• البداية
  • السابق
  • 185 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27556 / تحميل: 6404
الحجم الحجم الحجم
تاريخ جديد للتأريخ المعتزلة بين الحقيقة والوهم

تاريخ جديد للتأريخ المعتزلة بين الحقيقة والوهم

مؤلف:
العربية

تاريخ جديد للتأريخ

المعتزلة بين الحقيقة والوهم

أحمد فرج الله

الطبعة الأولى - بغداد - ٢٠٠٦

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى

قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

٣

الإهداء

السيد الدكتور محمد عمارة

لقد كان كتابك عن النشاط السياسي للمعتزلة، وما تضمن من أخطاء حافزاً لأن أعود الى مسودات، كنت قد كتبتها عنهم قبل أكثر من ثلاثين عاماً، فأعيد

النظر فيها وأهيئها للطبع.

فلولا أخطاؤك ما كان هذا الكتاب.

فمن أولي بأن يهدى إليه غيرك ؟

مع بالغ احترامي

أحمد فرج الله

بغداد في ٢٠ / ٦ / ١٩٩٨

٤

المقدمة

يشغل المعتزلة حيزاً كبيراً في التاريخ الإسلامي وحيزا اكبر في الفكر الإسلامي، وما يزال الحديث عنهم بعد قرون من نشأتهم وقرون من اختفائهم وانقطاعهم نشاطهم يشد القارئ ويشوقه ذلك أن تاريخ هذه الفرقة قد أرتبط، لأسباب ليس هنا محل بحثها، بما يمثل ثورة على الفكر المسلم التقليدي وهو ما حاربه المحافظون من المسلمين كأقسى ما تكون الحرب فقد وجدوا فيه - منافقين مداهنين أو مؤمنين متعصبين - هدماً للإسلام ومنفذاً يتسلل منه أعداؤه.

فمنذ نشأتهم، طرح المعتزلة قضايا وناقشوا قضايا لم يكن الفكر المسلم المحافظ حينذاك قد أعتاد الخوض فيها وإنما كان يسلم بها كما وردت دون بحث، بل كان السؤال عنها بدعة عقوبتها النار.

هذا كان موقف القدماء في عامتهم، ومنهم غالبية أصحاب المقالات والمؤلفين في الفرق الذين لم يبخلوا على المعتزلة بأقبح الأوصاف وآلمها وأشدها إيذاء، ويكفي أن تتصفح أي كتاب من كتب المقالات والفرق لترى منها ما يخطر وما لا يخطر لك على بال.

والحق أن هذا الموقف لم يقتصر على أعداء المعتزلة من الفرق الأخرى تجاه المعتزلة وحدهم، وإنما كان أسلوباً في الحياة الإسلامية تبنته كل فرق المسلمين في تعاملهم مع بعضهم، بما فيهم المعتزلة أنفسهم في

٥

مواقفهم من الفرق الأخرى فقد كان الحوار بين هذه الفرق يمضي في قليل من الإنصاف وكثير من التجريح والاتهام الذي يجاوز الحدود أحيانا والذي غذته دون شك، دوافع وخلافات سياسية مزقت المجتمع الإسلامي في ذلك الحين وردته طوائف يخوض بعضها في دم بعض مما لا يجهله أحد، وما نزال نعاني منه أو من بعضه حتى اليوم.

وهكذا كانت الحال مع المعتزلة، وهكذا استمرت على امتداده قرون، فما يكتب عنهم كاتب ولا يعرض لهم صاحب مقالة إلا ليعيبهم ويذكر مساوئهم

غير أن تطورا في الفكر العربي الإسلامي المعاصر هو جزء من تطور عام في الفكر الإنساني كله قد بدل الموقف من هذه الفرقة، وكل من آثاره أن أصبح هذا الفكر قادراً أن يتعامل مع العديد من القضايا التي أثاروها بتسامح وحرية أوسع، بعيدا عن اتهامات العصور السابقة، ولم تعد أحكامه فيها طبعة جديدة لما أصدره القدماء من أحكام.

لقد أثيرت في زمن المعتزلة أو قبلهم قضايا كثيرة لم تكن الظروف قد تهيأت بعد للبحث الجاد فيها، فلما جاء المعتزلة لم يتحرجوا من خوضها والتوسع فيها ومواجهة الآخرين بمواقف جريئة منها.

كما أثار المعتزلة من جانبهم قضايا جديدة لم تكن قد طرحت أو لم تكن قد تحددت ملامحها بما يجعل منها قضايا حتى ذلك الوقت وكانت غالبيتها ذات طبيعة حساسة تجنب الفكر المسلم المحافظ الخوض فيها ،

٦

وكان ينظر بريبة وحذر أو اتهام وهجوم، للباحثين فيها لما تجره من نتائج قد لا تخلو تبعا لهذا الفكر، من خطر على العقيدة الإسلامية.

