل بتدبير أُمور المنزل الداخلية وتربية الأولاد، وهذه وإن كانت سنّة مسنونة غير مفروضة، لكنّ الترغيب والتحريض الندبي - والظرف ظرف الدين والجوّ جوّ التقوى وابتغاء مرضاة الله وإيثار مثوبة الآخرة على عرض الدنيا والترتبية على الأخلاق الصالحة للنساء كالعفّة والحياء ومحبّة الأولاد والتعلّق بالحياة المنزلية - كانت تحفظ هذه السنّة.

وكان الاشتغال بهذه الشؤون، والاعكتاف على إحياء العواطف الطاهرة المودعة في وجودهنّ، يشغلهنّ عن الورود في مجامع الرجال، واختلاطهنّ بهم في حدود ما أباح الله لهنّ، ويشهد بذلك بقاء هذه السنّة بين المسلمين على ساقها قروناً كثيرة بعد ذلك، حتى نفذ فيهنّ الاسترسال الغربي المُسمّى بحرّية النساء في المجتمع، فجرت إليهنّ وإليهم هلاك الأخلاق، وفساد الحياة وهم لا يشعرون، وسوف يعلمون، (ولو أنّ أهل القُرى آمنوا واتّقوا، لفتح الله عليهم بركات من السماء، وأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكن كذّبوا فأُخذوا).

وثانياً: إنّ في السنّة المفروضة في الإسلام منع النساء من القيام بأمر الجهاد والقضاء والولاية.

١٣١

وثالثاً: إنّ الإسلام لم يُهمل أمر هذه الحرمانات، كحرمان المرأة من فضيلة الجهاد في سبيل الله دون أن تداركها، وجبر كسرها بما يُعادلها عنده، بمزايا وفضائل فيها مفاخر حقيقية، كما أنّه جعل حسن التبعُّل - مثلاً - جهاداً للمرأة، وهذه الصنائع والمكارم أوشك أن لا يكون لها عندنا - وظرفنا هذا الظرف الحيوي الفاسد - قدر، لكنّ الظرف الإسلامي الذي يقوم الأمور بقيمها الحقيقية، ويتنافس فيه في الفضائل الإنسانية المرضية عند الله سبحانه، وهو يُقدِّرها حقّ قدرها، يُقدِّر لسلوك كل إنسان مسلكه الذي نُدب إليه، وللزومه الطريق الذي خُطّ له من القيمة، ما يتعادل فيه أنواع الخدمات الإنسانية، وتتوازن أعمالها فلا فضل في الإسلام للشهادة في معركة القتال والسماحة بدماء المُهج - على ما فيه من الفضل - على لزوم المرأة وظيفتها في الزوجية، وكذا لا فخار لوالٍ يُدير رحى المجتمع الحيوي، ولا لقاضٍ يتّكي على مسند القضاء، وهما منصّبان ليس للمتقِّلد بهما في الدنيا - لو عمل فيما عمل بالحق وجرى فيما جرى على الحق - إلاّ تحمُّل أثقال الولاية والقضاء، والتعرُّض لمهالك ومخاطر تُهدِّدهما حيناً بعد حين في حقوق مَن لا حامي له إلاَّ ربُّ العالمين. وإنّ ربّك لبالمرصاد - فأيّ فخر لهؤلاء على من منعه الدين الورود موردهما، وخطّ له خطّاً وأشار إليه بلزومه وسلوكه.

فهذه المفاخر، إنّما يُحييها ويُقيم صلبها بإيثار الناس لها، نوع المجتمع الذي يُربِّي أجزاءه على ما يندب إليه من غير تناقض، واختلاف الشؤون الاجتماعية والأعمال الإنسانية، بحسب اختلاف المجتمعات في أجوائها ممّا لا يسع أحداً إنكاره.

