الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب الجزء ١

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 100398 / تحميل: 7041
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الإهداء

لم أجد أحداً أولى بإهداء كتابى هذا إليه من صاحبه حامل عب الولاية الكبرى أمير المؤمنين صلوات الله عليه يا صاحب الولاية؟ وسيّد الاُمَّة؟ وأبا الائمّة؟

يا أيُّها العَزيزُ مَسَّنَا وأَهلَنا اَلضُرُ وَجِئنَا بِبِضاعَة مزجاة فَاَوفِ لَنَا الكَيلَ وَتَصدَّق عَلَينا إنَّ اللهَ بجزي الـمُتَصَدّقينَ اُهديك كتابى هذا وهو: بضاعتى المزجاة وصحايف ولائى الخالص، فتفضل علىَّ بالقبول، وأحسن إلى إنَّ الله يُحبّ المحسنين

عبد الحسين احمد

الأمينى

١

بسم الله الرحمن الرحيم

ألحمد لوليّه، والصلوة على نبيّه، وآله الائمة، وأولياء الاُمَّة

هذا كتابنا يَنطِقُ عَلَيكُم بالحَقّ

حديث النبأ العظيم في (غدير خمّ) حديث الدعوة الآلهيّة، حديث الولاية الكبرى، حديث إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الربّ، على مانزل به كتاب الله المبين، وتواترت به السنَّة النبويّة، وتواصلت حلقات أسانيده منذ عهد الصحابة والتابعين إلى اليوم الحاضر، وما حوله من حقايق ناصعة تتعلّق بالمتن أولإسناد، وإرحاض ماهناك من جبلة وتركاض، حتى يتجلّى للقاري الحقّ الصراح بأجلى مظاهره.

وجلّ قصدنا من إرداف ذلك بتراجم شعراء الغدير وشعرهم فيه على ترتيب القرون الهجريّة إثبات شهرة الحديث وتواتره في كلّ جيل، وانَّه من أظهر ما تلو كه الأَشداق نظماً ونثراً، وتأتي هذه كلها في ستَّة عشر جزءاً.

وإنّا نعدّ ذلك كله خدمةً للدين، وإعلاءً لكلمة الحق، وإحياءً الاُمَّة الأسلامية، وإشادةً بالذكر العلويّ الخالد، وولاءً لصاحب الولاية، وأستمدُّ من المولى سبحانه أن يمدَّني بانجازما اُعدّه، وتحقيق ما أضمره، وله الحمد أوّلاً وآخراً.

الأمينى

٢

التاريخ الصحيح

لا يكون إنبعاث أيّة فِرقة من الفِرق إلى تدوين التاريخ، أقلّ من إنبعاث أخواتها إليه، فكلٌ يتحرّى منه غاية؛ ويرمي إلى غرض يخصّه، فإن كان المؤرّخ يريد به الحيطة بحوادث الدهر، والوقوف على أحوال الأجيال الغابرة، فالجغرافيّ يطلبه لتحقيق القسم السياسيّ به لاختلافه بتغلّبات الدول، وانعكاف أُمم على خطط معيّنة وانثيال أُمم عنها.

وإن إنبعث الخطيب إلى سبر غور التاريخ لما فيه من عِبَر وعِظات بالغة في تدهور الأحوال، وفناء الأجيال وهلاك ملوك، واستخلاف آخرين، وما انتاب أقواماً من جرّاء ما اجترحوه من السيَّئات، وما فاز به آخرون بما جاؤا به من صالح الأعمال؛ فالدينيّ يبتغيه لِلوقوف على ما وطّد به اُسس المعتقد؛ وعلّى عليها صروحه وعلاليه، وإفرازه عمّا كان حوله من لعب الأهواء وتركاض أهل المطامع.

وإذا كان الأخلاقيّ يقصد به التجاريب الصالحة في ملكات النفوس التي تحلّى بالصحيحة منها فِرقٌ من الناس فأفلحوا، وتردّى بالرديئة منها آخرون فخابوا، فيستنتج من ذلك دستوراً عامّاً للمجتمع ليعمل به متى راقه أن يأخذ حذراً عن سقوط الفرد أو ملاشاة الجامعة، فالسياسيّ يريد به الوقوف على مناهج الأُمم التي تقدَّم بها الغابرون، ومساقط الشهوات التي أسفّت بمعتنقيها إلى هُوّة البوار والضعة فغادرتهم كحديث أمس الدابر، ويريد به البصيرة فيما سلفت به التجاريب الصحيحة في المضائق والمآزق الحرجة، وافتراع عقبات كأداء، فيتّخذ من ذلك كله برنامجاً صالحاً لرقيّ أُمّته، وتقدّم بيئته.

والأديب يقتنص شوارد التاريخ؛ لأنّ ما يتحرّاه من تنسيق لفظه، وفخامة معناه، وما يجب أن يكون في شعره أو نثره من محسَّنات الأسلوب، ومقرّبات المغزى بإشارة أو إستعارة، منوطٌ بالإطلاع على أحوال الأُمم والوقوف على ما قصدوه من دقائق ورقائق.

وإذا عمَّمنا التاريخ على مثل علم الرجال والطبقات، فحاجة الفقيه إليه مسيسةٌ في تصحيح الأسانيد، وإتقان مدارك الفتاوى، وبه يظهر إفتقار المحدّث إليه في مزيد الوثوق برواياته، على أنّ لِفنَّ الحديث مواضيع متداخلة مع التاريخ كما يُروى من قصص الأنبياء وتحليل تعاليمهم، حيث يجب على المحدّث المحاكمة بين ما يتلقّاه! و

٣

ما يسرده التاريخ! أو التطبيق بينهما إن جاءا متَّفقين في بيان الحقيقة.

والمفسّر لا مُنتدح له من التوغّل في التاريخ عند ما يقف على آيات كريمة توعز إلى قصص الماضين وأحوالهم، لضربٍ من الحكمة، ونوعٍ من الِعظة، وعلى آيات أُخرى نزلت في شئون خاصّة، يفصِّلها التاريخ تفصيلا؛ والباحث إذا دقّق النظرة في أيّ علم يجد أنّ له مسيساً بالتاريخ لا يتمّ لصاحبه غايته المتوخّاة إلّا به.

فالتاريخ إذاً ضالَّة العالِم، وطلبة المتفنّن، وبغية الباحث، وأُمنيّة أهل الدين ومقصد الساسة؛ وغرض الأديب، والقول الفصل: إنه مأرب المجتمع البشريّ أجمع وهو التاريخ الصحيح الذي لم يُقصد به إلّا ضبط الحقايق على ما هي عليه؛ فلم تعبث به أغراض مستهدفة، ولم يعث فيه نزعات أهوائية ككثير مما أُلّف من زبر التاريخ التي روعي في جملة منها جلب مرضاة القادة والأمراء؛ أو تدعيم مبدأ، أو فكر مفكّر، أو أُريد به التحليق بأشخاص معلومين إلى أوج العظمة، والإسفاف بآخرين إلى هُوّة الضِعة، لمغاز هنالك تختلف باختلاف الظروف والأحوال؛ أو إختلط فيه الحابل بالنابل، بتوسّع المؤلفين لما حسبوه من أنّ الإحاطة بكل ما قيل توسّعٌ في العلم، وإحسانٌ في السمعة، ذهولاً منهم عن أنّ مقادير الرجال بالدراية لا بالرواية(١) فأدخلوا في التاريخ هفوات لا تحصى، غير شاعرين بأنّ رواة تلك السفاسف زبائنُ عصبة، وحناقٌ على عصبة؛ أو أنهم قصّاصون غير مكترثين من الإكثار في النقل الخرافي أو الإفتعال، إكباراً لِلسمعة، أو نزولاً على حُكم النهمة، فتلقَّتها عنهم السذَّج في العصور المتأخِّرة كحقايق راهنة، وتنبَّه لها المنقِّب فوجدها أحاديث خرافيَّة فرفضها؛ غير مبالٍ بالطعن على التاريخ، فلا شعر أولئك أنها وليدة تقاليد أو مطامع؛ ولا عرف هذا أنّ الآفة عن ورطات القالة، وسوء صنيع

_____________________

١ - في كتاب زيد الزراد عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يا بني أعرف منازل شيعة عليّ على قدر روايتهم ومعرفتهم فإن المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجة الإيمان، إني نظرت في كتاب لعلي (ع) فوجدت فيه: إن زنة كل امرئ وقدره معرفته، إن الله يحاسب العباد على قدر ما أتاهم من العقول. وفي غيبة النعماني ص ٧٠ في حديث عن الإمام الصادق (ع) خبر تدريه خير من عشر ترويه إن لكل حق حقيقة، ولكل صواب نوراً. وفي كشف الغمة للشعراني ج ١ ص ٤٠: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: كونوا للعلم وعاة، ولا تكونوا له رواة.

٤

الكتبة، لا في أصل الفن، ولو ذهبنا إلى ذكر الشواهد لهذه كلها لخرج الكتاب عن وضعه، هكذا خفيت الحقيقة بين مفرط ومفرّط، وذهبت ضحيَّة الميول والشهوات.

فواجب الباحث أن يسبر هذا الغور، متجرّداً عن النعرات الطائفيَّة، غير متحيَّز إلى فئة، متزحزحاً عن عوامل الحبّ والبغض، ونصب عينيه مقياسٌ من أصول مسلّمة، يقابل به صفحة التاريخ، فإن طالته أو قصرت عنه رفضها، وإن قابلته مقابلة المثل بالمثل إعتمد عليها، على تفصيل لا يسعه نطاق البحث هيهنا.

أهميّة الغدير في التاريخ

لا يستريب أيّ ذي مسكة في أنّ شرف الشيء بشرف غايته، فعليه إنّ أوّل ما تكسبه الغايات أهميّة كبرى من مواضيع التاريخ هو ما اُسّس عليه دين، أو جرت به نحلة، واعتلت عليه دعايم مذهب، فدانت به أُمم، وقامت به دُول، وجرى به ذكرٌ مع الأبد، ولذلك تجد أئمة التاريخ يتهالكون في ضبط مبادئ الأديان وتعاليمها، وتقييد ما يتبعها من دعايات، وحروب، وحكومات، وولايات التي عليها نسلت الحقب والأعوام، ومضت القرون الخالية( سُنَّةَ اللَّـهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا ) وإذا أهمل المؤرّخ شيئاً من ذلك فقد أوجد في صحيفته فراغاً لا تسدّه أيّة مهمّة، وجاء فيها بأمر خداج، بتر أوّله، ولا يعلم مبدءه، وعسى أن يوجب ذلك جهلاً للقارئ في مصير الأمر ومنتهاه.