ومن هنا نستطيع أن نفهم مواقف المحافظين المسلمين من قضايا كثيرة أثارها المعتزلة أو توسعوا في بحثها كأفعال الإنسان ومدى حريته فيها وكالحسن والقبح وهل هما ذاتيان أو شرعيان، وما يجب على الله من ثواب أو عقاب قبل الإنسان، وغيرها من القضايا التي طرحها التطور العقلي في مرحلة من مراحل الفكر الإسلامي وتجنب المحافظون الخوض فيها فلم يعالجوها إلا مضطرين، مدافعين أو مهاجمين من سبق الى بحثها، فكانت معالجتهم لها محكومة بهذا الحذر ولم يتجاوز في الغالب محاولات تثبيتها في صيغتها التي وردت فيها وإبقائها ضمنها وعدم الخروج أو التوسع قدر الإمكان في معانيها.

وإذا كان الجانب الإيماني ومواقف المعتزلة من قضايا قد أثار الطوائف الإسلامية، خصوصا المحافظين ضدهم، فان هناك عاملا جديدا دخل المعركة وزاد من حدتها، وكان هذا العامل الجديد ذا طابع سياسي حين تبنى المأمون وخليفتاه المعتصم والواثق مذهب المعتزلة وحاولوا فرضه مذهباً رسمياً للدولة، وما رافق ذلك من أحداث كان من أبرزها ما عرف في التاريخ الإسلامي بمشكلة خلق القرآن التي تعرض المنكرون لمقالة المعتزلة فيها وعلى رأسهم أحمد بن حنبل، لألوان من العنف أثارت لدى الجانب الآخر ردود فعل اتسمت هي أيضا بالدرجة نفسها من العنف.

٧

ولقد كانت هذه المسألة التي شغلت المسلمين، حاكمين ومحكومين، مدة غير قصيرة، من المآخذ الكبيرة على المعتزلة وألحقت بهم ضرراً لم يكن من السهل تجاوز آثاره.

كان الخوف أولاً على العقيدة، فأصبح الخوف على العقيدة والسلطة عندما أريد ( تسييس ) الإيمان المعتزلي ليدخل ميدان المعركة التي حسمت فيما بعد بانتصار الفكر المحافظ وسيادته وانتهاء المعتزلة كفرقة.

إلا أن النهج العقلي الذي رفع لواءه المعتزلة وأثار ضدهم قوى محافظة كبيرة في السابق، أصبح هو نفسه مصدر الإعجاب بهم ن وسببا من أهم الأسباب التي دفعت الفكر المسلم الحديث الى التعامل مع آرائهم بما يفرضه الروح العلمي من تجرد وإنصاف، لا يهم من بعد الاتفاق أو الاختلاف في النتائج التي بلغوها فقد يختلف هذا الفكر معهم في هذه القضية أو تلك، وقد ينكر ما توصل أليه المعتزلة من نتائج، لكنه لا يستطيع أن ينكر عليهم أنهم سبقوا الى التزام نهج عقلي جديد، وإنهم أثاروا وناقشوا قضايا لم يكن الآخرون يجرؤون على مسها أو الاقتراب منها.

وكان هذا مما دفع العديد من الباحثين المحدثين الى التنقيب عن آثارهم ودراستها بكثير من الإنصاف والموضوعية، وكأنهم يردون بذلك دينا للمعتزلة طال مطله وإنكاره.

على أني قد أضيف عاملا آخر في تفسير الموقف الجديد لهؤلاء الباحثين ومحاولتهم إنصاف المعتزلة مما لحق بهم من حيف طوال قرون لقد انتهى المعتزلة كفرقة ذات سلطان ونفوذ وماتت أسباب الخصومة بينهم

٨

وبين الآخرين ولم يبق منهم إلا ما يجده الباحثون في رفوف المكتبات، فانصافهم لن يثير إذن أحداً ولن يخيف أحداً وقد أصبحوا جزءا من التاريخ.

بقي شيء مهم آخر لا بد أن أشير إليه في هذه المقدمة لأنه سيكون الموضوع الأساسي لهذا الكتاب، وهو أ، عددا من الباحثين المحدثين(١) وقد أدهشهم النشاط الفكري للمعتزلة على الصعيد الإيماني، وهو مدهش حقاً ن راحوا يفتشون في محاولة للعثور على نشاط سياسي يقابل ذلك النشاط الإيماني لتكتمل صورة المعتزلة لديهم كما رسموها هم، ولكي لا يكون هناك نقص أو تقصير في جانب من جوانب هذه الصورة.

وسنرى في هذا الكتاب أن ليس من تشابه بين موقف المعتزلة الإيماني وبين موقفهم السياسي لقد وفقوا هناك كأروع ما يكون التوفيق وأخفقوا هنا كأقسى ما يكون الإخفاق، فلم يكن للمعتزلة موقف على الصعيد السياسي يقارن من قريب أو بعيد بموقفهم على الصعيد الإيماني، بل إن موقفهم السياسي - إذا جاز أن نسميه موقفا - قد تخلله الكثير من الضعف والتذبذب ومحابات السلطة مما كنا نريد أن يتنزه المعتزلة عنه.

هذا الموقف هو الذي أردت الكتابة عنه في هذه الدراسة إنصافا للحق وتصحيحا لبعض الآراء التي بالغت في تضخيم الدور السياسي للمعتزلة حتى نسبت عددا من الثورات إليهم وسمتها باسمهم.

