• البداية
  • السابق
  • 168 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43427 / تحميل: 6351
الحجم الحجم الحجم
تأريخ جديد للتأريخ  على هامش الفرق الإسلامية

تأريخ جديد للتأريخ على هامش الفرق الإسلامية

مؤلف:
العربية

ولو صحت الدعوى لذاع أمرها وانتشر واستفاض بين الناس وتحدثوا بها فليست هذه الدعوى مما يمكن ستره وكتمانه. وهي بطبيعتها موجهة إلى الناس، إلى اكبر عدد من الناس. فذلك مقياس نجاحها وتأثيرها. وذلك الذي يعطي قيمتها ويحقق لمدعيها في الوقت نفسه ما يطمح إليه ويسعى إلى بلوغه.

ومع ذاك فلافتراض أن شخصا اسمه المختار ادعى النبوة حقا ولم يكتف بالحوم حولها كما يقول ابن حزم، فما شأن علي وأبنائه بذلك. وأين الغلو في إن يدعي المختار أو غير المختار انه نبي أو اله ويجد من يصدقه في دعواه.

أظن الأقرب إلى الصواب أن نقول أن مدعي النبوة أو الألوهية هو الأبعد عن علي وال علي. وفي دون ذاك ثار من ثار واستشهد من استشهد منهم.

غفر الله لمؤرخينا، ماذا يقولون لأنفسهم لو خلوا إليها في لحظة ضمير.

لقد شوهوا صورة المختار حقا. ولكنهم قبل ذاك شوهوا تأريخنا نحن، وهو اكبر من المختار.

هذا فيما يخص المختار. وعلى الجانب الآخر محمد بن الحنفية الذي لم نسمع من ادعى انه نبي أو اله حتى وفاته عام ٨١.

ودونك كتب المؤرخون والمؤلفون في الفرق والعقائد فهل وجدت أن فرقة قامت في حياة محمد بن الحنفية وزعمت انه نبي أو اله أو بلغت فيه حد الغلو أو قريبا من هذا الحد.

متى بدأ الغلو أذن أو ما اصطلح المؤلفون على تسميته غلواً ؟

١٠١

يبدو لي أن الغلو بدأ مع أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية. فالملاحظ أن أولى صور الغلو ظهرت عند أشخاص كانوا من أصحابه أو على علاقة به. وهم الذين سبقوا إلى القول بالتناسخ والحلول حين زعموا أن روح أبي هاشم - الذي كان إماما أو نبيا أو ألها باختلاف الفرق والروايات - قد انتقلت أليهم فصاروا هم بهذا أئمة أو أنبياء أو آلهة.

فالغلو كما ترى لم يكن علويا ولا حسنيا ولا حسينيا، ولم يعرف في زمنهم وإنما عرف في زمن عبد الله بن محمد بن الحنفية، ومعه كانت بدايته.

رأينا ذلك فيما سبق، ونحن نبحث بعض ما سمي بفرق الرافضة(١) وسنراه عندما نتناول بعد قليل فرق الغلاة.

ولكن ألا ترى معي أن نقف ولو قليلا عند أبي هاشم نفسه قبل الحديث عن هذه الفرق التي ترتبط به وتتخذ منه زعيما لها، فذلك أحرى أن يسهل البحث وييسر المدخل أليه.

والحق أننا لا نعرف عن عبد الله هذا ما يتناسب مع دوره على المستويين السياسي والديني.

ومع ذاك فان المعلومات المتوفرة لدينا يمكن أن تلقي بعض الضوء على شخصية أبي هاشم وتفسير بعض مواقفه.

وهذه المعلومات تقول انه ( كان صاحب الشيعة وأوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وصرف الشيعة أليه ودفع كتبه أليه ومات عنده.. )(٢) .

____________________

١- نسب قريش لمصعب بن عبد الله بن مصعب الزبيري نشر وتحقيق أ. ليفي بروفنسال - دار المعارف للطباعة والنشر ١٩٥٣ ص٧٥ وبالمعنى نفسه طبقات ابن سعد ج٥ ص٢٤١ وميزان الاعتدال ج٢ ص٤٨٣ ترجمة عبد الله بن محمد بن الحنفية.

٢- مقاتل الطالبيين ص١٢٦.

١٠٢

وانه كان ( لسنا خصما عالما )(١) وان سليمان بن عبد الملك سمه عندما وفد أليه في قضاء حوائجه عام ٩٩(٢) .

وانه ( قد وضع الأرصاد على كثير - المقصود كثير عزة الشاعر - فلا يزال يؤتى بالخبر من خبره فيقول له إذا لقيه كنت في كذا وكنت في كذا إلى أن جرى بين كثير وبين رجل كلام فأتي به أبو هاشم فاقبل به على أدراجه فقال له أبو هاشم كنت الساعة مع فلان فقلت له كذا وكذا وقال لك كذا وكذا فقال له كثير اشهد انك رسول الله )(٣) .

فأبوا هاشم كما يظهر لم يكن على صلة طيبة مع أبناء عمومته من آل الحسن والحسين فقد استقل بدعوته وبأنصاره بعيدا عنهم، وربما زدت، انه كان ينفس عليهم ما يحتلونه في قلوب المسلمين من منزلة رفيعة وما يقلونه لديهم من حب واحترام.

وأظن هذا قد يفسر موقف أبي هاشم ووصيته إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وصرفه من الشيعة إليه تاركا أبناء عمومته هؤلاء، وهم أمس رحما به وأدنى قرابة.