إنّ واقعة (غدير خمّ) هي من أهمّ تلك القضايا، لما ابتنى عليها وعلى كثير من الحجج الدامغة، مذهب المقتصّين أثر آل الرسول صلوات الله عليه وعليهم، وهم معدودون بالملايين، وفيهم العلم والسؤدد، والحكماء، والعلماء، والأماثل، ونوابغ في علوم الأوايل والأواخر، والملوك، والساسة، والأُمراء، والقادة، والأدب الجمّ؛ والفضل الكثار؛ وكتب قيّمة في كل فنّ؛ فإن يكن المؤرّخ منهم فمن واجبه أن يفيض على أُمّته نبأ بدء دعوته، وإن يكن من غيرهم فلا يعدوه أن يذكرها بسيطة عندما يسرد تاريخ أُمّة كبيرة كهذه؛ أو يشفعها بما يرتئيه حول القضيّة من غميزة في الدلالة، إن كان مزيج نفسه النزول على حكم العاطفة؛ وما هنالك من نعرات طائفته، على حين أنه لا يتسنّى له

٥

غمزٌ في سندها، فإنّ ما ناء به نبيّ الاسلام يوم الغدير من الدعوة إلى مفاد حديثه لم يختلف فيه إثنان، وإن اختلفوا في مؤدّاه لأغراض وشوائب غير خافية على النابه البصير.

فذكرها من أئمة المؤرخين البلاذري المتوفى سنة ٢٧٩ في أنساب الأشراف، وإبن قتيبة المتوفى ٢٧٦ في المعارف؛ والإمامة والسياسة، والطبري المتوفى ٣١٠ في كتاب مفرد؛ وابن زولاق الليثي المصري المتوفى ٢٨٧ في تأليفه، والخطيب البغدادي المتوفى ٤٦٣ في تاريخه، وابن عبد البر المتوفى ٤٦٣ في الاستيعاب، والشهرستاني المتوفى ٥٤٨ في الملل والنحل، وابن عساكر المتوفى ٥٧١ في تاريخه، وياقوت الحموي في معجم الأدباء ج ١٨ ص ٨٤ من الطبعة الأخيرة، وابن الأثير المتوفى ٦٣٠ في أُسد الغابة، وابن أبي الحديد المتوفى ٦٥٦ في شرح نهج البلاغة، وابن خلكان المتوفى ٦٨١ في تاريخه واليافعي المتوفى ٧٦٨ في مرآة الجنان، وابن الشيخ البلوي في ألف باء، وابن كثير الشامي المتوفى ٧٧٤ في البداية والنهاية، وابن خلدون المتوفى ٨٠٨ في مقدّمة تاريخه، وشمس الدين الذهبي في تذكرة الحفّاظ، والنويري المتوفى حدود ٨٣٣ في نهاية الإرب في فنون الأدب، وابن حجر العسقلاني المتوفى ٨٥٢ في الإصابة وتهذيب التهذيب، وابن الصباغ المالكي المتوفى ٨٥٥ في الفصول المهمّة، والمقريزي المتوفى ٨٤٥ في الخطط، وجلال الدين السيوطي المتوفى ٩١٠ في غير واحد من كتبه، والقرماني الدمشقي المتوفى ١٠١٩ في أخبار الدول، ونور الدين الحلبي المتوفى ١٠٤٤ في السيرة الحلبية، وغيرهم.

وهذا الشأن في علم التاريخ لا يقلّ عنه الشأن في فنّ الحديث، فإنّ المحدِّث إلى أيّ شطر ولّى وجهه من فضاء فنّه الواسع، يجد عنده صحاحاً ومسانيد تثبت هذه المأثرة لوليّ أمر الدين عليه السلام، ولم يزل الخلف يتلقّاه من سلفه حتى ينتهي الدور إلى جيل الصحابة الوعاة للخبر، ويجد لها مع تعاقب الطبقات بلجاً ونوراً يذهب بالأبصار، فإن أغفل المحدّث عمّا هذا شأنه، فقد بخس للأُمّة حقاً، وحرمها عن الكثير الطيّب ممّا أسدى إليها نبيّها نبيّ الرحمة من برّه الواسع؛ وهدايته لها إلى الطريقة المثلى.

فذكرها من أئمة الحديث: إمام الشافعية أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة ٢٠٤ كما في نهاية ابن الأثير، وإمام الحنابلة أحمد بن حنبل المتوفى ٢٤١ في مسنده

٦

ومناقبه، وابن ماجة المتوفى ٢٧٣ في سننه، والترمذي المتوفى ٢٧٦ في صحيحه، والنسائي المتوفى ٣٠٣ في الخصايص، وأبو يعلى الموصلي المتوفى ٣٠٧ في مسنده، والبغوي المتوفى ٣١٧ في السنن، والدولابي المتوفى ٣٢٠ في الكنى والأسماء، والطحاوي المتوفى ٣٢١ في مشكل الآثار، والحاكم المتوفى ٤٠٥ في المستدرك، وابن المغازلي الشافعي المتوفى ٤٨٣ في المناقب، وابن مندة الاصبهاني المتوفى ٥١٢ بعدّة طرق في تأليفه، والخطيب الخوارزمي المتوفى ٥٦٨ في المناقب ومقتل الإمام السبط عليه السلام، والكنجي المتوفى ٦٥٨ في كفاية الطالب، ومحب الدين الطبري المتوفى ٦٩٤ في الرياض النضرة، وذخاير العقبى، والحمويني المتوفى ٧٢٢ في فرايد السمطين، والهيثمي المتوفى ٨٠٧ في مجمع الزوايد، والذهبي المتوفى ٧٤٨ في التلخيص، والجزري المتوفى ٨٣٠ في أسنى المطالب، وأبو العباس القسطلاني المتوفى ٩٢٣ في المواهب اللدنية، والمتقي الهندي المتوفى ٩٧٥ في كنز العمال، والهروي القاري المتوفى ١٠١٤ في المرقاة في شرح المشكاة، وتاج الدين المناوي المتوفى ١٠٣١ في كنوز الحقايق في حديث خير الخلايق. وفيض القدير، والشيخاني القادري في الصراط السويّ في مناقب آل النبيّ، وباكثير المكّي المتوفى ١٠٤٧ في وسيلة الآمال في مناقب الآل، وأبو عبد الله الزرقاني المالكي المتوفى ١١٢٢ في شرح المواهب، وابن حمزة الدمشقي الحنفي في كتاب البيان والتعريف، وغيرهم.

كما أنّ المفسّر نصب عينيه آيٌ(١) من القرآن الكريم نازلةٌ في هذه المسألة يرى من واجبه الإفاضة بما جاء في نزولها وتفسيرها، ولا يرضى لنفسه أن يكون عمله مبتوراً، وسعيه مخدجاً، فذكرها من أئمة التفسير الطبري المتوفى ٣١٠ في تفسيره، والثعلبي المتوفى ٤٢٧ / ٤٣٧ في تفسيره، والواحدي المتوفى ٤٦٨ في أسباب النزول، والقرطبي المتوفى ٥٦٧ في تفسيره، وأبو السعود في تفسيره، والفخر الرازي المتوفى ٦٠٦ في تفسيره الكبير، وابن كثير الشامي المتوفى ٧٧٤ في تفسيره، والنيشابوري المتوفى

_____________________

١ - كقوله تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَ‌ضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) . في سورة المائدة وقوله فيها:(يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّ‌بِّكَ) . وقوله في المعارج:(سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) .

٧

في القرن الثامن في تفسيره، وجلال الدين السيوطي في تفسيره، والخطيب الشربيني في تفسيره، والآلوسي البغدادي المتوفى ١٢٧٠ في تفسيره، وغيرهم.

والمتكلّم حين يقيم البراهين في كلّ مسألة من مسائل علم الكلام، إذا انتهى به السير إلى مسألة الإمامة فلا مُنتدح له من التعرّض لحديث الغدير حجّةً على المدّعي أو نقلاً لحجّة الخصم، وإن أردفه بالمناقشة في الحساب عند الدلالة، كالقاضي أبي بكر الباقلاني البصري المتوفى سنة ٤٠٣ في التمهيد، والقاضي عبد الرحمن الإيجي الشافعي المتوفى ٧٥٦ في المواقف، والسيد الشريف الجرجاني المتوفى ٨١٦ في شرح المواقف؛ والبيضاوي المتوفى ٦٨٥ في طوالع الأنوار، وشمس الدين الاصفهاني في مطالع الأنظار؛ والتفتازاني المتوفى ٧٩٢ في شرح المقاصد، والقوشجي المولى علاء الدين المتوفى ٨٧٩ في شرح التجريد. وهذا لفظهم.

إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قد جمع الناس يوم غدير خمّ موضع بين مكة والمدينة بالجحفة وذلك بعد رجوعه من حجّة الوداع، وكان يوماً صائفاً حتى أنّ الرجل ليضع رداءه تحت قدميه من شدّة الحرّ، وجمع الرجال، وصعد عليها، وقال مخاطباً: معاشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: أللّهم بلى، قال: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، أللّهم وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله(١) .

ومن المتكلّمين القاضي النجم محمد الشافعي المتوفى ٨٧٦ في بديع المعاني، وجلال الدين السيوطي في أربعينه، ومفتي الشام حامد بن علي العمادي في الصلاة الفاخرة بالأحاديث المتواترة، والآلوسي البغدادي المتوفى ١٣٢٤ في نثر اللئالي، وغيرهم.

واللغويّ لا يجد مُنتدحاً من الايعاز إلى حديث الغدير عند إفاضة القول في معنى المولى أو الخمّ. أو الغدير. أو الوليّ. كابن دريد محمد بن الحسن المتوفى ٣٢١ في جمهرته ج ١ ص ٧١(٢) وابن الأثير في النهاية، والحموي في معجم البلدان في خمّ، والزبيدي الحنفي في تاج العروس، والنبهاني في المجموعة النبهانية.

_____________________

١ - ذكرنا لفظهم لكونه غير مسند بل ذكروه إرسال المسلم.

٢ - قال: غدير خم معروف وهو الموضع الذي قام فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كذا في المطبوع من الجمهرة، وقد حكى عنه ابن شهر آشوب وغيره في العصور المتقادمة من النسخ المخطوطة من الجمهرة ما نصه: هو الموضوع الذي نص النبي عليه السلام فيه على عليّ (ع) اهـ وقد حرفته يد الطبع الأمينة

٨

واقعة الغدير

أجمع رسول الله صلى الله عليه وآله الخروج إلى الحج في سنة عشر من مهاجره، وأذّن في الناس بذلك، فقدم المدينة خلق كثير يأتمّون به في حجّته تلك التي يُقال عليها حجّة الوداع. وحجَّة الاسلام. وحجَّة البلاغ. وحجَّة الكمال. وحجَّة التمام(١) ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلى أن توفاه الله، فخرج صلى الله عليه وآله من المدينة مُغتسلاً مُتدهِّناً مُترجِّلاً مُتجرِّداً في ثوبين صحاريين إزار ورداء، وذلك يوم السبت لخمس ليال أو ست بقين من ذي القعدة، وأخرج معه نساءه كلهن في الهوادج، وسار معه أهل بيته، وعامّة - المهاجرين والأنصار، ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء الناس(٢) .

وعند خروجه صلى الله عليه وآله أصاب الناس بالمدينة جدري (بضم الجيم وفتح الدال وبفتحهما) أو حصبة منعت كثيراً من الناس من الحج معه صلى الله عليه وآله، ومع ذلك كان معه جموعٌ لا يعلمها إلّا الله تعالى، وقد يقال: خرج معه تسعون ألف، ويقال: مائة ألف وأربعة عشر ألفاً، وقيل: مائة ألف وعشرون ألفاً، وقيل: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، ويقال أكثر من ذلك، وهذه عدّة من خرج معه، وأما الذين حجّوا معه فأكثر من ذلك كالمقيمين بمكة والذين أتوا من اليمن مع عليّ (أمير المؤمنين) وأبي موسى(٣) .

