• البداية
  • السابق
  • 168 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45856 / تحميل: 7224
الحجم الحجم الحجم
تأريخ جديد للتأريخ  على هامش الفرق الإسلامية

تأريخ جديد للتأريخ على هامش الفرق الإسلامية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

مثال:

إنّ تعظيم الصديق بصورة عامة فعل حسن، ولكنه قد يصبح قبيحاً فيما لو عرض عليه عنوان آخر، كما لو أصبح هذا التعظيم سبباً لإيذاء هذا الصديق من قبل الآخرين.

وفي المقابل فإنّ تحقير الصديق بصورة عامة فعل قبيح، ولكنه قد يصبح حسناً فيما لو عرض عليه عنوان آخر، كما لو أصبح هذا التحقير سبباً لإنقاذه من أيدي الظالمين، ومثله الصدق والكذب.

٣ - يكون الفعل لا علّية له ولا اقتضاء في نفسه للاتّصاف بالحسن أو القبح، وإنّما يتبع الوجوه والجهات الطارئة والعناوين المنطبقة عليه.

مثال:

الضرب، فإنّه حسن للتأديب وقبيح للإيذاء.

٤١

المبحث الرابع

إطلاقات الحسن والقبح

الإطلاق الأوّل:

إطلاق "الحسن" على ما هو "كمال"، وإطلاق "القبيح" على ما هو "نقص"(١) (٢) .

مثال:

إنّ العلم والشجاعة والكرم من الأُمور الحسنة، لأ نّها كمال لمن يتّصف بها.

وإنّ الجهل والجبن والبخل من الأُمور القبيحة، لأ نّها نقصان لمن يتّصف بها.

ملاحظة:

ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية(٣) والأشاعرة.

ولا إشكال في أنّ العقل يدرك هذا النمط من الحسن والقبح، لأنّ هذا الإطلاق من القضايا اليقينية التي لها واقع خارجي يطابقها، ولا يتعلّق هذا الحسن والقبح بالشرع.

تنبيه:

____________________

١- انظر: كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث، الفصل الأوّل، ص٢٤٥، ٢٤٧.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل، البحث الأوّل، ص١٠٤.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل، ص٦٤.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، مسألة الحسن والقبح، ص٢٥٤.

كتاب المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ٥، ص٢٦٩.

٢- "كمال الشيء: حصول ما فيه الغرض منه" والنقص ما يقابله.

انظر: مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني: مادة (كمل).

٣- العدلية لقب يطلق على الشيعة والمعتزلة، لأنّهم يقولون بالعدل الإلهي.

٤٢

لا يوجد خلاف بين العدلية والأشاعرة في إطلاق الحسن والقبح - في بعض الأحيان - على ما هو كمال أو نقص، ولكن الخلاف يكمن في أ نّنا:

عندما نقول: تحصيل الكمال حسن، فإنّ هذا "الحُسن" هل يعرف عن طريق العقل أو عن طريق الشرع؟

وعندما نقول الرجوع إلى النقصان قبيح، فإنّ هذا "القُبح" هل يُعرف عن طريق العقل أو عن طريق الشرع؟(١)

وسنبيّن توضيح ذلك لاحقاً.

الإطلاق الثاني:

إطلاق "الحسن" على ما يلائم "الطبع"، وإطلاق "القبيح" على ما "ينافر الطبع".

ويرجع هذا المعنى من الحسن والقُبح - في الواقع - إلى معنى اللذة والألم(٢) .

مثال:

يقال: هذا المنظر حسن، وهذا الصوت حسن، لأ نّهما يلائمان الطبع.

ويقال: ذلك المنظر قبيح، وذلك الصوت قبيح، لأنّهما ينافران الطبع.

ملاحظة:

ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية والأشاعرة، لأنّ هذا الإطلاق نابع من أعماق شعور النفس البشرية، كما أنّ طبائع الناس مختلفة فيما بينها، وليس في هذا الصعيد ميزان مشخّص لتوحيد الطبائع البشرية.

تنبيه:

قيل: "إنّ الملائمة والمنافرة جهتان تقتضيان الحبّ والبغض والرضا والسخط، لا

____________________

١- انظر: صراط الحقّ، محمّد آصف المحسني: ج٢، المقصد الخامس، ص١٥٣.

٢- انظر: مصادر الإطلاق السابق.

٤٣

الحسن والقبح العقليان، فلا معنى لعدّهما من معاني الحسن والقبح"(١) .

الإطلاق الثالث:

إطلاق "الحسن" على ما "يوافق الغرض والمصلحة"، وإطلاق "القبيح" على "ما يخالف الغرض والمصلحة"(٢) .

ويعبّر عن هذا الحسن والقبح بالمصلحة والمفسدة، فيقال: الحسن ما فيه مصلحة، والقبيح ما فيه مفسدة.

مثال:

إنّ قتل العدو حسن، لأ نّه موافق لغرض ومصلحة تعود للقاتل، ولكن قتل هذا الشخص قبيح للمقتول وأهله لمخالفته لغرضهم ومصلحتهم.

ملاحظة:

ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية والأشاعرة، لأنّ هذا الحسن والقبح بإجماع الطرفين أمر يدركه العقل، كما أنّ الأغراض والمصالح الشخصية لا تصحّح توصيف الفعل بالحسن والقبح دائماً، وذلك لاختلافها، فربّ فعل كالقتل حسن عند فرد أو جماعة، ولكنه قبيح عند الآخرين.

تنبيه:

لا يوجد خلاف بين العدلية والأشاعرة في إطلاق الحسن والقبح - أحياناً - على ما فيه الصلاح أو الفساد، ولكن الخلاف يكمن في أنّ العقل هل يتمكّن بنفسه ومن دون الاستعانة بالشرع من معرفة صلاح أو فساد بعض الأفعال، أم أ نّه غير متمكّن من ذلك أبداً، ولابدّ من الرجوع في هذه القضية إلى الشرع فقط؟

____________________

١- دلائل الصدق، محمّد حسن المظفر: ج١، المسألة ٣، المبحث ١١، المطلب ٢، مناقشة المظفر، ص٣٧٦.

٢- انظر: المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الثاني، ص٨٥.

الالهيات، محاضرات: جعفر السبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: ١ / ٢٣٣ - ٢٣٤.

المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ٥، ص٢٦٩.

٤٤

الإطلاق الرابع:

إطلاق الحسن في أفعال العباد على ما تعلّق به مدح الشارع.

وإطلاق القبيح في هذه الأفعال على ما تعلّق به ذم الشارع.

وذلك في الموارد التي لا يستطيع العقل فيها الحكم بالحسن والقبح.

وهذا ما يسمّى بالحسن والقبح الشرعي.

مثال:

حسن الصلاة والصوم، وقبح أكل لحم الميتة والربا وفق بيان الشارع.

ملاحظة:

ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية والأشاعرة، وذلك لعدم وجود شكّ بأنّ العقل البشري غير قادر في هذه الموارد على معرفة الحسن والقبح، وأنّ السبيل إلى هذه المعرفة هو الشرع فقط(١) .

الإطلاق الخامس:

إطلاق الحسن على ما يستحق فاعله "المدح" عقلا.

وإطلاق القبيح على ما يستحق فاعله "الذم" عقلا.

تنبيهات:

١ - إنّ الفعل الحسن بالذات هو الفعل الذي يستحق فاعله المدح عقلا، سواء كان هذا الفاعل هو اللّه تعالى أو العبد.

٢ - إنّ الفعل القبيح بالذات هو الفعل الذي يستحق فاعله الذم عقلا، فلهذا ينبغي تنزيه اللّه تعالى عن هذا الفعل.

٣ - إنّ تطبيق هذا الإطلاق على أفعال اللّه تعالى ليس من باب سراية حكم الإنسان على الباري عزّ وجلّ، بل هو من قبيل استكشاف قاعدة عامة ضرورية

____________________

١- انظر: تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، مسألة في الحسن والقبح، ص٩٨.

٤٥

وبديهية تشمل كلّ فاعل مختار من غير فرق بين الخالق والمخلوق.

٤ - إنّ هذا الإطلاق للحسن والقبح هو الذي وقع الخلاف فيه بين العدلية والأشاعرة، وسنبيّن تفصيل ذلك في المبحث القادم.

٤٦

المبحث الخامس

محل الخلاف بين العدلية والأشاعرة

حول حسن وقبح الأفعال

الاختلاف الأوّل:

هل لبعض الأفعال حُسن أو قبح ذاتي، أم أنّ الحُسن والقبح مجرّد صفات اعتبارية لكلّ الأفعال، بحيث توجد هذه الصفات عندما يتمّ الاتفاق عليها وتنعدم عندما يزول هذا الاتفاق؟

رأي الأشاعرة:

إنّ الحسن والقبح مجرّد صفات اعتبارية لجميع الأفعال "لأنّ الأفعال كلّها سواسية ليس شيء منها في نفسه حسناً أو قبيحاً بحيث يقتضي مدح فاعله وثوابه، ولا ذم فاعله وعقابه، وإنّما صارت كذلك بواسطة أمر الشارع بها ونهيه عنها"(١) .