وإذا كان هذا يحصل أحيانا فيما بين أبناء العمومة بحكم المنافسة التي قد تقوى وتشتد فيما بينهم فتدفع بهم إلى مواقف متباعدة او متعارضة ربما بلغت حد الاقتتال. ألا أن سببا حديدا بمكن أضافته في حالة أبي هاشم هذا، هو ما يمكن أن اسميه ب- ( عقدة فاطمة ).

فابو هاشم هو ابن محمد المعروف بابن الحنفية، ومحمد هذا هو ابن علي من زوجته خولة بنت جعفر بن قيس الحنفي والتي لا يمكن ان تقاس ببنت محمد والدة اخويه الحسن والحسين.

____________________

١- مقاتل الطالبيين ص١٢٦ والكامل لابن الأثير ج٤ احداث سنة ٩٩ ص٣١٦.

٢- الأغاني لأبي الفرج ج٩ ترجمة كثير عزة ص١٨.

٣- المنية والأمل لقاضي القضاة تحقيق وتعليق الدكتور عصام الدين محمد علي نشر دار المعرفة الجامعية بالإسكندرية ١٩٨٥ الطبقة الثالثة ص٢٤ وطبقات المعتزلة لأحمد ابن يحيى بن المرتضى تحقيق سوسنة ديفلد - فلزر بيروت ١٩٦١ الطبقة الثالثة ص١٧ وفضل الاعتزال وطبقات المعتزلة لقاضي القضاة الطبقة الثالثة ص٢١٤.

١٠٣

وأنا لا أريد أن أصادر البديهيات فأنكر ما لهذا العامل من اثر على محمد. لكنني لا أستطيع أن أنكر من جانب آخر أن محمدا كان أخا اصغر للحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، ورابطة الأخوة ليس من السهل نسيانها أو إلغاؤها، إلى ما كان عليه محمد من فضل ودين.

ثم أن حياة الحسن والحسين قد انتهت بالاستشهاد سماً او قتلاً في أروع مأساة عرفها تاريخ المسلمين. وقد رحلا ورحلت فاطمة قبلهما، وأصبح هو كبير العلويين.

ومع رحيلهم لابد أن تكون العقدة قد رحلت أيضا أو لم يبق منها ما يبين أثره على محمد.

لكن محمدا مات عام ٨١ وخلفه ابنه أبو هاشم. وبموته بعدت القرابة وضعفت الرابطة واصبح الإخوة أبناء عمومة، ولم يعد هناك ما يمنع ( عقدة فاطمة ) من الظهور أو يحد من تأثيرها.

وهذا ما حصل حين أوصى أبو هاشم بالأمر من بعده، لا إلى واحد من أبناء عمومته الادنين وفيهم من هو أهل لذاك وإنما لواحد من العباسيين هو محمد ابن علي بن عبد الله بن عباس - الذي لا يلتقي معه ألا في الجد الأبعد عبد المطلب بن هاشم.

فإذا انتقلنا إلى الصعيد الديني فسنواجه شخصا اقل ما أصفه به انه لم يكن مستقيم السيرة ولا واضح النهج. لا يردع من يغلو فيه ولا يبرأ منه كما فعل الأئمة من أبناء فاطمة بعده. ولا يكتفي بالسكوت أو الأعراض عنه، وإنما هو

١٠٤

يركض وراء هذا الغلو ويلتمس الأسباب والوسائل إليه ولا يمتنع حتى من التجسس على أصحابه وأنصاره ليبدو إمامهم وكأن الوحي ينزل عليه بأسرارهم، فعله مع كثير عزة كما رأينا.

فأبو هاشم في نظري هو الذي سن الغلو وسبق إليه. ومنه وبسببه انتقل إلى من بعده.

وسنرى أن أولى الفرق الغالية من حيث الزمان كانت على صلة به، وادعى رؤساؤها الوصية منه، وان روحه تحولت فيهم.

فإذا ثبت هذا، وهو ما تؤكده جميع المصادر، فان سؤالا كبيرا سيرد هنا، ذلك أن المعتزلة يزعمون أنهم اخذوا الاعتزال من أبي هاشم في سلسلة يصلونها عن طريقه بعلي ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعما وتأييدا لمذهبهم(١) .

والاعتزال كما هو معروف اقرب المذاهب الإسلامية الى العقل. والغلو هو ابعد المذاهب عن العقل، فكيف يمكن لشخص أو مذهب أن يجمع بينهما، ألا أن يكون كاذبا في احدهما او فيهما معا.

أن إمام العتزلة الذين يحرصون على تأكيد اتصالهم به واخذ مذهبهم عنه لم يكن مع الأسف بالمنزلة التي يفخر مذهب بالانتماء إليه، حتى لو لم يكن هذا المذهب هو مذهب المعتزلة.

وأعود إلى الغلاة وفرقهم ملاحظين منذ البدء أن التسمية التي اولع بها المؤلفون وهي ( فرق ) الغلاة ليست دقيقة بل لا تخلو من تجاوز كبير للحقيقة إذا افترضنا في الفرقة حدا أدنى من الاشخاص الذين تضمهم عقيدة معينة ويجمعهم

____________________

١- سبق ان رأينا مثل هذه الفرق في بحثنا عن الرافضة.

١٠٥

تصور مشترك على المستوى الديني والسياسي والفكري. ولهم مؤلفاتهم وكتبهم التي تعكس هذا التصور، ورؤساؤهم الذين يحملون عبء العقيدة ويعبرون عنها ويعملون على دعمها ونشرها، وجماهيرها التي تؤمن بها وتدافع عنها بالسيف أو باللسان أو بالقلب. ولها أخيرا امتدادها الطبيعي في الزمان والمكان.