أصبح صلى الله عليه وآله يوم الأحد بيلملم، ثم ارح فتعشّى بشرف السيالة، وصلّى هناك المغرب والعشاء، ثم صلّى الصبح بعرق الظبية، ثم نزل الروحاء، ثم سار من الروحاء فصلّى العصر بالمنصرف، وصلّى المغرب والعشاء بالمتعشّى وتعشّى به، وصلّى الصبح بالأثابة، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج واحتجم بلحى جمل «وهو عقبة الجحفة» ونزل السقياء يوم الأربعاء، وأصبح بالأبواء، وصلّى هناك ثم راح من الأبواء ونزل يوم الجمعة الجحفة، ومنها إلى قديد وسبت فيه، وكان يوم الأحد بعسفان، ثم سار فلمّا كان بالغميم اعترض المشاة فصفّوا

_____________________

١ - الذي نظنه «وظن الألمعي يقين» إن الوجه في تسمية حجة الوداع بالبلاغ هو نزول قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّ‌بِّكَ) ، الآية كما إن الوجه في تسميتها بالتمام والكمال هو نزول قوله سبحانه:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) ، الآية.

٢ - الطبقات لابن سعد ج ٣ ص ٢٢٥، إمتاع المقريزي ص ٥١٠، إرشاد الساري ج ٦ ص ٤٢٩.

٣ - السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٨٣، سيرة أحمد زيني دحلان ج ٣ ص ٣، تاريخ الخلفاء لابن الجوزي في الجزء الرابع، تذكرة خواص الأمة ص ١٨، دائرة المعارف لفريد وجدي ج ٣ ص ٥٤٢.

٩

صفوفاً فشكوا إليه المشي، فقال: استعينوا باليسلان «مشيٌ سريعٌ دون العدو» ففعلوا فوجدوا لذلك راحة، وكان يوم الإثنين بمرّ الظهران فلم يبرح حتى أمسى وغربت له الشمس بسرف فلم يصلّ المغرب حتى دخل مكة، ولـمّا انتهى إلى الثنيَّتين بات بينهما فدخل مكة نهار الثلاثاء(١) .

فلمّا قضى مناسكه وانصرف راجعاً إلى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات ووصل إلى غدير خمّ من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيِّين والمصريِّين والعراقيِّين، وذلك يوم الخميس(٢) الثامن عشر من ذي الحجة نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله:( يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّ‌بِّكَ ) الآية. وأمره أن يقيم عليّاً علماً للناس ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهن أحد حتى إذا أخذ القوم منازلهم فقمّ ما تحتهنّ حتى إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهنّ فصلّى بالناس تحتهنّ، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض رداءه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء، وظلّل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلمّا انصرف صلى الله عليه وآله من صلاته قام خطيباً وسط القوم(٣) على أقتاب الإبل(٤) وأسمع الجميع، رافعاً عقيرته فقال:

الحمد لِله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكّل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضلّ، ولا مضلّ لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله - أما بعد -: أيها الناس قد نبَّأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبيٌّ إلّا مثل نصف عمر الذي قبله، وإني أوشك أن أُدعى فأجبت، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً، قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنّ جنته حقّ وناره حقّ وأنَّ الموت حقّ وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها

_____________________

١ - الإمتاع للمقريزي ص ٥١٣ - ٥١٧.

٢ - هو المنصوص عليه في لفظ البراء بن عازب وبعض آخر من رواة حديث الغدير وسيوافيك كلامنا فيه ص ٤١.

٣ - جاء في لفظ الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٥٦ وغيره.

٤ - ثمار القلوب ص ٥١١ ومصادر أخر كما مرت ص ٨.

١٠

وأنَّ الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: أللّهم اشهد، ثمّ قال: أيها الناس ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون عليّ الحوض، وإنَّ عرضه ما بين صنعاء وبصرى(١) فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلِّفوني في الثقلين(٢) فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرفٌ بيد الله عز وجل وطرفٌ بأيديكم فتمسّكوا به لا تضلّوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يتفرِّقا حتى يراد عليّ الحوض فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ثم أخذ بيد عليّ فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيّها الناس مَن أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، يقولها ثلث مرات، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ثم قال: أللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغايب، ثم لم يتفرّقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الربّ برسالتي، والولاية لعليّ من بعدي، ثم طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه وممن هّنأه في مقدّم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر كلٌّ يقول: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وقال ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم، فقال حسان: إئذن لي يا رسول الله أن أقول في عليّ أبياتاً تسمعهن، فقال: قل على بركة الله، فقام حسان فقال: يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية ثم قال:

يناديهمُ يوم الغدير نبيّهم

بخمّ فاسمع بالرسول مناديا(٣)

هذا مجمل القول في واقعة الغدير وسيوافيك تفصيل ألفاظها، وقد أصفقت الأُمّة على هذا وليست في العالم كله وعلى مستوى البسيط واقعةٌ إسلاميةٌ غديريةٌ غيره، ولو أُطلق يومه فلا

_____________________

١ - صنعاء: عاصمة اليمن اليوم. وبصرى: قصبة كورة حوران من أعمال دمشق.

٢ - الثقل، بفتح المثلثة والمثناة: كل شيء خطير نفيس.

٣ - إلى آخر الأبيات الآتية في ترجمة حسان في شعراء القرن الأول في الجزء الثاني.

١١

ينصرف إلّا إليه، وإن قيل محلّه فهو هذا المحلّ المعروف على أمم من الجحفة، ولم يعرف أحد من البحَّاثة والمنقّبين سواه، نعم: شذّ عنهم (الدكتور ملحم إبراهيم الأسود) في تعليقه على ديوان أبي تمام فإنّه قال: هي واقعة حرب معروفة. ولنا حول ذلك بحثٌ ضاف تجده في ترجمة أبي تمام من الجزء الثاني إنشاء الله.

العناية بحديث الغدير

كان للمولى سبحانه مزيد عناية بإشهار هذا الحديث، لتتداوله الألسن وتلوكه أشداق الرواة، حتى يكون حجَّة قائمة لحامية دينه الإمام المقتدى صلوات الله عليه، ولذلك أنجز الأمر بالتبليغ في حين مزدحم الجماهير عند منصرف نبيِّه صلى الله عليه وآله من الحج الأكبر، فنهض بالدعوة وكراديس الناس وزرافاتهم من مختلف الديار محتفَّةٌ به، فردّ المتقدّم، وجعجع بالمتأخّر، وأسمع الجميع(١) وأمر بتبليغ الشاهد الغايب ليكونوا كلهم رواة هذا الحديث، وهم يربون على مائة ألف ولم يكتف سبحانه بذلك كله حتى أنزل في أمره الآيات الكريمة تُتلامع مرّ الجديدين بكرةً وعشيّاً، ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين، وليعرفوا رُشدهم، والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم.

ولم يزل مثل هذه العناية لنبينا الأعظم صلى الله عليه وآله حيث استنفر أُمم الناس للحج في سنته تلك، فالتحقوا به ثباً ثباً، وكراديس كراديس، وهو صلى الله عليه وآله يعلم أنه سوف يبلّغهم في منتهى سفره نبأً عظيماً، يقام به صرح الدين، ويشاد علاليه، وتسود به أمّته الأُمم، ويدبّ ملكها بين المشرق والمغرب، لو عقلت صالحها، وأبصرت طريق رشدها(٢) ولكن...

_____________________

١ - روى النسائي في إحدى طرق حديث الغدير عن زيد بن أرقم في الخصايص ص ٢١ وفيه: قال أبو الطفيل: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: وإنه ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه. وصححه الذهبي كما في تاريخ ابن كثير الشامي ج ٥ ص ٢٠٨، وفي مناقب الخوارزمي في أحد أحاديث الغدير ص ٩٤: ينادي رسول الله بأعلى صوته، وقال ابن الجوزي في المناقب: كان معه صلى الله عليه وآله من الصحابة ومن الأعراب وممن يسكن حول مكة والمدينة مائة وعشرون ألفا وهم الذين شهدوا معه حجة الوداع وسمعوا منه هذه المقالة.

٢ - أخرج أحمد في مسنده ١ ص ١٠٩ عن زيد بن يثيع عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث: وأن تؤمروا عليا رضي الله عنه ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديّا يأخذ بكم الطريق المستقيم. وروى الخطيب البغدادي في تاريخه ج ١ ص ٤٧ بإسناده عن حذيفة في حديث حرف صدره وزيد عليه عن النبي صلى الله عليه وآله: وإن وليتموها (الخلافة) عليّا وجدتموه هاديا مهديا يسلك بكم على الطريق المستقيم =

١٢

ولهذه الغاية بعينها لم يبرح أئمة الدين سلام الله عليهم يهتفون بهذه الواقعة، ويحتجّون بها لإمامة سلفهم الطاهر، كما لم يفتأ أمير المؤمنين صلوات الله عليه بنفسه يحتجّ بها طيلة حياته الكريمة، ويستنشد السامعين لها من الصحابة الحضور في حجّة الوداع في المنتديات ومجتمعات لفائف الناس، كل ذلك لتبقى غضَّةً طريَّةً، بالرغم من تعاور الحقب والأعوام ولذلك أمروا شيعتهم بالتعيّد في يوم الغدير والاجتماع وتبادل التهاني والبشائر، إعادةً لجدَّة هاتيك الواقعة العظيمة، كما ستمرّ عليك تفاصيل هذه الجمل في هذا الكتاب إنشاء الله تعالى، فإلى الملتقى.