رأي العدلية:

إنّ من الأفعال ما هي حسنة في ذاتها.

وإنّ من الأفعال ما هي قبيحة في ذاتها.

ويكون الشارع عند تحسينه أو تقبيحه لهذه الأفعال كاشفاً لحسنها أو قبحها لا موجباً وسبباً لها(٢) .

____________________

١- المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ٥، ص٢٧٠.

٢- سنذكر مصادر هذا الرأي لاحقاً.

٤٧

الاختلاف الثاني:

هل يستطيع العقل من صميم ذاته، ومن دون الرجوع إلى الشرع أن يدرك ويكشف حسن وقبح الأفعال، أم أ نّه لا يستطيع ذلك إلاّ بمساعدة الشرع؟

رأي الأشاعرة:

لا يستطيع العقل ذلك أبداً، "ولا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها"(١) ، وينبغي الرجوع إلى الشرع من أجل معرفة حسن وقبح جميع الأفعال.

رأي العدلية:

دور العقل في إدراك حسن وقبح الأفعال(٢) :

أوّلاً: يدرك العقل حسن وقبح بعض الأفعال بالضرورة والبداهة.

مثال:

حسن العدل وشكر المنعم والصدق النافع والتكليف حسب الطاقة.

وقبح الظلم وكفران المنعم والكذب الضار وتكليف ما لا يطاق.

ثانياً: يدرك العقل حسن وقبح بعض الأفعال بالتفكّر والتأمّل.

مثال:

حسن فعل أمر الشرائع وقبح تركها.

ثالثاً: لا يدرك العقل حسن وقبح جملة من الأفعال لا ضرورة ولا بالتفكّر والتأمّل، فلا يكون للعقل سبيل لمعرفة هذا الحسن والقبح إلاّ عن طريق تحسين وتقبيح الشارع.

____________________

١- المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٥، المرصد ٦، المقصد ٥، ص٢٦٨.

٢- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل، البحث الثاني، ص ١٠٤.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، مسألة الحسن والقبح، ص ٢٥٥.

٤٨

مثال:

تحسين الشارع صوم شهر رمضان، وتقبيحه صوم يوم عيد الفطر.

تنبيه:

ينبغي الالتفات إلى أنّ هذا التحسين والتقبيح من الشارع يدل على وجود جهة محسّنة ومقبّحة في هذه الأفعال، وقد تكون هذه الجهة غير ذاتية، بل هي مجرّد اختبار لمعرفة مدى امتثال الإنسان لأوامر ونواهي اللّه تعالى.

الاختلاف الثالث:

هل أوامر ونواهي الشرع هي السبب والموجب لحسن وقبح جميع الأفعال، أم توجد أفعال لها حسن وقبح ذاتي بحيث يكون تحسين وتقبيح الشارع لها وسيلة للكشف عن الحسن والقبح الذي تتصف به بذاتها؟

رأي الأشاعرة:

"الأمر والنهي عندنا من موجبات الحسن والقبح [لجميع الأفعال] بمعنى: أنّ الفعل أُمر به فحَسُن، ونُهي عنه فقَبُح"(١) .

رأي العدلية:

إنّ بعض الأفعال لها حسن وقبح ذاتي، بحيث:

لا يكون أمر الشرع بها ونهيه عنها "موجباً وسبباً" لحسنها وقبحها.

وإنّما يكون أمر الشرع بها ونهيه عنها "كاشفاً ومبيّناً" لحسنها وقبحها الذاتي.

أي: أنّ الفعل حَسَنٌ بذاته، فلهذا أُمر به، لا لأنّه أُمر به فأصبح حسناً.

وإنّ الفعل قبيح بذاته، فلهذا نُهي عنه، لا لأنّه نُهي عنه فأصبح قبيحاً(٢) .

مثال:

____________________

١- شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج٤، المقصد ٥، الفصل ٥، المبحث ٣، ص٢٨٣.

٢- سنذكر مصادر هذا الرأي لاحقاً.

٤٩

إنّ "العدل" حسن في نفسه، ولحسنه أمر اللّه تعالى به، لا أ نّه صار حسناً بعد أن أمر اللّه تعالى به.

وإنّ "الظلم" قبيح في نفسه، ولقبحه نهى اللّه تعالى عنه، لا أ نّه صار قبيحاً بعد أن نهى اللّه تعالى عنه.

٥٠

المبحث السادس

رأي العدلية (القائلين بالحسن والقبح العقلي)

أقسام الفعل(١) :

القسم الأوّل:

إنّ من الأفعال ما هي حسنة في ذاتها.

وإنّ من الأفعال ما هي قبيحة في ذاتها.

ويكون الشارع عند تحسينه وتقبيحه لهذه الأفعال كاشفاً عن حُسن هذه الأفعال أو قبحها لا موجباً وسبباً لها.

قدرة العقل على معرفة الحسن والقبح الذاتي لهذه الأفعال:

١ - يتمكّن العقل - في بعض الأحيان - من اكتشاف ومعرفة حسن أو قبح هذه الأفعال، مع غض النظر عن حكم الشارع، ويكون حكم الشارع في هذه الحالة مجرّد تنبيه ليلتفت الإنسان إلى حكم العقل.

٢ - لا يتمكّن العقل - في بعض الأحيان - من اكتشاف ومعرفة حسن أو قبح هذه الأفعال، وذلك لخفاء ملاكاتها عليه، فيكشف الشارع له ذلك.

تنبيه:

يعود هذا الخفاء إلى قصور العقل في تلك الحالات عن إدراك المحاسن

____________________

١- انظر: الياقوت في علم الكلام، أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت: القول في العدل، ص٤٥.

كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث، الفصل الأوّل، ص ٢٤٨.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، المبحث الأوّل، ص٢٢٩.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، مسألة الحسن والقبح، ص٢٥٥.

٥١

والمصالح الكامنة في تلك الأفعال.

القسم الثاني:

إنّ من الأفعال ما ليس لها حسن أو قبح في ذاتها، فيقف العقل عند الحكم على حسنها أو قبحها، ويكون الشارع في هذه الحالة هو المصدر الوحيد لبيان حسن وقبح هذه الأفعال.

مثال:

حسن العمل بالشرايع وقبح تركه، من قبيل: الطهارة والنجاسة والأعمال العبادية.

تنبيه:

إنّ العقل يدرك - أحياناً - الجهة الداعية لأمر اللّه تعالى والجهة الباعثة على نهيه، وقد تخفى عليه هذه الجهات غير أنّ العقل يحكم حكم اليقين بأ نّه لو اطّلع على ما خفي عليه لكان حكمه موافقاً تماماً لحكم الشرع.

خلاصة رأي العدلية:

إنّ العقل البشري قادر من صميم ذاته - على إدراك "حُسن" أو "قبح" بعض الأفعال من دون الاستعانة بحكم الشرع.

ويكون الشرع عند تحسينه وتقبيحه لهذه الأفعال كاشفاً عما يدرك العقل ومرشداً إليه، وليس للشرع في هذه الأفعال أن:

يحسّن ما هو قبيح ذاتاً.

أو يقبّح ما هو حسن ذاتاً.

ولهذا فإنّ الشكّ بالنبوّة يؤدّي إلى الشك بقبح أكل أموال الربا دون الشكّ بقبح الظلم.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام):

٥٢

"بالعقل عرف العباد خالقهم... وعرفوا به الحسن من القبيح"(١) .

تنبيهات:

١ - إنّ مقتضى التحسين والتقبيح العقليين هو أنّ العقل بنفسه يدرك أنّ بعض الأفعال - بنفسها ومن دون لحاظ شيء آخر - حسنة أو قبيحة ذاتاً، بحيث يكون وصف الحسن والقبح ثابتاً وغير متغيّر لهذه الأفعال بصورة مطلقة(٢) .

مثال:

إنّ العدل حسن ذاتاً.

وإنّ الظلم قبيح ذاتاً.

ولهذا يحكم العقل بتحسين العدل وبتقبيح الظلم من خلال ملاحظة نفس موضوع العدل والظلم، ومن دون تصوّر كون العدل يشتمل على الصلاح أو أنّ الظلم يشتمل على الفساد.

٢ - إنّ الإمامية ذهبوا إلى إثبات الحسن والقبح العقليين استلهاماً في بحوثهم العقائدية - بعد القرآن الكريم والسنة النبوية - من إرشادات أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وإنّ المعتزلة تابعت الإمامية في هذه المسألة دون العكس.

ولهذا قال العلاّمة الحلّي:

"ذهبت الإمامية ومن تابعهم من المعتزلة إلى أنّ من الأفعال ما هو معلوم الحسن والقبح بضرورة العقل"(٣) .

ثمرة رأي العدلية (القائلين بالحسن والقبح العقليّين):

١ - إنّ العدل حسن بما هو عدل.

وإنّ الظلم قبيح بما هو ظلم.

____________________

١- الأصول من الكافي، الشيخ الكليني: ج١، كتاب العقل والجهل، ح٣٥، ص٢٩.