هذا ما يفترض ضرورة في الفرقة، وليس فيه كما ترى تزيد أو غلو.

ولكننا فيما يخص الغلاة سنجد ( فرقا ) كاملة لا نعرف من إتباعها غير واحد فحسب هو الذي جعل منه المؤلفون صاحب فرقة تحمل اسمه وتنتسب إليه، ثم حكموا على هذه الفرقة التي لم توجد، بالغلو والكفر والخروج من الإسلام وحملوا الشيعة طبعا مسؤولية ما خلقوه(١) .

ونقطة أخرى قد يكون من المناسب أن أشير إليها هنا فإذا كان هؤلاء الغلاة - كما رأيت وسترى - بين مدعي الألوهية له أو لعلي وبين منكر لنبوة محمد ومدعيها له أو لعلي وبين محلل ما حرم الله أو محرم ما حلل. فلم لا يسميهم المؤلفون ( مرتدين ) بدلا من الغلاة وهو الاسم الأقرب والأولى بهم كما أظن. وقد أطلق اسم المرتد على من هو اقل واهون جرما ومن لم يفعل أكثر من امتناعه عن إرسال صدقات قومه إلى المدينة مفضلا توزيعها على فقراء قومه ؟!.

ماذا تكون الردة أذن أن لم يكن كل ذلك ردة ؟! لماذا ترك المؤلفون اسم المرتدين وتعلقوا بدلا منه باسم الغلاة ؟ اظنني لن أجد صعوبة في الإجابة بان اتخاذ اسم المرتدين لأولئك سيقطع الطريق على المؤلفين الذين يريدون الربط بين الغلاة من جهة وبين الشيعة من جهة أخرى ويبحثون الغلاة ضمن فرق الشيعة،

____________________

١- مقالات الإسلاميين ج١ ص٦٨ والملل والنحل ج١ ص١٥١ والحور العين ص١٦٠ وان كان الأخيران يبحثان الحربية في فرق الكيسانية لا في الغلاة.

١٠٦

بينما يتعذر عليهم ذلك إذا اخذوا باسم المرتدين الذين سبقوا أن وجدوا مباشرة بعد وفاة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أول خلافة أبي بكر أو، بالنسبة لبعضهم، في حياة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه.

واعتذر للقارئ عن هذا الاستطراد الذي أرجو ألا يكون عديم الفائدة لأتناول ( فرق ) الغلاة مبتدئا بالحربية.

الحربية:

الحربية هم أصحاب عبد الله بن حرب الكندي يزعمون كما يقول الأشعري والشهرستاني والحميري(١) أن روح أبي هاشم بن محمد بن الحنفية تحولت فيه وأن أبا هاشم نص على إمامته.

أما البغدادي فيضيف إلى ذلك أن دعوى أصحابه فيه كدعوى البيانية في بيان. ودعوى هؤلاء هي النبوة أو الألوهية كما سيأتي(٢) .

ويذهب الأسفراييني إلى أن عمرا كان يدعي انتقال روح الإله من عبد الله بن الحنفية إليه كما يدعي الألوهية(٣) .

ويسميهم المقريزي الحزنية أتباع عبد الله بن عمرو الحزني دون أن يضيف شيئاً(٤) .

أما ابن حزم فيفصل أكثر عند تعرضه للحربية وابن حرب وهذا نص ما ورد فيه عنهم ( وقالت طائفة منهم - يعني من الغلاة - بآلهية عبد الله بن الحرب الكندي الكوفي وعبدوه وكان يقول بتناسخ الأرواح وفرض عليهم تسع عشرة

____________________

١- الفرق بين الفرق ص١٤٩.

٢- التبصير في الدين ص٧٣.

٣- خطط المقريزي ج٤ ص١٧٨.

٤- الفصل في الملل والأهواء والنحل ج٥ ص٥٠.

١٠٧

صلاة في اليوم واليلة في كل صلاة خمس عشرة ركعة الى أن ناظره رجل من متكلمي الصفرية وأوضح له براهين الدين فأسلم وصح إسلامه وتبرأ من كل ما كان عليه... )(١) .

وأول ما يرد هنا ونحن نتحدث عن ابن حرب ونص أبي هاشم على إمامته أو ألوهيته، هو ما يتعلق بموقف الشيعة من قضية الإمامة والنص عليها، ثم حق أبي هاشم في تحويلها ونقلها.

فمن المعروف أن أهم فرقتين من فرق الشيعة هما الاثنا عشرية والزيدية. والزيدية لا يقولون في الإمامة بالنص، لا على أبي هاشم ولا على غير أبي هاشم ليستطيع هذا تحويلها إلى من شاء.

أما الاثنا عشرية من الشيعة فلهم أئمتهم الذين نعرفهم، وليس بينهم أبو هاشم ولا ابن الحنفية أبوه.

وعلي بن أبي طالب نفسه، لم يكن في نظر أولئك وهؤلاء من الشيعة ألا إماما بالوصف أو بالنص فكيف يجوز أن تحمل دعوى النبوة او الألوهية من ابن حرب أو من غيره على الشيعة، ولم يكن علي عندهم نبياً ولا ألها وإنما الأفضل بين الصحابة والأحق بالخلافة فيهم.

واذا كان أبو هاشم قد نص على عبد الله بن حرب إماما أو نبياً أو ألها كما نص على آخرين، فليكن الغلو محصوراً فيه ولا يمتد إلى غيره من فرق الشيعة وأئمتهم الذين يبرؤون ممن يسميهم المؤلفون في العقائد بالغلاة، وبشهادة هؤلاء المؤلفين أنفسهم.