وللإمامية مجتمعٌ باهرٌ يوم الغدير عند المرقد العلويّ الأقدس، يضمّ إليه رجالات القبائل ووجوه البلاد من الدانين والقاصين، إشادةً بهذا الذكر الكريم، ويروون عن أئمة دينهم ألفاظ زيارة مطنبة فيها تعداد أعلام الإمامة، وحجج الخلافة الدامغة من كتاب وسنَّة، وتبسّط في رواية حديث الغدير، فترى كل فرد من أفراد تلكم الآلاف المألّفة يلهج بها، رافعاً عقيرته، مبتهجاً بما اختصه الله من منحة الولاية والهداية إلى صراطه المستقيم، ويرى نفسه راوياً لتلك الفضيلة؛ مثبتا لها؛ يدين الله بمفادها؛ ومن لم يتح له الحظوة بالمثول في ذلك المشعر المقدّس

_____________________

= وفي رواية أبي داود: إن تستخلفوه (عليا) ولن تفعلوا ذلك يسلك بكم الطريق وتجدوه هاديا مهديا. وفي حديث أبي نعيم في الحلية ج ١ ص ٦٤ عن حذيفة قال: قالوا: يا رسول الله ألا تستخلف عليا؟ قال: إن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم وفي لفظ آخر: وإن تؤمروا عليا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم، وفي كنز العمال ج ٦ ص ١٦٠ عن فضايل الصحابة لأبي نعيم، وفي حليته ج ١ ص ٦٤ إن تستخلفوا عليا وما أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة البيضاء، وأخرجه الحافظ الكنجي الشافعي في الكفاية ص ٦٧ بهذا للفظ وبلفظ أبي نعيم الأول، وفي الكنز ج ٦ ص ١٦٠ عن الطبراني وفي المستدرك للحاكم إن وليتموها عليا فهاد مهدي يقيمكم على طريق مستقيم، وروى الخطيب الخوارزمي في المناقب ص ٦٨ مسندا عن عبد الله بن مسعود قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أصحر فتنفس الصعداء، فقلت: يا رسول الله مالك تتنفس؟ قال: يا بن مسعود نعيت إلي نفسي، فقلت: يا رسول الله استخلف، قال: من؟ قلت: أبا بكر فسكت، ثم تنفس، فقلت؟ مالي أراك تتنفس؟ قال: نعيت إلي نفسي. فقلت: استخلف يا رسول الله، قال: من؟ قلت: عمر بن الخطاب. فسكت، ثم تنفس قال فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال نعيت إلي نفسي، فقلت: يا رسول استخلف قال: من؟ قلت: علي بن أبي طالب قال: أوه ولن تفعلوا إذا أبدا، والله لئن فعلتموه ليدخلنكم الجنة، ورواه ابن كثير في البداية ج ٧ ص ٣٦٠ عن الحاكم أبي عبد الله النيسابوري عن أبي عبد الله محمد بن علي الآدمي عن إسحاق الصنعاني عن عبد الرزاق عن أبيه عن ابن ميناء عن عبد الله بن مسعود.

١٣

فإنّه يتلوها في نائية البلاد؛ ويومي إليه من مستقرّه؛ وليوم الغدير وظائف من صوم وصلاة ودعاء فيها هتافٌ بذكره؛ تقوم بها الشيعة في أمصارها؛ وحواضرها؛ وأوساطها؛ والقرى؛ والرساتيق فهناك تجد ما يُعَدّون بالملايين؛ أو يُقدّرون بثلث المسلمين أو نصفهم رواتاً للحديث؛ مخبتين إليه معتنقين له ديناً ونحلة.

وأمّا كتب الإماميّة في الحديث والتفسير والتاريخ وعلم الكلام فضع يدك على أيّ منها تجده مفعماً بإثبات قصَّة الغدير والاحتجاج بمؤدّاها؛ فمن مسانيد عنعنتها الرواة إلى منبثق أنوار النبوّة؛ ومراسيل أرسلها المؤلِّفون إرسال المسلّم؛ حذفوا أسانيدها لتسالم فرق المسلمين عليها.

ولا أحسب أنّ أهل السنَّة يتأخَّرون بكثير من الإمامية في إثبات هذا الحديث؛ والبخوع لصحته؛ والركون إليه؛ والتصحيح له؛ والاذعان بتواتره، أللهمّ إلّا شذّاذ تنكّبت عن الطريقة؛ وحدت بهم العصبيَّة العمياء إلى رمي القول على عواهنه، وهؤلاء لا يُمثِّلون من جامعة العلماء إلا أنفسهم، فإنّ المثبتين المحققين للشأن المتولِّعين في الفن لا تخالجهم أيّة شبهة في اعتبار أسانيدهم التي أنهوها متعاضدةً متظافرةً بل متواترة(١) إلى جماهير من الصحابة والتابعين، وإليك أسماء جملة وقفنا على الطرق المنتهية إليهم على حروف الهجاء:

رواة حديث الغدير من الصحابة

(حرف الألف)

١ - أبو هريرة الدوسي المتوفى ٥٧/٥٨/٥٩، وهو ابن ثمان وسبعين عاماً * يوجد حديثه مسنداً في تاريخ الخطيب البغدادي ج ٨ ص ٢٩٠ بطريقين عن مطر الوراق عن شهر بن حوشب عنه بلفظه الآتي، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال لأبي الحجاج المزّي، وتهذيب التهذيب ج ٧ ص ٣٢٧، ومناقب الخوارزمي ص ١٣٠ وعدّه في كتابه مقتل الإمام

_____________________

١ - رواه أحمد بن حنبل من أربعين طريقاً؛ وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقاً؛ والجزري المقري من ثمانين طريقاً؛ وابن عقدة من مائة وخمس طرق؛ وأبو سعيد السجستاني من مائة وعشرين طريقاً؛ وأبو بكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقاً؛ وفي تعليق هداية العقول ص ٣٠ عن الأمير محمد اليمني (أحد شعراء الغدير في القرن الثاني عشر): إن له مائة وخمسين طريقاً.

١٤

السبط الشهيد سلام الله عليه ممن روى حديث الغدير من الصحابة، والجزري في أسنى المطالب ص ٣، والدر المنثور للسيوطي ج ٢ ص ٢٥٩ عن ابن مردويه والخطيب وابن عساكر بطرقهم عنه، وتاريخ الخلفاء ص ١١٤ نقلاً عن أبي يعلى الموصلي بطريقه عنه، وفرائد السمطين للحمويني بإسناده عن شهر بن حوشب عنه، وكنز العمال للمتقي الهندي ج ٦ ص ١٥٤ بطريق ابن أبي شيبة عنه وعن اثنى عشر من الصحابة وج ٦ ص ٤٠٣ عن عميرة بن سعد عنه، والاستيعاب لابن عبد البرّ ج ٢ ص ٤٧٣، والبداية والنهاية لابن كثير الدمشقي ج ٥ ص ٢١٤ نقلاً عن الحافظين أبي يعلى وابن جرير بإسنادهما عن إدريس وداود عن أبيهما يزيد عنه، وعن شهر بن حوشب عنه، وعن عميرة بن سعد عنه، وحديث الولاية لابن عقدة(١) ونخب المناقب لأبي بكر الجعابي(٢) ، ونزل الأبرار ص ٢٠ من طرق أبي يعلى الموصلي وابن أبي شيبة عنه.

٢ - أبو ليلى الأنصاري يقال: إنه قتل بصفين سنة ٣٧ * يوجد لفظه مسنداً في مناقب الخوارزمي ص ٣٥ بالإسناد عن ثوير بن أبي فاختة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن والده قال قال أبي: دفع النبيّ صلى الله عليه وآله الراية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالب ففتح الله تعالى على يده، وأوقفه يوم غدير خمّ فأعلم الناس أنه مولى كل مؤمن ومؤمنة، وروى عنه حديث الغدير ابن عقدة بإسناده في حديث الولاية، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص ١١٤، والسمهودي في جواهر العقدين.

٣ - أبو زينب بن عوف الأنصاري * يوجد لفظه في أُسد الغابة ج ٣ ص ٣٠٧ وج ٥ ص ٢٠٥، والإصابة ج ٣ ص ٤٠٨ عن الأصبغ بن نباتة، وج ٤ ص ٨٠ عن حديث الولاية لابن عقدة من طريق علي بن الحسن العبدي عن سعد الاسكاف عن الأصبغ، وذكر حديث مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام بحديث الغدير يوم الرحبة وفي المستنشدين أبو زينب المذكور، وستقف على لفظ الحديث إنشاء الله.

٤ - أبو فضالة الأنصاري من أهل بدر قتل بصفين مع علي (ع) * ممن شهد لعليّ عليه السلام بحديث الغدير يوم الرحبة في رواية أصبغ بن نباتة المرويّة في أُسد الغابة ج ٣ ص ٣٠٧ وج٥

_____________________

١ - أخذنا طرق ابن عقدة في كتابه حديث الولاية من أسد الغابة والإصابة وطرايف السيد الأكبر السيد ابن طاوس وغيرهم.

٢ - طرق الجعابي حكاها العلامة السروي في المناقب ج ١ ص ٥٢٩ عن الصاحب ابن عباد عن الجعابي ونقل طرقه عن كتابه (نخب المناقب) العلامة أبو الحسن الشريف في ضياء العالمين فنحن نأخذها عنهما.

١٥

ص ٢٠٥ عن حديث الولاية، وعدّه القاضي في تاريخ آل محمد ص ٦٧ من رواة حديث الغدير.

٥ - أبو قدامة الأنصاري(١) أحد المستنشدين يوم الرحبة كما في أُسد الغابة ج ٥ ص ٢٧٦ عن ابن عقدة بإسناده عن محمد بن كثير عن فطر وابن الجارود عن أبي الطفيل عنه لـمّا شهد لعلي (ع) يوم الرحبة، وفي حديث الولاية لابن عقدة، وجواهر العقدين للسمهودي، والإصابة في ج ٤ ص ١٥٩ عن ابن عقدة في حديث الولاية من طريق محمد بن كثير عن فطر عن أبي الطفيل قال: كنّا عند عليّ (ع) فقال: اُنشد الله من شهد يوم غدير خمّ، الحديث كما يأتي وفيه: ممن شهد لعليّ (ع) به أبو قدامة الأنصاري.

٦ - أبو عمرة بن عمرو بن محصن الأنصاري * روى ابن الأثير في أُسد الغابة ج ٣ ص ٣٠٧ حديث المناشدة وشهادته لعلي عليه السلام في الكوفة بحدث الغدير، ورواه ابن عقدة في حديث الولاية.

٧ - أبو الهيثم بن التيهان قتل بصفين سنة ٣٧ * يوجد حديثه في حديث الولاية لابن عقدة، ونخب المناقب للجعابي، وفي مقتل(٢) الخوارزمي عدّه ممن روى حديث الغدير من الصحابة وفي جواهر العقدين للسمهودي عن فطر وأبي الجارود عن أبي الطفيل عنه شهادته لعلي عليه السلام بحديث الغدير يوم المناشدة، وفي تاريخ آل محمد ص ٦٧ عدّه من رواة حديث الغدير.

٨ - أبو رافع القبطي(٣) مولى رسول الله صلى الله عليه وآله * روى حديثه ابن عقدة في حديث الولاية، وأبو بكر الجعابي في نخبه، وعدّه الخوارزمي في مقتله ممن روى حديث الغدير من الصحابة.

٩ - أبو ذويب خويلد (أو خالد) بن خالد بن محرث الهذلي الشاعر الجاهلي الاسلامي المتوفّى في خلافة عثمان * روى الحديث عنه ابن عقدة في حديث الولاية، والخطيب الخوارزمي في الفصل الرابع من مقتل الإمام السبط سلام الله عليه.

١٠ - أبو بكر بن أبي قحافة التيمي المتوفّى ١٣ * روى عنه حديث الغدير ابن عقدة

_____________________

١ - قال ابن حجر في الإصابة ج ٤ ص ١٥٩: لعله هو أبو قدامة بن سهيل بن الحارث بن جعدبة بن ثعلبة ابن سالم بن مالك بن واقف وهو سالم.

٢ - نسخته موجودة عندنا.

٣ - اختلف في اسمه بين إبراهيم وأسلم وهرمز وثابت وسنان ويسار وقرمان وعبد الرحمن ويزيد

١٦

بإسناده في حديث الولاية، وأبو بكر الجعابي في النخب، والمنصور الرازي في كتابه في حديث الغدير، وعدّه شمس الدين الجزري الشافعي في أسنى المطالب ص ٣ ممن روى حديث الغدير من الصحابة.