٢- انظر: الإلهيات، محاضرات: جعفر السبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: ١ / ٢٨٧.

٣- نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر، المطلب الثاني، ص٨٢.

٥٣

وإنّ العقل البشري يكشف لنا ذلك من دون اعتماده على النص الشرعي والحكم الديني.

ولهذا يكون العقل المجرّد لوحده دون غيره هو الدال على ثبوت العدل الإلهي واستحالة صدور الظلم منه تعالى.

٢ - إنّ من النتائج المترتّبة على إدراك العقل للحسن والقبح:

إنّ كلّ ما حكم العقل بحسنه، فهو محبوب شرعاً.

وإنّ كلّ ما حكم العقل بقبحه، فهو مذموم شرعاً.

ولهذا اشتهر عند الفقهاء: "كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع".

٥٤

المبحث السابع

أدلة ثبوت الحسن والقبح العقليّين

الدليل الأوّل:

يحكم كلّ عاقل - على نحو البداهة - بحسن بعض الأفعال ذاتاً ولزوم العمل بها، وقبح البعض الآخر من الأفعال ذاتاً ولزوم الانتهاء عنها.

وإذا بلغ الأمر إلى الضرورة بطل الاستدلال، ومن طلب الدليل بعد البداهة وقع في الإجحاف، ومن كابر في ذلك فقد كابر مقتضى عقله(١) .

مثال:

إنّا نعلم بالضرورة من خيّر شخصاً بين العدل والظلم، ولم يكن لهذا الشخص علم بموقف الشرائع، فإنّه سيختار العدل قطعاً، وما ذاك إلاّ لأنّ حسن العدل وقبح الظلم ذاتي وضروري عقلا.

الدليل الثاني:

لو كان الحسن والقبح شرعيين لما حكم بهما من ينكر الشرائع، ولكننا نرى غير الملتزمين بالدين - على اختلاف فصائلهم -:

____________________

١- انظر: الياقوت في علم الكلام، أبو اسحاق إبراهيم بن نوبخت: القول في العدل، ص٤٥.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الثاني، ص ٨٦.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل، البحث الثاني، ص١٠٤.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الأُولى، ص٤١٨.

نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر، ص٨٣.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، مسألة (١٩٥)، ص٢٣٠.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل، ص٦٥.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، مسألة الحسن والقبح، ص٢٥٥.

٥٥

يصفون بعض الأفعال بالحسن، ويجدون أنفسهم ملزمين بفعلها.

ويصفون بعض الأفعال الأخرى بالقبح، ويعتقدون بأ نّهم ملزمون بتركها.

ويسند هؤلاء تحسينهم وتقبيحهم إلى "العقل" من غير أن يكون "للحكم الشرعي" أي أثر في هذا التحسين والتقبيح والالتزام بالفعل والترك(١) .

مثال:

يحسّن هؤلاء العدل وأداء الأمانة والصدق النافع والوفاء بالعهد وجزاء الإحسان بالإحسان ونحوها، ويرون ضرورة الالتزام بهذه الأفعال.

ويقبّح هؤلاء الظلم والخيانة والكذب الضار ونقض العهد وجزاء الإحسان بالإساءة ونحوها، ويرون ضرورة الابتعاد عن هذه الأفعال.

الدليل الثالث:

إنّ الاعتقاد بالتحسين والتقبيح العقلي هو السبيل لإثبات صحة التحسين والتقبيح الشرعي، ولا يمكن إثبات الحسن والقبح مطلقاً من دون الاعتقاد بالحسن والقبح العقلي.

توضيح ذلك:

إنَّ إنكار تحسين وتقبيح العقل يلزم إنكار تحسين العقل للصدق وتقبيحه للكذب، فيؤدّي ذلك إلى فقدان الثقة بتحسين وتقبيح الشرع، وذلك لاحتمال كون الشارع كاذباً في إخباره، فينتفي الوثوق بالشرع، وتكون النتيجة عدم الاطمئنان بصحة تحسين وتقبيح الشرع.

وبعبارة أُخرى:

إنّ استقلال العقل في تحسينه للصدق وتقبيحه للكذب هو الذي يدفع الإنسان إلى الوثوق بقول الشرع، ولولا ذلك يبقى احتمال عدم صدق الشرع في قوله وإخباره، فينتفي الجزم بصدقه.

____________________

١- انظر: المصادر المذكورة في الهامش السابق.

٥٦

توضيح ذلك:

إنّ الكذب - حسب قول منكري الحسن والقبح العقلي - لا يقبح إلاّ إذا قبّحه الشرع، فلا يعلم قبح الكذب قبل تقبيح الشرع له، فلهذا لا يكون للإنسان قبل إيمانه بالشرع دليل على تنزيه الشرع عن الكذب، فينتفي الجزم بصدق الشرع مطلقاً.

الخلاصة:

إنّ الجزم بعدم كذب الشارع رهن حكم العقل، وهذا ما يثبت الحسن والقبح العقلي(١) .

ولهذا قال العلاّمة الحلّي:

"إنّا لو لم نعلم حسن بعض الأشياء وقبحها عقلا، لم نحكم بقبح الكذب، فجاز [أي: فيؤدّي ذلك إلى جواز] وقوعه من اللّه... فإذا أخبرنا [تعالى] في شيء أ نّه قبيح لم نجزم بقبحه، وإذا أخبرنا في شيء أ نّه حسن لم نجزم بحسنه لتجويز الكذب [فينعدم السبيل لمعرفة ما حسّنه اللّه تعالى وما قبّحه]"(٢) .

الدليل الرابع:

إنّ "المعجزة" هي الوسيلة التي بها يثق الناس بصدق دعوة الأنبياء. ولا يكون هذا الوثوق إلاّ بعد الاعتقاد بالحسن والقبح العقلي المتمثّل في القاعدة التالية وهي:

إنّ إعطاء اللّه المعجزة للكاذب في دعوة النبوّة قبيح ذاتاً.

ومن هنا نثق بصدق مدّعي النبوّة فيما لو جاء بالمعجزة، لأ نّنا نؤمن بأنّ "إعطاء اللّه تعالى هذه المعجزة للكاذب في دعوة النبوّة" قبيح ذاتاً، واللّه تعالى لا يفعل القبيح. وإنّما "الحسن" إعطاء المعجزة للصادق في دعوة النبوّة.

____________________

١- انظر: المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الثاني، ص٨٦ - ٨٧.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الأُولى، ص٤١٨.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، المبحث الأوّل، ص٢٣١.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل، ص٦٥.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، مسألة الحسن والقبح، ص٢٥٦.

٢- كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الأُولى، ص٤١٨.

٥٧

ولكن إذا أنكر الإنسان الحسن والقبح الذاتي، فإنّه لا يصل أبداً إلى مرحلة اليقين بصدق من يدّعي النبوّة ويقدّم المعجزة لإثبات مدعاه، لأ نّه يبقى دائماً في حالة شكّ بأنّ هذا الذي يمتلك المعجزة قد يكون كاذباً في دعوته للنبوّة، وإنّما أعطاه اللّه المعجزة عبثاً، لأ نّه تعالى يفعل ما يشاء!

فتنسد بذلك أبواب معرفة النبي الصادق وتمييزه عن الكاذب(١) .

بعبارة أخرى:

لو كان "الحسن" ما حسّنه الشرع، و"القبيح" ما قبّحه الشرع، لما قبح من اللّه تعالى أي شيء، حتّى لو كان ذلك إظهاره المعجزات على أيدي الكاذبين.

فينتفي بذلك إمكانية تصديق دعوى الأنبياء.

وهذه النتيجة باطلة.

لأ نّها تؤدّي إلى:

١ - غلق باب معرفة الأنبياء الصادقين.

٢ - منح الكفّار العذر في إنكارهم لنبوّة الأنبياء.

ولهذا لا يوجد سبيل سوى الاعتقاد بالحسن والقبح العقلي.

الدليل الخامس:

لو لم يكن الحسن والقبح عقليين لم يكن للأنبياء أي دليل لإثبات لزوم توجّه الناس إلى البحث والنظر، ووجوب تعرّف الخلق على اللّه تعالى، وضرورة اتّباع الناس لهم.

توضيح ذلك:

إذا طلب النبي من أحد الأشخاص البحث والتعرّف على اللّه واتّباع سبيله.

فسيقول هذا الشخص للنبي: لماذا أبحث ولماذا أُتعب نفسي من أجل التعرّف

____________________

١- انظر: غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ج٢، باب الكلام في العدل، ص٧١ - ٧٢.

كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث، الفصل الأوّل، ص٢٤٨.

نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر، المطلب الثاني، ص٨٤.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، مسألة الحسن والقبح، ص٢٥٦.

٥٨

على اللّه، وما هو الدليل الذي يلزمني اتّباع سبيلك؟

فإذا كان دليل ذلك هو أنّ البحث وطلب المعرفة واتّباع الرسل أُمور يحكم بها العقل لأ نّها أُمور حسنة، وينهى عن تركها لأنّ تركها قبيح، فأنا لا أعتقد بالحسن والقبح العقلي.