____________________

١- في مقالات الإسلاميين ج١ ص٦٦ والفرق بين الفرق ص١٤٥، والتبصير في الدين ص٧٢، والحور العين ص١٦١ والملل والنحل ج١ ص١٥٢ والفصل في الملل والأهواء والنحل ج٥ ص٤٤ هو بيان بن سمعان التميمي وفي فرق الشيعة ص٣٠ بيان الهندي وفي اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص٥٧ بنان بن اسماعيل الهندي وفي تعريفات الجرجاني ص٢٧ بنان بن سمعان التميمي وفي خطط المقريزي ج٤ ص١٧٦ بيان بن سمعان دون لقب اما الملطي فيكتفي باسم ابيه دون اسمه ص٣٠ حين يتحدث عن الذين يقولون ( بنبوة ابن سمعان ) لكنه في ص١٤٨ يقول وانما سموا البيانية ببيان دون أي توضيح.

١٠٨

ثم ما هي صفة أبي هاشم هذا ؟ ماذا يكون ؟ إماما أم نبيا أم ألها ليستطيع من تحولت روحه اليه، أن يشغل ما يشاء من الوظائف الثلاث. فما أظن من كانت درجته إماما بقادر مثلا أن يعين نبيا أو ألها كما أصبح ابن حرب.

قد يستطيع أبو هاشم أن يعين نصف إمام أو - وهذا أقصى ما يقدر عليه - إماما كاملاً لكنه لا يستطيع في أي حال أن يتجاوز ذلك الى تعيين نبي أو إله وإلا فان زملائي الحقوقيين سيعترضون. فالقاعدة القانونية التي يتمسكون بها ويعتبرونها من بديهيات عملهم تقول أنه ( لا يملك الإنسان أن يملك أكثر مما يملك ).

وعلى كل فيبدو أنني سأعود للحديث عن أبي هاشم. فان غالبية الأئمة والأنبياء والآلهة قد جرى تعيينهم من قبله كما يذكر المؤلفون. وقد سبق أن رأينا أبا هاشم ينصب محمد بن علي بن عبد الله بن عباس إماما. وهو الآن ينصب عبد الله بن حرب. وسنراه قريبا ينصب بيان بن سمعنا وآخرين.

ولا أدري إن كان ابن محمد بن الحنفية وهو ينصب الأئمة ويوزع الإمامة، قد جعل من كل واحد من هؤلاء إماما كاملا مستقلا بإمامة كاملة أم انه قسم الإمامة نفسها إلى أرباع أو أخماس او ما هو دون على عدد الموصى أليهم وأعطى كلا منهم حصته فيها، أو في النبوة أو الألوهية لمن رفضوا قبول الإمامة ورأوا أنفسهم اكبر منها ؟!

١٠٩

وقبل أن انتهي من حديث ابن حرب ستكون لي وقفة قصيرة عند رأي ابن حزم فيه، فابن حزم يذكر أن عبد الله بن حرب قد فرض على إتباعه تسع عشرة صلاة في اليوم في كل صلاة خمس عشرة ركعة خلافا لكل مدعي النبوة والألوهية في ذلك العصر والذين كانوا أميل إلى التساهل في أمور الدين والتخفيف من قيوده حتى أن الكثيرين منهم استحلوا المحرمات وأباحوا الخمر والزنا واسقطوا الصلاة تبعا لما يذكر المؤلفون في الفرق كما سنرى. فما بال ابن حرب من دونهم يتشدد في دينه الجديد فيزيد في عدد الصلوات ثم يزيد في عدد الركع في كل صلاة ؟!

وماذا بعد الصلاة ؟ فهل انحصر دينه كله فيها وفي ركعاتها الخمس عشرة ؟ فلا ابن حزم ولا غيره حدثونا عن شيء من ذاك.

ثم يقول ابن حزم أن عبد الله بن حرب قد تبرأ من كل ما كان عليه واسلم وصح إسلامه على اثر مناظرة جرت له مع احد متكلمي الصفرية من الخوارج.

واسأل أن كان ابن حزم جادا فيما يقول. فقد يصح هذا لو كان الرجل تابعا مخدوعا. أما وانه صاحب النحلة ومدعي الربوبية. فكيف يتصور رجوعه عما كان فيه، لأن واحدا من الصفرية أو غير الصفرية ناظرة في ذلك ؟ أكان ابن حرب جاهلا بما يفعل حين ادعى الألوهية وحين عبده أتباعه وحين فرض دينا جديدا بصلاة جديدة تختلف عما جاء به محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١١٠

أكان ذلك كله نتيجة خطأ ليتركه أثر مناظرة جرت له مع واحد من الخوارج. وهل يمكن للجهل والخطأ ان يقعا حتى في الألوهية، ليمكن الاعتذار عن ابن حرب عند ذلك ؟!

ثم ألم يصادف ابن حرب من يسأله أو يناظره قبل هذا الواحد، من كل من عرفوه واتصلوا به من داخل أو خارج دينه الجديد.

لقد سهل ابن حزم العذر عن عبد الله بن حرب، وليته كان كذلك مع الآخرين.

البيانية:

قبل أن أمضي في الحديث عن البيانية أود أن أؤكد نقطة أساسية ربما فاتني ذكرها في بداية الفصل. هي أن الغلاة الذين يتحدث عنهم مؤرخو العقائد هم الغلاة في علي كما يزعمون.