١١ - أُسامة بن زيد بن حارثة الكلبي المتوفّى ٥٤ وهو ابن ٧٥ عاماً * يوجد حديثه في حديث الولاية، ونخب المناقب.

١٢ - أُبيّ بن كعب الأنصاري الخزرجي سيّد القرّآء المتوفّى ٣٠/٣٢ وقيل غير ذلك * روى عنه الحديث أبو بكر الجعابي بإسناده في نخب المناقب.

١٣ - أسعد بن زرارة الأنصاري * روى ابن عقدة في حديث الولاية عن محمد بن الفضل ابن إبراهيم الأشعري عن أبيه عن المثنّى بن القاسم الحضرمي عن هلال بن أيوب الصيرفي عن أبي كثير الأنصاري عن عبد الله بن أسعد بن زرارة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله حديث الغدير(١) وأبو بكر الجعابي في النخب، وأبو سعيد مسعود السجستاني في كتاب الولاية(٢) عن أبي الحسن أحمد بن محمد البزاز الصيني إملاءً في صفر سنة ٣٩٤ قال: حدّثني أبو العباس أحمد بن سعيد الكوفي الحافظ سنة ٣٣٠، وأخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن علي الشروطي قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عمر بن بهتة، وأبو عبد الله الحسين بن هرون بن محمد القاضي الصيني، وأبو محمد عبد الله بن محمد الأكفاني القاضي، قالوا: أخبرنا أحمد بن محمد ابن سعيد قال: حدّثنا محمد بن الفضل بن إبراهيم الأشعري إلى آخر السند المذكور لابن عقدة، وعدّه شمس الدين الجزري في أسنى المطالب ص ٤ ممن روى حديث الغدير من الصحابة.

١٤ - أسماء بنت عميس الخثعمية * روى عنها ابن عقدة بالإسناد في كتاب الولاية.

١٥ - أمّ سلمة زوجة النبيّ الطاهر صلى الله عليه وآله * أخرج ابن عقدة من طريق عمرو بن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة عن أبيه عن جدّه عن أُم سلمة قالت: أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد عليّ بغدير خمّ فرفعها حتى رأينا بياض إبطيه فقال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ثم قال: أيّها الناس؟ إني مُخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ولن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض، ورواه عنها السمهودي الشافعي في جواهر العقدين كما في ينابيع المودّة ص ٤٠، والشيخ

_____________________

١ - راجع كتاب اليقين في الباب السابع والثلثين.

٢ - حكاه عنه ابن طاوس في اليقين وابن حاتم في الدر النظيم في الأئمة اللهاميم.

١٧

أحمد بن الفضل بن محمد باكثير المكي الشافعي في وسيلة المآل من طريق ابن عقدة باللفظ المذكور.

١٦ - أمّ هاني بنت أبي طالب سلام الله عليهما * قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من حجّته حتى نزل بغدير خمّ ثم قام خطيباً بالهاجرة فقال: أيّها الناس؟ الحديث. أخرجه عنها البزّار في مسنده، ورواه عنه السمهودي الشافعي كما ذكره القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة ص ٤٠، وأخرجه عنها ابن عقدة في كتاب حديث الولاية بإسناده.

١٧ - أبو حمزة أنس بن مالك الأنصاري الخزرجي خادم النبيّ صلى الله عليه وآله المتوفّى ٩٣ * يروي الحديث عنه الخطيب البغدادي في تاريخه ج ٧ ص ٣٧٧، وابن قتيبة الدينوري في المعارف ص ٢٩١، وابن عقدة في حديث الولاية بإسناده عن مسلم الملائي عن أنس، وأبو بكر الجعابي في نخبه، والخطيب الخوارزمي في المقتل، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص ١١٤ بطريق الطبراني، والمتقي الهندي في كنز العمال ج ٦ ص ١٥٤ و٤٠٣ عن عميرة بن سعيد عنه، والبدخشي في نزل الأبرار ص ٢٠ من طريق الطبراني والخطيب، وُعدّ من رواة حديث الغدير في أسنى المطالب للجزري ص ٤.

(حرف الباء الموّحدة)

١٨ - براء بن عازب الأنصاري الأوسي نزيل الكوفة المتوفّى ٧٢ * يوجد الحديث بلفظه في مسند أحمد ج ٤ ص ٢٨١ بإسناده عن عفّان عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء، وبطريق آخر عن عدي عن البراء بلفظ يأتي في حديث التهنئة إنشاء الله، وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٢٨ و٢٩ عن ابن جدعان عن عدي عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجّته التي حجّ فنزل في بعض الطريق فأمر بالصلاة جامعة فأخذ بيد علي فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي، قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: فهذا وليّ من أنا مولاه، أللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه.

وفي خصايص النسائي ص ١٦ عن أبي إسحاق عنه، وتاريخ الخطيب البغدادي ج ١٤ ص ٢٣٦، وتفسير الطبري ج ٣ ص ٤٢٨، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال، والكشف والبيان للثعلبي يأتي بلفظه وسنده، واستيعاب ابن عبد البر ج ٢ ص ٤٧٣، والرياض النضرة لمحب

١٨

الدين الطبري ج ٢ ص ١٦٩ من طريق الحافظ ابن السمان، ومناقب الخطيب الخوارزمي ص ٩٤ بالإسناد عن عدي عنه، والفصول المهمَّة لابن الصباغ المالكي ص ٢٥ نقلاً عن الحافظ أبي بكر بن أحمد بن الحسين البيهقي والإمام أحمد بن حنبل، وذخاير العقبى للمحبّ الطبري ص ٦٧، وكفاية الطالب للحافظ الكنجي الشافعي ص ١٤ عن عدي بن ثابت عنه، وتفسير الفخر الرازي ج ٣ ص ٦٣٦، وتفسير النيسابوري ج ٦ ص ١٩٤، ونظم درر السمطين لجمال الدين الزرندي، والجامع الصغير ج ٢ ص ٥٥٥ من طريق أحمد وابن ماجة، ومشكاة المصابيح ص ٥٥٧ ما روي من طريق أحمد عن البراء وزيد بن أرقم، وشرح ديوان أمير المؤمنين عليه السلام للميبدي بطريق أحمد، وفرايد السمطين بخمس طرق عن عدي بن ثابت عنه، وكنز العمال ج ٦ ص ١٥٢ من طريق أحمد عنه وص ٣٩٧ نقلاً عن سنن الحافظ ابن أبي شيبة بإسناده عنه، وفي البداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ٢٠٩ عن عدي عنه نقلاً عن ابن ماجة، والحافظ عبد الرزاق، والحافظ أبي يعلى الموصلي، والحافظ حسن بن سفيان، والحافظ ابن جرير الطبري، وفي ج ٧ ص ٣٤٩ من طريق الحافظ عبد الرزاق عن معمّر عن ابن جدعان عن عدي عن البراء قال:

خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا غدير خمّ بعث منادياً ينادي فلمّا اجتمعنا قال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ألست أولى بكم من أُمهاتكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ألست أولى بكم من آبائكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ألست؟ ألست؟ ألست؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه(١) أللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فقال عمر بن الخطاب: هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت اليوم وليّ كل مؤمن، وكذا رواه ابن ماجة من حديث حمّاد بن سلمة عن علي بن زيد وأبي هارون العبدي عن عدي بن ثابت عن البراء، وهكذا رواه موسى بن عثمان الحضرمي عن ابن إسحاق عن البراء به. اهـ.

ورواه الحافظ أبو محمد العاصمي في زين الفتى عن أبي بكر الجلاب عن أبي أحمد الهمداني عن أبي جعفر محمد بن إبراهيم القهستاني عن أبي قريش محمد بن جمعة عن أبي يحيي المقري عن أبيه

_____________________

١ - كذا في المطبوع من البداية وفي المخطوط كما ينقل عنه في العبقات: من كنت مولاه فإن عليّا بعدي مولاه.

١٩

عن حمّاد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بلفظ يأتي في حديث التهنئة، ويوجد حديثه في نزل الأبرار ص ١٩ من طريق أحمد وص ٢١ من طريق أبي نعيم في فضايل الصحابة عن البراء، وفي الخطط للمقريزي ج ٢ ص ٢٢٢ بطريق أحمد عنه، ومناقب الثلاثة من طريق أحمد والحافظ أبي بكر البيهقي عنه، وفي روح المعاني ج ٢ ص ٣٥٠ عنه، وتفسير المنار ج ٦ ص ٤٦٤ من طريق أحمد وابن ماجة عنه، وعدّه الجزري في أسنى المطالب ص ٣ من رواة الحديث.

١٩ - بريدة بن الحصيب أبو سهل الأسلمي المتوفّى ٦٣ * يوجد حديثه في مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١١٠ عن محمد بن صالح بن هاني قال: ثنا أحمد بن نصر وأخبرنا محمد بن علي الشيباني بالكوفة ثنا أحمد بن حازم الغفاري ثنا محمد بن عبد الله العمري، ثنا محمد بن إسحق، ثنا محمد ابن يحيى وأحمد بن يوسف، قالوا: ثنا أبو نعيم ثنا ابن أبي غنية(١) عن حكم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس عنه، وفي حلية الأولياء ج ٤ ص ٢٣ بإسناده من طريق ابن عيينة المذكور، وفي الاستيعاب لابن عبد البر ج ٢ ص ٤٧٣ في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام، وعدّه في مقتل الخوارزمي وأسنى المطالب للجزري الشافعي ص ٣ ممن روى حديث الغدير من الصحابة، وفي تاريخ الخلفاء ص ١١٤ رواه عنه من طريق البزّار، وفي الجامع الصغير ج ٢ ص ٥٥٥ من طريق أحمد وفي كنز العمال ج ٦ ص ٣٩٧ نقلاً عن الحافظ ابن أبي شيبة وابن جرير وأبي نعيم بإسنادهم عنه، وفي مفتاح النجا ونزل الأبرار ص ٢٠ من طريق البزّار عنه، وفي تفسير المنار ج ٦ ص ٤٦٤ من طريق أحمد عنه.

(حرف الثاء المثلثة)

٢٠ - أبو سعيد ثابت بن وديعة الأنصاري الخزرجي المدني * ممن شهد لعليّ عليه السلام بحديث الغدير كما يأتي في حديث المناشدة في رواية ابن عقدة في حديث الولاية، وابن الأثير في أُسد الغابة ج ٣ ص ٣٠٧ وج ٥ ص ٢٠٥، وعُدّ في تاريخ آل محمد ص ٦٧ ممن روى حديث الغدير.

_____________________

١ - كذا في المستدرك، وفي الحلية لأبي نعيم: ابن عيينة. وفي بعض النسخ: ابن أبي عتبة. وفي بعضها ابن عينة. ويقال: الصحيح ابن أبي غنية.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

عاماً كان ينقله فيها من حبس لحبس)(١) حتى لفظ آخر أنفاسه مسموما وهو في الحبس.