وإذا كان دليل ذلك هو الشرع، فأنا لا أثق بالشرع، لأ نّه من قولك، وقولك لم يثبت عندي أ نّه حجّة، لأ نّني لم أُؤمن بك لحدّ الآن، فلا يجب عليّ اتّباعك.

وبذلك لا تتمّ الحجّة على هذا الشخص، فيلزم الاعتقاد بوجوب الحسن والقبح العقلي.

النتيجة:

إنّ وجوب التوجّه إلى البحث والنظر، ووجوب التعرّف على اللّه تعالى، ووجوب اتّباع النبي أُمور "عقلية" لا "شرعية"(١) .

الدليل السادس:

لو كان الحسن ما حسّنه اللّه تعالى.

ولو كان القبيح ما قبّحه اللّه تعالى.

لم يكن فرق بين:

العدل والظلم.

فيجوز - في هذه الحالة - أن يظلم اللّه تعالى العباد.

لأنّ الظلم غير قبيح ذاتاً، بل:

يكون الظلم حسناً فيما لو أمر اللّه تعالى به.

ويكون الظلم قبيحاً فيما لو نهى اللّه تعالى عنه.

____________________

١- انظر: كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث، الفصل الأوّل، ص٢٤٩.

نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر، المطلب الثاني، ص٨٤.

الرسالة السعدية، العلاّمة الحلّي: القسم الأوّل، المسألة السادسة، البحث الأوّل، ص٥٥.

٥٩

وهذا باطل بالضرورة(١) .

بعبارة أُخرى:

لو كان الحسن ما حسّنه اللّه تعالى فقط.

ولو كان القبيح ما قبّحه اللّه تعالى فقط.

لم يقبح من اللّه شيء.

وتكون النتيجة:

إنّ كلّ ما يفعله اللّه تعالى حسن ولو كان ذلك ظلماً.

ولكن اللّه تعالى منزّه من الظلم.

الدليل السابع:

لو كان الحُسن والقبح مستنداً إلى الشرع فقط، لم يكن فرق بين:

ما عُلم قبحه من الشرع.

وما عُلم قبحه من العقل.

ولكننا نجد:

إنّ الشخص الذي يشكّ بالشرع فهو بالطبع:

يشكّ في قبح ما علم قبحه من الشرع كقبح أكل لحم الميتة.

ولا يشكّ في قبح ما علم قبحه من العقل كقبح الظلم والخيانة(٢) .

____________________

١- انظر: كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث، الفصل الأوّل، ص٢٤٩.

نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر، المطلب الثاني، ص٨٤.

٢- انظر: الياقوت في علم الكلام، أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت: القول في العدل، ص٤٥.

إشراق اللاهوت، عميد الدين العبيدلي: المقصد السابع، المسألة الأُولى، ص ٣٠٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

بالسرياني، وهو امتياز آخر لا يشاركه علي فيه، وطلب إليه أن يبلغ عنه. وكان جبريل يأتيه بالوحي. ولم يكن يأتي عليا بالوحي.

فأين علي من كل هذا ؟ وكيف يغلو فيه من هو أعلى منه منزلة، ومن يرفعه الله إليه ويكلمه ويمسح على رأسه، وهو ما لم يفعله الله مع علي.

كيف يغلو في علي من يأتيه جبريل بالوحي من الله مباشرة، ومن يقاسم محمدا نبوته، ويزاحمه فيها، حتى يجعله نبيا للتنزيل فحسب، ويجعل من نفسه نبيا للتأويل. وإن كنت أجهل أي النيين والنبوتين أهم وأخطر.

بل كيف يغلو في علي من يأتي بدين جديد يخالف دين علي: دين يقوم على إنكار القيامة والجنة والنار، وعلى استحلال المحارم.

أكان هذا دين علي، أم كان دين أبي منصور غير ما ذكره المؤلفون ؟!

الخطابية:

وهذه فرقة أخرى من الفرق التي يصر المؤلفون في الفرق والعقائد على أن يجعلوها من غلاة الشيعة.

يسمونها الخطابية، ويقولون انهم أتباع أبي الخطاب بن أبي زينب الأسدي(١) الذي خرج أيام أبي جعفر المنصور بالكوفة، فقتله عيسى بن موسى قائد جيش المنصور وابن أخيه.

ويضح لنا الأشعري في مقالات الإسلاميين(٢) عقيدتهم فيقول ( أصحاب أبي الخطاب بن أبي زينب وهم خمس فرق كلهم يزعمون أن الأئمة

____________________

١- البغدادي في الفرق بين الفرق ص١٥٠ وما بعدها وابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل ج٥ ص٤٦ و ٤٨ والشهرستاني في الملل والنحل ج١ ص١٧٩ وما بعدها وابن رستة في الاعلاق النفسية ص٢١٨، والحميري في الحور العين ص١١٦ وما بعدها، والجرجاني في التعريفات ص٥٨ والرازي في اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص٥٨ لكنه يقول ان ابا الخطاب زعم ( ان الله تعالى قد انفصل عن جعفر وحل فيه وانه هو اكمل من الله تعالى ) وهو ما نجده في رجال الخاقاني ص١٣١ اما الملطي فيخالف الجميع حين يدعي في التنبيه والرد ص١٥٠ ( وهم - يعني الخطابية - يزعمون ان ابا بكر وعمر (رض) الجبت والطاغوت وكذلك الخمر والميسر عليهم لعنة الله ).

٢- مقالات الإسلاميين ج١ ص٦٦.

١٤١

انبياء ومحدثون ورسل الله وحججه على خلقه لا يزال منهم رسولان واحد ناطق والآخر صامت فالناطق محمد ( ص) والصامت علي بن أبي طالب فهم في الأرض اليوم طاعتهم مفترضة على جميع الخلق يعلمون ما كان وما هو كائن وزعموا أن أبا الخطاب نبي ,ان أولئك الرسل فرضوا عليهم طاعة أبي الخطاب وقالوا الأئمة آلهة وقالوا في أنفسهم مثل ذلك... وعبدوا أبا الخطاب وزعموا أنه إله وزعموا أن جعفر بن محمد إله أيضاً إلا ان أبا الخطاب أعظم منه وأعظم من علي. وخرج أبو الخطاب على أبي جعفر فقتله عيسى بن موسى... ).

ويتابع المؤلفون الآخرون الأشعري في ذلك مع اختلاف لا يغير من صورة هذه الفرقة(١) .

وقد آثرت أن أنقل نص الأشعري، ليكون القارئ على بينة من نقاشنا معه، حتى لو قبلنا ما أورده كله دون تحفظ عليه أو على شيء منه.

والآن أين الغلو في علي، وهو الأساس لفرق الغلاة عند جميع المؤلفين في الفرق، ومنهم الأشعري نفسه إذ يقول ( وإنما سموا الغالية لأنهم غلوا في علي وقالوا فيه قولاً عظيماً )(٢) .

في أي جانب من جوانب عقيدتهم يلتقي الخطابية مع الشيعة، معتدلين أو غلاة.

فحتى لو قبلت الخرف الذي أتى به النص نقلاً عن الخطابية، فأنا لا أجد أي غلو في علي، حين يجعله هؤلاء رسولاً صامتاً لا يبين.

وأي نفع في رسول لا يقول شيئاً ولا يبلغ شيئاً. وكيف يتعامل وشؤون

____________________

١- مقالات الإسلاميين ج١ ص٧٧.

٢- الفرق بين الفرق ص١٥١ والمقصود بجعفر هنا هو جعفر بن محمد ( الصادق ).

١٤٢

الدين والدنيا مع هذا الصمت.

لقد كان خيراً لعلي أن يكون إماماً ناطقاً من أن يكون رسولاً صامتاً.

ثم ما هي صفة علي التي انفرد بها عند أبي الخطاب، ليكون موضعاً لغلو هذا فيه ؟ إذ لا بد من فرق كبير ومسافة بعيدة بين طرفي الغلو، وإلا فهل يقبل أن يغلو أحد فيمن هو دونه، أو في أحسن الحالات، مساوٍ له.

فإذا كان علي نبياً ن فان أبا الخطاب نبي أيضاً قد فرض الرسل طاعته.

وإذا كان علي إلهاً، فان أبا الخطاب إله أعظم منه، كما ينسب المؤلفون القول بذلك الى الخطابية.

فهل كان الخطابية غلاة في علي أم في أبي الخطاب ؟!

بل ان الخطابية لم يكتفوا بتأليه أبي الخطاب وحده، حتى جعلوا من كل واحد منهم إلهاً كما يذكر الأشعري(١) .

ولكن كم هو عدد هؤلاء الخطابية، وهل يبلغ هذا العدد ما يسمح بالنظر إليهم والحديث عنهم كفرقة، ثم أربع أو خمس فرق، توزعوا فيها بعد وفاة زعيمهم أبي الخطاب كما سيأتي ؟

ربما وجدنا الجواب على ذلك عند البغدادي الذي يقول عنهم ( ثم ان أبا الخطاب نصب خيمة في كناسة الكوفة ودعا فيها أتباعه الى عبادة جعفر )(٢) .