____________________

(١) على رأس هؤلاء الدكتور محمد عمارة صاحب موسوعة الإسلام وفلسفة الحكم في القسم الثالث منها ( المعتزلة والثورة ) والذي سنناقش آراءه في الفصل الثالث من هذا الكتاب وهو المخصص للنشاط السياسي للمعتزلة ومنهم أيضاً الدكتور محمد ضياء الدين الريس في كتابه ( النظريات السياسية الإسلامية ) الطبعة الثانية ١٩٥٧ ص٦٤.

٩

ولكي يكون تناولي للموضوع متسقا ومنطقيا رأيت أن أمهد له ببحث حول نشأة المعتزلة وسبب تسميتهم، لما بهذا الأمر من أهمية في شرح موقفهم السياسي فيما بعد.

ولقد حاولت جهدي ألا أظلم أحدا ولا أحابي أحدا فأنا أكتب للتاريخ ويكفي التاريخ ما زورته أقلام الظالمين والمحابين حتى الآن.

وما أظنه في حاجة الى مزيد.

المؤلف

بغداد في ١٨/ ١٠/ ١٩٩٥

١٠

الفصل الأول

في تسمية المعتزلة

تسمية المعتزلة في ذاتها لا تثير أي إشكال، فاللفظ واضح الدلالة ولا يحتمل معاني كثيرة كبعض الألفاظ التي كان الاختلاف في معانيها سبباً للاختلاف في أحكامها فالفعل ( أعتزل ) وهو المزيد من الثلاثي ( عزل ) لا يعني أكثر من الابتعاد والاجتناب والترك.

هذا هو الأصل اللغوي، وهو كما قلنا لا يثير صعوبة أو إشكالاً، لكن الصعوبة تثور حين تنتقل خطوة أخرى من اللغة إلى الإصطلاح، أي إلى المعتزلة كفرقة أو مذهب، فتحاول الإجابة عن السؤال الذي لا بد أن يرد هنا وهو اعتزال من أو ماذا ؟ هل اعتزال شخص أو أشخاص، ومن هم وفي أية مناسبة كان ذلك، أم هو اعتزال رأي أو موقف، وما هو هذا الرأي أو الموقف ومن هو صاحبه أو أصحابه.

فخلافا للشيعة الذين جاءت تسميتهم من مناصرتهم وتشيعهم لعلي بن أبي طالب كما يتفق على ذلك جميع المؤرخين.

وخلافا للخوارج الذين أخذوا اسمهم من موقف محدد ومناسبة معروفة حين خرجوا على علي بعد التحكيم في صفين(١) .

____________________

(١) كان ذلك عام ٣٧ هجري والموضوع من الشهرة بحيث لا يحتاج الى تعليق هنا.

١١

وخلافا أيضاً للجهمية الذين لا تثير تسميتهم أية صعوبة لاشتقاقها من اسم شخص معروف هو جهم بن صفوان(١) .

وخلافا للفرق الإسلامية الأخرى التي لا تثير تسميتها أية صعوبة أو إشكال.

فإن ( اعتزال ) المعتزلة يبقى موضوعا للاجتهاد والنقاش وعدم اليقين.

ويبدو لي انه سوف يبقى كذلك ما دمنا عاجزين عن الربط بشكل قاطع بين التسمية وبين سببها.

لقد طرح المؤرخون وأصحاب المقالات منذ عهد بعيد العديد من الآراء في هذه المسألة، وإذا كنا لا نستطيع ان نستقصي كل ما قيل فيها فسنعرض على الأقل لأهم تلك الآراء مع مناقشة لكل منها، محاولين الوصول من خلال ذلك إلى الرأي الذي نستصوبه ونراه أولى بالاعتماد في تفسير نشأة المعتزلة والتسمية التي لحقتهم.

١ - رأي الملطي

يتناول الملطي(٢) نشأة المعتزلة في كتابه ( التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ) ص٣٦ فيقول ( وهم - يقصد المعتزلة - سموا أنفسهم معتزلة وذلك عندما بايع الحسن بن عليعليه‌السلام معاوية وسلم إليه الأمر اعتزلوا الحسن ومعاوية وجميع الناس ذلك أنهم كانوا من أصحاب

____________________

(١) الراسبي الأزدي بالولاء من أشهر القائلين بالجبر ونفي حرية الإنسان في أفعاله خرج مع الحارث بن سريج في ثورته باقليم خراسان ضد الأمويين وكان من أكبر أعوانه فأسر وقتل هناك قتله سلم بن أحوز المازني عام ١٢٨، وللسيد خالد العسلي كتاب عنه باسم ( جهم بن صفوان ومكانته في الفكر الإسلامي ) من منشورات المكتبة الأهلية ببغداد ١٩٦٥.

(٢) أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الملطي العسقلاني من فقهاء الشافعية ولادته في ملطية ووفاته في عسقلان عام ٣٧٧ له تصانيف في الفقه وغيره منها ( التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ) المطبوع عام ١٩٤٩ بتحقيق وتعليق الشيخ محمد زاهد الكوثري والذي ننقل عنه وهو كتاب مليء بالأخطاء وعدم التحقيق والتخليط.

١٢

علي ولزموا منازلهم ومساجدهم وقالوا: نشتغل بالعلم والعبادة فسموا بذلك معتزلة ).