هذه الأحداث المؤسفة حركت سحابة قاتمة من الحزن داخل نفس الإمام الرضاعليه‌السلام . ومما يعظم الخطب أنه كان مغلوبا على أمره ليس له القدرة على الثأر أو الانتقام ممن عكروا صفو حياته، لقد (كتب له أن يعيش مأساة أبيه من بدايتها وحتى نهايتها، دون أن يملك القدرة على التخفيف من حدتها، حيث لاسبيل له إلى ذلك، وربما كان ينتظر المصير نفسه من عصابة الحكم)(٢) . كان يستشعر الخطر المحدق به، فقد كانت السلطة الحاكمة تضرب طوقا حديديا حوله، ترصد ردود فعله على اعتقال أبيه، فوجد أن الطريق الأسلم هو الاحتكام إلى السلم، منصرفا إلى نشر العلم والمعرفة.

المبحث الثالث: نسله الشريف

هناك اختلاف في كتب الأنساب والتراجم في عدد أولاده، وتحديد أسمائهم، ففي (عمدة الطالب) و (تهذيب الأنساب) نجد أن العقب من علي الرضا بن موسى الكاظمعليهما‌السلام في رجل واحد هو أبو جعفر محمد بن علي(٣) ، بينما نجد صاحب (المجدي في أنساب الطالبيين) يحصر عقبه في

__________________

(١) سيرة الأئمة الاثني عشر / هاشم معروف الحسني، القسم الثاني: ٣٤٢ - ٣٤٣.

(٢) الإمام الرضاعليه‌السلام / محمد جواد فضل اللّه، تاريخ ودراسة: ١٠.

(٣) اُنظر: عمدة الطالب / ابن عَنَبَة، وتهذيب الأنساب / العبيدي: ١٤٨.

٤١

ثلاثة، هم: موسى ومحمد وفاطمة - ويضيف: أما محمد هو أبو جعفر الثاني إمام الشيعة الاثني عشرية، لقبه التقيعليه‌السلام مات أبوه وله أربع سنين(١) . وفي كتاب (لباب الأنساب) أن للرضا ولدا اسمه علي بن علي الرضا(٢) .

ويذهب صاحب (الصواعق المحرقة) إلى أن الرضاعليه‌السلام : توفي عن خمسة ذكور وبنت، أجلُّهم محمد الجواد لكنه لم تطل حياته(٣) . ويذهب الصفدي والذهبي إلى هذا الرأي، ويسرد الصفدي وابن الصباغ أسماءهم، وهم: محمد، الحسن، جعفر، ابراهيم، الحسين، عائشة(٤) .

وعن (العُدد القوية): كان له ولدان محمد وموسى لم يترك غيرهما(٥) .

وقال الشيخ المفيد: مضى الرضاعليه‌السلام ولم يترك ولدا نعلمه إلاّ ابنه الإمام بعده أبا جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام (٦) .

والذي يترجح في النظر ما ذكره المفيد، وبه جزم ابن شهرآشوب(٧) ، والطبرسي(٨) ، وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري(٩) فالمعلوم لدينا من ابنائه هو الإمام محمد الجواد، واما غيره فلم يثبت، ويؤيد هذا الرأي

__________________

(١) المجدي في أنساب الطالبيين / علي بن محمد العلوي: ١٢٨.

(٢) لباب الأنساب والألقاب والأعقاب / ابن فندق ٢: ٤٤١.

(٣) الصواعق المحرقة / الهيتمي: ٣١١.

(٤) الوافي بالوفيات / الصفدي ٢٢: ٢٤٨، ترجمة رقم (١٨). سير أعلام النبلاء ٩: ٣٩٣، الترجمة ١٢٥، وأيضا: الفصول المهمة: ٢٦٠.

(٥) في رحاب أئمة أهل البيتعليهم‌السلام / السيد محسن الأمين ٤: ٢٦٤.

(٦) الإرشاد ٢: ٢٧١.

(٧) المناقب ٤: ٣٩٧.

(٨) اعلام الورى ٢: ٨٦.

(٩) دلائل الإمامة: ٣٥٩.

٤٢

الرواية الواردة عن حنان بن سدير، قال: قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام : أيكون إمام ليس له عقب؟ فقال أبو الحسن: « اما أنه لا يولد لي إلاّ واحد، ولكن اللّه منشى ء منه ذرية كثيرة ». قال أبو خداش: سمعت هذا الحديث منذ ثلاثين سنة(١) .

واللّه أعلم بواقع الأمر.

* * *

__________________

(١) كشف الغمة ٣: ٩٥.

٤٣

الفصل الثالث

الإمام الرضاعليه‌السلام  بعد تول-يه الإمامة

تعتقد مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام أن الإمامة أمرٌ الهي وجعلٌ رباني لا رأي لأحد فيها من الأمة. وبأن الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه من قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إذ الإمامةهي امتداد للنبوة، والدليل الذي يوجب إرسال الرسل وبعث الأنبياء هو نفسه أيضا يوجب نصب الإمام. وهي أيضاً لطف من اللّه كالنبوة فلابد من أن يكون في كل عصر إمام هادٍ يخلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وظائفه في هداية البشر.

ولو تعمقنا في النظر قليلاً لوجدنا أن فكرة النص تقوم على دليلين:

الأول: عقلي: ويستدل به على استحالة أن يترك الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمة فوضى من بعده، وهو الحريص عليها، وقد بيّن لها صغائر الأمور، فكيف يترك مسألة الإمامة أو القيادة دون تعيين؟!. علما بأن الخليفة الأول والثاني قد عينا أشخاصا قبيل وفاتهم لأمر الخلافة.

الثاني: شرعي: حيث استُدلّ بالكثير من الآيات والروايات على ثبوت الإمامة في أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وأحد عشر من ولده من بعده.

وعرض جميع الادلة العقلية والنقلية على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام بحث طويل وعريض لامجال هنا لاستقصائه، ومن شاء فليراجع كتاب (الشافي

٤٤

في الإمامة) للسيد المرتضىقدس‌سره ، إذ يعد هذا الكتاب بشهادة أعلام الطائفة فريداً في بابه، بل هو كما يقول الشيخ محمد جواد مغنية في تقريظه: إنه صورة صادقة لمعارف المرتضى ومقدرته، أو لمعارف علماء الإمامية وعلومهم في زمنه - على الأصح - عالج المرتضى مسألة الإمامة من جميع جهاتها كمبدأ ديني واجتماعي وسياسي، وأثبت بدليل العقل والنقل الصحيح أنها ضرورة دينية واجتماعية، وأن علياًعليه‌السلام هو الخليفة الحق المنصوص عليه بعد الرسول، وأنه من عارض وعاند فقد عارض الحق والصالح العام. ذكر الشريف جميع الشبهات التي قيلت أو يمكن أن تُقال حول الإمامة وأبطلها بمنطق العقل والحجج الدامغة(١) .

لقد شغل موضوع الإمامة حيزا كبيرا من فكر أئمة أهل البيتعليهم‌السلام لكونها حجر الزاوية في الفكر الإسلامي عامة والشيعي على وجه الخصوص، إضافة إلى كثرة اختلاف الناس حولها، وحاجتهم الماسة إلى القول الفصل فيها، بغية الخروج من مرحلة الحيرة والتساؤل.

وقد حظيت هذه المسألة بأهمية استثنائية عند إمامنا الرضاعليه‌السلام فأجاب عن الاشكالات والشبهات المطروحة إجابةً شافيةً ووافية، نجدها في الرواية التالية: عن القاسم بن مسلم، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم، كنا في أيام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام بمرو، فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأدار الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي ومولاي الرضاعليه‌السلام ، فأعلمته ما خاض الناس فيه، فتبسمعليه‌السلام ثم قال: « يا عبد العزيز، جهل القوم وخدعوا عن

__________________

(١) مقدمة تحقيق كتاب الشافي ١: ١٩ - ٢٠.

٤٥

أديانهم، ان اللّه تبارك وتعالى لم يقبض نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه كملاً فقال عزّوجلّ:( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (١) وأنزل في حجة الوداع وفي آخر عمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاْءِسْلاَمَ دِيناً ) (٢) وأمر الإمامة في تمام الدين، ولم يمضصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بيّن لأمته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد الحق وأقام لهم علياعليه‌السلام علما وإماما، وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة إلاّ بينه، فمن زعم أن اللّه عز وجل لم يكمل دينه، فقد ردّ كتاب اللّه عزّوجلّ، ومن ردّ كتاب اللّه تعالى فهو كافر، هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ ان الإمامة أجلّ قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالونها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم - إلى أن يقول - فقلّدها علياعليه‌السلام بأمر اللّه عزّوجلّ على رسم ما فرضها اللّه عزّوجلّ، فصارت في ذريته الأصفياء الذين أتاهم اللّه العلم والإيمان بقوله عز وجل:( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالاْءِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللّه إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ) (٣) فهي في ولد عليعليه‌السلام خاصة إلى يوم القيامة - إلى أن قال - ان الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الاوصياء، ان الإمامة خلافة اللّه عز وجل وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ان الإمامة زمام الدين ونظام

__________________

(١) سورة الأنعام: ٦ / ٣٨.

(٢) سورة المائدة: ٥ / ٣.

(٣) سورة الروم: ٣٠ / ٥٦.

٤٦

المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين، ان الإمامة أُسّ الإسلام النامي وفرعه السامي ».

ثمّ يورد تشبيهات بليغة وبديعة، فيقول: « الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي بالافق بحيث لاتنالها الأيدي والابصار، الإمام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيد القفار ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الظمأ، والدال على الهدى والمنجي من الردى ».

ثمّ يضيف قائلاً: « فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟ هيهات هيهات ..فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل، وراع لا ينكل، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسول وهو نسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، ولايدانيه ذو حسب، فالنسب من قريش والذروة من هاشم، والعترة من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

لقد حاول الإمام الرضاعليه‌السلام أن يعيد الوعي الإسلامي الصحيح بشأن الإمامة سيّما بعد تفريط القسم الأعظم من الأمة بها، بحيث أنهعليه‌السلام لم يترك فرصة إلاّ واستغلها في بيان ضرورتها وأدلتها وكشف أبعادها، والطريق اللاحب في انعقادها، ولعلّ أوضح مثل على ذلك، ما جاء عن الحسن بن جهم، قال: حضرت مجلس المأمون يوما وعنده علي بن موسى الرضاعليه‌السلام وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة فسأله بعضهم، فقال له: يا ابن رسول اللّه بأي شيء تصح الإمامة لمدعيها؟ قال: « بالنص والدليل »،

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ١٩٥، ح ١، باب (٢٠).

٤٧

قال له: فدلالة الإمام فيما هي؟ قال: « في العلم واستجابة الدعوة »(١) .

ومن الواضح أن الإمام الرضاعليه‌السلام قد تصدّى للإمامة علناً، وقال بإمامة نفسه وأذعنت له قاعدته، وشهد بذلك خصمه. الأمر الذي يستوجب استجلاء هذه الأمور في ثلاثة مباحث، وهي:

المبحث الأول: النص على الإمام الرضاعليه‌السلام بالإمامة

أولاً: من النصوص الدالة على إمامتهعليه‌السلام :

هناك روايات عديدة من طرق الشيعة الإمامية تؤكد على سلسلة أسماء السلالة الطاهرة للأئمةعليهم‌السلام واحدا بعد الآخر، ويأتي ذكر الإمام الرضاعليه‌السلام في الترتيب الثامن: أخرج الشيخ الصدوق بسند صحيح عن الثقة عبد اللّه بن جندب عن موسى بن جعفرعليه‌السلام ما ينبغي أن يقال في سجدة الشكر وهذا نصّه: « اللهمّ إني أُشهدك وأُشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنك أنت اللّه ربّي والإسلام سلام ديني ومحمداً نبيي وعلياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجّة بن الحسن بن علي أئمتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ »(٢) .