فعددهم إذن لا يتجاوز في جميع الأحوال، ما تستطيع أن تستوعبه خيمة واحدة(٣) وإن كنت أجهل كيف يدعو أبو الخطاب أتباعه، لعبادة جعفر لا لعبادته هو، مع أنه أعظم من جعفر وأعظم من علي كما يقول المؤلفون. وكان

____________________

١- لكن الغريب ان المقريزي يصل بفرق هؤلاء الخطابية الذين ضمتهم خيمة واحدة الى خمسين فرقة فهل جعل المقريزي من كل واحد منهم فرقة كاملة او ربما اكثر من

فرقة !! اظن هذا هو الفرض الذي يجبرنا المقريزي عليه ليمكن لخيمة واحدة ان تضم خمسين فرقة مجتمعة للعبادة.

٢- الملل والنحل ج١ ص١٧٩ وما بعدها ويتفق معه في ذلك البغدادي في الفرق بين الفرق ١٥٠.

٣- الفرق بين الفرق ١٥١.

١٤٣

الأحرى به أن يدعوهم لعبادته لا لعبادة من هو دونه ومن ( تبرأ منه ولعنه وأمر أصحابه بالبراءة منه وشدد القول في ذلك وبالغ في التبرئ منه واللعن عليه ) كما يقول الشهرستاني(١) .

ويتابع البغدادي حديثه عن أبي الخطاب وأصحابه فيقول ( ثم خرج أبو الخطاب على والي الكوفة في أيام المنصور فبعث إليه المنصور بعيسى بن موسى في جيش كثيف فأسروه فصلب في كناسة الكوفة )(٢) .

وأحب أن أنبه هنا الى خطأ تأريخي آخر من أخطاء البغدادي. خطأ لا يتعلق بكثافة الجيش الذي قاده عيسى بن موسى لمحاربة من لا يستطيعون أن يزيدوا على إشغال خيمة واحدة. ولكنه يتعلق بصحة الواقعة التي يرويها، زمانا وأشخاصا.

فالبغدادي يذكر أن أبا الخطاب كان ( في وقته - المقصود جعفر بن محمد - إماما صامتا وصار بعده ناطقا )(٣) .

وهذا يعني أن أبا الخطاب كان حياً عند وفاة جعفر بن محمد، وأنه تحول الى إمام ناطق بعد وفاته، كما كان خروجه ومقتله بعد وفاة جعفر أيضا.

ولكم أردت أن أسلم بما أورده البغدادي، ولكن ما ذنبي إذا كان جعفر ابن محمد قد توفي بإجماع عام ١٤٨، وإذا كان عيسى بن موسى قد عزل عن الكوفة، وعن ولاية العهد أيضا بإجماع عام ١٤٧. فكيف يكون خروج أبي الخطاب بعد وفاة جعفر بن محمد عام ١٤٨ على عيسى بن موسى المعزول قبل ذاك عام ١٤٧.

____________________

١- الفرق بين الفرق ص١٥١ والتبصير في الدين ص٧٤.

٢- فالأشعري والشهرستاني والحميري يجلعون فرق الخطابية أربعاً بعد أبي الخطاب أما البغدادي والأسفراييني فيجعلالها خمساً لكن الخامسة عندها هي التي يسميانها بالخطابية المطلقة التي ظلت التي ظلت على ولائها لأبي الخطاب وأنكرت إمامة من بعده وأظنها هي التي يبدأ الأشعري والشهرستاني حديث الخطابية بها وعلى هذا فليس هناك من خلاف بينهم حول عددها اذ المقسوم لا يضاف الى اقسامه.

٣- مقالات الإسلاميين ج١ ص٧٧ والفرق بين الفرق ص١٥١، والملل والنحل ج١ ص١٨٠ والحور العين ص١٦٧ والتبصير في الدين ص٧٤.

١٤٤

ليس أمامي إلا أن أنكر وفاة جعفر بن محمد في التأريخ المذكور، وهذا ما لا سبيل إليه، فوفاته مع الأسف الشديد ثابتة كما قلت بإجماع. أو أن أنكر عزل عيسى بن موسى، وهذا هو الآخر ما لا سبيل إليه، لأنه ثابت أيضا بإجماع. ولو استطعت لأخرت وفاة جعفر او عزل عيسى الى ان تنتهي المعركة بينه وبين أبي الخطاب حتى أجنب البغدادي الخطأ الذي وقع فيه.

على ان الخطابية انقسموا بعد مقتل زعيمهم الى أربع أو خمس فرق نحاول أن نلم بها بإيجاز استكمالا للبحث وهي(١) :

١ - المعمرية:

ينسبون الى رجل اسمه معمر كما يقول المؤلفون، وأنا لم أشك أن معمرا هذا هو رجل، لا شيء آخر، ولكن هن هو معمر ؟ ألا يعرف الذين يكتبون عنه وعن فرقته، ما يضيفونه الى الاسم ؟ أم انه كسابقه المعروف بأبي كامل المغالي في علي المكفر له.

والمعمرية هؤلاء يعبدون معمراً كما عبدوا قبله أبا الخطاب، وزعموا أن الدنيا لا تفنى، وأن الجنة ما يصيب الناس من الخير والنعمة والعافية. وأن النار ما يصيب الناس من خلاف ذلك... واستحلوا الخمر والزنا وسائر المحرمات ودانوا بترك الصلاة.. )

هذا ما يقوله عنهم الأشعري ويشاركه فيه البغدادي والشهرستاني والحميري والأسفراييني(٢) .

____________________

١- ابن حزم في الفصل في الملل والنحل ج٥ ص٤٦ ومطهر بن طاهر المقدسي في البدء والتاريخ ج٥ ص١٣٠.

٢- مقالات الإسلاميين ج١ ص٧٧ و٧٨ والفرق بين الفرق ص١٥١، والملل والنحل ج١ ص١٨٠ والحور العين ص١٦٧ والتبصير في الدين ص٧٤ ويسميهم الاسفراييني ( الربيعية ) اتباع ( ابي ربيع ) وخطط المقريزي ج٤ ص١٧٤.

١٤٥

ولأني ناقشت هذا من قبل عند الحديث عن بعض الفرق الأخرى ممن يسمونهم غلاة، وتساءلت عن علاقة ذلك - على افتراض صحته - بالغلو والغلاة والشيعة، فلا أريد العودة إليه. لكن الطريف هنا هو أن أرى الآلهة والأنبياء يسرقون عقائد وأفكار بعضهم فينتحلونها، كما يفعل الناس الآخرون حين يسرقون من بعضهم.

فلقد رأيت عدم فناء الدنيا واستحلال الخمر والزنا واللواط وسائر المحرمات وتأويلها وتأويل الفرائض بأسماء أشخاص عند عبد الله بن معاوية و ( جناحيته ) ثم رأيتها، مضافاً إليها تفسير الجنة، بأنها ما يصيب من خير ونعيم الدنيا. والنار ما يصيب الناس من خلاف ذلك، لدى المنصورية.

وأراها الآن عند المعمرية.

وتركت الآلهة يسرق بعضهم بعضاً، دون عقوبة، فهم فوق القانون الذي لا ينفذ إلا على هؤلاء المساكين من عبيدهم.

ولكني وقفت، ووقفت طويلاً، عند هذه الظاهرة التي أسهب المؤلفون في الحديث عنها من اللواط ونكاح المحارم عند أكثر من فرقة.

وتساءلت:

أيكون العرب والمسلمين قد بلغ بهم الانحطاط الأخلاقي هذا الحد ؟!! أم إن حقد المؤلفين على طائفة او فرقة مخالفة لهم قد غلبهم، فدفعهم الى رمي خصومهم بما تجاوز كل حد. وهم مهما قيل فيهم، لا يخرجون عن كونهم عرباً ومسلمين، قد عاشوا ونبتوا في بيئة عربية مسلمة، وشاركوا العرب والمسلمين

١٤٦

حياتهم وعاداتهم، وأسهموا في بناء هذه الحضارة التي ما يزال حديثنا وحديث غيرنا عنها مستمراً.

رجعت الى نفسي أسألها عن حقيقة هذه الظاهرة، إذ ما يزال الناس حتى الآن، ونحن على عتبة القرن الحادي والعشرين، يستهجنون الانحلال الجنسي، وممارسة الجنس مع المحارم. ولا يذكرونه إلا مستنكرين برغم تطور الفكر وتغير القيم والتساهل الملحوظ فيما يخص الجنس، كمظهر من مظاهر حرية الإنسان.

كنا سنقبل ما أورده المؤلفون، لو اقتصروا فيه على حالة أو حالات محددة حصلت لواحد أو أكثر ممن كتبوا عنهم.

أما أن تقوم فرق كاملة على استحلال المحرمات والمحارم من نكاح الأمهات والبنات والأخوات. فها ما لا أظن شعوبياً متحاملاً على العرب، ولا ملحداً متعصباً ضد الإسلام، استطاع أن يبلغه.