هو ذا الجندي الذي يُلقي بنفسه في أخطر المهالك، وهو الموت في منفجر القنابل المُبيدة؛ ابتغاء ما يراه كرامة ومزيداً، وهو زعمه أن سيُذكر اسمه في فهرس مَن فَدى بنفسه وطنه، ويفتخر بذلك على كل ذي فخر في عين

١٣٢

ما يعتقد بأنّ الموت فوت وبطلان، وليس إلاّ بُغية وهميّة، وكرامة خرافيّة، وكذلك ما تؤثِّره هذه الكواكب الظاهرة في سماء السينماءات ويُعظِّم قدرهنّ بذلك الناس، تعظيماً لا يكاد يناله رؤساء الحكومات السامية، وقد كان ما يعَتوِرْنه من الشغل وما يُعطينّ من أنفسهن للملأ دهراً طويلاً في المجتمعات الإنسانية، أعظم ما يسقط به قدر النساء، وأشنع ما يُعيَّرن به، فليس ذلك كلُّه إلاّ أنّ الظرف من ظروف الحياة يُعين ما يُعينه على أن يقع من سواد الناس موقع القبول ويُعظِّم الحقير، ويُهوِّن الخطير، فليس من المستبعد أن يُعظِّم الإسلام أموراً نستحقرها ونحن في هذه الظروف المضطربة، أو يُحقِّر أموراً نستعظمها ونتنافس فيها فلم يكن الظرف في صدر الإسلام إلاّ ظرف التقوى وإيثار الآخرة على الأُولى.

١٣٣

الزواج

١٣٤

١٣٥

- ١ -

النكاح من مقاصد الطبيعة

أصل التواصل بين الرجل والمرأة ممّا تُبيِّنه الطبيعة الإنسانية - بل الحيوانية - بأبلغ بيانها، والإسلام دين الفطرة، فهو مجوِّزه لا محالة.

وأمر الإيلاد والإفراخ - الذي هو بُغية الطبيعة وغرض الخلقة في هذا الاجتماع - هو السبب الوحيد والعامل الأصلي في تقليب هذا العمل في قالب الازدواج، وإخراجه من مطلق الاختلاط للسفاد والمقاربة إلى شكل النكاح والملازمة؛ ولهذا ترى أنّ الحيوان الذي يشترك في تربيته الوالدان معاً كالطيور، في حضانة بيضها وتغذية أفراخها وتربيتها، وكالحيوان الذي يحتاج - في الولادة والتربية - إلى وكر، تحتاج الإناث منه في بنائه وحفظه إلى معاونة الذكور، ويختار لهذا الشأن الازدواج، وهو نوع من الملازمة والاختصاص بين الزوجين الذكور والإناث منه، فيتواصلان عندئذ ويتشاركان في حفظ بيض الإناث وتدبيرها وإخراج الأفراخ منها، وهكذا إلى أخر مدّة تربية الأولاد، ثمّ

١٣٦

ينفصلان إن انفصلا، ثمّ يتجدّد الازدواج وهكذا، فعامل النكاح والازدواج هو الإيلاد وتربية الأولاد، وأمّا إطفاء نائرة الشهوة أو الاشتراك في الأعمال الحيوية، كالكسب وجمع المال، وتدبير الأكل والشرب، والأثاث وإدارة البيت، فأمور خارجة عن مستوى غرض الطبيعة والخلقة، وإنما هي أمور مقدّمية، أو فوائد مترتبة.

ومن هنا يظهر؛ أنّ الحرّية والاسترسال من الزوجين، بأن يتواصل كلٌّ من الزوجين مع غير زوجه أينما أراد ومهما أراد من غير امتناع، كالحيوان العُجم الذي ينزو الذكور منه على الإناث، أينما وجدها على ما يكاد يكون هو السنّة الجارية بين الملل المتمدّنة اليوم، وكذا الزنا، وخاصة زنا المُحصنة منها، وكذا تثبيت الازدواج الواقع وتحريم الطلاق والانفصال بين الزوجين، وترك الزوج واتّخاذ زوج آخر ما دامت الحياة تجمع بينهما، وكذا إلغاء التوالد وتربية الأولاد وبناء الازدواج على أساس الاشتراك في الحياة المنزلية، على ما هو المتداول اليوم بين الملل الراقية، ونظيره إرسال المواليد إلى المعاهد العامة المعدّة للرضاع والتربية، كل ذلك على خلاف سنّة الطبيعة، وقد جُهِّز الإنسان بما يُنافي هذه السنن الحديثة، على ما مرّت الإشارة إليه.