ويمكن الاستشهاد أيضاً بحديث اللوح المتواتر المروي من طرق

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٢١٦، ح ١، باب (٤٦).

(٢) من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق ١: ٢١٧ باب (٤٧).

٤٨

جمّة، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، وكذلك عن الإمام السجاد والباقر والصادقعليهم‌السلام ، نكتفي منها برواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، قال: « قال أبيعليه‌السلام لجابر بن عبد اللّه الأنصاري: إن لي إليك حاجة، فمتى يخف عليك أن أخلو بك، فأسألك عنها؟ قال له جابر: في أي الأوقات شئت، فخلا به أبيعليه‌السلام فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أُمي فاطمة بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أخبرتك به أُمي أنه في ذلك اللوح مكتوب.

قال جابر: أشهد باللّه، أني دخلت على أُمك فاطمة في حياة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهنئها بولادة الحسينعليه‌السلام فوجدت في يدها لوحاً أخضر ظننت أنه زُمرّد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه نور الشمس، فقلت لها: بأبي أنتِ وأمي يا بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا اللوح أهداه اللّه عزّوجلّ إلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابنَيّ وأسماء الأوصياء من ولدي، فأعطانيه أبيعليه‌السلام ليسرّني بذلك، قال جابر: فأعطتنيه أمك فاطمة، فقرأته، وانتسخته فقال أبيعليه‌السلام : فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ، قال نعم، فمشى معه أبيعليه‌السلام حتى انتهى إلى منزل جابر، فأخرج أبيعليه‌السلام صحيفة من رق، قال جابر: فأشهد باللّه أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً: بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم لمحمد نوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين، عظّم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي إني لم أبعث نبياً فأكملتُ أيامه وانقضت مدّته، ألا جعلت له وصيّاً، وأني فضلتك على الأنبياء وفضلت وصيك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك بعده وبسبطيك

٤٩

الحسن والحسين فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد، وأرفع الشهداء درجة عندي، وجعلت كلمتي التامة معه والحجّة البالغة عنده، بعترته أثيب وأعاقب: أولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الميامين، وابنه شبيه جدّه المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمي، سيهلك المرتابون في جعفر الراد عليه كالراد عليّ، حق القول مني لأكرمنّ مثوى جعفر ولاسرنّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، انتجبت بعده موسى وانتجبت بعده فتنة عمياء حندس لأن خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي، إن المذكب بالثامن مكذب كل أوليائي، وعلي وليي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمنحه بالاضطلاع، يقتله عفريت مستكبر، يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي، حقّ القول مني لاقرنَّ عينيه بمحمد ابنه وخليفته من بعده، فهو وارث علمي ومعدن حكمي وموضع سرّي وحجتي على خلقي وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن، ثم أكمل ذلك بابنه رحمةً للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب أُولئك أوليائي حقاً بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس أُولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون » قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك، فصنه إلاّ عن أهله»(١) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٤٨، ح ٢ باب (٦).

٥٠

ثانياً: أساليب الإمام الكاظمعليه‌السلام في النصّ على إمامة ولده الرضاعليه‌السلام

مرّت الشيعة بعد وفاة الإمام الكاظمعليه‌السلام بمنعطف خطير. فقد كانعليه‌السلام يمر بظروف خانقة كما أسلفنا، ولذلك تمسك بالتقية وكان تحركه بمنتهى السرية، ومن ثم غيبته الطويلة في السجون، كل ذلك ساعد على انقطاعه عن قاعدته الجماهيرية، وكان الإمام الكاظمعليه‌السلام يدرك المقطع الزمني الحساس والعصيب الذي ستمر به إمامة ولده الرضاعليه‌السلام ، فهناك الأجواء السياسية الملبدة بالغيوم من قبل الحكام، وهناك ذوو الاطماع من علماء السوء الذين سوف يصنعون سياجا هائلاً من التعتيم والتكتم أو التشكيك بإمامة ولده، لذلك لم يأل جهدا ولم يدّخر وسعا في التبليغ لإمامة ولده الرضاعليه‌السلام ، مرة من خلال التلميح بفضائله وكمالاته وأهليته للإمامة، ومرة أخرى من خلال التصريح بها، وتارة يتصل مع أصحابه والثقات من شيعته بصورة فردية، وتارة أخرى يجتمع مع أقربائه وأهل المدينة بصورة جماعية، وأحيانا يشير إلى إمامة ولده بصورة شفوية، وأخرى بصورة كتب أو ألواح يشرح فيها أهلية ولده لمنصب الإمامة ويضمّنها وصاياه به. وبدا لنا من خلال البحث أن الإمام الكاظمعليه‌السلام قد سار حسب خطة مرسومة للتعريف بالرضاعليه‌السلام والإشادة بمنزلته، وقد هدد وأوعد كل من يسقط تحت حوافر الاطماع أو ينساق إلى مهاوي الضياع كالواقفية.

ونحن سوف نغوص في أعماق الروايات الدالة على إمامة الرضاعليه‌السلام ، نحاول أن ندرسها ونسبر أغوارها ونصنفها حسب الغاية التي توخيتْ منها.

٥١

وقد توصلنا من خلال البحث إلى أن الإمام الكاظمعليه‌السلام قد اتبع عدة أساليب للتعريف بإمامة ولده الرضاعليه‌السلام ، هي:

أولاً: أسلوب التلميح الشفوي:

يجد الباحث في هذا الصدد عدداً من الروايات لم تصرح بإمامة الرضاعليه‌السلام ، ولكنها تلمح إلى ذلك من خلال عبارات دقيقة موحية، ويبدو أنها قيلت بظرف خاص لا يساعد على التصريح، كما سنرى في العناوين التالية:

١ - السيادة وانتحال الكنية:

نجد روايات يشيد فيها الكاظمعليه‌السلام بولده الرضاعليه‌السلام بأنه سيد ولده، أو أنه نحله كنيته، فهكذا عبارات توحي - بدون شك - ضمنا إلى استحقاقه للإمامة، لاسيما أن الكناية عند ذوي الألباب أبلغ من التصريح، ويبدو أن أصحاب الإمام الكاظمعليه‌السلام ، كهشام بن الحكم، ممن يغنيهم التلميح عن التصريح قد أدركوا جيدا ماوراء هذه العبارات من دلالات ..

عن الحسين بن نعيم الصحاف، قال: كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي ابن يقطين ببغداد فقال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح موسى بن جعفرعليه‌السلام جالسا، فدخل عليه ابنه الرضاعليه‌السلام فقال: « يا علي، هذا سيد ولدي، وقد نحلته كنيتي »، فضرب هشام براحته جبهته! ثم قال: ويحك! كيف قلت؟ فقال علي بن يقطين: سمعت واللّه منه كما قلت لك، فقال هشام: أخبرك واللّه أن الامر فيه من بعده(١) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣١، ح ٣، باب (٤).

٥٢

وقد استخدم الإمام الكاظمعليه‌السلام عبارات ايحائية أخرى، منتقاة بدقة:

عن زياد بن مروان القندي، قال: دخلت على أبي ابراهيمعليه‌السلام وعنده علي ابنه، فقال لي: « يا زياد، هذا كتابه كتابي، وكلامه كلامي، ورسوله رسولي، وما قال فالقول قوله »(١) .

قال الشيخ الصدوق بعد رواية الخبر: إن زياد بن مروان القندي روى هذا الحديث ثم انكره بعد مضي موسىعليه‌السلام وقال بالوقف، وحبس ماكان عنده من مال موسى بن جعفر!

٢ - بيان منزلتهعليه‌السلام :

أولى الإمام الكاظمعليه‌السلام عناية خاصة بولده الرضاعليه‌السلام وأحاطه باهتمام ملحوظ منذ نعومة أظفاره مما جعل الانظار تتجه إليه والألسن تتحدث عنه، ومن الروايات الواردة في هذا الشأن، ما أخرجه الشيخ الصدوق: عن المفضل بن عمر، قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام وعلي ابنه في حجره وهو يقبّله ويمصّ لسانه، ويضعه على عاتقه ويضمه اليه، ويقول: « بأبي أنت وأمي، ما أطيب ريحك وأطهر خلقك وأبين فضلك! » قلت: جعلت فداك، لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودة ما لم يقع لأحد إلاّ لك. فقال لي: « يا مفضل هو مني بمنزلتي من أبيعليه‌السلام ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) »(٣) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٩، ح ٢٥، باب (٤)، أعلام الورى ٢: ٤٥.

(٢) سورة آل عمران: ٣ / ٣٤.

(٣) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٢٨٦، ح ٢٨، باب (٤).

٥٣

٣ - الوصية بدفع الحقوق لهعليه‌السلام :

وهي قرينة أخرى على إمامته، لأن الحقوق تعطى - كما هو معروف - للإمام الشرعي لكي يصرفها في مواردها. ولانريد أن نسترسل في إيراد الامثلة على ذلك، ونكتفي بعرض الروايتين التاليتين:

الرواية الأولى : عن الحسن بن علي الخزاز، قال: خرجنا إلى مكة ومعنا علي بن أبي حمزة ومعه مال ومتاع، فقلنا: ما هذا؟ قال: هذا للعبد الصالحعليه‌السلام أمرني أن أحمله إلى علي ابنهعليه‌السلام وقد أوصى اليه.

قال الشيخ الصدوق: إن علي بن أبي حمزة أنكر ذلك بعد وفاة موسى ابن جعفرعليه‌السلام وحبس المال عن الرضاعليه‌السلام (١) !

الرواية الثانية : عن داود بن زربي، قال: جئت إلى أبي ابراهيمعليه‌السلام بمال فأخذ بعضه وترك بعضه، فقلت: أصلحك اللّه، لأي شيء تركته عندي؟! فقال: « إنّ صاحب هذا الأمر يطلبه منك ».

فلمّا جاء نعيهعليه‌السلام بعث إليّ أبو الحسنعليه‌السلام فسألني ذلك المال، فدفعته إليه(٢) .

٤ - الإشارة إلى كون الإمام الرضاعليه‌السلام من الأوصياء:

وهي قرينة إيحائية قوية تضاف إلى سائر القرائن والعلامات الأخرى السابقة، يتضح لنا ذلك من متن الرواية التالية: عن نعيم القابوسي، عن

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٧، ح ٣٧، باب (٤).

(٢) المناقب / ابن شهرآشوب ٤: ٣٦٨، الكافي ١: ٢٥٠ / ١٣.

٥٤

أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال: « ابني عليّ أكبر ولدي، وآثرهم عندي، وأحبهم إليّ، وهو ينظر في الجفر ولم ينظر فيه إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ »(١) .