ولهذا كانوا يبحثونهم في الفصل المخصص للشيعة ويعيبون الشيعة بهم.

ولهذا أيضاً حاولت من خلال هذا الفصل أن أوضح صورة هؤلاء الغلاة وحقيقة أمرهم، ثم خطأ ما يذهب إليه المؤرخون من وجود علاقة بينهم وبين الشيعة ابتداء من علي.

وأعود إلى البيانية من الغلاة وساترك اختلاف المؤلفين في اسم زعيمها أهو بيان أم بنان وفي اسم أبيه ونسبه تميمي أم نهدي أم هندي(١) .

سأتجاوز الاسم واللقب الى الفرقة ذاتها وعقيدتها وأحاول ذلك في ضوء ما أورده المؤرخون عنها.

____________________

١- مقالات الإسلاميين ج١ ص٦٧ والفرق بين الفرق ص١٤٥ والملل والنحل ج١ ص١٥٢ والحور العين ص١٦١ ويلاحظ ان الشهرستاني والحميري يبحثان البيانية ضمن فرق الهاشمية المنسوبين الى ابي هاشم بن محمد بن الحنفية والتبصير في الدين ص٧٢ والتعريفات ص٢٧.

١١١

فماذا لدى هؤلاء عن البيانية ؟!

يقول الأشعري والبغدادي والشهرستاني والحميري والأسفاراييني والجرجاني ان الإمامة انتقلت إليه من أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية(١) .

ويزيد البغدادي والأسفراييني والمقريزي بأن روح الإله تناسخت في الأنبياء والأئمة حتى صارت إليه(٢) .

والشهرستاني بأن الجزء الإلهي الذي كان في علي قد انتقل اليه بنوع من التناسخ(٣) .

ويتفق الأشعري والبغدادي والحميري في أن بياناً هذا كان يدعي معرفته بالاسم الأعظم وبه يدعو الزهرة فتجيبه(٤) .

ويذكر البغدادي والأسفراييني وابن حزم أن بياناً كان يزعم أنه المعني بقول الله ( هذا بيان للناس )(٥) فهو البيان الوارد في القرآن(٦) .

ويتفق الأشعري والبغدادي والشهرستاني والحميري على أنه كان يقول ان اله على صورة إنسان وانه يهلك كله الا وجهه(٧) متأولاً قول الله ( كل شيء هالك الا وجهه ) و ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك )(٨) .

كما يذكر البغدادي والأسفراييني ان بياناً هذا نسخ بعض شريعة محمد.

وأخيراً فان منهم من يدعي له النبوة والإمامة كالأشعري(٩) أو النبوة كابن حزم(١٠) أو الإمامة والنبوة والألوهية كالبغدادي(١١) .

أو الإمامة والخلافة كالشهرستاني(١٢) .

____________________

١- الفرق بين الفرق ص١٤٥ والتبصير في الدين ص٧٢ وخطط المقريزي ج٤ ص١٧٥ - ١٧٦.

٢- الملل والنحل ج١ ص١٥٢.

٣- مقالات الإسلاميين ج١ ص٦٦ والفرق بين الفرق ص١٤٥ والحور العين ص١٦١.

٤- الفرق بين الفرق ص١٤٥ والتبصير في الدين ص٧٢ والفصل في الملل والأهواء والنحل ج٥ ص٤٤.

٥- سورة آل عمران ١٣٨.

٦- مقالات الإسلاميين ج١ ص٦٦ والفرق بين الفرق ص١٤٥ والملل والنحل ج١ ص١٥٣ والحور العين ص١٦١.

٧- سورتا القصص ٨٨ والرحمن٢٧.

٨- الفرق بين الفرق ص١٤٥ والتبصير في الدين ص٧٢ ومقالات الإسلاميين ج١ ص٦٧.

٩- الفصل في الملل والأهواء والنحل ج٥ ص٤٤.

١٠- الفرق بين الفرق ص١٤٥.

١١- الملل والنحل ج١ ص١٥٣.

١٢- مقالات الإسلاميين ج١ ص٦٨ فما بعدها.

١١٢

فماذا كان بيان هذا ؟ خليفة أم إماما أم نبياً أم إلهاً أم هو كل ذلك فأنا لم أستطع أن أعرف مهنته على وجه التحديد، وكل واحد ممن رأينا من المؤلفين يجعله صاحب مهنة وأحيانا مهنتين أو أكثر في وقت واحد.

ولأفترض صحة ما ذكروه من انتقال الإمامة أو الألوهية إليه، فأين الغلو في علي ؟!

ان الذي صار به بيان إماما أو نبياً أو إلهاً هو أبو هاشم لا علي، وان الروح الذي انتقل اليه وحل فيه هو روح أبي هاشم لا روح علي الذي لم يزد في حالة بيان على ان يكون واحدا في هذه السلسلة الطويلة التي مرت بها الألوهية وهي تنتقل من شخص لآخر حتى وصلت بيانا واستقرت فيه بعتد أن أتعبها طول السفر وكثرة المحطات من آدم حتى ابن محمد بن الحنفية.

وما الفرق بين علي وبين أي أحد من أولئك الذين مرت بهم الألوهية لينسب بيان والبيانية الى الغلو فيه لا في واحد آخر منهم.

أن اقل ما يوصف به بيان، انه تساوى مع علي ما دام كل منهما إماما أو نبيا أو ألها حسب ما يقوله المؤلفون.

فالحديث إذن عن غلو بيان والبيانية في علي حديث لا مكان له. بل ما أظن بيانا يقبله ويرضى به بعد أن صارت إليه الألوهية واستقرت فيه ولم يعد لعلي منها شيء.