ويسرع إلى ذهني، وأنا أقرأ هذا النص، ان الملطي يخلط فيه بين مفهومين أو طائفتين للاعتزال، فإذا كان يقصد الذين اعتزلوا الحسن ومعاوية بعد الصلح بين الطرفين، وهو يصرح بذلك، فليس في هذا الموقف جديد، فقد سبقهم إليه آخرون من الذين اعتزلوا الصراع بين علي وبين خصومه دون أن يؤلفوا فرقة أو حزباً، كما لم يؤلف أولئك فرقة أو حزباً وإنما جمعهم كأفراد، موقف سلبي من الحسن ومعاوية، وربما من الحياة نفسها، فانصرفوا كما يقول الملطي إلى العلم والعبادة.

وليس في هذا ما يمكن أن يؤلف مذهبا يسمح باتهامه أو اتهام معتنقيه وأتباعه بالهوى والابتداع والخروج على الدين، مع إن هذا بالذات هو ماقصده الملطي في كتابه المؤلف أصلاً للرد على أهل الأهواء والبدع كما يشير عنوانه، الذي تعرض فيه للمعتزلة بوصفهم من هؤلاء، وإلا فأي بدعة في أن ينصرف بعض المسلمين للعلم والعبادة في ذلك الوقت أو في أي وقت غيره، بعد صلح الحسن ومعاوية أو قبل الصلح.

أما إذا كان المطلي يقصد بالمعتزلة الفرقة الإسلامية المعروفة، وهو ما نعتقده فيلاحظ أن واصل بن عطاء(١) وعمرو بن عبيد(٢) اللذين تجمع المصادر على أنهما مؤسسا الاعتزال، قد ولدا بعد نحو أربعين عاماً على صلح الحسن ومعاوية، فهما إذن لا يمكن أن يكونا من بين الذين اعتزلوهما وانصرفوا إلى العلم والعبادة.

____________________

(١) أبو حذيفة واصل بن عطاء مولى بني ضبة أو بني مخزوم رأس المعتزلة ومؤسس مذهبهم كان من أئمة البلغاء والمتكلمين ومن رواد مجلس الحسن البصري قبل اختلافه معه ولد في المدينة عام ٨٠ ه- وتوفي في البصرة عام ١٣١.

(٢) أبو عثمان عمرو بن عبيد بن باب مولى بني تيم كان مع واصل بن عطاء أحد اثنين هما مؤسسا الاعتزال ولد عام ٨٠ وتوفي عام ١٤٤ في زمن المنصور.

١٣

ثم أن مؤسسي الاعتزال لم يكونا من أصحاب علي أو من أنصاره بل على العكس فقد كانا من المنحرفين عنه إلى الحد الذي لم يتحرج معه واصل من القول بأنه لو شهد علي وطلحة أو علي والزبير على باقة بقل لم يحكم بشهادتهما لأن أحدهما فاسق برأيه، وان كان لا يعين الفاسق منهما وابعد من ذلك واشد منه، قول عمرو بن عبيد الذي يفسق فريقي الجمل وصفين كليهما متجاوزاً واصلا الذي يكتفي بتفسيق واحد فقط من الطرفين دون تحديد(١) .

فقول الملطي بأن المعتزلة - إذا كان يعني الفرقة المعروفة - كانوا من أصحاب علي لا يستقيم أذن مع ما هو معروف عن الرواد الأوائل للاعتزال، وكان الأولى أن يقول أنهم من أعدائه أو المنحرفين عنه(٢) .بقي أن نلاحظ أن الملطي يلتقي مع المعتزلة في أنهم هم الذين سموا أنفسهم كذلك، إلا أن الاثنين يختلفان في أسبابه، ففي حين يدعي المعتزلة ان التسمية جاءتهم من اعتزالهم ما اختلف فيه المسلمون ليأخذوا بالمجمع عليه من مسائل لا تتصل بموقف الحسن من معاوية ومبايعته له، نجد الملطي يجعل هذا الموقف هو الأساس في قيام المعتزلة ومنه جاءتهم التسمية. ومع ذاك فلا يبدو الملطي واضحاً تماماً فيمن أطلق التسمية، فهو إذا كان يقول في بداية النص ( وهم - يعني المعتزلة - سموا أنفسهم معتزلة ) فأنه يستعمل في نهايته صيغة البناء للمجهول حين يقول ((.فسموا بذلك معتزلة )) ولا أدري هل كان الملطي يقصد ذلك ويعنيه أم انه