انني أرفض وبقوة وبدون تحفظ أو تعصب ما ذكره المؤلفون. ولا أرى فيه إلا خيانة للعلم وتزويرا للتأريخ، إرضاء لنوازع الحقد الذي افقدهم القدرة على التفكير والتمييز بين ما يعقل وما لا يعقل.

ما الذي دها العرب والمسلمين في زمن العصبية والدين، فأفقدهم عصبيتهم ودينهم ؟!

ولنترك المسلمين من غير العرب، ولنقصر حديثنا على العرب وحدهم.

فيم إذن كان الوأد وفخر الفرزدق بجده صعصعة، محيي الوئيد ؟! وماذا كان يصنع سيد أهل الوبر: قيس بن عاصم وبنو تميم وقبائل عربية أخرى ؟

١٤٧

وما الذي أشعل القتال بين هوازن وكنانة في يوم من أيام حرب الفجار، سالت فيه دماء واستهلكت أموال ورجال.

وما الذي أثار البن كلثوم، سبط المهلهل وضيف الملك عمرو بن هند حتى قتل مضيفه.

وهذا الفارس الكناني ربيعة بن مكدم، الذي قاتل وحده. وحين أحس الموت، اتكأ على رمحه، يري القوم أنه حي فلا يقدمون عليه، حماية للضعينة أن تمس، فكان حامي الضعينة حيا وميتا.

وأين فخر العرب ومديحهم وهجاؤهم الذي يقوم في أغلبه على حماية المرأة والغيرة عليها والدفاع عنها والموت دونها.

أكان كل هذا كذبا وزورا ووهما، لتقوم فرق كاملة بين العرب، وفي أرضهم، تدعو لإباحة المرأة... وإباحة الرجل معها أيضاً كما يذكر المؤلفون.

وإين هي الحالات التي يستطيع بها هؤلاء المؤلفون أن يثبتوا ما يذكرونه عن تلك الفرق الإباحية. فلا بد أن تكون كثيرة وكثيرة جداً، بعد أن أصبحت عقيدة لها تدين بها وتمارسها دون حياء، كما يمارس غيرهم من الفرق طقوسهم وعقيدتهم دون حياء.

ان أيا من المؤلفين المذكورين لم يقدم لنا حالة واحدة، ولو على سبيل التمثيل، لما اتهم به من يسميهم فرق الإباحة، من استحلال النساء وجعلها ملكا مشاعا لمن يطلبها من قريب أو غريب.

فهذا الأشعري، وهو يتهم أكثر من فرقة كما رأينا، باستحلال المحارم.

١٤٨

وهذا البغدادي، ورأيه رأي الأشعري. وهذا الشهرستاني والأسفراييني والحميري والمقريزي، وكلهم يذهبون هذا المذهب ويتحدثون عن الزنا واللواط واستحلال المحرمات عند الفرق التي ذكرناها.

لكن واحدا منهم لم يخطر في ذهنه أن يقدم دليلاً واحداً على ما يوجه لخصومه من تهم في مثل هذه الخطورة.

وما أضننا في حاجة الى السؤال لماذا ؟

٢ - البزيعية:

من الخطابية، أصحاب بزيع بن موسى ( الحائك ) كما يسميه بعضهم(١) . من مقالاتهم، أن كل مؤمن يوحى إليه، وأن منهم - البزيعية - من هو خير من جبريل وميكائيل ومحمد. وأن جعفر بن محمد هو الله، وأنه ليس بالذي يرون(٢) .

ويضيف صاحب البدء والتاريخ انهم يقولون بنبوة بزيع، وانهم كلهم أنبياء يوحى إليهم. كما يذكر عن بزيع دعواه بصعوده الى السماء، وان الله مسح على رأسه، وان الحكمة تنبت في صدره كما تنبت الكمأة في الأرض(٣) .

وقد سبق أن رأينا آلهة وأنبياء آخرين يسرقون من بعضهم عقائدهم وأديانهم. ولهذا فلن يثير استغرابنا أن يسرق بزيع ( ربما بحم مهنته كحائك ) الكمأة من عبد الله بن معاوية، والعروج الى السماء من أبي منصور. فيبدو أن

____________________

١- البدء والتاريخ للمقدسي ج٥ ص١٣٠. اما البرقي في رجاله فلم يزد وهو يعدد أصحاب الصادق على ذكر واحد منهم اسمه ( ابو عمر بزيع ) لا يتجاوز ذلك. رجال البرقي ص٣٧ ولا يختلف عنه ابن داود الحلي فهو يذكر في حرف الباء من رجاله شخصاً اسمه ( بريع ) يقول عنه انه بالباء المفردة والراء لا الزاي دون اية اضافة اخرى غير كلمة ( لعنه ق ) التي تعني لعنة الصادق الإمام جعفر بن محمد.

ومعجم رجال الحديث للخوئي ج٣ ص٢٩١ وفيه ان بزيع كان يدعي النبوة وان الصادق كان يلعنه.

٢- واسمه عند الأسفراييني عمرو بن بيان وفرقته العمرية. التبصير ص٧٤ ويسميه الحميري عمير بن البنان الحور العين ص١٦٧.

٣- مقالات الإسلاميين ج٢ ص٧٨ والفرق بين الفرق ص١٥٢، والملل والنحل ج١ ص١٨٠ ويقول ان اسم هذه الطائفة العجلية والعميرية والفصل في الملل والاهواء والنحل ج٥ ص٤٦ وابن حزم يعرض للعمرية باختصار شديد مركزا على قول بيان - كما يذكر ابن حزم طبعا ( لو شئت ان اعيد هذا التبن تبراً لفعلت)

والتبصير في الدين ص٧٤ ولا يزيد الحديث عن العميرية على سطر واحد وخطط المقريزي ج٤ ص١٧٤ ولم اجد له ذكرا عند أي من اصحاب الرجال الامامية كالبرقي وابن داود والكشي.

١٤٩

مثل هذه السرقات ليست مما يمنعها الآلهة فيما بينهم.

ثم لنفرض أن كل ما نقله المؤلفون كان صادقاً وحقيقياً. فما علاقة ذلك بالشيعة، حتى بمن يسمون الغلاة منهم ؟! وما شأن علي وأولاده، إذا كان بين البزيعية من هو أفضل من جبريل وميكائيل ومحمد ؟!

أكان هذا هو رأي الشيعة أو بعضهم، أو من يسمونهم غلاتهم ؟! أم هي تهمة لا بد منها، حتى لو لعنهم الشيعة وأكفروهم وبرئوا منهم.

ان الغلو، كما أفهمه ويفهمه غيري، يعني المبالغة في احترام من أغلو فيه والالتزام أكثر بمبادئه وتعاليمه، والحرص على تنفيذها والتقيد بها.

هذا هو الغلو في علي وفي غير علي. فهل كان في شيء مما جاء به البزيعية، ما يمكن أن يمثل التزاماً بمبادئ علي وتنفيذاً لها ؟!

سؤال سأترك الجواب عليه للقارئ.

٣ - العميرية:

والنسبة الى عمير بن بيان العجلي(١) من الخطابية الذين استقلوا بفرقهم بعد مقتل أبي الخطاب. يقولون كما يذكر الأشعري انه ( لا يزال خلف منهم في الأرض أئمة أنبياء. وعبدوا جعفراً... وزعموا أنه ربهم.

وقد كانوا ضربوا خيمة في كناسة الكوفة ثم اجتمعوا الى عبادة جعفر فأخذ يزيد بن عمر بن هبيرة عمير بن بيان فقتله... )(٢) .

وقد تحدث البغدادي عن خيمة قبل خيمة عمير، كان يجتمع فيها الخطابية

____________________

١- مقالات الإسلاميين ج١ ص٧٥ وما بعدها والفرق بين الفرق ص١٥١، والملل والنحل ج١ ص١٨٠ والتبصير في الدين ص٧٤ والحور العين ص١٦٧ وخطط المقريزي ج٤ ص١٧٤.

٢- مقالات الإسلاميين ج١ ص٧٨ والملل والنحل ج١ ص١٨٠ وخطط المقريزي ج٤ ص١٧٥ وان كان هذا يسميه ( يزيد بن عمير ) لا عمر.

١٥٠

في زمن أبي الخطاب لعبادة جعفر.

وها هو الأشعري يحدثنا عن خيمة جديدة، هي خيمة عمير بن بيان، أحد أتباع أبي الخطاب.

ولا أدري، أهو خطأ وقع فيه أحد الاثنين، الأشعري أو البغدادي، فيمن كان صاحب الخيمة. أم أن عميرا أراد تقليد أستاذه، حتى في أسلوب العبادة، فكان يجمع أصحابه في خيمة واحجدة، كما كان يفعل أبو الخطاب من قبل.

ولا اعتراض لي على عمير، ولم يضايقني أن تتم عبادته وعبادة أصحابه داخل الخيمة، وان كانت العبادة في الخارج أفضل لصحة المتعبدين كما أظن.