ثم ما هو مذهب أو دين هذا الإمام أو النبي أو الإله الذي سماه المؤلفون بيانا. ومن هم صحابته وأركان ملته ؟ ومن أين بدأت دعوته ومتى وكيف تطورت وكيف انتهت ؟

١١٣

ألم يكن لهذه الفرقة امتداد في الزمان أو المكان ؟ ألم يكن لها مؤلف أو كاتب يكتب عنها ويظهر عقيدتها نرجع إليه كلما أردنا الإطلاع على أمر مما يخصها ؟ أليس لهاتراث فكري على الإطلاق ؟! وكيف صارت أذن فرقة هي ومثيلاتها من الفرق السابقة واللاحقة في نظر من ألفوا في العقائد والفرق ؟!

لقد قال بيان انه نبي أو اله وهذا يوجب عليه أول ما يوجب أن يكون له دين يبشر به ويدعو إليه فما هو هذا الدين وأين سنعثر عليه ؟!

ألم يفكر في الصلاة على الأقل كما فعل صاحبه عبد الله بن حرب فيزيد فيها أو يقلل منها.

أيكون نبي أو اله ولا يعرف احد عن دينه ولا عن أصحابه شيئا ؟! أم انه لم يكن له دين ولا أصحاب، ولم تكن البيانية كفرقة ألا وهما تتابع عليه المؤلفون في العقائد لأنهم أرادوه.

المغيرية:

والمغيرية من فرق الغلاة المشهورة التي يطيل المؤلفون الحديث عنها. فما شأن هؤلاء المغيرية وما شأن زعيمهم المغيرة. وهل هو حقاً من أصحاب الغلو كما يروي المؤلفون في العقائد أم من الثوار أم من السحرة ؟!

يقول عنهم الأشعري في مقالات الإسلاميين وهو يتحدث عن الغلاة(١) ( يزعمون أنه - يعني المغيرة - كان يقول انه نبي وانه كان يعلم اسم الله الأكبر وان معبودهم رجل من نور على رأسه تاج وله من الأعضاء والخلق مثل ما للرجل وله.... ).

____________________

١- الفرق بين الفرق ص١٤٦ فما بعدها.

١١٤

( وزعم أنه يحي الموتى بالاسم الأعظم وأراهم أشياء من النيرنجات والمخاريق وذكر لهم كيف ابتدأ الله الخلق فزعم أن الله - جل اسمه - كان وحده لا شيء معه فلما أراد أن يخلق الأشياء تكلم باسمه الأعظم فطار فوقع رأسه التاج قال وذلك قوله ( سبح اسم ربك الأعلى ) قال ثم كتب بإصبعه على كفه أعمال العباد من المعاصي والطاعات فغضب من المعاصي فعرق فاجتمع من عرقه بحران احدهما مالح مظلم والأخر نير عذب ثم اطلع في البحر فأبصر ظله فذهب ليأخذه فطار فانتزع عين ظله فخلق منها شمساً ومحق ذلك الظل وقال لا ينبغي أن يكون معي اله غيري ثم خلق الخلق كله من البحرين فخلق الكفار من البحر المالح المظلم وخلق المؤمنين من النير العذب.... ).

ويقول عنهم البغدادي في الفرق بين الفرق(١) ( هؤلاء أتباع المغيرة بن سعيد العجلي وكان يظهر في بدء أمره موالاة الأمامية ويزعم أن الإمامة بعد علي والحسن والحسين إلى سبطه محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي(٢) وزعم انه هو المهدي المنتظر... وتبعته الرافضة على دعوته إياهم ألى انتظار محمد بن عبد الله بن الحسن ثم انه اظهر لهم بعد رياسته عليهم نوعا من الكفر الصريح منها دعواه النبوة... ).

ثم يسترسل البغدادي كما فعل الأشعري قبله في الحديث عن التاج الذي وقع فوق راس الله وعن العرق الذي تصبب منه غضبا وهو يرى معاصي عباده بعد أن كتب أعمالهم بإصبعه على كفه.

ويمضي في الحديث عن البحرين اللذين اجتمعا من عرق الله وكيف انه أبصر ظله في البحر فذهب ليأخذه فطار - يعني الظل لا الله - فانتزع عيني ظله فخلق منهما الشمس والقمر وأفنى الباقي..

____________________

١- المعروف بالنفس الزكية خرج في المدينة ايام المنصور وقتل عام ١٤٥ وهو من سراة العلويين وذوي الفضل والدين منهم كانت ولادته في المدينة ٩٣ وقد أخطأ البغدادي هنا ايضا كعادته سهواً أو عمداً حين ذكر ان المغيرة كان يدعو الى انتظار محمد بن عبد الله بن الحسن ( النفس الزكية ) فمحمد هذا لم يكن قد قتل بل لم يكن قد اشتهر وعرف عندما قتل المغيرة عام ١١٩ وقد وقع في هذا الخطأ الأشعري في مقالات الإسلاميين ج١ ص٧٣ والمقريزي في الخطط.

٢- الملل والنحل ج١ ص١٧٦ وما بعدها.

١١٥

ويذكرهم الشهرستاني فيقول(١) ( أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي ادعى أن الإمامة بعد محمد بن علي بن الحسين - الباقر - في محمد النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن بن الحسن الخارج بالمدينة وزعم أنه حي لم يمت(٢) ..

وادعى الإمامة لنفسه بعد الإمام محمد وبعد ذلك ادعى النبوة لنفسه واستحل المحارم وغلا في حق عليرضي‌الله‌عنه غلوا لا يعتقده عاقل ).