____________________

(١) الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي تحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري ط ١٩٤٨ ص٧٢، ١٩٢ والملل والنحل للشهرستاني تحقيق محمد سيد كيلاتي ط ثانية دار المعرفة بيروت ١٩٧٥ ص٤٩ والتبصير في الدين لأبي المظفر الاسفراييني تقديم الشيخ محمد زاهد الكوثري نشر مكتبة الخانجي بمصر والمثنى ببغداد ١٩٥٥ ص٤٢، ٤١ وانساب السمعاني تعليق عبد الله عمر البارودي ط دار الجنان ١٩٨٨ ج٤ ص٢٣٩ وميزان الاعتدال للذهبي تحقيق علي محمد البجاوي نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ج٣ ص٢٧٥ و ج٤ ص٣٢٩ والفرق الإسلامية ( ذيل كتاب شرح المواقف ) للكرماني تحقيق سليمة عبد الرسول مطبعة الإرشاد بغداد ١٩٧٣ وتاريخ بغداد - دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ج١٢ ص١٧٨ ولسان الميزان لابن حجر ج٦ ص٢١٥. وانظر أيضا أوائل المقالات للمفيد تعليق السيد هبة الدين الشهرستاني ص٤٣ وهو يجعل قول واصل مشتركا بين الاثنين واصل وعمرو أما النوبختي في ( فرق الشيعة ) إستانبول ١٩٣٢ نشر جمعية المستشرقين الألمانية بتصحيح ه- ريتر ص١٢ ( وقال واصل بن عطاء مثل علي ومن خالفه مثل المتلاعنين لا يدري من الصادق منهما ومن الكاذب واجمعوا جميعا - يقصد واصل وعمرو بن عبيد وضرار بن عمرو على ان يتولوا القوم في الجملة وان إدى الفرقتين ضالة لا شك من أهل النار.) وانظر أيضا شرح المواقف للايجي عضد الدين عبد الرحمن بن احمد ت ٧٥٦ المجلد الثالث ص٢٨٣ وتاريخ الإسلام للذهبي تحقيق الدكتور عمر عبد السلام تدمري نشر دار الكتاب العربي ١٩٨٨ ترجمة واصل بن عطاء الطبقة الرابعة عشرة حوادث سنة ١٣١ وأصول الدين للبغدادي ج١ نشر مدرسة الإلهيات بدار الفنون التركية ط أولى ١٩٢٨ ص٢٩٠ و ٣٣٥ وأظن واصلا وعمرا ينكران - كما يظهر واضحا - حديث ( العشرة المبشرة في الجنة ) الذين منهم طرفا النزاع علي وطلحة والزبير، ولولا ذاك لما حكما عليهما أو على أحدهما بأنه فاسق أي مخلد في النار، مع ان الحديث جاء مبشرا للطرفين بأنهم في الجنة خالدين فيها لا تمسهم النار ولا تقرب منهم.

(٢) يخلط الملطي خلطا غريبا في حديثه عن الفرق الإسلامية في كتابه المذكور أعلاه مخالفا في ذلك كل الذين كتبوا عنها وكل ما هو معروف من مبادئها وهو ما يفرض عليك الشك والحذر فيما تنقله عنه من معلومات خاصة بتلك الفرق وقد يكون سبب ذلك عدم دقة الملطي أو عدم حياده.

١٤

أستعمل الصيغة كما وردت إلى ذهنه عند الكتابة دون تفكير وقصد ؟ هل كان يريد القول أنهم هم الذين سموا أنفسهم معتزلة ثم تبعهم الناس في هذه التسمية فسموا بها.

وأخيراً فأن الملطي لم يذكر لنا بعض هؤلاء الذين اعتزلوا ولم يورد أسمائهم وإنما اكتفى بألفاظ لا تحدد شيئاً مثل ( هم ) و ( كانوا من أصحاب علي ) مع إن المؤرخين لم يبخلوا علينا بأسماء عدد من الذين اعتزلوا النزاع بين علي وبين خصومه قبلهم وهذا ما يجرد رواية الملطي من كثير من قيمتها.

لكن الغريب أن رأي الملطي هذا على ضعفه وتهافته يتبناه أحد كبار المؤلفين المعاصرين(١) ثم ينطلق منه للوصول إلى بعض النتائج التي لا تفضل في شيء النتائج التي يقود إليها رأي الملطي إن لم تكن أسوأ منها.

أستمع إلى الدكتور النشار وهو يقول تعقيباً على نص الملطي ( أعتزل أذن الحياة العامة جماعة من خلص المؤمنين رأوا الأمر كما قلنا بين يدي معاوية الطليق فزهدوا الدنيا وأمرها وفي هذا الوسط المعتزلي أو بين هؤلاء المعتزلة كان هناك رجلان من أهل البيت هما أبو هاشم عبد الله والحسن ابنا محمد بن الحنفية وكانا أول من قام بالاعتزال . الخ).

ولأني سبق أن ناقشت رأي الملطي الذي أستند إليه النشار فسأكتفي هنا ببعض الملاحظات التي احسب القارئ قد سبقني إليها وهو يقرأ تعقيب الدكتور النشار على نص الملطي والنتائج التي رتبها عليه.

____________________

(١) هو الدكتور علي سامي النشار في كتابه نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ط ثانية مطبعة دار نشر الثقافة بالإسكندرية ١٩٦٢ ج١ ص٢٦٣.

١٥

وأولى هذه الملاحظات قول النشار (( أعتزل إذن جماعة من خلص المؤمنين )) وهذا يمثل مصادرة على المطلوب فلقد وجهنا نحن السؤال إلى الملطي عن هؤلاء الجماعة أو عن بعضهم أو واحد منهم فلم نجد عنده جواباً.