نعم، الحيوان الذي لا حاجة - في ولادته وتربيته - إلى أزيد من حمل الأُمّ إيّاه، وإرضاعها له وتربيته بمصاحبتها، فلا حاجة طبيعية فيه إلى الازدواج والمصاحبة والاختصاص، فهذا النوع من الحيوان له حرّية السفاد بمقدار ما لا يضرُّ بغرض الطبيعة من جهة حفظ النسل.

وإيّاك أن تتوهّم، أنّ الخروج عن سنّة الخلقة وما تستدعيه الطبيعة لا بأس به، بعد تدارك النواقص الطارئة بالفكر والرويّة، مع ما فيه من لذائذ الحياة

١٣٧

والتنعم؛ فإنّ ذلك من أعظم الخبط، فإنّ هذه البُنيات الطبيعية، التي منها البُنية الإنسانية مركّبات مؤلّفة من أجزاء كثيرة، تستوجب بوقوع كلٍّ في موقعه الخاص، على شرائطه المخصوصة به وضعاً، هو الملائم لغرض الطبيعة والخلقة، وهو المناسب لكمال النوع، كالمعاجين والمركّبات من الأدوية، التي تحتاج إلى أجزاء بأوصاف، ومقادير، وأوزان وشرائط خاصة لو خرج واحد منها عن هيئته الخاصة أدنى خروج وانحراف سقط الأثر.

فالإنسان - مثلاً - موجود طبيعي تكويني، ذو أجزاء مركّبة تركيباً خاصاً، يستتبع أوصافه داخلية وخواص روحية، تستعقب أفعالاً وأعمالاً، فإذا حوّل بعض أفعاله وأعماله من مكانته الطبيعية إلى غيرها؛ يستتبع ذلك انحرافاً وتغيُّراً في صفاته وخواصّه الروحية، وانحرف بذلك جميع الخواصّ والصفات عن مستوى الطبيعة، وصراط الخلقة، وبطل بذلك ارتباطه بكماله الطبيعي، والغاية التي يبتغيها بحسب الخلقة.

وإذا بحثنا في المصائب العامة، التي تستوعب اليوم الإنسانية، وتُحبِط أعمال الناس ومساعيهم لنيل الراحة والحياة السعيدة، وتهدّد الإنسانية بالسقوط والانهدام، وجدنا أنّ أقوى العوامل فيها بطلان فضيلة التقوى وتمكُّن الخرق والقسوة والشدّة والشره من نفوس المجتمعات البشرية، وأعظم أسبابه وعلله الحرّية والاسترسال والإهمال في نواميس الطبيعة في أمر الزوجية وتربية الأولاد، فإنّ سنّة المجتمع المنزلي (الأُسرة) وتربية الأولاد اليوم تُميت قرائح الرأفة والرحمة، والعفّة والحياء والتواضع من الإنسان، من أول حين يأخذ في التمييز إلى آخر ما يعيش.

وأمّا تدارك هذه النواقص بالكفر والرويّة، فهيهات ذلك، فإنّما الفكر - كسائر لوازم الحياة - وسيلة تكوينية اتّخذتها الطبيعة وسيلة لردّ ما خرج وانحرف عن صراط الطبيعة والتكوين إليه، لا لإبطال سعي الطبيعة والخلقة

١٣٨

وقتلها بنفس السيف الذي أعطته للإنسان لدفع الشرّ عنها، ولو استُعمل الفكر - الذي هو أحد وسائل الطبيعة - في تأييد ما أُفسد من شؤون الطبيعة، عادت هذه الوسيلة أيضاً فاسدة منحرفة كسائر الوسائل؛ ولذلك ترى أنّ الإنسان اليوم كلّما أصلح بقوّة فكره واحداً من المفاسد العامة التي تُهدِّد مجتمعه، أنتج ذلك ما هو أمرَّ وأدهى، وزاد البلاء والمصيبة شيوعاً وشمولاً.