واستحلال المحارم تهمة جديدة لم يجد الشهرستاني حرجا في إضافتها إلى المغيرة خصوصا وأن هذا الرجل قد تحمل الكثير قبلها فماذا يضيره لو أضيفت إليه تهمة جديدة أخرى.

ثم يكرر الشهرستاني ما سبق ان رايناه عند الاشعري والبغدادي من حديث العرق والظل والعذب والمالح فيفيض فيه ويتابع (... وقد قال المغيرة بإمامة أبي جعفر بن علي - الباقر - ثم غلا فيه وقال بآلهيته فتبرأ منه الباقر ولعنه... ).

ويقول ابن حزم(٣) ( وفرقة قالت بنبوة المغيرة بن سعيد مولى بجبلة بالكوفة.. ).

وهو يردد ما رأيناه أنفا فلا حاجة لذكره لكنه لا ينسى أن يضيف هو أيضا تهمة جديدة ينسبها إلى المغيرة الذي يبدو أنه كان سمحا سهل الخلق لا يضيق بتهمة أو اثنين أخريين أو أكثر. ثم انه ليس أحسن حظا ممن سبقه أو لحقه من الذين قدر عليهم أن يكتب ابن حزم وأمثاله سيرتهم. فليتأس بأصحابه وليترك أمره لله فلعل ضميرا حرا سيرد عنه وعن أصحابه في يوم، ما عجزوا هم عن رده من كتابات ابن حزم وأمثاله.

____________________

١- المصدر السابق ص١٧٦- ١٧٧ وقد سبق ان قلت ان قتل محمد النفس الزكية كان عام ١٤٥ وقتل المغيرة عام ١١٩ أي قبل النفس الزكية بست وعشرين سنة فلا مجال للقول ان المغيرة كان يدعي ان النفس الزكية حي لم يمت لأنه لم يكن فعلا قد مات - قتل - عندما كان المغيرة حيا يتصرف بالإمامة كما يريد او يريد المؤلفون ولم يقتل النفس الزكية الا بعد المغيرة بست وعشرين سنة كما ذكرنا.

٢- الفصل في الملل والأهواء والنحل ج٥ ص٤٣ - ٤٤.

٣- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص٥٨.

١١٦

وتهمة ابن حزم الجديدة تتعلق ب- ( تحريم ماء الفرات وكل ماء نهر أو عين أو بئر وقعت فيه نجاسة... ).

ويختصر الرازي موضوع المغيرة والمغيرية بأنه ( ادعى الآلهية ثم أحرقوا بالنفط والنار )(١) .

والآن ماذا يقول المؤرخون عن المغيرة والمغيرية ؟

يقول الطبري عند الكلام عن أحداث سنة ١١٩(٢) .

( وفي هذه السنة - يعني ١١٩ - خرج المغيرة بن سعيد وبيان في نفر فأخذهم خالد(٣) فقتلهم أما المغيرة بن سعيد فإنه كان - فيما ذكر - ساحرا... عن الأعمش قال سمعت المغيرة بن سعيد يقول لو أردت أن احيي عادا وثمودا وقرونا بين ذلك كثرا لأحييتهم...

وكان المغيرة قد نظر في السحر فأخذه خالد فقتله وصلبه.

... عن مولى عمرو بن حريت - والكلام ما يزال للطبري - قال رأيت خالدا حيت أتى بالمغيرة وبيان في ستة رهط أو سبعة أمر بسريره فاخرج إلى المسجد الجامع وامر باطنان قصب ونفط فأحضرا.

وعن علي بن محمد قال خرج المغيرة بن سعيد نفر وكانوا يدعون الوصفاء وكان خروجهم بظهر الكوفة فأخبر خالد القسري بخروجهم وهو على المنبر فقال أطعموني ماء فنعى عليه ذلك ابن نوفل فقال(٤)

أخالد لا جزاك الله خيراً.........

وكنت لدى المغيرة عبد سوء تبول من المخافة للزئير

____________________

١- تاريخ الطبري ج٧ احداث سنة ١١٩ ص١٢٨ وما بعدها.

٢- خالد بن عبد الله القسري البجلي والي الكوفة من ١٠٥- ١٢٠ حيث عزل وتولى مكانه يوسف بن عمر الثقفي.

٣- يحيى بن نوفل الحميري احد الشعراء الهجائين في زمن الأمويين ت نحو ١٢٥.

٤- الكامل لابن الأثير ج٤ احداث سنة ١١٩ ص٤٢٨.

١١٧

وقلت لما أصابك أطعموني شراباً ثم بلت على السرير

لا علاج ثمانية وشيخ كبير السن ليس بذي نصير

ويقول ابن الأثير في كلامه عن أحداث سنة ١١٩ أيضاً(١) ( وفي هذه السنة خرج المغيرة بن سعيد وبيان في ستة نفر كانوا يسمون الوصفاء وكان المغيرة ساحراً وكان يقول لو أردت أن احيي عاداً وثموداً وقروناً بين ذلك كثيراً لفعلت وبلغ خالد بن عبد الله القسري خروجهم بظهر الكوفة وهو يخطب فقال: أطعموني ماء فقال يحيى بن نوفل في ذلك ( الأبيات السابقة ).

لكن ابن الأثير يضيف الى كلامه السابق ما أورده المؤلفون في العقائد قبله من سقوط التاج وغضب الله والبحرين العذب والمالح وتحريم ماء الفرات والمياه الاخرى الخ.