والملاحظة الثانية تتعلق بعبارة النشار (( بين هؤلاء المعتزلة كان هناك رجلان من أهل البيت هما أبو هاشم عبد الله والحسن ابنا محمد بن الحنفية . )) وإذا كان النشار نفسه يقول أن الحسن بن علي قد بايع معاوية عام ٤٠ والصحيح ٤١ فأن أبا هاشم وأخاه الحسن لم يكونا عند المبايعة لمعاوية قد تجاوزا سن الطفولة أو ربما لم يكونا قد ولدا بعد إذ أن آباهما محمد بن الحنفية لم تتجاوز سنه عند ذاك العشرين إلا قليلاً فكيف جاز للدكتور ان يقول (( بين هؤلاء المعتزلة )) عن أبنيه ؟

وأخيراً فماذا يقصد النشار بقوله عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية بأنهما ( كانا أول من قام بالاعتزال )) أي اعتزال يريد ؟ هل اعتزال الحسن ومعاوية الذي تحدث عنه الملطي وهذا كان قد سبق إليه (( خلص المؤمنين )) أثر مبايعة الحسن لمعاوية، فلم يكن إذن أبنا محمد بن الحنفية أول من قام به، أم الأعتزال الذي سبقه خلال الصراع بين علي وبين خصومه، وما أظن الدكتور يتحدث عنه، وهو قطعا قبل ولادة عبد الله والحسن، أم الاعتزال الأخير المرتبط بمرتكب الكبيرة وهذا لم ينسبه أحد إلى غير واصل بن عطاء أو واصل ومعه عمرو بن عبيد بعد وفاة أبي هاشم والحسن ابني محمد بن الحنفية على أن أحدا من الرواة والمؤلفين

١٦

على اختلاف عصورهم وميولهم لم ينسب أية صلة للحسن أبن محمد بالاعتزال وإنما تحدثوا عنه كأول من قال بالإرجاء وألف فيه، وأظن الدكتور يتفق معي أن الإرجاء غير الاعتزال إلا إذا كان له رأي آخر في الموضوع.

لقد كنا نريد أن يكون الدكتور أكثر حرصاً وأكثر دقة وهو يتناول قضيا في مثل هذه الخطورة.

٢ - اعتزال مجلس الحسن البصري

أكثر الروايات تداولا في تسمية المعتزلة هي تلك التي تنسب التسمية إلى اعتزال واصل بن عطاء أو عمرو بن عبيد(١) مجلس الحسن - البصري(٢) واعتزال مجلس الحسن تورده الروايات التي تربط به التسمية على وجهين، فمنها ما لا تذكر حادثة معينة أو سببا مباشراً للاعتزال مكتفية بهذا السبب العام الذي يتمثل بخروج واصل، في مرتكب الكبيرة، برأي مخالف للآراء السابقة أو إحداث عمرو ما أحدث من بدع.

ومنها ما لا تكتفي بذلك بل تضيف إليه سببا مباشرا لاعتزال مجلس الحسن وهذه الأخيرة تذكر الحادثة الاتية لتجعل منها بداية الاعتزال وتربط بها تسمية المعتزلة.

وقبل أن اورد الحادثة كما جاءت بها الروايات أود أن أنبه الى أن مناقشتي لها تتضمن في بعضها مناقشتي للروايات الأخرى التي تربط هي أيضا تسمية المعتزلة باعتزال مجلس الحسن لكنها لا تشير إلى هذه الحادثة

____________________

(١) في ( الفرق بين الفرق ) للبغدادي ص٧١ ان الذي اعتزل مجلس الحسن هو واصل بن عطاء وكذلك في ( أصول الدين ) للبغدادي أيضا ط أولى استانبول ١٩٢٨ ج١ ص٣٣٥ وهو ما نجده في ( الملل والنحل ) للشهرستاني تحقيق محمد سيد كيلاتي - دار المعرفة بيروت ١٩٧٥ ج١ ص٤٨ وفي التبصير في الدين لأبي المظفر الاسفراييني تقديم الشيخ محمد زاهد الكوثري نشر مكتبة الخانجي بمصر ومكتبة المثنى ببغداد ١٩٥٥ ص٦٤ واللباب في تهذيب الأنساب لأبن الأثير نشر مكتبة القدسي بالقاهرة ١٣٥٦ ه- ج٣ ص١٥٦ ومعجم الأدباء لياقوت الرومي ط ثالثة نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ١٩٨٠ ج١٩ ص٢٤٦ وشرح التفتازاني سعد الدين مسعود بن عمر علي متن عقائد النسفي ص١٦ وتعريفات الجرجاني المطبعة الميمنية ص١٢٨ وشرح المواقف للايجي عبد الرحمن بن احمد ت ٧٥٦ المجلد الثالث ص ٢٨٢ وتاريخ الإسلام للذهبي الطبقة الرابعة عشرة حوادث سنة ١٣١ في ترجمة واصل بن عطاء.=