لكن ما ضايقني، بل وأحزنني كثرا، ألا يكون بين المؤلفين في الفرق - ومنها فرقة عمير نفسه - من يقف ولو قليلا، لا ليتحرى صحة هذا الرأي أو عدم صحته عند الفرقة التي يكتب عنها، فقد يمنعه من ذلك تعصب وكره لتلك الفرقة، وإن لم يكونا عذرا لمني ريد أن يكتب. ولكن ليتحرى - على الأقل - صحة التواريخ التي يذكرها وعدم تعارضها. وهو أمر لا يصعب التأكد منه، ولا يمس العقيدة ذاتها ولا يتعلق بها.

فإذا كان مؤلفونا في العقائد لا يهتمون ولا يدققون في تواريخ الأحداث، وهي أولى المهمات وأبسط المهمات، فكيف يهتمون ويدققون فيما وراء التواريخ، في الأحداث نفسها. وكيف نستطيع أن نحمل محمل الجد ما يروونه عن هذه الفرقة أو تلك من فرق الإسلام.

أنظر إليم: الأشعري والبغدادي والشهرستاني والأسفراييني والحميري

١٥١

والمقريزي وهم متفقون على أن العميرية قد نشأت هي وباقي فرق الخطابية بعد مقتل زعيمها أبي الخطاب(١) وهو شيء مألوف عند موت مؤسس الفرقة الأصلية فتنشق فرقته وتتوزع في أكثر من فرقة واحدة، تبعا لعدد الطامعين بعده بالزعامة من خلفائه، وتفاوت قدراتهم وحدة الخلافات بينهم، سيما في ظروف معينة كالظروف التي نبحثها هنا.

وأنظر إليهم، وهم متفقون أيضاً على أن خروج أبي الخطاب وقتله كان في خلافة أبي جعفر المنصور.

إذن فنشأة فرق الخطابية، ومنها العميرية، لا يمكن أن تسبق زمن المنصور أو تتقدم عليه، ما دام أبو الخطاب نفسه قد قتل في زمن المنصور.

وما أحسب هذا مما يقع الخلاف فيه.

ولكن لنمض مع مؤلفينا، ولنر ما يقولون في مقتل عمير بن بيان زعيم العميرية، ومن الذي قتله وفي أي وقت.

أنهم يقولون: ان الذي قتل عمير، هو يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري، مع أن يزيد هذا هو والي العراقيين في آخر عهد الدولة الأموية، وهو الذي حارب العباسيين مدة طويلة، حتى اضطروا الى مصالحته وإعطائه عهداً نقضه السفاح فيما بعد، وأرسل إليه من قتله في واسط عام ١٣٢ تأريخ سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية.

ولست في حاجة الى القول إن هذا قد تم قبل خلافة المنصور التي بدأت عام ١٣٦.

____________________

١- مقالات الإسلاميين ج١ ص٧٨ والفرق بين الفرق ص١٥٢، والملل والنحل ج١ ص١٨١ والتبصير في الدين ص٧٤ والحور العين ص١٦٧ و ١٧٨.

١٥٢

أما ابن حزم فيذهب الى أبعد مما ذهب إليه الآخرون، إذ يجعل قاتل عمير بن بيان هو خالد بن عبد الله القسري الذي عزل عن الكوفة سنة ١٢٠ في زمن هشام بن عبد الملك، وقتل سنة ١٢٦.

ويبعد أكثر نشوان الحميري حتى يؤكد أن الذي قتل عمير هو عمير ابن هبيرة - يقصد عمر بن هبيرة - والد يزيد بن عمر الذي أشرنا إليه، أحد مشاهير القادة والولاة والمتوفى في حدود عام ١١٠.

أفيكون أبو الخطاب الذي نشأت العمرية بعده قد قتل في زمن الدولة العباسية وفي عهد ثاني خلفائها المنصور، ويكون مقتل زعيم العميرية في زمن الدولة الأموية قبل المنصور وقبل الدولة العباسية ؟!

هذا كله، ونحن أمام قضية تأريخ لا تحمل نقاشاً ولا اجتهاداً ولا أختلافاً في وجهات النظر. فكيف بما ينقله المؤرخون والرواة مما يحتمل نقاشاً واجتهاداً واختلافاً في وجهات النظر. ومما يعتمد على نزاهة المؤرخ وأمانته ودقته.

٤ - المفضلية:

ونصل أخيراً في فرق الخطابية، الى المفضلية ورئيسها المفضل، هذا الصيرفي الذي ترك التعامل مع الدرهم والدينار، ليتعامل مع الفرق والعقائد والآلهة، لأنها قد تكون أربح في نظره، وهو الذي امتهن الربح السريع، أو لأنها أصبحت مهنة سهلة، مارسها من لا يملك خبرة الصراف ولا فطنته.

ولا أكتمك يا سيدي القارئ لقد أتعبني هؤلاء الآلهة والأنبياء والأئمة

١٥٣

والرسل. أو إذا أردت أن أكون منصفاً، لقد أتعبني الذين ألفوا فيهم وكتبوا عنهم، حتى تساءلت انه ما دامت دعوى الألوهية بهذه البساطة، فهل سأرى من يطرق الباب علي يوما ليخبرني أنه إليه أو نبي، وأنه قد عرج به الى السماء وأن الله قد مسح على رأسه أو غير رأسه من أعضاء جسمه، ويطلب مني أن أصدقه وأن أتبعه.

ثم تركت التفكير في طارق الباب وعدت الى أصحابي من المؤلفين في العقائد والفرق، لأرى ما عند هؤلاء المفضلية، فاذا هم ( يقولون بربوبية جعفر... وانتحلوا النبوة والرسالة وإنما خالفوا في البراءة من أبي الخطاب لأن جعفراً أظهر البراءة منه )(١) .

وأظن لمهنة رئيسهم الصيرفي القائمة على تبادل العملات وحساب الربح والخسارة، علاقة بهذا التوزيع للألوهية والنبوة. فهو لم يترك الألوهية والنبوة والرسالة كلها لجعفر، وإنما احتفظ لنفسه بالنبوة والرسالة، مقابل التنازل عن الألوهية لجعفر.

وعلى كل، فان هؤلاء المفضيلة قد تركوا أبا الخطاب وأعلنواالبراءة منه. فكيف يستمر المؤلفون على بحثهم ضمن فرق الخطابية، وماذا يطلبون أكثر من براءة ذوي الشأن، لينقلوهم الى صف آخر غير صف أبي الخطاب والخطابية ؟! أم أنهم يصرون على إبقائهم ضمن فرق الخطابية إصرارهم على إبقاء الخطابية أنفسهم، والفرق المشابهة الأخرى - على افتراض وجودها كفرق على الأقل - وبحثهم ضمن فرق الشيعة أو غلاتها.

____________________

١- الفرق بين الفرق ص١٥٢ والتبصير في الدين ص٧٥ والفصل في الملل والأهواء والنحل ج٥ ص٤٢ والحور العين ص١٥٥ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص٥٩ وخطط المقريزي ج٤ ص١٧٦ وتعريفات الجرجاني ص٩٢.

١٥٤

الغرابية

كم تساءلت، وأنا أمر بهذه الطائفة من الغلاة وأقرأ عنهم(١) لماذا اختاروا لتمثيل التشابه بين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي، الغراب والذباب، دون غيرهما من أصناف الحيوانات والطيور. وهما ليسا بأجملها ولا أذكاها ولا أقواها، ولا أعذبها صوتا ولا شكلا.

وليس التشابه بين أفرادها، بأقوى من التشابه بين أفراد أي صنف من الحيوانات أو الطيور الأخرى.

ثم أن الغراب مما يتشاءم به العرب ويرونه نذيرا بالفراق والتنائي، حتى اشتقوا من اسمه الغربة والاغتراب، كما انه من لئام الطير وبغائها. إن أصاب جيفة نال منها وإلا مات هزالا(٢) .

أما الذباب فما أظن في الحشرات أقبح شكلاً وأشد تنفيرا وأحقر منزلة منه.

أكان المؤلفون في العقائد مؤمنين فعلا بوجود فرقة، أعياها أن تجد ما تعبر به عن التشابه بين محمد وعلي، فلجأت الى الغراب والذباب.

أما أنا فلست مستعدا أن أقامر بعقلي لأصدق أولئك المؤلفين، وأقبل ما يقدمونه على أنه حقيقة.

فإذا تركت الغراب والذباب وانتقلت الى عقيدة هذه الفرقة واجهت ما هو أدعى للسخرية وأقرب الى أن يكون هذياناً لشخص اثقله حمى شديدة.

كان جبريل يريد الذهاب الى علي بالوحي فيضل ويخطئ ويذهب الى

____________________

١- الحيوان للجاحظ ط المجمع العلمي العربي الإسلامي بيروت طبعة ثالثة ١٩٦٩ تحقيق الأستاذ عبد السلام محمد هارون ج٢ ص٣١٣ و٣١٤ و ٣١٦.

٢- يسميهم الملطي في ص١٥٠ من التنبيه والرد ( الجمهورية ) ولم اهتد حتى الآن لوجه التسمية والعلاقة بين خطأ جبريل وبين الجمهورية.

١٥٥

محمد بدلاً منه. وتكون نبوة محمد نتيجة خطأ من جبريل(١) .