فهنا لم يصرح الإمام الكاظمعليه‌السلام علنا بإمامة ولده الرضاعليه‌السلام ولكن ذكر «الجفر» وكون النظر فيه من اختصاص النبي أو الوصي، فهذه الجملة تعطي إيماءة مهمة على إمامته، وخاصة بعد سبقها بذكر علامات أخرى، ككونه أكبر ولده وأحبهم اليه، وآثرهم عنده، وهي من صفات الإمام الذي يخلف أباه في الإمامة كما جاءت بهذا أحاديث صريحة كثيرة لا حصر لها.

ثانيا: أسلوب التصريح الشفوي

وهنا نجد الإمام الكاظمعليه‌السلام يصرح بصورة لالبس فيها بإمامة ولده، ويحدد القول الفصل حول إمامته بوضوح لا يخفى، وهذا الأسلوب تتوضح خطوطه من خلال روايات عديدة، وبعد دراستنا لها، نلاحظ:

أولا: تصريحهعليه‌السلام بإمامة ولده الرضاعليه‌السلام :

اذ نلاحظ أن الإمام الكاظمعليه‌السلام يغتنم كل مناسبة لكشف النقاب عن إمامة ولده الرضاعليه‌السلام ، ويبدو أنه كان يركز على ثقات أصحابه وشيعته، من أجل تمهيد الطريق أمام إمامة ولده، حاملاً على كتفه عب ء إيصال هذه الأمانة الإلهية الخطيرة، ومدركا في الوقت نفسه بأن هناك من تسوّل له نفسه الخروج عن وصيته بإمامة ابنه، ففي اسناد ينتهي إلى غنام بن القاسم

__________________

(١) اعلام الورى ٢: ٤٤.

٥٥

قال: قال لي منصور بن يونس بن بزرج: دخلت على أبي الحسن - يعني موسى بن جعفرعليهما‌السلام - يوما، فقال لي: « يا منصور، أما علمت ما أحدثت في يومي هذا؟ » قلت: لا، قال: « قد صيّرت عليا ابني وصيي » وأشار بيده الى الرضاعليه‌السلام « وقد نحلته كنيتي، وهو الخلف من بعدي، فادخل عليه وهنّئه بذلك، واعلم أني أمرتك بهذا » قال: فدخلت عليه فهنّئته بذلك وأعلمته أنه أمرني بذلك ثمّ جحد منصور فأخذ الأموال التي كانت في يده وكسرها!(١) .

ثانيا: جواب الإمام الكاظمعليه‌السلام على سؤال (عمن سيخلفه في الإمامة):

كان بعض الشيعة ونتيجة مباشرة لظروف التقية لم تسمع من إمامها الكاظمعليه‌السلام من يخلفه على الإمامة، ولم تطرق سمعها النصوص السابقة من آبائهعليهم‌السلام ، أو سمعت بها وأحبّت التأكد من شخص الإمام كما تحكيه بعض الروايات في هذا المقام، خصوصاً وإن حديث « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » قد تواتر نقله عند الإمامية وصحّت طرقه عند غيرهم، الأمر الذي يؤدي إلى السؤال من الإمام عمن سيلي الأمر بعده ؛ لأجل قطع الظن الحاصل من السماع السابق أو عدمه، باليقين الحاصل من السماع من الإمام مباشرةً، ومن هنا وجهت بعض الشخصيات أسئلة صريحة للإمام الكاظمعليه‌السلام حول من سيخلفه بعد وفاته، فأجابهم الإمام بصورة صريحة لا لبس فيها أن الإمام من بعده علي الرضاعليه‌السلام ابنه، ومن الشواهد عليه، ما جاء عن داود الرقي، قال: قلت لأبي ابراهيم

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٢، ح ٥، باب (٤).

٥٦

- يعني موسى الكاظمعليه‌السلام : فداك أبي، إني قد كبرت وخفت أن يحدث بي حدثٌ ولا ألقاك، فأخبرني من الإمام من بعدك؟ فقال: « ابني عليعليه‌السلام »(١) .

ونظير هذه الرواية ما أسنده الصدوق إلى نصر بن قابوس. قال: قلت لأبي ابراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام : اني سألت أباكعليه‌السلام من الذي يكون بعدك؟ فأخبرني أنك أنت هو، فأخبرني من الذي يكون بعدك؟ قال: « ابني عليعليه‌السلام »(٢) .

٢ - توسيعهعليه‌السلام دائرة التصريح بإمامة ولده الرضاعليه‌السلام :

لم تقتصر دعوة الإمام الكاظمعليه‌السلام لإمامة ولده الرضاعليه‌السلام على اللقاءات والاتصالات الفردية التي تتم عادة تحت ستار كثيف من الكتمان والسرية، بل جهد في إعلان إمامته أمام الجموع أو الملأ العام، لاسيما وأنه قد أدرك أن حصرها في نطاق ضيق قد لايحقق النتيجة المرجوة، فمن المحتمل أن تكون عرضة للتشكيك أو الإنكار، وقد تعطي مبررا لتنصل أهل الأهواء وملتمسي الأعذار وأصحاب المطامع بالأموال.

من أجل ذلك أخذ الإمام الكاظمعليه‌السلام يجمع في بداية الأمر من يخصه بالقرابة القريبة من ولد علي وفاطمةعليهم‌السلام : عن حيدر بن أيوب، قال: كنّا بالمدينة في موضع يعرف بالقبا، فيه محمد بن زيد بن علي، فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فيه، فقلنا له: جعلنا اللّه فداك،

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٣، ح ٨، باب (٤).

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٤٠، ح ٢٦، باب (٤).

٥٧

ما حبسك؟ قال: دعانا أبو ابراهيمعليه‌السلام اليوم سبعة عشر رجلاً من ولد علي وفاطمةعليهما‌السلام ، فأشهدنا لعلي ابنه بالوصية والوكالة في حياته وبعد موته، وأن أمره جائز عليه وله، ثم قال محمد بن زيد: واللّه يا حيدر لقد عقد له الإمامة اليوم وليقولن الشيعة به من بعده، قال: حيدر، قلت: بل يبقيه اللّه، وأي شيء هذا؟ قال: يا حيدر، إذا أوصى إليه فقد عقد له الإمامة(١) .

ومن ثم وسع نطاق الوصية إلى دائرة القرابة الأبعد كولد جعفر بن أبي طالب من الرجال والنساء، فعن عبد اللّه بن الحارث وأمه من ولد جعفر بن أبي طالب، قال: بعث إلينا أبو ابراهيمعليه‌السلام فجمعنا ثم قال: « أتدرون لم جمعتكم؟ » قلنا: لا، قال: « اشهدوا أنّ عليا ابني هذا وصيّي، والقيّم بأمري، وخليفتي من بعدي، من كان له عندي دَين فليأخذه من ابني هذا، ومن كانت له عندي عدة فليستنجزها منه، ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلاّ بكتابه »(٢) .

ويبدو من الرواية التالية أنه قد وسع من نطاق الدعوة لإمامة ولده الرضاعليه‌السلام ، بحيث شملت المدينة بصورة عامة، وبذلك انتقل إلى مدار جديد من أجل إشهاد أكبر عدد ممكن من الأفراد على استحقاق ابنه للإمامة، ليقطع الطريق على كل الأعذار، ويزيل جميع الشكوك التي تساور الأذهان المريضة في هذا الشأن: عن حسين بن بشير، قال: أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ابنه علياعليه‌السلام كما أقام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياعليه‌السلام يوم

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٧، ح ١٦، باب (١).

(٢) اعلام الورى ٢: ٤٥، الكافي ١: ٢٤٩ / ٧، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٦، ح ١٤، باب (٤).

٥٨

غدير خم، فقال: « يا أهل المدينة » أو قال: « يا أهل المسجد، هذا وصيي من بعدي »(١) .

ثالثاً: أسلوب الكتابة

حشد الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام كل الحجج والادلة على إمامة ولده الرضاعليه‌السلام من بعده، ولم يقتصر على عرضها في اللقاءات الفردية والجماعية التي تكون عادة بصورة شفوية، من خلال كلامه المباشر مع الناس أفرادا أو جماعات، حيث يختار عبارات منتقاة بعناية حسب مايسمح به الظرف السياسي السائد، اذ يشير تلميحا أو تصريحا إلى إمامة الرضاعليه‌السلام ، ويظهر أنه لم يكتف بالأسلوب الشفوي كوسيلة اعلامية سائدة بل أردفه بأسلوب تحريري، من خلال كتابة الالواح والكتب، حتى تكون الحجة أبلغ. ولايخفى بان الكلام المكتوب يكون أكثر وقعا وتأثيرا في النفوس من الكلام الشفوي الذي يكون - احيانا - عرضة للتأويل والتزوير. يتضح لنا هذا الأسلوب من خلال الروايتين التاليتين:

الرواية الأولى : عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: أوصى أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام إلى ابنه عليعليه‌السلام ، وكتب له كتابا أشهد فيه ستين رجلاً من وجوه أهل المدينة(٢) .

الرواية الثانية : عن الحسين بن المختار، قال: لما مرّ بنا أبو الحسنعليه‌السلام بالبصرة خرجت إلينا منه «ألواح» مكتوب فيها: « عهدي إلى أكبر

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٧، ح ١٧، باب (٤).

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٧، ح ١٧، باب (٤).

٥٩

ولدي »(١) . ومعلوم أن الإمام الرضاعليه‌السلام أكبر ولد الإمام الكاظمعليه‌السلام .

أسلوب الوصية:

جارى الإمام الكاظمعليه‌السلام الاسلوب المتَّبَع عند الأئمةعليهم‌السلام في الوصية لأولادهم من بعدهم، ويبدو أن الإمام الكاظمعليه‌السلام في وصيته لولده الرضاعليه‌السلام كان يخشى عليه من حسد إخوته ومنافستهم إيّاه، أو كان يخشى عليه من السلطات الحاكمة التي ترصد بدقة من يخلفه في أمره، لذلك كانت وصيته له اتخذت أسلوبين:

الأسلوب العام:

عندما أوصى لولده الرضاعليه‌السلام في الظاهر، ولأجل التمويه أشرك معه بنيه، حتى لا يتحسّسوا منه، ولا تكشف السلطة من يخلفه.

الأسلوب الخاص:

فقد أوصى الإمام الكاظمعليه‌السلام للرضاعليه‌السلام خاصة، وأفرده بالوصية وحده، يظهر كل من الشكلين في الرواية التالية ذات الدلالة:

عن يزيد بن سليط قال: لقيت أبا ابراهيمعليه‌السلام ونحن نريد العمرة في بعض الطريق ...قال: « أخبرك يا أبا عمارة، اني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان وأشركت معه بنيّ في الظاهر، وأوصيته في الباطن، وأفردته وحده، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم لحبّي إيّاه ورأفتي عليه، ولكن ذاك إلى اللّه يجعله حيث يشاء ».

عند التمعّن في هذه الرواية نكتشف أن السبب في انتخاب الإمام

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٩، ح ٢٤، باب (٤)، وفي اعلام الورى ٢: ٤٦، الفصل الثاني: أن الالواح خرجت وهو في الحبس.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418