١٧

____________________

=وفي ( أوائل المقالات في المذاهب المختارات ) للشيخ المفيد تعليق السيد هبة الدين الشهرستاني مطبعة رضائي - تبريز - إيران ١٣٦٣ ه- ص٣٦ ان اعتزال مجلس الحسن كان من قبل الاثنين واصل وعمرو وفي طبقات المعتزلة لأحمد بن يحيى بن المرتضى تحقيق سوسنة ديفلد فلزر ط بيروت ١٩٦١ ص٣ ( ان واصلا وعمرو بن عبيد اعتزلا حلقة الحسن واستقلا بأنفسهما ) دون إيراد أي سبب، وهو ينقل ذلك عن ابن قتيبة في ( المعارف ) وبالرجوع إليه لم نجد ذكرا لواصل فهو يقول في ص٤٨٣ مطبعة دار الكتب ١٩٦٠ تحقيق الدكتور ثروت عكاشة ( وكان يرى - يقصد عمرو بن عبيد - رأي القدر ويدعو إليه واعتزل الحسن هو وأصحاب له فسموا المعتزلة ) فلعل ابن المرتضى وجد ما نقله في كتاب آخر لأبن قتيبة غير المعارف أو لغير ابن قتيبة فنسبة سهوا لهذا على ان ابن المرتضى بعد اسطر من ذلك وفي نفس الصفحة يجعل واصلا هو المعتزل الأول ونفس ما وجدناه في ( طبقات المعتزلة ) نجده في المنية والأمل لقاضي القضاة ص٧ وعنه كما أظن نقل ابن المرتضى ما نقل أما السمعاني فيذكر في ص٣٣٨ من الجزء الخامس من أنسابه ط دار الجنان ١٩٨٨ تحقيق عبد الله عمر البارودي ان الذي اعتزل مجلس الحين هو عمرو بن عبيد وجماعة معه فسموا ( المعتزلة ) لكنه بعد سطرين فقط ينقض ذلك حين يجعل واصلا هو المعتزل الأول لمجلس الحسن بعد طرده منه بسبب قوله في مرتكب الكبيرة ثم انضم غليه عمرو وفي ميزان الاعتدال للذهبي ط دار الفكر ج٣ ص٢٧٤ ان عمرا هو الذي اعتزل مع جماعة مجلس الحسن فسموا المعتزلة لكنه يروي في ص٢٧٥ ان ( أول من تكلم في الاعتزال واصل الغزال ودخل معه في ذلك عمرو بن عبيد ) وفي تاريخ بغداد نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ج١٢ ص١٦٦ في ترجمة عمرو بن عبيد ( واعتزل - يعني عمرا - أصحاب الحسن ) وفي تهذيب التهذيب ج٨ ص٧٤

في ترجمة عمرو بن عبيد أيضا (.الى ان احدث - يعني عمرا - فاعتزل مجلس الحسن وجماعة معه فسموا المعتزلة.) وفي زهر الآداب لأبي اسحق الحصري شرح الدكتور زكي مبارك ج١ ص٩٤ ( واعتزل مجلس الحسن البصري - يعني عمرا - وهو أول المعتزلة ) وانظر أيضا الأعلاق النفسية لابن رستة طبعة ١٨٩٢ ص٢٣٠ وشرح الأصول الخمسة لقاضي القضاة تحقيق الدكتور عبد الكريم عثمان نشر مكتبة وهبة بالقاهرة ١٩٦٥ ص١٣٨.

وألاحظ ان الذين يجعلون واصلا هو المعتزل الأول لمجلس الحسن يربطون في غالبيتهم بين اعتزاله وبين قوله بالمنزلة بين المنزلتين في مرتكب الكبيرة ثم يجعلون الحسن هو الذي طرد واصلا من مجلسه بسبب قوله ذاك، إذا استثنينا الذين يأخذون بالرواية القائمة على سؤال الحسن عن حكم مرتكب الكبيرة أما الذين يربطون الاعتزال بعمرو ابن عبيد فلا يذكرون الكبيرة ولا المنزلة بين المنزلتين ولا يشيرون إليهما وإنما يتكلمون عما احدث عمرو من بدع واعتزاله مجلس الحسن اثر ذاك لا مطرودا منه كما هي الحال مع واصل هذا عدا الرازي محمد بن عمر في كتابه ( اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ) مراجعة علي سامي النشار نشر مكتبة النهضة المصرية ١٩٣٨ الذي يجمع فيه بين واصل وبين عمرو في القول بالمنزلة بين المنزلتين وباعتزال مجلس الحسن.

(٢) أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن البصري من سادات التابعين وأحد كبار العلماء والفقهاء والنساك كان أبوه مولى للأنصار وأمه مولاة لأم سلمة زوج النبي محمد ولد في المدينة عام ٢١ وتوفي في البصرة عام ١١٠ وكان مجلسه في البصرة من المجالس المشهورة ومن بين روادها واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد زعيما المعتزلة ومؤسسا الاعتزال.

١٨

أو غيرها، مكتفية كما قلت، بهذا السبب العام الذي هو موقف واصل من مرتكب الكبيرة أو إحداث عمرو ما أحدث من بدع.

والآن ما هي الحادثة التي دفعت إلى اعتزال واصل مجلس الحسن وقيام المعتزلة ؟

تقول الرواية (( دخل واحد على الحسن البصري فقال: يا إمام الدين لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة وهم وعيدية الخوارج وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان بل العمل على مذهبهم ليس ركنا من الإيمان ولا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وهم مرجئة الأمة فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقادا.

فتفكر الحسن في ذلك وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ولا كافر مطلقا بل هو في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر(١) ثم قام واعتزل إلى اسطوانة من اسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن فقال الحسن: اعتزل عنا واصل فسمي هو أصحابه معتزلة ))(٢) .