أرأيتم ؟

وأسأل كيف حصل هذا الخطأ، والمرسل هو الله، والمرسل إليه نبي، والرسول ملك.

ولا أريد أن أبعد في التفاصيل ولا أن أكثر من الأسئلة، فربما زل بي القلم، والعصمة لله وحده، ليتهمني من لا أسهل ولا أحب إليه من اتهام الناس في عقيدتهم ودينهم. وقد امتلأت صفحات هذا الكتاب وغير هذا الكتاب بذلك قديماً وحديثاً.

لكن - وهذا ضمن الحدود المسموح بها كما أظن - لماذا يختار الله جبريل من الملائكة للتبليغ، وهو يعلم أنه غير قادر عليه وسيفشل حتماً في تنفيذه.

ولنفترض أن جبريل أخطأ أولاً، فلم يميز بين محمد وبين علي، وهو ما لا يخطئ فيه أبسط الناس من أهل الأرض لا من صنف الملائكة، لكبر فرق السمن بينهما. فلماذا لم يصحح االله له خطأه بعد ذاك، وقد استغرق تبليغ الرسالة سنوات طويلة ! أكان الله غير عالم بخطأ جبريل وغير قادر على تصحيحه أيضاً ؟!

وما ذنب جبريل ليعلن، ولم يكن سيئ النية ولا مرتشياً. ولم يكن فعله إلا نتيجة خطأ غير مقصود لا يستحق عليه اللعن، خصوصا من هؤلاء الغرابية الذين يعترفون بأن محمداً وعلياً كانا أشبه من الغراب بالغراب.

أيمكن أن يرضى مؤلفونا في العقائد بهذه النتائج التي يدفعونا إليها دفعاً لا خيار لنا فيه، وهم يتحدثون عن الغرابية بما تحدثوا به.

____________________

١- يعنون بصاحب الريش جبرئيل كما ورد في الفرق بين الفرق ص١٥٢ والتبصير في الدين ص٧٤ وخطط المقريزي ج٤ ص١٧٦ - ١٧٧ وتعريفات الجرجاني ص٩٢.

١٥٦

وأسأل ثانية - وهذا أيضا ضمن ما هو مسموح - وماذا بعد أن أخطأ جبريل، وأصبح محمد نبياً، نتيجة هذا الخطأ ؟ ما هي عقيدة هذه الفرقة الغرابية ؟هل اقتصرت كلها على لعن صاحب الريش(١) ومن هم أتباعها ورئيسها حتى لو كانت تتألف من الرئيس وحده ؟ أليس هناك واحد فحسب يعرفه المؤلفون فيذكرونه لنا ؟

لقد كنا نرفض وجود الفرق الأخرى لأن المؤلفين لم يذكروا غير واحد هو الذي تحمل الفرقة اسمه. أما الغرابية فيبدو أن المؤلفين قد عجزوا حتى عن العثور على هذا الواحد يعصبون به التهم التي هيأوها لهم، فاتجهوا نحو... الغراب والذباب.

المفوضية والذمية:

يقول عنهم البغدادي ( وأما المفوضة من الرافضة - يبدو أن البغدادي نسي أنه يبحث هنا فرق الغلاة لا الرافضة الذين تقدم حديثه عنهم - فقوم زعموا أن الله تعالى خلق محمداً ثم فوض إليه خلق العالم وتدبيره فهو الذي خلق العالم دون الله تعالى ثم فوض محمد تدبير العالم الى علي بن ابي طالب فهو المدبر الثاني...

وأما الذمية فهم قوم زعموا أن عليا هو الله وشتموا محمداً وزعموا أن عليا بعثه لينبئ عنه فادعى الأمر لنفسه... )(٢) .

أما الأشعري فيبحث المفوضة في الصنف الخامس عشر من أصناف الغالية دون أن يسميهم ويقول انهم ( يزعمون أن الله عز وجل وكل الأمور وفوضها

____________________

١- الفرق بين الفرق ص١٥٣.

١٥٧

الى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنه أقدره على خلق الدنيا فخلقها ودبرها وأن الله سبحانه لم يخلق من ذلك شيئاً ويقول ذلك كثير منهم في علي ويزعمون أن الأئمة ينسخون الشرائع ويهبط عليهم الملائكة وتظهر عليهم الأعلام والمعجزات ويوحي إليهم.

ومنهم من يسلم على السحاب ويقول إذا مرت سحابة به ان عليا - رضوان الله عليه - فيها وفيهم يقول بعض الشعراء:

برئت من الخوارج لست منهم

من الغزل منهم وابن باب

ومن قوم إذا ذكروا عليا

يردون السلام على السحاب(١)

ويبحث قبلهم الذمية. دون أن يسميهم أيضا ويقول عنهم ( والصنف الثاني عشر من أصناف الغالية يزعمون أن عليا هو الله ويكذبون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويشتمونه ويقولون ان عليا وجه به ليبين أمره فادعى الأمر لنفسه(٢) .

ويختلف المفوضة عند الرازي عنهم عند البغدادي والأشعري فمفوضة الرازي يجعلون خلق العالم في الأصل لعلي وأولاده كما يروي عنهم صاحب اعتقادات فرق المسلمين والمشركين قائلا ( وهم قوم يزعمون أن الباري تعالى

____________________

١- مقالات الإسلاميين ج١ ص٨٦-٨٧.

٢- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص٥٩.

١٥٨

خلق روح علي وأرواح أولاده وفوض العالم إليهم فخلقوا هم الأرضين والسموات... )(١) .

أما الذمية فإنهم يمثلون الفرقة العاشرة في ترقيم الرازي لفرق الغلاة برغم أنه لا يعطيهم تسمية معينة، لكن ذلك يبدو من قوله فيهم ( وهم يزعمون أن جبريلعليه‌السلام أزاغ الرسالة إلى علي لكن محمداً كان أكبر سنا من علي فاستعان علي به ثم أن محمداً استقل بالأمر ودعا الخلق إلى نفسه وهؤلاء يسيئون القول في النبيعليه‌السلام )(٢) .

وابتداء أنا أرفض بشكل قاطع عند الحديث عن الفرق وعقائدها صيغاً مثل ( وهم قوم ) أو ( وصنف يزعمون ) دون أي تحديد للقوم أو الصنف، إلا برقمه ضمن أصناف الغلاة. فهذه ألفاظ لا تقول شيئاً، ولا تعرف فرقة، ولا توضح عقيدة، ولا تثير في النفس غير الشك في قائلها، وهو أقل ما تثير.

وهذا لا يعني أنني سأقبل ما يقوله المؤلفون عنهم لو أبدلوا صيغة مثل ( وهم قوم أو صنف ) ب- ( وهم فرقة ) حتى لو اختلفوا اسماً أو أكثر من اسم لهذه الفرقة. فلن يصحح في نظري وجود فرقة ما، وجود اسم لها. ولقد رفضت فرقاً كثيرة مرت بنا لها أسماء، بعد ما ثبت كذب وجودها.

____________________

١- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص٦٠.

٢- الفرق بين الفرق ص١٤٣- ١٤٤ والملل والنحل ج١ ص١٧٤ والتبصير في الدين ص٧٢ وان كان الأسفراييني يستعمل لفظ الغيم بدلا من السحاب والفصل في الملل والأهواء والنحل ج٥ ص٣٦ وخطط المقريزي ج٤ ص١٧٥ والتنبيه والرد ص٢٥.

١٥٩

أية صعوبة أن يقول قائل ان هناك قوماً يزعمون كذا، أو ان جماعة أو فرقة يدعون كذا، ويقف عند ذاك فلا يتجاوزه ولا يحاول أن يحدد أولئك القوم أو تلك الفرقة، ما هي مبادئها، وكيف نشأت وتطورت وأين وجدت، ومن هم قادتها، وما علاقتها بالفرق الأخرى، وأهم منه في رأيي ما علاقة أئمة الشيعة بها ونظرتهم إليها.

وإلا فلن يكون الحديث، غير عبث في مسائل لا تحتمل العبث، ولو قلت: تزوير مع سبق الاصرار كما يقول الحقوقيون، لما بعدت.

ليس يرضيني اذن هذا الحديث العابث الظالم، عن عقائد ناس أحاول أن أظفر بشيء عنها وعنهم فلا أجد، برغم الجهد والبحث، لتبقى صيغ ال- ( وهم قوم ) و ( الصنف ال-... ) هي صيغ الاتهام الوحيدة عند المؤلفين في العقائد، دون تعريف أو تسمية لهؤلاء ال- ( هم ).

ولأعد الى ما ذكره المؤلفون عن الفرقة التي تدعي أن علياً هو الله، ويشتمون محمداً لأن علياً ( الله ) وجهه ليبين أمره، فادعاه لنفسه.

وليس صعباً أن يسأل الإنسان، انه مادام علي هو الله القادر طبعاً على فعل ما يريد ومنع ما يريد، فلماذا ترك محمداً ولم يمنعه، بعد ما ثبتت خيانته بادعاء ما ليس له بحق !!

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168