نعم، ربّما قال القائل من هؤلاء: إنّ الصفات الروحية - التي تُسمّى الفضائل النفسانية - هي بقايا من عهد الأساطير والتوحُّش، لا تُلائم حياة الإنسان الراقي اليوم، كالعفّة والسخاء والحياء والرأفة والصدق، فإنّ العفّة تقييد لطبيعة النفس فيما تشتهيه من غير وجه، والسخاء إبطال لسعي الإنسان في جمعه المال، وما قاساه من المحن في طريق اكتسابه؛ على أنّه تعويد للمسكين بالبطالة في الاكتساب وبسط يده لذلِّ السؤال، والحياء لجام يلجم الإنسان عن مطالبة حقوقه وإظهار ما في ضميره، والرأفة تُضعف القلب، والصدق لا يُلائم الحياة اليومية. وهذا الكلام بعينه من مصاديق الانحراف الذي ذكرناه.

ولم يَدرِ هذا القائل، أنّ هذه الفضائل في المجتمع الإنساني من الواجبات الضرورية، التي لو ارتفعت من أصلها لم يعشْ المجتمع بعدها في حال الاجتماع ولا ساعة.

فلو ارتفعت هذه الخصال، وتعدّى كل فرد إلى ما لكلّ فرد، من مختصّات الحقوق والأموال والأعراض، ولم يسخُ أحد ببذل ما مسّت إليه حاجة المجتمع، ولم ينفعل أحد من مُخالفة ما يجب عليه رعايته من القوانين، ولم يرأف أحد بالعَجَزَة الذين لا ذنب لهم في عجزهم كالأطفال ومَن في تلوهم، وكذَّب كل أحد لكل أحد في جميع ما يُخبر به ويَعِده، وهكذا؛ تلاشى المجتمع الإنساني من حينه.

١٣٩

فينبغي لهذا القائل، أن يعلم أنّ هذه الخصال لا ترتحل ولن ترتحل عن الدنيا، وأنّ الطبيعة الإنسانية مستمسّكة بها حافظة لحياتها، ما دامت داعية للإنسان إلى الاجتماع، وإنّما الشأن كل الشأن في تنظيم هذه الصفات وتعديلها بحيث توافق غرض الطبيعة والخلقة في دعوتها الإنسان إلى سعادة الحياة، ولو كانت الخصال الدائرة في المجتمع المترقِّي اليوم فضائل للإنسانية، مُعدَّلة بما هو الحريِّ من التعديل لما أوردت المجتمع مورد الفساد والهلكة، ولأقرَّ الناس في مستقرِّ أمن وراحة وسعادة.

ولنعد إلى ما كنّا فيه من البحث، فنقول: الإسلام وضع أمر الازدواج فيما ذكرناه موضعه الطبيعي، فأحلّ النكاح وحرّم الزنا والسفاح، ووضع عُلقة الزوجية على أساس جواز المفارقة وهو الطلاق، ووضع هذه العُلقة على أساس الاختصاص في الجملة على ما سنشرحه، ووضع عقد هذا المجتمع على أساس التوالد والتربية، ومن الأحاديث النبوية المشهورة قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (تناكحوا تناسلوا) ... تكثروا (الحديث).

- ٢ -

استيلاء الذكور على الإناث:

ثمّ إنّ التأمُّل في سفاد الحيوانات، يُعطي أنّ للذكور منها شائبة الاستيلاء على الإناث في هذا الباب، فإنّا نرى أنّ الذكر منها كأنّه يرى نفسه مالكاً للبُضع مسلّطاً على الأُنثى؛ ولذلك ما ترى أنّ الفحولة منها تتنازع وتتشاجر على الإناث من غير عكس، فلا تثور الأنثى على مثلها إذا مال إليها الذكر بخلاف العكس، وكذا ما يجري بينها مجرى الخطبة في الإنسان إنّما يبدأ من ناحية الذكران دون الإناث، وليس إلاّ أنّها ترى بالغريزة بأنّ الذكور في هذا العمل كالفاعل المُستعلي والإناث كالقابل الخاضع، وهذا المعنى غير ما

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233