وهذه الرواية، برغم ذيوعها، تبدو قاصرة، بالشكل الذي وردت به، عن تقديم حل لموضوع التسمية فهي مثلا لا تفسر لنا لماذا انبرى واصل وحده، والسؤال لم يوجه له، إلى إجابة السائل دون انتظار لما سيجيب به أستاذه الحسن في هذه المسألة يبين رأيه بعد ذلك موافقاً أو مخالفا ماذا كان يضير واصلا لو أنه انتظر قليلا ليسمع إجابة الحسن في المسألة، وأقل

____________________

(١) يراجع موضوع المنزلة بين المنزلتين في الفصل الثاني من هذا الكتاب.

(٢) الملل والنحل ج١ ص٤٨.

١٩

ما في تصرفه ذاك أنه يمثل خروجا على ما تعارف عليه الناس من آداب في ذلك الوقت وفي أي وقت ثم هل كان واصل على علم سابق بالسؤال فجاء جوابه جاهزا كأنه قد هيئ من قبل ؟ ولماذا ترك واصل مجلس الحسن بعد السؤال والجواب ؟ لنفرض انه اختلف مع أستاذه في مسألة ما وليس في هذا من غريب، أكان الاختلاف في مسألة واحدة موجبا لاعتزال مجلس الحسن والحسن نفسه، بعد طول ملازمة له، لا بد أن قضايا أخرى كثيرة قد أثيرت وبحثت خلالها ولم يكن رأي الاثنين - الحسن وواصل - متطابقا دائما فيها.

ولماذا اعتزل الآخرون حلقة الحسن وتبعوا واصلا ؟ هل كان جواب واصل في هذه القضية وحدها كافياً لأن يدفعهم إلى قطع صلاتهم بالحسن واعتزال مجلسه، والموضوع كله لا يعدو كما رأينا، سؤالا من شخص و جوابا من واصل حتى لو كان رأي واصل أرجح الرأيين، مع إن الحسن لم يكن قد أدلى برأيه بعد في السؤال كما تقول الرواية.

أم أن هناك قضايا أخرى كانت موضع خلاف مع الحسن واتفاق مع واصل فجاء جواب واصل في هذه القضية إيذانا بانفصال نهائي بين اتجاهيين، كان لا بد أن يقع يوما ما.

والقضية المسؤول عنها ؟ هل كانت مطروحة من قبل، وفي هذه الحالة، افترض أن رأي الحسن كان معروفا فيها لواصل، ولغير واصل، فليس الحسن على مكانته وعلو مقامه، بالذي يجهل رأيه في قضية كهذه يخوض فيها الناس وتتباين الآراء(١) .

____________________

(١) رأي الحسن في مرتكب الكبيرة انه منافق ويراجع في هذا ( الانتصار ) للخياط أبي الحسين عبد الرحيم بن محمد المطبعة الكاثوليكية بيروت ١٩٥٧ ص١١٨ و ( المنية والأمل ) لقاضي القضاة تحقيق الدكتور عصام الدين محمد علي دار المعرفة الجامعية ١٩٨٥ ص٤٠ وأمالي المرتضى دار احياء الكتب العربية تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ١٩٥٤ ج١ ص١٦٥ و ( الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد ) للشيخ الطوسي محمد بن الحسن مطبعة الآداب في النجف ١٩٧٩ ص٢٣٤ و ( الفصل في الملل والأهواء والنحل ) لأبن حزم تحقيق الدكتور محمد إبراهيم نصر وعبد الرحمن عميرة ط دار الجيل - بيروت ج٣ ص٢٧٣ ١٩٨٥ و ( طبقات المعتزلة ) لأبن المرتضى أحمد بن يحيى تحقيق سوسنة ويفلدفلزر بيروت ١٩٦١ ص٣٨ و ( شرح تجريد الاعتقاد ) للعلامة الحلي والحسن بن يوسف بن المطهر ت ٧٢٦ مطبعة العرفان صيدا ١٣٥٣ ه- ص٢٧١ و ( محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ) لفخر الدين الرازي محمد بن عمر ت ٦٠٦ط أولى بالمطبعة الحسينية بمصر ص١٧٥ و ( شرح الأصول الخمسة ) لقاضي القضاة عبد الجبار بن احمد الهمذاني الاسدابادي ت ٤١٥ تحقيق الدكتور عبد الكريم عثمان ط أولى ١٩٦٥ ص٧١٤، ٧١٥ ولباب المحصل في أصول الدين لابن خلدون نشر الأب لوسيانو روبيو ١٩٥٢ ص١٢٦ وأنظر أيضا شرح المواقف للايجي المجلد الثالث ص٢٥٤ أما صاحب ( الفرق بين الفرق ) فرغم ذكره للنفاق كواحد من أقوال الأمة وهو يعدد أقوالها في مرتكب الكبيرة إلا انه لم ينسب هذا القول الى الحسن البصري ص٧٠ بل الى ( قوم من أهل ذلك العصر ) وممن يذهب مذهب الحسن في اعتبار مرتكب الكبيرة منافقا، البكرية أصحاب بكر ابن أخت عبد الواحد ( مقالات الإسلاميين ) للاشعري تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ط أولى ج١ ص٣١٧ و ( الفرق بين الفرق ) ص١٢٩ وأصول الدين لعبد القاهر البغدادي ص٣٣٨.

٢٠