وفي خطط المقريزي(٢) ( والفرقة الثامنة المغيرية أتباع مغيرة بن سعيد العجلي مولى خالد بن عبد الله طلب الإمامة لنفسه بعد محمد بن عبد الله بن الحسن فخرج على خالد بن عبد الله القسري بالكوفة في عشرين رجلاً فعطعطوا به فقال خالد أطعموني ماء وهو على المنبر فعير بذلك... وادعى - يقصد المغيرة - النبوة وزعم أن معجزته علمه بالاسم الأعظم وأنه يحيي الموتى... ) ثم الحديث نفسه عن عرق الله بعد غضبه وعن البحر العذب والبحر المالح...

____________________

١- خطط المقريزي ج٤ ص١٧٦.

٢- البدء والتاريخ ج٥ ص١٣٠.

١١٨

ويقول صاحب البدء والتاريخ(١) ( فأما المغيرية فأصحاب المغيرة بن سعيد أثبتوا له النبوة وزعموا أن محمد بن الحنفية لو شاء أحيى الخلق حتى عاداً وثموداً فأخذه خالد فقتله وصلبه ).

وقبل هؤلاء قال محمد بن حبيب في المحبر(٢) ( وصلب خالد بن عبد الله القسري في خلافة هشام بن عبد الملك المغيرة بن سعيد البجلي ثم الاحمسي وخرج عليه بالكوفة داعياً لمحمد بن عبد الله بن الحسن وكان يقول هو المهدي فظفر به وبأصحابه فصلب المغيرة وحرق أصحابه بالنار وهم الذين يدعون ( المغيرية ).

فما هي صورة المغيرة هذا ؟ أي الأقوال نأخذ بها وأيها نترك ؟ هل هو رئيس فرقة وصاحب مذهب ؟ هل هو ثائر ضد السلطة ؟ هل هو مشعوذ ساحر ؟ هل هو داعية من دعاة العلويين هل.. هل هو كل هذا ؟

سأترك اختلاف المؤلفين في نسب المغيرة أهو عجلي أم بجلي من بجيلة أنفسهم أو مولى لهم فهذا ما يمكن التسامح فيه كما فعلنا من قبل مع بيان بن سمعان.

وسأترك هذا الهذيان عن العرق والعذب والمالح وعيني الظل الذي يريد أن يصدقه هؤلاء ويقتنعوا به، وأن نصدقه نحن ونقتنع به فهو كما قلت هذيان لا يصدر إلا عن مجنون ولا يجوز إلا على مجنون. وما أظننا هنا نتعامل مع هذا الصنف ولا نكتب عنهم.

سأتجاوز كل ذاك لأسأل لمن كان المغيرة يدعو بالإمامة ؟ لمحمد بن عبد الله

____________________

١- ابو جعفر محمد بن حبيب البغدادي الأخباري الهاشمي بالولاء ت ٢٤٥ له مصنفات كثيرة في اللغة والشعر والأخبار والأنساب منها كتاب المحبر الذي ننقل عنه بتصحيح الدكتورة ليلزة ليختن شتيتر منشورات المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع بيروت ص٤٨٣.

٢- مقالات الإسلاميين ج١ ص٧٣.

١١٩

ابن الحسن ( النفس الزكية ) أم لمحمد بن علي بن الحسين ( الباقر ) أم لنفسه هو ؟

فالبغدادي يقول عن المغيرة أنه ( يزعم أن الإمامة بعد علي والحسن والحسين الى سبطه محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي..) النفس الزكية دون أن تمر بأي شخص آخر، وأنه هو المهدي المنتظر.

بينما ينسب الشهرستاني الى المغيرة القول بإن الإمامة في محمد بن علي بن الحسين ( الباقر ) ثم من بعده في محمد النفس الزكية مخالفا في ذلك البغدادي الذي يتجاوز الباقر في الإمامة كما رأينا.

بل يزيد الشهرستاني فيقول ان المغيرة غلا في محمد بن علي الباقر فجعله إلها وطلب من أصحابه أن ينتظروه فإنه سيرجع وجبريل وميكائيل يبايعانه بين الركن والمقام. وهو في ذلك يخالف الأشعري الذي يجعل بيعة الملكين للنفس الزكية لا للباقر(١) .

أما صاحب البدء والتاريخ فلا يتحدث إلا عن محمد بن الحنفية ويدعي أن المغيرية يزعمون أن ابن الحنفية هذا لو شاء لأحيى الخلق حتى عادا وثمودا.

ويقول المقريزي ان المغيرة طلب الإمامة لنفسه بعد محمد النفس الزكية مع أن المغيرة قتل بإجماع سنة ١١٩ في خلافة هشام بن عبد الملك وثار النفس الزكية وقتل ١٤٥ في خلافة أبي جعفر المنصور أي بعد ست وعشرين سنة من مقتل المغيرة الذي يدعي المقريزي أنه كان يطلب الإمامة بعده(٢) .

على أن المؤلفين لا يختلفون فقط فيمن كان المغيرة يدعو إليه من العلويين الاثنين: الباقر أو النفس الزكية، وإنما يضيفون إليهما ثالثا هو المغيرة ذاته الذي

____________________

١- خطط المقريزي ج٤ ص١٧٦.

٢- الملل والنحل ج١ ص١٧٤ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص٦٠ وخطط المقريزي ج٤ ص١٧٥ اما صاحب الفرق بين الفرق فيجعلهم من فرق الإمامية ويعالجهم تحت هذا العنوان ص٣٥ وكذلك ابن حزم في الفصل ج٥ ص٤١.

١٢٠